سودانياتٌ ما قبل قرار ٍبقابل الأوطان
"مبدأ الحرية أول، لا بتحول، لا بتأول"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
محجوب التجاني
الأربعاء 5 يناير 2010
في خطاب رئيس الجمهورية في جوبا أمس قال إنهم عملوا بتوصيات مؤتمر الحوار الوطني للسلام 1989 وهو المؤتمر الذي عقده الإسلاميون الإنقلابيون، وأول ما أعلنوه قبل عقده حل الدستور، ومصادرة الحريات الأساسية، وإهدار الحقوق الجوهرية، وفرض الطوارئ، وإلغاء إتفاقية السلام السودانية التي اجتمعت عليها كلمة الأمة من طرفٍ واحدٍ هو طرفهم الغاصب للحكم، وتكبيل كل قادة الأحزاب والنقابات، وقيادات القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية بالإعتقال أو الفصل من العمل "للصالح العام"، لتبرير إستيلائهم علي السلطة بالإنقلاب لإسقاط النظام الديمقراطي المنتخب، وإقامة ديكتاتورية تنتفع بمقدرات القطر لمصلحة تنظيم جماعتهم العدوانية.
قامت دعاوي الخطاب علي حذف أكبر الحقائق وأخطرها؛ وهي أن السودانيين منذ وُجدوا في التاريخ البعيد إلي الزمن الحاضر لا يحيون ولا يعملون بسلطة حكومة أو رغبة حكام. يعملون بإرادتهم. وهذا هو تفردهم بين الشعوب. أدرك هذه الحقيقة الأجنبي الغازي، مثلما أدركه الوطني العارف. ولن يتحقق سلامٌ ولا عدلٌ في بلاد السودانيين وسلطة الدولة – أيا كانت - مقيدة برغبات الجالسين علي كراسيها، وتصوراتهم الخاصة، ومؤتمراتهم "الحزبية"، مع إستغلالها لتغييب إرادة الأمة وإرهابها بترسانة الأمن والعقاب. هذا حكم مريض.
إرتجل رئيس الإنقلابيين قبل بضعة ايام من ميعاد الإستفتاء حديثا في جوبا. تراجع فيه عن الوعيد والتهديد العلني. ولم يُحجم عن المستبطن بربط السلام بطرد ممثلي حركات دارفور المسلحة من جوبا. وهو إستبطانٌ واهم، لأن علاقات الحركات بأي بقعة في السودان أو إفريقيا لا يحكمها تهديد الخرطوم، وإنما تخضع لتطورات الموقف السياسي وموازين القوي بأكملها. لكنه تراجع شكليا لأدائه المستجدي للوحدة، بعد أن تسّبب بجهله السياسي في تضييعها لعقدين من الزمان، وبسبب الضغوط المتشددة من المعارضة السودانية، ووصايا الدول المحيطة، ومطالب المجتمع الدولي بتحسين أجواء الإستفتاء.
ولقد قال - ونائبه في الخرطوم أمام تجمع نسائي هام - إن السلام ضآلة نظامهما المعتدي. وليس هذا صحيحا. فقد أشعلا بإنقلاب 1989 حملة عبور الصيف التي لم تتوقف نيرانها إلا عام 2005 بإتفاقية السلام الشامل، التي جعلها إقصاء القوي الوطنية من المشاركة حسب موجهات الإتفاقية ومواقف النظام الإزدرائية بحق حكومة الجنوب في إختيار وزرائها وغيرها من بنود المشاركة الملموسة في الحكم، قنطرة ًحقيقية ًلإحتمالات الإنفصال الراهنة. ولا يزال الخطر قائما وراء اللقاء الشكلي بين كبار موظفي الحكم في جوبا. فالجيوش متأهبة. ومليشياتها علي طول الحدود ومواقع أخري. واستعراض "جيش الشرطة" تعدي حدود المهام المدنية المعروفة للشرطة.
فات علي رئيس الإنقلابيين الإسلاميين التنويه بمستقبل الحكم في الشمال في حالة إختيار الجنوب للوحدة أو إنفصاله. وكأنما الوضع في الجنوب متغيرٌ وفي الشمال مُخلد! وكان الأحري بعد إعترافه بفشل سياسة جبهته بفرض الوحدة ببرنامج عقوباتهم "الإسلامية" علي الجنوب بالحرب الأهلية البشعة، أن يعترف بفشل ديكتاتورية الجبهة الإسلامية في الخروج بالسودان كله من نذر الحرب والصراع المستمر بإنفرادية القرار القومي الفاسدة المفسدة. وتفاديه الخوض في هذه المسائل الجوهرية لا يغير شيئا من تأزم الموقف، وراء المقابلات الشكلية بين مسئولي الحكم اليوم. ومستقبل البلاد تحيط به المخاطر.
في سياق الواقع السياسي القائم، تبدو أزمة الحكم أزمة ثقةٍ متجذرة بين حكومة الإسلاميين الإنقلابيين وبين القوي الوطنية، لإنفراد الحكومة بالقرار القومي، ومواصلتها للبقاء في دست الحكم لعبة المناورة والإحتواء السقيمة. ولن تستمر هذه الديكتاتورية بلا نهاية مهما حاولت وتراقصت وتناقضت. وبعد عشرين عاما من التجريب والتخريب، ما علي الإسلاميين الإنقلابيين إلا الخروج من الحكم، والإستعداد للمحاسبة، وتلقي الجزاء العادل علي أعمالهم أمام قضاء مستقل وعادل. فبقاؤهم في السلطة ببرلمانهم المزيف يتعارض تماما مع مصالح الشعب ووحدة الوطن وسلامه ومستقبله، دولتين كان أم موحدا.
كل لحظة يتأخرون فيها بتمني الخلود في السلطة بإشهار القوة أمام المواطنين، وخطط الإنفراد بالآخر المتخلفة سياسيا، والمماطلة في تسليم السلطة بسلامٍ ٍواحترام ٍلقوي الإجماع الوطني، ممثلة الإرادة القومية الديمقراطية النضالية، تعني تعريض الوطن للمزيد من الصراع وقد تدفع لبلاءٍ عظيم، في حضور أقوي قيادات أجنبية في أكثر من موقع في الوطن، ولبعضها تكليفٌ إقليمي أو دولي، أو الإثنين، بالتدخل لفض النزاع. وما من حل ٍسوي انفضاض مأساة إنقلاب الإسلاميين المجرم، وتسليم السلطة تسليما حكيما لأهل البلاد – قوي إجماعها الوطني الخبير، بإذن العَليم القدير.
وغدا ًيومٌ جديد...
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة