المشيخات التسع لدينكا نقوك .. وبحر الشمال
بفلم : الصادق الرزيقي
استغربت (إرنسلين بولهوف) الموظفة بقر محكمة العدل الدولية ويقابل مكتبها المدخل الرئيسي لمبني المحكمة ويطل علي ممراتها ، لمرأي تشاهده لاول مرة ، المسسيرية بعمائمهم الكبيرة وجلابيبهم الواسعة وعصيهم ، و(قدلة ) كل من الناظر والامير عبدالقادر منعم
منصور والحريكة عثمان عمر وبشتنة محمد سالم وعبدالمنعم الشوين وحمد الدودو ومسلم مصطفى ختم والخير الفهيم والعمدة سعيد دقيس احد عمد الرزيقات وعبدالرحمن حسن ودينق بلايل والفريق مهدي بابو نمر واللواء (م) فضل الله برمة ناصر وعبدالرسول النور واحمد الصالح صلوحة ، وهم يطأون فسيفساء الأرضيات الملونة في قاعات المحكمة ودهاليزها
وممراتها الطويلة ويتخذون لاول مرة في تاريخ المبني الذي شيد في 1907م من حدائقة وصالاته مكانا للصلاة ، بجانب ذلك كانت ترى في دهشة أزياء لبعض أعضاء وفد الحركة زعامات بعض بطون دينكا نقوك والشعر الذي مشط بطريقة افريقية صميمة لبنات الدينكا من اعضاء الوفد الذي يمثل الحركة.
لكن الامر الاكثر تجليا في غرابته ، هو المشيخات التسع لدينكا نقوك التي طلب من لجنة خبراء ابيي التي أعدت التقرير الذي قاد للمحكمة ، قد دخلت هذه المشيخات التاريخ وصارت اشبه داخل المحكمة لدى الحجاب وموظفي المحكمة اشبه بالاسطورة المنزوعة من غيهب التاريخ لتحيا من جديد علي شاطئ بحر الشمال الذي تهدر أمواجه علي مرمى حجر من المحكمة.
لقد أفرزت المحكمة بعداً اخر غير تنازع الطرفين علي مدى تخطي الخبراء لتفويضهم والخطأ الفادح الذي ارتكبوه بترسيم حدود لم يكلفوا بها وخارج تفويضهم ، هذا البعد يتبدى في الامتاع الذي دلقته مجريات مداولات المحكمة ومرافعاتها ، من منازلات قانونية رفيعة ومدارسات في تفسيرات القانون وتجارب التحكيم في العالم والحجج العلمية والتاريخية التي تثار وقدرات المحامين وتباريهم في الخطط التاكتيكية للتأثير علي سير المحاكمة ولطائف تعليقاتهم وقسوتها في كثير من الاحيان.
ولما كانت المحكمة تنظر في قضية عادلة لحق الشمال في ارض ابيي وحقوق المسيرية في ديارهم التي حاولت لجنة الخبراء نزعها والتلاعب بحقهم التاريخي فيها ، فان المكمة بالنسبة لنا قد فتحت بوابة التاريخ واسعة لنطل من خلالها علي تفاصيل دقيقة تلوح كباقي الوشم علي ظاهر اليد.
حاولت اجترار مافي الذاكرة عن المشيخات التسع لدينكا نقوك الذين قدموا للمنطقة في القرن التاسع عشر بعد حروبات ضروس بينهم وقبائل النوير وقيبهل في اعلى النيل وأجلوا من هناك وجاءوا ليقيموا في مناطق جنوب بحر العرب مع المسيرية ، وكثرت الغارات بينهم ودينكا توج ، ونظرت حكومة الحكم الثنائي عندئذ لاسباب ادارية وضرائبية إلحاق مشيخاتهم التسع لتتبع مديرية كردفان بدلا من بحر الغزال وتم ذلك عام 1905م وحددت جولات المفتشين الانجليز لمديرية كردفان والبعثات الادارية مناطق هذه المشيخات وحددت حدودها ولمن تتبع .
والمشيخات التسع التي اتبعت ادراياً لكردفان وتمثل بطون دينكا نقوك :-
1-
مشيخة ابيور التي توجد بها نظارة وزعامة دبنكا نقوك وأبرز رموزها كوال أروب والد دينق مجوك الناظر التاريخي خلال القرن العشرين لنقوك ومن ابنائها فرانسيس وإخوانه ود.لوكا بيونق القيادي بالحركة الشعبية ووزير الخارجية دينق ألور.
2-
مشيخة مانجوار ومن ابرز وجوهها الزعيم التاريخي ألور أجينق الذي كان قد قدم من بحر الغزال ليبايع الامام المهدي عام 1882م ماكوي بيانق وأبيور بكيت.
3-
مشيخة بونقو ومن رموزها فجواك دينق وهو عمدة هذه البطن .
4-
مشيخة أنيل ومن رجالها زكريا أتيم عضو الادارة الموقتة لأبيي الحالية واحد أبرز شهود الحكومة في التحكيم الذي يجري في لاهاي.
5-
مشيخة اشوين من وجهائها حسين دينق أجور.
6-
مشيخة أليي (تور جوك) ومن رموزها ماتيت أيور.
7-
مشيخة أنانق قديل ومنهم كوال كون.
8-
مشيخة مارينق منهم كوال الوال.
9-
مشيخة أشاك ومنهم مرال فور.
هذه المشيخات التي تضم كل دينكا نقوك لم يستطع محامي الحركة الشعبية في مرافعته امس الاول في المحكمة وخلال ساعات طويلة والمحامي التابع للحركة هو الامريكي من اصل يهودي (كيري بوم) أن يحدد للمحكمة مااذا كان الخبراء في مفوضية ابيي قد حددوا وعرفوا مناطقها وفقاً للتفويض ام لا.!
وظل المحامي طوال الجلسات الطويلة يتلاعب بالالفاظ ولم يقدم دفوعات قانونية غير انه اضاع وقت المحكمة في تبريرات وتعرفات وكان يعيد كلامه بطريقة دائرية واسلوب لولبي دون الدخول لصلب الموضوع وهو : هل تجاوز الخبراء التفويض أم لم يتجاوزه.
يتردد علي مدي الايام الثلاثة من بدء جلسات التحكيم ، حتي امس الطيف الماضوي لمشيخات دينكا نقوك ، ويتأمل الجميع من القضاء والوفدين كلما ورد الاسم الذي يذكر مرتين كل دقيقة السقف المقوس المزخرف لقاعة المحكمة لتقريب صورة ومشهد رجال هذه المشيخات وطريقة نقلها وهجرتها . الملاحظة ايضا ان السيد رياك مشار كان اكثر اعضاء وفد الحركة اندماجا مع قيادات المسيرية ووفد الحكومة لسبب بسيط وهو ان القضية ربما بدت بالنسبة له رغم قيادته لوفد الحركة ، هي تخص دينكا نقوك ولايوجد فيها البعد الاخر بانها منطقة تهم الجنوب والجنوبيين . وخلو الرجل من العقد التاريخية مثل دينق الور وإدوارد لينو ، جعله أكثر توازنا في النقاشات الجانبية ومعابثات الصحفيين معه.
خلاصة الايام الثلاثة واضحة تقول إن القضية بدت واضحة للجميع سيما لجنة التحكيم الدولية مع توالي الجلسات حتي الخميس ، لكن ما تفعله الحركة في لاهاي هو الحيلولة دون ابتلاع بحر الشمال لحجج محامي الحركة ومحكميها من الامريكيين وحتي لاتطفو الصورة الطيفية للمشيخات التسع فوق سطح البحر يبحث عن منقذ من ورطة الحركة الشعبية التي ورطت دينكا نقوك في قضية تتناقض مع واقعهم التاريخي في التعايش مع المسيرية .. فانظر ماذا فعلت السياسة باصحاب دينق مجوك ..!!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة