التــرابي يغــازل النظــام .. لكـن
الانتفــاضة لا مــفر مــنها
د. ابومحمــــد ابوامنــــــة
المكتب القـيادي لمـؤتمر البـجا
فاجئت تصريحات السيد حسن الترابي الاخيرة الكثيرين من المراقفبين, اذ ظن بعض المتفائلين ان الرجل سيقود ثورة عارمة لاسقاط النظام وتحويل الاوضاع الي الاحسن منها. حتي بعد خروجه من السجن كان يكثر من التصريحات بضرورة قيام انتفاضة شعبية للتغيير الشامل وكان ينادي بتسليم السيد رئيس الجمهورية الي المحكمة الجنائية الدولية, في حين قررت القوى السياسية الاخري ان تقف الى جانب الرئيس, فان السيد الترابي قد اختار المواجهة عبر الانتفاضة الشعبية.
فالرجل في مؤتمره الصحافي الاخير نادي بقيام حكومة انتقالية وباجراء إصلاحات شاملة في كل القضايا الجوهرية واصلاح الدستور والقانون الجنائي واطلاق حرية التعبير والتظاهر وتعديل قانون الامن الوطني والغاء فرض الاعتقال التحفظي. ووضع قانون لمكافحة الفساد ورفع كل الحصانات، وحماية استقلال القضاء وركز علي ضرورة قيام حكومة انتقالية للخروج من الازمة السودانية الراهنة. الا ان الترابي نسي عمدا ان يقدم الألية التي يكن ان تحقق هذه الاطروحات.
وعندما سئل عنها فاجئ الحضور بان الثورة ليست من خياراته وإنها إذا قامت ستمزّق وحدة السودان! حتي الامس كان الرجل ينادي بها, وجاء اليوم ليتبرأ منها. كما لمح بشكل واضح ان موضوع المحكمة الجنائية سيحل حال قيام الحكومة الانتقالية وتصديها لمشكلة دارفور, اذ قال: (إذا جاءت حكومة انتقالية وجاءت بقضاء مستقل فلن تأتي المحكمة الجنائية الدولية بجديد فيما يختص بملف دارفور). وأوضح أن الثورة الشعبية متعذرة حاليا بسبب تكاليفها الباهظة بالنسبة للكثيرين إضافة إلى وجود نزعة إقليمية واضحة في البلاد قد تمزق السودان خلال أيام في حال حصول الثورة.
جاء ليدين الحركات المسلحة ليتقرب اكثر لابنائه حين رمز الي وجود نزعة إقليمية واضحة في البلاد قد تمزق السودان خلال أيام في حال حصول الثورة, التي كان حتي الامس من دعاتها..
لا يخفي عي احد ان الرجل يغازل ابناءه في السلطة, فهو في حالة استيعابه في الحكومة القومية سيقدم خدمات جليلة لهم, تتلخص في رفضه للاتنتفاضة الشعبية , عدم ملاحقة الانقاذيين امام المحاكم الدولية, وتحجيم نشاط الحركات المسلحة وخاصة وان الانقاذ تنظر اليه كموجه لحركة العدل والمساواة., ثم أعلن انه لن ينافس البشير في الانتخابات القادمة.
حبي ومد يده لابنائه في السلطة حين قال أن حزبه لا يمانع في الحوار مع المؤتمر الوطني في القضايا القومية، وفي وضوح أكثر استطرد قائلا: «نحن في القضايا القومية مستعدون للذهاب إلى أي مكان، وأوضح أن حزبه يمكن ان يتحالف مع المؤتمر الوطني!!
..
الترابي يسعي للارتماء في احضان ابنائه مرة اخري, الا ان هؤلاء- وهم الادري بحيله ومكره- قالوا له الحكومة القومية التي تدعو لها موجودة منذ زمن, لم تأت بجديد, كل الاحزاب موجودة فيها الا الشعبي, فان رضخت فمرحبا, ولكن ليس من موقف القوة هذه المرة.
وجد الترابي بعد خروجه من السجن نفسه وحيدا بين قادة الاحزاب في ميدان المعارضة, فقد سايرت تلك القيادات المؤتمر الوطني في سياساته وخاصة فيما يختص بدافور والمحكمة الجنائية الدولية وكادت ان تنصهر في النظام.
يقول د. حيدر ابراهيم: فطن النظام كيف يتعامل مع المعارضة التي يعرفها جيداً. فهو واثق أنها لم تعد تشعر مع جماهيرها بالمعاناة اليومية، وإلا لكانت فكرت في إحياء النقابات والاتحادات أو سحبها من سيطرة النظام, ولم يعد من مهامها رصد وملاحقة ومحاسبة النظام، والتوقف عند أخطائه وسلبياته.
فقرر الترابي مسابقتها الي احضان الانقاذ. فقرر التخلي عن شعار الانتفاضة الشعبية, وعن حركة العمل المسلح, وعن ملاحقة رئيس النظام امام الجنائة الدولية, وعن منافسته له في اي انتخابات قادمة.
بين ليلة وضحاها حول الرجل مساره 180 درجة, وسعي لابنائه في النظام المتهالك, فلم يستقبلوه بالاحضان كما توقع, بل بالنفور والازدراء. فقد
كشف الاستاذ الطيب مصطفى في الانتباهة بتاريخ 15 من الشهر الجاري عن مدي انبهار التلاميذ بشيخهم في الماضي وتلاشي تلك الانبهارة حاليا فكتب يقول:
كانت شخصية الشيخ الترابي قديماً لا تخلو من غلظة لكن تلاميذه كانوا يغفرون له ذلك انبهاراً بشخصيته الكاريزمية وباتخاذه الاسلام مرجعية عليا بها يخاصم وبها يصالح وإليها يأوي ويلوذ ويتحاكم في كل شأن لكن كيف يصبرون على الرجل بعد أن نصب مراراته الشخصية محل مرجعيته القديمة التي لطالما حرَّض الشباب والشيوخ على
التضحية بأرواحهم في سبيلها؟! واضاف:
لقد أزاح الترابي الدين من السياسة لكن ما الذي أزاح الترابي عن مبادئه التي قضى زهرة شبابه منافحاً عنها وداعياً إليها ومقاتلاً في سبيلها؟! إنه الفجور في الخصومة وتصفية الحسابات.. إنه الحقد وغل النفوس الذي ملأ على قابيل جوانحه قبل أن يفتك بأخيه هابيل.. إنه الحسد الذي أخرج إبليس من الجنة.. إنه الهوى الذي فتك بالعالِم الرباني..
تلاميذ الامس كبروا ولكنهم يسيرون في نفس الخط الذي رسمه لهم المعلم الكبير, خط الفجور, والحقد وتصفية الحسابات, والانانية والقتل والابادة. لقد وعوا الدرس جيدا.
للرجل تاريخ سياسي مظلم منذ دخوله المعترك السياسي في منتصف القرن الماضي, فهو المحرك الرئيسي لكثير من المصائب التي ألمت بهذا البلد, كطرد نواب دوائر الخريجين من الجمعية التأسيسية وحل الحزب الشيوعي بعد انتخابات عام 1968 مما مهد لانقلاب الضباط الاحرار عام 1969. ثم فرض نفسه كداعية اسلامية وجاء بقوانين سبتمبر المشئومة في عهد نميري, وتحت ستار الاسلام وقع الرجل تنكيلا وتعذبيا في الشعب السوداني, ولن يغفر له شعبنا اعدام واحد من ابرز قادته ومفكريه ومنارة شامخة في الفكر الاسلامي ألا وهوالشهيد محمود محمد طه. تواصلت مؤامرات الرجل خلال الفترة الانتقالية بعد انتفاضة عام 1984 فدفع باعوانه في المجلس العسكري للتمسك بقوانين سبتمبر الاجرامية, ثم في خلال فترة الديموقراطية الثالثة وقف سدا منيعا ضد كل مبادرات السلام لانهاء حرب الجنوب, وحين لاحت في الافق بوادر سلام دائم أوعز لعملائه في القوات المسلحة بالاستيلاء علي السلطة عام 1989 وفرض نظام ديكتاتوري لم ير الشعب مثله.
منذ استيلاء الجبهة الاسلامية علي السلطة والبلد تمر باحلك ظروفها السياسية, واكثرها ظلاما, واكثرها ظلما وفسادا. تم تطهير القوات المسلحة من خيرة رجالها, وتم اعدام ابرز ابطالها, كما جردت الخدمة المدنية من الكفاءات المتمرسة, وجيئ بالوصوليين والمنحرفين والفاسدين من اتباع النظام, انشئت بيوت الاشباح وفتحت السجون وزج بخيرة ابناء الشعب خلف القضبان, حيث مورس التعذيب والاغتصاب والتقتيل واهانة كرامة الانسان. لن ينسي الشعب شهدائه من القوات المسلحة, ومن النقابيين والطلاب, لن ينسي د. علي فضل والتاية وشهداء بورتسودان و كجبار والعيلفون والألاف غيرهم.
حول الترابي البلد الي ملجا للارهابيين من كل بقاع العالم, امثال كارلوس وبن لادن والجهاديين من البلدان العربية, وسعي لخلخلة الاوضاع في كل دول الجوار, بل دبر مؤامرات الاغتيال لرؤسائها, التي يحاول اليوم التنصل منها ورمي التهمة لابنائه في النظام كالبشير وعلي عثمان ونافع وقوش. وتشير الاصابع انه هو الرأس المدبر.
ان تاريخ الترابي يشكل نقطة سوداء في سماء السياسة السودانية, تاريخ ملئ بالمؤامرات, وبالكيد والدسائس. اعتاد ان يجمع حوله قيادات طلابية, لا خبرة لها في السياسة, فتوهموا ان للرجل كاريزما, واعجبوا به. لكن عندما نضجوا, اتضحت لهم حقيقته ففكوه عكس الهواء, متشككين في قواه العقلية, فصار يهذي بانتفاضة شعبية, وبملاحقة الرئيس المطارد, ولكن عندما طنش منه تلاميذ الامس, جاء ليقول لهم انه ضد الانتفاضة, وضد الحركات المسلحة, وضد اي شيئ يمكن ان يزعلهم وانه لن ينافس البشير في السلطة.
قال التوبة, لكنهم لم يفتحوا له صدرهم, فهم فيما بينهم يتصارعون فيمن يكون الخليفة ولا يحتاجون الي عكننة اضافية.
استغني الترابي عن التهديد بالانتفاضة. لكن لابد ان يدري ان
الانتفاضة لا مفر منها,
ف
للشعب السوداني ذخيرة ثورية يفخر بها, فهو بصموده في النضال وضع حدا لمؤامرات المستعمر, وحطم كل مشاريعه التمويهية من مجلس استشاري وجمعية تشريعية وحقق الاستقلال بتضحياته وعمله الثوري المنظم. ازاح شعبنا نظامين عسكريين في انتفاضتين رائعتين اذهلتا العالم.
وعما قريب سيفاجئ شعبنا العالم بانتفاضة ثالثة يزيح فيها ابشع حكم مر علي البلد. لا يحتاج شعبنا لتوجيهات معتوهين او سماسرة سياسة او متسلقين, فالشعب
هذه المرة اكتسب الخبرة الكافية ولن يسمح للتقليديين بالتسلق علي اكتافه للعودة به الي الخلف والي الحلقات المفرقة. لن يسمح لامثال الترابي بالتحدث باسمه.
اما ابناء الهامش في الحركات المسلحة سيكونون وقودا للثورة القادمة, لبناء السودان الجديد, سودان العزة والكرامة, سودان لا استعلاء فيه ولا تمييز بين قومياته المختلفة, سودان الاخاء والمساواة والعدل.
لتحقيق هذا الهدف النبيل لابد من تكوين جبهة عريضة من كل قوي المجتمع المدني من نقابات واتحادات وصحفيين واطباء ومحامين وجيوش العطالي والمعدمين.
في هذا الصدد يقول الأمين العام للحركة الوطنية لشرق السودان، الأستاذ طارق أحمد أبوبكر: إننا نطالب القوي السياسية والاجتماعية الحية على امتدادِ الأراضي السودانية - من قبائل وعشائر ومجموعات عرقية في شرقه وغربة وجنوبه وشماله - بأن تتوحد وتكون جبهة عريضة لرسم صورة السودان القادم.. سودان يطل على العالم في قرننا الحادي والعشرين كنموذج جديد لدولة تحكم بواسطة أبنائها وقادرة بفضل مواردها وثرواتها علي النهوض بشعبها وتوفير حياة كريمة
لأفراده دون تفرقة أو تسلط فئة على أخرى
..
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة