عين على ربكونا
شاهد..على مغادرة أخر جندي بالجيش السوداني للجنوب.
ضياء الدين بلال
[email protected]
حواء الطقطاقة..لم تكن هنالك
نهار ربكونا أمس بولاية الوحدة كان شاهداً على انهاء آخر
وجود عسكري للجيش السوداني بالجنوب.. وبذلك اكتملت آخر محطات اتفاق الترتيبات الامنية.. بعد معالجة أوضاع الفصائل المسلحة وتكوين الوحدات المشتركة، وتكتمل مراحل التنفيذ بإعادة الانتشار، إنسحاب قوات الحركة جنوب حدود 56 وانسحاب الجيش السوداني الى شمال ذات الحدود .
إجراءات التسليم والتسلم بين قيادة منطقة المجلد وغرب النوير العسكرية وقيادة القوات المشتركة تمت بمراسمية بالغة الدقة.. طوابير شرف وانزال متزامن للعلم ، نزول علم الحامية وصعود علم المشتركة.. فأمس تم انزال آخر علم للجيش السوداني بالجنوب، وتم طيه بيدي «صول» من الجيش السوداني، كانت انفعالاته تضطرب بين فرح تفرضه مراسم الاحتفال وحزن يفرض نفسه على عينين مرهقتين.. اراد «الصول» ان يتماسك أكثر وان يخفي ما بدا عليه من حزن، فارتفع صوته مهللاً ومكبراً، كان التهليل والتكبير كثيراً ما يصدر من أفراد الحامية بصورة متقطعة، دون أن يجد ما يقابله في جانب الحركة التي ألزمت نفسها بصمت حذر أثناء مراسم عملية التسليم والتسلم، ولكن زغاريد بعض النسوة اللاتي كن حضوراً لمراسم الإنسحاب تخللت لحظات تنزيل العلم، لم تكن حواء الطقطاقة حضوراً بمباني حامية منطقة المجلد وغرب النوير!!
قلت للسيد تعبان دينق حاكم ولاية الوحدة: هل تشعرون أن الجيش المنسحب هو جيش احتلال؟..إنزعج الرجل من السؤال ثم رد قائلاً: من قال ذلك؟... هذا ترتيب لاوضاع القوات، الموجود منها في الشمال والجنوب يمثل السودان ككل، الجنود الذين سيغادرون الجنوب لهم زوجات وأبناء ودكاكين بالجنوب، لذلك سيظل ارتباطهم بالمنطقة مستمراً، والقوات المشتركة هي نواة الجيش القومي اذا تأكدت الوحدة عبر الاستفتاء، من الافضل ألا تنزعج مما يحدث..!
اكتملت اجابة تعبان دينق، وهي اجابة قابلة للاختبار، وتحتمل النفي والاثبات، وسيكون عامل الوقت وحده القادر على تصديق تعبان، والقادر كذلك على تكذيب كل تلك الابتسامات التي تبودلت فى نهار ربكونا الملتبس بين الشتاء والصيف..!
ربكونا غابة العرديب
ربكونا تعني بلغة النوير غابات العرديب، ترى هل كانت تلك اللحظات التي تم فيها انسحاب آخر جندي من القوات المسلحة السودانية من الجنوب كانت بمذاق العرديب.. حلاوة قارصة، حلاوة الالتزام بتطبيق الاتفاق وتجاوز اتهامات نقض العهود، وقرص ان يضطر جيش دولة ما، ان ينسحب من بعض أرضه تحت رقابة الغرباء وبرضاء قادته السياسيين، وبسبب عجز الحكومات السودانية المتعاقبة في الحفاظ على كيان وطن متماسك، لا يضطر فيه مواطن ان يستفتى على وطنيته، ولا تكون فيه خطوات جندي سنتمترات شمال خط 10 أو جنوبه سبب فى اندلاع حروب، ومبرر لانعقاد جلسة لمجلس الامن........؟!
البقر هناك عجافاً، وآثار الفيضانات لا تجد من يجففها،عدد السكان يبدو على قلة وان غلبت عليه فئات الشباب والطلاب، لا تلحظ وجوداً لكبار السن في طرقات ربكونا وبانتيو، قبيلة النوير هى القبيلة الرئيسية بالمنطقة مع وجود الاطفال متفرق لقبائل أخرى، الشماليون يسيطرون على التجارة، ومطعم بجوار الحامية ينشط تحت يافطة (أهل العوض)..!
اما بانتيو التى تمت فيها احتفالات العام الثالث لاتفاقية السلام فهى تعني بلغة النوير (الشئ الذي ضاع ولكنه سيعود).. هذا ما قاله لي قائد الحركة الشعبية بولاية الوحدة جونسون.. قد يكون معنى الكلمة كما قال جونسون او أن الرجل -بدهاء ناعم- اراد ان يسرب رسالة لاذعة..!
غرق في فنجان.
تعبان دينق حاكم ولاية الوحدة الذي كان في مقدمة مستقبلي الوفد، يعتبر حاكم أغنى ولاية بالجنوب ، حيث تزخر ولايته بالنفط، وهو كان في مفاوضات نيفاشا، صاحب دور كبير في مفاوضات تقاسم الثروة، وهو رجل يميل للممازحة الساخرة، وتسديد الرسائل القصيرة، ولكنه الآن يعتبر أكثر ولاة الجنوب تعرضاً للمعارضة، حيث تنشط في وجهه مجموعات تنادى بعزله من الولاية، ونقلت الصحف خبر التحقيق معه حول بعض التجاوزات، الرجل كان بادي السعادة.. لم نعرف ان كانت السعادة بالزيارة ام بالمناسبة؟.. قلت له: أمواج المعارضة تحيط بك؟.. رد ساخراً هذه ليست أمواج هى زوبعة في فنجان فقط.. هل سمعت برجل في حجمي وطولي غرق في فنجان؟.
باقان وعبدالرحيم..يا للعجب..!
رحلة الثماني ساعات الى ولاية الوحدة التي قمنا بها أمس في معية السيد باقان أموم وزير مجلس الوزراء والامين العام للحركة الشعبية والفريق أول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع التي تمت في مناسبة انسحاب آخر وحدات الجيش السوداني من الجنوب،بدت فيها العلاقة الشخصية بين باقان وعبد الرحيم ودودة ومتجانسة، كل طرف يجزل لرفيقه الابتسام ويحسب كلماته بدقة وحساسية عالية حرصاً على الا تعبر من بين كلماتهما ما يحرج الآخر أو يضطرهما للمشادة والتناوش أمام الحضور، بل كان غالب الحرص ينصب على الالتقاء على نقاط التوافق، وتبادل عبارات الصديق باقان والصديق عبد الرحيم..!
قلت لباقان: هل ما يظهر لنا توافق حقيقي أم مظهر اعلامي فقط لخدمة العلاقات العامة بين الشريكين؟.. قال لي: ما يحدث توافق حقيقي وليس هنالك ما يدعونا للمجاملة ومخادعة الجمهور.
يبدو أن المؤتمر الوطني بدأ يغير في نظرته لباقان أو على الاقل بدأ يغير في طريقة التعامل معه، وفي الجانب الاخر يبدو أن باقان وهو داخل مجلس الوزراء قرر ان يستخدم طرقاً للتعبير لا تغضب الشريك وتحافظ على مواقفه في ذات الوقت..!
باقان وعبد الرحيم كانت بداية علاقتهما جلسة بمنزل الاخير على صحن من القراصة، قبل ان يتناقشا حول أحداث الميرم وقرنتي، ويتفقا على الذهاب معاً لفض النزاع، لم تنجح المهمة ولكنهما عادا من هنالك باضافة مزيد من الثقة لعلاقتهما التي بدأت بالقراصة الساخنة، وستكشف الايام على ماذا ستنتهي..!
المسيرية...ينظرون..!
كان ضمن وفد ربكونا وبانتيو السيد عبد الرسول النور، والرجل يعرف على أكثر من وجه، فقد كان من أبرز قادة حزب الامة ومسؤول الحزب عن الجنوب، وهو من قيادات المسيرية، وكاتب صحافي تميزه معرفة واسعة بالتاريخ والسياسة والجغرافية البشرية، عبد الرسول كان في ساحة الاحتفال على جوار لصيق بابن قبيلته السفير الدرديري محمد احمد القيادي بالمؤتمر الوطني، والرجلان تشغلهما الاحداث الدامية بجنوب كردفان، وهي الولاية المجاورة لولاية الوحدة التي يتم بها الاحتفال.. كانت احداث الميرم والخرصانة تظلل بعض الاحاديث، حين يلوح بها كتجاوز يسجل ضد الحركة، وحين تأتي مع بعض الدعوات المسالمة التي تدعو لضبط النفس وايقاف الاقتتال.
توماس..المغامر يحكم..!
القائد الذي استلم قيادة المنطقة عن القوات المشتركة هو ممثل الحركة الشعبية اللواء توماس سريريو، وهو شاب من ابناء الاستوائية وحفيد لزعيم سياسي بارز بالجنوب، وتوماس الذي بدأ العسكرية بالكلية الحربية السودانية وعمل ضابطاً بالقوات المسلحة السودانية، يعتبر من أبرز ضباط الحركة، فقد كان يحظى بثقة الراحل الدكتور جون قرنق، حتى أنه كان يوكل اليه كثير من المهم الخطرة والحساسة، فالرجل تلقى تدريباً عالي المستوى على حروب الغوريلا وحرب المدن، وهو الضابط الذي لعب الدور الاكبر في الهجوم على جوبا في 1992م وهو قائد لواء السودان الجديد الذي كان على الجبهة الشرقية، وتوماس قيل انه هو الذي خطط ونفذ سيناريو الهجوم الشهير على كسلا في العام 2000، وكان قرنق قد اختاره قائداً لقوات الحركة بالخرطوم ضمن الوحدات المشتركة، كان يشاع عن توماس أنه عسكري مولع بمظاهر القوة، يحمل معه دائماً أكثر من مسدسين، وان سياسته المتشددة بالجبهة الشرقية قد جعلت عدداً كبيراً من الشماليين الذين كانوا ضمن قوات الحركة يلوذون بالفرار، توماس الذي رأيته بربكونا أمس يبدو على غير ما قيل، فقد بدا لي ضابطاً هادئ الطبع سهل الابتسام، وان كانت تبدو عليه الثقة الزائدة بالنفس، التي لا يوجد مانع من وصفها بالغرور..!
فاولينو..حالة صمت.
فاولينو ماتيب كان ضمن حضور الاحتفال.. لم يتحدث ، ولم يعلق لا بلغة النوير ولا بغيرها، بل ظلت ملامحه محايدة..المنطقة التى يتم فيها الاحتفال هى منطقة نفوذه، حيث ظل لسنوات يحرس للحكومة بالخرطوم حقول النفط هنالك.. الى ان فرض عليه اتفاق الترتيبات الامنية الاختيار بين الجيش السوداني وجيش الحركة، فكان خياره الالتحاق بجيش الحركة، بعضهم قال لي: إن فاولينو يشعر أن منطقة نفوذه بدأت تنسحب من بين يديه، قواته توزع عدد كبير منها على امتداد الجنوب، فأصبحت بعيدة عن يده وبصره.. ومرض السكري وأمراض أخرى أخذت من جسده طاقة التمرد والاحتجاج، وخاله بيتر قديت يتحفز لوراثة نفوذه .. والحركة وعدته بوزارة الدفاع ولم تف، لاعتبارات يقال انها موضوعية ، فالرجل لا يكتب ولا يقرأ، ولا يعرف من اللغات سوى لغة النوير، قيل ان فاولينو يعبر عن احباطه واحتجاجه بالاقامة المتطاولة بميوم وسط جنوده وأهله، لم يذهب الى جوبا منذ أكثر من شهرين، بحجة أنه في انتظار المشاركة في أربعينية والدته،التى توفيت بالخرطوم قبل ثلاثة أشهر ..!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة