حــوار القــبــرة

حطـت قبــرة بالعشــب

تـرقب أقصى الأفـق لريـح قـد تأتـي

يبـرق في عينيـها دعاء

فالشــمس هنـاك على المـوعـد

ترصـد أهـوال البـحـر باستعلاء

ترسل إشـعاعاً صـوب الـريـح

ونحـو المـاء

لـم يقـو جنـاحاها أن يبلغا آخـر مهـد للروح

فـحطـت قـبل الغســق بحـقلٍ للقصـر

*    *     *     *     *

كانـت تحـلم أن آتيـها ذات مســاء

نفتـّح أوراق الزيتـون دروباً للفجر

ونـوافـذ للـريـح تجاه البـحر

نغســل أدران العـجـز وذل العصــر

نـرقـّع من بقـع الطيـن الباســل أسمال الصـبر

ونغنـي لصـمود المـد

وهـو ينافح عنـد الجـذر

ننقـش من ضـوء القـمر السـاقط في الرمل

أسماء القتلى وأسماء المنـبوذيـن

نتواعد كي نصـنع من أعشـاب الحقـل المغصـوب جـدائل

لإنـاث الحـي

ويغمـرنا طعـم الملـح جـداول

بسـمرة مـنفيٍّ يحـلم بالوطن المستعصي

فنـنحاز إلى المـلح

*      *      *      *

سـأخبـرك الآن لمـاذا أنا ؟

وكيـف تكالب فور وصـولي عبيـد القصـر

وشـدوا على الأغصان وثاقي

أوصدوا كل ثقوب الضوء ببابي

نزعـوا نصـف القـمر بوجـهي

و قالوا نـمـر غـدا فنامي قليلا

ولكني ....

سـرقتُ إلى الشـرفـة مفتاحا

غـردت كشـلال بنوازع متـقدة

وقبل دخول النصف الآخـر للفرحة

إنثالت كل الرتب العليا الدنيا بالردهات

انهالوا عليّ بكل الـتـرهات

قادوني مغمـضة العيـنين إلى مولاهـم

مُـدانةٍ حتى إشــعارٍ آخـر ...

بتسلق نافذة الأمل الممنوع وترويع صغار الغربان

فهرب النهـر إلى القلـب

*      *       *      *

مـولاهـم ......... شـيء أحفـوري

مـعوج كالحاجـب

لكــنه مـرهـوب الجانـب

تتدلى من نصف الوجنة بعضاً من لحيـة

وبعض من شارب

وبالنصـف الآخـر تكمن حيــة

حمـلق في عينيّ ملـياٌ  و تمـطـى

تجـشأ شيـئاً أشبـه بالكلـمات ..

ماذا كنـتِ تغنـين على الشـرفات ؟

لـم أيقـظـت عليـنا أبنـاء الـ ..... ؟

وأيقـظـتِ ضمـيري

عـفوك مولاي .......

فأنا من حيث أتيتُ أغرد مع كل عنادل جنسي بالشرفات

أرسو بمنقار النسـر وحلوق العـقبان

أشكّل ألوان الفـجـر من بوح طـيور الأضداد   

هنـالك ، ليس لدينا أسياد

أو أسوارا للعتـبات

فالكل بنافذة الأمل ال ......

أسـكتـني ببعض الجمـل المـوبوءة

ثـم ذؤابـة خـنجـر في حلقي

*    *    *    *    *

قال حبــيبـي ..

صـرتِ الآن بذلـك أبـهى

كانـت ساقـاي مدلاة ما بيـن دعاء اللـه وعـمق هـزائمـنا

يخـرج من جيـديِ نورٌ مـجـدولٌ كالحبـل

وشـمس متـعبـة ... كـذلك روح الـجلاد

وودعـني

بكـيـت وشاءل من فضــة

فرّشـت جبيـني حقولا من حنـطة

لماذا لا يضعـون على العمدان قليلا من زهـر الصبار قبيل الـوأد؟

ولماذا يـتم الصـلب وراء صـرير الأبواب؟

أويخشى ذاك المسـتحجـر وهـج الروح حين تهم صعودا ؟

فتنضـج كل التذكارات وتصبح دانية القطف ؟

*    *    *    *    *

لماذا يُحـرم كف حبيـبي التوقيـع على متـك الورد ؟

ومـزاح فراشات تعبـث في كـنف الريح ....

تعـبتُ كثيـرا من هـذا التبريـح

أما القيصر، فقـد سـد أنوف الحيطان بطين الترويـح

وألف سـؤال مازالْ

ودوى حـولي زلزالْ

طارت أشلائي فوق العشـب تخضـب خضرتـه

رف جناحُ يرقص فزعا بين الرعـب ومخـدعـه

وتدحرج قلبي بيـن يديك

مسّـت دفء دماءه أشـتات البـؤس بعينـيك

وأطل سؤال مـن بيـني  ..

لمـاذا يمـقـتـني ؟

ألأني طالبـت بزهـر الصبار قبيل الوأد ؟ 

وغـردت بشـرفتـه

ألأن حبيـبي علمني أن أتلو أداة التعريف على الوجهيـن ؟

وأتقـن كل حروف العلـة حرفاً حرفا

وأحـذر أكثر من حـركات النصـب

كـما أحتاط من النفي

وباب المـمنـوع من الصـرف .. وأوزان الأفعال

وأن الاسـم المـرفوع يقيـنا ..

كالروح المرفـوعة... حـقاً ....

رباهُ .... !!!

هل أزعجـه عشـقي ناقـوساً  لم يقـرع من أمـد؟

ألـهذا يقتـلني ؟

لا أفـهـم حـقا منـطقــه

أ حـوارُُ هـذا ؟ أم تلك نوازعـه ؟

مسكين.. لم يـدر أن بموتي مصـرعه

*      *      *      *

وقـف القـمر حدادا مع  يأسي

طلـت أحـزان الأمـس      

مـدت أنفاس اللـحـد أصابعـها

تلمـلم أطـراف الشـمس

تشـير إلى امرأة حبلى

سـتعـيد بناء الـميـلاد 

وتعـود قبيـل الفـجر بأيام الأعياد

فانثـر حبات الهال على جرحي

ودعـني أنـزف

هل تـدرك معنى أن أنـزف ؟

معناها أن النبض بقلبي لم يتوقف

وأن وجيـب الشـوق أشـتق عيـونا من كـوثـر

وتفاحـا أحـمـر

وأزهاراً وصـنوبـر

معناها أن الخنـجـر في حلقي أزهـر

أصبـح أرغـولا من مـرمـر

وأن القلب استمـسـك باللـه

وأن المستضعف بالأمس ... والمنهك ، وزبد البحر ، وسور السجان

سيـقضـون الليـل بقـصـر السلطــان.

معناهـا...

أني وسـنان ... وسـنان ... وسنان

فادفني الآن.

                                                هـاشــم طــه محمـد

                                                الريـاض – السعـوديــة