إسرائيل و الجواسيس و السيد الوزير
زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما يقرأ العنوان يتبادر للذهن المثل الشائع " سمك لبن تمر هندي" ولكن للثلاثة أسماء ارتباط وثيق جدا بالحالة السياسية في السودان حيث أن السودان يمر بأخطر مرحلة في تاريخه السياسي و الوجودي و هي قضية (استفتاء جنوب السودان) و خاصة أن الحركة الشعبية التي تحكم الجنوب و تشارك في حكم الشمال و التي كانت تحمل برنامج سياسيا وحدويا قد تخلت عنه و تبنت الانفصال كخيار وحيد و هي بدأت تصدع بذلك علنا من أعلي قمة فيها و في الجانب الآخر بدأت المعارضة في الداخل تحركا رغم أنه تحركا ضعيفا ألا أنه يؤكد عن عدم رضي عن ما هو جاري في الساحة السياسية و في الجانب الأخر أيضا هناك مؤتمرا سوف يعقد في لندن لمعارضة عريضة تنادي بإسقاط النظام و ليس التفاهم معه باعتبار أنه هو الذي يمثل العقبة الكؤود لحل مشاكل السودان ثم هناك الخارج الذي لا تخف بعض دوله مناصرة الحركة لانفصال الجنوب ثم موقفها من حكومة الإنقاذ.
إذا كانت الولايات المتحدة جادة في دعوتها للديمقراطية و الحرية في الشرق الأوسط كانت تسهم جديا في معالجة مشكلة فلسطين حتى لا يجد الحكام في الشرق الأوسط شماعة إسرائيل يعلقون عليها إخفاقاتهم و سلوكهم الديكتاتوري جئت بهذه الإشارة تعقيبا للإشارة التي ألقاها الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي في خطبة الجمعة حيث حذر من مخططات إسرائيلية لفصل الجنوب و اعتقد كلما يفشل الحكام في حل مشاكل دولهم و تكبر أخطائهم لا يجدون غير إسرائيل شماعة لتعليق أخطائهم عليها أن قضية انفصال الجنوب تتحمل مسؤوليتها النخب السياسية السودانية جميعا و المؤتمر الوطني خاصة و الدلالة علي ذلك عندما توصل السودانيين لحل لمشكلة الجنوب في أديس أبابا عام 1972 ثم جاء نميري و نقض ذلك بإصدار قرارات تتعارض مع الاتفاق هل كان ذلك تدخلا إسرائيليا وهل إسرائيل هي التي طلبت من القوي السياسية أن توافق علي عملية تقرير المصير وهل إسرائيل هي التي طلبت من أهل الإنقاذ أن يكون الاتفاق ثنائيا لكي يكون توزيع السلطة علي الشريكين دون الآخرين بدلا من أن يكون الاتفاق اتفاقا قوميا لحل كل مشاكل السودان و يؤدى حقيقة لتحول ديمقراطي يؤسس للسلام و الاستقرار بدلا من حلول جزئية تسهم في تعقيد المشكل باستمرار.
عندما أعلن المعارضون في الخارج إنهم بصدد عقد مؤتمر يومي 23-24 أكتوبر الجاري في لندن بهدف إسقاط نظام الإنقاذ وجه إليهم السيد ماجد حاج سوار مسؤول أمانة التعبئة و التنظيم بالمؤتمر الوطني ووزير الشباب تهمة التخابر مع الخارج و حذر المعارضين في الداخل من التعاون و التعامل مع معارضة الخارج باعتبارها أيضا تهمة تخابر مع الأجنبي توقع صاحبها تحت طائلة القانون و رغم أن السيد الوزير أراد الاتهام للنخبة التي تتبني قيام المؤتمر و لكنه أثبت برأتهم من التهمة لان التخابر هو توصيل معلومات مهمة و إستراتيجية عن الوطن للجهة الأجنبية التي تريدها ثم جاء الدكتور قطبي المهدي القيادي في حزب المؤتمر الوطني و كرر ذات الحديث و لكن مثل هذه المعلومات المخابراتية لا يمكن الوصل إليها إلا إذا كان الشخص موجودا في السودان و لكن الشخص إذا كان خارج السودان كيف يتسنى له الحصول علي مثل هذه المعلومات رغم أن الخارج الأجنبي كله موجودا في السودان ابتداء من ألاف أهل القبعات الزرقاء المنتشرين في كل أنحاء البلاد مرورا بالبعثات الدبلماسية إضافة إلي عددا من المنظمات أما إذا كان السيد الوزير يقصد أن تلك المجموعة تتآمر مع الخارج من أجل إسقاط السلطة كان يصيب لان المجموعة قد أعلنت ذلك صراحة و قالت أن هدفها هو إسقاط النظام و بالتالي هي سوف تستخدم كل الوسائل المتاحة لها من أجل تنفيذ مقاصدها.
و سوف يسعي الخارج للتقارب من المجموعة المعارضة في الخارج و التي تريد منازلة النظام و إسقاطه إذا أرادت ذلك أو لم تريد لآن بعد عملية الاستفتاء و انفصال الجنوب سوف يحاول الخارج تبرئة نفسه أمام الرأي العام المحلي و الإقليمي و الدولي من تهمة أنه ساعد الجنوبيين للانفصال و بالتالي ليس أمامه غير مساعدة المعارضة التي تطالب بالديمقراطية و الحرية و حل مشكلة دارفور باعتبار أن سياسة المؤتمر الوطني هي التي أدت لانفصال الجنوب و دلالة علي ذلك أن القوي السياسية في الشمال نفسها ألان تناضل من أجل أن تنال حقوقها السياسية و الديمقراطية و كان الرئيس الأمريكي في كلمته في مؤتمر نيويورك قد تحدث عن قضية الديمقراطية و الحرية ثم تطبيق العدالة في محاسبة المتهمين في المآسي التي حدثت في دارفور ثم كررت جندراي فريزر نائبة وزيرة الخارجية للشئون الإفريقية السابقة في تصريحات الصحفية مؤخرا عن السودان أن أية مسعى لقضية التحول الديمقراطية في السودان في ظل وجود المؤتمر الوطني في السلطة سوف تجهض.
و كما ذكرت تكرارا أن المؤتمر الوطني سوف يشهد تحديات سياسية و خارجية كبيرة جدا أذا قدر للجنوب أن ينفصل خاصة أن المجتمع الدولي لان مشغول بقضية الاستفتاء و لكن بعد عملية الاستفتاء ليس لديه أية مصلحة لدعم الإنقاذ أنما سوف تحاول الضغط عليها لتقديم المزيد من التنازلات من أجل التحول الديمقراطي في البلاد ثم المحكمة الجنائية نفسها سوف تصبح احد الأدوات المهمة للضغط علي النظام و تفكيكه و هي الإستراتيجية الواضحة في الخارج تماما و في ذات الوقت أن الضغط المستمر سوف ينعش المعارضة في الداخل لكي تحدث تغييرات في بنيتها لكي تستطيع أن تتكيف مع التحولات السياسية الجديدة و أية حراك أن كان في الداخل أو الخارج هو ليس في مصلحة المؤتمر الوطني.
أن الإشارة بأن إسرائيل هي وراء تلك السياسات الجارية و انفصال الجنوب هي تهم لا يسندها الواقع أنما تحاول النخبة السياسية أيجاد مسوغات لأخطائيها كما أن اتهام السادة الوزراء للناس بالعمالة و التخابر مع جهات أجنبية ليس مخرجا من الأزمة بل أن مثل هذه الاتهامات سوف تعقد المشكلة أكثر و لكن يجب مواجهة المشكل بموضوعية و البحث عن الأسباب التي قادة تلك المجموعة أن تعلن عن إنشاء معارضة في الخارج و ترفع فيها سقف المطالب بإسقاط النظام و ليس تحقيق إصلاحات في النظام السياسي و ظلت المعارضة في الداخل تطرح تصورات عديدة بهدف الإصلاح و التسوية السياسية و قد وجدت الإهمال و عدم الاعتبار من قبل الحزب الحاكم الأمر الذي يجعل مستقبل السودان مظلم جدا.
كانت من قبل قضية البترول تمثل بريق أمل بالنسبة للجماهير في الداخل بان بعد سنوات الضيق و ضنك المعيشة التي عانت منه الجماهير سوف يكون البترول مخرجا لزيادة مشاريع التنمية و البنية التحتية و زيادة فرص العمل و لكن بعد الانفصال فإن بارقة الأمل سوف يخفت ضوئها و تواجه الجماهير مشاكل اقتصادية أكثر كل تلك القضايا سوف تحدث تحولات في القناعات و الوعي الجماهيري ليس في مصلحة أهل الإنقاذ لا تواجه فقط بتوزيع الاتهامات علي الآخرين أنما تحتاج لوقفة مع الذات بموضوعية و البحث عن مخرج للأزمة مع الآخرين ووضع حد للتدخلات الخارجية التي أصبحت في كل شيء يخص السودان و مقاعدهم محجوزة في أية حوار قبل مقاعد أهل البلد " هم كانوا في نيفاشا و مازالوا هناك و هم كانوا في ابوجا و في الدوحة و في اتفاق الشرق و في جبال النوبة و بالتالي أصبح الخارج هو الذي يشكل ملامح السودان هل هناك انتهاك للسيادة أكثر من ذلك كان السيدان قطبي المهدي و حاج ماجد سوار قبل توزيع الاتهامات لتعقيد المشكل الإجابة علي التواجد الأجنبي الكثيف في السودان الذي لا يحتاج للحصول علي معلومة أية عناء و الاتجاه للمعالجة بدلا عن التشنج لان مثل هذه القضايا و في الظرف الحرج الذي يمر به السودان يحتاج إلي بصيرة وحكمة و الله هو الموفق.
السؤال المهم و هو موضوع مقالنا القادم. بعد انفصال الجنوب سوف تكون اتفاقية السلام الشامل " نيفاشا" قد سقط و ليس لها جدوة في حل مشكل السودان باعتبار أن احد أطرافها قد خرج و أن القوي السياسية ليست طرفا فيها فهل السودان محتاج فعلا إلي "نيفاشا 2" من أجل تسوية سياسية في السودان تضمن له الاستقرار و السلام ؟
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة