تحديات السودان السياسية والاقتصادية على ضوء الازمة الاقتصادية الدولية
السودان كغيره من ماتسمى بالدول النامية تقف اليوم امام تحديات غير مسبوقة من حجم تحديات متعددة المشارب وبالغة التعقيد , وهو ما يفرض على واقعا ينزر بتداعيات بالغة الحساسية على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , وهو مادعانا لكتابة هذه الاسطر , ليس لمجرد الاشارة الى خطورتها , بل المساهمة فى رسم خارطة طريق تفضى الى رسم استراتيجية أكثر واقعية وعملية لمحاولة التقليل من حجم تلكم التداعيات وارساء قواعد تساهم فى التفاعل بصورة ايجابية من قبل شرائح المجتمع السودانى بمختلف تكويناته فى مواجهة الواقع الذى تتجلى ملامحه يوما بعد يوم .
فالسودان وهو على اعتاب أهم احداثه السياسية منذ استقلاله السياسى , الا وهو عملية الاستفتاء لجنوب السودان , والذى أصبحت ملامح نتيجته تميل نحو الانفصال والتى لايخفى حتى العديد من قيادات حزب المؤتمر الوطنى يقرون بها مسبقا على ضوء قرائن عديدة اشاروا الى بعضها صراحة والاكثر منها ضمنا , والمتتبع للمنتديات والمؤتمرات منذ المنتدى الذى اعدته الامم المتحدة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة وانتهاء بالقمة الاستثنائية للايقاد بخصوص السودان الاسبوع الماضى بأديس ابابا , لاشك ان قيادة المؤتمر الوطنى ومن خلال حسها الدبلوماسى العالى قد تسلمت الرسالة بشكل واضح لمواقف الكتل الاقليمية والدولية لماّلات نتيجة الاستفتاء . ولاشك ان قيادة المؤتمر الوطنى وعلى ضوء حجم الازمة المالية والاقتصادية العالمية الان ادركت تماما العناصر الاساسية التى تقف وراء تلكم المواقف , وهو ماتترجمه تدنى سيرمومتر الحملة الاعلامية والتحركات تجاه عملية الوحدة فى الاونة الاخيرة , والاستعاضة بالمبادرة بتقديم مبررات النتيجة بصورة استباقية من قبل قيادات المؤتمر الوطنى , وهى خطوة يفهم منها العمل المسبق لاعداد الرأى العام لتقبل النتيجة وفق جرعات متدرجة .
على ضوء هذا الواقع الذى اضحت ملامحه اكثر وضوحا , يسار تساؤل يطرح نفسه بقوة على الساحة السياسية وهو , ماهو طبيعة التركيبة السياسية المثلى للسودان الشمالى فى مرحلة مابعد الاستفتاء لمواجهة التحديات الماثلة؟ وقبل الاجابة على هذا السؤال الاكثر حساسية على كافة المستويات لابد من الاشارة بصورة اكثر وضوخا لحجم هذه التحديات .
اولا – عالم تكتنفه ازمة مالية واقتصادية بالغة السوء , ولاشك ان المواطن العادى يشاهد يوميا حجم المظاهرات وعدم الاستقرار ليس بالدول النامية بل بما تعرف بالدول المانحة , فرنسا , بريطانيا , اليونان , وايطاليا والمانيا , وهولندا , واسبانيا والبرتقال , وخسارة الحزب الديمقراطى فى الانتخابات فى اكبر المانحيين الولايات المتحدة الامريكية , واكبر مديونية لدولة مثل اليابان حيث تجاوزت ال 11 تليون دولار ولجوء سكانها لاول مرة فى تاريحها لشراء الملابس المستعملة . ونتائج انتخابات معظم هذه الدول والاخريات بأتجاه الانكفاء نحو المشاكل الاقتصادية الداخلية على حساب برامج الدعم والمنح لدول الجنوب .
ثانيا- وضع اقليمى يزداد اكثر تأزما , حيث يقع السودان وحسب التقارير الدولية ضمن الدول الافريقية جنوب الصحراء , أى ضمن اكثر 20 دولة فى العالم تعانى حالة فقرا ممتدا , حيث جرى هذا التصنيف للدول التى امتدت هذه الحالة بها لاكثر من حمس سنوات , اضافة لكونها دولا نعانى من العديد من بؤر الصراع متعدد المشارب , واضمحلال فرص التنمية , وارتفاع معدلات السكان الذين يعيشون دون خط الفقر , وارتفاع معدلات البطالة , والامراض المستوطنة , وارتفاع معدلات الجوع , والاكثر تهديدا باثر التغيرات المناخية , واخيرا وليس اّخرا تنامى نشاط تنظيم القاعدة منطلقا من الصومال وحتى دول غرب افريقيا , مما يفتح الباب واسعا لتنامى مسوغات التدخل الاجنبى بكافة اشكاله بهذه المنطقة فى المرحلة المقبلة .
ثالثا- عدم مشاركة العديد من القوى السياسية الشمالية سواء المنضوية تحت تنظيمات أو ماتعرف مجازا بالاغلبية الصامة وهى التى يعتقد انها تشكل السواد الاعظم , عدم مشاركتها فى دولاب عملية بناء الاستراتيجيات وادارة دولاب الحكم بالسودان . وهذه تمثل واحدة من اهم التحديات فى ظل واقع هذه ملامحه , فبلا شك ان المؤتمر الوطنى قد حزم أمره ليقود امر البلاد وبصحبة المجموعات الصغيرة التى تشكل معه ماتعرف بحكومة الوحدة الوطنية , وهو مايلقى عليهم تبعات ماّلات سياسات المرحلة السابقة . فى قبالة قوى سياسية اخرى لاشك فى ظل حسابات الربح والخسارة السياسية ترى ان الاقدار تصفى لها حساباتها مع المؤتمر الوطنى , متزرعة بعدم استجابة الاخير لمساعيها طوال السنوات الماضية بالعمل على توسيع دائرة المشاركة .
رابعا- التحديات التى تواجه البلاد الاقتصادى , فارتفاع حجم المديونية لاكثر من 36.5 مليار دولار , وتدهور القطاع الزراعى وانحسار عائدات البترول بعد الانفصال , واخيرا السياسات المالية لبنك السودان والتى جميعها تصب فى خانة ضعف القوة الشرائية للجنيه السودانى ومؤشرات تنامى هذا الضعف خلال المرحلة المقبلة , وفى ظل التضخم الحالى للفضل الاول بالميزانية , وعلى ضوء التحديات اعلاه وتداعياتها المرتقبة , ازدياد الصرف على بنود الامن والدفاع فى المرحلة المقبلة , وفى قبالة ازدياد البطالة وخاصة مخرجات التعليم , وضعف التنمية بمختلف مناحيها , وانحسار حركة تدفق رؤس الاموال الاجنبية للاستثمار بالبلاد , كل ذلك يجعل التحدى الاقتصادى يمثل كبرى هذه التحديات على المستوى المحلى .
بناءا على ماتقدم , وفى هذه المرحلة الدقيقة من عمر البلاد , لابد من التحرك الجاد والمسؤول لمواجهة هذه التحديات وهو مايستلزم خارطة طريق اكثر واقعية وعملية ومرونة للعبور بالبلاد لتفبل مختلف هذه الصدمات بأقل الخسائر الممكنة , مع التأسيس لمرتكزات قوية يمكن البناء عليها لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة , ويمككننا تلخيص سمات خارطة الطريق تلك فى الاتى :
اولا- تبنى حزب المؤتمر الوطنى وخاصة وهو على اعتاب عقد مجلس الشورى به , تبنى دعوة كافة القوى السياسية بالبلاد الى مؤتمر سياسى جامع فى أقرب وقت ممكن , وتكلف لجنة من القوى الرئيسية والشخصيات القومية لصياغة أجندة ذلك المؤتمر , والذى يتمحور موضوعه حول معالجة القضايا الاساسية بالبلاد واهمها نظام الحكم , تنمية المناطق المهمشة , الاصلاح الاقتصادى , قضية دارفور, الامن والجيش , الوضع الامثل لجنوب السودان كبديل مشجع لعدم الانفصال .
ثانيا- رسم استراتيجية سياسية واقتصادية وتنموية يتبنها السودان على ضوء معالجة البند اولا , للترويج لسياسة تكامل دول الجنوب فى المرحلة المقبلة بحسبانها المخرج الاوحد لمجمل مشكلاتها المختلفة , وذلك من خلال تنمية الشركات الاستراتيجية الثنائية والمتعددة الاطراف والنأى عن التنظيمات الاقليمية الهلامية التى تفتقر لمقومات الفعل , مثل الايقاد , الجامعة العربية , الاتحاد الافريقى , س ص , المؤتمر الاسلامى , عدم الانحياز .....الخ التى لم يورث منها المواطن سوى اهدار الوقت والمال وكثرة المنتديات والفعاليات دون طائل , فحال معظم الدول الاعضاء بهذه المنظومات تدلل على ذلك , والتى انطلقت ونمت , فبفضل مقوماتها واستراتيجياتها الذاتية وليس فى اطار هذه المنظومات الهلامية .
ثالثا- السعى للتأسيس لمنظمات مجتمع مدنى حقيقية ولاتمثل واجهات لاحزاب سياسية بعينها , تكون ذا طابع قومى من خلال اسناد قياداتها لشخصيات قومية ومعروفة بحسها القومى ويوفر لها هيكل ادارى مرن , واهداف وسياسات واضحة ومحددة تصب فى خدمة مختلف الجوانب التى تعضد من تكامل الجهد الرسمى والشعبى بمختلف المناحى الحيوية بالمجتمع , وبمايدفع اغلبية ان لم نقل كافة شرائح المجتمع للانخراط فيها دفعا لاحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وتأمينا لحقوق الجميع .
رابعا- العمل على تبنى رسالة اعلامية قومية ووطنية حقيقية تواكب هذه المرحلة , توطئة لترسيخ قيم تضافر جهود الجميع وبناء قواعد الثقة بين مختلف مكونات المجتمع ونبذ سياسة العدائيات بمختلف اشكالها والتبشير بعهد جديد قوامه اخلاقياتنا وقيم مجتمعنا السمحاء الذى عرف بها بيت الامم لردح طويل من الزمان .
والله من وراء القصد
عاطف عبد المجيد محمد
عضو المنظمة الدولية لشبكة المعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء –هايدلبرغ-المانيا
عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين- بروكسل – بلجيكا
الخرطوم بحرى- السودان
تلفون:00249912956441
بريد الكترونى:[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة