"العناد" هل هو وراثة أم مكتسب؟!
العناد ظاهرة معروفة في سلوك بعض الأفراد والأطفال.. و"العناد" سلوك موجود عند الناس بنسب متفاوتة يبدأ من الإصرار على الموقف ويتفاقم إلى درجات أعلى ويصبح ظاهرة تستحق أن يطلق عليها صفة "العناد" حينما يصل إلى درجة حادة من التصلّب في الرأي وفرضه على الآخرين.. ويتميز "العناد" بالإصرار وعدم التراجع حتى في حالة الإكراه، وهو من اضطرابات السلوك الشائعة، وقد يحدث لمدة وجيزة أو مرحلة عابرة أو يكون نمطاً متواصلاً وصفة ثابتة وسلوكا في شخصية الفرد ولهذا فإن "العناد" حينما يوصف به سلوك معين، فإن المقصود يتّجه مباشرة إلى الصفة السلبية في ذلك السلوك.. لذا يطلق على الشخص بأنه إنسان "عنيد" أو رأسه "ناشف" أو "يابس" سواء كان رجلاً أو امرأة.
و"العناد" نوعين: أولاً "العناد" هو الإصرار وتصلب الرأي وله نوعان من الصفات هو المحمود والمنبوذ.
أما المحمود وهو التصلب على الحق ويكون لنحن.. والمنبوذ التصلب على باطل ويكون للأنا العظمى في الإنسان... فالأول يكون فيه أجر والثاني يكون قد خسر الأجر ويكون فيه غدر في قرارة نفس العنيد للمنبوذ يعترف ويقر، ولكن "يعند" لجهل ما بمقتضيات الأمر.. والجاهل عدو نفسه فيخسر هو ويخسر غيره، المهم أنه "يعند" فقط من أجل فرض رأيه هو وإصراره على ذلك الرأي. والمعاندين للمنبوذ يكونوا إما للجاه.. أو العظمة أو مرض أو جهل.. ولكن لا يكون محبوباً عند الناس.. أما المحمود يكون صاحبه الكل يتهافت عليه ويحبه عامة الناس.
وحول الشخصية "العنيدة" ومدى ارتباطها بالجوانب الوراثية، والعوامل المؤثرة في سلوك "العناد" أو العنيد عند الناس العاديين ممن لا يعانون من أمراض سيكولوجية أو ذهنية.. والدوافع المرتبطة بـ "العناد" قد تكون مرتبطة بالشخص نفسه من حيث تكوينه الثقافي وطريقة تنشئته الاجتماعية ومستوى الوعي عنده.. وقد تكون مرتبطة بعناصر خارجية كالضغط الاجتماعي الناتج من المنصب أو المكانة التي يتبوأها ذلك الشخص المسؤول، أو كالتحدّي عندما يتحدى كل شخص الطرف الآخر الذي يبرز عن طريق المواجهة أمام الجمهور في مواقف شتى. ويصبح "العناد" هنا وسيلة لاستعراض القوة بمفهومها الجماهيري والشخصي وما تتطلبه من قيم تتعلق بدحر الخصم وإعلان الانتصار عليه بتصلبه وفرض رأيه عليه وعلى الآخرين بطريقة "دكتاتورية" ظهارة للعيان.. لذا يكون "عناد" مقتصر على رفض رأي الطرف الآخر، وهذا قد يكون بسبب اعتزازه برأيه مقابل التقليل من رأي الآخرين الذين ربما كان يستصغرهم في العمر أو في الخبرة العملية والحياتية أو يستهزأ أو لتلك "الأنفة" التي يمتاز بها. أو وقد يكون سبب رفضه عائداً إلى تصرف الشخص دون علمه في أشياء تخصه أو في أشياء أخرى ويضعوه أمام الأمر الواقع.. لذلك أراد إعطاءهم درسًا من دروس "العناد" في هذه المرحلة يكون مايزال تحت عوامل شخصيته "العنيدة" المتجبرة والمتكبرة في بعض الأحيان. ولكن حينما يتدخّل الآخرون في الموضوع يجد الشخص نفسه تحت ضغوط اجتماعية خارجية وحتى لو تأكد له عدم صحة رأيه، فقد يتمسك على رأيه لكي لا يظهر أمام الناس بضعف شخصيته و"أن كلمته صارت كلمتين" أمام الناس والمجتمع أو أصبحت شخصيته مهزوزة وضعيفة في نظر الآخرين.
وفي مرحلة "العناد" حينما يبتعد الشخص عن ضغوط الموضوع وتأثيرته الجانبية التي كانت مثار "المشكلة" التي نجمت عنها تلك المناقشة أو تصلب الرأي والذي صارت مجرد ذكرى بعد أن تغيرت الظروف التي كانت في السابق، يلجأ الشخص إلى تبرير سلوكه الـ "عنادي" بأنه كان خاضعاً لعوامل لم يدركها غيره، في حين لا توجد أي عوامل أخرى خلاف إنه شخص "عنيد" ويمتاز بهذه الصفة ويريد أن يفرض رأيه هو فقط.. وقد لا تكون تلك التبريرات التي يتخذها، ويمكن أن تبدو منطقية بعض الشيء وحاضرة في ذهنه في تلك اللحظة ولكن لأنه شخص عنيد ومعروف عنه "العناد" لا يريد أن يتنازل عن رأيه ويتصرف بتلك الطريقة المغاير لإرضاء طموحه والأناة التي في نفسه في ذاك أو تلك المواضيع أو المواقف المختلفة مثار النقاش أو المشكلة التي دارت. ما يسمى بالشخصية السلبية من الذين توصف شخصياتهم بالسلبية العدوانية غالباً ما يكون في صغرهم أصحاب اضطرابات مزمنة وقوية جداً.
ويعتبر "العناد" بين الزوجين من المتمعن البصير ما يترتب على صفة المشكلات و"المشاكسات" الدائمة بينهما والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى انفصال الزوجين بسبب ذلك "العناد"، ولا يخفى على الزوجين وأولادهم ما يسببه "العناد" من آثار نفسية وتربوية وانفعالية مختلفة تختلف التربية الأسرية والعلاقات الوالدية وأسلوب الثواب والعقاب باختلاف درجة النضج والإدراك إلى غير ذلك، في مستوى الوعي الثقافي للشخص.
جعفر حسن حمودة - الرياض
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة