سودانياتٌ قبل قرار ٍقابل ٍفي الأوَطان
"الثورة... شعارات ترددها القلوب"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
محجوب التجاني*
السبت: 5 فبراير 2011
سودانيات الغليان
زلزلت تظاهرات الشباب بجامعات السودان ساحة الوطن خلال الأيام القليلة الماضية. إنطلقت جموعهم ثائرة هادرة من جامعة الخرطوم والجزيرة والأهلية وأمدرمان الإسلامية وجامعات ومدارس أخري. رفع المتظاهرون رايات العصيان علي طغيان السلطة، وتماديها في إفقار الشعب بالغلاء وضرائب "الدقنية" الرديئة. ولم تخيب قوات الشرطة شبق قياداتها الباطشة لدماء شبابنا الباسل. فانتزعوا بقتل متعمد حياة الفتي الشهيد أحمد عبد الرحمن رحمه الله، وسيُسأل عن هذا الجُرم مَنْ أطلق النار علي قلبه الشجاع، ومَنْ أصدر الأمر بتصدي قوات الأمن لتظاهرةٍ سلمية بالحديد والنار. ولن يفلت المجرم لواءاً أم نفراً من العقاب.
تدفع حركة الشباب للصراع السياسي السوداني المتصاعد بقفزةٍ هائلةٍ من المعاني والمضامين الغالية: فهي فوق كل شئ مبادرة وطنية أمينة تعّبر بالإحباط والغضب عن تظلم الأمة السودانية من فشل السلطة السياسية، وتردي الحياة المعيشية، وانحطاط الخدمات الحديثة. وهي في جوهرها تصدي طلائع الشعب المستنيرة بالرفض والمقاومة السلمية للظلم الإجتماعي والظلام السياسي الذي انحني به ظهر الوطن، وأثقلت زكائبه القبيحة طريق شعبنا بالخراب وأقسي أنواع الخسار.
إرتقاءٌ بمقدرة الطلائع
تظاهرات شبابنا علي هذا النحو غير المسبوق من حيث الإعداد، والتنسيق، والتوقيت، فالتظاهر والإجتياح إرتقاءٌ بمقدرة فصيلهم الديمقراطي الأصيل علي ممارسة فن التنظيم وحق التعبير، وخروجٌ بإرادته – لا بإملاءات غيره - للشارع العريض، غيرهيابٍ ولا وجل – شأن أهله صناع المهدية وأكتوبر وأبريل وما سيأتي. وتظاهرات الشباب إمتداد للحركة الجماهيرية السودانية العتيدة، نبض الثورة السودانية ووعيها الناهض فوق عنف الإستبداد وجبروت الديكتاتورية. فمرحي!
مرحي شباب السودان الشجاع؛ فقد إطمأن الجميع علي حاضر الغليان الشعبي في ظل طلائعكم القوية التي ما أشرس تهجم الإسلاميين الإنقلابيين، لصوص السياسة والخزانة الحكومية، علي صفوفها بالقتل الجماعي في معسكرات التجنيد الإجباري والحرب الأهلية، والتعذيب والملاحقة والإضطهاد الأمني، دون أن ُيزحزحوا شباب الوطن قيد أنملةٍ عن مكانتهم العَليّة.
وَحدة قوي الإجماع
توحي قرائن الأحداث بوحدة الصف الوطني: أعلنت قوي الإجماع الوطني السوداني برامجها لإنهاء أزمة الوطن. أنذرت السلطة بحاجة الشعب العاجلة للإنتقال بحكم الفرد والحزب الواحد المتخلف السقيم إلي نظام ديمقراطي سليم بمشاركة كافة قوي الإجماع، أحزاباَ وتنظيمات. طلبت السلطة الحوار مع المعارضة. وهي خطوة مطلوبة شريطة ألا تستخبئ حلولا جزئية أو تستقصد إتفاقيات ثنائية. فالأزمة شاملة يلزمها حل شامل بالمؤتمر الدستوري الجامع لكل القوي الوطنية السودانية. منطقي لذلك أن تهيئ السلطة حالاً مناخ الحوار المنشود بإجراءات عمليةٍ ملموسة.
تفاوض ممثلو القوي المعارضة مع السلطة في وضوح تام. أصدرت بعده قوي الإجماع بيانا شافيا (الخرطوم: 25 يناير2011) يحمل برنامجا جاهزا للتطبيق: "إلغاء الزيادات فى أسعار السلع الحيوية التى فرضها حزب المؤتمر الوطنى أخيراً، لاسيما المحروقات والسكر والسلع الغذائية؛ إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسين، وعلى راسهم الامين العام لحزب المؤتمر الشعبى؛ إلغاء قانون النظام العام الذى أذل وقهر النساء السودانيات؛ ضرورة غل يد الأجهزة الأمنية وتجاوزها للقانون فى الإعتقالات خارج القانون، وإلزام قيادة الشرطة جانب القانون، وإن تهديد جهاز الامن والشرطة للمواطنين والقوى السياسية تجاوز وانتهاك للدستور والقانون، وتحزيبٌ لهذه الأجهزة ينزع عنها صفة القومية؛ وكفالة حرية العمل السياسي؛ ووقف حملات التكفير والتخوين واستغلال دور العبادة وإرهاب الخصوم التى ُتستخدم فيها أجهزة الإعلام وموارد الدولة".
وحدوية السودان
بروابط الدم والتاريخ والقربي والهموم المشتركة، ساندت قوي الإجماع الوطني حالياً – كما عملت مظلتها القومية في التجمع الوطني الديمقراطي سابقا – "شعب الجنوب بإختياره الحر". وتبنت "العمل سوياً على دعم أواصر العلاقات الإستراتيجية بين الجنوب والشمال، والبحث عن مستقبل مشترك، والعمل لوحدة السودان على أسس جديدة، ووحدة الاقليم والقارة الإفريقية، ودعم التعاون الإستراتيجى العربى- الإفريقى". وفي فهم ٍمستقيم لمنهج العمل الديمقراطي"ترى قوى الإجماع الوطنى فى المشورة الشعبية والحل العادل لقضية دارفور مدخلا لإيجاد علاقةٍ متوازنةٍ بين أقاليم السودان ومركز السلطة، تمكن جميع الأقاليم من حكم نفسها بنفسها فى إطار السودان الموحد. وتتطلع قوى الاجماع لإجراء إنتخابات ديمقراطية ونزيهه فى جنوب كردفان، وإزالة الإحتقان الأمني والعسكري".
أكد السودانيون بالإجماع الوطني"الإبتعاد عن الإنفراد بالقرارات فيما يخص مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب الذى اتبّعه المؤتمر الوطنى طوال السنوات الماضية، والذى أدت نتائج سياساته الى فصل الجنوب". وقرر عقل بلادنا القومي "تعبئة جماهير شعبنا للنضال من أجل إلغاء زيادات اسعار السلع غير المبررة، واستعادة الحريات والديمقراطية، ودولة الوطن بدلاً عن دولة الحزب. وفى ذلك، فهى تفضل التوافق والإجماع. أما إذا أصر حزب المؤتمر الوطنى على الانفراد بالحكم، واتباع سياساته القديمة القائمة على القمع والحروب، فإن ذلك سيقود الى مواجهةٍ سيكون فيها الخاسر حزب المؤتمر الوطنى". لا مستقبل لدولة الحزب: "إذا استمر، يمكن أن يخلق مزيدا من المرارات. بل ربما يؤدى الى حربٍ تعقب الإنفصال. وهو أسوأ شئ يمكن أن يحدث لبلادنا".
ومصريات تتواصل
أنبأت تظاهرات المصريين أياماً متصلة في ميدان التحرير بالمحروسة عن تفوق الصوت الشعبي علي التنظيم الحزبي في التعبيرعن قضايا العامة؛ وأفصحت حركة الجماهير في نفس الوقت عن مزايا التنظيم الوطني الحزبي في تطويرالصراع وتقويمه، وعن حاجة السلطة إلي تغليب المصلحة القومية علي منفعة شاغليها، والتعامل الجاد مع ظروف الوطن ومصلحة الشعب وفق حوار عملي هادف، تتكافؤ فيه هموم المعارضة مع مسؤليات الحكومة بإقبال الطرفين علي الشرعية واستكمال الحقوق والحريات الدستورية.
في أتون المصادمة بين مؤيدي السلطة ومناهضيها، والطعن المؤلم من مصادر في البلد ومن خارجها، َتكّشف المسرح عن معالم سياسية ضاغطة، أهمها حرص القوي الوطنية في الشارع والسلطة علي تحقيق توازن بناءٍ بين المصلحة القومية ومصالح القطر الإستراتيجية الأخري، وهو ما يُحمدُ للطرفين، ويبعث الإطمئنان علي مستقبل التغيير المنشود في علاقات السلطة بالمجتمع. وفي قلب الأحداث, برزت حقائق أساسية عن تصرفات الأحزاب السياسية في توجهاتها العامة، ومناشدات "الجماعة الإسلامية" ومن والاها في الطرح والوقفة بصفة خاصة.
إنتفاضة ٌجماهيرية
الصيغة الآخذة بأطراف النزاع في إتجاه التراضي السياسي وإدراك الوضع الإقتصادي والخروج بالبلاد من احتدام العنف وتصاعد النزاع ُتثبت قدرة الشعب المصري بمختلف أحزابه وقياداته علي تولي أموره بنفسه، وتأكيد إرادته بمعالجة أجندة التغيير في وطنه علي مستوي جمعي غالب، متوخياً أمن البلاد وتأمين إستقرارها فوق مداخلات الخارج، ومحاولاته المستمرة لترتيب البيت المصري والإيعاز بأسبقياته ومسار أولوياته. وما نراه أيضا أن ثوران الشباب في 25 يناير وما جّد في الساحة المصرية في أعقابه إنتفاضة ٌجماهيرية كاملة لم يُقيض لها من عوامل الإنجاز ما يكفي لجعلها ثورة إجتماعية شاملة.
سببٌ رئيس يعود إلي مزاج الشعب المصري، إستقلالية رأيه، ووسطيته المثلي. فهو سيد شأنه وصاحب زبدته، والجائز أنه لم يشأ بعد أن ُيخرج قيادة كارزمية تتوحد حولها الجماهير ببرنامج ملزم وُنصرة منظمة علي مستوي 81 مليون إنسان يُقدر أنهم سكان مصر اليوم. فالشعوب كما نري لا تقلد أحداً في نضالاتها، لا تحاكي تجارب غيرها بمسطرة، ولا تنصاع إلي تعليمات ُمسيطرة. ولكنها تكافح وتفرض إرادتها من موقع حركتها الخاصة بها، وموازين المجتمع والسلطة، واستعدادت الحركة الجماهيرية للتغيير وفق ظروفها الخاصة. ولن يأتي كل ذلك بعشوائية وإن صحت فطرته.
سببٌ آخر يشاكله أهمية ًيرجع إلي وجود كياناتِ حاكمة وأخري معارضة تتبادل التأثير والنفاذ في الساحة السياسية، يتأرجح في ميزان الحكم "أيان مَرسَاها". ولو إستقر لأي كيان تسّيد وغلبةٌ ما تأخرت في الأفق ثورة إجتماعية. فإذاك، تلغي ما هو كائن من دولة وقوي حاكمة ومؤسسات، لتفرض فوق الدمار بناءاً شاملا – دولة مختلفة، قويً جديدة، ومؤسساتٍ ثورية. وهذه يا صاحبي قصة الثورات وأمانيّها في تاريخ الدول والشعوب ما ُوجدت البشرية. مقيدة هي في كل حالةٍ بخصائص صعبةٍ وشروطٍ معقدة.
نستبعد الإنقلاب العسكري تماما من مفهوم الثورة الإجتماعية وإن أعان علي صنعها لأنه أساسا إبدال حكومة بأخري. ولا نري أن قيام إنتفاضة علي أهميتها السامية ثورة إجتماعية من فورها. لكنها قطعا هبة شعبية مهيبة، وهجمة جماهيرية موفقة، ينتصب أمامها الكثير من المهام الجليلة لتثبيت الإصلاح السياسي وتحسين الإقتصاد. وهي صورة الصراع الجاري في المنطقة العربية والقارة الإفريقية: السودان ومصر وتونس واليمن والصراع الإنتخابي في ساحل العاج وكينيا وزمبابوي ودولا عديدة أخري مرشحة.
خطاب الأخوان
كان خطاب الأخوان المسلمين أو الجماعة الإسلامية في ضوء هذه الرؤية لحالة الشقيقة مصر إنتهازيا وغير منطقي لركوبهم موجة التظاهر الشبابي الراقي بسلميته وقوة بيانه، ومحاولة قادتهم وأنصارهم تحويرالتظاهرة عن مصدرها النقي لتفخيم صورة الأخوان بتكثيف الدعاية الحزبية في شعارات الجموع الحاشدة بكل وسائل الإتصال المتاحة، خاصة قناة الجزيرة من قطر؛ والعالم يشهد أن تظاهرة الشباب مبادرة فطرية طال إنتظار الشارع لها جزءا صميما من حركة جماهيرية طيبة، و"خامة" سياسية بريئة من شبق "التكويش" ومخططات الإنقضاض والتسلط، تلك التي يعيشها شعبنا السوداني منذ إنقلاب "أخوانهم" الإسلاميين الإنقلابيين في يونيو 1989 إلي اليوم، عبثا وإستهتارا بالسلطة وحقوق الناس والمجتمع، شهده معنا مواسيا ومتألما الشعب المصري الشقيق بما رأيناه من تعاطفٍ كريم من شرائحه المعارضة والحاكمة طوال سنين التجمع الوطني الديمقراطي في مصر (1989-2005). ولم نسمع إلي الآن حرف ملام واحد من أخوان مصر أو الأردن أو حماس أو بقية الإخوان موجها لسلطتهم الظلومة في السودان مؤنبا أومقرعا علي فسادها وبطشها بالبلاد والعباد.
تسآءل الناس من ثم: ما يريد الإسلاميون الإنقلابيون بمصرهم وأهلهم، وقد طبق قرناؤهم في السودان حال استيلائهم علي السلطة وقبضهم خزائن الدولة نهجهم، وبّينوا للجميع ما يتوقع عامة المسلمين منهم؟ هنا يهمنا أن نستحضر فتح قناة الجزيرة قبل الأخريات مجمل"حنفياتها" الإعلامية وأبواقها ساعة ثوران الشباب "لتتفجر منها ينابيع الثورة" علها تكنس الدولة بدستورها، تطرد كل عناصرها، ُتنصّب قيادات "الثورة" مكانها. ثورة قنواتية لم يذكر المتحدثون بإسمهم فيها غير قيادات الأخوان فردا فردا في أشد لحظات الدراما حركة ًوإثارة، مما يذكرنا بتخطف قناة الجزيرة قضية الوحدة والإنفصال في السودان وحجبها الوحدويين بشكل إستفزازي ومثير للغاية. وما رآه كثيرون سخفا مريعا في المخاطبات "الإخوانية" ومروقا علي رسالة الإعلام النزيهة كثير الجوانب:
أولاً: الثورة الإجتماعية لا تنهض بمايكروفونات فضائية، ولكنها نهوضٌ شعبي ساحق يحقق أهدافا متقدمة لطبقات الشعب المنتشرة من الفقراء والمساكين بقيادة كارزمية ملهمة لهم وملتزمة بهم كما تثبت أبحاث السوسيولوجيا، أو عملية متواصلة فعلية – لا لحظاوية – يتولي صنعها والمضي بها لتحقيق آمالها تحالفٌ طبقي قاهر من عمال البلد ومزارعيها ومثقفيها كما يبشر فكر الماركسيين. نقرأ ذلك في علم الثورة الإجتماعية. وليس في هذا شئٌ مما يشغل بال إخوان مصر أو السودان أو غيرهم من الراسماليين المُنعّمين المعروفين، أو الجماعة الإسلامية قاطبة كما يحلو لكتابٍ تضخيمها بنسبتها إلي الإسلام العظيم، وهو – الإسلام، لا هم - المدافع الأكبر في كل أقطار الأرض عن خلق الله الكادحين والمسحوقين والمظلومين، بمبادئه الأسمي وبالمهتدين بنبيه الكريم المؤمنين قاطبة من غير حزب ولا تنظيم برب العالمين الأعلي. ما أكبر أعدادهم في مجتمعات المسلمين! وما أحوج معائشهم وأحوالهم للنماء والإزدهار! وما أبعد الأخوان حكومات وشركات عن إعانتهم وخدمة قضاياهم!
ثانياً: ما الاخوان المسلمون أو أي تنظيم"إسلامي" آخر بقادر ٍعلي احتواء دين الحق المتين أو الإلتفاف علي المسلمين بتنظيم دنيوي سياسي، أياً كان مقصده أو مرماه. إنما يجتهد المسلم فرداً كان أم جماعة في كل مكان بتكليفٍ إلهي مباشر بأمر"إعملوا" والذي للرب وحده "ذو الفضْل العَظيم" المجازاة عليه. ولو عمل العاملون حقا علي فهم تركيبة الشعب وحالة الوطن ما تدافعوا علي أدوات النفاذ والتأثير لإحلال قياداتهم بالإعلام الجامح محل الشباب الثائر، دون إكتراثٍ مماثل بحق المتظاهرين في تقديم قياداتهم الخاصة والحوار مع السلطة والمعارضة لتطبيق أفكارهم. أليس في ودائع مطالبتهم بحق التنظيم والقيادة حرزا صغيرا يضم مطالب الشباب بحيز ٍما؟!
ثالثاً: إن واجب الأخوان وكل الآخرين – في مصر والخارج – ربما يتحسن أداؤه بالعمل الثابت لمنع تدويل القضية الوطنية والحيلولة دون أقلمتها، ومباشرة الحوار الشعبي الشفاف مع السلطة، مع موالاة الضغط السلمي المتحضر عليها، في وضوح مع القوي الوطنية الأخري، لجذبها لمواقع الجماهير المنتفضة كي تتفاعل في إيجابيةٍ مع إرادتها، و تلبي رغباتها بلا تراجع ٍ- ناحية السلم والتقدم والإستقرار. "والبَقاءُ لله".
إختار المصريون عقلهم القومي
إحساسنا أن الشعب المصري إختار بأغلبية فصائله لهذه الإنتفاضة المهيبة أن تنتهي إلي اتفاق وطني عريض لإعتصار إصلاح دستوري شامل، وانتقال حكيم يتدرج بحاكمية الشرعية من احتكار التشريع وصنع القرار وتنفيذه إلي المشاركة الشعبية الشاملة، لتضحي الدولة أوسع إعمالا لمطالب العامة. وهو ما يُفهم من دراسة خطاب رئيس الدولة وتصريحات معاونيه وفتح أبواب الحوار العام. ولم يقرر الشعب لإنتفاضته، فيما يبدو، أن تعصر أرض مصر وأهلها فتجعل منهما كياناً إجتماعيا وإقتصاديا وسياسيا مختلفا كل الإختلاف عن دول التكنوقراط ولورداتً الرأسمال علي غرار ما فرضته بأعنف المعارك الدموية قوي الثورة الروسية البلشفية، والثورة الصينية، والثورة الكوبية إلخ. فهل رأي الشعب المصري أنه ستأخذ به أطماعٌ قادمة، تتضأءل أمامها سلبيات راهنة، فقدم الإصلاح علي الثورات؟ إن له طائعا مختارا أن يقرر في شؤون أرضه، وأن يفعل ما يراه، في كل الحالات.
ما بعقل المصريين القومي المتوافق علي الساحة معارضة وحكومة تأتي ثورة إجتماعية بمثلما تشتهي إيران وأنصارها. ما أبطأ قيام الثورة في الزمن الغابر، وما أسرع بزوغ آفاقها في الزمن الحاضر! مقيدة هي في كل حالةٍ بخصائص صعبةٍ وشروطٍ معقدة، علي رأسها أحوال الشعب والحياة في كل وطن علي حدة. وما إيران الخمئيني في السبعينيات بمصر في أي زمان. أبناء عمنا المصريين - وهم أدري الناس بأحوال بلادهم وشعاب دولتهم – ربما لم تتوفر لهم بعد عواملٌ بإرادتهم وحدهم لخلق"ثورة" تقتلع، وإن أشعل شرارتها شبابٌ نقي. يريدون الآن حلولاً محسوسة وإصلاحاً متعمقا يتنفذ البنية القائمة، ويدفع بها لأفق يرتضونه بإجماعهم الوطني ويسعون لصنعه بقدراتهم الذاتية وقرارهم القومي.
ركبت الثوران "جماعة" تبتدع، وتنافست أنظمة وهيئات وقنوات إعلام في توقعاتها وترويج الأنباء لبيعها، وكأنما ثورة أكبر الشعوب حجما في المنطقة سبقٌ خبري يُصطنع من تأثير "معلقين" وتحريض "عائدين". يكذب نضال الحركة الجماهيرية المصرية المستقلة إمتطاءات هذه المصنوعات الخبرية، إذ أقبل وعي المصريين بعقلهم القومي علي إجماعهم السياسي يحمون به ترابهم، ويوجهون به دولتهم. ولسوف يحقق لهم هذا التوحد الوطني الغالي ما يرومونه من إصلاح لدولتهم بصلاح برامجهم وانتصاح قادتهم. يحاور الوفديون والتجمعيون والناصريون قادة الدولة، وسينضم لهم شباب واعد. مرحي مصر بوحدة الصف! وكيدا وكمدا "للمترددين" و"المتسرعين"!
عودٌ علي بدء
أفردنا في حيزنا الأسبوعي مكانة عالية واجبة ومستحقة لأبناء شعبنا شباب وطننا الشجعان الثائرين، ولأشقائنا في شمال وادي النيل الاصيل. سوداننا شماله وجنوبه ملء حدقات الأعين وشغاف القلوب. ولمصر وأهلها وقياداتها في المعارضة والحكومة محبة كبيرة في قلوب السودانيين لم تنافسها في التاريخ ولا الحاضر دولة أخري. الصعيد "حتة" منهم. القاهرة مدينتهم. والإسكندرية مصيفهم. وإذا كان الشأن المصري في الأيام القليلة الماضية محط أنظار العالم وعناءه السياحي والسياسي، فالسودان أولي منهم جميعا في التعاضد مع مصرالمُسارعة قبل الجميع دائما لمؤاخاته. والسودانيون واثقون في تمسك إخوتهم المصريين بعقلهم القومي لما يربط البلدين بدلتا النيل وأعاليه وصحاريهما وبحارهما وحوض النيل مجتمعا من ُعريً غير منفصمة. ويا لعجب الأحكام في شؤؤن الأوطان: إنفصل جنوبنا مهرولا عن جسد سوداننا وشعبنا يترجي عودته؛ وانفصل سوداننا متئدا عن شماله وشعبه يتأمل وحدته.
نقول للأجنبي: "غور يا دخيل"!
وغداً يومٌ جديدٌ لشعبينا الحبيبين في وادي النيل الخصيب...
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة