تستضيفه الدوحه
البشير، ديبي...لقاء التسوية
تقرير: خالد البلوله إزيرق
مرة أخرى، وعلى طاولة جديدة، ومسرح مختلف عما ألفه المتابعون، يلتقي الرئيس البشير بالرئيس التشادي إدريس دبي في العاصمة القطرية الدوحة نهاية الشهر الجاري، من خلال مؤتمر المتابعة الدولي لتمويل التنمية، ضمن لقاءات تعددت وإختلفت أماكنها وإن كانت قضيتها واحدة وهى إصلاح العلاقات السودانية التشادية على ضوء تداعيات أزمة دارفور.
الدوحة إن نجحت في حث الرئيسين على توقيع وثيقة جديدة ستكون الرابعة بينهما، والسابعة بين البلدين. وقطر التى تهيء نفسها لإستضافة هذا اللقاء، تنظر له بأكثر من زاوية، فهو يجىء بعد جهود ليبية أثمرت عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بتبادل السفراء الإسبوع الماضي، كما أن قطر التى إستلمت ملف دارفور عبر الجامعة العربية لمعالجته عبر المبادرة العربية، تدرك جيداً أهمية الدور التشادي وتأثيره في دارفور، فاللقاء الذي يبحث تطوير العلاقات بين البلدين سيتناول كذلك الوضع في دارفور التى تؤثر فيه تشاد وتتأثر به، وهى علاقة تدرك قطر جيداً مدى تداخلها وتعقيدها، لذا يأتي لقاء البشير وديبي في الدوحة كخطوة إستكمالية تقوم بها لتهيئة الأجواء لعملية سلام تجد قطر الكثير من الدعم فيها من المجتمع الدولى والإقليمي. وتكتسب هذه القمة أهميتها من الدور الكبير الذي ظلت تطلع به قطر في القضايا الدولية وجهودها لطى كثير من الخلافات في محيطها الإقليمي.
وما يرشح قطر للعب دور إيجابي في علاقات البلدين الدعم الفرنسي الذي تحظى به لتسوية الوضع في دارفور، والذي تطمح من خلاله باريس لإستقرار تشاد، فالمبادرة العربية التى تتولى قطر رعايتها كانت نواتها القمة الرباعية التى عقدت بسوريا وضمت الرئيس الفرنسي والقطري والتركى، تلك القمة التى أطلقت مبادرة لحل النزاع في دارفور برعاية قطرية، لتتوافق بعد ذلك المبادرة العربية مع المبادرة الرباعية.
ليظهر الدور الفرنسي في اللقاء المرتقب بشكل واضح من واقع الإهتمام الفرنسي بتشاد، التى ينظر لها في كثير من الأحيان كمقاطعة فرنسية، وتجلى الإهتمام الفرنسي بتشاد إبان إقتحام المتمردين التشاديين للعاصمة إنجمينا في يناير 2008م والذي ساهمت في صده القوات الفرنسية المتمركزة هناك، وهو الهجوم الذي أسفر عن قطع تشاد لعلاقاتها مع السودان، ومنذ ذلك الهجوم بدأ النفوذ الفرنسي يزداد لحماية النظام التشادي، حيث تبنت باريس عملية نشر قوات «يوفور» من الإتحاد الأوربي على الحدود بين البلدين البالغ عددها «3400» جندى والتى ستتولى الأمم المتحدة مهمتها مطلع مارس المقبل.
وقد وصل الخرطوم في التاسع من يوليو الماضي، وزير الخارجية البريطاني في إطار جولة لبحث السلام في دارفور، وتحسين العلاقات السودانية التشادية. وكانت فرنسا قد إشترطت تحسين العلاقات السودانية الفرنسية من ضمن أربعة شروط مقابل تجميد مذكرة المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير.
ومنذ نشوء أزمة دارفور التى قادت لتوتر بين الخرطوم وإنجمينا، بادر الزعيم الليبي معمر الغذافي بإستضافة عدة لقاءات ومؤتمرات وقمم مصغرة في ليبيا لتهدئة التوتر بين أنجامينا والخرطوم وضمان الإستقرار في المنطقة، كما ساهم في إتفاقيات المصالحة الموقعة بين السودان وتشاد، حيث عقدت برعاية الزعيم الليبي معمر الغذافي القمة الخماسية فى فبراير 2006م بطرابلس بهدف تهدئة الأوضاع بين الخرطوم وإنجمينا بعد تفجر الأوضاع على حدود البلدين، بسبب نشاط المجموعات المسلحة الخارجة على الدولتين هنا وهناك، والتى تقود لسيناريوهات الإتهام المتبادل بدعم كل طرف لمعارضي الآخر، وقد أسفرت القمة عن توقيع إتفاق السلام بين البلدين، الذي نص على «عودة العلاقات بين البلدين، ومنع استخدام أراضيهما في أنشطة هدامة موجهة ضد سيادة أراضي الطرف الآخر ومنع إقامة عناصر متمردة على أراضي الطرفين».
ولم تقف تلك الجهود عند طرابلس فقد دخلت المملكة العربية السعودية على الخط عندما إستضافت برعاية العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز قمة بين البشير وديبي اللذين وقعا في الثالث من مايو 2007م على اتفاق المصالحة بين السودان وتشاد لوضع حد للتوتر بين البلدين في العاصمة السعودية الرياض وهو ما عرف بإتفاق «الجنادرية»، وبرغم أن مراقبين أعدوا الإتفاق تتويجاً للمصالحة السودانية التشادية وقتها بعد أن أقر الطرفان على الإلتزام «باحترام سيادة وسلامة اراضي الطرف الآخر وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، ومنع استخدام اراضي البلدين لايواء او لحشد او لتدريب او لمرور او لتموين الحركات المسلحة المعارضة للطرف الآخر او تقديم اي نوع من انواع الدعم المادي والمعنوي لهذه الحركات والعمل على إبعادها فورا عن اراضي البلدين».
إلا أن الإتفاق لم يكن تنفيذه بأفضل من سابقه، لتعود العلاقات بعد شهر للتوتر مجدداً بعد المواجهات الحدودية في التاسع من ابريل 2007 بقصف الطيران التشادي لجنود سودانيين في إقليم دارفور بحجة مطارة عناصر تشادية متمردة، ليفشل الإتفاق في إزالة التوتر بين البلدين، والذي لم يجد التأييد من الزعيم الليبي بل سخر مما جاء فيه. لتعاود بعد ذلك الجماهيرية الليبية وزعيمها معمر القذافي جهود تسوية الخلافات التى أسفرت أخيراً عن تبادل السفراء بين الخرطوم وإنجمينا بعد إنقطاع نتيجة هجوم العدل والمساواة على أم درمان، التى أعلن بعده الرئيس عمر البشير قطع العلاقات الدبلوماسية مع تشاد، بعد أن حملها مسؤولية الهجوم الذي وقع من قبل متمردي حركة العدالة والمساواة.
وكان الرئيسان البشير وديبي قد وقعا على إتفاق ثالث بينهما أثناء قمة المؤتمر الإسلامي بداكار في منتصف مارس 2008م، التى نجح رئيسها عبد الله واد في جمع الرئيسين اللذين تصافحا وتعهدا بضبط الحدود، وعدم دعم حركات التمرد في بلديهما، بعد مباحثات في داكار استهدفت إحياء سلسلة من الاتفاقيات الثنائية التي فشلت في إنهاء القتال على جانبي الحدود المشتركة بين تشاد والسودان، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون. وهو الإتفاق الذي إنبثقت منه «مجموعة اتصال» من وزراء خارجية (ليبيا الكونغو السنغال الجابون إريتريا ومسئولي منظمات إقليمية) تجتمع كل شهر لضمان تنفيذ الاتفاق الذي عرف باسم اتفاق دكار.
وفي مارس 2008م قررت مجموعة الإتصال المكونة، نشر قوة قوامها 2000 عنصر من الدولتين طرفا النزاع على الحدود المشتركة.
لتفشل في يوليو الماضي محاولة جمع الرئيسين البشير وديبي، أثناء قمة الإتحاد الإفريقي الأخيرة التى عقدت بالقاهرة، حيث رفض الجانبان إجراء أى قمة بينهما، حيث استبعدت الخرطوم وقتها على لسان الناطق بإسم الخارجية على الصادق، أن تؤدي الوساطات إلى أي تقارب مع تشاد، وقال إن الظرف الحالي للبلاد في ظل توتر العلاقات وراء رفض الرئيس عمر البشير لقاء نظيره التشادي إدريس ديبي على هامش قمة شرم الشيخ، وقال إن تشاد لم تبد أي توجه لحسن النيات من قبل ما يجعل السودان يستبعد توصل أي مبادرة لتقريب الشقة بين الخرطوم وانجمينا ويجعل تشاد «غير جديرة بالثقة» لكنه عاد وقال «سننتظر لنرى ماذا ستفعل فرنسا بوصفها دولة ذات تأثير كبير على تشاد». كما قال الرئيس التشادي إدريس ديبي بأنه لا يحتاج الى إجتماع بالرئيس البشير، بعد إتهامه بعدم الالتزام بمعاهدة عدم الاعتداء التي وقعها الجانبان في السنغال.
الدوحة تستعد لجمع الرئيسين البشير وديبي الى لقاء جديد على طاولتها، والعلاقة بين البلدين مازالت تراوح مكانها رغم عودة التمثيل الدبلوماسي بينهما مؤخراً، فهل تنجح الدوحة هذه المرة في إزالة هذا الإحتقان بصورة نهائية، وهى تستعد لطى ملف دارفور، أم ان الإبتسامات التى سيلقيها الرئيسان على كاميرات المصورين ستذهب للمشاهدين، وتبقى الخلافات تراوح مكانها، هدوءاً حيناً وتوتراً أحياناً أخرى!!.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة