بسم الله الرحمن الرحيم
الإنفصال حلمَ تحوَّل الي حقيقةً
حسن الطيب / بيرث
قبل عام من استقلال السودان بدأت الحرب في الجنوب وبعد عامين من التحرر من الإستعمار المصري البريطاني جاء انقلاب الجنرال إبراهيم عبود الذي مهد الطريق الذي سارت عليه الحكومات المتعاقبة في الخرطوم عبر السعي لتشكيل هوية «عربية ـ إسلامية» ، دون اعتبار الي مدى التنوع العرقي والثقافي والديني الذي يعيشه عموم سكان ارض السودان.
ويعود ذلك الي الحدود العشوائية التي رسمتها القوى الاستعمارية بين دول المنطقة، حيث تبين مع مرور الزمن مدى التباين والفجوة التي تفصل بين الشمال العربي ـ المسلم، والجنوب الإفريقي بطابعه المسيحي ـ الوثني في السودان. ومن ثم المآل الكارثي الذي انتهت إليه عملية الانصهار القسري بين الجانبين، وخصوصا في ظل حكومات متعاقبة عجزت عن بناء دولة مدنية ديمقراطية ، ووحدة وطنية تقوم على الاعتراف بحقيقة التنوع والتعدد، وتحقيق مساواة تامة بين المواطنين، بعيدا من أي تمييز ديني أو عرقي أو ثقافي، وفق نصوص دستورية واضحة، وممارسة عملية تكفل للجميع حقهم في الحرية والكرامة، وتوفر لهم الشعور الكامل بالانتماء إلى وطن واحد، لا تمييز ولا استعلاء فيه لأحد على أحد.
لذلك ازدادت حدة الحرب في مطلع الستينات من القرن الماضي، قبل أن تشهد مرحلة هدوء في السبعينات، بعد توقيع اتفاق أديس أبابا الذي منح الجنوب قدرا من الحكم الذاتي، كما نص على كفالة حرية الأديان لجميع السودانيين واستمر حتى العام 1983، حين حل نظام النميري الحكومة الإقليمية في الجنوب، ونقض اتفاق السلام بإعلانه تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، مما أدي الي تجدد الحرب الأهلية مرة أخرى وحصدت أرواح نحو مليوني سوداني، معظمهم من الجنوب، فضلا عن تشريد ملايين آخرين في الدول المجاورة.
ثم جاء نظام «الإنقاذ» إلى السلطة بانقلاب عام 1989 ، وإنحدر بالإنتاج الزراعي والصناعي للبلاد بشكل مريع، واتبع سياسات خصخصة أدت إلى رفع يد الدولة عن كل الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والدعم التمويني، وكان المتضرر الأكبر من ذلك المناطق الأقل نموا، وزاد في مفاقمة الوضع الفساد الذي استشرى وجعل السودان في قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، ناهيك عن اعلان الجهاد ضد الكفار، وتعذيب وتشريد وسجن وأعدام من لا ينتمي للنظام.
لذلك تنامي احساس ووعي سياسي لدى أبناء الجنوب وبعضا من أبناء الأقاليم المهمشة بأن مشاركتهم في حياة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا داعي لها في ظل هذا النظام.
فالوحدة القسرية التي قامت على جثث الملايين لا تتعلق في جوهرها بمؤامرات استعمارية غربية، او يهودية تحاك ضد السودان لتفتيته أو تقسيمه كما يشاع ، بقدر ما تتعلق بحق مجموعات بشرية تجد نفسها متمايزة وفي الوقت نفسه مغبونة ومضطهدة .
لذلك تدافع الملايين من أبناء الجنوب في الداخل والخارج في التاسع من يناير للتصويت للإنفصال، والدافع هو تراكم لامتداد زمني من القهر والظلم بسبب الإستعلاء وثورات العسكر، فهنيئا لكم يا أهل الجنوب الإنفصال وحيا الله سواعدكم التي لوحت طويلا بالرفض وحناجركم التي هتفت لأجل الحرية وصدوركم التي تعرضت لاطلاق الرصاص عارية، وبذلك نلتم ما أردتم بعد نصف قرن من النضال، ولا أملك إلا أن أقول:ألف مبروك للجنوب وألتعازي الحارة لمن حكم شعبه بغير العدل الإسلامي الذي يشمل المسلم وغير المسلم ، وفوَّت على نفسه فرصة نشر الإسلام والدعوة إليه ، وفتح المجال لدعاته الصادقين الناصحين الملتزمين بالوسطية الإسلامية الحق .
وأختم بقول يحي البرمكي..
رب قوم قد غَدَوا في نعمةٍ **** زَمَنًا والدَّهرُ رَيانُ غَدَق
سَكَتَ الدهرُ زَمَانًا عنهمُ****** ثم أبكاهم دَمًا حين نَطَق
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة