الشمال عشية الاستفتاء :
زيادات في الاسعار .. وزيادات (قادمه) لصلاحيات الرئيس
تقرير : صالح عمار ([email protected] )
من الجبلين لنمولي، وفي الشمال وعدد من الدول الاخري، يستعد الجنوبيون اليوم للتوجه لصناديق الإقتراع.
وبينما تبدو سماء المشهد الجنوبي صافيةً لاغيم ولاسحب يعلوها؛ وكل مؤشراتها تؤكد أنها قد أكملت إستعداداتها لتأسيس الدولة الجديدة، تسيطر الغيوم علي أجواء الشمال، وتظل الكثير من الاحداث في حوجة لإلقاء الضؤ عليها.
زيادات الاسعار، "هدية الشعب" بمناسبة أعياد الاستقلال
وسط تصفيق وتهليل نواب المؤتمر الوطني (الحزب صاحب الاغلبية المطلقه) أجاز المجلس الوطني الاربعاء الماضي (5 يناير) زيادة علي أسعار المحروقات والسكر.
عضو المجلس عن دوائر المؤتمر الوطني بالخرطوم ورئيس لجنة الشئون الزراعيه يونس الشريف إمتدح قرار الزيادة، ووصفه بأنه محاولة لتلافي انهيار الاقتصاد "وبالهدية للشعب السوداني بمناسبة عيد الاستقلال".
توقيت القرار وتزامنه مع الإستفتاء أثار علامات إستفهام كثيرة، حيث أن المنطق يفرض في هذا التوقيت تأخير القرار؛ علي الاقل لحين عبور أيام الاقتراع وإعلان النتيجة.
ومن دواعي تأخير القرار ايضاً عدم إعطاء المعارضة _ التي تهدد أساساً بالخروج للشارع _ هديةً مثل هذه هي في أشد الحوجة إليها هذه الايام.
مراقبين للوضع الإقتصادي والسياسي بالسودان يرون ان الاقتصاد السوداني في وضع حرج نتيجة لتراكم أخطاء ومطلوبات من السنين الماضية، وأن الطريق أصبح مسدوداً أمام اي حلول، وبالتالي لم يعد هناك حلُ سوي زيادة الاسعار.
ويري هؤلاء المراقبين أن مسلسل الزيادات سيتواصل خلال المرحله القادمه؛ ومن المتوقع زيادات أخري إبتداءً من مارس القادم، ولهذا شرعت الحكومة في زيادة الاسعار للتدرج في تنفيذها.
سياسياً، يعتقد ان المؤتمر الوطني والاجهزة السياسية والامنية درست القرار، وأجازته بناءً علي فرضية أن الحركة الشعبية والعالم الخارجي مشغولُ بكلياته بملف الإستفتاء، ولن توافق الحركه علي أي مناهضة للقرار اومظاهرات تقوم بها أحزاب المعارضه؛ وستعتبره عملاً عدائياً وتخريباً للإستفتاء (بل وربما تبارك قمعها). اما أحزاب المعارضه الشماليه فوفقاً لهذه القراءة لاتزال في مرحلة تجميع الصفوف وترتيب أوراقها ولن تستطيع إحداث أي فعل جاد (هذا إذا استثنينا رؤية تيار د.نافع الذي لايعترف بوجود المعارضه من الاساس).
زيادة جديدة لصلاحيات الرئيس
تصريحات المسئوليين الحكوميين وقيادات المؤتمر الوطني أكدت أن تعديلات دستورية ستتم في حالة إختيار شعب جنوب السودان لخيار الإنفصال، ووفقاً للرئيس في حوار مع قناة الجزيرة (مساء امس الاول) فسيتم إعلان السودان دولة إسلامية وإعتبار الدين الإسلامي ديناً رسمياً للدوله، واللغة العربيه لغة رسمية وحيده.
تسريبات أشارت لتعديلات جوهرية أخري ستجري علي الدستور وهيكلة الدوله، حيث من المنتظر أن يتم تقليص عدد الولايات لتسعة ولايات بدلاً من 15 ولاية، وتقليص المعتمديات.
التعديل الابرز سيكون تقليل صلاحيات الولايات وتحويلها لرئيس الجمهورية. ويعتقد أن التعديل يستهدف والي النيل الازرق مالك عقار وعدد من ولاة المؤتمر الوطني من المحسوبين علي جناح نائب الرئيس، والولاة أصحاب الشخصيات ومواقع النفوذ القوي بولاياتهم (كرم عباس الشيخ في القضارف، محمد طاهر ايلا في البحر الاحمر، احمد هارون بجنوب كردفان ..الخ).
المعارضة أمام الإمتحان الصعب
آواخر الشهر الماضي (26 ديسمبر 2010) وعلي خلفية إستفتاء الجنوب؛ وإتجاهه لتكوين دولته الجديده، حمل رؤساء احزاب المعارضه الحكومة مسئولية الإنفصال، ودعو لتشكيل حكومة قومية، وورد ببيان المعارضة نصاً :
* إن قوى الإجماع الوطني إذ تؤكد حق مواطني جنوب السودان في ممارسة حق تقرير المصير في التاسع من يناير القادم عبر استفتاء حر ونزيه، تؤكد أنه إذا ما اختار شعب الجنوب الإنفصال يكون نظام المؤتمر الوطني قد فقد شرعيته السياسية باعتباره المسئول الأول عن هذا الحدث الجلل
*وتأسيسا على نتيجة الاستفتاء إذا تمخض عنه الإنفصال فإن قوى الإجماع الوطني تدعو لقيام حكومة انتقالية قومية تكون أولى مهامها عقد مؤتمر دستوري لتحديد شكل دولة شمال السودان وكيفية حكمها والتصدي للقضايا الملحة وعلى رأسها أزمة دارفور ، الأزمة المعيشية، الحريات، وإقامة علاقة استراتيجية بين دولتي شمال وجنوب السودان.
*في حالة رفض مطلب عقد المؤتمر الدستوري فإن قوى الإجماع الوطني ستنخرط مباشرة في عمل سياسي هادف لإزالة النظام عبر وسائل النضال المدنية السلمية المجربة . هذا وسينعقد إجتماع رؤساء قوى الإجماع الوطني بعد إعلان نتيجة الإستفتاء مباشرة للبت في التطورات اللاحقة.
وبهذه العبارات الواضحه والقاطعه؛ وامام الرفض القاطع لهذه المطالب من جانب المؤتمر الوطني؛ تكون المعارضه قد وضعت نفسها في الإختبار، ولم تحتفظ لنفسها باي مساحة للمناورة، ولم يعد أمامها عملياً سوي تجهيز قواعدها للخروج للشارع؛ والدخول في مواجهة مع المؤتمر الوطني والاجهزة الامنية والعسكرية.
توتر في العلاقات مع مصر
صحف مواليه للمؤتمر الوطني، أبرزت علي صدر صفحاتها قبل يومين خبر منع دخول أجهزة خاصة بالتلفزيون المصري، والسبب : عدم وجود حلايب في خريطة المعدات المرفقه !!.
مبرر واهٍ بحسابات السياسة والعلاقات بين الدول من جهة، ومانشيت غير ذي اولوية في علم وفن الخبر ماكان يجب أبرازه من الجهة الاخري.والتفسير لايحتاج لذكاء، توتر في العلاقات السودانية المصرية، توتر له جذوره وظل حاضراً منذ أشهر رغم المجاملات وعبارات الدبلوماسية بين الطرفين.
نتائج زيارة الرئيس المصري برأي مراقبين هي السبب في التوتر الاخير، حيث تشير بعض التقارير أن الخرطوم تتهم القاهرة بالضغط عليها لصالح الحركة الشعبية كعربون وثمن لتقوية علاقات القاهرة بالدولة الجديدة. ووفقاً لمصادر فإن الرئيس المصري وبعد فراغه من القمة الرباعية؛ عقد إجتماعاً مطولاً مع البشير، طالبه من خلاله بتخفيف خطابه الإسلامي والعروبي لمنع نشوب تمرد جديد في السودان الشمالي. ويري مراقبين أن خطاب البشير الحاد عن التمسك بالشريعة الإسلامية خلال الايام الماضيه ـ وبقدر ماهو موجه أساساً للمعارضة الداخليه ـ مقصود به إرسال رسائل للقاهرة. الاعلام المصري ظل في الايام الماضية يوجه سهام الإنتقاد بشكل مباشر للحكومة السودانيه، ومن ذلك إفتتاحية رئيس تحرير الاهرام (الحكومية) أسامة سرايا الذي حمل الحكومة مسئولية الإنفصال، وأتهم البشير بدفع الجنوبيين نحو الإنفصال، وأيضا تصريحات رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري مصطفي الفقي بان الحكومة الحاليه اسوأ حكومة مرت علي حكم السودان.
سلام وهدؤ كامل ولامؤشر لعنف
اللوحة بالشمال ليست كلها سوداء، فعلي النقيض من توقعات بحدوث أعمال عنف في فترة الإستفتاء، وإحتمال مهاجمة الجنوبيين بالشمال، تؤكد الوقائع علي الارض أن فترة الاستفتاء ستمر بكل هدؤ، وسيتقبل شعبي الشمال والجنوب النتيجة.
مايعزز هذه القراءة معلومات تشير لتوجيه واضح من المؤتمر الوطني لقواعده بإلتزام الهدؤ، ومنع نشوب أي اعمال عنف، بل والتبليغ الفوري للاجهزة الامنية عن أي محاولات للتشويش او الشروع في أعمال عنف، وفي المقابل قامت الحركة الشعبية بنفس الخطوه.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة