أولاد نادوس
بيت نادوس، هو أكبر بيوت الحي وأكثرها إثارة للجدل على الإطلاق، أولاد نادوس وهم أوشيك، ابراهيم، مجوك واسحق صاروا يشكلون ظاهـرة سريالية فذة لا يفهمها عقل ولا يتصورها خيال!
جيران النادوسيين يقولون عنهم في الخفاء: (أولاد نادوس هم قوم سليمو النية بالفطرة لكنهم متمردون بالغريزة ، حتى الأجنة في بطون أمهاتهم يتقلبون في ضجر ويستعجلون الخروج كي ينضمون بأقصى سرعة إلى كرنفالات الجدل واحتفالات الاختلاف حول أي شيء وكل شيء) ! ، (الأوشيكيون، الإبراهيميون، المجوكيون والإسحاقيون قوم غريبو الأطوار حقاً فهم شجعان إلى حد التهور، كرماء إلى درجة السخف، أذكياء إلى حد العبط ومتصوفون إلى درجة الإنحراف)! و (لا أحد يستطيع أن يحب أولاد نادوس ولا أحد يستطيع أن يكرههم ، إنهم متساوو الحسنات والسيئات كأنهم أهل الأعراف)!
قالت إحدى الجارات الشمطاوات: لقد صارت الحوادث العجيبة التي تقع في بيت النادوسيين من وقتٍ لآخر مثار تندر سكان الحي ، فحينما أدخل ثور أحدهم رأسه في جرة الآخر، انقسموا يميناً ويساراً وراحوا يجرجرون رأس الثور والجرة دون أن يفلحوا في إخراج الرأس العنيد من الجرة الأكثر عناداً، وحينما أعيتهم الحيلة طلبوا من أحكم حكمائهم أن يخرج رأس الثور من الجرة بطريقة حكيمة، عندها قال لهم رأس الحكمة: اِذبحوا الثور ، فلما ذبحوه ظل الرأس متمترساً في الجرة ، فقال لهم: اِكسروا الجرة ، فكسروها ومن ثم خرجوا من مولد الحكمة برأس ثور مذبوح وجرة مهشمة!
بعض الجيران يقولون : النادوسيون هم أكثر شعب غير متجانس على وجه الأرض ، كيف يُحشر كل هؤلاء في دولة واحدة ، يرفرف فوقها علم واحد وتردد نشيداً وطنياً واحداً؟! بعض النادوسيين يقولون بسخرية لاذعة: كل نادوسي لا يشبه الآخر ، النادوسي هو نسيج وحده ، انظر لأخيك إبن أمك وأبيك تجده مختلفاً عنك في كل شيء ، فلماذا لا يُمنح كل نادوسي استقلاله التام؟! لماذا لا يُقسم البيت النادوسي الكبير إلى خمسة أو عشرة بيوت؟! لماذا لا يتم دفن البئر الكائنة في الوسط والتي لا تنبع منها سوى المشاكل العديمة الحلول؟!
لكن الروح النادوسية الضاربة في أعماق التاريخ ترد بعنف: تباً لكم يا من تفكرون في الانفصال العائلي في عصر التكتلات العائلية الكبرى، هناك بيوت بعيدة أهلها مثل لحم الرأس لكن القاسم الإنساني المشترك وحّد بينهم فتعايشوا فيها كأحسن ما يكون ، متى تفهمون أن الهوية النادوسية لا يمكن الانسلاخ عنها واستبدالها كجلد الأفعي لأنها متأصلة في الروح إلى درجة أنها لا تقبل القسمة لا على نفسها ولا على غيرها!
بعض الجيران يتهامسون في تأفف: كلنا لدينا مشاكل لكننا نحلها بالكتمان أما أولاد نادوس فهم يعملون من الحبة قبة بل أنهم مولعون بشكل خاص باستجلاب الخبراء الأجانب من خارج الحي وتفويضهم بإيجاد الحلول المستحيلة، وما زال كل الجيران يتذكرون بدهشة ذلك المؤتمر العجيب الذي عقده النادوسيون في بيتهم بحضور عشرات الخبراء الأجانب واستمر عقداً من الزمان حول أيهما وجد أولاً الدجاجة أم البيضة ؟!
ها هي روح نادوس الكبير القلقة تحوم ليل نهار فوق البيت النادوسي الكبير وتهبط أحياناً ثم تصيح بصوتها المكتوم الذي لا يسمعه أحد: أيها السفلة ، بعضكم يقول أن هذا البيت يحتاج إلى تحسينات كبيرة حتى يرتقي إلى مستوى الجحيم ويصبح مؤهلاً لكي يُحشر فيه كبار الأبالسة! هل هناك جحود أكثر من هذا ؟! لن تعرفوا أبداً أن بيتكم هذا هو أعظم جنة على وجه الأرض إلا حين تفقدوه ذات يوم وتصبحون لاجئين في بيوت الجيران!
ها هي روح نادوس الكبير تشتعل غضباً وتصيح بصوتها الذي لا يسمعه أحد: تباً لكم يا أولاد نادوس! فحينما يصر كل فريق منكم على إحداث ثقب في الموضع الذي يخصه من القارب فإنكم تمارسون حرية الغرق الجماعي! افتحوا عيونكم على آخرها ، عضوا على هويتكم الواحدة بالنواجز ، لا تتقاسموا البيت الكبير ، لا تدفنوا البئر الكائنة في الوسط، احذروا حكمائكم ذوي الخبرات الثيرانية ، خذوا حذركم من أولئك الخبراء الأجانب الذين يدخلون بين البصلة وقشرتها، ثم لا تنسوا أبداً عبقرياتكم البسيطة التي تمكن فقرائكم من اقتسام النبقة وتجعل سريركم الواحد يكفي مائة!
وبينما كانت روح نادوس الكبير منشغلة في صياحها وتقريعها للأخوة الأعداء ، وقعت أحداث جسام في ذلك الحي ، إنشغلت جميع البيوت بالتصدي لها ، توحد سائر الجيران بشكل عفوي لمواجهة تداعياتها الخطيرة لكن لم يظهر أي وجه من وجوه أولاد نادوس في تلك اللوحة التضامنية المشرقة ، وحينما تحرى الجيران عن سبب ذلك فوجئوا بانهماك أولاد نادوس في متابعة مجريات سباق الحمير وإنشغالهم العظيم بأيهما سيفوز الحمار الأبيض أم الحمار الأسود!
فيصل على سليمان الدابي المحامي/الدوحة/قطر
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة