زفرات حرى
الطيب مصطفى
قبل فوات الأوان «3 ــ 4»
إذا كنا قد تحدثنا خلال الأيام القليلة الماضية عن انتقاص سيادتنا الوطنية على أيدي جون كيري وإسكوت غرايشون وغيرهما من أعدائنا الأمريكان وأشباههم ممن ظلوا يكيدون لنا ولأمتنا في كل مكان ويُعمِلون أسلحتهم في أمتنا تقتيلاً وتدميراً في العراق وأفغانستان وفلسطين وفي كل أرض الإسلام ثم يكيدون لنا في السودان الشمالي ويُعلنون على رؤوس الأشهاد انحيازهم للحركة الشعبية وجنوب السودان على حساب الشمال الذي يتربصون به ويجهرون بمقاطعتهم له وبتمديد العقوبات في نفس اليوم أو الأيام التي يصولون فيها ويجولون في أرضنا ويتصرفون كما لو كانوا حكاماً لنا، وإذا كنا قد استنكرنا تطاولهم علينا وتدخلهم في شؤوننا في وقت يستنكفون فيه عن مقابلة رئيس الجمهورية داخل حرمه وبلاده بينما يستقبلون رعيته وموظفيه الفرِحين بمصافحة هؤلاء الأنجاس ممن يبغضون اللهَ ورسولهَ ويبغضهم اللهُ ورسولهُ فإن ذلك يعكس صورة شائهة ومقلوبة عنا وعن بلادنا للعالم أجمع المشغول بقضيتنا ليس حباً فينا وإنما شماتة بنا أو اندهاشاً أو إشفاقاً على حالنا أو تسلية وضحكاً علينا نحن الذين صرنا مضغة في أفواه الدنيا يتندر بها الناس في كل مكان، وقلنا إن بمقدورنا أن نستعدل هذه الصورة المقلوبة مستخدمين بعض الأوراق التي في أيدينا بدلاً من إهدارها وتسليمها لمن لا يرعون ولا يرقبون فينا إلاً ولا ذمة، ونواصل اليوم استعراض ما يمكن فعله في معركتنا مع الحركة الشعبية وقبل ذلك أمريكا التي تتصدى للتعبير عن الحركة والدفاع عنها وإعلاء شأنها وتمكينها من رقابنا وذلك من خلال التبصير بخلفيات المشكلة ثم ابتدار مقترحات للحل:
إن المخطَّط الأمريكي الذي يعمل على إعادة هيكلة السودان الشمالي وطمس هُويته وتمكين الجنوب من حكم الشمال من خلال مشروع السودان الجديد الذي هو أصلاً مشروع أمريكي تقوم الحركة الشعبية فيه بدور الوكيل.. إن هذا المخطط يسعى إلى هدفه هذه المرة من خلال تكتيك جديد بعد أن فشل في إقامة مشروع السودان الجديد جرّاء مصرع عرّابه قرنق وعجز الحركة عن اقتلاع المؤتمر الوطني في الانتخابات الماضية، ولعل ذلك يُفسر لنا حرص أمريكا على إقامة الاستفتاء قبل ترسيم الحدود وحل مشكلة أبيي ومشاركة المسيرية في استفتاء تقرير منطقتهم بهدف خلق بؤر توتر وصراع في تلك المنطقة وغيرها من المناطق الحدودية المتنازَع عليها لتكون قنابل موقوتة تُستغل في إدامة الحرب وإشعالها بعد الانفصال وإذا أضفنا بؤر التوتر الأخرى التي يمكن أن يُضغط بها على الشمال مثل مشكلة دارفور التي بدأ تسخينها من جديد من خلال بعض دول الجوار الدائرة في الفلك الأمريكي أو التي يمكن استقطابها لخدمة الأجندة الأمريكية في السودان فإن ذلك مما يشير إلى أبعاد المخطَّط الذي تلعب فيه الحركة الشعبية دور مخلب القط خاصة مع تواتر الأنباء عن وجود للحركات الدارفورية في جنوب السودان بل وثبوت ذلك بالدليل القاطع.
إن مصر ينبغي أن تعلم أبعاد المخطط الأمريكي الإسرائيلي على السودان واضعةً في الاعتبار العلاقة التي بدأت تتكشَّف عن علاقة إسرائيل بذلك المخطط واحتضانها لبعض الحركات الدارفورية المسلحة مثل حركة عبدالواحد محمد نور ووجودها المتزايد في جنوب السودان ولن أزيد، فعلى مراكز الدراسات المصرية أن تغوص في أبعاد المخطَّط الأمريكي الإسرائيلي على أمنها القومي وعليها أن تعلم أن انشغالها بحدودها الجغرافية وانصرافها منذ كامب ديفيد عن محيطها العربي يهدد أمنها القومي ويُلهيها عن نيران مشتعلة تطل على جُدُرها بألسنة اللهب وتحيط بها من كل مكان وتُمسك بأطراف ثيابها الممتدة تحت الأسوار وهي لا تدري أو ربما تدري ولكنها لا تقوى أو لا ترغب في إطفاء الحريق الذي يستهدفها ويُلحق الأذى بها باعتبارها العدو الإستراتيجي الأول لإسرائيل فإذا كانت إسرائيل من خلال العدوان الأمريكي على العراق قد أمنت الجبهة الشرقية فمصر هي مصر أكبر عمق عربي وإسلامي وأخطر مهدِّد لأمن إسرائيل حاضراً ومستقبلاً.
إن على الحكومة أن تعلم أن أول أسلحة مقاومة المخطَّط الأمريكي يتمثل في الجبهة الداخلية فإذا كنا قد تحدثنا عن الاختراق الداخلي الكبير الذي حدث من خلال شقّ الصف الإسلامي الذي انبنت عليه الإنقاذ وإعلان أحد الفريقين الذي كان حرباً على الأعداء انحيازه إلى صف الأعداء بل وإلى قيادة التمرد على سلطان الدولة التي كان يحرسها بالرجال والسلاح والجهاد فإن ذلك مما يؤكد على أهمية إعادة اللحمة وتوحيد الجبهة الداخلية، ووالله إنني لمندهش بحق أن تُفلح الحركة الشعبية في إحداث توافق جنوبي جنوبي وتفشل الحكومة والمؤتمر الوطني رغم الدين الذي يدعوها والمصلحة الوطنية والشخصية التي ينبغي أن تدفعها دفعاً باتجاه توحيد الصف الداخلي..
إنها العزة بالإثم وإنه عدم الاستجابة لنداء الواجب الذي يجعلها تستهين بإهدار كرامتها على يد أعدائها وتصافحهم وهم يمضون في إذلالها وتتودَّد إليهم وهم يُضمرون لها الشر وتبسط إليهم أساريرها وهم يحفرون لها قبرها بينما تترفَّع عن التودُّد إلى من هم أولى ذمة ورحمة وأحق بأن توطّأ لهم الأكناف ويُذل لهم «أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين».. أكرر ما هو السبب الذي يدعو المؤتمر الوطني إلى بذل المودة لكافر محارِب يعلم بل يوقن أنه يستهدفه ودينَه بينما يترفَّع عن إخوانه في القبلة والجهة؟! ما الذي يجعل الحكومة تبذل لمن يرفع السلاح وتنظر شذراً إلى من يرفض رفع السلاح؟! لماذا قوة الرأس والعزة بالإثم والبلاد تؤتى من أطرافها ويُهينها أعداؤها والحريق يشتعل من حولها والشجر السوء يسير نحوها والشياطين تسعى لاستئصالها؟!..
إنني أكرر مجدداً أن أول ما ينبغي أن تعمد الحكومة إلى الإقدام عليه بمبادرات استثنائية هو أن تجمع أهل القبلة فهم الأولى بتقديم التنازلات والاسترضاء وكفاها تجربة الشراكة مع من يحملون مشروعاً مضاداً لهُويتها ممن يعملون مع الأعداء الكافرين لاستئصال هُويتها.. فهلاَّ عملت على استعادة البوصلة التي فقدت وعلى تصحيح المسار بعد أن تنكَّبت الطريق ردحاً من الزمان!!
زفرات حرى
الطيب مصطفى
قبل فوات الأوان «4 ــ 4»
كنتُ قد أكدتُ على أهمية توحيد ملفات التفاوض نظراً لتداخل قضية دارفور مع قضية جنوب السودان والقضايا العالقة منها استفتاء تقرير المصير بدلاً من وضع إستراتيجية خاصة بدارفور لوحدها بعيداً عن القضية الأخرى ذلك أن الراعي الأمريكي واحد والقضيتان ترضعان من ثدي واحد خاصة بعد أن ثبت ضلوع الحركة الشعبية في احتضان الحركات الدارفورية بُغية توظيفها في تحقيق أجندتها الشريرة وأجندة أمريكا في السودان.
كذلك كتبت عن أهمية توحيد الجبهة الداخلية وجمع أهل القبلة كما فعلت الحركة وهي تنجح في عقد الحوار الجنوبي الجنوبي وتلم شعث النسيج الجنوبي الممزق باستثناء بعض الحركات المسلحة المتمردة على سلطان الحركة الشعبية، خاصة وأن ديننا ينهانا عن التنازع الذي يؤدي إلى الفشل وذهاب الريح.
اليوم أكتب عن بعض الكروت التي تستطيع الحكومة أن تستخدمها وأشعر بشيء من التفاؤل أن الحكومة صارت تُكثر من قول «لا» لأمريكا التي لا تجدي معها إلا هذه اللغة ذلك أن أمريكا كما قال عنها وزير خارجيتها الأسبق هنري كيسنجر لا تدفع ثمن ما يُهدَى إليها. ويقيني أن ذلك السلوك الأخير من الحكومة وتلك المواقف الصلبة تعتبر أكبر وأقوى كروت الضغط ذلك أن أمريكا تدرك أن الحكومة تستطيع ـ إن أرادت ـ أن تخلط كل أوراقها «وتلخبط» عليها إستراتيجيتها وتحرمها من تحقيق بعض المكاسب التي تريد أن ترفع بها من شعبيتها التي انحطّت إلى الحضيض.
إن أمريكا تعاني من الضائقة الاقتصادية التي تُمسك بتلابيبها كما إنها تعلم أن للحكومة أسناناً حادة تستطيع أن تعضّ وعصا غليظة بمقدورها أن تضرب بها وتؤذي وأن عصا أمريكا هذه الأيام لا تختلف كثيراً عن حبال سحرة فرعون، والسؤال هو: كيف تستخدم الحكومة هذه المرة القوة وتُنهي دور الحمائم المذعورة التي تحسب كل صيحة عليها وكيف تفيد من تجربة سوريا وإيران وكوريا الشمالية في التعامل مع أمريكا؟!
ها هو البشير يخاطب أعيان المسيرية ويقول في تحدٍ يثلج الصدر ويقطع عهداً أمام أعيان القبيلة بأنه لا استفتاء على أبيي يمكن أن يُقصي المسيرية ويحرمهم من التصويت على أرضهم وأنه لا مساومة ولا تنازل عن هذا الأمر.
وها هو الأمين السياسي للمؤتمر الوطني بروف إبراهيم غندور يقول في حسم: «ما من جائزة في الأرض تقنعنا بحرمان المسيرية من التصويت» وهذا قول مباشر لم يقصد به الرجل إلا أمريكا التي تصر على أن تستفز كرامة الشعب السوداني «الشمالي طبعاً» بتقديم العلف «الجزرة» لحمير السودان في مقابل تشريد أهلهم وبيع أراضيهم للنازحين من دينكا نوك!!
وها هو د. نافع علي نافع يقطع باستحالة الجنسية المزدوجة ومعلوم أنه صرح في وقت سابق أن الجنوبيين في الشمال حال الانفصال سيُمنحون وقتاً محدوداً لترتيب أوضاعهم قبل مغادرتهم إلى موطنهم الجديد، وبالرغم من أن الوقت المحدَّد لبقائهم في الشمال لم يحدَّد إلا أني أظن أنه يقصد أن يكون بقاؤهم إلى نهاية الفترة الانتقالية المحددة بستة أشهر بعد قرار الانفصال خلال الاستفتاء في التاسع من يناير 1102م.
لن يجدي الإخوة الجنوبيين محاولة تعويق مغادرتهم أرض الشمال ببعض التصريحات «الغريبة» من قيادات المؤتمر الوطني التي لا تحرص على بقائهم في الشمال هذه الأيام إلا لسبب واحد هو أن يصوتوا للوحدة ذلك أن هؤلاء يرون أن سفرهم إلى الجنوب سيضعهم تحت تأثير الحركة الشعبية التي يقولون إنها ستُرغمهم على التصويت للانفصال!! على كل حال بعيداً عن «فقع المرارة» الذي يمارسه هؤلاء علينا من خلال دعوتهم لوحدة الدماء والدموع فإن الخير كل الخير لأبناء الجنوب أن يغادروا إلى موطن الدرجة الأولى بدلاً من بلاد يقولون إنها تعاملهم الآن ـ قبل الانفصال ـ كمواطنين من الدرجة الثانية والثالثة فكيف سيكون حالهم حين يصبحون أجانب؟!
إن تحدي أتيم قرنق بالبقاء في الشمال رغم أنف د. نافع وكمال عبيد لن يجدي فتيلاً ولن يُسمح لعرمان بتمرير مخططه باستبقاء الجنوبيين حتى يظلوا شوكة حوت لتحقيق أجندة الحركة الشعبية وإعاقة مسيرة السودان الشمالي بعد الانفصال.
أرجع للتصريحات المبشِّرة بانتهاء عهد الانبطاح وأذكِّر بمطالبة الفريق محمد عطا مدير جهاز الأمن.. مطالبته الحركة الشعبية بإلقاء القبض على متمردي دارفور الموجودين بالجنوب وتحديداً في جوبا وياي وشمال بحر الغزال حيث تساءل محمد عطا: «ماذا يفعل المتمرد أحمد بخيت في ياي وماذا يُريد متحرِّك العدل والمساواة المتجه إلى شمال بحر الغزال وماذا يريدون أن يسلموا هناك ويستلموا»؟! وبالطبع فإن العبارة الأخيرة الواردة في السؤال تحمل في جوفها الكثير مما لا يريد الرجل فضحه رغم أن الإشارة واضحة ولن تغيب معانيها الموحية عن الذين يخاطبهم ويحذرهم ويبلغهم أنهم مرصودون ولن يستطيعوا هم ومن يقفون خلفهم إخفاء تحركاتهم ومؤامراتهم.
هذا يقودنا إلى كرت مهم على الحكومة أن تستخدمه بشكل جيد ذلك أن الحركة التي تحاول أن تلعب «بذيلها» وتوظف الحركات الدارفورية المتمردة للنيل من الشمال بعد الانفصال تعلم أو ينبغي أن تعلم أن بيتها من زجاج وأن عليها أن تثوب إلى رشدها وتعود إلى وعي لم يكن في يوم من الأيام جزءاً من ممارستها أو تاريخها الحافل بالسوء.
من هنا نستطيع أن نفهم أبعاد ما حمله تحذير ومطالبة محمد عطا للحركة الشعبية التي أراد محمد عطا ـ في رأيي ـ أن يبلغها بأن «ترعى بي قيدها»، وتعلم حقيقة الثورات المشتعلة الآن في جنوب السودان ومنذ الانتخابات مثل ثورة الفريق أطور والفريق قلواك قاي وكذلك الخلافات التي تعصف بالجيش الشعبي والصراع القبلي المحتدم داخله وجيش الرب هذا فضلاً عن الهواء الساخن الذي أخرجته الصحفية رفيدة يس من صدر سلفا كير الذي كان في كامل قواه العقلية عندما صدع بالحرب المشتعلة بينه وبين مشار ولا ننسى لام أكول.. كل ذلك يحكي عن الزجاج الكثيف الذي يقوم عليه بنيان حكومة الجنوب.
لقد أسِلنا مداداً كثيراً عن أهمية ترسيم الحدود قبل إجراء الاستفتاء تجنباً للحرب لكن أمريكا وابنتها الحركة الشعبية تعمدت تجاهل ذلك الأمر ولن نكتب بعد اليوم عن هذه القضية لأننا نوقن أن من ينبغي أن يحرص على ترسيم الحدود قبل الاستفتاء أكثر منا ومن الشمال هو الحركة الشعبية التي يقوم بنيانها على شفا جرف هارٍ.. فهل تحسن الحكومة التعامل مع الكروت الكثيرة المتاحة لها في جنوب السودان من خلال استغلال التمردات التي تُمسك بخناق جنوب السودان أم تستخدم أسلوب الدروشة والمسكنة التي جعلتها تمنح الحركة نصراً بلا حرب في نيفاشا؟!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة