بيان من تجمع أبناء جبال النوبة بخصوص محكمة الجنايات الدولية
"حصحص الحقُ وزُهق الباطلُ إنٌ الباطلَ كان زهوقاًَ"
بحت أصوات المتضررين والمتأثرين والشرفاء والحادبين على مصلحة السودان وهي تنادي بحل عاجل وعادل لمشكلة دارفور والسودان عامة، وأن تقوم دولة السودان وحكومة البشير بواجبها كاملاً تجاه مواطنيها دون إستثناء وأن تعمل ميزان العدل بين شعوبها، وأن تسعى بجد لوقف ووضع حد للمآسي التي تعرض لها ولا يزال إنسان دارفور، من دمار هائل ، وحرق شامل للقرى وديار بأكملها، وقتل وتشريد وتهجير، تنكيل وإغتصاب، أوضاع مأساوية للنازحين واللاجئين بالمعسكرات داخل وخارج السودان. إن ما أرتكب في دارفور جرائم حرب وإبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، إنها مأساة إنسانية حقيقية شهد عليها العالم أجمع. ولكن لا حياة لمن تنادي !!!
نقر بأن جميع الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم في السودان كان لها الدور الأكبر فيما آلت إليه الأمور، مما تسبب في الإبقاء وإنتشار الجهل والمرض، والفقر والمجاعات، ونشوء صراعات على الموارد الشحيحة. فقد دأبت الأحزاب على المناورات والمراوغات وتأجيج الفتن، بدلاً من التركيز على التنمية وإيجاد الحلول لمشاكل السودان المختلفة. جاءت الإنقاذ وسارت على نفس النهج والمنوال بل قننته وأضفت شرعية للمليشيات والمراحيل وقطاع الطرق، وجلبت المرتزقة والمنبوذين والمطاردين من شتى بقاع العالم واطلقت لهم العنان، بعد أن مولتهم ودربتهم ووفرت لهم كل المعينات اللوجستية، فعاثوا في دارفور فساداَ. ليس هذا فحسب بل شاركت في إرتكاب الكثير من المآسي والمظالم، بضلوعها في مساندة بعض القبائل وإستخدام بعض ضعاف النفوس وبعض المنتفعين لتنفيذ مشروعها السياسي الشرير. وبذلك غابت الدولة وفشلت في فرض الأمن والنظام، بل أصبحت مشاركة في إزهاق آلاف من الأرواح البريئة. فبدلاً من تحمل مسئوليتها كاملة والرجوع إلى الحق، جنحت للمكابرة والنكران، والتنصل، والمراوغة والمماطلة والتعنت، كل ذلك لا يعفيها من مسئوليتها في معالجة الوضع الغير سوي وإحقاق الحق وبسط العدل ، فوجود ظلم وظالمين (في أي زمان ومكان، ومن أي كائن كان) لا يجيز ولا يبرر ولا يبيح إرتكاب الظلم أيضاً، والتذرع بسيادة الدولة ليس بعاصم من المحاسبة إن لم تقم الدولة بواجبها.
وعليه، نعلن ترحيبنا وتأييدنا التام للجهود الدولية المبذولة من أجل دارفور، ونؤيد كل القرارات الدولية الصادرة في حق دارفور وخاصة المتعلقة بالمحاكمات لكل من أجرم في حق دارفور وحق مواطني دارفور لينال العقاب العادل المستحق لما إقترفته أيديهم الآثمة في حق الأبرياء، ولتكون عبرة لكل الظالمين وإحقاقاً وإنصافاً للمظلومين. نعم لقرار محكمة الجنايات الدولية فالجرائم التي تمت في دارفور (وفي غيرها من بقاع السودان) يجب ألا تمر مرور الكرام، بل يجب أن تتم المساءلة عليها، فلا حصانة لظالم ولا سيادة لمتكبر وقاتل أهله ، فهو الذي أمر بالحرب وعليه تحمل تبعاتها، وهو الذي سكت عن الجرائم التي أرتكبت وغض الطرف عن المتسببين والمجرمين ولم يقدمهم إلى المحاكمة، بل رفض تسليم أحمد هارون وعلي كوشيب إلى محكمة الجنايات الدولية. نعم لطلب المدعي العام لمحكمة الجنايات، ونأمل أن تصدر قرارات عاجلة بالقبض على كل المجرمين وليس البشير وحده وتقديمهم للعدالة الدولية، طالما أن العدالة الوطنية غائبة ولا ووجود لها بل معدومة. هذا إنتصار للإنسانية، فمن إعترف بقتل 10 (عشرة) ألاف شخص، لا نقول (200 – 300) ألف حسب الوقائع، يجب أن يقدم للمحاكمة ولا يجب أن يفلت من العقاب.
أما بالنسبة للوضع المأساوي في دارفور، فيجب إيقاف كل ذلك بإجراء تسوية سياسية حقيقية، وإيجاد حل عاجل وجذري للمشكلة يفي بأبسط حقوق المواطنة ومطالبهم العادلة، ويوقف هذه المأساة ويرضي أهل دارفور وهو الضمان الحقيقي والوحيد لتحقيق العدالة وتثبيت السلام الدائم. ويتطلب الأمر تنفيذ مل يلي فوراً ودون إبطاء:
1- وقف فوري للعنف والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع جميع الفصائل في دارفور تحت وصاية دولية للوصول إلى حل مرضٍ للجميع.
2- حماية المدنيين وإعادة المهجرين إلى قراهم، وإخراج المرتزقة والمأجورين من حواكيرهم.
3- إعادة تعمير ما دمرته الحرب وتعويض المتضررين تعويضاً مجزياً يتناسب مع ما حاق بهم، ويضمن لهم العيش الكريم.
4- تقديم المتسببين وكل من أجرم في حق دارفور للمحاكمات.
5- حل مليشيات الجنجويد ونزع سلاح المنفلتين، وضبط القوات النظامية وتثبيت دولة القانون والنظام والعدل.
6- الإستجابة لأي مطالب مشروعة لديهم مما يمكنهم المشاركة في السلطة وتقاسم الثروة حسب نسبة الكثافة السكانية.
7- عقد مصالحات ولقاءات مكاشفة ومصارحة بين جميع مواطني الإقليم للعيش في أمن وسلام وإستقرار.
8- توفير الضمانات اللازمة لتأكيد وضمان تطبيق ما يتفق عليه وعدم الخروج منه وعدم تكرار المأساة.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا العنف الذي مورس على الشعب السوداني قاطبة في عهد الإنقاذ ، فلا يمكن أن ننسى ما حاق بأهلنا في الجنوب، والأنقسنا، وجبال النوبة خاصةً ، من جرائم جهاز الدولة ضدهم بشكل لم يسبق له مثيل. ما حدث بدارفور يمثل جزءاً يسيراً مما أرتكب من مجازر وتصفيات في حق شعب جبال النوبة وما تعرضوا له من حرب إبادة، ويمكن الإطلاع على الكتاب الذي أصدرته منظمة "أفريكان رايتس" بعنوان "نوبة السودان، ومواجهة الإبادة" للوقوف على الكثير من التفاصيل المؤلمة والمآسي التي حاقت بأهلنا في جبال النوبة على يد نظام الحكم في السودان. كما أن كثير من الشهود لا يزالون على قيد الحياة، ومن أهم وابرز تلك الأحداث:
· تصفية المتعلمين والمثقفين وقتل الزعماء والقيادات المحليين من أبناء النوبة على يد قيادات الجيش والأمن والمخابرات بمدينة كادوقلي، أمثال أحمد خميس وزمرته من زبانية النظام و"كلابه" المجرمين، وأمثال يونس الرحيمة – الذي كان يفاخر بأنه قتل وحده أكثر من 700 (سبعمائة) من معتقلي أبناء جبال النوبة، خارج اية تحقيقات أو محاكمات.
· إعلان الجهاد على النوبة، وما تبع ذلك من تداعيات وأثره المدمر على النوبة. حيث أعلن حاكم كردفان سيد عبدالكريم الحسيني في يناير 1992م الجهاد على جنوب كردفان، وفي مارس من نفس العام عقد مؤتمر بالأبيض حضره البشير ونائبه الزبير محمد صالح وتم إعلان البشير إماماً للجهاد، والحسيني أميرأ للجهاد، وكذلك أعلن القادة القبليين من مشايخ وعمد ونظار أمراءً للجهاد كلِ في موقعه. وتبع ذلك في إبريل 1992م صدرت فتوى بتوقيع موسى عبدالمجيد الجراني، ومشاور جمعة سهل، ومحمد صالح عبدالباقي، وقرشي محمد النور، الناير أحمد الحبيب، وإسماعيل السيد عبدالله. لم تكن الفتوى موجهة للمتمردين فقط، بل للمتعاملين معهم والمتعاطفين وأهلهم، بل والمشككين في مشروعية الجهاد، "فهم منافقون وخارجون عن دين الإسلام ومرتدون عنه"، حسب نص الفتوى ويجب قتلهم. تم تكوين كتيبة المجاهدين، وتم تعبئة شعبية عامة ضد النوبة وتم إباحة الإعتداء عليهم وقتلهم وسبيهم والإستيلاء على ممتلكاتهم.
· الهجوم على جميع ومختلف مناطق النوبة بحملات مبرمجة ومخططة، وهجمات القتل وعمليات التمشيط والإعتداء على مواطني جبال النوبة للقضاء عليهم دون تمييز أو فرز وتطبيق سياسة الأرض المحروقة. ويؤكد ذلك ما أعلنه الملازم خالد الحسيني، شقيق حاكم كردفان عبدالكريم الحسيني ومسئول الأمن في مكتبه، عند فراره ولجوئه إلى سويسرا عام 1995م، بأن "الأوامر المستديمة التي كانت تعطى للقوات هي أن يقتلوا كل كائن حي، يعني قتل أي شخص وأن يدمروا المنطقة ويطبقوا سياسة الأرض المحروقة وأن يدمروا ويحرقوا أي شيء بالمنطقة حتى لا يستطيع أي شيء الحياة هناك، هذه هي الأوامر التي كانت تعطى للقوات التي تقاتل في المنطقة". كما يشهد ويؤكد ذلك أن الحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً بالجنوب وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وحتى دارفور لا يوجد فيها جريح أو أسير واحد !!! في حين سلمت الحركة الشعبية بضع مئات من جنود الحكومة أسراء حرب !!!!!
· تهجير قسري وجماعي لمواطني جبال النوبة خارج مناطقهم في إنتهاك صارخ وصريح لحقوق الإنسان، وتطهير عرقي في أبشع صوره مورس على شعب جبال النوبة. وقد بدأت هذه العملية برئاسة عمر سليمان آدم ، الوالي الحالي لجنوب كردفان، والذي أعلن في فبراير 1992م عن إتمام إعداد عدد (22) قرية سلام لإيواء حوالي 000 70 (سبعين ألف) عائد من الجيش الشعبي. وتم التنفيذ الفعلي لعمليات الترحيل بواسطة عبدالوهاب عبدالرحمن، الذي عين والياً بالإنابة بعد ترتيب بعث الوالي محمد الطيب إلى الحج، تم تهجير حوالي 000 40 (أربعين ألف) من مواطني جبال النوبة إلى معسكرات بشمال كردفان، حيث كان يتم فصل الرجال عن النساء والأطفال ويساق الرجال إلى خلف الجبال (أكوام العظام لا تزال شاهدة على ما تم من جرائم). وبجانب تدمير النوبة وإخضاعهم سياسياً كان الهدف إعادة التركيبة السكانية بإحلال مواطنين آخرين مكان النوبة، خلق أيدي عاملة بالسخرة والعمالة القسرية، طمس الهوية النوبية والنسيج الإجتماعي للنوبة، وأسلمة وتعريب ابناء النوبة بالقوة.
· وبجانب كل ذلك، هناك الكثير من التجاوزات والجرائم ضد الإنسانية التي أقترفت في حق النوبة: من تسميم لمياه الشرب، إستخدام مواد كيماوية حارقة ومواد محرمة دولياَ، الإستعانة بالمرتزقة من إيران والعراق ودول أخرى في الحرب والجهاد على النوبة، إستخدام الغذاء ضد مواطني جبال النوبة وتجويعهم وحرمان المنطقة من أي مساعدات، ضرب المواطنين عشوائياً بالطائرات وإلقاء القنابل العنقودية على المدارس والقرى وقتل الأطفال والنساء، إبادات جماعية لمعتقلين عزل وتحت حماية الشرطة، إغتيالات وتصفيات لمواطنين داخل منازلهم في جنح الظلام، حرق المواطنين أحياء وحرق المزارع وتدمير الجنائن والبيئة. وأيضاً الإعتداء على النساء وإغتصابهن والزواج القسري و الصوري بهن من قبل الجنود.
أين الضمير العالمي والإنساني عن كل ما حدث للنوبة والذي لم يسبق له مثيل في تاريخ السودان، على المجتمع الدولي تحمل مسئوليته الأخلاقية والقانونية كاملاً وإتخاذ ما يلزم وفق ميثاق الأمم المتحدة لإحقاق الحق تجاه الظلم والظالمين. من هنا نطالب محكمة الجنايات الدولية إضافة كل الجرائم التي أرتكبت بحق النوبة إلى سجل الإتهام لإنصاف أهل جبال النوبة لما حاق ولحق بهم من ظلم وجور، من إرهاب وترهيب وتعذيب وقتل وسحل وحرق وتشريد وتطهير عرقي، زوراً وبهتاناً من قبل دولة الظلم والعنصرية والهوس الديني. فلن نسكت عن حقوق ودماء أهلنا وشهدائنا طال الزمن أو قصر ،،، ولن يعصمهم إستنجادهم بالعصبية الجهوية والدينية وإستدرار العواطف بزائف القول والكذب عن مؤامرة إستهداف السودان من قبل الإمبريالية الصهيونية العالمية، فلن تضيع أرواح ودماء أهلنا هدراً، ولن يثنينا ذلك عن المطالبة بالحق وتثبيت العدل والقانون.
عاش السودان حراً أبياً، ونعم للحرية والعدالة والديمقراطية ،،،،
تجمع أبناء جبال النوبة
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة