البحر الاحمر : الوالي يواصل مسلسل (الإختفاء)

تقرير : صالح عمار

التداعيات والاخبار المصاحبة لغياب والي البحر الاحمرلاحصر لها، آخرها أن الهدف الخفي من الزيارة المفاجئه لنائب الرئيس علي عثمان للسعوديه أمس هو لقاء الوالي (الغاضب)، وأن وفداً من المركز يضم قيادات عليا بالمؤتمر الوطني يزور بورتسودان هذه الايام بغرض احتواء اثار غياب الوالي. ليس ذلك فحسب بل ان مصادر ذكرت لنا ان مسئولا عسكريا رفيعا زار مكتب الوالي خلال اليومين الماضيين وقام بمايشبه عملية التسليم والتسلم.

غير أن المؤشر الابرز علي توتر علاقة الوالي بالمركز وخروجه غاضباً لهذا السبب، هو تغيير صحيفة "برؤوت" ذات الارتباط القوي بالوالي؛ لخطها المؤيد لتوجهات الحكومة وورود كتابات وتقارير داخلها يدعو بعضها بشكل صريح وواضح لقيام دولة مستقلة بالشرق.

 في هذا الوقت؛ وبالنظر لإمساك الوالي بالتفاصيل الدقيقه لشئون الولاية وعدم تفويضه لصلاحياته للوزراء والمعتمدين؛ تعيش الولاية حالة شلل كامل في كافة مناحي حياتها. 

لم نكد الخميس الماضي ننشر في (أجراس الحرية) تقريراً عن ملابسات غياب والي البحر الاحمر محمد طاهر ايلا عن ولايته ومغادرته لخارج السودان (غاضباً)؛ حتي إنهالت علينا مكالمات هاتفية ورسائل لاحصر لها تطلب المزيد من التوضيح؛ وبعضها الآخر يمدنا بتفاصيل عن الحدث وخلافات ايلا مع قيادات تنفيذية بالمركز.

عدد ذلك اليوم من الصحيفة إختفي من الدقائق الاولي من أسواق الولاية؛ بسبب التدافع الجماهيري الكبير للحصول عليه ومتابعة أخبار واليهم الغائب "والمثير للجدل".

مصادر متعدده من العاصمة السعوديه الرياض ومدن أخري ذكرت لنا أن الوالي بصحة جيده، وأجري عدد من الإجتماعات واللقاءات بابناء الشرق هناك، تناقش مستقبل الشرق في المرحله القادمه؛ وفتح صفحه جديده بين قبائله خصوصاً تلك المجموعات التي دخلت معه في صراعات حاده طوال فترة ولايته؛ وتضيف تلك المصادر أن الوالي عندما استعصت عليه مفاتيح تلك المجموعات بالداخل ورفضها الجلوس معه؛ قرر التوجه للمفاتيح الخارجيه ليدخل معركته القادمه وهو أكثر قوة، وبرأي هؤلاء فإن هذا هو سبب إقامته في الرياض طوال الايام الماضيه. 

في السياق، خطيب مسجد الجامعه ببورتسودان _ الذي يؤدي الصلاة فيه قيادات الدوله والحركة الاسلاميه بالولايه _ تحدث في خطبة الجمعه الماضيه عن تدهور الاوضاع بالولايه والاضرار التي خلفتها الفيضانات، وتسآءل عن سر غياب القيادة العليا للولايه في هذا التوقيت ؟ ودعا المصلين لقراءة الصحف لمعرفة التفاصيل (في إشارة وتأكيد للخبر الذي أوردته اجراس الحريه عن غياب الوالي، ولم يتصدي للرد عليه أياً من مسئولي الاجهزة التنفيذية والامنية الحاضرين للخطبة).

فيما لاتزال حكومة الولايه والحكومة المركزيه تلوذ بالصمت ولم تصدر حتي الآن اي توضيح لاسباب غياب الوالي لاكثر من 10 ايام خارج السودان، في وقت حرج شهدت فيه مدينة بورتسودان أمطار غزيرة أدت لعدد من الوفيات وخسائر مادية كبيرة؛ وأيضاً العرض العسكري الكبير بمنطقة عروس الذي حضره رئيس الجمهورية.

أعضاء حكومته وعدد آخر من القيادات الدستورية بالولاية في أحاديث شخصيه _ لمصادر تحدثت لنا _ يبررون غياب الوالي طوال الايام الماضيه عن ولايته بمرضه وذهابه للعاصمة السعودية الرياض بغرض إجراء فحوصات طبية.

وجود إيلا في الرياض طوال الاسبوع الماضي مؤكدٌ بحسب مصادر متعدده، إلا ان الإختلاف عن الرواية الرسميه يأتي في سبب وجوده هناك، خصوصاً وأنه يجري فحوصاته الدورية في الاردن ولندن وليس في الرياض.

أحاديث المجالس ببورتسودان تتحدث عن إجتماعات للوالي في الفترة الاخيرة ببورتسودان مع المقربين منه، تناقش مستقبل العلاقة مع المركز ووضعية قومية البجا في المرحلة القادمة، وتذهب هذه المجالس لابعد من ذلك بالحديث عن شروع مقربين منه في تنسيق مع رئيس مؤتمر البجا السابق عمر محمد طاهر الموجود في المنطقة الحدوديه ( في حالة لاسلم ولاحرب مع الحكومة )، وإعطاء الضؤ الاخضر لمجموعات شبابية للتوجه لهذه المناطق.

إحتكاكات إيلا وخلافاته مع المركز لها سجل طويل، غير أن آخرها _ والذي يعتقد أن تفاعلاته هي السبب في تطور الخلاف _ ما حدث في مؤتمر المانحين الشهر الماضي بالكويت.

فوفقاً لعدد من حضور الإجتماع الذي عقد علي هامش المؤتمر وحضره عدد كبير من الرسميين السودانيين والكويتيين علي مستوي عالٍ، فإن ايلا طلب من المانحين بلغة واضحه وبعبارات قويه توجيه أموالهم للولايات مباشرةً وعدم تسليمها للمركز، لان لهم مع الاخير تجارب كثيرة لم تصلهم من خلالها الاموال، وحسب حضور ذلك الاجتماع فإن الامر شكل حرجاً بالغاً لمستشار الرئيس د.مصطفي عثمان إسماعيل (وحليفه القوي موسي محمد احمد) أمام مضيفيه الكويتيين.

بعد ذلك مباشرةً توجه ايلا للعاصمة القطرية في زيارة رسميه لعاصمتها الدوحه، وبحث مع القطريين مجالات التعاون التنموي والإقتصادي مع ولايته. وهي ردة فعل وضغط علي المركز والكويتيين لم تكن تحتاج لذكاء لفهمها، بالنظر للتوتر والمنافسة بين الدوحة والكويت ومايمكن أن تشكله الزيارة من ضغط وتهديد للمركز بمقدرته علي إمكانية إحراجه.

مصادر كشفت لـ (أجراس الحرية) أن ايلا تم إستدعائه من الخرطوم خلال الاسابيع الماضيه، وطُلب منه تقديم إستقالته والعمل كمشرف للمؤتمر الوطني علي الولايات الشرقيه، وتشير الرواية إلي أن ايلا رفض الطلب، وبرر رفضه برغبته في مواصلة برنامجه الانتخابي.

مظاهر التوتر بين أيلا والمركز تشير نفس المصادر ان واحداً من مظاهرها زيارة نائب الرئيس علي عثمان محمد طه لمدينة بورتسودان خلال الاسبوع قبل الماضي، وإجرائه لعدد من اللقاءات في احد المناطق السياحيه مع ايلا، فيما يبدو وكأنه تحول لمعسكر علي عثمان (مع الإشارة هنا إلي أن ايلا من المحسوبين علي تيار البشير ود.نافع، وأن الاخير ظل طوال فترة ولاية ايلا منذ أغسطس 2005 يشكل مصدر القوة والحماية الرئيسية له).

وبينما رفض عدد من الرسميين الذين إتصلنا عليهم التعليق علي الامر، برر أحد معارضي الوالي غيابه بإصابته بإحباط جراء السيول التي ضربت مدينة بورتسودان والخسائر الكبيرة التي خلفتها "وكشفها لهشاشة التنمية المزعومة" حسب تعبيره.

ويري الكثيرين أن طموحات ايلا وسياساته وتركيبته الشخصيه ستؤدي في نهاية المطاف للإصطدام بالمركز، فالمعروف عن الرجل ميله للإستقلال الكامل وترك بصمته علي مختلف مناحي الحياة بالولاية، من اعلي الهرم لادق التفاصيل بولايته.

وبجانب مظاهر اخري كثيرة لطموحات الرجل وإعتداده بنفسه (وهو مايرده معارضوه لنزعته التسلطيه)؛ فإن إمتلاكه لعلاقات خارجيه وجولاته بين عدد من الدول تعتبر النقطة الابرز في هذا السياق؛ وتميزه عن رصفائه من الولاة، وربما تشكل نقطة تخوف رئيسية من المركز تجاهه.

فطوال العام يقوم ايلا بجولات خارجيه تتركز بشكل أكبر تجاه القاهرة واسمرا ولندن وباريس، ويجري لقاءات واتفاقيات مع المسئولين والشركات هناك. ويمكن بوضوح تلمس نتائج هذه العلاقات في الوجود الكثيف للشركات والمستثمرين ببورتسودان ( المصريين بشكل اوضح). 

ولايتمتع ايلا بعلاقات جيده مع معظم قيادات الشرق داخل المؤتمر الوطني والمركز، بل وتسود علاقاته درجة من الاحتكاك المباشر مع بعضهم؛ ومن أهم هذه الشخصيات رئيس مجلس شوري المؤتمر الوطني ابوعلي مجذوب ابوعلي ووزير الداخلية إبراهيم محمود حامد؛ إضافة لمساعد الرئيس موسي محمد أحمد.

وطوال الخمس سنين السابقه من فترة ولايته، سيطر ايلا سيطرة مطلقة علي التفاصيل الدقيقه بالولايه، وقام بعملية إحلال وإبدال واسعة داخل المؤتمر الوطني ومؤسسات الدوله، بمباركة وتأييد مطلق من المركز.

ويري مراقبين أن ايلا إستفاد من وجوده الطويل في المركز كوزير إتحادي يمثل الشرق (92 _ 2005) في تقوية نفوذه وفهم مجريات السياسة؛ ومراكز إتخاذ القرار هناك. ويعتبر ايلا واحداً من أصحاب رؤوس الاموال الضخمه، ويتهمه معارضيه بالسيطرة علي عقود مشاريع التنمية في الولاية بواسطة شركاته؛ ومقربين منه من داخل الولاية وخارجها؛ وهو ما اسهم في مضاعفة ثروته. وبرأي مراقبين يعد مركزه المالي القوي واحداً من أهم مصادر قوة الرجل وإستقلاليته.

وايلا من مواليد العام 1951 بمدينة جبيت ودرس مراحله الاولي فيها، لينتقل بعد ذلك لمدرسة بورتسودان الثانوية آواخر الستينيات وينضم هناك للحركة الاسلاميه، ودرس الاقتصاد بجامعة الخرطوم. وتولي منصب وزير الماليه لفترة قصيرة بالولايه الشرقيه، فيما كان اول منصب يتولاه بعد انقلاب الانقاذ نائب مدير هئية المؤاني؛ حتي العام 92 الذي إنتقل بعده وزيراً إتحادياً. 

معارضيه وصفو غيابه بالفوضي، ونائبه يقول انه في مهمة رسميه

صالح عمار

وصف رئيس تحالف المعارضه بالبحر الاحمر حامد محمد علي غياب والي الولاية واقامته خارج السودان بالمؤشر علي "الفوضي التي تعيشها الولاية وافتقادها للنظام" و "بالامر الغريب والمحير". وقال علي ان الوالي شخصية عامه ومكان تواجده شأن يهم كل المواطنين ويجب اعلانها، خصوصاً في هذا التوقيت الحرج الذي شهدت فيه بورتسودان كارثةً طبيعية ادت لخسائر بشرية ومادية كبيرة واضاف علي "رؤساء الدول يقطعون حتي اجازاتهم الخاصه عندما تحدث مثل هذه الكوارث".

من جانبه استنكر والي البحر الاحمر بالانابه صلاح سرالختم في حديث لـ (أجراس الحريه) مساء اليوم (الاثنين 10 يناير) مايثار عن خلاف للوالي مع المركز، وأكد علي أن الوالي بخير وفي مهمة رسميه بالعاصمة السعودية الرياض، نافياً بذلك ماتردد عن اقامة الوالي في الرياض لاغراض العلاج واجراء الفحوصات الطبيه، وقال سرالختم "انه سيعود متي ماانتهت مهمته".