ليس بالأمن وحده يحيا الانسان!
من الملاحظ أن معظم الحكومات العربية تعتمد في بقائها في الحكم على الأمن بمفهومه الشرطي والاستخباراتي والعسكري فقط لا غير، وهذا مفهوم استراتيجي سياسي خاطيء وقد تترتب عليه أوخم العواقب، وحينما نحاول أن نرسم صورة كلية لمشهد الأمن العربي ، فإننا نصاب بعدة صدمات متتالية ، فهناك عدة تقارير تثبت أن ست دول عربية هي من أكثر دول العالم انفاقاً على استيراد السلاح الذي لا يستخدم أبداً ضد أعداء الأمة ، وهناك حكومات عربية تطالب بإعدام المتهمين دون محاكمة ، وحكومات تدافع عن ضرب نوابها ضرب غرائب الأبل ، وحكومات تؤيد جلد نسائها بوحشية ، وحكومات تطلق النيران عشوائياً على متظاهرين سياسيين ، وحكومات تغلق القنوات الحرة التي تحاول تسليط الأضواء على التعديات الخطيرة على الحقوق والحريات الانسانية العامة ، وما زالت الصحف العربية والأجنبية تقدم أخباراً مؤلمة عن قيام بعض الشبان العرب في المغرب العربي بحرق أنفسهم احتجاجاً على البطالة ، بينما تعرض القنوات العربية صوراً موجعة عن الضرب الوحشي بالهراوات وإطلاق النار على الشباب العربي الذي خرج إلى الشوارع في بعض الدول العربية مطالباً بالخبز والحرية ومحتجاً على البطالة وخنق الحريات!
من المؤكد أن واجب الحكومات العربية ينبغي ألا ينصب فقط على تحقيق الأمن بمفهومه الشرطي أو الاستخباراتي أو العسكري ، بل يجب التركيز على الأمن بمفهومه الشامل ، فالأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي والأمن البيئي والأمن الثقافي والأمن السياسي أولى بالرعاية والتحقيق لأن سد حاجات الشعوب من الخبز والحرية مقدم على البقاء في السلطة أياً كان نوعها ولأن الحكومات قد وجدت أصلاً لخدمة الشعوب وليس العكس.
من المؤكد أن دعوة الحكومة القطرية إلى إنشاء مركز إقليمي للأمن الانساني بغرض التركيز على البحث في قضايا الأمن بمفهومه الشامل هي دعوة حكيمة وقد جاءت في وقتها ، ويجب على سائر الحكومات العربية أن تصغي لهذه الدعوة وتتبناها قبل فوات الأوان ، فليس من المعقول أن تحكم الشعوب العربية في القرن الحادي والعشرين بسياسات أمنية بدائية بينما تعيش معظم شعوب العالم المعاصر حياة إنسانية حرة كريمة ، وليس من المقبول أن ينحصر حلم الشباب العربي في الهجرة إلى الغرب بحثاً عن العمل، كذلك على الحكومات العربية غير الراشدة أن تعلم أن المراهنة على نوم الشعوب العربية وعدم مطالبتها بحقوقها الأساسية في الحصول على الخبز والحرية بسبب خوفها من الأمن العسكري أو الشرطي أو الاستخباراتي هي مراهنة خاسرة ولعل انتفاضة الشعب التونسي الآخيرة ضد البطالة والفساد وخنق الحريات قد أثبتت للعالم كله بأنه إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن تستجيب الحكومة ، فليس بالأمن وحده يحيا الإنسان ، وليس بالأمن وحده يبقى الحكام!
فيصل الدابي المحامي
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة