الباباراتزي ولص فرش الأسنان!
قال لي صديقي بامتعاض بالغ: لا تكاد تخلو نشرة اخبارية في قناة السي ان ان أو البي بي سي من أخبار باريس هيلتون الشديدة الثراء والجمال والكثيرة النزوات ، وعلى الرغم من أن انتهاك الخصوصية جريمة يعاقب عليها القانون ورغم أن هذه الحسناء الثرية تشكو لطوب الأرض من انتهاك خصوصياتها من قبل الباباراتزي الذين لا هم لهم سوى نصب الكمائن لها والتقاط صورها كلما لاح طيفها في أي مكان ومن ثم تحقيق الخبطات الصحفية أو التلفزيونية الكبرى التي تصبح الأنجح في الساحة الإعلامية بمجرد ظهور ملامحها الفاتنة فيها، فإن هذه السندريلا الناعمة لا تستطيع العيش بدون هذه الانتهاكات الباباراتزية السمجة، فكلما خبأ بريقها أو إنغمست في مشكلة ما ، يقوم الباباراتزي بتلميع صورتها وإبرازها في أهم الواجهات الإعلامية البراقة! إذن نحن هنا أمام خصوصية معولمة تُحمى وتُنتهك عند اللزوم مع سبق الإصرار والترصد! ولا شك أن وريثة سلسة فنادق هيلتون هذه تستمتع إلى أقصى درجة بوجود خصوصيتها الفذة المحمية بحرسها الشخصي وتستمتع أيضاً إلى أقصى حد بانتهاك هذه الخصوصية كلما رغبت في ذلك وهي في كلا الحالتين حرة فيما تفعل وحرة في إقحام صورتها وسيرتها في نشرات أخبار العالم الأول الذي سئم من صور القتل والدمار في العراق وأفغانستان وراح يلهث خلف أخبار مشاهير العالم الأول مهما بلغت درجة تفاهتها!
استطرد صديقي قائلاً: مع إقراري مقدماً بإنتفاء تماثل المشبه والمشبه به ، فإن هذه العلاقة في نظري لا تختلف أبداً عن تلك العلاقة التكافلية المريبة الموجودة بين التمساح وطائر زك زاك الذي يسمح له التمساح بدخول فمه الهائل بغرض تخليص أسنانه الحادة من بقايا اللحوم العالقة فيها وبالمقابل يقوم زك زاك بتحذير التمساح بصفيره الحاد كلما لاحت أشباح الصيادين في الأفق!
قلت له ساخراً: على أي حال فإن خصوصيات هذه الباريس هيلتون وانتهاكاتها المقصودة لا تثير غيرتي أو حسدي لكنها تثير في ذهني مفارقات عالم ثالثية غريبة الأطوار ، ففي دنيا فقراء العالم الثالث تنعدم الخصوصيات في معظم الأحيان، فمثلاً من المستحيل أن تُوجد خصوصيات في غرفة واحدة يسكنها عشر أشخاص ، بل أن أي غرفة من هذا القبيل سوف تسود فيها شيوعية مطلقة لا مثيل لها لا فـي كوبا ولا في الصـين ولا حتى في الاتحاد الـسوفيتي سابقاً!
وحكايات انعدام الخصوصيات عند فقراء العالم الثالث لا تعد ولا تحصى لكن أبرزها على الإطلاق حكاية عجيبة وقعت أحداثها في داخلية إحدى جامعات دول العالم الثالث ، فقـبل عشرات السنين ، كان أربعة من طلاب الجامعة يسكنون في إحدى الغرف بإحدى الداخليات المتهالكة، كانوا جميعاً ينتمون إلى عائلات إما متوسطة الفقر أو فقيرة فقراً مدقعاً، ذات يوم شكى أحدهم من أن شخصاً ما يسبقه في النهوض مبكراً ويقوم باستعمال فرشاة الأسنان الخاصة به، لم تسفر التحريات المكثفة عن اكتشاف الفاعل المجهول الذي لا يستطيع التمييز بين فرشاة أسنانه وفرش الأسنان الخاصة بالآخرين! تكررت الاستعمالات غير المشروعة وغير الصحية وتكررت الشكاوى من قبل نزلاء الغرفة ولم يتم العثور مطلقاً على لص فرش الأسنان الذي يبدو أنه كان يستمتع في الخفاء بممارسة أقبح الهوايات مع سبق الإصرار والترصد!
وحينما بلغ السيل الذبى، قام أحدهم بشراء أربع فرش أسنان من جيبه الخاص ووزعها على مواطني الغرفة بالعدل والقسطاس بحيث كان نصيب النزيل الأول فرشاة أسنان زرقاء والثاني فرشاة أسنان خضراء والثالث فرشاة أسنان صفراء والرابع فرشاة أسنان حمراء وظن الطالب النجيب أن تخصيص الألوان الصارخة سوف يودي إلى القضاء المبرم على ظاهرة القرصنة الفمية أو الاستعمال العشوائي لفرش الأسنان الخاصة!
في صباح اليوم التالي ، فؤجيء سكان الغرفة أن أحدهم قد قام في ساعة متأخرة من الليل بالتخلص من فرش الأسنان الملونة وقام بشراء أربع فرش أسنان بيضاء لا يمكن التفريق بينها بأي حال من الأحوال ثم شُطب رأسهم إيجازياً حينما اكتشفوا أن جميع فرش الأسنان البيضاء مبتلة الرؤوس بسبب استعمالها كلها في الصباح الباكر من قبل الجاني مجهول الهوية!
فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة