بسم الله الرحمن الرحيم
من أجراس وأعراس الثقافة الألماني
بقلم الكاتب الصحفي عثمان الطاهر المجمر طه
قصة المقال الذى كان السبب المباشر في سفرى إلى ألمانيا لأول مرة في حياتي بينما كان حلمي هو السفر إلي الكويت
يبدو لي إن أثار نجاح حواراتي في صحيفة أخبار اليوم السودانية أوغر صدور بعض أعداء النجاح الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب فأنا أجد ذاتي في الحوارات الصحفية فقد شهد لي بذلك صاحب أخبار اليوم السودانية ورئيس مجلس إدارتها ورئيس تحريرها الأستاذ أحمد ا لبلال الطيب في إحدى المحاكم في قضية مرفوعة ضد الدار كنت أنا المتهم الأول فيها لأن الشاكي أنكر أنني أجريت معه الحوار المنشور وطالبني بتعويض مقداره خمسة ملايين من الدينارات يعف لساني من ذكر إسم الشاكي لا لشئ إلا لأنني صدمت فيه صدمت بالغة فقد كنت من أشد المعجبين به والمتعاطفين معه لظني أنه معارض وطني مظلوم فكانت فجعيتي كبيرة عندما إكتشفت في المحكمة شخص آخر غير الذى كنت أحترمه والغريب في هذه القضية كنت أنا المتهم الأول علي غير العادة حيث يكون المتهم الأول هو رئيس التحرير والمحرر هو المتهم الثاني هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لم يسبق لي أبدا أن اتهمت طيلة عملي الصحفي خاصة إني حاورت شخصيات عالمية علي سبيل المثال لا الحصر الملاكم العالمي محمد علي كلاى وقد شهد الحوار صديقه الشخصي السلطان كيجاب سلطان السباحة السودانية العالمي المعروف والداعية الإسلامي الشيخ محمد الغزالي وزعيم الأخوان المسلمين عمر التلمساني وعضو مجلس قيادة الثورة أحمد حمروش وغيرهم كثير أما علي المستوى المحلي البروفسيور محمد هاشم عوض البروفسيور عبد الله الطيب البروفسير الطيب زين العابدين البروفسيور علي شمو البروفسيور الحبر يوسف نور الدائم الدكتور حسن عبد الله الترابي الدكتور إسماعيل الحاج موسي وكان شاهدى في المحكمة كما كان شاهدى أيضا أمير الطرب السوداني عبد الكريم الكابلي وغيرهم كثير من نجوم السياسة والرياضة والصحافة والثقافة السودانية المهم أشاد الأستاذ احمد البلال الطيب بمهنيتى العالية في أداء الحوارات الصحفية إشادة أخجلت تواضعي فقد ذكر للمحكمة انني فاجأتهم في إدارة الأسبوع بحوار نجحت في إجرائه مع الأمين العام لحزب البعث العربي الإشتراكي كان سببا في الصلح بينهم وبين الأستاذ بدرالدين مدثر الذى سبق وأن رفع دعوة قضائية ضدهم وهم بدورهم رفعوا دعوى قضائية ضده فكان هذا الحوار السبب الأساسي في شطب القضية وقامت بنقله مجلة الدستور اللندنية وأثار ردود فعل قوية ففي الحقيقة لم يكن الأستاذ بدر الدين مدثر موافقا علي اجراء الحوار رحمة الله عليه وأ سأله تعالي أن يسكنه فسيح جناته ولكنني نجحت بحسي الصحفي أن اقنعه وتحداني بأن الحوار لم ينشر خاصة وقد سبق للأستاذ حسن ساتي أن أرسل له صحفيا إقتطع من وقته خمس ساعات لحوار لصحيفة الأيام ولم ينشر واقترح علي أن يحضر الحوار صحفي من صحيفة الهدف الناطقة بأسم حزب البعث لينشر فيها إذا لم تنشره الأسبوع فوافقت وقلت له سأستقيل إذا لم ينشر وبعد نشره أهداني الأستاذ بدر الدين مدثر مجموعة كتب وقلم حبر مذهب بالذهب الخالص وقاال لي :لا تعتبر القلم الذهبي رشوة إنما هو هدية قتت إذا كان ذلك كذلك أقسم لي من ملايين دينارات ودولارات العراق فأنفجر ضاحكا وضحكنا سويا رحمة الله عليه فقد إفتقدناه في هذه الأيام الكارثة علي كل نرجع لموضوع المقال أن أحد أعداء النجاح الذى لايعجبهم العجب ولا الصيام في رجب كما أسلفت أرسل لي خطابا بعنوان صحيفة أخبار اليوم بعد نشر حواري مع الأستاذ عثمان عبد القادر والذى نشر في عدة حلقات وهو يبدو لي من الأنصار المتزمتين وكان هذا واضحا من رسالته التي كانت كلها سباب وشتائم وقذف في حقي وفي حق الأستاذ عثمان عبد القادر وإتهامات باطلة كفيلة ان تؤدى به إلي السجن أول ما فعلته اخفيت الرسالة من عثمان عبد القادر فقد تأكد لي ان الرجل مدفوعا من جهة ما إستغلت حماسته وغضبه فالرجل كان شجاعا كشأن الأنصار والدليل انه ذكر إسمه وعنوانه فذهبت إليه وواجهته فأنكر تماما أنه أرسل لي رسالة فأخرجت له الرسالة فسقط في يده وتمني لوان الأرض بلعته وأجهش بالبكاء طيبت خاطره وعفوت عنه وسامحته ورجوته مرة أخرى أن يفكر في أسرته وفي أطفاله الذين يعولهم خاصة وهو يعمل في وظيفة صغيرة ولا حيلة له كما وعدته بأنني سوف اخفي هذه الرسالة من عثمان عبد القادر خاصة وأنها تشهر به تشهيرا حقيرا والرجل كان حاكما وكان وزيرا ويشهد الله قد أوفيت بوعدى حتي اليوم لا يعرف عثمان عبد القادر عن مضمون هذه الرسالة شيئا وكنت متأكد أن خلف الرجل جهة تستهدفني أنا شخصيا وهي تنضح حقدا وحسدا أعماها حقدها الأسود عن مخافة الله { نسوا الله فأنساهم أنفسهم } هؤلاء خفافيش الظلام نسوا أن للعباد رب يحميهم
و {مكروا ومكر الله والله خير الماكرين } هذه الجهة أرادت أن تمحي إسمي وتشطبه نهائيا من عالم الصحافة وظنت أن هذه الرسالة هي نهايتي لا محالة لهذا قررت أن أرد لها الصاع صاعين وأنني موجود بأذن الله { وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون } . توكلت علي الله وقررت أن أخوض تجربة لم أخوضها من قبل لتكون أفضل رد علي هؤلاء وهي تجربة كتابة المقالات أنا أجد ذاتي في الحوارات لا المقالات علي كل إستعنت بالله فكان هذا المقال والذى حين فرغت من كتابته وعرضته للزميلة ماجدولين صرخت بأعلي صوتها : واو فقلت لها ماذا جرى ؟ قالت هذا المقال حيكسر الدنيا وبالفعل فور نشره نشر السفير الألماني دكتور فيرنر دوم مقالا في صحيفة أخبار اليوم قال هذا المقال من أفضل ما قرأه في حياته وسيحتفظ به ضمن أوراقه الخاصة وأوصي أن يعلق في اللوحة الخارجية والداخلية لمعهد جوته. عفوا عزيزى القارئ لهذا ألإستطراد لكن لابد ممن ليس له بد فهو الخلفية الهامة للمقال وإليك إعادة المقال الذى كان تحت عنوان من أجراس و أعراس الثقافة الألمانية :
عندما تقترن الحضارات وتتزاوج الثقافات وتتعانق اللغات يندلق عطر العبقرية الإنسانية يدمخ أجواء الإخاء الآدمي الحضارى فترن أجراس الفرح ’ و المرح إيذانا بعرس العطاء الثقافي المعرفي اللغوى و الذى تذوب فيه حساسيات الأعراق , و الجنسيات , ويتداخل فيه الزمان , و المكان , و تنمحي الألوان فالكل في بوتقة واحدة تنصهر فيها المسميات المألوفة , و المعروفة هذا عربي , وذاك غربي , فاليوم يوم عرس إنساني حضارى لا يعترف بالحواجز والسدود , والقيود التي تفصل تلاقي الحضارات , وتصافح الثقافات لا لشئ إلا لأن التطرف أعمي البصر والبصيرة .
أقول هذا , وقبل أيام معدودات تم تأسيس جمعية الصداقة الألمانية السودانية , وقد جمعت , وحوت صفوة النخبة السودانية , والألمانية ليس هذا فحسب بل يبشرنا سعادة السفير الألماني الظريف اللطيف , والذى كما وصفه المصور الصحفي بأخبار اليوم الزميل مصطفي حسين بأنه سوداني , و ليس ألماني في سلوكه , و تعامله .
بأنه سيتم إفتتاح معهد جوته يوم 15/ 7 / 1997 بعد فترته الإنتقالية ليكون تحت الإدارة السودانية الإلمانية بعد إعتمادها , و تعميدها بأذن الله , وسوف يشهد معهد جوته أول معرض فريد من نوعه يجسد تأريخ الحضارة السودانية عبر خمسة عشر عاما بعيون البحوث الألمانية , وسيكون تحت عنوان { مياه الصحراء } .
إننا لواثقون أن التعاون الألماني السوداني سيؤتي أكله ثمارا يانعة وساطعة تقدم الحضارتين معا وتقرب بين الشعبين الصديقين عبر جسر الثقافة , و الفنون كيف لا ؟
ومن ضمن الكوكبة التي يضمها التعاون المشترك أمير الطرب السوداني الذى وصفه السفير الألماني بأنه المحبوب الذى يتميز بعقلية متفتحة , و بحس فني رفيع , و ضليع , وثقافة عالية , و بسلوك حضارى عبقرى مهذب مؤدب , و عندما تخاطب الموسيقي الشعوب تنصت اللغة في حضرتها إندهاشا , وإعجابا , و كما قال الشاعر :
رُب ورقاء هتوف في الضحي ذات شجون صدحت في فنن
ذكرت ألفا ودهرا سالفا فبكت حزنا فأهاجت حزني
فبكاى ربما أرقها وبكاها ربما أرقني
ولقد تشكو فما أفهمها ولقد أشكو فما تفهمني
غير أني بالجوى أعرفها وهي أيضا بالجوى تعرفني
فالشاهد في , ولقد تشكو فما أفهمها , و لقد أشكو فما تفهمني
ثم الأكثر دلالة ومعني غير أني بالجوى أعرفها , و هي أيضا بالجوى تعرفني .
والورقاء هي الحمامة في لونها بياض , و هتوف أى انها كثيرة الصياح تعاني من الشجو أى الهم , والحزن , و لهذا صدحت أى إرتفع صوتها بالغناء علي غصن من أغصان الشجرة حيث تذكرت أليفا , وليفا لها , وأياما جميلات حلوات عذبات خلت , و مضت فبكت حزنا عليها حتي هاجت أحزاني دون أن أفهم لغتها لكنها خاطبت وجداني , و لهذا بكيت وربما أرقها أى أسهرها بكائي كما أشجاني بكاؤها لهذا قد تشكو فما أفهمها , فهذا بالضبط كما يغني أمير الطرب الكابلي للشعب الألماني ربما لا يفهموا ما يقول , ولكنهم يطربوا جدا بالموسيقي التي تهز أعماقهم هزا إبداعيا , وفنيا لا يجدوا مناصا غير الإنسجام والتجاوب معه , وهذا ما عناه الشاعر بقوله :
غير أني بالجوى أى الحرقة .. شدة الوجد بهذه الحرقة أعرفها وهي أيضا بهذا الوجدان المحرق تعرفني , فلا غرو إذا رقص الشعب الألماني طربا , و مرحا , و فرحا مع غناء المطرب المبدع عبد الكريم الكابلي ما أروع الموسيقي لغة الشعوب العالمية وهذا يجسده تماما قول الشاعر أبو تمام عندما إستمع إلي مغنية تغني باللغة الفارسية { الإيرانية } فأطربته فتمايل معها مستمتعا بالصوت الرخيم , و الغناء العظيم فأنشد قائلا في هذه المغنية التي لم تغن بالعربية بل بالفارسية :
ولم أفهم معانيها ولكن ورت كبدى فلم أجهل شجاها
فبت كأنني أعمي معني يحب الغانيات ولا يراها
والمغني هو المتعب الحزين أى أنه صار حاله كحال الحزين المتعب الأعمي الذى يحب الغانيات , ولا يشاهدها
وحسب دعوة السفير الألماني سعادة الدكتور فيرنر دوم في 15 / يوليو سوف نلتقي في رحاب الحضارة , والثقافة
ومحراب الأدب , و الصحافة بعهد جوته منتدى اللغة و النظافة , و الجمال . و { القيافة } عند إفتتاحه في التاريخ المحدد له متصف يوليو إلي ذلك الحين أستودعكم الله الذى لا تضيع أماناته وإلي اللقاء .
الكاتب الصحفي عثمان الطاهر المجمر ط
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة