سيناريو تونس .. الشارع السوداني هل يتجاوز المعارضة والحكومة ؟

تقرير : صالح عمار

حادثة إعتداءٍ لشرطي علي شاب في آواخر العشرينيات من عمره، وإحراق الشاب محمد البوعزيزي لنفسه امام أحد المكاتب الحكومية ببلدته سيدي بوزيد ـ الواقعة علي بعد 260 كلم من العاصمة ـ كانت شرارةً لإنطلاقة ثورة أطاحت بحكم الرئيس زين العابدين بن علي؛ وأنهت مسيرة 55 عاماً من عمر أطول الانظمة بالمنطقة العربية وأكثرها قبضةً وقمعاً للحريات.

شرارةٌ صغيرة لم يكن أكبر علماء الفلك والمنجمين يتوقع ان تؤدي لكل هذا الحريق؛ وتقضي علي النظام الذي كان يسيطر علي أدق التفاصيل بتونس ولاتفلت منه شاردةً اوواردة.

مايثير الإنتباه، أن كل هذا حدث بإنتفاضة شعبية خالصة، مع غياب شبه كامل لاي عمل سياسي معارض، فهل يمكن ان ينتقل الفيروس التونسي وتتجاوز الشعوب حكامها ومعارضتها في آن واحد ؟  في ظل مؤشر علي رفض شعبي واسع للحكومات، وفشل المعارضة في مجاراة حراك الشارع.   

قال رئيس تحالف المعارضة فاروق ابوعيسي في حديثه لـ (أجراس الحرية) تعليقاً علي الإطاحة بالرئيس التونسي "هي نهاية طبيعية لكل متجبر ولكل من يقهر شعبه، والشعوب بهذا تثبت انها قادرة التغيير مهما طال الزمن" ويضيف "شعب تونس شعب هادئ ووديع، ولم يكن أحد يتوقع ماقام به، ولعل الحكام العرب يتعظون، فبن علي ظل في السلطة 23 عاماً وقمع الشعب التونسي، ولكن في النهاية لايصح إلا الصحيح".

إنهيار النظام التونسي بإنتفاضة شعبية فتح الباب للتساؤل عن مصير الانظمة العربية ـ المتشابهة في كل تفاصيلها ـ وإمكانية تكرار هذا السيناريو في دول اخري ومن ضمنها السودان.

 طرحت علي القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم د.ربيع عبدالعاطي السؤال : الا تتخوفون من ان تتجاوزكم الجماهير في ظل أوضاع معيشية وسياسية يري كثيرين انها سئية ؟، فأجابني بان الجماهير لاتتجاوز الذي إختارته، وان النظام في السودان وصل للسلطة عن طريق الإنتخابات، قاطعته : بأن الرئيس التونسي أيضاً منتخب ؟، فكان رد عبدالعاطي أن لكل شعب وضعه ولكل حالة حكمها، ونحن نعلم تماماً ان الشعب السوداني لن يخون قيادته، قاطعته مرةً أخري متسائلاً : هل أفهم من حديثك أن ماقام به الشعب التونسي خيانةٌ لقيادته ؟ فاجابني بالنفي وبانه لايعرف الصيغة التي تعاقد عليها الشعب التونسي مع حكومته.

وحول ما إذا كان مقتنعاً أن السودانيين يحبون حكومتهم ؟ وأن المؤتمر الوطني قريب من الشعب، وأن الضائقة المعيشية وزيادات الاسعار لم تحدث شرخاً في هذه العلاقة ؟ يرد عبدالعاطي بالإيجاب، ويري أن زيادات الاسعار طفيفة مقارنةً بمايحدث في الدول الاخري، وأن عهد الإنقاذ شهد نهضة وتنمية إقتصادية كبيرة ويضيف عبدالعاطي "إذا كانت هناك أي إختلالات بيننا والشعب لظهرت".

               السودان : سجل حافل بغضب الجماهير

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عثمان ميرغني تسآءل في معرض قراءاته لاحوال الشارع السوداني، عن السبب في صمت الشارع السوداني علي الغلاء المعيشي وزيادات الاسعار (هل يدلل علي إقتناع الشعب بالاسعار ومبررات زيادتها.. أم يعبر عن خوفه من الحكومة .. أم يدلل علي تحضره وأنه شعب شيال محن لايكل ولايئن.. مهما صفعته الحكومة بالاسعار ؟) ويجيب ميرغني علي تساؤلاته قائلاً (لا هذا ولاذاك .. الحقيقة لوكنت مسئولاً عن أمن بلادنا السودان .. لتوجست خيفةً من هذا الصمت .. ففي الصمت كلام .. خاصةً عند شعب مسيس حتي النخاع .. وشعب مترابط إجتماعياً بما يسهل تكوين الرأي العام وتوفير بنية التشبيك العاجل الذي يفضي لإتخاذ موقف جماعي موحد).

شعب مسيس حتي النخاع، كما يقول ميرغني، مقولةٌ تجد الكثير من الاسانيد في تاريخ السودان السياسي المعاصر، إبتداءً من عدد من الاحداث قبل خروج الإستعمار، ومابعدها.

الحدث الابرز والتاريخي في هذا الصدد كان ثورة أكتوبر 1964 التي أدت لتقديم رئيس المجلس العسكري وقتها الفريق / إبراهيم عبود لإستقالته، وإنتخاب حكومة ديمقراطية. الثورة إشتعلت عقب ندوة أقامها طلاب جامعة الخرطوم عن تطورات الاوضاع بجنوب السودان؛ وقامت الشرطة بإطلاق الرصاص عليها؛ وأردت الطالب / أحمد القرشي طه قتيلاً؛ وإمتدت المظاهرات بعدها لعدد كبير من المدن الرئيسية، وشل الإضراب العام كل مؤسسات الدولة والمجتمع؛ ولم تتوقف التظاهرات حتي أعلن الفريق عبود إستقالته وتسلم المدنيين للسلطة، مع الإشارة إلي أن المطالب كانت سياسيةً بحتة تتعلق بتطورات الاوضاع في الجنوب والمطالبة بإستعادة الديمقراطية، وكانت الجماهير تهتف "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" في رد علي الإصلاحات والتطور الإقتصادي في عهد عبود.

بعد ذلك، وفي سيناريو مشابه لما حدث في أكتوبر؛ ولكن لسبب مختلف هذه المرة؛ خرجت الجماهير في مارس 1985 في مسيرات تنادي برحيل الرئيس السابق جعفر نميري؛ إحتجاجاً علي زيادات الاسعار والتردي في الاوضاع الإقتصادية. وبعد عشرة أيام من هذه الإحتجاجات قام الجيش بإنقلاب سلمي، وسلم السلطة بعد ذلك لحكومة منتخبة.

ومنذ تولي الإسلاميين للسلطة في يونيو 89 إندلعت مظاهرات وإحتجاجات كثيرة، إلا ان هذه الفترة شهدت تغييراً جوهرياً في عمل المعارضة؛ بتركيزها علي العمل المسلح؛ وإلتحاق الكثير من كوادرها بهذا العمل؛ وأيضاً بروز صوت الاقاليم والاطراف في الجنوب ودارفور وجبال النوبة والشرق والنيل الازرق.

          الشارع هل هو في طريقه لتجاوز المعارضة والحكومة ؟

رئيس تحالف المعارضة فاروق ابوعيسي وفي رده علي السؤال، يقول إن الاحزاب المعارضة صاحبة قاعدة جماهيرية كبيرة؛ أصابها الهزال نتيجة هجمة النظام عليها ومصادرة دورها وإفراغها من الكادر؛ خصوصاً الشباب الذين هاجروا بالآلآف نحو الخارج، ويستدرك ابوعيسي "مع ذلك هذه الاحزاب هي صاحبة الجماهير، وهو ما أثبتته الجولات التي قام بها قيادات الاحزاب قبل الانتخابات، ولكن قدرتها التنظيمية محدودة نتيجة لسياسات القمع التي أتبعت ضدها".

ويقر ابوعيسي بمأزق المعارضة، ويري أنهم يعدون الان لمرحلة أكثر تقدماً من عملهم، عبر العمل وسط التجمعات النقابية والجماهيرية بشكل مباشر؛ نتيجة لغياب وإختطاف النقابات من قبل السلطة؛ ورغم أننا بدأنا متأخرين؛ والحديث لابوعيسي؛ إلا أننا حقنا نجاحات.

ويضع ابوعيسي خارطة حل وحيدة أمام الحكومة "النظام إذا أراد أن ينجو يجب عليه أن يتفق معنا علي تشكيل حكومة قومية إنتقالية، وكتابة دستور إنتقالي جديد"، وبلغة تهديد واضحة للحكومة يضيف ابوعيسي "الإحتقان الموجود الآن في الشارع مرشح للتصاعد ولمصير كمصير تونس".