(كلام عابر)
منجم تشيلي وسايفون أم درمان
تقع تشيلي في أقصى الركن الجنوبي الغربي من الدنيا في شريط ساحلي طويل يمتد لأكثر من 4000 كيلومتر وعرض لا يتجاوز المائتي كيلومتر بين جبال الانديز شرقا والمحيط الهادي غربا، سلطت عليها الأضواء عندما اعتلى سدة رئاستها سلفادور اليندي عام 1970م كأول رئيس اشتراكي يجيء عبر صندوق الانتخابات ثم عادت الأضواء من جديد عام 1973م عندما دبرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية انقلابا عسكريا بقيادة الجنرال الدموي بينوشيه أطاح بالحكومة المنتخبة فحمل أليندي سلاحه ووقف ببسالة يدافع عن الشرعية حتى قتل، وأودت سنوات حكم بينوشيه بحياة آلاف التشيليين حتى استرد التشيليون حريتهم مرة أخرى عام 1990م بعد سقوط العسكريين.
اشتهرت تشيلي أيضا في ملاعب كرة القدم شأنها في ذلك شأن معظم دول أمريكا اللاتينية، لكن ما من شهرة نالتها تشيلي من قبل تعادل الشهرة والأضواء التي تركزت عليها من كل الدنيا في الأيام الماضية حينما كان العالم كله يتابع بقلب ووحدة إنسانية رائعة مأساة العمال العالقين على عمق 625 مترا تحت الأرض في منجم سان خوسيه شمال تشيلي. ظل العالم يتابع مصير 33 عاملا انهار عليهم المنجم منذ الخامس من أغسطس وحبس الناس أنفاسهم وهم يشاهدون أشهر عملية إنقاذ تشهدها البشرية حتى تكللت الجهود بالنجاح في اليوم الرابع عشر من هذا الشهر ، وكان منظرا مثيرا للمشاعر أن يكون رئيس شيلي واقفا بنفسه يتابع وهو بجوار المنجم عملية الإنقاذ التي بلغت تكلفتها ملايين عديدة من الدولارات. واكتسبت تشيلي حكومة وشعبا احترام وإعجاب العالم لأنها بذلت هذه الجهود ووظفت هذه التقنية المتطورة التي شاركت فيها كل خبرات العالم المتقدم لإنقاذ هؤلاء العمال المحتجزين الذين كان من بينهم مواطن بوليفي حضر رئيسه من بوليفيا ليكون في استقباله لحظة خروجه من المنجم.
وترحمت وأنا أتابع عملية الإنقاذ ترحمت على رجل وزوجته انهارت من تحتهما بئر السايفون في منزلهما في حي الثورة في أم درمان بينما كانا جالسين على سريرهما. بقيا على قيد الحياة فترة من الوقت وكانا يتخاطبان خلالها مع الناس الذين تجمعوا أعلى البئر ، وجميعهم في حالة عجز تام في انتظار المعالجات التي سيقوم بها الدفاع المدني، حتى فاضت روح الضحيتين اختناقا، مع إن البئر ليست في عمق المنجم التشيلي. كارثة السيفون تتكرر عشرات المرات، ليس لأن الإنسان السوداني فيما يبدو أقل قيمة من الإنسان التشيلي فحسب، ولكن لأن الثقافة التي سادت بيننا في الآونة الأخيرة تحمّل كل كارثة على فاتورة الابتلاء والمجاهدة تبريرا للفشل والعجز.
(عبدالله علقم)
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة