من المسؤول عن إنفصال الجنوب
جاءت ثورة الانقاذ في 30 يونيو 1989 بمشروع واضح المعالم وهو تمكين الفكر الاسلامي في السودان واسلمة كل المحاور التفاعلية في المجتمع السوداني، وبالفعل ظهرت معالم الحركة الاسلامية واضحة في المعاملات والشارع السوداني . ومن ثم عملت علي تصدير الفكرة للخارج بدعم الرموز الاسلامية واحتضانها مثل الشيخ اسامة بن لادن والشيخ راشد الغنوشي وغيرهما. وكان هذا الخطاء الاول في مسيرة الانقاذ، وتفلت مسألة الجنوب واطلاق مارد الانفصال من جرته بقوة ... وذلك لان الحركة الشعبية لتحرير السودان ترتكز في المقام الاول علي خلفيتها المسيحية المسنودة بالهيئات المسيحية العالمية؛ فاصبحت الحرب في الجنوب حرب صليبية مصغرة ؛ خصوصا بعد ان اضفت عليها حكومة الخرطوم الطابع الجهادي والكرامات.. فوسعت الشقه بينهما.
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي في 15 اغسطس 1991 م ، انطلقت مخيلة المنظرين والمفكرين ؛ تبحث عن قوة موازية لامريكا ليستقيم الوضع العالمي، بفرضية تواجد قوتين عظمتين في اي زمان للتوازن العالمي، فاتجهت الانظار الي المد الاسلامي الذي بدأت تظهر معالمه في السودان، وبشر بعضهم بان يكون السودان حادي هذا التوجه والقطب الموازي للولايات المتحدة الامريكية. هذه الفرضية جعلت امريكا والعالم الغربي ينظرون إلي السودان نظرة خيفة وتوجس وبدأت تحرك اساطيلها الاستخباراتية نحو المرافي السوداني لتسبر غوار هذا المارد المنتظر.. فكان الحصار الاقتصادي للسودان والذي مازال حتي الآن ساريا، ووضع السودان ضمن قائمة الدول الراعية للارهاب .. وتم علي ضوء ذلك تقييد حركة بعض ممثلي الحكومة والدبلوماسيين، وتوقفت كثير من الجهات الداعمة عن تقديم مساعدات للسودان وتوقفت المنح من الدول المانحة والصناديق المالية العالمية.
زهت حكومة الانقاذ بالنجاح المحدد الذي حققته في الداخل واستعدت القوى العظمي والجيران. القوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية هي مصادر الدعم الحقيقي للحركة الشعبية، وقد استخدمت امريكا الحركة الشعبية لتحقيق اهدافها القصيرة والطويلة المدي في المنطقة خاصة اذا نظرنا للتدخلات الإسرائيلية وسعيها لتكسير مفاصل جنوب الوطن العربي بدءاً من جنوب السودان ثم مصر. وكان الاجدر ان تعمل حكومة الانقاذ علي مصالحة الرأي العام العالمي ، لتجفيف منابع الدعم للحركة الشعبية، او تحييدها عي اقل تقدير. وكانت ثالثة الاثافي تصويت السودان في الجامعة العربية ضد دخول القوات الاجنبية لتحرير الكويت، ومعالجتها داخل البيت العربي ، وقد فهم هذا الرأي بمحاباة السودان للعراق وموافقة ضمنية لاحتلال العراق للكويت، فاحدث قطيعة طويلة بين السودان واغلب الدول العربية خصوصا دول الخليج العربي التي رفعت يدها عنه تماما ،بل ذهبت بعض الدول العربية لدعم الحركة دعما مباشرا ووفرت لها المقر والدعم اللوجستي اللازم لحربها مع الخرطوم. وكان نتاج كل ذلك ان تدفق الدعم اللامحدود للحركة واصبحت تستخدم اسلحة نوعية متطورة ربما فاقت ما كانت تستخدمه الحكومة نفسها، فقد كانت حربا بالوكالة في الواجهة الحركة ومن خلفها قوى عظمى لا يستهان بها. وربما فطنت الحكومة لهذه النقطة بعد العام 1996 حينما غيرت من سياستها ، واتبعت سياسة تصالحية مع الكل، فتخلت عن ايواء الاسلاميين، وابرزهم اسامة بن لادن، وتعاونت في القبض علي كارلوس المطلوب دوليا، وتوجهت بقوة لتحسين علاقاتها مع الدول العربية .
دول جوار السودان هي بالتأكيد الطوق الحامي للدولة والسودان تحده آنذاك ثمان دول كانت أغلبها تناصبه العداء ، خاصة شرق السودان ؛ فقد استطاعت حكومة الخرطوم من توحيد المعارضة الاثيوبية واسقاط نظام منقستو هايلا مريام وعلي اثره نالت اريتريا استقلالها من اثيوبيا، وقد ساند السودان بعض الحركات المعارضة في البلدين ، ومن ثم ردت اريتريا بفتح جبهة جديدة في الشرق بواسطة قوات الحركة الشعبية؛ ووسعت رقعة الحرب من الجنوب إلي الحنوب الشرقي وشرق السودان. كما ادي دعم حكومة الخرطوم لجيش الرب الي دعم موازي ليوغندا للحركة الشعبية ، وفي بعض الحالات كان جيش الرب نفسه مشكلة امنية للقوات السودانية في الجنوب.
كل هذه السياسات وغيرها رسخت لمفهوم الانفصال لدي الجنوبيين ومهدت له حتي اصبح واقعاً مثل التحرر ابان فترة الاستعمار الاوربي لافريقيا. الجنوبيون كانت اولي مطالبهم فيدرالية، ونوع من الحكم الذاتي للجنوب وبعض الخصوصية في اطار الوطن الواحد، ولكن ادارة الازمة من جانب واحد ومن وجهة نظرة احادية كانت سببا في تطور الفيدرالية لكونفيدرالية لانفصالية.
انفصال الجنوب المتوقع ساهمت فيه كل القوى السياسية الشمالية ، فالاحزاب السياسية الشمالية دعمت الحركة بالمال والعتاد خلال حربها مع الخرطوم فقوت من شوكتها وقوة ضربها وموقفها من الدولة الواحدة ولكن كان قدر المؤتمر الوطني ان تنعش حالة الانفصال وتصبح واقعاً في خلال فترة حكمه.
صابر فضل المولي
[email protected] &="mso-tab-count: 5
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة