أريد ... وطني ... تاما... يا فخامة الرئيس
بقلم: م.أبوساره بابكر حسن صالح
ألقى فخامة الرئيس عمر حسن البشير خطابا مفعما بالحيوية من حيث مقاصده، ثر في لغته وبلاغته، خطاب حين تتأمله يخال اليك بأنه خطاب زعيم خرج منتصرا فجاء يزهو بكل فخار وسؤدد يقف أمام شعبه بألق متوجا لإنجاز تاريخي لا يقل عن قيمة الإستقلال نفسه المحتفى بذكراه الخامسة والخمسين!!!.
لا أخفي إعجابي بصدر خطاب الرئيس حين قال(عيدٍ يُذكِّر بالتضحياتِ الِجسام التى أشرقت من فيضِ دمَائِها وعطائها شمسُ الحريَّةِ الوضيئة . لتشهد لتلك الثُلَّة الأبَّية من حَمَلَة مشاعل الجهاد بأكرمِ ما تصونه الأوطان فى ذاكرتها لأبنائها الميامين . ثُلَّة يتصل موكبها المهيب ، فَتُومِضْ كواكبَهُ الزواهر مُحدَّثةً عن روعةِ الملاحم ، وصلابة العزائم ، وتسامىِ النفوس ، ورجاحةِ الأذهان ، ووضوح الرُؤية ، وعظمةِ الإيثار ، ووحدةِ الهدف : أن يظــلّ هذا الوطـن الحبيب مرفوعَ الهامة واثق الخطوة ، موطّأ الأكناف وعزيز الحِمى.. ثلةٍ ماجدةْ . من لدن المك نمر ومهيرة بت عبود ، والإمام المهدي وصحبه أُباةُ الضيَّمِ الخليفة التعايشى وأمراء الصولات الكبرى ، وبقية العقد النظيم الذي مضى على وهجه ونهجه ود حبوبة وعلى عبد اللطيف ، ليتحلّق حوله أرباب السيف والقلم ، فَتمْضِى خطى النضال الوطني الراشد بالرفقة الماجدةْ من نُخبةِ نادي الخريجين وقادة العمل الاستقلالي ،حتى ارتفع العلم المهيب على سارية العزة في الأول من يناير عام 1956 ، بيد الزعيم الأزهري معلناً بزوغ عهد الحرية والمسئولية) .
وأخال إن الكثيرون ولقد تقاطر الدمع من أعينهم وهم يستحضرون تلك اللوحة النضالية الجميلة لجيل الحركة الاستقلالية والاتحادية وهم يشدون من أذر بعضهم في موقف وحدوي لا مثيل له في تاريخ السودان الحديث بنتجته ولد وطن نفاخر كما فاخر به الرئيس في كلماته أعلاه.
ولكن دموعنا سيد الرئيس في هذه اللحظات ليست دموع فرح بل إنها دمعة حزينة في أوقات عصيبة أشبه بدمعة يتيم تذكر أبواه الفقيدين "أباؤنا الذين نفتقدهم اليوم وبلادنا مقبلة على التقسيم هم من صنعوا إستقلالنا ووحدتنا" وحافظوا على ذلك حتى ورثه جيل من بعدهم،إنها دموع المغلوب على أمره من الوطنين الوحدويون الذين رفضوا الهزيمة والإنكسار وطالبوا بتفويت الفرصة على التربص الراهن بوحدة البلاد وذلك بنزع شوكة المخالب الإنفصالية التي نشبت أظافرها المسمومة في حوض الوطن في جنوبه!!. لا يكاد أحدنا يصدق ما يرى وما يسمع يا سيد الرئيس، جانب يمزق وطرف آخر يمارس الحلم وهو غير مقتنع!!
أنت تخاطبنا يا سيد الرئيس في وقت ضايع بخطاب يمجدنا أبطالا في معركة قد هزمنا فيها بعد أن أزهقنا أرواح من هم أعز منا جميعنا شهداء الوحدة والحرية والعدالة والاستقلال الكامل لوطن غير منقوص السيادة لهذا ...لقد بكى وأجهش بالبكاء قادة كبار في سياق مخاطبات جماهيرية الإ ان بكاءنا غير بكائهم، بكاؤنا وقد وصفته أعلاه، و أما ما أسال دموعهم هو أنهم يقفون أمام جماهير أدركوا صدقها وإخلاصها وحرصها على وحدتها بكل وطنية وتجرد، فما يبكي أولائك القادة الكبار هو أنهم يعلمون "بأن المريض ميت لا محالة" وإن أهله يتمنون حياته، و لا يدرك حقيقة المرض القتال الذي أباح به الأطباء الإ القلة من أمثال هؤلاء القادة!!. في السياسة يسمون "بلاعبوا اللعبة" الشعب بسذاجته يصدق ما يقولون، وهم في دواخل أنفسهم يعلمون بأن ما يقولونه لشعوبهم ما هو الإ "كذبة بيضاء" إن كان للكذب بياضا وأشك في ذلك....وحين يحصحص الحق، يتملك بعض القادة الإحساس بالعجز عن فعل شئ مما تتمناه الجماهير الهادرة أمامهم ولمحتفية بهم، فلا تبقى أمامهم الإ الحسرات دمعا مهراقا..... ففرق بين من بكى وهو مغلوب على أمره كمثل مواطن ضعيف!! وبين بكاء من هو مهزوم بفعل مواقفه وسياساته تجاه القضايا المصيرية للوطن... نعم بكا الأوفياء من أبناء شعبنا بحسرة لأنهم لا يقبلون أن يصاب وطنهم بعجز القادرين... و لا يريد أحدهم أن يموت كما تموت العير.. "و لا نامت أعين الجبناء" أو كما يقول أهلنا البقارة " الثور مات بمنعه" وهنا أن يموت الشخص بصحته وقدرته ميتة فجاءة... فبلدنا مع كل عوامل المنعة والإقتدار ومقومات التوحد نراه يمشي ويمشي في خطا متثاقلة الى مصير يدفعه اليه البعض دفعا وهو يستعصم و يأبى، ولكنه يورد إليه كما تورد الإبل!!!.
(ولئن مضت خمسٌ وخمسون سنةً على تلك اللحظة التاريخية المشهودة ، فإن تعدُّد التجارب، وتلاطمْ أمواج السياسةِ من حِوْلِ بلادنا ، وثِقَلْ الإرث الاستعماري ، قد أفضى كُلَّهُ إلى تعقيداتٍ شهدتها خريطة الوطن ، كادت فى كثيرٍ من الأحيان أن تعصف ببنائه ، وتخرق نسيجه ، وتُشَتَّتْ أبناءَهُ ، لولا بقيةٌ من حكمةٍ ورشدٍ استعصم بها وطننا العتيد ، فاجتاز ضُرُوَباً من المِحَّنْ قلَّ أن ينجو منها إلا وطنٌ أبيٌ مِثْلَهُ . وبِحَسْبِهِ أنهُ خاض أطول حربٍ أهليةٍ وأشرسها ثم خرج منها يقدِّم لبني الإنسان أنموذجاً راقياً ومسئولاً في بناء السلام ).
كلنا يعلم وبصدق النفوس وصفاؤها لم يهتز بناؤنا، ويتهتك نسيجنا الإجتماعي كما لم يتشتت أبناء الوطن ومنذ تاريخ إستقلاله أكثر مما حدث للوطن وأهله في العقدين الماضيين من عمر الزمان، فلم تتجلى حكمة أباء الاستقلال في واقعنا، فكابرنا وزايدنا على بعضنا وها نحن في حرب الجميع ضد الجميع على شفا جرف هار، إن لم تتداركنا رحمة من الله.
نعم إنها إبتلاءات ومؤامرات خارجية و لكن لا ننسى أفعالنا نحن في أنفسنا " وفي أنفسهم أفلا يبصرون" وما مارسناه من عصبيات ضيقة في حق بعضنا تجاوزت حد الهزو الإجتماعي البرئ الى درجة هضم الحقوق في بعض الأحيان بفعل القبيلة أو الجهوية أو الإنتماء الحزبي المغاير وذلك ظلم على مستوى الحقوق المدنية والسياسية، ظلم يمقته الدين وتأباه الإنسانية!! المؤامرات الخارجية ما كان لها أن تمر أو تخترق أمننا وصفوفنا ما لم تجد كوة أو خلل في سياساتنا تمكنها من إستقطاب قوى داخلية "طابور خامس" تنفذ من خلاله مؤامراتها التي زينتها للبعض وكأنها جنان الخلد بينما هي جنة الدجال ما أن يدخلها احد حتى يجدها جحيما ووبال عليه...
نعم سيدي الرئيس: لقد خرج الوطن من منعطفات كثيرة كادت ان تعصف به عبر مسيرة الزمن المنصرم ولكن كيف السبيل وما الحكمة التي نستعصم بها اليوم لنجتاز بها كارثة الإستفتاء المقرر في 9 يناير2010م؟!!. وما الذي تنتظره الإنسانية منا لنقدمه لها من أنموذج راقي ومسئول في بناء السلام ؟ هل أن أبتر زراعي عنوة وألقي بها في قارعة الطريق ذاك مما يسر الإنسانية؟ هل فصل جزء أصيل من وطن قائم ومستقل ذاك مما يعجب البشرية؟!!.. هل تكسيرنا لجسر التواصل العربي الإفريقي مما يتفخر به؟ أم إننا لا نعترف بأن ما يحدث هو فشل في مهامة حضارية وتاريخية، فمن يعجز في مد جسور التآخي مع بني وطنه فهو غير مؤهل لمثل هكذا دور" السودان جسر".
" السلام الذي جعلناه هدفاً نهائياً لوطننا . هدفاً تتقاصر دونه الأهداف ، إذ لا أغلى منه مطمحاً، ولا أكرم منه اختياراً . نقولُ ذلك ونحن موقنون بأنَّ السلام هو جوهر الاستقلال ، ولهذا ، يَحِقُّ لنا أنْ نُفاخرَ اليومَ باكتمال بدره وشِمُولُ خيره"
صدقت يا فخامة الرئيس: السلام هو خيار الإنسانية جمعاء ومن دونه لا تتحقق أية أهداف إجتماعية او سياسية –إقتصادية كما لم تقم الدول الإ بإقراره وإرساء دعائمه. الإ أن السلام لا يكون خصما على وحدة الأوطان، ونقص في عدد السكان، وإهدار للموارد!!. السلام هو نماء وزيادة و إزدهار ورفاه لا يمكن أن يصبح خنجرا في خاصرة السيادة والإستقلال الوطني!! كما لا يمكن أن يكون خصما علينا، بل يصبح السلام هدفا نهائيا تغر له أعيننا إذا ما حافظ على وحدتنا الوطنية، ولن يكون كذلك إن نجم عنه إنفصال الجنوب عن الشمال بأية حال من الأحوال... ونكون بذلك سيدي الرئيس كمن "يحرث في البحر" ... أو كالمنبت لا أرضا قطع و لا ظهرا أبقى".
( فَعنْ قليلٍ يمضي أبناء جنوبنا الحبيب ليُعبَّروا عن خيارهم ، في مشهدٍ ديمقراطي حُرٍ لم تشهد الساحة له مثيلا في تاريخنا المعاصر .. مشهدٍ تخفق راياته ، فتكتب آخر سطرٍ في كتاب المعافاة لوطننا الكبير ، وبذا نكون قد حققنا أغلى معاني الاستقلال ، وماذا يعنى الاستقلال إنْ ظلَّ الوطن مُتنازَعَاً حولَ مستقبله ووجهته).
ليتهم لم يمضوا بعد قليل يا فخامة الرئيس، ويا ليت لو تأجل أو ألغي هذا الإستفتاء المعلوم النتيجة في حال ممارسته في الإجواء الراهنة، لأن ما جرى وعايشناه من معوقات لعملية التسجيل، وحرمان الوحدويون الجنوبيون والشماليون من العمل من أجل الوحدة، وهزيمة المشاعر الطلابية بالغاء الدورة المدرسية وزج بعض الناشطين في سجون الحركة بالجنوب، وتكالب دول الجوار الإفريقي والعربي و الإيقاد وأصدقاؤها في تحفيز واضح على الإنفصال، وقضية أبيي، وعدم الإنتهاء من ترسيم الحدود التي أوصت الإيقاد بأن تكون مرنة وهذا في حد ذاته مدخل لحرب حدود محتملة !! كل هذا لا يمكننا أن نقول معه إن ما سيحدث في التاسع من يناير سيتم في جو ديمقراطي حر غير مسبوق في تاريخنا المعاصر!! الإستقلال في وعينا الوطني هو أن يبقى الوطن موحدا، وأنه لا مفاضلة على وحدته بأي حال من الأحوال، وأن نحيا كراما أو نموت كراما في سبيل الحفاظ على هذا الاستقلال المرادف في النتيجة لوحدة ترابنا وشعبنا شماله وجنوبه شرقه وغربه.
ها هي الولايات المتحدة الأمريكية والتي تقف "بالكرباج" على رؤس حكام العالم الثالث تطالبنا بالإلتزام بإنفاذ العملية الجراحية القاسية التي جهزت مبضعها وجراحها ليقطع ربع جسد وطننا، ألم تكن أمريكا قد عاشت حربا أهلية من أجل وحدة شعبها وترابها في الفترة ما بين 1861-1865م، حربا وصفت بأنها الأكثر دموية في تاريخ البشرية، فقدت فيها أمريكا 620,000 جندي نظامي بالجيش الأمريكي ناهيك عن الاعداد المهولة للمدنيين؟!، لقد ترتب على هذه الحرب ( إنهاء الرق في الولايات المتحدة، واستعادة الاتحاد، وتعزيز دور الحكومة الفيدرالية.، و ساعدت القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعرقية التي ظهرت خلال الحرب، في تشكيل التوجهات الأمريكية في حقبة إعادة الإعمار التي استمرت حتى عام 1877، وأحدثت تغيرات ساعدت على جعل البلاد قوة عظمى فيما بعد). ما هي أسباب الحرب الأهلية الأمريكية وهل هي مختلفة عن حرب السودان في جنوبه؟!
لقد أعلنت إحدى عشرة ولاية من ولايات الجنوب الأمريكي بقيادة جيفرسون ديفيس، الانفصال عن الولايات المتحدة وكونت " الولايات الكونفدرالية الأمريكية" فشنت حربا ضد اتحاد الولايات المتحدة، والتي كانت تدعمها كل الولايات الحرة وولايات الرقيق الخمسة الواقعة على الحدود، كان يعرف الإتحاد بالشمال كما يعرف الإنفصاليون بالجنوب "الكونفيدرالي"، فسبب ذلك هو أن الحزب الجمهوري بقيادة الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لينكولن ألغى الرق والعبودية في أمريكا و عندما أعلن فوز حزبه في إنتخابات عام 1860م خرجت الولايات الجنوبية التي رفضت الغاء الرق وأعلنت إنفصالها مما قاد الى الحرب الأهلية الأمريكية التي انتهت بإنتصار خيار الوحدة والإتحاد. لقد صدح لينكولن بإعلان تحرير العبيد مما حقق هدف الحرب من إنهاء الرق في الجنوب الأمريكي،[ وأوقف بريطانيا عن التدخل في شئون أمريكا الداخلية. علما بأن بريطانيا كانت هي الدولة العظمى في العالم وقتذاك كما هي أمريكا اليوم وكان قد دعاها الإنفصاليون في الجنوب الأمريكي للتدخل لصالحهم ضد الشمال وتمكينهم من الإنفصال، ويا لسخرية الأقدار ها هي أمريكا تريد أن تسقي السودان بكأس رفضت الشرب منها حين هددتها بريطانيا بالتدخل العسكري لنصرة الإنفصاليين، وها هي أمريكا تخوفنا بالتدخل العسكري دعما لإنفصال جنوب السودان في حال أن الشمال السوداني أوقف عملية الإستفتاء المزمع اجراؤه في 9 يناير2011م.... هل نحن خائفون من غضبة أو تدخل أمريكي سافر سيدي الرئيس؟!!.
(وهنا، أود أن أطُمئَّن كُلَّ أبناء هذا الوطن السَمْحِ الصبور ، بأننا سوف نُخيِّب ظنَّ المتربصين ، فلن نــدع فــرصةً لأيِّ تفلتٍ أمني ، ولن نسمح بأيِّ تواطؤٍ يُعكَّر صفو المواطنين، ولسوفَ نبذل قُصارى جهدنا قبل الاستفتاء وبعده ، لنُبرهن على أنه لا ظروفَ استثنائيةً ستنجم عن التطورات التى ستتبعه ، كما يشيع المرجفون، بل أُبشّر المواطنين الكرام بأن ثمرات الحرية التى كفلناها لأهلنا في الجنوب عبر تقرير المصير ، ستفئ على كل الوطن أمناً وازدهارَ معاش . فلتمضِ عملية الاستفتاء على بركة الله ، واثقةً بالتزامنا الذى نجدَّده فى هذه اللحظة ونؤكده ، تعهُّداً بالتاريخ المتفق عليه ، وقبولاً بالنتيجة المتأتية عن رغبة المواطنين واختيارهم) .
نبتهل الى الله فخامة الرئيس أن يربط على قلبك وان تخيب فعلا آمال المتربصين، وأن تفوت الفرصة على هذا الإستفتاء الغير شرعي والمتطرف في نتائجه كما وصفه أحد خبراء القانون الدولي وهذا لا و ليس غيره ما يطمئن قلوب السودانيون الوحدويون جنوبا قبل شمالا،أما ما ينجم عن مرحلة ما بعد الإستفتاء ذلك أمرا لا يمكن التكهن به ولكن تسهل قراءته، فلا سلام و لا أمن مع دولة جنوبية منذ الآن يرفض بعض قادتها حتى أبناء الجنوب من معتنقي الديانة الإسلامية أن يعودوا الى الجنوب ويقول هؤلاء يجب ان يبقوا في الشمال " لأنهم مصابون" ويقصد بإصابتهم هو إسلامهم لأن في نظره هذا القائد الجنوبي الإسلام مرض معدي يجب الا ينتقل حاملوه من الشمال الى الجنوب!!،، فأنت تتمنى وتطمح في أن لا تنشأ ظروفا إستثنائية ، فها هي نشأت قبل أن يجرى الإستفتاء في موعده، إنهم يتحدون الخيارات المطروحة لحل مشكلة أبيي ويتزرعون بإجراءات إدارية لإستفتاء يجري من طرف واحد وكأن في السودان أصبح من حق أي محلية أن تستفي مواطنيها فيما أن تبقى ضمن السودان أو تنفصل لتنضم الى كينيا او يوغندا وغيرها !!! شئ عجاب هذا الذي يحدث!!!.
ليتها يا سيدي الرئيس لا تمضي مسيرة هذا الإستفتاء اللعين، وليت يومها الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى أي بين عشية وضحاها لنكون كما أراد لنا الأعداء أن نكون أشتاتا، لا كما نريد نحن متحدين، ليت هذا اليوم لا يأتي!! فإن كان الأمر بيدي كمواطن عادي كما أسلفت لوقفت كالطود المنيع أحول دون تقسيم بلادي بكل أرادة، فالمرجفون حقا هم من يفسحون المجال لهذا المخطط أن يمر... نحن وطنيون وحدويون ولسنا دعاة حرب، ولكن التاريخ دوما هو أنياب وأظافر ونعلم ، ومن لم يدرك هذه الحقيقة يضعف ومن يضعف يسهل الهوان عليه، ومن سهل هوانه عليه إضمحل ومن لم يكن قويا حتما ستمزقه الأقوياء بالقوة أو بالحيلة كما فعلت الحركة الشعبية بالوطن ووحدته....
ما الذي تخشاه القيادة السياسية لسودان اليوم، هل حقا كما يقال إنها تتقي غضبة أمريكا وأن هناك تهديد ووعيد بمصير صدام حسين لقادتنا، فإن كان هذا هو الحال ففي تقديري وموقفي الشخصي مصير صدام حسين أكرم من أن نرى وطنا يقسم، فمن قال إن صدام كانت خاتمته سيئة، العراق الوطن هو من كان أسوء حظا، الوطن العربي هو من كان الأسوء حظا بشأن العراق.! هتف صدام حسين وهو يسير نحو المقصلة كالأسد يزمجر بكل جلد وثبات يردد بشموخ " ها ذي المرجلة ... هاذي المرجلة... وآخر خطاه كلمات سمعها العالم منه: هي لا أله الإ الله وأن محمد رسول الله سبقت شهقته"... فأي مصير للعراق اليوم بعد صدام.... وما الذي فعلته أمريكا بالعراق بعد صدام، هل حقنت دماء أهله؟ هل تحكمت في السيطرة عليها أم إنها تتنازع فيه مع إيران اليوم بل تعبث إسرائيل بوحدة طوائفه وإثنياته؟!!!.... لا نتفق مع أيديولوجية صدام ونظام حكمه، ولكن الخيارات البديلة له لم تكن لتخدم قضية الأمة العربية و لا الإنسانية بل لم تقدم جديدا لشعب العراق ينسيه جرائم عهد صدام بل ما واجهوه تقتيل ونهب لثرواتهم بلا جعلهم يحلمون بعودة صدام ونظامه.
أي والله سيدي الرئيس هي كما قلت " إذ ليس كالوحدة من سبيل تتحقق بها مصلحة الجنوب والسودان والجوار والقارة الأفريقية ، بل و العالم كله"... فالوحدة في يدنا الآن كيف نفرط فيها لتكون حلما ننزع اليه نزوعا يا فخامة الرئيس...و من هنا سيدي أصدقك القول كمواطن لن أقبل بنتيجة هذا الإستفتاء مطلقا، فالنكوص هو أن تعترف القيادة بنتيجة إستفتاء قام على أسس غير سليمة إستهدف وحدة الوطن مع سبق الإصرار والتربص والتخطيط للإضرار به من قبل الأعداء!، النكوص هو أن نمارس سياسة قلب المفاهيم والأهداف والغايات وأن ننظر الى الإستسلام وكأنه حكمة يجب ان تمارس، وأن نحلم في وقت الميل الى "الجهل" هو الأكثر وجوبا وعقلانية خاصة في حال أن الأمر يتعلق بالإتيان بأي فعل يصون الوحدة حربا أو سلما.... هذه كندا عاشت مشكلة كمشكلتنا ولكنها أعملت منطق الحكمة حين رفضت أن يكون الإستفتاء على مصير كويبك شأنا خاصا بسكان كويبك وحدهم ، ورفضت أن يكون الإستفتاء لمرة واحدة، بل لثلاث مرات المرة الأولى لإمتصاص الغبن والغضب وذهاب الغل والحقد من الصدور، والثاني لعقلنة المجتمع والثالث لإحقاق الحق... كيف يمكن للقاضي أن يحكم وهو غاضب، أو مريضا ، أو مخمورا؟!!! كيف يمكن أن نترك وحدة السودان نهبا لأهواء ثلة قليلة من قيادة الحركة الشعبية تمترست في خندق المؤامرات الغربية ومهما كان حجم الظلم الاجتماعي والسياسي للجنوب ما كان لهم أن يضعوا معالجته برأس وحدة الوطن!!.... وكيف بي إن كنت رئيسا أو قائدا أن أقبل بذلك؟ أو أبدوا متسامحا وحليما تجاهه؟!!
وأما وأنت اليوم يا فخامة الرئيس وقد صرت رجل دولة جمعت ما بين القيادة السياسية والقيادة العليا لقوات الشعب المسلحة، أستميحك عذرا لامارس حق أستمده من مواطنيتي بهذا البلد العزيز السودان أن أحادثك عبر هذا الخطاب المقال الذي أقرأ فيه بعض ما ورد في خطاب فخامتكم الأخير بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لاستقلال سودان ما قبل التاسع من يناير011م،، لأكد لمقامكم السامي بأننا في مرحلة تتجلى فيها معاني وجوهر القيادة الوطنية الموقفية الحقة، التي تجابه الأزمات وتحاصرها لا تهرب منها الى الوراء، وإني على يقين فإن بصرك من حديد تدرك ما يقول مواطنوك من مختلف الوان طيفهم ومدى حرصهم على وحدة شعبهم وأرضهم ولكن الفرق بينك وبينهم إنك في الكرسي الذي يمكن أن يوحد أو يفصم، الكرسي الذي يمكن أن يؤسس مجدا أو يورث خبالا و بوارا.... نؤكد لك سيدي الرئيس بأن الوطنية في السودانيين من معك ومن ضدك بخير في الشمال والجنوب.. فالكل اليوم يأمل لو أن عمر البشير لو تصرف كرجل دولة بحق في مواجهة هذه الدهماء المظلمة المقبلة على هذا الوطن من جراء ممارسة حق تقرير المصير.
فبقدر عصامية موقفك تجاه قضية الشريعة الإسلامية فليكن عزمك على الحفاظ على الوحدة، لان الإسلام والعروبة في السودان سيدي الرئيس لم ولن يكونا في خطر يوما ما .. الذي في خطر هو السودان نفسه الذي تنمو وتربو فيه العروبة والزنوجة وينتشر فيه الإسلام الذي هو كتاب مكنون وفي لوح محفوظ وتحمله الملايين في الصدور والعقول ويمشي بين الناس في معاملاتهم واخلاقياتهم، وفي تعايش كريم مع أصحاب الديانات السماوية وكريم المعتقدات والقيم والأعراف.
الذي هو في خطر سيدي الرئيس هي وحدتنا و تنوعنا وأمننا وأماننا، وتعايشنا مع أهلنا في الجنوب وفي الشرق وفي الغرب كما في الشمال... قيمة بقاؤنا كوطن متحد شعبا وارضا هي التي في مأذق يحتاج منك وقفة قائد عسكري في الميدان لا يعرف ميكيافيلية الساسة، ومجاملاتهم المبنية على مخاوفهم أو مصالحهم.... قف كما وقف أبراهام لنكولن وأنفض عن عقلك المهددات وأكسر الأغلال، و أصمد كما صمد مانديلا فبنى دولة نموذج، قف وقلها وحدة لا خيار غيرها و ما دون ذلك خرط القتاد....أو سلام على أسس وحدوية عدلية ديمقراطية.
لا تعجبني و لا تستهويني بل تستفزني كثيرا بل تغمرني بالحزن عبارات كثيرة في الخطاب السياسي لقادة الإنقاذ في الآونة الأخيرة وهم قد رفعوا " الراية البيضاء " مستسلمين للإنفصاليين يقولون "سنقبل بنتيجة الإستفتاء أيا كانت"، أي إستفتاء هذا هل هذا الذي تقبلون بنتيجته؟!! إستفتاء، أم فصل الجنوب بأمر واقع بتسليمه لأقلية "معسكرة" تحولت الى حزب يبطش ويتحكم في خيارات الشعب السوداني ويقمع أي صوت وحدوي في شمالنا وجنوبنا.
لنعد الى الوراء قليلا سيد الرئيس ولنستقدم بعض ما إستدبرنا ، بالإنقلاب على الديمقراطية الثالثة في الثلاثين من يونيو1989م ، وضعت يدك سيدي الرئيس على وطن كامل مساحتة مليون ميل مربع، وشعب تعدداده لا يقل عن خمسة وعشرون مليون نسمة!! ، عليه، و بحق قسم الجندية الشرفية الذي أقسم به الجيش السوداني وأنت في طليعته أهيب بك و أناشدك بل أطلبك بأن تلتزم بما ورد في بيان الإنقاذ الأول وبهذه الفقرة على وجه الدقة منه يوم أن أطليت على الوطن وأهله في صبيحة الجمعة 30 يونيو1989م ببيان أفرح قلوب البعض وأحزن آخرون حين قلت (يخاطبكم أبناؤكم في القوات المسلحة وهم الذين أدوا قسم الجندية الشرفية أن لا يفرطوا في شبر من ارض الوطن وان يصونوا عزتهم وكرامتهم وان يحافظوا علي البلاد سكانها واستقلالها المجيد وقد تحركت قواتكم المسلحة اليوم لإنقاذ بلادنا العزيزة من أيدي الخونة والمفسدين لا طمعا في مكاسب السلطة بل تلبية لنداء الواجب الوطني الأكبر في إيقاف التدهور المدمر ولصون الوحدة الوطنية من الفتنة السياسية وتامين الوطن من انهيار كيانه وتمزق أرضه ومن اجل إنقاد المواطنين من الخوف والتشرد والجوع والشقاء والمرض )!!!.
لكل ما تقدم من تبيان لخطورة المرحلة و ما نحن مقدمون عليه في التاسع من يناير 2011م لا أملك كشخص لا يحمل غير صفة المواطنة الحقة الإ أن أطالب المشير عمر البشير أن يوقف تلك الملهاة المسماة تقرير المصير المفضي الى الإنفصال، و كمواطن لا يمكنني أن أهتف أو أصفق لخطب سياسية قوية البنيان جميلة في بلاغتها ولكنها للأسف مجافية لحقائق الواقع الأليم.
لذا سيدي وفخامة الرئيس: نحن نريد وطننا كاملا... أريد وطني أرضا وشعبا تاما غير منقوص ،فإن فعلت ذلك وتيقنته نفسي بعد التاسع من يناير واقعا وحدويا ملموسا، حينها فقط سيكون للإحتفال بعيد الاستقلال الخامس والخمسون طعم ولون ورائحة وسيكون لخطابك الذي ألقيته بالقصر الجمهوري في الأول من يناير مضمونا ودلالة عميقة.
** " للمقال بقية في قراءة خطاب الرئيس بمناسبة الذكرى الخامس والخمسين لاستقلال السودان"
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة