تقرير : مزدلفة محمد عثمان
28 دقيقة و20 ثانية بالضبط.. استغرقها الخطاب الأول لرئيس الحزب الاتحادي مرشد الختمية محمد عثمان الميرغني من داخل السودان، منذ نحو 18 عاما، حينما خاطب حشدا عفويا ملأ الافق ليلة تأبين شقيقه الراحل أحمد الميرغني عشية الجمعة قبل الماضية، لكن مفعول الكلمات التي استغرقت كل تلك الدقائق هدمت جسرا عاليا من التفاؤل كانت ملامحه تكسو آلاف الوجوه التي أعياها الانتظار لأيام، يحدوها الامل في إعلان صارم يعيد شتات الحزب ويوحد تياراته التي انتهجت سبيلا بعيدا عن “المرجعيات”، غير أن خطاب “السيد” أصاب مئات المنتظرين بالاحباط، وعزز في داخل سبعة تيارات اتحادية أن الانتظار لن يجدي نفعا، خاصة وأن الميرغني رفض ضمنا في حديثه ذاك الاعتراف ببقية الكيانات الاتحادية، حين قالها بكل حسم ردا على هتافات داوية “الوحدة.. الوحدة ياعثمان”، إن همه الشاغل الآن درء المخاطر عن الوطن. وذهب الى الابعد وهو يقول بأن الحزب الاتحادي توحد في العام 1967م، وأن من ابتعدوا عن الحزب الاتحادي الاساسي عليهم العودة، فُرادى، بما يعني عدم اعترافه بالكيانات الاتحادية، بل قال إن من يسعوا للفرقة يجب أن يُعاملوا بحسم ولا يجدوا أُذنا صاغية.. وعاد الميرغني ليكرر بإصرار ذات الحديث في أول اجتماع للجنة السياسية المفوضة عشية الثلاثاء الماضي. ويبدو أن قادمات الايام تحمل فى جوفها سيناريو جديد من ثلاثة مشاهد.. يتجسد الاول فى تسليم “البعيدين “بزعامة الميرغني للحزب ويكفوا بالتالي عن أي مساع فرعية لتجميع الشتات.. والثاني أن تستمر التيارات السبعة في مشروع الوحدة الذي اختطّه في الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي تحت مسمى “مشروع نادي الخريجين”، أما المشهد الثالث فيتلخص في الوصول الى اتفاق بين الميرغني والاجنحة الاخرى وفقا لتنازلات من الجهتين. لكن السيناريو الاكثر غموضا يتراءى في حال الركون للخلاف والتباعد بين الميرغني والتيارات الاخرى بما يؤشر لولوج مرحلة صعبة أساسها التنازع على (الاسم)، خاصة إذا تقرر إجراء الانتخابات في الموعد المحدد، والتي تفترض جدل تسجيل كل الاحزاب لدى المجلس المختص. لكن القيادي المعروف بالطريقة القادرية يوسف محمد زين لايبدو ميالا الى افتراض تلك المشاهد، ويقول لـ”الأحداث” أمس إن تشتت الحزب الى تيارين أو حتى أكثر ليس من “أحلامنا”، وأن الجميع يبحث عن خيارات وحدة جامعة، فالجماهير لا تبتغي حزبا متقزما ولا متشرذما وتنأى بنفسها عن التيارات. ويؤكد ان الاشكاليات الحالية بين القيادات فقط، ثم يضيف بالقول “الاتحاديون بإمكانهم أن يأتوا بالعجائب في اللحظات الأخيرة”، ويمضي يوسف الى تأكيد ان الخلاف الناشب أصلا على الاليات المفترض اتباعها لاصلاح الوضع، وان المجموعات التي آثرت التوقيع في نادي الخريجين ومن بينها مجموعة الشيخ عبدالله أزرق طيبة سعت عمليا “لحلحلة” هياكل قائمة، في محاولة لتحقيق مبتغى الوحدة، ويشير الى أن “السيد محمد عثمان” لايمكنه أن ينكر على الاخرين انتماءهم حتى وإن لم ينضووا تحت لواء “المرجعيات”.. وحتى عندما رجع القيادي ميرغني عبد الرحمن للبلاد مؤخرا فكان يحمل تفويضا كما قال من الميرغني لتوحيد الاجنحة الاتحادية. وذات النقطة تعيدنا الى العام 2003م حينما تشكلت لجنة الثمانية بين الحزب الاتحادي “المسجل” والمرجعيات بزعامة الميرغني للتفاوض حول الوحدة، لكنها لم تمض الى مراميها كما اتضح لاحقا، لتتلوها اللجنة الشهيرة التي فُوّضت برئاسة فضل تور الدبة للاتصال بكل الفصائل.. بما يعني أن الميرغني يقر ضمنا بالحاجة الى لملمة الحزب.. لكن يبقى الخلاف على واجهة تلك الخطوة.. فالميرغني يريد أن يعتبرها “لما للشمل” بينما يسميها الاخرون “توحدا”.. وبينما يؤكد القيادي علي السيد ان تلك اللجان المشكّلة من رئيس الحزب كانت ترمي الى لم الشمل، وأن الميرغني لم يكن يناقض نفسه ليلة تأبين شقيقه الراحل. يرى التوم هجو المندفع باتجاه الوحدة أن ما أثاره رئيس الاتحادي في تلك الليلة حمل قدرا من التناقض مقارنة بما أقره من خطوات سابقة، ويعتقد هجو الذي تحدث لـ”الأحداث” أمس أن ما طُرح وقتها من لجان كان موقفا تكتيكيا، وان ما أعلنه الميرغني على الملأ وفي الهواء الطلق يمثل القرار النهائي، وأردف “صاحب العقل يميز”، فكل اللجان التي نشطت فى وقت سابق لاقرار الوحدة عملت دون تفويض من المؤسسة.. ولايظهر هجو تخوفا من الولاء الجماهيري الذي يتمتع به مرشد الختمية، والذي تبينت ملامحه في حشد التأبين بالقول إن الرهان على التجمعات بتلك الشاكلة فيه قدر من الخداع باعتبار أن السودانيين معروفون بمواقفهم الاجتماعية المتميزة، ويمضي هجو الى الأكثر، بالتأكيد على أن مشروع نادي الخريجين لم يتوقف بعد حديث الميرغني، خاصة وأن الاخير قطع خط المناورة لدى قيادات كثيرة كانت تجنح الى التريث وعدم استباق الحوادث برغم إدراكها منذ وقت مبكر أن موقف الميرغني الاصلي لايختلف عما صدع به أمام الحشود، وينوّه التوم الى أن الحديث عن وحدة الحزب فى العام 67 منقوص تاريخيا لأن الوحدة اكتملت فى العام 53، وان الانشقاق الذي حدث بتلك الفترة بات الآن مضاعفا من أي وقت مضى، لكنه يشير الى أن الدائرة الخلافية ضيقة ومحصورة، ولايجدي معها فى ذات الوقت الركون الى الولاء والشعارات، خاصة وان الانتخابات تلوح في الافق.
ولايمكن مخاطبة جيل اليوم بشعارات العام 67، ويرى هجو حتمية ممارسة نقد ذاتي، ثم يستدرك “وعندما نفعل ذلك يقال إننا متفلتون. هي شعارات تصلح للصحف لكن لايمكن ان يقتنع بها أحد”. أما علي السيد فيقول ان الشكل غير المعافى الذي يتميز به الحزب بدأ يتشكل فى العام 85، وأشار الى أن الحزب أصلا توحد ثم انشطر الى أجزاء ذات اعتبارية بسبب الشمولية التي ميزت عهد الرئيس جعفر نميري والتي دفعت الحزب الى العمل فى كتل، وبمجيء الانتفاضة توزعت المجموعات الى قسمين. ويضيف “أنا ضد تكرار تلك التجرية”، مشددا على ضرورة عقد مؤتمر للحزب لاحتواء ما يجرى حاليا، وينفى السيد صفة التناقض عن مواقف الميرغني تجاه الفصائل الاخرى، وأكد ان اللجان التي شكلها رئيس الحزب للاتصال بالاجنحة المختلفة كانت على أساس “لم الشمل” واستدرك بأن ذلك لا يعني ان المرجعيات هي الاصل، فالاستعلاء على الاخرين كما يقول علي السيد لايجدي في الوضع الراهن، خاصة وان الجميع يعترفون بالميرغني رئيسا للحزب، ولاخلاف على قيادته أصلا حتى وسط التيارات الاخرى بما يعني حتمية التجمع تحت رايته، منوها الى أن التعامل بحساسية مفترضة تجاه تعبير “لم الشمل” غير مجدٍ، خاصة وأن أي لجنة أو عمل يكتمل بعيدا عن تفويض “السيد” لايُكتب له النجاح كما أكدت التجارب. ويرى علي السيد ان توقف مساعي الوحدة التي ابتُدرت في 21 اكتوبر يمثل خطورة حقيقية، باعتبار أن وجود تلك المجموعة يسهل من النقاش والتداول حول كيفية الحل بين تيارين على الاقل بدلا عن ستة.. أما قائد لواء الفتح معتز الفحل فيؤكد أن الميرغني الأحق والأقدر على قيادة الحزب، خاصة وانه تزعم التجمع في زمن حرج وسجل نجاحا مشهودا، ويدعو الى ضرورة قراءة الكلمة التي ارتجلها في التأبين مقرونة بخطاب المتحدث باسم الحزب، والذي اقر بوجود اشكالات تنظيمية تُعد طبيعية في ظل العداء للنظام على مدى 18 عام، ويضيف معتز بأن الميرغني لم يغلق الباب أمام أحد، ويبدي قناعة بأن لامجال أصلا لتكوين حزب اتحادي مواز، خاصة بعد الحشد الجماهيري الذي أدى فروض الطاعة للميرغني راغبا ومختارا. لكن اذا استصحبنا ما قاله التوم هجو المتحمس لمشروع نادي الخريجين، والرفض العلني الذي صدع به “الاتحادي المسجل” لتصريحات الميرغني باعتبارهم كيانا معتبرا وليسو فصيلا ولا منشقين. يبقى المشهد القادم ميالا للتنازع على اسم الحزب عند إجراء الانتخابات، خاصة اذا تعذر الاتفاق على توليفة جديدة تجمع الكل فى تيار واحد، ومعلوم أن الحزب الاتحادي المسجل “جناح الهندي” بادر الى التسجيل لدى مسجل الاحزاب باسم “الحزب الاتحادي الديموقراطي” وهو ذات المسمى الذي ينشط تحته حزب الميرغني.
وبحسب علي السيد فإن وصول الامر الى تلك المرحلة يضع “المرجعيات” أمام معضلة حقيقية إذا لم تنتخب قيادة وتنهي التسجيل، وأكد ان الاصطدام والتنازع على الاسم وارد جدا. وبالعودة الى قانون الاحزاب في المادة 28 الفقرة 2 التي تقول “إن على مجلس الاحزاب العمل على تسوية أي نزاع في الاسم وديا، وإذا تعذر عليه الامر يُحال الى المحكمة الدستورية”. والأرجح أن تحكم الدستورية لصالح الحزب صاحب الاقدمية في التسجيل. ويشير علي السيد الى إمكانية الخلوص الى ذات الاسم على أن يتميز أي طرف بشعار مختلف عن الآخر، ويعود لينوّه الى أهمية العمل على لم الشمل، مهما كان ما أثاره الميرغني محبطا، فيمكن الاتفاق لاحقا على الطريقة التي تعالج بها الازمة الحالية، بنحو يجعل الكل تحت مظلة واحدة.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة