قصة قصيرة " نافذة اخضرار من قطار الصحراء " بقلم: بقادى الحاج أحمد
نافذة اخضرار من قطار الصحراء
مرة أخرى في هذه الغربة يبحث عن بداية جديدة، وسط إحساس مفجع وموحش أكثر من مخاطرة ركوب الغربة لأول مرة، على الأقل عند البداية تكون لوحدك على الشط، تريد أن تقتحم اللجة الزرقاء،أما الآن فأنت تحمل ما تحمل داخل ذلك الخضم المهول المتلاطم الأمواج المسمى مجازا غربة.. تريد أن تقتحم المجهول؛ رحلة البحث عن مكان جديد ووجوه جديدة..
في الرياض عند محطة القطار، كان جالسا منتظرا رحلة الدمام. قطع التذكرة وودع صديقه، وداع تخلله محاولة الصديق أن يدس في يده ورقة نقدية، وتمنع المسافر،شكرا للصديق بان لا يفعل، مع إصرار الاثنين، تقارب وتباعد أيدهم وأجسادهم ،أخذت أصواتهم تطلع لي بره، كانت عملية المسك والممانعة، والحلف بالله تارة وأخرى بالطلاق ، كافيه أن تجعل الأعناق تشرأب نحوهم. قال المسافر لصديقه:
- يا خى أعلنا عن سودانيتنا بما فيه الكفاية.
- مالك ومالهم خليهم يعاينوا.. امسك ياخى امسك..
- وضع ورقة مائتان ريال في جيبه.
مطلعا جيدا على حال صديقه ، فهو يعلم انه لشهور بلا عمل، والآن مسافر لإجراء معاينه في احد شركات المنطقة الشرقية.
اخذ مقعدا في صالة الانتظار الواسعة كثيرة الكنبات، مكتظة بالجنسيات التي آتت إلى هنا من أصقاع الدنيا المختلفة آتوا زرافات ووحدانا كأنهم الطير، ولكن على رؤوسهم كلاما كتر..
تحرك مع الركاب، بعد الإعلان عن صعود القطار، في الطريق إلى عربات القطار، تعرف على رفيق درب – رحلة قطار الرياض الدمام، مهندس زراعي في منتصف العمر، داعب الشيب بعض خصلات من شعر رأسه، بدي عليه الوقار، جلسا على مقعدين متجاورين، بعد الظهر بدأ القطار يسحب العربات وما تحمل في داخلها نحو – أم الخيرات – المنطقة الشرقية.
المسافرون جالسون على كنب فخم ينعمون بخدمات البوفيه والتكيف العالي، والقطار في الخارج وجها لوجه مع الصحراء وقسوتها؛ تضاريس المنظر و الطقس.
عرف نفسه بأنه مدير حسابات ذاهب لأول مره للشرقية لجراء معاينة. محدثه قضى في المنطقة الشرقية أكثر من عقدين من الزمان..
دار الحديث أول ما دار عن الحسابات ووجود فرص جيدة في المنطقة لكبار المحاسبين خاصة ذوى الخبرات المؤهلات العلمية العالية، ممسك المهندس بدفة الحديث بما له من لباقة، وسبق في ابتدرا الحوار، ومعرفة ودراية بالمنطقة الشرقية، طاف بالحديث إلى أيام الدراسة وأيام العمل في السودان، تلك الأيام الخوالي التي تعبق بأريج الوطن، تذكر المحاسب أيام العمل التي قضاه في شمال السودان.
منذ أن رست مركبه هنا في ديار الغربة، وشاهد ما شاهد ، أسئلة بعينها ظلت تطارده دائما، ولا يجد لها أجابه، قال لنفسه لماذا لا نطرحها على البساط في حضرة المهندس الزراعي ، لنرى كيف يبدو الاخضرار من هنا ، من على نافذة قطار الصحراء ؟
للمحدثه:
· قبل ما نشتغل في الشمالية، جاء الشماليون من غرب امدرمان تحملهم اللوارى قبل الباصات إلي العاصمة، ويحملون معهم الشوق والحنين إلى نخلاتهم وتمراتهم التي تركوها ورائهم،فتغنوا بنخل وتمر بلادهم، رددت إذاعة أمدرمان تلك الأغاني، حتى صارت معروفة ومحفوظة للجميع، ومن ناحية أخرى لو خصمنا نهر النيل من شمال السودان، فان طبيعة الشمالية تبدو مثل طبيعة السعودية قاحلة وجافة، وبنفس القدر لو استبعدنا الحنين واثر البيئة على الإنسان، نجد أن أنتاج شمال السودان من التمور، لو قورن بإنتاج السعودية من حيث الكمية والنوعية، نجد الفرق كبير والبون شاسع لصالح السعودية، لماذا يا باشمهندس؟
· المهندس: رغم التشابه الظاهر في البيئة ، إلا هناك اختلاف كبير ، تختلف أصناف التمور وتتنوع وفقا لمناطق زراعتها وتنوع الظروف المناخية التي تنمو فيها إلى جانب احتياجات كل صنف. من المتعارف عليه أن تقسيم أصناف التمور يتم وفق مجموعة من المعايير؛ من بينها لون القشرة، نوع السكريات السائدة بالثمرة عند النضج، وتوقيت نضجها مبكرا كان أو متأخرا، إلى جانب نسبة الرطوبة بالثمرة عند النضج، المعيار الأخير يعتبر أكثرها استخداما وأهمية؛ حيث توجد مجموعة تمور رطبة، ومجموعة تمور نصف رطبة، ومجموعة تمور جافة. اضافى إلى ذلك نسبة الرطوبة عند التلقيح وعند تمام نضج الثمرة تتباين و تختلف ، لذلك يختلف الإنتاج كما ونوعا.
· طيب ياباشمهندس في الشمالية هناك منطقة تقدم أنتاج ضامر من التمور ، والرواية الشعبية لتبرير ذلك تقول أن احد المغتربين احضر شتله من الخليج، لعلها من السعودية، بها مرض تحديدا حشرة إصابة الشتلة عند زراعتها بالعدوى المنطقة كلها وأصبحت منطقة (...) معروفة بذلك الإنتاج المريض، الذي يشبه الحشف وليس التمر، رغم أنها كانت من قبل مشهورة بإنتاجها الجيد والغزير للتمور الذي ساهم في ألصناعه المحلية مساهمة كبيرة في إنتاج مشروبات المزاج والكيف !!
ما صحة هذا القول؟
· ضحك الباشمهندس: ما عارف أنا لكن من الناحية العلمية هذا الكلام غير صحيح، أما النواحي الأخرى فلا علم لي بها.
طوي القطار الصحراء طي، دخل منطقة الإحساء، على مشارف الدمام، أطلت المباني تسبقها الأشجار الخضراء، مع الباشمهندس من على نافذة القطار محاولات رؤية اخضرار الزراعة في ارض النيلين مازلت مستمرة ؛ مع توفر مساحات الأرض الخصبة والمياه، والإمكانات المادية،لابد من وجود الخبرة والدراية، لتسقى وتنسق ذلك ، للحصول بتوفيق الله على محصول ناجح للتسويق.
ان نافذة الاخضرار من قطار الصحراء، تبدو من هنا كالجنة علي ارض النيلين،تأخذ فيها النباتات بعضها برقاب بعض، تبحث عن النوار، الإزهار والثمار..
بقادى الحاج أحمد
الخبر أبريل 2008م
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة