الرئيس و الغرب
زين العابدين صالح عبد الرحمن
قاطع السودان القمة المشتركة للاتحادين الإفريقي و الأوروبي التي عقدت في الأسبوع الماضي في ليبيا و قال عددا من المسئولين في الحكومة و المؤتمر الوطني أن المقاطعة جاءت احتجاجا علي الضغوط الأوروبية الساعية لمنع مشاركة الرئيس عمر البشير و في ذات الموضوع قال السيد علي كرتي وزير الخارجية للصحافيين بعد اجتماعه مع السيد رئيس الجمهورية و نائبه السيد علي عثمان محمد طه " اتفقنا خلال الاجتماع علي تصنيف الدول التي تعمل ضد السودان و التعامل معها" و أضاف قائلا " أن أي دولة تريد محاصرة الرئيس لن يكون لها أي دور في السودان بعد اليوم و نحن نعلم الجهات التي دعمت الموقف ضدنا و هي منظمات تسلل بعض أفرادها لوزارات بعض الدول الأوروبية و ظلوا يمارسون هذه الضغوط علي السودان و نحن مستعدون لصدهم" .
لا أعتقد أن مقاطعة السودان للمؤتمر جاءت احتجاجا علي الضغوط الأوروبية لمنع الرئيس من الحضور لآن الضغوط الأوروبية ظلت تمارس علي كل الدول التي استضافت مؤتمرا إقليميا أو عالميا و و كانت قد دعت إليه الرئيس عمر البشير حيث مارست الضغوط علي تركيا التي دعت الرئيس لحضور مؤتمر قمة المؤتمر الإسلامي و مورست الضغوط علي مصر عندما كانت تريد استضافة ذات المؤتمر الذي عقد في ليبيا و تم نقل المؤتمر إلي فرنسا حتى لا يسبب حرجا لمصر و مورست الضغوط علي أفريقيا الوسطى مؤخرا كما مورست أيضا علي كل من كينيا و يوغندا و أثيوبيا و قطر و غيرها و لكن الجديد هو أن تستجيب دولة تعد نفسها زعيمة إفريقية و عربية للضغوط و تحاول أن تتحاش حضور الرئيس السوداني للمؤتمر حتى لا يفشل المؤتمر و بالتالي تضع بادرة و سابقة تتعلل بها الدول في المستقبل بعدم حضور الرئيس عمر البشير لذلك كان الموقف الليبي غير المتوقع من قبل قيادات المؤتمر الوطني و خاصة الرئاسة هو وراء الانسحاب باعتبار أن الموقف الأوروبي ليس جديدا أنما هو موقف يتماشي مع مخططاتها التي كانت وراء اتهام الرئيس من قبل المحكمة الجنائية الدولية و لكن الموقف الليبي هو الموقف الجديد و لاسيما أن لبيبا كانت متسقة جدا مع مصالحها حيث أخضعت القضية للتقييم و التقويم في أن تدعوا الرئيس البشير و تتم المقاطعة الأوروبية و بالتالي تدخل ليبيا نفسها في صراع مع الغرب و هي تسعي للتقارب معه و قد دفعت مليارات الدولارات لكي تنهي قضية " ليكوربي" لكي تعد نفسها لقيادة القارة الأفريقية و تصنع لنفسها مكانة في العالم أو أن تتحاش حضور الرئيس البشير و بالتالي تكسب الغرب و الذي تعتقد أنه سوف يدعم المكانة التي تبحث عنها في السياسية الدولية.
أن الخطوات التي أكد عليها السيد وزير الخارجية و التي تتركز في " تصنيف الدول التي تعمل ضد السودان – و أن أية دولة تريد محاصرة الرئيس لن يكون لها دور في السودان" أعتقد أن السيد وزير الخارجية يتعامل مع الموقف بردة فعل كان من الأحرى التعامل مع القضية بدبلوماسية عالية خاصة في الظرف الحالي الذي يمر به السودان لآن الدول الأوربية لم تبدأ التهديد بمقاطعة مؤتمر ليبيا أنما الدول الأوربية هي تمارس هذه المقاطعة فعليا منذ صدور عريضة الاتهام من قبل المحكمة الجنائية الدولية و لم تمارسها فقط لتهديد الدول التي تستضيف مؤتمرات و ترغب في دعوة الرئيس البشير بل هي تمارسها داخل السودان حيث يقيم السيد وزير الخارجية دون أن تكون هناك أية ردة فعل حيث قاطعت كل المناسبات الوطنية و غيرها التي حضرها الرئيس و لم تحضرها البعثات الدبلوماسية الغربية إضافة للولايات المتحدة و أيضا كل الوفود الأوربية التي تزور السودان لم تلتق بالسيد رئيس الجمهورية و أيضا كل الزيارات التي قام بها السيد سكوت غريشن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان منذ تعينه لم يلتق بالسيد رئيس الجمهورية ثم السيد جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي جاء السودان مرتين خلال الشهرين الماضيين و أيضا لم يلتق بالسيد رئيس الجمهورية كل هذه المقاطعة ليست جديدة علي الاتحاد الأوروبي بل معلنة و ممارسة داخل السودان و هذا ما يؤكد أن ردة الفعل و المقاطعة ليست بسبب موقف الاتحاد الأوروبي أنما الموقف الليبي.
و في مخاطبته لحشد من مزارعي مشروع الرهد الزراعي قال السيد علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية قال " أن السودان يواجه مخططا كبيرا لعزلها من محيطها الإقليمي و الدولي عبر محاولات ما سماه بدول الهيمنة و دعا السودانيين للتوحد و الوقوف بقوة من أجل أن يظل السودان قويا بإرادته" في الشطر الأول لحديث السيد النائب أن هناك تحديات خارجية هذه حقيقة و لكن يختلف الناس في تحليلهم لتلك التحديات و أبعادها حيث أن جميع قيادات المعارضة تعتقد أن تلك التحديات هي نتيجة لسياسات المؤتمر الوطني و يعتقدون أيضا أن المعارك القائمة ألان ضد السودان هي معارك المؤتمر الوطني و يجب عليه أن يتحمل نتائجها حيث أن المؤتمر الوطني لم ينظر للقضايا المطروحة و التحديات الخارجية من خلال منظار وطني يهتم بمصالح الوطن و المواطنين أنما ينظر إليها بمنظار حزبي ضيق جدا هو الذي أدي إلي دخول السودان هذا النفق المظلم و حقيقة أن المؤتمر الوطني يرفض مشاركة القوي السياسية الأخرى و تعتقد قيادة المؤتمر الوطني أن القوي السياسية يجب أن تفكر وفقا لأجندة المؤتمر الوطني ألأمر الذي ترفضه القوي السياسية.
الشطر الثاني من حديث السيد نائب رئيس الجمهورية دعوة السودانيين للتوحد و الوقوف بقوة من اجل أن يكون السودان قويا و لكن الغريب في هذه الدعوة أن السيد نائب رئيس الجمهورية دعا السودانيين و لم يدعو مؤسساتهم السياسية و من المعروف أن السيد علي عثمان يختار كلماته بعناية فائقة جدا حتى تؤدي مدلولاتها بعيدا عن أية احتمالات تقبل التأويلات و المعروف أنه في مقام سياسة و كان من المفترض أن يوجه حديثه للقوي السياسية و لكنه تجاهل ذلك دون أن يوضح كيف يتوحد السودانيين خارج دائرة مكوناتهم السياسية و أن الوقوف خارج دائرة الحزبية سوف لا يخدم القضية و خاصة أن الدعوة لمواجهة التحديات الخارجية تتطلب الموقف السياسي الجامع المتمثل في وقوف كل القوى السياسية في صعيد واحد لمواجهة التحديات الخارجية و لاسيما أن الدول التي وراء تلك التحديات تعلم تماما من خلال بعثاتها الدبلوماسية في الخرطوم مجريات الأحداث في السودان و التحالفات القائمة و مدي قوتها و فاعليتها و أيضا هي علي دراية تامة بالقوي السياسية التي تؤيد المؤتمر الوطني ووجودها في الشارع السياسي كما هي أيضا بدراية تامة بالقوي السياسية التي تعارض المؤتمر الوطني و تقف بعيدا عن معاركه أذن كان السيد النائب يعدل خطابه السياسي لكي يخاطب القوي السياسية مباشرة و هو الطريق الصحيح لمواجهة الأجندة الخارجية.
انتقد السيد رئيس الجمهورية في كلمته أمام دورة الانعقاد الثانية لمجلس الشورى كيانات المعارضة التي تسمي نفسها " الجبهة العريضة – الإجماع الوطني و غيرها" و اعتبر المؤتمر الوطني هو وحده الجبهة العريضة التي تمثل الإجماع الوطني و هذه الإشارة و حدها تؤكد أن الإيمان بالحزب الواحد و الحزب القائد ما تزال تسكن نفوس قيادات الإنقاذ و يكشف أن الديمقراطية لم تجد طريقها للتطبيق كما ينبغي كما أن تعدد منابر المعارضة و تعدد تسمياتها ما هي ألا نتيجة للازمة السياسية التي تعيشها البلاد و أذا كان حزب المؤتمر الوطني هو الحزب الذي يمثل الإجماع الوطني فلماذا تجول وفود حكومة المؤتمر الوطني في دول العالم بحثا عن حلول سياسية تؤدي إلي الاستقرار و لماذا الدعوة من اجل التوحد لمواجهة التحديات الخارجية لآن الدعوة تتم للمخالف و ليس للتابع و السادن و أعتقد أن أول خطوات للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد و حلها هو الاعتراف بالمشكلة و الاعتراف بالأخر و بأن له دور في المشاركة و الإسهام في قضايا الوطن كما أن قيادات المؤتمر الوطني تدرك أن الخارج يختلف من حيث أدارة شئون الدولة و مبدأ المشاركة في النظام الديمقراطي خلافا للمفاهيم السائدة عند قيادات المؤتمر الوطني حيث أن منظمات المجتمع المدني و الجمعيات و الرأي العام هي التي تؤثر في قرارات حكومات الغرب و أن المؤتمر الوطني لا يملك طريقا لتلك المجموعات و التأثير فيها و رغم ضعف المعارضة في الداخل و لكن تظل المجموعات السودانية في الخارج تلعب دورا كبيرا في تحريض تلك الدول ضد سياسات المؤتمر الوطني و بالتالي لن تجد الأزمة طريقا للحل إلا عبر حوار وطني حقيقي تسهم فيه كل القوي السياسية الحقيقية و المصنوعة.
و تجاهل القوي السياسية ليس في مصلحة الحل و خاصة في معركة الخارج يقول الدكتور زيدان عبده زيدان أمين أمانة أوروبا و الأمريكتين لجريدة الرائد " هناك اجتماعات للأمانة مع ممثلي دول الاتحاد الأوروبي و الأحزاب السياسية المعارضة في هذه الدول لمناقشة الموقف الأوروبي الأخير تجاه مشاركة السودان في القمة الأوروبية الأفريقية التي عقدت في العاصمة الليبية طرابلس و اعتبر موقف دول الاتحاد الأوروبي تجاه مشاركة السودان في القمة وصمة عار و نفاق سياسي و الازدواجية في المعايير" نسي الدكتور زيدان أن معركة الغرب مع الرئيس هي معركة أصبحت رأي عام في الغرب حيث أن الأحزاب الحاكمة في تلك الدول أو أحزاب المعارضة لا تستطيع تجاوز الرأي العام فيها مهما كان موقف الجانب الأخر و بالتالي المعركة كيف تستطيع أن تحدث تحولا في الرأي العام في تلك الدول و القضية الأخرى موقف المؤتمر المتجاهل للقوي السياسية في قضايا الداخل لا يجعل تلك القوي السياسية بعيدة عن استخدام أسلحتها بطريق مباشر أو غير مباشر مع الغرب بهدف محاصرة المؤتمر الوطني و قيادته و أيضا الأيادي السودانية ليست بعيدة عن مواقف الغرب ضد الحزب الحاكم.
أن معركة الغرب مع السيد رئيس الجمهورية يتداخل فيها الداخل و الخارج كل بهدفه و أجندته فاستهداف رئيس الجمهورية من قبل الغرب في قضية المحكمة الجنائية باعتبار أنه يمثل رمزا للحزب الحاكم و للسلطة الحالية و تقييد حركته هي بهدف إضعاف السلطة و الحزب معا و كررت في مقالات سابقة أن الاعتقاد في الغرب أن هز مكانة الرئيس و أبعاده عن دائرة السياسية سوف يؤدي بتفجير الصراع داخل المؤتمر الوطني و هو تحليل ليست العقلية السودانية بعيدة عنه كما أن المعارضة أيضا من مصلحتها أن ينفجر هذا الصراع داخل المؤتمر الوطني و تستمر الضغوط عليه حتى يستجيب لمطالبها و يرضخ للدعوات التي قدمت من قبل قياداتها أذن معركة الغرب مع الرئيس ليست بعيدة عن الصراع في الداخل و هو التحدي المواجه المؤتمر الوطني.
أذن دعوة السيد نائب رئيس الجمهورية لدعوة كل السودانيين من اجل التوحد لمواجهة التحديات الخارجية يجب أن يحدث فيها تعديل لكي تصبح دعوة للحوار مع كل القوي السياسية لمواجهة التحديات الخارجية و لا أعتقد أن هناك سودانيا واحدا يقبل أن تنتهك سيادة السودان أو يتآمر عليه لمصلحة أجندة إقليمية أو أجنبية و لكن تظل هناك خلافات سياسية و فكرية حول العديد من القضايا و هي تحتاج لحوارت مقاربة مفتوحة و سعة في الصدر خاصة أن السودان يمر بمرحلة تحول اجتماعي و سياسي و الله الموفق
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة