|
|
Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55 |
عاصمة حلمك الأبديّ..
أضحت أسيرة جرذان نتنة..
ضِباع تنخر في أجساد الشُهداء..
تقفز طرباً لنَيلِ غنيمة..
مدينة حيرّى، تنتهكها،
أصوات طلقات الرصاص، هناك..
وفي البعيد، انفجار قنابل..
جثث النُبلاء، مُلقاة،
على شوارع الإنكسار..
قُطِّعت أوصالها.. نهشتها،
أنياب تلك الوحوش..
*** *** *** ***
رجالٌ ذهبوا إلى دروب الموت،
كمن يتنزّه في طُرقات الفردوس..
وهبوا حياتهم لأجل قضيّة..
للملايين ذوي الأيدي الشقيّة..
فلاحو المزارع .. عُمال المصانع..
لأجلهم رفعوا بيارق التغيير..
لأجلهم قارعوا السلطان..
كبير حُثالة الجرذان..
أسقطوه من زيف ملكوته..
جرّدوه من وهم جبروته..
هكذا، شرعوا بتصحيح المسير..
لكن.. أيادي الغدر اللئيمة..
من عواصم الخيانة والنتانة..
حاكت الدسائس وصدّرت الهزيمة..
خنقوا حلمنا الجميل..
أجهضوا ميلادنا الجديد..
اقتلعوا بذور الخلاص..
أعادوا سُنة القتل والتدمير..
أحيوا بؤر الفساد..
ما أفظعها لحظات الردّة،
والإنكسار..
*** *** *** ***
مدينة حلمك الوردّي..
مكانٌ عبثت به يد الأقدار..
طيف جريح خائر،
لم يكمل المشوار..
هتافات فرسان، من رحم البطولات..
صرخات نساء.. نحيب أرامل..
بكاء أطفال صِغار..
زغاريد فتيات، تزف أعراس،
شهداء بواسل..
ليلٌ مختنق بغصّة البكاء..
مخصّبٌ بالدماء..
قمرٌ تستّر خلف الغيوم..
رافضاً الشهادة..
أفزعته صُوّر آلهة الرعب والدمار..
وهي تهرّوِل ناثرة، الحزن والكآبة..
السماء بكت دمعاً..
الأرض بكت سيلاً..
النيل جرى دمعاً سخيّاً..
الوجود، كان مسرحاً للجريمة..
*** *** *** ***
هناك.. عند إنحسار الحلم..
إنكماش الأمل، وتراجع العزيمة..
أم درمان كم بدت حزينة..
خِصرها مطعون بخنجر الجلاد..
كم حلمت بأن تحميك،
من جُبناء البلاد..
لكنها كانت مقيّدة..
كانت مهدده.. تستغيث..
لم تقوى على الفكاك..
أضحت يائسة.. باتت بائسة..
صارت ساكنة.. جُثةً هامدة..
إستباحتها فلول الضِباع..
خارجةً من سراديبها المعتمة..
تلك التي تفوح منها رائحة،
الغدر والضغينة..
الملطّخة بوحل الأوزار،
والجرائم المشينة..
مُشتتة في الساحات والطُرقات..
لاهثة تبحث عنك..
تسعى لوأد حلمك..
ترنو لنزع مجدك..
تتوهم محو اسمك..
تريد نثر حقدّها.. دَّسُ سمّها..
في جسدك الطاهر..
أما الملايين، في بلاد التخاذل..
كانت.. في صمت، تسمع.. تترقب..
عرقاً تصببت أجسادهم..
دمعاً بكت أعينهم..
حُزناً غائراً سكن قلوبهم..
بؤساً لاح في وجوههم..
وأنت.. أنت قد كنت..
هناك.. وحيداً..
هائماً على وجهك..
عابراً لجبّانةِ الموتى الحزينة..
المسكونة بحكمة الصمت والسكينة..
عابراً لعالم الحقيقة..
راجعاً لدار الخديعة..
هاهم قد انقضّوا عليك..
ساقوك مصفد اليدين..
عرضوك على محكمة الأفائِكُ..
قضاة بلا ضمير..
جِيّف سدنة تراوح،
في ذاك الهجير..
قبلها صرخت بقوة،
في وجه جلادك..
قائلاً:
( الوعي.. الوعي بقدر ما استطعت )
مُتحدّياً.. كانت تلك كلماتك..
عندما نُطق ببؤس،
حكم الإعدام..
كنت صنديداً،
واجهته كالضرغام..
نسراً شامخاً كما عُرفت..
مكانك، ليس أرضاً،
تلوثها أنفاس الطغاة..
مكانك.. هناك بعيداً..
مع الخُنَّسُ في الأعالي..
مكانك.. حيث تحلّق،
أسراب الطيور،
في هجراتها البعيدة..
طِر بعيداً، وأترك،
لهم أرض الخطيئة..
*** *** *** ***
إذا الليل أغسق..
وإذا الصمت أطبق..
سحبٌ عَسْعسَت في الفضاء..
سماءٌ أجهشت بالبكاء..
إمتداد الأرض.. بِركٌ من دموع..
لحظتها كنت تسير في خشوع..
على درب مصيرك..
مصير من سبقوك..
يسوع الكنعانيّ.. غيلان الدمشقي..
جهم بن صفوّان.. معبد الجهني..
الحلاج.. السهروردي.. ولوممبا..
مالكولم اكس.. مارتن لوثر كنج..
شهداء فكر.. شهداء قضيّة..
أضأت محيط المقصلة..
عانقك وشاح الشهامة والبطولة..
طوق العبور للحرية الأبديّة..
طقوس الصعود قد اكتملت..
عيناك تترقبان دنو الرحيل..
لم تكن تفكر بنفسك، بل،
كنت تفكر بالآخرين..
فجأةً..
إنزلق باب المقصلة السفلّي..
إعتصر عنقك، وشاح الرحيل..
لم تسقط.. لكنك صعدت..
بهدوء ولجت، عالم السابقين..
مقصلتك صارت ساعة حائط..
معلقة في جدار الكون..
بندولاً يدفعها.. كنت أنت..
من يتحكّم فيها.. كنت أنت،
بحركة جسدك الأفقية..
معلناً، بداية زمان جديد..
زمان دخولك في عالم المعنى..
راحلاً.. ولكن باقٍ فينا،
للأبد السحيق..
*** *** *** ***
قل سمعت أنين المقصلة..
رياحٌ هبّت .. رِعودٌ ضجّت..
جوف السماوات..
أرسل.. برقاً ساطعة..
أضاءت المقصلة..
كشفت المهزلة..
فضحت الجريمة..
وثّقتها.. أثبتتها..
أودعتها ذاكرة الحاضرين القادمين..
الباحثين عن الحقيقة..
الباحثين عن يهوذا(نا) والخيانة..
إن ظننتم أن شهيدنا،
قد رحل..
فهو لم يرحل..
ولكن بعث فينا،
من جديد..
سيعود من الثورة..
من سنابل القمح..
من أكواز الذرة..
سيعود مع أسراب الطيور..
مع عصافير الخريف..
محلِّقاً مع الفراشات..
من سخط الكادحين..
مع أنجم الليل..
سيأتي راكباً السحاب..
ممتطياً خيول الريح..
سيعود مع شروق الشمس،
في كل يوم جديد..
سيعود من جديد..
-------------------------------
إهداء إلى :
أسرة الشهيد / عبدالخالق محجوب
د. حسن الجزولي مؤلف كتاب عنف البادية.
الأخ عوض عثمان عوض، الذي أهداني ذلك الكتاب
لولاهم لما وجدت تلك الكلمات المتواضعة ....
---------------------------------
محمد عثمان عوض
أمستردام
الثلاثاء / 7-8-2007
© Copyright by SudaneseOnline.com
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة
الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة
عن رأي الموقع