العدالة المطلقة
العدالة كلمة رقيقة مخارجها،عظيمة مداخلها فبها تصان الأواصر وتحفظ العلائق فما ان تحل روح العدالة بجسد الأمة إلا وزالت عنها العلل والأسقام و خبأ نار المجادلة والخصام ولإرتاح القاضي من الشكوى ولإنقطع أساس السوء والبلوى ، ولكن قضى الله في الأزل أن يخلق الحسن وضده وهذا من بديهيات سر خلق الكون ،إذ أنه لا يستقيم عقلا أن تقام صروح العدالة دون أن يكون هنالك مواطن للظلم والجور ، وقد أشتق الله صفة العدالة من صميم أسمائه الحسني التي ندعوه بها ليل نهار ، ولما كانت العدالة المطلقة قيمة متعالية إذ يصعب علينا إقامتها بالإسم والرسم لأنها جوهر الكمال وغاية الوصال والجمال وإنا لنا من مواطن النقص طينة مزجاة بالضعف والوهن ،وقد كذب من قال أنه رأي العدالة تنشر داووينها وتنصب موازينها بصورة مطلقة ، لأن العدل المطلق هو الله ، أما فيما يتعلق بقيمنا العدلية فهي صورة نسبية تتفاوت مقاديرها زمانا ومكانا وأشخاصا ويفهم من هذا السياق أن الأحكام التي نصدرها تقاس جلها وإن لم يكن كلها بقواعد الإستحسان العقلي أو فق مارآه العقل حسنا فهو حسن على أن هذه القاعدة ليست جامعة ولامانعة ، أما إنها ليست جامعة لإختلاف المعايير التي ينظر إليها للمسألة الواحدة لتباين الأذواق في التناول والتحليل وتفاوت وجهات النظر في التكيف الوجداني للمسألة ، وتتأتي من حيث أنها غير مانعة لوجود مداخل أخرى للتقييم والتقويم تتمثل في المصالح المرسلة الأخرى التي أشتقت أحكامها من بطون التشريع. لقد أمرنا الله أن نتوخى الحذر في تعاملنا مع المسائل التي تتعلق بحقوق الأخرين وذلك لأننا بشر نخطئ تارة ونصيب تارة أخرى وجاء الحديث متراخيا بعض الشئ في هذا الشأن تقديرا للضعف البشري وهذا يعد منة من الله وفضلا كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أستكرهوا عليه) وقد جاء أيضا في معاملة النبي صاى الله عليه وسلم لأزواجه (اللهم هذا نصيبي فيما أملك فلا تؤأخذني فيما تملك ولا أملك) وما عناه النبي عليه الصلاة والسلام هو ميله الوجداني والذي هو أحساس يكنه القلب وهو مما لا يؤأخذ الله به عباده.
ومما سبق يمكننا القول بأننا لا نستطيع أن نقيم عدالة مطلقة ولإن توافرت الأسباب المؤدية إليها ،فعلى سبيل المثال عندما أصيبت الولايات المتحدة في مقتل بتفجير برجي التجارة العالمية ومبنى البنتاغون في أحداث سبتمبر 2001 فولول الفهد الصهيوني وزمجر الأسد الأمريكي وإنتصبت الحية البريطانية واقفا لزعق سمها الزعاف ،فكونوا إئتلاف غابي لإزهاق روح القوارض الصغيرة
فيما أطلقوا على حملتهم الشعواء على لسان الرئيس الأمريكي آنذاك بوش الإبن(العدالة المطلقة) أو الحرب علي الإرهاب فكانت النتجة إزالة حياة أمة بريئة في كل من أفغانستان وباكستان ثم أعقبها تدخل سافر في شئون دولة ذات سيادة وإسقاط نظام حكمها في بادرة إنتهاك خطير لمبادئ العرف والقانون الدولي ولا زالت آثار هذا الدمار الماحق بأرض العراق قائما إلي يومنا هذا وما ذلك إلا لسوء التعاطي مع الواقعة وإختيار مدخل للحل لا يتناسب مع أسبابها ،فكانت الطامة حروب أممية تتساقط فيها الأبرياء والعزل من الشعوب المستضعفة التي لا ناقة لها ولا جمل وهم يقدمون ككباش الأضاحي في صراع إمبراطوريات الإستخبارات الدولية.
[email protected] |