زفرات حرى
الطيب مصطفى
المؤتمر الوطني والمسؤولية التاريخية
دعونا نناقش بهدوء المهام والواجبات التي يتعين على الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» الاضطلاع بها أو قل المسؤولية التاريخية الملقاة على كاهل المؤتمر الوطني أمام هذا الجيل والأجيال القادمة في ضوء التحديات الجسام التي تواجه الحكومة أو الحزب الحاكم خلال الفترة القادمة حتى تقرير المصير الذي تبقى له أقل من شهر ونصف.
لعلنا نتفق أن المؤتمر الوطني وجميع الأحزاب والتنظيمات الشمالية والجنوبية أقرت منح أبناء الجنوب الحق في تقرير مصيرهم ومصير أرض جنوب السودان التي اعترف الجميع أنها موطن لأبناء الجنوب الذين يحق لهم دون غيرهم أن يقرروا مصيرها باعتبارها موطنهم وليست موطناً لأبناء السودان الشمالي المحرومين من إبداء آرائهم حول مستقبلها.
هذا هو الأساس الذي انبنى عليه مبدأ تقرير المصير الذي قامت عليه نيفاشا التي جلس طرفاها وتفاوضا باعتبار أن أحدهما يعبِّر عن الجنوب وهو الحركة الشعبية وآخر يعبِّر عن الشمال وهو المؤتمر الوطني وكان كل منهما يتحدث باسم الجزء من الوطن الذي جلس مفاوضاً عنه محاولاً أن يُعلي من حصته على حساب حصة الآخر ثم تمخّض عن ذلك الاتفاق أنْ تولت الحركة الشعبية حكم الجنوب الذي كانت تمثله بينما تولى المؤتمر الوطني حكم الشمال الذي كان يمثله خلال التفاوض.
بالطبع فإن الجنوب عندما ينفصل يكون ذلك بإرادة أهله من أبناء الجنوب الذين قرروا أن ينفصلوا بأرضهم عن أبناء الشمال وأرض الشمال وقد سمّوا ذلك استقلالاً مما يشير إلى الأبعاد السياسية والنضالية التي خاضوا بها معركتهم ضد الشمال ذلك أنه ما من دولة استقلت إلا من مستعمِر جاثم على صدرها وذلك ما عناه الفريق أول سلفا كير عندما قال مخاطباً الوفد الكيني الذي زار الجنوب مؤخراً «إن التصويت ضد الانفصال سيكون تصويتاً للوحدة تحت الاضطهاد والتي تشبه أن يجلس إنسانٌ ما من فوقك ويقول لك إننا متساويان»!!
نرجع لموضوعنا الذي ما كان محتاجاً منا إلى درس عصر لنقول إن المؤتمر الوطني تنازل للحركة الشعبية عن الجنوب ومنحها حق أن تتفاوض باسمه باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد له بما يعني أن المؤتمر الوطني وجميع القوى السياسية الشمالية أقروا بأن أرض الجنوب ليست أرضهم وإنما أرض الحركة الشعبية وأبناء الجنوب الذين يحق لهم أن يقرروا مصيرها.
نخلص إلى تقرير حقيقة ما كانت تحتاج منا إلى كل هذا الاستطراد وهي أن المؤتمر الوطني الذي لا يشارك الآن في حكم الجنوب والذي ظلّ يعبّر عن الشمال ويرأس رئيسه الشمال ولا علاقة له بالجنوب المرؤوس من الحركة الشعبية... أقول نخلص إلى تقرير حقيقة أن المؤتمر الوطني يصبح بهذه الحيثيات مسؤولاً عن أرض الشمال دون غيرها بعد أن أقر بأن أرض الجنوب تمتّ إلى شعب آخر هو الذي يحكمها ويقرر مصيرها هل تُضم إلى أرض أخرى لا علاقة له بها أم تنفصل؟
ما هي أرض الجنوب التي اعترف المؤتمر الوطني والقوى السياسية الشمالية بأنها أرض أخرى تتبع لشعب آخر هو الذي يحق له أن يقرر مصيرها بدون أدنى تدخُّل من الشمال وأبناء الشمال.. شعب آخر حُدِّدت مواصفاتُه في قانون الاستفتاء باتفاق طرفي نيفاشا على أساس عرقي اثني «عنصري يا من يتهموننا بالعنصرية»!!
الآن وقد أثبتنا أن القوى الشمالية قد اتفقت على أن الجنوب ليس أرضها وإنما أرض أخرى تمتّ لشعب آخر هو الذي يقرر مصيرها دعونا نؤكد حقيقة أن جميع القوى السياسية الشمالية والجنوبية بما فيها الحركة الشعبية والأحزاب الجنوبية قد اتفقت على أن تكون حدود أرض الجنوب هي تلك الحدود التي كانت قائمة عند خروج المستعمِر في الأول من يناير عام 6591م... وقد أثبتنا كذلك أن القوى السياسية جميعها بما فيها المؤتمر الوطني الحاكم قد أقرّت بأن أرض الجنوب هي أرض أبناء الجنوب دون غيرهم يصبح الأمر واضحاً تماماً وتتحدّد المسؤولية التاريخية للقوى السياسية الشمالية بل لجميع النخب الشمالية بما فيها الأكاديميون والإعلاميون والمثقفون بل وجميع أبناء السودان الشمالي فكما أن أبناء الجنوب هم الذين يقررون مصيرهم ومصير موطنهم «جنوب السودان» يتعين على جميع الفعاليات والنخب الشمالية أن تقرر مصير موطنها الشمال.. وتُنهي حالة الضبابية التي تكتنف رؤيتها وتتخلى عن حالة الحياد المجنون الذي يجعلها تتجاهل وتتغافل حتى الآن عن موطنها الحقيقي خاصة بعد أن ركلهم الجنوب وأهله بالأقدام وقال فيهم رغم كل ما قدموه له ولشعبه ما لم يقل مالك في الخمر.
لا أريد أن أتحدث عن روح اللامبالاة التي تخيِّم على معظم صحافة الشمال التي لا تستفزها الروح الوطنية التي يعبِّر بها مثقفو الجنوب عن مستقبل بلادهم وتغافلنا عن دورنا تجاه وطننا «الشمال» وعن القنابل الموقوتة التي تهدد العلاقة بين دولتي الشمال والجنوب مثل المواطنة والحريات الأربع وترسيم الحدود وأبيي ذلك أن صحافتنا مشغولة بزواج المغنية شاكيرا وأخبار هيفاء وهبي وأليسا لكني أود أن أركز على دور المؤتمر الوطني الحاكم باعتباره المسؤول الأول كونه الحاكم الذي بيده مقاليد الأمر والنهي.
إن المؤتمر الوطني ليس مسؤولاً عن جنوب السودان الذي ما جلس في نيفاشا مفاوضاً عنه والذي نفض عنه يده وأدار ظهره له يوم أقر حق الحركة الشعبية في التفاوض نيابة عنه وسلمها مقاليد السلطة كاملة غير منقوصة إنما مسؤول عن الشمال الذي ظلت قواه وأحزابه السياسية تحكمه منذ الاستقلال ولم ينازعها أحد في أنها مؤهلة لحكمه باعتباره أرضها التي لا خلاف حولها.
لذلك فإن المؤتمر الوطني مطالب بأن يعيد النظر في أولوياته وأن يعلم أنه مسؤول عن عدم التفريط في أي شبرٍ من أرض الشمال الذي تسلمه من الحكومات السابقة كاملاً غير منقوص ويُنهي حالة التشتت وعدم وضوح الرؤية التي تجعله يخلط في تحديد الأهداف ويساوي بين مسؤوليته تجاه الشمال الذي هو موطنه والجنوب الذي يمتّ إلى شعب آخر.
ذلك يقتضي إعداد العدة لكل الاحتمالات فإذا كان قد رضي جراء تنازل غريب بأن يُقام الاستفتاء قبل ترسيم الحدود فإنه مطالب بأن يُعد للأمر عدته ويستعد لأسوأ الاحتمالات بما في ذلك احتمال اشتعال الحرب التي يمكن أن تنشأ جراء عدم ترسيم الحدود ومعالجة القضايا العالقة بما في ذلك مشكلة أبيي التي لا مجال للتنازل عنها كما لا يمكن التنازل عن جنوب كردفان والنيل الأزرق ولا عن أي شبر من أرض الشمال.
كذلك فإن المؤتمر الوطني الذي تسلم الشمال محكوماً بالشريعة لا يجوز له التنازل عنها فإذا كان السيد الصادق المهدي قد فشل في إلغائها رغم هجومه على قوانين سبتمبر فكيف يجوز للمؤتمر الوطني الذي قامت شرعيته عليها أن يفرط فيها؟!
كذلك فإن بقية القضايا العالقة ينبغي للمؤتمر الوطني ألا يتنازل عن حقوق الشمال فيها بما في ذلك الديون والبترول.
أما الجنسية والمواطنة فهذه من القضايا الكبرى التي لا يجوز للمؤتمر الوطني أن يفرط فيها ويُحدث فيها سابقة لم تحدث في التاريخ البشري.. وكذلك مطالبة الحركة والقوى الدولية المعادية للشمال بأن يُمنح الجنوبيون الحريات الأربع حتى ولو كان ذلك يشكل خطراً على مستقبل السودان الشمالي وهُويته الحضارية واستقراره السياسي.. كيف يجوز أن يُمنح عملاء لدولة أجنبية معاية حق الإقامة بكل ما يشكله ذلك من خطر داهم على مستقبل البلاد التي غادروا جنسيتها بمحض إرادتهم واختاروا موطناً آخر؟!
إن على الذين يطالبون بمنح أبناء الجنوب الحريات الأربع أن يعلموا أن دولاً أخرى مجاورة ومسالمة لا تحمل شعوبُها ضغائن أو أحقاداً على الشمال هي الأولى بهذه المعاملة بالرغم من اعتراضي على ذلك بالنسبة لبعض الدول حرصاً على هُوية هذه البلاد من أن تُطمر وتُطمس وتُقبر.
أختم بالقول مجدداً بأنه قد آن الأوان للمؤتمر الوطني أن يحدِّد من جديد مسؤوليته التاريخية بما يؤكد على عدم التفريط في أي شبر من أرض الشمال وبما يُنهي وهم أنه مسؤول عن أرض الجنوب الذي أقر وجميع القوى السياسية الشمالية أنه موطن آخر من نصيب شعب آخر هو الذي يملك الحق في أن يحدد مصيره ومستقبله
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة