(ما بتنضرا أمرق برا)!!..
كوري كوسا/ السودان
وصلتنا الدعوة التي لا يمكن أبداً وصفها بأقل من الجريئة و الشجاعة إلى الإنطلاق في مظاهرة (سلمية) يوم ال30 من يناير الذي يُوافق يوم الأحد القادم. هذا بعد أيام من إنطلاقة حملة أُخرى أعتبرها لافتة جداً و ممهدة لعمل كثير و مُضني قادم و هي حملة الشموع المُضآءة أمام المنازل لنصف ساعة تعبيراً عن سخط متنامي جداً و مكبوت من التردي الفاحش للأوضاع في السودان و الغلاء المعيشي الفاحش أيضاً الذي يحرق الأسواق و البيوت معاً بضراوة لا ترحم. تلك الحملة (حملة الشموع المُضاءة) سلوك راقي و سافر في نعومته و ما من شك في ذلك، لكنه أيضاً ما من شك سلوك لا يُجدي إطلاقاً مع من يقتصبون يوماً بعد يوم حق الناس في الحياة و يصفون الشعب بأنه مجرد شعب متسول و حاقد لا أكثر و لا أقل!. السودانيون من شعب مُعلم و سيد أسياده إستحال في عهد الإنقاذ سيئ الذكر جداً إلى حُثالة من الجياع المنبوذين و المتفرقين في شتى ملاجئ العالم. و كان الأجدى للإنقاذيين أن يواسوا الشعب و يعيدوا إليه بعض كرامته بدلاً عن الإساءة و التجريح المُذلين. و لا أدري هل كنت سأحتمل ذلك الألم النفسي القاتل و لسعات الضمير و أنا مواطن عادي دعك من أن أكون مسؤولاً أو حاكماً يحكم عشرات السنين،أن آكل ما لذ و طاب من أجود أنواع الفراخ و اللحوم و أُحلي طعامي بالعسل و أصناف الفواكه المستوردة و أشرب ماءاً بارداً نقياً، و شخص آخر يبيت مُعدماً و تلسع معدته الخاوية قرصات الجوع و الحوجة. نعم كلنا جرب ذاك الإحساس المُشين الناجم عن الفلس و الجوع، ثم عندما نحصل بشق الأنفس على بعض الجنيهات و نأكل فولاً أو (بوشاً) و نشرب موية (زرقاء) باردة من (زير) طين عادي ندرك حينها كم قاسي هو الجوع و كم مُذل هو البؤس و نتذكر آلاف الناس و الأُسر بأطفالها و نساءها تعيش على ذلك الوضع على الدوام و بصورة يومية بينما البعض بإسم المشروع الحضاري الإجرامي (الآيل إلى الفناء بإذن الله) يتمرغون بضمائر تعفنت موتاً في الترف و التُخمة.
إن الدعوة للتظاهر أمر مطلوب بإلحاح و نحن كسودانيين في أشد الحاجة إليه لبداية رحلة العبور من هذا الوضع البغيض و الشاذ جداً الذي نحياه في اليوم ألف مرة منذ أن إبتلانا الله بتسلط معتوهين الإنقاذ هاؤلا علينا. و كنتُ قد كتبت في مقالات سابقة بأن هذا النظام لا يُمكن لجمه بمظاهرات (سلمية) أيضاً، لكن لا بأس أبداً من إلقاء حجراً في مياه البركة الساكنة مستفيدين من موجة العدوى (الحميدة) لثورات آخذة في الإندلاع بقوة في دول حولنا و قريبة منا، ذلك مع أن الأنظمة الحاكمة في تلك المجتمعات أقل بكثير في شرها و بشاعتها من نظام الإنقاذ. ففي مصر المجاورة التي تغلي الآن بثورة شعبية عنيفة أطلق شرارتها الشباب، يعيش فقط رُبع المواطنين فيها تحت خط الفقر فيما يعيش تسعون في المئة (90%) من أفراد الشعب هُنا في السودان تماماً تحت خط الفقر. فأي منا أحق بالخروج ثائراً على بشاعة الأوضاع التي يعيشها من غلاء فاحش و وطن يتقسم و مستقبل مُظلم و مسؤولون سفلة و وقحين يخنقون إرادتنا الحُرة صباحاً و مساء و يكيلون نحونا الإساءآت أصنافاً بمناسبة و بلا مناسبة. فلننطلق إذن لكثر هذا الحاجز و الهاجس لإستعادة الثقة بأنفسنا و ليكن أول القيث قطرة في طريق (ثورة الشموع المضاءة) و لنهتف جميعاً في الشوارع بلا خوف شعاراً واحداً.. "يا مواطن ما تضارا.. أمرق برا.."
و نواصل..
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة