تأملات سياسية في ثورتي تونس ومصر
يبدو أن معظم الشعوب العربية قد دخلت بقوة إلى عصر الثورات الشعبية الكبرى المطالبة بالاصلاحات الاقتصادية والسياسية الجذرية بعد أن بلغ الإحباط الشعبي ذروته من بعض الحكومات الاستبدادية التي لا تصغي إلا لصوت مصالحها الخاصة وتضرب بعرض الحائط مطالبات الشعوب بالعيش الكريم والحرية، فقبل أسابيع دشن الشعب التونسي الصغير عصر الثورات الشعبية العربية بانتفاضته المباركة حينما خرج إلى الشوارع مطالباً بالخبز والحرية، غير عابيء بمخاطر الحشود الأمنية ولا بقوات الجيش ، وغير مبال بفرض حالة الطواريء وحظر التجول، وغير مكترث لقطع الانترنت والهاتف الجوال ، وأجبر رأس النظام على الفرار إلى خارج البلاد ، ومنع القوى المتربصة بثورته من اختطافها ثم تمكن في نهاية المطاف من فرض شروطه السياسية عبر تشكيل حكومة جديدة تخلو من رموز الحكومة السابقة وما زال يناضل من أجل التخلص من آخر رمز من رموز النظام السابق!
وبالأمس ، وعقب صلاة الجمعة المباركة ، ورغم كل التحوطات الأمنية الكثيفة ، انتفض الشعب المصري العظيم في وجه النظام المصري في سائر المدن المصرية الكبرى مطالباً بالخبز والحرية ومستعيناً بدليل الثورة التونسية في المواجهات الأمنية والذي يتلخص في تسيير المظاهرات الليلية ومقاومة القنابل المسيلة للدموع بغسل الوجوه بالمشروبات الغازية وما زالت الجماهير المصرية تواصل انتفاضتها غير عابئة بقطع خدمة الانترنت والهاتف الجوال ولا بإجراءات حالة الطواريء وحظر التجول ، ويبدو أن نفس السيناريو التونسي سيتكرر بشكل أو بآخر في مصر وفي عدد من الدول العربية الأخرى!
من المؤكد أن كل الشرائع والقوانين الدولية تبيح للشعوب الانتفاض في وجه الفقر والاستبداد عبر أساليب المظاهرات والاحتجاجات الشعبية فالمطالبة بالحياة الكريمة والحرية هي مطالبة شعبية عادلة ويجب الاستجابة لها بالاصلاحات الجذرية العاجلة ، لا بتهديد الشعب أو الاستهانة بثورته ولا بهراوات الأمن أو أسلحة الجيش ولا بقطع خدمة الانترنت أو الهاتف الجوال بل أن هكذا أساليب قمعية قد تؤدي إلى تصعيد الغضب الشعبي وتفجير الأوضاع بصورة أكثر خطراً مما هي عليه!
ومن المؤكد أيضاً أن الوعي الشعبي مطلوب أثناء المطالبات الاصلاحية العادلة ، فهناك مخاطر كبيرة تبرز أثناء الاحتجاجات الشعبية الكبرى لعل ابرزها الانفلات الأمني وحوادث النهب ضد الممتلكات العامة والخاصة ، والخوف من نشوب مواجهة بين الجيش والشعب ، والخشية من اختطاف الثورة من قبل قوى أخرى قد تكون أكثر استبداداُ من النظام الذي ثار ضده الشعب، ولعل ما يبثّ بعض الاطمئنان في النفوس هو ما قام به شبان تونس حينما شكلوا لجان حماية شعبية في أحيائهم لمواجهة الانفلاتات الأمنية ، وما قام به شباب مصر حينما شكلوا بأجسامهم دروعاً بشرية لحماية المتحف القومي المصري العظيم من أعمال النهب التي قد يرتكبها بعض المجرمين وكأن لسان حالهم يقول: نحن سنحمي كنوزنا الوطنية بأنفسنا أما أنتم فإما أن تعتدلوا أو تعتزلوا!
فيصل على سليمان الدابي/المحامي
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة