ميكافيللية ثورة الأسافير
بقلم/أحمد محمد خير حقاني
الخرطوم
[email protected]
الشخصية التدميرية والقسوة في السلوك والعواطف والأحاسيس لم تزدد وتتطور وتتسع إلا مع ازدياد الإنتاج وتطور التقنيات والتكنولوجيا ووسائل الاتصال وتقسيم الجهد وتشكل الفائض الكبير وبناء المدن ذات التراتبيات والنخب وعندها نمت الحضارة ونما دور السلطة، ولذلك نجد بأن العدوان والتدميرية أخذا دورهما في نسيج البواعث البشرية... يقول ميكافيللي في كتابه (الأمير)
الشجاعة تُنتج السلم، والسلم يُنتج الراحة ،والراحة يتبعها فوضى ،والفوضى تؤدي إلى الخراب، ومن الفوضى ينشأ النظام والنظام يقود إلى الشجاعة ...ما قادني لهذه المقدمة هو الحملة الاسفيرية الكبيرة التي تابعتها في أكثر من موقع سوداني وعلى الفيس بوك التي تدعو للتظاهر في يوم اسموه يوم الحرية،بالتزامن مع اعلان النتائج الأولية لاستفتاء جنوب السودان التي أكدت انفصال جنوب السودان بنسبة قاربت المائة بالمائة...ان استخدام تكنولوجيا الاتصال في حشد الناس للتظاهر هو أسلوب مستحدث تجلى أثره في ثورة تونس وفي مصر التي اندلعت ثورتها ولم تنته بعد،وقبلها استخدمه (باراك أوباما) بشكل واضح في حملته الانتخابية،التي أوصلته البيت الأبيض...في اعتقادي كل ذلك يأتي في اطار الفوضى الخلاقة ذلكم الشعار الذي تبنته أمريكا لاحداث تغيير في الشرق الأوسط، في اطار سياستها المعلنة قبلا والمعروفة بتشكيل الشرق الأوسط الكبير،شرق وفق مصالحها المعلنة والمستبطنة،والفوضى الخلاقة مصطلح سياسي يرجع الى ميكافيللي الذي يتبنى أسلوب الانتفاع السياسي والذي لخصه كما أوردت في مقدمة هذا المقال...تعيش دول الشرق الأوسط والبلاد العربية أزمات جمة تتمثل في اقتصاداتها المتدنية وما يعانيه مواطنيها من بطالة ودخل شحيح اضافة لازمات الحكم،كل هذه الأسباب وغيرها شكلت مناخ مناسب لتكون شعوب هذه المنطقة وقودا لتنفيذ السياسة الأمريكية...فبقراءة بسيطة وبدون عمق حتى للاحداث في تونس ومصر نجد أن الادارة الامريكية وقفت موقف المتفرج من حلفاءها السابقين ،بل انها ارسلت اشارات مؤيدة للثورات المندلعة هناك...ماذا حدث في تونس ؟،لحد الان يمكننا القول ان الثورة قد سرقت ،فالحكومة الجديدة يرأسها واحد من الحرس القديم، يبدو أن أمريكا راضية عنه رغم استغنائه عن الوزراء السابقين بضغط من الشعب التونسي،ويلاحظ تغييب التيار الاسلامي(لا زال راشد الغنوشي خارج البلاد ) ،نفس هذا السيناريو يتكرر في مصر،فبدلا أن يرحل حسني مبارك وتكون حكومة جديدة من كافة القوى المشاركة في الانتفاضة،نجد أن عمر سليمان رجل المخابرات الأول في مصر،يتولى تصريف شؤون البلاد نيابة عن مبارك،وفي ذلك تفسيران لا ثالث لهما،الاول اما أن يكون ذلك بتدبير مباشر من امريكا ليكون عمر سليمان الرجل الاول خلفا لحسني مبارك المطاح به وبهذا تكون ثورة مصر قد سرقت ايضا،الثاني ربما يكون النظام المصري قد استفاد من الدرس التونسي وفوت الفرصة على امريكا بتعيين عمر سليمان لايجاد طريقة مناسبة لاخراج مبارك من اللعبة،باسلوب ناعم ليس كما حدث لزين العابدين بن علي،خاصة وان سليمان يجد قبولا من الشعب المصري...نعود للسودان ،ففي الوقت الذي انفصل فيه الجنوب بسلاسة يراد للشمال ان يعيش في فوضى وبنفس ادوات تونس ومصر وبنفس اسلوب الحشد الالكتروني...فبعد ان نفذ ساسة الشمال السياسة الامريكية في ضمان فصل الجنوب،يريدوا الان تشكيل الشمال وفق رؤيتهم خاصة بعد اعلان البشير ان الشمال سيكون اسلاميا قحا...ولكن وفق قراءتي المتواضعة ،لن يفلح ذلك في الشمال للاتي:
- يوجد بشمال السودان كثير من الحركات المسلحة ،مما يعطي المبرر لحكومة الخرطوم لحزم قبضتها العسكرية بشدة وقسوة مفرطة.
-الأحزاب في الداخل متاكلة ومنقسمة.
-التنوع القبلي يقف حائلا دون وجود توحد تجاه الانتفاضة(ظهور النعرات القبلية بوضوح في الفترة الاخيرة).
-عدم ثقة مواطن الداخل في معارضة الخارج التي تتبنى الحملة الاسفيرية لهذه الانتفاضة المفترضة.
- عدم انتشار ثقافة الانترنت بشكل واسع وسط الشعب السوداني ،فلازال عدد مستخدمي الانترنت محدود مقارنة بالعدد الكلي للسكان،اما اذا قارناه بتونس ومصر فالبون واسع،حيث نجد هناك أن الانترنت يدخل حتى في الاستخدامات الحياتية اليومية من بيع وشراء وغيره،اضافة الى أن أعداد الشباب المستنير داخل وخارج تلكم الدول كبيرة جدا مما يعني أن النخب القائدة كافية لاستنفار الشعوب ،وبالعكس في السودان الذي يعاني غالبية شعبه من الأمية الأبجدية دعك من الالكترونية...أكتب هذا المقال في نهاية يوم عمل 30يناير،ولم نشهد تظاهرات،كما روج لها في الشبكة العنكبوتية،حتى المحطات الفضائية لم تتطرق لهكذا حدث..ولكنا سمعنا ان طلابا خرجوا هنا وهناك وتم تفريقهم،وحتى المعلومة الأخيرة كثير من المواطنين لا علم لهم بها،وهذا ربما يثبت فرضياتنا التي سقناها انفا. |