حول أدلة تحريم مصافحة الأجنبية
بقلم / نوري حمدون – الابيض – السودان
= الكتاب الذي نحن بصدده اليوم يعرف نفسه قائلا :
أدلة تحريم مصافحة الاجنبية
جمع و ترتيب
محمد بن أحمد بن اسماعيل
المكتبة الشاملة – الاصدار 3.37
http://www.shamela.ws
= أنصار السنة جماعة اسلامية لها وجود ظاهر وسط الامة الاسلامية . وجودها أكبر من حجمها الحقيقي بحساب الافراد المنتمين لهذه الجماعة . اكتسبت هذا الحجم الكبير بسبب تبني الدولة السعودية للفكرة و الصرف الكبير على أنشطتها في كافة أنحاء العالم . و السعودية هي التربة الاولى التي ولدت فيها الفكرة على يد مؤسسها محمد بن عبدالوهاب قبل نحو ثلاثة قرون , تلك الفكرة المسماة أحيانا بالوهابية .
= أبرز ما تدعو له جماعة أنصار السنة التطبيق الكامل للشريعة كما فعل الرسول و صحابته في الجزيرة العربية في القرن السابع . و ذلك يعني التأكيد على الاساس الاول للاسلام و هو نفي الشرك بأنواعه التي من ضمنها اتخاذ القباب و الاولية و القبور و التقرب اليهم . كما تدعو الى الفصل التام بين الجنسين و اعادة المرأة الى البيت لتكون تحت قوامة الرجل بحسب الافضلية التي منحتها الشريعة له .
= = سأقوم في كل مرة في هذا البحث بايراد كلام المؤلف الوارد في الكتاب كما هو أولا , ثم أعلق عليه ثانيا موضحا ما أعتقد أنه الخطأ في كلامه بحسب المعروف في الفقه و اصوله . ثم أجتهد رأيي في بعض الاحيان . فان جاء اجتهادنا للحق موافقا فزنا بالدرجتين . و ان جاء اجتهادنا للحق مخالفا سعدنا بالدرجة . و لا حول و لا قوة الا بالله .
و بسم الله نبدأ :
أعلموا أيها المسلمون أنه لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية منه , و لا يجوز له أن يمس شيئا من بدنها . و هاكم أدلة هذا الحكم :
1= الكتاب الذي بين ايدينا اليوم من أكثر الكتب حيرة و ربكة و اضطرابا . و لقد ظهر هذا جليا في عدم قدرته على الثبات على حكم واحد أو على لفظ واحد يعبر به عن الحكم الواحد . فمصافحة المرأة عنده : لا تجوز و حرام و مكروهة و اقتداء بالرسول . و بما أن الكاتب ينتمي الى طائفة أنصار السنة فنعتقد أنه و أنهم في نهاية المطاف يقصدون التحريم . الا أننا بتثبيتنا للاضطراب الظاهر في العبارات و الالفاظ نسعى لتوضيح ان الاضطراب حقيقة في الفكر و التفكير و في العقلية نفسها التي كما أوضحنا في محاوراتنا السابقة معهم أنها تضع النتائج ثم تبحث لها عن مقدمات و تصل لاحكام ثم تبحث لها عن اثباتات و أدلة . و الادلة عندهم هي ما خرج من بطن كتاب أصفر و ليس ما وافق شروط الصحة المعروفة وفق أصول الفقه . و سنرى ذلك كله فيما يلي من استدلالات .
= الاول : ما رواه معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال : ( لان يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له .) - قال الالباني في الصحيحة (( و هذا سند جيد , و فيه كلام يسير لا ينزل به عن رتبة الحسن )) – و قال (( في الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له , ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء , لأن ذلك مما يشمله المس دون شك .))
2= الحديث كما يعترف الكاتب من النوع الذي يسمى ( الحسن ) . و الحسن في علم الحديث نوع من أنواع الضعيف و ليس نوع من أنواع الصحيح كما قد يتوهم البعض . الحديث الصحيح يسمى المتواتر و هو الذي يستدل به على الاحكام الشرعية التي فيها تحريم أو تحليل . و المتواتر أغلبه متعلق بالعبادات و ما لا خلاف حوله . أي حديث غير المتواتر غاية ما يدل عليه هو الكراهة لأن غير المتواتر من الادلة الظنية و الظني لا يفيد حكما بالتحليل أو التحريم . و كون الحديث أعلاه ( فيه دليل على تحريم مصافحة النساء ) أمر نشك فيه بعد معرفتنا برتية الحديث . و اذا كان الامر كذلك فلسنا ملزمين بمناقشة متن الحديث ( الضعيف ) برأينا و رأي الكاتب . الا أننا نقول أن الشارع اذا أراد نهيا قدمه بعبارات واضحة و صريحة . لأن غير الواضح و غير الصريح عرضة للاجتهاد و التأويل الذي لا ينتج في نهاية المطاف التحريم المطلوب .. لأنه حسب قواعد (أصول الفقه) لا تحريم بدون نص صريح . فأين الصراحة و الوضوح في عبارة ( يمس امرأة لا تحل له ) في الحديث أعلاه .
= الثاني : ما رواه أبو هريرة (رض) عن النبي (ص) : ( كتب علي ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة , فالعينان زناهما النظر , و الأذنان زناهما الاستماع , و اللسان زناه الكلام , و اليد زناها البطش , و الرجل زناها الخطا , و القلب يهوى و يتمنى , و يصدق ذلك الفرج و يكذبه ) . قال النووي : الزنا مجازا بكذا و كذا .. او بالمس باليد بأن يمس امرأة أجنبية بيده أو يقبلها . – و قال الشيخ أحمد البنا والد الشيخ حسن البنا في باب كراهة مصافحة النساء من كتابه في ترتيب مسند الامام أحمد : ( و هذا , و أحاديث الباب تدل على تحريم مصافحة المرأة الاجنبية ولمس بشرتها بغير حائل , و يؤيد ذلك حديث أبي هريرة ) و ذكر الحديث ثم قال: و اليد زناها البطش , و البطش معناه اللمس .
3= أين نجد ( لمس البشرة بغير حائل ) في هذا الحديث . ان مفهوم حديث أبو هريرة هو عكس ما قصده الكاتب . الحديث يشير الى حتمية تعرض الانسان ( البني آدم ) لنوع من الزنا ( نصيب ) لا يمكن تجنبه ( لا محالة ) الا اذا منعنا (1) النظر (2) الاستماع (3) الكلام (4) اللمس (5) و الخطا . و هي الاشياء التي لو امتنع عنها الانسان امتنعت الحياة . فالحديث فيه دعوة للحذر خوف الوقوع في محظور الزنا عبر هذه المداخل المباحة لأنها مما لا تستقيم الحياة من دونها . غاية ما يمكن أن ندركه من هذا الحديث هو ( كراهة ) مصافحة النساء لغير ضرورة أو سبب . و لو سلمنا بحرمة اللمس عبر هذا الحديث وجب أن نحرم النظر و الاستماع و الكلام و الخطا أيضا .
= ما رواه عروة بن الزبير أن عائشة (رض) أخبرته أن الرسول كان يمتحن من هاجر اليه من المؤمنات بهذت الآية , يقول الله تعالى : (( يا أيها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك )) الى قوله (( غفور رحيم )) قال عروة : ( قالت عائشة : فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله (ص) : [ قد بايعتك ] كلاما , و لا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ) .
4= و مفهوم الحديث الذي لا خلاف حوله أن الرسول لم يبايع النساء مصافحة أو مسا بالايادي . و لا نشعر بأن ما فعله الرسول قد تم بقصد التشريع في أحدى درجتيه العاليتين و هي التحريم . و نحن غير ملزمين بأن نفهم أمرا أكبر من مدلول عبارته .
قال العلامة القرآني محمد الامين الشنقيطي : ( صح عنه (ص) أنه قال : لا ألمس أيدي النساء ) - و ثبت عنه (ص) أنه قال : اني لا أصافح النساء – و الله تبارك و تعالى يقول : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) فيلزمنا الا نصافح النساء اقتداء به . [ قال الترمزي : // حديث حسن صحيح // - و الحديث أخرجه أحمد و الحاكم بسند حسن .
5= فالكاتب يقدم هذا الشاهد ليصل الى التزامنا بعدم المصافحة من باب التأسي . و لا اعتراض لدينا في تأسي أيا كان بأي فعل من أفعال الرسول . و ما كنا كاتبين حرفا في هذا الموضوع لو كان الامر أصلا أمر تأسي . ان الكاتب في الحقيقة يقول شيئا و يقصد شيئا آخر . و قد سبق قوله في شاهدين له مضيا بحرمة المصافحة . و نحن في هذا منه على الضد .
الأمر الثاني في هذا الشاهد هو الضعف المصاحب له في السند . و هو الصفة التي تميز الكثير من شواهد و أدلة أنصار السنة للأسف . فنكرر القول أن (الحسن) ما هو الا نوع من أنواع الحديث (الضعيف) الذي لا يجوز أن ننظر اليه أصلا.
= الشهوة في الناس غالبة و الفتنة غير مأمونة , و الشيطان يجري فيهم مجرى الدم . و كيف يزعم بعض الناس أن مصافحة النساء غير محرمة في الشريعة الاسلامية ؟
6= اننا لا نقول فقط أن المصافحة غير محرمة و لكننا أيضا نقول أن النظر الى النساء و الاستماع لحديثهن و التعبد معهن في المساجد و مناسك الحج و الاختلاط بهن في ساحات العمل و السمر في البيت و الاماكن العامة مثل المدرسة و الجامع و السوق .. كل اولئك غير محرم في الشريعة الاسلامية . أما كيف نزعم ذلك فلأن مصادرنا هي القرآن الكريم و السنة الصحيحة المطهرة . و لأن أدواتنا هي أصول الفقه التي بينها الاوائل و أثبتها الاواخر . كما اننا لا نسمح لأنفسنا أن نستتنتج حكما و ننسبه الى الله بناء على الترجيح و الظن و اعتمادا على الادلة المشكوك في صحتها من حيث نسبتها للرسول الكريم .
ثم أورد الكاتب ما أسماه ( دفع الشبهات الواردة على هذا الحكم ) فقال :
= الشبهة الاولى : ادعوا أن المبايعة وقعت , و كان النساء يأخذن بيده (ص) من فوق ثوبه , و استدلوا على ذلك بما روى الامام أحمد عن أسماء بنت يزيد و فيه : ( فقالت له أسماء : الا تحسر لنا عن يدك يا رسول الله؟ فقال لها : [ اني لست أصافح النساء ] )
7= ثم يبدي الكاتب وجها جيدا بسرده أدلة المبيحين للمصافحة فينزل عن كاهلي عبء تجميع تلك المادة و الاقناع بها . و حسبي شهادته في هذا الباب . و لكنه حاول أن يصل بتلك الادلة الى ما يؤيد رأيه في حرمة المصافحة فأقام حججا جديدة موازية أو قل أنه طعن في حجج المبيحين للمصافحة مما دفعني دفعا لمواصلة الحوار .
= الشبهة الثانية : حديث أم عطية و فيه : ( بايعنا رسول الله (ص) فقرأ علينا (( ان لا يشركن بالله شيئا )) , و نهانا عن النياحة , فقبضت امرأة يدها , فقالت [ أسعدتني فلانة فأريد أن أجزيها ] )
8= الكاتب يشير الى مدلول عبارة (فقبضت امرأة يدها) قائلا أنها تدل على الفعل المجازي . رغم أن أصول الفقه تجيز الانصراف الى المعنى المجازي فقط عندما لا يتم الحصول على المعنى الحقيقي أو يكون المعنى الحقيقي متعارضا مع ثوابت مقررة بنصوص صحيحة أخرى من الكتاب و السنة . و أن نفهم المهنى الحقيقي في سياق الحديث أعلاه لا يضعنا في معارضة مع أي ثابت من ثوابت الشريعة . خصوصا أن الحديث السابق يقول (و كان النساء يأخذن بيده من فوق ثوبه) . و لا تعارض بين هذا النوع من المصافحة و كون الرسول قد أعلن أنه لا يصافح . فهو لا يصافح باللمس المباشر . و هذا اختياره كبشر و ليس قراره كمشرع لأمته .
و أرجو أن أنتهز هذه السانحة لأنقل من كتاب الاستاذ عبدالوهاب خلاف ( أصول الفقه ) حديثه عن ما يكون تشريعا و ما لا يكون تشريعا من أفعال أو أقوال الرسول الكريم . يقول الاستاذ عبدالوهاب خلاف :
= ليس كل ما صدر عن الرسول يعتبر تشريعا :
1- فما صدر عنه بمقتضى طبيعته الانسانية من قيام و قعود و مشي و نوم و أكل و شرب , فليس تشريعا . لأن هذا ليس مصدره رسالته , و لكن مصدره انسانيته . و لكن اذا صدر منه فعل انساني و دل دليل على أن المقصود من فعله الاقتداء به , كان تشريعا يهذا الدليل .
2- و ما صدر عنه بمقتضى الخبرة الانسانية و الحذق و النجارب في الشؤون الدنيوية من اتجار أو زراعة أو تنظيم جيش أو تدبير حربي أو وصف دواء لمرض أو أمثال هذا فليس تشريعا أيضا لأنه ليس صادرا عن رسالته , و انما هو صادر عن خبرته الدنيوية و تقديره الشخصي . و لهذا لما رأى في بعض غزواته أن ينزل الجند في مكان معين قال له بعض صحابته : أهذا منزل أنزلكه الله , أم هو الرأي و الحرب و المكيدة ؟ فقال : بل هو الرأي و الحرب و المكيدة .
3- و ما صدر عن رسول الله و دل الدليل الشرعي على أنه خاص به , و أنه ليس أسوة فليس تشريعا عاما : كتزوجه بأكثر من أربع زوجات .
و الخلاصة :
أن ما صدر عن رسول الله من أقوال و أفعال في حال من الحالات الثلاثة التي بيناها فهو من سنته و لكنه ليس تشريعا , و لا قانونا واجبا اتباعه . و أما ما صدر من أقوال و أفعال بوصف أنه رسول و مقصود به التشريع العام و اقتداء المسلمين به فهو حجة على المسلمين و قانون واجب اتباعه .
نوري حمدون ابكر –الابيض – السودان
الأحد، 26 ديسمبر، 2010
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة