بمناسبة يوم الغذاء العالمى – أفريقيا جنوب الصحراء تتصدر مسرح الصراعات للعقد القادم
يمر علينا يوم الغذاء العالمى هذا العام والذى يوافق ال16 من اكتوبر والقارة السمراء التى تعانى كافة اصناف المعضلات بجميع انواعها ومسمياتها على المستوى الدولى , وقد تم اعداد مسرحها ليتصدر مهرجان الصراعات المحلية والاقليمية والدولية للعقد القادم , وهى القارة التى تمثل اضعف الحلقات الدولية فى كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتنموية ...الخ , وحتى نكون اكثر انصافا , فنحصر الامر فى افريقيا جنوب الصحراء , فشمال افريقيا لموقعها الحساس فى قبالة بعض دول العالم الاول , فتعبر بعض النسمات البحر المتوسط لتنعش سكانها , وكذلك المساعى من قبل تلك الدول لصناعة ساتر وقائى من الطوفان المتوقع من جنوب الصحراء تجاه دولهم . وقد يستغرب البعض هذا الحديث لكن كافة الشواهد تؤكد هذه الحقائق , وبعيدا عن الحديث المنمق للمسؤولين بالمنظمات الدولية , وماتسمى دموع التماسيح من قيادات القوى الامبريالية على الساحة الدولية تجاه منظومة دول افريقيا جنوب الصحراء , فهذه المنطقة وبكل اسف المرشح الاول لمسرح الصراعات الدولية خلال العقد القادم , وهو ماتعكسه التحركات على كافة الصعد فى هذا المضمار , وجرت العادة فى هذا اليوم ان تنشر الاحصاءات عن حالة الفقر والجوع وانعدام الان الغذائى ....الخ من المعايير التى درجت المنظمات الدولية وعلى رأسها الفاو على نشرها , وليس هذا هو المهم فى حقيقة الامر فى هذه المرحلة . فالجميع يدرك جيدا ان الموارد الطبيعية المتاحة بهذه المنطقة قادرة على تأمين الحاجيات الغذائية لسكانها بل والمساهمة فى دعم المناطق الاخرى من العالم التى تعانى عجزا غذائيا ولكن يبقى السؤال المحير , ماهى الاسباب الجوهرية التى تقف وراء عجز المنطقة لتأمين الاغذية لسكانها ؟
هنالك معادلة لم يعرها الكثير اهتماما بالقدر المطلوب رغم عظم حساسيتها على الساحة الدولية , الا وهى معادلة التكامل الاستراتيجى بين ماتسمى دول الجنوب , والتى بعد تحرك بعض دول الجنوب من هنا وهناك فى هذا الاتجاه تأتى اوكلها , دبت حالة من القلق فى اوساط قوى الهيمنة الدولية حول التداعيات المحتملة لهذه التوجهات على ضوء حالة التململ والغليان فى اوساط الملايين من سكان الجنوب حول مدى مصداقية دول الشمال فى المساهمة فى معالجة اوضاعهم , وهنا لابد ونحن نحتفل باليوم العالمى للغذاء وهو التاريخ الذى أسست فيه منظمة الاغذية والزراعة العالمية الفاو , ومنذ ذلك التاريخ وحتى الان واوضاع دول الجنوب الغذائية تشهد تدهورا بوتيرة كبيرة ويزداد عدد الجوعى فى اوساط معظم سكانها , بدلا من العكس , ان تشهد تنامى منتجاتها الغذائية وتنوعها , خاصة وكما هو معلوم ان اغلب اقتصادياتها يغلب عليها الطابع الزراعى . وحتى نكون اكثر عملية علينا تناول العناصر الجوهرية المباشرة وغير المباشرة , والمعلن والمسكوت عليه حتى نقرب الصورة ويراها الجميع بصورة اوضح ليدركوا الحجم الطبيعى للمعضلة , وليس كما تتناولها المنظمات الدولية فى تقاريرها ونشراتها , وحتى يتحرك الجميع وبشىء من المسؤولية الاخلاقية لمجابهة الامر حتى لايتفاقم الامر , خاصة بدوا افريقيا جنوب الصحراء .
سنحاول ايجاز العناصر فى المحاور التالية :
1 / الصراعات بمختلف انواعها بدول افريقيا جنوب الصحراء والتى تعمل على استنزاف جلّ موارد هذه البلدان المالية , وانعكاسات ذلك على حسن استغلال الموارد الطبيعية وادارتها وفق الاسس الاقتصادية السليمة , وانعكاسات ذلك على الاستقرار السياسى , فى ظلأ غياب مايعرف بالحكم الرشيد وركائزه , وهو مايقف وراءه جملة من العناصر يعلمها الجميع . وهو ماينعكس سلبا على احداث تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة ويقود الى مجمل نتائج يطول الخوض فى تفاصيلها وهو ماتعكسه اوضاع هذه الدول .
2 / تمسك القوى الامبريالية ومن خلال هيمنتها على العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية , او من خلال العلاقات المباشرة على توطيد فلسفة الاعانات , خاصة الغذائية لهذه الدول , حينما يتفاقم الامر , بدلا من التركيز على التأسيس لبرامج ومشاريع تنموية مستدامة تدفع بزيادة الانتاج والانتاجية وتطويرها ,ولذلك لضمان استمرارها فى الحاجة الدائمة لدعمها من المنظور الاستراتيجى , واستخدام سلاح المديونات العالية لهذه الدول فى سياسات الترغيب والترهيب المعروفة , أو العصا والجزرة , وما درج مؤخرا على تسميها بالمحفزات لهذا الطرف او ذاك فى قبالة الموافقة على تمرير سياساتهم المعلنة وغير المعلنة بالمنطقة برمتها .
3 / تمترس دول الشمال وعلى رأسها دول غرب اوربا والولايات المتحدة الامريكية فى وضع العراقيل امام انجاح اتفاقية الدوحة لتجارة المنتجات الزراعية , والذى لازالت تراوح مكانها منذ ثمانى سنوات , من خلال رفضها لتقليص دعمها لانتاجها الزراعى والبالغ لكل طرف منهما سنويا بحوالى 200 مليار دولار , كذلك عدم فتح اسواقها امام المنتجات الزراعية للدول الفقيرة , واللجوء للحديث عن معايير الجودة العالية وخلافها من اساليب المراوغة لعرقلة الاتفاقية . وفى نفس الوقت تتحدث على ضرورة احداث التنمية المستدامة .
4 / على المستوى الداخلى بهذه الدول , غياب الحكم الراشد من خلال استشراء السياسات المرتجلة والبعيدة عن ادراك لتحديات المسرح بكافة مستوياته , واستشراء الفساد بمختلف اشكاله على مستوى السياسات الزراعية والائتمانية والتجارية , وازمة انتهاك حقوق الانسان , وعدم تبنى روح تأمين حق الغذاء , وعدم الالتزام بما تعرف بالخطوط التوجيهية الطوعية لاعمال حق الغذاء والتى اعدتها اللجنة الحكومية الدولية , والتى تمثل أس سنام المعالجة للسير فى الطريق الصحيح لعملية الاصلاح المطلوب بهذه الدول , وأى حديث دون تبنى هذه الخطوط هو حرث فى الرمال .
5 / تحول المنطقة مجددا الى مسرح للصراعات قوى النفوز للقوى العظمى , بغية تأمين مصالحها الحيوية والاستراتيجية بالمنطقة , ومايصاحب ذلك من العديد من التبعات واهمها زعزعة الاستقرار بالمنطقة برمتها تحت ستار العديد من العناصر , وهو مايعكسه , انتشار القوات الدولية والاقليمية بأكثر من موقع مثل الصومال والسودان والكونغو ...الخ , كذلك ولوج الولايات المتحدة الامريكية مجددا المسرح ولكن هذه المرة ليس بعباءة المعونة الامريكية , او شركاتها وادوارها المتشعبة كما فى السابق ولكن بالصورة الاكثر مباشرة , من خلال تأسيس مركزا لها بأفريقيا لمواجهة ماتسميه الارهاب وهو العنوان الذى لم يجدد له تعريف دقيق حتى الان , ولانعلم على وجه الدقة موقع هذا المركز بالمنطقة جنوب الصحراء , بل ذهبت لاكثر من ذلك لتتحدث عن قاعدة عسكرية جهارا نهارا مستغلة الاوضاع المتردية بالمنطقة , وحالة عدم الاستقرار التى تكتنف المنطقة برمتها , كذلك ولوج المارد الصينى المتنامى للمنطقة حيث تجاوزت تجارتها العام المنصرم مع القارة ال200 مليار دولار , وهو حجم يعادل حجم تجارتها السنوى مع اوربا وكذلك امريكا , مما دفع اوربا العجوز (كما وصفها وزير الدفاع الامريكى السابق ) (بريطانيا وفرنسا ) لمحاولة عودتها مجددا لمستعمراتها السابقة . خاصة على ضوء الازمة المالية العالمية وتداعياتها ومانشاهده هذه الايام من قبل سكانها وحالة الغليان الرافضة لسياسة دولهم التقشفية الحازمة .
6 / التغير المناخى وتبعاته , حيث تعتبر المنطقة من ضمن اكثر المناطق تأثرا بها , حتى دول شمال افريقيا تأثرت بدرجة كبيرة هذا العام خاصة فى انتاج محصول القمح , السلعة الغذائية الاستراتيجية لبلدانهم , مما زاد من فواتير استيرادهم لها , ومصر التى تعتبر اكبر مستورد للقمح فى العالم , رغم انتاجها السنوى الذى بلغ فى بعض الاحايين الى سبعة مليون طن . فحسب التقارير العلمية , تعتبر الدول المجاورة لخط الاستواء اكثر الدول تأثرا بهذه الظاهرة , وما فياضانات باكستان بعيدة عن الاذهان .
7 / ضعف الموارد المالية بالدول جنوب الصحراء , مما يجعلها صيدا سهلا للمؤسسات المالية الدولية المختلفة , واشتراطاتها التعجيزية فى كثير من الاحايين , واخيرا الهجمة الشرسة من قبل مايعرفون بالمثتثمرين الاجانب , خاصة على ضوء الازمتين العالميتين المالية والغذائية , واهتزاز الثقة بالاستثمار فى العديد من المؤسسات الدولية مؤخرا , والسعى لاستغلال ظروف الدول جنوب الصحراء التى تملى بضعف مواقفها التفاوضية مع هؤلاء المستثمرين , وهو مادعى الدكتور / جاك ضيوف مدير عام الفاو لاطلاق تحزيراته من استغلال اواضاع هذه الدول , وتمرير اتفاقيات مخلة تضر بأصحاب المصلحة من صغار المنتجين بهذه الدول ,واستغلال الفساد المستشرى بهذه البلدان والهيمنة على مواردها وعلى رأسها الاراضى والمياه .
بناءا على ماتقدم كان لابد ان يكون نتاج كل ذلك ما اوردته الفاو فى تقريرها الاخير عن حالة الامن الغذائى العالمى بخصوص الدول جنوب الصحراء , وهى تتربع على عرش الجوع بالعالم , بل وبعد بلوغها الدرجات الاعلى حرجا , كان لابد من البحث لها على تعريف خاص يميزها عن بقية الجوعى , فتفتقت قريحة الفاو وبرنامج الغذاء العالمى عن تعريف جديد لهذه المجموعة اطلق عليها " دول الازمة الممتدة " وهى تلك التى ابلغت عن ازمات غذائية طيلة ثمانى سنوات او اكثر , وتلك التى تتلقى 10 % من المعونات الخارجية بصفة الاعاشة الانسانية , فضلا عن كونها بلدانا متضمنة فى قائمة بلدان العجز الغذائى ذات الدخل المنخفض . واهم خصائصها (أ) تفشى الجوع المزمن (ب) ظاهرة انعدام الامن الغذائى .
وحسب التعريف الجديد فالبلدان التى تعانى ازمات ممتدة هى :
أفغانستان – انجولا – بورندى – جمهورية افريقيا الوسطى – تشاد – الكونغو – ساحل العاج – كوريا الشمالية – الكونغو الديمقراطية – ارتيريا – اثيوبيا – غينيا – هاييتى – العراق – كينيا – ليبيريا – سيراليون – السودان – طاجيكيستان – اوغندا – زمبابوى .
ويقيم اكثر من 166 مليون شخص من ضحايا نقص الغذاء لدى البلدان التى تعيش ازمات ممتدة , أى مايعادل نحو 20% من مجموع من يعانون نقص الغذاء على الصعيد العالمى الشامل .
ونحن نحتفل بيوم الغذاء العالمى والصورة هكذا , كيف يتصور العلماء والباحثين والمفكرين والساسة خارطة الطريق للخروج من هذه الدائرة الاكثر جهنمية , وفى المقابل ماهى رؤية الذين يطلقون البالونات والصور الوردية لهذا الواقع المرير . ان الامر اعظم مما يتصور الكثيرون خاصة حينما يغوصون فى الاغوار , لتكشفت عن اوضاع اكثر قبحا وبشاعة .
والله من وراء القصد
عاطف عبد المجيد محمد
عضو المنظمة الدولية لشبكة المعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء – هايدلبرغ – المانيا
عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين – بروكسل – بلجيكا
الخرطوم بحرى – السودان
تلفون :00249912956441
بريد الكترونى :[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة