نص قصص " ثورة محمد البوعزيزي" بقلم: بقادي الحاج أحمد
ثورة محمد البوعزيزي
صوت الانتفاضة، نخب الوطن، بدر التمام، أخوي البنات.
(1) محمد أخوي
في 17 ديسمبر 2010م أشعل التونسي محمد بوعزيزي – طارق النار في نفسه في سيدي أبوزيد احتجاجاً على الوضع القائم آنذاك.
- أمه: فتحت يا أبني الأبواب.
- أخته: محمد أخوي مات من الظلم.
محمد أخوي مات من القهر.
(2) صوت الانتفاضة.
اللحظة التي يقرر فيها المرء الخروج للشارع للتعبير عن رأيه الآخر بشكل علني دون الخوف من المخاطر، هي لحظة تسبقها أخريات، وتسبقها عذابات وجراح وصبر حتى يبلغ الذروة، تماما مثل الذي يتسلق الجبل ليبلغ القمة بعد جهد ومعاناة، ذلك الحال هو حال بلوغ كل الذرى والقمم.
الذي يبلغ ذاك العلو لا يحس بالمعاناة التي مر بها منذ البداية حتى الوصول، لان إحساس جديد يتولد عنده، إحساس بالنصر يعطيه دافع قوى ليعمل علي المحافظة علي ما حقق. yes; mso-hansi-font-family: Calibri; mso-fareast-font-family: Calibri; mso-themecolor: background2; mso-themeshade: 26" lang=AR-SA>ذلك الحال هو حال الانتفاضة، كنت أتمنى لو استمر نفس وصوت الانتفاضة يسعى بين الناس ليروا أعماله بينهم يستمدوا منها الحماس. كنت أتمنى لو استغل الحماس في تنمية حقيقية.
كان صوت الانتفاضة وصداه كصوت الجوقة الموسيقية التي تعزف نشيداً وطنياً، أمام الجميع علي المسرح، فجأة والفرقة في قمة انسجامها في العزف اختفي الصوت، وبدأ كأنهم يهرجون. رغم أن عزفهم كان ارتجاليا بدون مايسترو يقود الجوقة، إلا انه كان جـميلاً لأنه طبيعي وتلقائي.. رويداً .. رويداً أسدلت الستارة واختفت الفرقة.
(3) نخب الوطن .
عند منتصف العقد الثامن من القرن العشرين، الحياة العامة كانت تضطرب وتمور كاضطراب الرياح وهزيم الرعود منذره بهطول المطر الغزير.
في ذلك اليوم، بعد التوقيع علي دفتر الحضور، أُبلغ الجميع بدعوة النقابة للخروج في موكب احتجاجاً علي الحالة التي وصلت أليها البلد. سوف يتحرك الموكب من نقطة تقاطع شارع السيد عبد الرحمن مع شارع القصر من أمام فندق "المرديان" إلى مجلس الوزراء لتسليم مذكرة الاحتجاج.
علي المشاركين في الموكب الخروج من أماكن العمل فرادا تفادياً لأي احتكاك مع قوات الشرطة والجيش، التي توزعت منذ الصباح الباكر أمام المصالح الحكومية، والبنوك والشركات والمحلات التجارية وفي الشوارع الرئيسة.
انتظمت الشوارع حركة غير عادية، أخذ مد الجماهير يتنامي ويكبر وشيئا فشيئا بدأت حركة العربات الخاصة تقل، وحتى تلك التي تعمل في مجال النقل، والمواصلات العامة اختفت من مواقفها المعتادة داخل العاصمة: ميدان الأمم المتحدة، ميدان أبو جنزير والسوق العربي.
عند شارع السيد عبد الرحمن بدأت المواكب تتقاطر، من ناحية الخرطوم غرب متجه صوب الشرق، يتقدم الجمع كوكبة من القضاة والمحاميين وأساتذة الجامعات يرتدون "روبا تهم" المميزة، أضفت علي الموكب هيبة ووقاراً فوق التي كانت عليه. كانت الجموع تتدافع في شارع القصر، من ناحية السوق- سوق الخضار، وشارع الجمهورية متجه نحو الجنوب إلى نقطة التلاقي؛ تقاطع شارع السيد عبد الرحمن وشارع القصر، بالقرب من مستشفي الشعب بالخرطوم.
التقت الجموع وهي علي مرمى حجر من المقرن، حيث اللقاء السرمدي بين النيليين- الأزرق والأبيض، كأن اليوم هو يوم الفيضان؛ يضرب الماء حصاراً على الخرطوم . اليوم فاض فيها أهلها فملئوا الشوارع، والساحات والميادين زحفاً، هتافاً، تصفيقاً وهديراً .. كان هتاف:
بالروح بالدم نفديك يا سودانا... بالروح بالدم نفديك يا سودانا
يعلو علي جميع الهتافات، كان يعقب الهتاف التصفيق المنظم. أخذت الجموع في التقدم نحو النبع الصافي لتروى ظمئها وتشرب نخب الوطن.
المواكب علي مد البصر، علي امتداد شارعي السيد عبد الرحمن وشارع القصر من ناحية مستشفي الخرطوم شرقاً وجنوباً بعد التقاطع أو تلاقي جموع المنتفضين والملتحمين مع الوطن.
عربات الشرطة والجيش قطعت الطريق أمام السيل المنهمر علي شارع القصر، عند ميدان أبو جنزير، وعلي شارع السيد عبد الرحمن، عند السوق العربي، على امتدادهما شرقاً وجنوباً عند مستشفي الخرطوم. فصلت الجموع الأولي عن التي كانت تتدفق كرافد النهر، أحكمت حصارها عليها.
كنا نخطو علي الطريق خطوة الإوز. يتردد صدا كلمات الشاعرة "آنا الكماتوف" بيننا:
لماذا اعتقل يا تري؟
سأل الناس
لا سبب
حان الوقت ليعرف الناس يعتقلون
من دون سبب.
قرر المنتفضون الجلوس علي الأرض، تأكيدا علي التصاقهم بالتراب الغالي، وبأنهم لن يتزحزحوا أو يتراجعوا. كان للجلوس في قارعة الطريق في قلب المدينة في ذلك اليوم معني آخر، كان له معني كبير. مثله مثل النضال الذي تعمق في الدواخل، من أجل ذلك الفارع، الذي شمخ فوق الكل كشمس الضحي، ترسل شعاعها من عند الأفق الشرقي لتزيد اللوحة بهاءأً وإشراقا.
(3) بدر التمام
بدأت محاولات تخريب اللوحة وتفريق الجمع بـمكبرات الصوت وإطلاق الرصاص في الهواء. وقذف الجموع بمسيل الدموع.
سادت الفوضى وبدا من ضاق به المكان يتلمس مخرجاً عبر الطرق والأزقة الجانبية، إلى حيث الهواء النقي.
الوقوف أمام الجماهير في قلب الشارع الملتهب، ساعد علي الصمود وزاد الاشتعال- العدو أمامهم والبحر خلفهم - انجلى المعدن الأصيل وزاد لمعانه.
تحول الموقف إلى انتفاضة عظيمة انداحت من قلب الشارع الملتهب لتعم المدن الأخرى والأحياء السكنية مساءاً رغم انقطاع التيار الكهربائي.
كنا هناك في تلك الليالي، وكان النور- الضوء الكهربائي - غير موجود.. والعسكر كانوا هناك، والحرامي - اللص - أيضاً كان يتربص بنا - لو كان ينزف لدلنا إلى مكانه.
كنا نرى الوطن كبدر التمام، هتافات الشباب وهم يجوبون شوارع الأحياء، كانت تعلن عن بداية العٌرس. عٌرس الوطن الكبير.
(4) أخو البنات
هي ثورة الشاب الكادح محمد البوعزيزي، السيدي بو زيدي التونسي، و الذي كنا نبحث عنه منذ خمسة وعشرون عاماً ، ما زال يتلصص صحيح انه لا ينزف، لكنه الآن ظاهر وبائن وان غير جلده .
صوت الانتفاضة، نخب الوطن، بدر التمام، أخوي البنات محمد البوعزيزي.
بقادي الحاج أحمد
مدينة الخٌبر يناير 2011م
[email protected]