المهدي والإنقاذ .. أما يزال الأرنب يركض ..؟!
تقرير: التقي محمد عثمان
في عبارة سارت بها الأسافير والصحف عقب توقيع اتفاق نداء الوطن بين حزبي الأمة القومي والمؤتمر الوطني قال الامام الصادق المهدي انه ذهب الى جيبوتي لاصطياد أرنب فوقع على فيل فربحه، وما تكشّف لاحقا أن الأرنب ظل بعيد المنال متحصناً بمخبأ لا يطال، بل اتضح أن ما قنصه حزب الأمة كان مفترساً أتى على كل الأليفين في الحزب العريق، ويتساءل الناس الآن عن الذي يبحث عنه الامام المهدي في نسخة حزب الأمة الآخذ في التعافي بعد عودة بعض المأكولين، وما اذا كان الرجل ما يزال يتخير أوقات الأصيل للحصول على الأرنب المتنقل بين أكثر من جحر لا يعرف دروبها الا أهل الانقاذ أم أنه دقس من جديد.
فبعد اللقاء الذي جمع قادة الأمة القومي بقادة المؤتمر الوطني ليل الأول من أمس أطلت الأسئلة حول جدوى عقد اتفاقات مع الأخير طالما أنه لم يلتزم ـ كما يقول أهل الأمة ـ لا باتفاق جيبوتي في ديسمبر 1999م ولا باتفاق التراضي الواطني في مايو 2008م، وطالما أن البلاد مقبلة على مرحلة قد تستوجب أجراء مراجعات شاملة حول كيفية حكمها وأطرها الدستورية والقانونية وغيرها من مقتضيات الباس الوطن المتقلص المساحة والسكان لبوسا تتوافق مع حجمه وشكله الجديد.
وأول ما يستدعي الوقوف عنده هو توقيت اللقاء حيث يرى كثيرون أنها جاء في الوقت الخطأ حيث حزمت قوى المعارضة أمرها وعزمت على تصعيد خطابها تجاه الحكومة وقدرت أن اللحظة مناسبة ليتغير حال الحكم في السودان بعد أن طوت نيفاشا آخر صفحاتها وأخذ الجنوب بعضه وذهب، ولم تترد قوى الاجماع الوطني في وصف لقاء الامة بالوطني بأنه يخدم اجندة المؤتمر الوطني في اجهاض مطالب قوى التحالف الوطني، ويقول عضو التحالف والأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر في حديثه لـ «الصحافة» أمس ان المؤتمر الوطني بادر إلى لقاء حزب الامة القومي في هذه المرحلة الحرجة لتمرير خطته الرامية الى اضعاف التحالف في اطار تعبئة كبيرة من الحزب الحاكم لإحداث الفرقة في اوساط القوى السياسية. ويقول القيادي بحزب الأمة بكري عديل ان اللقاء يتعارض مع الاحساس المزروع في نفوس الناس في اللحظة الراهنة ويخالف الجو العام الذي تعيشه القوى السياسية. ولا ينفي الأمين العام لحزب الأمة القومي صديق محمد اسماعيل اختيار المؤتمر الوطني لتوقيت اللقاء (وهو من يسأل عنه) كما يقول في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف أمس ولكنه لا يرى حرجا في ذلك ويقول أن اللقاء جاء في وقت مهم لأن حزب الأمة حدد سقفا زمنيا للمؤتمر الوطني لتحديد موقفه من الأجندة الوطنية التي طرحها الأمة القومي على كل الأحزاب هو السادس والعشرين من الشهر الجاري، ويقول ان قرار الحزب هو اقرار تحول ديمقراطي بالوسائل المتاحة وايجاد حلول لمشاكل البلد لا تستثني أحداً من المشاركة فيها.
وثاني ما يستدعي النظر اليه هو ما يمكن تسميته بالعلاقة المثيرة لـ اللبس والبلبلة بين المهدي والانقاذ وهي العلاقة التي يقول بكري عديل في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف أمس أنها لم تنقطع في يوم من الأيام وظلت مستمرة ويحدث فيها دائما تفاكر بين الحين والآخر ومنذ ايام الانقاذ الأولى، ويقدم الكاتب الصحفي والمحلل السياسي قرشي عوض تحليلا لهذه العلاقة فحواه أن الحكومة الحالية حققت مطلوبات مهمة للقوى السياسية التي تعارف اليسار على تسميتها بقوى اليمين او القوى التقليدية وفي رواية اخرى قوى السودان القديم، ويحدد قرشي في حديثه لـ الصحافة أمس تلك المطلوبات في: أولا: التوجه الاسلامي، الذي لم تطل توضيحات الصادق المهدي جوهره المتمثل في تطبيق الحدود الشرعية وعدم جواز الاجتهاد مع وجود النص، ويقول ان الانقاذ اشتطت في بداية عهدها في توجهها الاسلامي وبشكل يبدو فيه بعض التباين مع تنظيرات المهدي الداعية للاعتدال والوسطية، مشيرا الى ان المدافعة السياسية اجبرت الانقاذ في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي على تقديم تنازلات عن نسختها الاصلية وهي تنازلات لا شيء يمنع التراجع عنها من الناحية القانونية والسياسية والاخلاقية ولكنها على كل تنازلات، والتقليل من شأنها ليس سليما ولا يعين على رسم تكتيك عقلاني في المقاومة المدنية من اجل التحول الديمقراطي والتغيير الجذري المتدرج. ثانيا: من مطلوبات القوى التقليدية هو اعادة هيكلة الاقتصاد السوداني وفق رؤية اقتصاد السوق الحر وهو مطلب لم يتغير في كل البرامج التي قدمها حزب الامة في مؤتمراته التي عقدها بما في ذلك المؤتمر الاخير، ويخلص عوض من ذلك الى ان التقارب بين الامة والوطني طبيعي جداً.
وثالث ما يستدعي التمعن فيه هو تشكيل لجنة مشتركة بين الجانبين سترفع نتائج لقاءاتها الى قيادة الحزبين عقب الفراغ من دراسة المسائل المطروحة كما صرح نائب رئيس المؤتمر الوطني الدكتور نافع علي نافع عقب اللقاء، مما يشي باتجاه الطرفين للحلول الثنائية التي لطالما جأر بالشكوى منها حزب الأمة القومي، ولكن صديق محمد اسماعيل ينفي دخولهم مع المؤتمر الوطن لإجراء شراكات ثنائية ويقول انهم نقلوا للحزب الحاكم ضرورة التوافق واجراء المزيد من التوافق السياسي ووضع برنامج وطني متفق عليه دون اقصاء الآخرين مشددا على ان ما يجري ليس حوارا ثنائيا، وحين اسأله عن تنسيقهم مع أحزاب التحالف في الخطوة التي اقدموا عليها يقول ان هذا شأن يخصهم كحزب ولهم ان يتحاوروا اينما يريدون وكيفما يشاءون ويشير الى ان كل القوى السياسية احيطت علما بالاجندات الوطنية التي يطرحها حزب الأمة، ويقول ان رسالتهم للوطني حول هذه الاجندة فاما أن ينضم للقوى السياسية أو يعزل نفسه بحلول السادس والعشرين من يناير.
ولكن كمال عمر يقول ان القضايا الوطنية ينبغي ان يتم تناولها في اطار روح التحالف وليس بإجراء حوارات ثنائية لا تخدم سوى اهداف المؤتمر الوطني مذكرا حزب الامة بتجاربه السابقة التي كان ينبغي ان يستقي منها العظة.
ورابع ما يستوجب التوقف عنده مآلات هذا الاتفاق المتوقع وعن النتائج التي قد تترتب عليه، قرشي عوض يقول أنه اذا قيض له النجاح فسيفتح بلا شك شرفة اكثر اتساعا في التعاطي مع القضايا المطروحة لانه سيجيء دعما لتيار الاعتدال داخل المؤتمر الوطني باضافة ثقل مهم يتمثل في كيان الانصار ورمزية الصادق المهدي واعتداله وعقلانيته الشيء الذي سينعكس ايجابا على تعزيز الحريات العامة ويفسح المجال لتعاطي اكثر ايجابية مع مشكلة ابيي بحكم الثقل الجماهيري لحزب الامة وسط قبائل المسيرية العربية وايضا سينعكس ايجابا على مشاكل جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور، ويقول قرشي ان الاتفاق اذا اكتمل بين الطرفين سيرفد المؤتمر الوطني بدماء جديدة وطاقة جديدة هو احوج ما يكون اليها الآن وسيدعم مشروعية الحكومة المتآكلة بحكم ما حدث في الانتخابات الاخيرة، أما المحلل السياسي عامر محمد أحمد حسين فيقول في حديثه لـ الصحافة أمس أن المهدي سيكتشف انه اصطاد هذه المرة مرفعين الباوقة وقصته أن خواجة اتى بمرفعين ليجري عليه ابحاثه وكان ينقله عن طريق القطار في صندوق محكم الاغلاق فسرقه بعض اللصوص ظنا منهم أن به ذهب أو آثار مسروقة تجلب الذهب فتصادف أن اطلقوا سراحه من الكرتونة التي كان فيها في الخلاء الواقع الى جوار الباوقة فهربو منه وهرب هو حرا طليقا وصارت الباوقة حقله فأكل المرفعين كل ما تقع عليه يده من بهائم المنطقة التي يرعاها الناس، ويقول عامر ان الانقاذ ربما كانت تستبطن التهام ما تبقى من حزب الأمة بعد أن هضمت في جوفها أحزاب الامة المنشقة عن أصلها بمساراتها ونهاراتها، ليعود حسين ويقول ان الرابح الأكبر إن كان هنالك رابح أصغر في هذا الاتفاق هو شخص المهدي وذلك باخراجه من ورطة السادس والعشرين من يناير بالغاء الخيارين الذين اختارهما المهدي لنفسه فيصبح في حل من أختيار أحدهما، فلا يعتزل السياسة ولا يسقط الانقاذ بل ربما تتاح له الفرصة ليعدلها بما يستجيب للاجندة الوطنية التي يطرحها.
عموماً، وكما يقول كثيرون فان العبرة في التنفيذ وربما افادت التجارب في تحاشي ماضي التعاقد والتواثق بين الطرفين الذي انتهى دائما الى غير ما يشتهي ويرغب حزب الأمة، فهل ستفيد هذه التجارب حزب الامة في الراهن، بحسب بكري عديل، فان الامر متروك للعرض والطلب بين الطرفين، ويقول ان التجارب لا تعطي النتيجة النهائية في احيان كثيرة فقد تعطي اليوم شيء وغداً تعطي شيء آخر ويقول انه مازال الوقت مبكرا للتخمين حول تطور الامور بين الانقاذ والمهدي، مشيرا الى تحركات داخل الحزب تستلهم التجارب السابقة قد لا توافق على التقارب مع الوطني، ويقول ان الحوار داخل الحزب يدور ويمضي وقد يؤدي الى توحيد الحزب بالشكل الذي قد ينتج منه احداث تغيير في ما هي متوقعة من نتائج اتفاقات اليوم بين الانقاذ والمهدي..
بينما يضع قرشي عوض سيناريو لما قد يحدث وقبل ان يقدمه لنا يقول انه السيناريو الذي لا يتمناه، وهو أن يخرج علينا الامام الصادق بعد شهر ويقول بان الاتفاق يترنح ثم يخرج علينا بعد جمعة ويقول انه ادخل غرفة الانعاش ثم ينعاه لنا في جمعة يتيمة، ويشير عوض الى أن الطرفين لن يعجزا عن ايجاد اسم لهذا الاتفاق خصوصاً وان المهدي بارع جداً في موضوع التسميات فلربما اسموه التنادي الوطني او التفادي الوطني وبقية السيناريو يستند على انه اثناء سير تنفيذ الاتفاق سيظل حزب الامة محتفظا بمقعده داخل تحالف القوى الوطنية بتمثيل اقل رمزية من مريم الصادق والتي سيتوالى ظهورها كلما تمادى الوطني في النكوص عن الاتفاق حتى يأتي اليوم الذي تظهر فيه في مؤتمر صحفي في دار الحزب الشيوعي او المؤتمر الشعبي وتعلن للملأ عدم جدية الحكومة في الوصول الى حل لمشكلات البلاد المتفاقمة والمتصاعدة يومياً لأن الوطني لا يهمه سوى الجلوس على الكرسي حتى ولو تمزقت البلاد اربا اربا، ثم تناشد من موقعها ذاك القوى الوطنية ان تضطلع بمهمتها التاريخية في انقاذ البلاد من التشرذم خصوصا وان الافق بدأت تلوح فيه الى جانب احتمالات الصوملة والافغنة احتمال آخر هو التونسة.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة