اتظلموا الحكومة ..فحروبها ضد الوطن
يبدو اننا قد فهمنا حكومة الإنقاذ وحزبها الحاكم فهماً مغلوطاً وربما مرد ذلك لقلة ذكائنا أو ضعف قدرتنا علي إستيعاب تاريخنا الحاضر ..لقد ظللنا سراً وعلناً ننتقد سياسة الحكومة تجاه قضايانا الإجتماعية الملحة التي تتطال حياتنا اليومية وعدم مقدرة الدولة علي إدارة دفة الحكم وأزماتنا السياسية بكفاءة وإقتدار والتدهور المريع الذي أصاب أقتصادنا ونسيجنا الإجتماعي وأحدث شرخاً مهولاً في نظامنا الأسري وطال الدمار أخلاقياتنا السودانية السمحة وأحالنا إلي وحوش نتربص الحين وننتهز الفرص لإصطياد الضعيف منا سيان عندنا إن كان هذا الضعف لحوجته المالية أو رغبته في عيش الكفاف لأسرته .
صحيح أن ثورة الإنقاذ كانت تخدع فينا لأكثر من ستة عشر عاماً وهي تقود حرباً داخلية ضد المتمردين حتي طحنت هذه الحرب الضروس وأزهقت أكثر من مليون مواطن وكان هدف الحرب الحفاظ علي وحدة التراب والوطن وإنها بعد أن حققت الوحدة كل هذه المدة ورغم كل التضحيات وأرواح الشهداء عادت وبكل طيبة خاطر ومنحت الحركة الشعبية حق تقرير المصير وتحقق الإنفصال .
ونعلم أيضاً أن حكومة الإنقاذ وحزبها الحاكم خاضت حرب أخري ضد الحركات المتمردة من أبناء دارفور الذين كانوا يبحثون عن إثبات للهوية وأشواق عارمة لتحقيق العدالة الإجتماعية ولكن تلك الرغبة والأشواق لم تصادف هويً في نفس الحكومة فسخرت كل قواتها المسلحة وآلات حربها لإخماد تلك الحركات وكلف ذلك الوطن أكثر من ثلاثمائة ألف قتيل (( حسب إحصائيات الأمم المتحدة)) ..وفتح ذلك الإفراط في إستخدام القوة الباب علي مصراعيه لتدويل المشكلة وواجهت الحكومة أحكام دولية بالقبض علي الرئيس وبعض رموز النظام وإتهامات عظيمة بالإبادة الجماعية والإغتصابات لنساء مسلمات وفتيات وجرائم ضد الإنسانية وهي تعريفات قانونية دولية لم يحاكم بها إلا مجرمي الحروب العالمية والإقليمية .وبهذا الأسلوب القمعي والبربري خلقت الدولة أعداءاً لها من بني جلدتها .
وصحيح أيضاً أن الحكومة وحزبها الحاكم إستن سنة قمع المطالبين بالحقوق والذين يرغبون في معالمتهم كمواطنين من الدرجة الأولي وليس أقل من ذلك ولهذا فلم تكن التظاهرات التي إجتاحت مدينة بورتسودان في 29/1/2005م بأوفر حظاً نظيرتيها في دارفور أو جنوب السودان ومرة أخري أرسلت الحكومة خميسها العرمرم وجحافل الصفوة من قواتها الخاصة إلي المدينة وإستخدمت تلك القوات الذخيرة الحية ليس لإخماد الثورة أو الإنتفاضة بل لإسكات الحياة في أجساد الفارين من الرصاص وتراكمت الأجساد في مشرحة مستشفي بورتسودان ولم تجد حتي الثلاجات لحفظ كرامتهم الإنسانية ودفنهم بطريقة تليق بهم كأخوة لنا في الدين والعقيدة.
الحكومة وحزبها الحاكم لم يفرطوا في وحدة التراب حينما إرتضوا منح الحركة الشعبية حق تقرير المصير لجنوب السودان المليء بالثروات والبترول والمعادن الكامنة في باطن الأرض ولم يكن ذلك من أولوياتها أو بضغط من الإدارة الأمريكية وزيارة ( سكوت غريشن ) والسيناتور ( جون كيري) للخرطوم لم تكن إلا زياراتٍ ودية لتبادل الخبرات بين البلدين كما أن تصريحات ( جوني كارسون) مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية بخصوص السودان كلها كاذبة ومحض إفتراء ولا تعني الحكومة في شيء.
في العام 1958م عندما قامت مفرزة من الجيش المصري بالإستيلاء علي مثلث حلايب ووصل ذلك لأسماع الجكومية قامت بإرسال ((ملازم)) بفصيلة واحدة من قيادة المدفعية عطبرة وقامت تلك الفصيلة بالتصدي للقوات الغازية حتي قامت بالتراجع وأصدر الرئيس عبد الناصر أوامره بإنسحاب الجيش المصري من (( الأراضي السودانية)) وقال قولته الشهيرة : (( لن يوجه الجيش المصري رصاصة واحدة إلي صدر سوداني وأنا علي قيد الحياة )) وإنتهت الأزمة ..أما الآن ومع وجود القوات المصرية علي خط (22) درجة شمال وليس ( 23.5درجة شمال ) وإنشاء بوابة الحدود جنوب مدينة حلايب السودانية ليس غزواً بل هم ضيوف لدينا ونحن مشهورون بالكرم كما أن ذلك الوجود ليس أولوية للنظام !!!
الثورة المصرية التي إستمرت أكثر من سبعة أيام ومازالت والثورة التونسية التي نجحت في إزاحة حكم الطاغوت تقدم لحكومتنا الدروس والعبر علي أكثر من صعيد ..في جانب من هذه الدروس علي الحكومة وحزبها الحاكم أن تدرك أن منطق القوة لن يطيل عمرها في سدة الحكم وأن شمس الخلاص للشعب أقرب للحكومة من شراك نعلها .
ومن جانب آخر الجيش التونسي قدم درساً بليغاً للجيوش العربية بحياده التام حول الصراع الدائر بين الباحثين عن الخلاص من الشعب التونسي والمتشبثين بالحكم من الطغمة الحاكمة ورهان الرئيس المخلوع ( زين العابدين بن علي ) علي الجيش التونسي ليدخل طرفاً في معادلة الصراع كان رهاناً علي جوادٍ خاسر ولم يجد (بن علي ) بداً من أن يطلق ساقيه للريح للنجاة بجلده من سوء المآل وكشف الحال ..الجيش المصري الذي هو من حيث الإحصائيات الجيش العاشر في العالم من حيث العدة والعتاد (468.000جندي) ورغم أنه يتلقي معونة عسكرية من الإدارة الأمريكية (1.3مليار دولار سنوياً ) أصدر قادته الأمر للقوات للإنتشار في الشوارع لحفظ الأمن وحماية الشعب المصري بعد إنسحاب قوات الأمن والشرطة وإختفائها من مسرح الأحداث في صورة مفاجئة وغامضة وقد أصدر الناطق بإسم القوات المسلحة المصرية بياناً أعلن فيه حياده التام و(حق الشعب في التعبير عن رأيه ) وإلتزام الجيش بعدم الإعتداء علي الشعب مما يعني خروجه من معادلة الصراع بين حسني مبارك وقوات أمنه وثمانين مليوناً من المصريين المتظاهرين المطالبين بإقالة الدكتاتور المصري الذي بلغ أرذل العمر.
لاتعدوا سياسة الحكومة تجاه المعارضة من تكميم الأفواه وضرب المتمردين بيد حديدية وإستخدام جيوشها من الشرطة والجيش والقوات الأخري في قمع حريات الرأي والتعبير والزج بكل من يخالفهم الرأي في غياهب السجون هو مخالف للديمقراطية أو ضد الشعب السوداني الذي قادهم لمقاعد وكراسي الحكم كما ظلوا يتشدقون بأن حكومتهم ديمقراطية وجاءت عبر صناديق الإقتراع ؟؟ ياقوم ألا تفهمون..الحكومة تخوض حروباً داخلية ضد وطنها ومواطنيها .. ياقوم أعذروا الحكومة فلم تفرط في أرض الوطن ولكن ألهتها حروبها الداخلية ضد مواطنيها عن حروبها الخارجية ودورها في حماية الوطن ورفاهية شعبها .
عمر موسي عمر ــ المحامي
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة