هل يحدد الجنرال مالك عقار والجنرال عبدالعزيز الحلو مستقبل دولة شمال السودان ؟
ثروت قاسم [email protected]
مقدمة ! اصبح في حكم المؤكد أن يصوت الجنوبيون لخيار الانفصال , يوم الاحد 9 يناير 2011 ! وفي يوم السبت 9 يوليو 2011 , سوف تنتهي صلاحية اتفاقية السلام الشامل , والدستور الانتقالي , ويكتمل الميلاد الدستوري والقانوني لدولة جنوب السودان الجديدة , بمعزل تام عن دولة شمال السودان !
سوف تجد دولة شمال السودان الجديدة نفسها في مفترق طرق ثلاثة , كما يلي :
الطريق الاول – طريق المواصلة !
الطريق الثاني – طريق الاطاحة !
الطريق الثالث – طريق النجاة !
هذا الوضع الجديد الذي سوف تدخل فيه بلاد السودان , سواء بالطرق الناعمة أم الخشنة , سوف يحدث نقلة نوعية جبارة في المشهد السياسي في دولة شمال السودان الجديدة
... دولة ما بعد الاحد 9 يناير 2011 ! خصوصا بعد زوال العدو الجنوبي المشترك !
تأثير الانفصال علي بلاد السودان , سوف يحدث تغييرا تكتونيأ , يحاكي التغيير الذي يحدثه سقوط حجر في بركة نائمة ! سوف لن يستمر الوضع الراهن في شمال السودان
business as usual
المرجح أن تكون نتيجة التغيير مزيدأ من القهر , وتشديدأ أكثر في القبضة الامنية , مما يضطر قوي الاجماع الوطني والحركات الحاملة للسلاح لردة فعل , ناعمة او خشنة , او مزيج من الاثنتين ! ردة الفعل هذه سوف تقود للمواجهة , اي :
الطريق الثاني – طريق الاطاحة بالنظام , اما اطاحة ناعمة ( انتفاضة شعبية ) او اطاحة خشنة !
اما اذا كانت نتيجة التغيير قبول المؤتمر الوطني , رغم نفيه القاطع حاليأ , االموافقة علي تكوين حكومة قومية ( من التكنوقراط ) , وعقد مؤتمر دستوري , فان قوي الاجماع الوطني والحركات الحاملة للسلاح , سوف تختار المشى مع المؤتمر الوطني , يدأ في يد , علي الطريق الثالث – طريق النجاة !
في هذا السياق , نسف الرئيس البشير ( وادمدني – الاثنين 27 ديسمبر 2010 ) امكانية ولوج الطريق الثالث - طريق النجاة , وأكد رفضه القاطع لتشكيل حكومة قومية بعد الاستفتاء , مشددا علي المرجعية الشرعية والشعبية والدولية لانتخابات ابريل 2010, التي افرزت الحكومة الحالية !
أذن لم يبق لقوي الاجماع الوطني والحركات الحاملة للسلاح من طريق غير الطريق الثاني – طريق الاطاحة بالنظام !
في هذا السياق , تشمل الحركات الحاملة للسلاح :
+ حركات دارفور ,
+ قوات قطاع الشمال في الحركة الشعبية في جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان ,
+ وحركات الشرق !
في الحلقة السابقة من المقالة استعرضنا الطريق الاول – طريق المواصلة !
ونستعرض في هذه الحلقة الطريق الثاني – طريق الاطاحة !
الطريق الثاني – طريق الاطاحة !
نحاول ان نستعرض في عدة نقاط ادناه , الملابسات والتحديات التي تحيط بالطريق الثاني – طريق الاطاحة , واحتمالات فرص نجاح او فشل هذا الطريق في حلحلة المشكلة السودانية !
اولا :
قال نلسون مانديلا ان الخوف يولد الكراهية الي تولد القتل !
واكد القران الكريم ان الخوف ( بالاضافة الي الجوع ) من اهم مرجعيات الانسان !
عامل الخوف مهم , بل اساسي , في رسم السياسات والاستراتيجيات !
خوف قادة المؤتمر الوطني , من التغيير الذي يؤدي الي فتح الملفات القديمة , وراء فشل جميع مجهودات قادة وزعماء السودان في الوصول الي كلمة سواء مع المؤتمر الوطني ! يوقع المؤتمر الوطني المواثيق والعهود والاتفاقيات مع قادة وزعماء السودان من السياسيين وحاملي السلاح ! وينقض هذه الاتفاقيات قبل ان يجف حبرها ! وذلك في تواترية وتوالية منتظمة وراتبة , طيلة العقدين المنصرمين , وبدون أستثناء !
يعرف قادة المؤتمر الوطني , وحق المعرفة , انهم قد ارتكبوا جرائم شنيعة , تشيب لها الولدان , في حق الشعب السوداني ! ويعرفون , وحق المعرفة , ان قائمة اوكامبو الخمسينية تحتوي علي اسمائهم ! فهم لم ينزلوا من علي كراسي السلطة منذ فجر يوم الجمعة 30 يونيو 1989 ! نفس الاسماء والوجوه مستمرة في سنام السلطة , دون تغيير , طيلة العقدين الماضيين !
وعليه فان خوف قادة المؤتمر الوطني سوف يدفعهم الي تشدد وعناد في الانفراد بالسلطة , وعدم الوصول الي اتفاق مع قوي الاجماع الوطني , بعد انفصال الجنوب !
رفض قادة المؤتمر الوطني فكرة الحكومة القومية ( من التكنوقراط ) وكذلك المؤتمر الدستوري ! مما سوف يضطر قادة قوي الاجماع الوطني الي التفكير في القيام بمواجهات سلمية ( انتفاضة شعبية محمية ) ! وقادة الحركات المعارضة الحاملة للسلاح الي تصعيد المواجهات المسلحة للاطاحة بالنظام الانقاذي !
نهج المواجهات ( سواء المدنية أو العسكرية ) في ظروف السودان المتشظية الراهنة ستكون , على أقل تقدير , عملية شختك بختك :
اما الاطاحة بالنظام , كما حدث في اكتوبر 1964 وابريل 1985 !
واما الاستمرار في تثبيت النظام بمزيد من القهر , للشارع وللحركات المسلحة علي السواء , كما حدث طيلة العقدين الماضيين !
ثانيأ :
بعد الاستفتاء وانفصال جنوب السودان , يتطلع الشعب السوداني الي التغيير في دولة شمال السودان ! يتطلع الشعب السوداني الي انتهاء بعزقة المال العام في شراء السلاح , للجهاد ضد الكفرة في الجنوب !
يتطلع الشعب السوداني الي انتهاء الظلم , واستشراف المستقبل , والسعى إلى العيش فى مجتمع جديد يسوده السلام والعدل والطمأنينة؟
سوف يمثل الامل في التغيير لب وجوهر الخطاب السياسي في مجتمع ما بعد الانفصال ! هل يمكن لبلاد السودان واهل بلاد السودان ان يحلموا في السير في طريق يحدوه الأمل فى التغيير ؟ ويتطلع كل فرد فيه , بطريقة أو بأخرى , إلى تحقيق آماله فى مستقبل مشرق .
قضية التغيير داخلية بامتياز ! ولكن تلعب الولايات المتحدة ( المجتمع الدولي ) دورا مفتاحيأ في عملية التغيير !
سوف تستمر الولايات المتحدة في دعم دولة جنوب السودان الجديدة ضد نظام الانقاذ في دولة شمال السودان ! وسوف تضغط اللوبيات علي اوباما لكي يجعل عاليها سافلها في دولة نظام الانقاذ ّ :
+ باستمرار العقوبات والمقاطعات ,
+ باستمرار وضع نظام الانقاذ علي لائحة الدول الداعمة للارهاب ,
+ بعدم أعفاء الدين الخارجي ضمن برنامج الدول الفقيرة عالية المديونية ولا ضمن أي برنامج آخر !
+ بالاستمرار في ابتزاز الرئيس البشير ونظام الانقاذ برفع امر قبض الرئيس البشير , كلما دعت الحاجة لذلك !
+ تشدد نظام الانقاذ وجلطاته الاخري , سوف تدفع اللوبيات الامريكية للضغط علي اوباما , لنقل موديل , وتجربة انفصال الجنوب من الشمال , الي منطقة جبال النوبة والانقسنا ( لا عرب ولا مسلمون ) , والي دارفور , وربما الي الشرق !
كما ذكرنا في مقالة سابقة , في يوليو 2008 , قدم وزير الأمن الإسرائيلي السابق لافي دختر محاضرة في مركز هرزاليا في اسرائيل , قال فيها :
إن خريطة الشرق الأوسط الحالية قامت على أساس تقسيم لم يراع التباين الديني، والمذهبي، والاثني، والثقافي، في البلدان . لذلك ينبغي الآن مراجعة تلك الخريطة ما يوجب تقسيم البلدان ليصبح :
في السودان خمس دول .
هكذا وحتة واحدة !
وسوف تعمل ادارة اوباما بقول لافي دختر ! فالقول ما قال لافي دختر !
خصوصا وسوف يبدأ اوباما حملته الانتخابية لدورة رئاسية ثانية في نوفمبر 2011 ! ويكون بعدها عبدأ مملوكأ للوبيات الامريكية , التي تجاهد ضد نظام الانقاذ ! والتي يتهم بعض من اقواها , الرئيس البشير , ببدء هولوكست ثان ضد يهود العالم , اذا لم يتم توقيفه ومحاكمته !
والضحية في كل ذلك الحراك بلاد شمال السودان , واهل بلاد شمال السودان !
ثالثأ :
كما هو مذكور اعلاه , أكد قادة نظام الانقاذ في اكثر من مناسبة , وعلي رؤوس الاشهاد , والحاضر يكلم الغائب , بانه بعد انفصال الجنوب , سوف تكون مرجعيتهم الحصرية هي انتخابات ابريل 2010 , وما افرزته من مكونات تنفيذية وتشريعية !
يرفض نظام الانقاذ , رفضأ قطعيأ وقاطعأ , الحكومة القومية , وكذلك المؤتمر الدستوري ! والما عاجبوا يلحس كوعوا ( خطبة الرئيس البشير في وادمدني – يوم الاثنين 27 ديسمبر 2010 ) !
تحدي الرئيس البشير قوي الاجماع الوطني والحركات الحاملة للسلاح !
المديدة حرقتني ؟
وحمس الرئيس البشير الطار !
لا تنس , يا هذا , أن أنتخابات أبريل 2010 وضعت مصير شمال السودان في يد المؤتمر الوطني حصريأ , وبمباركة دولية !
ومن ثم وقاحة الرئيس البشير , وتحديه لقوي الاجماع الوطني والحركات الحاملة للسلاح !
ونشرب ان وردنا الماء صفوا
ويشرب غيرنا كدرا وطينا
في المقابل نجد الرئيس سلفاكير قد دعي ( جوبا - اكتوبر 2010 ) الي مؤتمر مصالحة جنوبي – جنوبي , اسفر عن نهج قومي وتصالحي جنوبي , مدابرأ تماما للوضع الاقصائي في شمال السودان !
كل قيادات المؤتمر الوطني تنبذ الآخر الشمالي المختلف , دينيأ , او عرقيأ , او عنصريأ , او ثقافيأ , او فكريأ , او سياسيأ ! وترفع شعارات إقصائية للآخر المختلف , باسم االشريعة والعروبة ( خطبة الرئيس البشير في القضارف – الجمعة 17 ديسمبر2010 , وفي وادمدني - يوم الاثنين 27 ديسمبر 2010 ) !
هذه هي نفس الشعارات الاقصائية التي أفرزت , خلال عقد التسعينيات الاسود , مطلب تقرير المصير للجنوب ! وسوف تعزز مطالب مماثلة فيما بقي من الشمال , خصوصا جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان , وربما دارفور !
رابعأ :
قوي الاجماع الوطني ( ربما بأستثناء حزب مولانا المشاتر ) , والحركات المعارضة الحاملة للسلاح ( في دارفور وجنوب النيل الازرق وجنوب كردفان , والشرق ) , والمجتمع الدولي ... كل هؤلاء ومثلهم معهم , سوف تكون ردة فعلهم لتعنت المؤتمر الوطني , مزيدأ من الضغوط والمواجهات للاطاحة بنظام الانقاذ !
والنتيجة في المحصلة النهائية مزيدأ من الانفلات الامني , ومزيدا من عدم الاستقرار , ومزيدا من الاضطرابات في شمال السودان !
بعد تدشينه لإستراتيجية سلام دارفور الجديدة ( يوليو 2010 ) صار المؤتمر الوطني لا يقيم وزنأ لمحادثات الدوحة ! وصار أكثر تشددا في موقفه الانفرادي الاقصائي ! وزادت وتيرة هجوماته العسكرية ضد المدنيين العزل في دارفور !
ولم يستفد شيئا من دروس الجنوب !
المفاوض المقابل للانقاذ في منبر الدوحة , حركة التحرير والعدالة , لا تعدو أن تكون كديسة بدون اسنان ! ولا تمثل كل الحركات الدارفورية الحاملة للسلاح ! أذن هي ناقصة الشرعية , ولا يمكنها الادعاء بغير ذلك ! ولكنها تحاول ردم هذه الفجوة الشرعية , بمحاولة الوصول مع نظام الانقاذ الي اتفاقية عادلة لا يمكن للحركات الدارفورية الاخري رفضها !
وفي المقابل كان نظام الانقاذ يسعي لإبرام اتفاق مماثل , حذوك النعل بالنعل , لاتفاق أبوجا الذي مات , وإن لم يتم دفنه بعد .
حوار طرشان بين تاج بشير نيام ( لا علاقة له بناس نيام نيام اكلي البشر ) , وامين حسن عمر ( لا علاقة له بالامانة ) ؟
نعم ... صارت محادثات الدوحة محادثات عبثية ! وسوف يتم تقفيلها في يوم الجمعة 31 ديسمبر 2010 ! وربما استمرت لما بعد هذا التاريخ ! وربما في مكان اخر !
حسب نزوات ملك الملوك !
أقامت اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب سابقة رائدة بما تبنت من حلول عادلة ، مقبولة للطرفين ! ولكن شريكا الاتفاقية ... المؤتمر الوطني والحركة الشعبية , رفضا إتباع تلك السابقة الرائدة في إبرام اتفاقية سلام مماثلة في دارفور والشرق ! ولو أن سابقة اتفاقية السلام الشامل تم اتباعها في دارفور والشرق , باستثناء حق تقرير المصير , لأمكن إبرام اتفاقيات سلام مماثلة , حقيقية , وقابلة للحياة , ومستدامة في دارفور والشرق ! بدلا من اتفاقية سلام دارفور ( أبوجا - مايو 2006) , المعيبة التي لم تلبي مطالب اهل دارفور , والتي ماتت , وشبعت موت ! واتفاقية الشرق التي تحتضر !
تستعد حركات دارفور الحاملة للسلاح لتوحيد مطالبها , وتوحيد وسائلها ! بعد ان تعذر توحيدها الاندماجي في حركة واحدة وعريضة ! ولكن اي عنقالي دارفوري يقول لك ان اي اتفاق مع ابالسة الانقاذ سوف يكون في جدية اتفاق الكديسة والفار ! وان هكذا اتفاق سوف يصبح حبرا علي ورق , وبدون تنفيذ , كما الحال مع اتفاق ابوجا . الذي ضمنه الامريكان والافارقة ! وكما الحال مع كل الاتفاقيات التي ابرمها نظام الانقاذ مع الاخر !
المحصلة النهائية تقول ان حركات دارفور الحاملة للسلاح سوف تكون أكثر تشددا بعد الاستفتاء وانفصال الجنوب !
ولها في تجربة الجنوب عبرة لمن يعتبر !
ولكن هنالك هدؤ يسبق عاصفة هوجاء ! عاصفة لن تبقي ولن تذر ! عاصفة سوف تقضي علي الاخضر واليابس !
راقب في مقبل الاسابيع , الجنرال مالك عقار والجنرال عبدالعزيز الحلو ! وقواتهما المدربة والمسلحة ( خفيفأ وثقيلأ ؟ ) , والتي يفوق عددها وتسليحها , قوات حركات دارفور مجتمعة !
بقليل من الجهد، ولكن الجهد الحقيقي المنظم، وبدون إعلانات حربية ، أو إطلاق تهديدات دونكيشوتية، يمكن للجنرالين , وبمساعدة الحركات الدارفورية , وحركات الشرق , وقوي الاجماع الوطني الناعمة , أن يعيدوا نظام الانقاذ الي صوابه ! ويجلس لمفاوضات جدية تحاكي مفاوضاته مع الحركة الشعبية , التي انتجت اتفاقية السلام الشامل !
خلطة شيطانية جهنمية علي الطريق الثاني – طريق الاطاحة ( المواجهة ) !
نواصل |