دوربان مواجهة حامية الوطيس في جنيف
طه يوسف حسن . جنيف
تستعد مدينة جنيف لاحتضان أكثر المؤتمرات الدولية إثارة للجدل مؤتمر دوربان ضد العنصرية في الفترة ما بين 20 إلى 24 من أبريل الجاري حيث ألقت التجاوزات التي ظهرت أثناء المؤتمر الدولي الذي عقدته الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب وصور عدم التسامح في دوربان عام 2001 بظلالها على التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر دوربان ، بل كادت أن تهدد بنسفه، فقد انسحبت كندا من المؤتمر التحضيري ، اعتراضاً على الفقرة التي تشير إلى محاربة الإرهاب ومحاربة احتلال الأراضي والشعوب الأجنبية". فيما تهدد إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا باتخاذ نفس الموقف لكن مجهودات دولية بذلت للوصول إلى صيغية توفيقية مرضية (لا يموت فيها الذئب ولا تفنى الغنم) تتيح قدرا لا بأس به من التفاؤل في المقابل بررت بعض الدول الغربية تهديديها بالانسحاب من المؤتمر ، إذا ما استمرّت البلدان الإسلامية في الإصرار على فرضِ مفهوم ثلبِ الأديان (احتقار الأديان) أو تخصيص جزء مهمّ من الوثيقة النهائية للشرق الأوسط، برؤية "غير متوازنة تقتصر على توجيه الإدانة إلى إسرائيل"، حسب رأي الأطراف الأوروبية.
هذا السبب دفع إسرائيل وكندا إلى الإعلان قبل فترة عن مقاطعتهما لقمة جنيف، في حين لم تُـعلن الولايات المتحدة وأستراليا بعدُ عن موقِـف نهائي، إضافة إلى الهاجس الإسرائيلي و تخوف حلفائها الغربيين من تكرار الخلافات والتجاوزات التي برزت على هامش مؤتمر دوربان الأول في جنوب إفريقيا 2001 (مثل المظاهرات المعادية لإسرائيل والتي رددت شعارات معادية للسامية، وبعض التصريحات الملتهبة لبعض المنظمات غير الحكومية)، أدى ببعض المنظمات الموالية لإسرائيل وحلفا ئها من الدول إلى الإعراب عن تشككها في الفائدة من عقد مؤتمر تتمثل مهمته في تقييم ومراجعة مدى تطبيق ما جاء في الإعلان وخطة العمل المعتمدة من طرف دول العالم في دوربان.
ولكن جهود دولية حثيثة بذلت لتليين المواقف وتقارب الآراء قبيل انعقاد القمة و توصلت نوعاً ما في تليين المواقف الغربية خاصة الموقف الأمريكي و الإسرائيلي المتعنت و التوصل إلى اتفاق حول جدول الأعمال و الأجندة التي ستتم مناقشتها و التوصّـل إلى اتفاق حول مشروع الإعلان الختامي، الذي سيُـعتمد خلال مؤتمر دوربان بجنيف .
تباين في الآراء
مع أن الوثيقة الخاصة بمشروع الإعلان الختامي تقلّـصت من 130 إلى 38 صفحة، في اللقاءات التحضيرية السابقة، إلا أنها لا زالت تشتمل على العديد من نقاط الخلاف، من بينها، مفهوم جديد احتقار الأديان ومسألة الشرق الأوسط فبالنسبة للعديد من البلدان الإسلامية، فإن ظاهرة الإسلاموفوبيا تم الوصل فيها لاتفاق مقابل المعاداة للسامية، لكن دبلوماسيا طلبت الدول الغربية حذف فقرة ثلبِ الأديان(احتقار الأديان) من الوثيقة، و اعتبرته هذا خطٌّ أحمرُ لا يجب تجاوزه، لأن هذا المفهوم لا يتسق مع مواثيق حقوق الإنسان".
وكانت الدول الغربية قد تمكّـنت في شهر سبتمبر الماضي، أثناء جلسة لمجلس حقوق الإنسان، من كسب التأييد لرفض صياغة (أو بلورة) مفهوم جديد يتعلّـق بثلبِ الأديان، وذلك باسم حرية التعبير، لكن المعركة لم تُـحسم بعدُ، حيث طالبت بعض الأصوات الإسلامية في مجلس حقوق الإنسان بالتصدّي للأشكال الجديدة من التمييز، ومن ضمنها الإسلاموفوبيا، التي تُـعتبر من المظاهر الخطيرة بشكل خاص"، على غِـرار تنامي العداء للسامية أو المعاداة للمسيحية.
وفيما يتعلّـق بالشرق الأوسط، يُـبدي الاتحاد الأوروبي قدرا كبيرا من التحفّـظ بخصوص "التركيز على منطقة من العالم" مشيرا إلى أن النزاع (القائم في هذه المنطقة)، ذو طبيعة سياسية أكثر مما هو ذو طابع عنصري.
الحرية الجنسية
ومن بين نقاط الخلاف الأخرى الأكثر جدلاً، هي مسألة الحرية الجنسية وهل يجب أن تُـدرج في النصّ النهائي أم لا؟ ففيما تؤيِّـد البلدان الغربية والأمريكية اللاتينية ذلك، ترفُـض الدول الإسلامية، مبدأ الحرية الجنسية ، ففي العالم الغربي أن يكون المرء شاذّا جنسيا يُـعتبر حقّـا مكفولاً ، و في العالم الإسلامي تعتبر جريمة".
ومن النقاط التي اقترحتها الدول الغربية في النص الأولي وحاربتها الدول الإسلامية والعربية إلى جانب الفاتيكان، مسألة التمييز القائم على أساس التوجه الجنسي، على اعتبار أن "الظاهرة الأكثر إثارة للقلق، هي التزكية الثقافية والإيديولوجية للمعاداة للإسلام، التي عندما تجد تعبيرا ضد المهاجرين تتّـخذ طابعا دينيا - عِـرقيا، وعندما تجد تعبيرا للمساس بالأديان، تتستر وراء حرية التعبير، وعندما تجد تعبيرا لاستهداف (فئة معينة)، تختبئ وراء محاربة الإرهاب. إن الاعتقاد في وجود علاقة بين الإرهاب والعُـنف مع الدِّين الإسلامي أو أي دين آخر
قضية ضحايا الرق كانت من القضايا الجدلية في الاجتماع التحضيري لمؤتمر دوربان والمعنيون بالأمر هنا مباشرة، هم الأفارقة أو المنحدرون من أصول إفريقية، قد حصلوا في النص الأولي على فقرة تشير حرفيا إلى الدول التي لم تدن لحد الآن أو لم تعتذر أو لم تقدم تعويضات عن الانتهاكات الجسيمة وعن المعاناة الإنسانية الكبرى التي تسببت فيها عملية الاسترقاق والمتاجرة بالرق والمتاجرة بالعبيد، العابرة للمحيطات، وسياسة التمييز العنصري والاستعمار وحروب الإبادة، أن تقوم بذلك في أقرب وقت"، فإنهم سيكتفون في الاقتراح الأخير بنص مقتضب يشير إلى "الترحيب بالإجراءات المتخذة، لتزكية أرواح ضحايا الرق والمتاجرة بالعبيد، وبالأخص المتاجرة بالعبيد العابرة للمحيطات، وسياسة التمييز العنصري والاستعمار وحروب الإبادة".
وفي مقابل فرض تقديم تعويضات إلى هؤلاء الضحايا، سيتم الاكتفاء بـ "أخذ عِـلم بالإجراءات التي اتخذتها الدول التي أبدت ندما بالنسبة لهذه المآسي الماضية، وعرضت تقديم اعتذار أو استعادة الإرث الثقافي (للضحايا) منذ اعتماد إعلان دوربان الأول 2001 وبرنامج العمل، ومطالبة الدول التي لم تقم لحد الآن بإعادة كرامة الضحايا، بأن تجد السبل الملائمة للقيام بذلك".
إجمالا يمكن القول أن الجدل الذي أثير في الأشهر الماضية حول قضايا قد تبدو جانبية، صرفت الأنظار عما هو أساسي، أي ردّ الاعتبار إلى عشرات الملايين من البشر الذين كانوا ضحايا الرق والعبودية والاستعمار والتمييز العنصري، في أهم محفل يخصص لهم من طرف الأمم المتحدة.
ويذهب مراقبون إلى أن هدا الجدل وفر للدول المسئولة بشكل مباشر عن تلك المآسي فرصة للتهرب من تمكين الضحايا من انتزاع الاعتراف بمعاناتهم، وبالأخص انتزاع حق الحصول على التعويضات