الانفصال أكبر كارثة وأفظع جريمة في تاريخنا المعاصر، يتحملها بالدرجة الأولى نظام الإنقاذ.
· ا لاحتفالات الباردة بتحضر قبول نتائج الاستفتاء صورة من أعراس "الشهداء" الكاذبة.
هذه هي لحظة الحقيقة المرة والمؤلمة والقاسية.. لحظة لم تكن القوى السياسية الشمالية، بما فيها تلك التي سعت بيدها وظلفها لهذا المصير، تتوقع حدوثها، بل كانت دوما تظنها غير واردة ومن رابع المستحيلات. ولكن وإذ تحيق الطامة الكبرى بالوطن، وبهم جميعا، فإنهم لا يملكون الآن سوى الكذب يحاولون من خلاله تحويل الهزيمة إلى نصر، والحزن إلى فرح، ليس أقل مساخة، أو مسخرة، من عرس الشهيد! إن إنفصال الجنوب ليس أقل من هزيمة ساحقة ماحقة لكل القوي السياسية شمالا وجنوبا، ولشريكي نيفاشا خصوصا، وبقدر ما هو هزيمة ساحقة لمشروع الوحدة القسرية، فهو أيضا هزيمة قاسية لمشروع الوحدة الطوعية.
لربما كان بمقدور الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي قامت أساسا لتحقيق الوحدة على أسس جديدة، أن تغمض عينيها عن سخرية الأقدار وتقدم نفسها لشعبها في الجنوب باعتبارها صانعة استقلاله. ولكن الحركة الشعبية وإن هزمت في "معركة" الوحدة الطوعية، فأمامها "حرب" إقامة نموذج الحكم في السودان الجديد القائم على الديمقراطية التعددية الحقة واحترام حقوق الانسان وسيادة حكم القانون والحريات والمساواة والتدامج القومي والعدالة الاجتماعية ومحاربة التخلف وبناء التنمية المتوازنة والمضطردة، وتلك تحديات عظام ما أجدر تضحيات الحركة الشعبية ونضالها المشهود ودماء ملايين الشهداء بالانتصار عليها.
إذا كان بمقدور الحركة الشعبية أن تفعل ذلك، فماذا بوسع نظام الانقاذ أن يقول لشعب الشمال؟ أنه حنث بقسم الحفاظ على الوطن وصيانة وحدة أراضيه، وأنه باع وحدة الوطن لقاء رضاء الأمريكان والغرب، ووعود برفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبتدخل مجلس الأمن لرفع سيف المحكمة الجنائية الدولية عن عنق رئيسه المطارد؟ هل يملك هذا النظام لمداراة هزيمته الماحقة في الجنوب إلا أن يستأسد على ما تبقى من شعبه في الشمال بوعيد الصلب والقتل والبتر والجلد، وبمحق التنوع الإثني والثقافي والديني الذي لن يستطيع إلغاؤه إلا عن طريق الإبادة إذ هي، لا غيرها، تظل سلاح النقاء العرقي والديني الأكثر مضاء؟ هل في جعبته، وقد تخلص من "عبء" الجنوب، إلا المزيد من حجر الحريات وحجب الصحف والقمع والإرهاب والعودة إلى ممارسات القهر والتعذيب، وإلا المزيد من الغلاء ورفع أسعار الضروريات وترسيخ الفقر والإدقاع؟
إنفصال الجنوب، كارثة وجريمة وطنية بكل المقاييس، بل هي الكارثة الأكبر والجريمة الأشنع في تاريخنا المعاصر، ومن المؤسف، بل من المخجل، أن تمر هكذا، دون محاسبة، بل لا في صمت فحسب، وإنما في احتفالات بالإنجاز! ولكنها لم تكن كارثة طبيعية، وإنما كارثة لم يكن من المستحيل تفاديها، بل كان ذلك ممكنا تماما لولا تغليب المصالح الشخصية الوضيعة والحزبية الضيقة والعقائدية الإقصائية لأحزابنا الشمالية وقياداتها على المصلحة الوطنية. وإذا كنا نحمل نظام الإنقاذ المسئولية الأكبر عن هذه الجريمة والكارثة، حيث أنه اختار التآمر مع الانفصاليين داخل الحركة الشعبية لإضعافها، وعمد إلى إقصائها عن القضايا الوطنية ودفعها دفعا للانكفاء جنوبا، إلا أن أحزابنا في المعارضة مهدت لهذا الانفصال بمواقفها المخزية خاصة في الانتخابات العامة الأخيرة والتي كانت في حقيقة الأمر، وكما قلنا مرارا وتكرارا، استفتاء على تقرير مصير الوطن، فشلنا جميع فيه.
المكتب التنفيذي
حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق)
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة