شعب (التجارب)
محمد خوجلى الكراراوي
[email protected]
تتغير الحياة من حولنا ولا تقف حياة الشعوب في محطة واحدة بل تأتى حكومات وتتبدل أنظمة، وتحدث إنقلابات وتثور على الظلم والقهر لأنها شعوب متعطشة للحرية وترفض الذل والهوان ومهما طال أمد تلك الأنظمة الديكتاتورية فى الحكم فلابد أن يأتي يوم وتزول تلك الأنظمة فدوام الحال من المحال وتلك الأيام نداولها بين الناس، فالتغيير الذى تحاول أن تنشده الأمم الواعية دائما للأفضل والأحسن فى هذا الكون هو قمة التطور وليس التغيير من أجل التغيير كما يحدث عندنا عندما تتعاقب الحكومات فى بلادنا (التغيير من سيىء الى أسوأ) بل في أتخاذ أى قرارإداري من السلطات العليا لابد أن يكون هذا القرارالمصيري مدروسا بعناية فائقة ومن لجان مختصة لها دراية مستفيضة بكل جوانبه والذى سوف يحدد مصير شعب ودولة ، وخاصةِ في سن القوانين والتشريعات التى تصب في مصلحة الوطن والمواطن وبعد ذلك يجب أن تُرفع للجهات العليا بعد مداولات طويلة؟!
فى أي دولة متقدمة من دول العالم لايمكن أن يحدث البتة مايحدث عندنا وبخطط عشوائية، وهو أن يتم إستحداث قوانين فورية وبقرارات متسارعة كلأحداث اليومية يغلب عليها الطابع الحماسى ! التاريخ هنا لايرحم مثل هذه الأخطاء الشنيعة ، وسوف تطال المحاسبة أى مسؤول عما فعله فى حق شعبه طال الزمن أم قصر ،سياسة الإعتراف بالخطأ لاتوجد فى قاموسنا بل الزعم بالتعنت والمكابرة والمضىء فى دروب العتمة ، وأيضاً الإصرارعليه وهذا هو ديدن الإداري المستبد بل ينال عليه ترقية ومكافأة من رئيس الجمهورية في دولة الفساد والظلم.
فى دول متقدمة مثل اليابان عندما يشعرالمسؤول بالتقصيرتجاه عمله اول مايفكر فيه أن يقدم إستقالته طوعاً ويحاسب بعدها نفسه حساباً عسيراً،فأستصدار أمر أومرسوم يقضى بكذا وكذا بدون دراسة جدوى ليس بالأمر الهين ونكتشف بعد ذلك أن هذا المرسوم لايساوى الحبر الذى كتب به وتكون الجماهير قد أكتوت بنار هذا المرسوم الذى ضل طريقه ؟
تأتى زمرة أخرى لتتبوأ موقع المسؤولية وتكتشف خطأ القرار القديم ولا تمتد يد المحاسبة او المسآلة للمسؤولين وهم مازالوا على قيد الحياة؟ وللايضاح أضرب مثلاً لذلك : عندما وصل الرئيس الأسبق جعفر نميرى الى سدة الحكم فى مايو 69 م قام بعدها بتغيير العلم السودانى الرمز عند الاتحاديين والسودانيين بصفة عامة الى علم بتصميم جديد.. لماذا؟ هل تم التغيير الى الأحسن أم هو نوع من المكايدة السياسية أم تصفية حسابات بين اليسار والأزهرى؟ هل الأزهرى الذى قاوم الانجليز وأعلن الأستقلال من جانب واحد ولم يختلس أى مليم من خزانة الدولة وفى عهد مايو يزج به فى السجن مهاناً نعامله هكذا أم نفخر به كبطل قومى شَرف بلاده للوصول للاستقلال؟ أم أنه أى النميرى لم ينال ذلك الشرف الرفيع مثل الأزهرى وهو لحظة رفع العلم فى فجر الأستقلال ؟
كيف كان أحساس النميرى وهو ضابط صغير فى القوات المسلحة فى يوم عيد الأستقلال 1956م عندما رأى الزعيم الأزهرى ومعه محمد أحمد محجوب وهما أمام العلم فى حضرة الجموع الحاشدة فى ساحة القصر الجمهورى هل كان أحساسه أحساس كل السودانيين الذين توحدت فيه فرحتهم؟ أم دبت الغيرة فى نفسه ،ماذا لو حدث أن الرئيس نميرى كان أول رئيس بعد الأستقلال وتشرف برفع العلم السودانى القديم هل سيطلق عليه السدنة أسم القائد الملهم ويقومون بطباعة صورته على العملة ولنفترض أفتراضا أن حدث انقلابا مناوىء له والغى كل أنجازاته وأودعه غياهب السجون هل يلوذ بالصمت أم سيقول: ياشعبى الصامد لقد تشرفت بتأسيس أول حكومة وطنية بعد الأستقلال على أقل تقدير من السلطة الجديدة أن أنال شرف التكريم ؟ وهذا كان من المفترض أن يحدث للزعيم اسماعيل الأزهرى ؟!
وماحدث بالفعل عندما أتت مايو للسلطة وأمسك الرئيس بمعول الهدم وكان انجازالهدم فى عهد مايو فقد طال التخريب مؤسسات التعليم وكانت الطامة الكبرى وهى إدخال وتطبيق السلم التعليمى الجديد وألغاء المناهج السابقة وتعريبها فحدثت نتيجة عكسية ؟ إنخفاض ملحوظ فى التحصيل عند الطلاب ؟ والآن بعد حقول التجارب المريرة قررنا العودة لتدريس المواد ( الدخيلة) بذات المنهج (اكسفورد) ؟ عدنا والعود أحمد ؟ فى عهد الأنقاذ الترابى أصدر قرار جديد بألغاء العملة التى تسمى بالجنيه وعدم التعامل معه للأبد ؟ وأصدرنا عملة جديدة سميت بالدينار وتعاملنا معها بصعوبة بالغة فى التداوال الرقمى الفلكى ولم تنمحى صورة الجنيه من ذاكرتنا فى التعامل ؟ والآن فقط قررنا الرجوع للجنيه العزيز المفتدى ؟! لاأريد هنا أن أنكأ الجراح ولكنها الحقيقة وكما قال لى أحد ظرفاء المدينة: شعبنا ده ءاذا إتبلع من الصعب أن يهضموه؟؟
ومنذ الاستقلالوحتى الآن مازال (يجرون عليه التجارب) كان الله فى عونك ياشعبي المغلوب على أمره .
نشرت بصحيفة الأيام
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة