بسم الله الرحمن الرحيم
وحدة أم انفصال؟
حسن الطيب / بيرث
|
نشر في موقع (صيدالفوائد) مقالا للكاتب د. مهران ماهر عثمان تحت العنوان أعلاة، يقول فية الكاتب طالعت في بعض الصحف التي صدرت يوم السبت 20 نوفمبر 2010م تصريحا جاء فيه قول بعض المحسوبين على الدعاة والدعوة الإسلامية:لا مانع عندي من أن يتولى حكم السودان غير مسلم إذا كان ذلك للوحدة!!
وهذا الكلام له مدلولان:
المدلول الأول:
يدل على برود عقيدة البراء لدى قائله..
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة/51].
وقد ثبت عن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال:"قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه:إن لي كاتبا نصرانيا؟ فقال: مالك؟ قاتلك الله، ألا اتخذت حنيفيا؟ أما سمعت قول الله تعالى: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ } ؟ قلت: له دينه ولى كتابته. فقال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أبعدهم الله. قلت: لا يتم أمر البصرة إلا به؟ فقال: مات النصراني والسلام". أي: هب أن النصراني هذا مات فماذا أنت صانع؟ فما كنت ستصنعه إذاك فافعله الآن.
والمدلول الثاني:
يدل على جهله بمسألة مجمعٍ عليها..
فقد أجمع العلماء على أن من شروط الإمامة والرئاسة الإسلام، وأجمعوا على أنه إذا تولَّى الكافرُ حكما بالغلبة وجب الخروج عليه بعد إعداد العدة لذلك. ومستند الإجماع آية في كتاب الله: { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيل } [النساء/141]. قال ابن كثير رحمه الله: "ويحتمل أن يكون المراد: { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيل } أي: في الدنيا، بأن يُسَلَّطُوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس، فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ويوم يقوم الأشهاد } " [تفسير ابن كثير 2/437]. فمن أعانهم على أن يكون لهم على المؤمنين سبيل –والسلطة أعظم سبيل- فقد ضاد الله في أمره.
ولعلي أسأل سؤالين وأنا أعلق متعجباً من مثل هذه التصريحات:
متى كانت الوحدة أغلى من شريعة الله؟
رحم الله الجبل الشامخ أبا بكر رضي الله عنه لما ناقشه بعض الصحابة في ترك قتال مانعي الزكاة قال كلمته التي خلدها له ربُّه: "أينقص الدين وأنا حي"!! وما قيمة العيش بدون شرع الله؟!
ومتى كانت الوحدة خيرا بإطلاق؟
أليس قد سمى الله يوم بدر بيوم الفرقان؟ أليس قد جاء المشركون يطلبون من نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يكونوا معه في خندق واحد مجتمعين متوحدين على أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا بذلك الله وحده سنة عبادة لا يجعلون منها شيئاً لأحجارهم فنزلت سورة الكافرون؟ أليس قد ثبت في مستدرك الحاكم أنّ من أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم: «المفرق»؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل؟ أليس الفرقان من أسماء القرآن؟ أليس.. أليس.. فإذا كان كذلك فهذا يعني أن الوحدة ليست خيراً بإطلاق. فوحدة ثمنها الإسلام لعنة الله عليها وعلى من نادى بها!
إنَّ كثيراً من الناس يسأل: الوحدة خير أم الانفصال؟ وأنا لا أريد أن أجيب عن هذا السؤال فقد أجاب عنه جماعة من أهل الفضل والعلم في ورقة عنوانها: (بيان في الحالة السودانية). وقد صدرت بتاريخ 28/1/2010م، وأفادت بأنه يتعين السعي ليبقى السودان موحداً يحكم بحكم الله تعالى. أقول: لست أريد طرح هذا السؤال، ولا أرى أن نستغفل بمثله! وإنما أريد أن أطرح سؤالا آخر لا ينبغي أن يُغفل عنه: من الذي أوصلنا إلى هذه الدرجة من الذل والمهانة؟ وما سبب هذا الضعف؟
أليس حبُّ السلطة؟! أليس التعلُّقُ بكرسيِّ الحكم؟! اللهم إني أشهدك: أن نعم!
ألم يكن السودان موحَّداً ولا يخطر ببال عدوٍ ولا حاقد أن يتحدث عن أمر وحدته؟
ألم يكن الجهاد قائماً؟
فمن الذي أذلَّنا؟ وما سبب ذلِّنا؟!!
يا أيها الناس:
إذا لم ترفعوا رأسكم بكتاب ربكم الذي قال فيه: { ولا تهنو } ، ولم تعبؤوا بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي قال: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".. إذا لم ترفعوا رؤوسكم بما فيه نجاتكم فارفعوا رؤوسكم بتراث العرب قبلكم..
فلا ترضَ بمنقصـةٍ وذلٍّ --- وتقنعْ بالقليل من الحطام
فعيشُك تحت ظلِّ العزِّ يوماً --- ولا تحتَ المذلة ألفَ عام
***
وللكاتب الكريم أقول ، نعم حبُّ السلطة والتعلُّقُ بكرسيِّ الحكم هو الذي أذلَّنا، وسبب ذلك الإسلام السياسي الذي لا يمثل الإسلام، وأن لا نص قرآنياً يسمح بقتل الأبرياء، ثم إن المسيحيين «أهل كتاب» وليسوا كفاراً كما يصفهم المنكفئين والتكفيريين والدمويين ، لذلك أصبحت الوحدة التي نحن في ظلها اليوم مرفوضة رفضا باتا من أخوتنا الجنوبيين ، والشاهد علي ذلك مقال نشر في (الجزيرة نت ) في يوم (الأحد الموافق 5/12/2010 م) للكاتب فاروق جاتكوث تحت عنوان " لماذا يرغب جنوبيو السودان في الانفصال"؟
يقول فية تعود مشكلة جنوب السودان الذي يختلف عن الشمال في أوجه كثيرة عرقا وثقافة ودينا ولغة، إلى العهد الاستعماري أي قبل رفع علم استقلال السودان عام 1956، إلا أن الأنظمة التي تعاقبت على الحكم بعد الاستقلال (عسكريةً كانت أم مدنية) عمقتها حتى اجتازت الحدود وامتدت إلى بقية المناطق المهشمة الأخرى.
ويقول ايضا من بين أسباب رغبة أهل الجنوب في الانفصال, تمادي النخب الشمالية المستعربة الحاكمة في تبني الهوية العربية الإسلامية التي حددها جيل الحركة الوطنية بجعل السودان دولة عربية ومسلمة وأن الأخوة في شمال السودان مصرون على فرض الهوية العربية الإسلامية دون أقل اعتبار للمجموعات غير العربية التي ترى أن الوطن لا يتطلب بالضرورة فرض ثقافة واحدة أو دين واحد أو لغة واحدة على جماعات منقسمة بعمق إثنيا أو دينياً أو ثقافيا، لأن الشعوب ليست معادن قابلة للتذويب والانصهار في أي وقت. ويظهر ذلك جليا في قول البروفيسور علي مزروعي "إن السودانيين بمختلف انتماءاتهم ومكوناتهم العربية والأفريقية قد اختير لهم بكل أسف أن يكونوا أسوأ العرب بدلاً من أن يكونوا أميز الأفارقة".
لذلك يقول جاتكوث إن الوحدة التي جاءت بها الحركة الوطنية وجيل الاستقلال (قبل وبعد الاستقلال) والتي نعيش تحت مظلتها حتى الآن، لا تغني ولا تسمن من جوع، وشهدنا كما شهد العالم أجمع أسوأ الانتهاكات في حقوق شعب جنوب السودان أكثر بكثير مما كانت عليه التفرقة العنصرية (apartheid) في جنوب أفريقيا. فلقد مورست كل أنواع القهر والظلم والقتل والدمار فيه من قبل جيش الشمال العربي المسلم وأعلن الجهاد ضد شعب جنوب السودان.
فهذه الوحدة التي نحن في ظلها حتى اليوم هي بالطبع مرفوضة رفضا باتا، لإنها تشبه الوحدة بين الحصان والرجل الذي يمتطى ظهره طوال حياته. هذه وحدة لا فائدة منها.
واخيراً ، السلطة الحاكمة اليوم( شمالية وجنوبية) منافقة ومتناقضة في ما يتعلق بقضية الجنوب ، وسبب ذلك إنعدام الصراحة، فالصراحة واجبة في معالجة قضايانا كلها، ولكنها أكثر وجوبا في هذه القضية ، لأن غيابها لفترة طويلة أسهم في ازدياد الاحتقان في أعماق المجتمع في الوقت الذي كانت فية الوحدة الوطنية متواصلة وتاكيداً لذلك حديث الراحل د. جون قرنق عن فلسفته حول «الدين والدولة والوحدة والثقافة العربية.. ويقول قرنق» لا يمكن أن نفترق بسبب الدين « الدين للشخص والدولة للجميع»، هذه الطريقة التي يمكن أن نوحد بها السودان ونبني دولة قوية في القارة الأفريقية .. وهنالك من يقول إن العروبة في خطر .. الثقافة العربية جزء من ثقافة السودان ولكن كذلك « الدينكا عندهم ثقافة والفور عندهم ثقافة والنوير عندهم ثقافة والنوبة عندهم ثقافة والدناقلة عندهم ثقافة والبجة عندهم ثقافة» وكل هذه الثقافات هي التي تكون السودان ولا يوجد تهديد أوخطورة لأي من هذه الثقافات. وتعددية الثقافات « حاجة حلوة حاجة كويسة ما بطالة» ونريد كذلك أن نبنى بها السودان. هذا موقفنا من هذه الأشياء الثلاثة. فلا يوجد خطر يتهدد وحدة السودان والإسلام والثقافة العربية إذن « وين السبب بتاع المشكلة؟» وأنا بقول للترابي الخوف على هذه الأشياء كلام فارغ لأني أنا « جون قرنق ده»، مؤمن بوحدة السودان وليس ضد الإسلام أو الثقافة العربية فلماذا تحاربني الجبهة « أنا أريد العدالة لكل الجنسيات في السودان».
ورغم ذلك أصبح الانفصال فى حكم المؤكد، ولا أجد ما أقول غير قولة الكريم [قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِالله وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] {الأعراف:128}.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة