الفيسبوكيون ..الثوار الجدد
عثمان احمد الحسن
[email protected]
|
عثمان احمد الحسن |
ثمة تغيير ضخم يبدو ان بشائره حلّت دون ان ينتبه لها احد ، تغيير في مفاهيم واليات الثورة ، فقد انتقل مصطلح ( ثورة الاتصالات) من مصطلح تقني الي مصطلح اجتماعي- سياسي والتحمت التكنولجيا والثورة ، هؤلاء المنكبون على الفيسبوك وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ثمة لغة جديدة وثمة اليات يعملون بها عصية الفهم وعصية التفاعل على جيل القدامى ، هؤلاء الثائرون الجدد لا يتصادمون مع القوى التقليدية السياسية والاجتماعية في معارك صغيرة ومزعجة ..انهم يتجاوزون الجميع بكل بساطة ، هذه الآلية الجديدة يستحيل محاربتها لأنها جزء من الحياة ، ايمكنك تخيل الاستغناء عن الموبايل ؟ .
حينما ضاقت مواعين الاجسام التقليدية عن استيعاب الطاقات الهائلة والمتفتحة الحديثة لدى الشباب ، استعصم الشباب بمواعين افتراضية في عالمهم الالكتروني ، هناك حيث لا تمارس عليهم وصاية من اي نوع وحيث يعيشون حياتهم كيفما شاؤوا ووقتما شاؤوا ومن داخل تلك الغرف الافتراضية تطبخ احلامهم وقرارتهم بدون تدخل وبكل سلاسة وحينما تخرج الي العالم الواقعي فانها تخرج ناضجة تماما" وحينها يفغر جميع المتكلسون افواههم !! كيف ؟ متى ؟ اين ؟ ولماذا ؟
ان الفيسبكيون في عالمهم الافتراضي لم يكونوا منفصلين عن الحياة الواقعية وتفاصيلها وان بدوا لنا غير مبالين ، ويصح القول ان استغراقهم داخل هذه العوالم الالكترونية في وجه من اوجهه الكثيرة انما هو نوع من الرفض والتمرد ومحاولة للبحث عما يفتقدونه ولا يهم اطلاقا" انهم يفعلون ذلك عن سابق قصد او لا وهنا تكمن عبقرية هذه الاداة ، فقد تدخل اليها بقصد التسلية والتواصل مع اصدقائك ومعرفة ما يدور ولكنها بالآخر ستقودك ، امر شبيه بممارسة كرة القدم فبينما تلعب انت بقصد المتعة تحصل بالنهاية على جسم صحي ورياضي ولو لم تكن تنوي ذلك ، بل اكثر من ذلك فان المؤشرات الدالة على عمق تأثير العالم الافتراضي على الحياة الواقعية كبيرة وظاهرة وان لم تكن منفصة عنها جوهريا ، فالعوالم الافتراضية الآن هي مطبخ الافكار والخطط وهي محل مشاركة التجارب وهي التي تكشف من خلال مقارنة وضعك بالآخرين ماذا تعنى العدالة الاجتماعية ، ماذا تعنى الشفافية ، ماذا تعنى الديمقراطية ، فهذا العالم الالكتروني والاتصالات تتيح لك معرفة اين تقف وهل تسمّي الاشياء مسمياتها الصحيحة ؟ لا شئ ادعى للتغيير اكثر من المقارنة ، المقارنة هي ما تخلق الاهداف والاهداف هي ما تخلق القوى الدافعة للتغيير.
لا مجال اليوم للاحزاب والاجسام التقليدية ان تمارس اي نوع من الوصاية على الاجيال الجديدة ولن تستطيع من خلال الياتها الحالية ان تخلق اي نوع من الحراك داخلهم ، اؤلئك القادرون على استلهام هذا التغيير هم من سيستطيعون البقاء ولن يتأتى لهم ذلك الا من خلال الشباب انفسهم وتمكينهم من مفاصل اساسية داخل مواعينهم السياسية والاجتماعية بل اكثر من ذلك بتمكينهم من المشاركة على مستوى قيادات هذه المواعين ولن يكون كافيا" محاولة معرفة ما يريد الشباب واخذ ذلك في الاعتبار او الادعاء بذلك ، هذه الطريقة لم تعد تجدي ، فمن ناحية نجد ان احتياجات هؤلاء الشباب ديناميكية وسريعة التغير كعالمهم المتماهي مع عالم اليوم تماما كما ان احتياجاتهم تتكون عفوا" في رحلة تواصلهم ولا تتوفر لهم اجابة ثابتة لما يريدون في غالب الاحوال ، اذن يجب بذل مجهود اضافي وغير تقليدي.
يستخدم اكثر من 600 مليون شخص الفيسبوك و تويتر ويوتيوب وتتم خلالها 3 مليار عملية يوميا من احصائيات مؤكدة ، واذا اخذنا في الاعتبار ان سكان الكون بما فيهم الشباب قرابة ال 6 مليار ونصف فمن الواضح ان غالبية الشباب تستخدم هذه الوسائل بنهم عالي ومتزايد ويصح باطمئنان شديد الوصول لنتيجة ان العوالم الفتراضية كالفيسبوك والتويتر واليوتيوب وغيرها تمثل الوجه الجديد والبديل للاحزاب السياسية ويمكن القول انها هي الاحزاب الجديدة القادرة على ضم الشباب اليها ، هذه هو التغيير اللذي حدث ولا زال يحدث الآن ، لا مكان في العالم الذي نستشرفه للاحزاب بشكلها الفيزيائي أو الحسي القديم حيث يضمحل مكان أو لدار الحزب ماديا" ليحل مكانه الالكتروني الافتراضي ، لا مكان للمكتب السياسي التقليدي اللذي ينتج التعليمات والاستراتيجيات فقد تغير ذلك الي القيادة الجماعية وكأنها ديمقراطية اليونان القديمة حيث يجتمع كل المواطنين ويقررون مصيرهم معا" ، لن يكون حصر عضوية الاحزاب امرا" واقعيا" تماما ، فعضوية اليوم تتغير على مدار الساعة ، ينضمون اليك وقتما يقررون ويتركونك وقتما يريدون ، لا مجال للمفكرين والقادة السياسين الملهمين بشكلهم التقليدي في عالم اليوم ولا مجال لوصايتهم ولا شك ان صوت الايدلوجيا ينحسر في عالم اليوم لصالح قيم مشتركة كالعدالة والحرية والمتطلبات الحياتية المباشرة من عمل وتعليم وصحة ، قيم يتشرب بها الجميع بدون عوائق و لا تعترف بالجغرافية ، الآن تصنع الافكار من الجميع وباضافات صغيرة وحقيقية حيث الجميع منتج وحيث الجميع مستهلك للافكار.
اكثر ما يميز عالم اليوم هو كثافة معطياته مما ادى لضغط الوقت بحيث ان اليوم الواحد لم يصبح كافيا للعمل والرياضة والنشاط السياسي ، الثقافي والاجتماعي والجميع يشكو من ضيق الزمن ، وكنتيجة طبيعية استجاب السوق لهذا التطور والاحتياج وانتج وسائل تكنلوجيا مناسبة من هاتف موبايل متحرك وانترنت وشبكات لا سلكية وخلافه تتحرك مع الاشخاص اينما تحركوا ولذلك فمن المهم ان ينتبه الجميع الي الشكل الجديد للتواصل اذ لن يكون بالامكان حشد جماهير ضخمة وملتزمة لفترة طويلة من خلال التواصل المادّي التقليدي.
قاد الفيسبوكيون الثورة في تونس وفي ايران وفي مصر حينما نضجت مبررات هذه الثورة ، كان الفيسبوك هو العنصر المشترك والرئيسي في حملات المرشحين للانتخابات التي جرت في العقد الاخير في كثير من الدول فهي تمثل بوابة الدعاية الانتخابية الى عالم الشباب ويمثل الغرب من خلال ريادته المثال الناجح في استخدام مواقع التفاعل الالكترونية بفعالية كبيرة وخير مثال لذلك هو الرئيس الامريكي اوباما حيث بينت احصائية ان ثلثي الامريكين بين 18 و29 سنة يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي وثلث الامريكين يستقون معلوماتهم عن المرشحين عن طريق هذه المواقع ،ثم انه لا يحتاج الي كثير عناء معرفة اتجاه الشباب الصغار من حولنا وانكبابهم وتفاعلهم مع بعضهم من خلال الانترنت مباشرة او الانترنت عن طريق الموبايل والرسائل والصور .
ان التغييرات العلمية في مجال تكنولجيا الاتصالات كان من المحتم ان تقود الي تغيير اجتماعي فالعلاقة بينهما علاقة تبادلية ، ان تغيير وسائل المعرفة والتواصل من خلال ثورة الاتصالات تقود الآن التغيير في آليات التغيير السياسي والاجتماعي ، انها فعلا" عولمة المفاهيم ، انه امر بدأ منذ فترة طويلة ولكنه ظهر بشكل جلي الآن ، من المهم للاحزاب والمنظمات ان تنتبه لهذا التغيير الضخم ليس من خلال محاولات ضحلة بادعاء معرفة متطلبات الشباب وغيرهم او صناعة المواقع الالكترونية للاحزاب وانما بدراسة متعمقة وبمعرفة الاساليب الحديثة للتواصل بصورة عامة وكذلك بالتواصل مع الشباب باللغة والطريقة التي يتفاهمون بها والوصول اليهم في عوالمهم الافتراضية هذه ودراسة هذه التغييرات من خلال مراكز دراساتها الاستراتيجية لوضع الخطط اللازمة للاستفادة منها في اعداد برامجها وكذلك كيفية انجاحها بل وحتى لضمان وجودها مستقبلا" .. ان العالم يتغير .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة