بسم الله الرحمن الرحيم
وداعاً الحاجة ثريا العتباني ..
توفيق عبد الرحيم منصور (أبو مي)
http://www.tewfikmansour.net
رحلت الحاجة ثريا إلى رحمة مولاها فجر الأربعاء .. وأذكر هنا أنه قبل سنوات خلت كنت قد سطرت عنها عموداً تحت عنوان (الحاجة ثريا وصهريج الماء والمسجد) بأخبار اليوم، شمل جزءً يسيراً من مآثرها التي تستحق أن تُكتب بماء الذهب .. فمآثرها (طيب الله ثراها) كانت طيبة ومتعددة ومتنوعة .. وما جاء في ذاك الموضوع إنما كان غيضاً من فيضٍ .. هذا وأنقل هنا بعضاً مما جاء في ذاك الموضوع :
اتصل بي الأخ اللواء معز العتباني، وقدم لي دعوة كريمة لتدشين صهريج ماء وافتتاح مسجدٍ بقرية (مهلة) الواقعة شرق النيل الأزرق .. وهناك بمهلة علمنا بأن صهريج الماء والمسجد تم تشيدهما على نفقة ومتابعة واجتهاد الحاجة المبجلة (ثريا عبد القادر محمد العتباني) .. وللعلم فإن الحاجة ثريا لا يربطها أي نسبٍ أو عرقٍ بأهل تلك القرية، إنما أقدمت على ذاك العمل الجليل فقط لشعورها بأن تلك القرية كانت في حاجة ماسة للمساعدة .. وقد علمنا أيضاً بأن الحاجة ثريا سخّرت طاقات معظم الشباب من أهلها وأصدقاء أهلها لهذا العمل الجميل، وتابعت معظم الأمور بنفسها، ويكفيها وأهلها فخراً أن هذا العمل يمكن أن يوصف وبكل المقاييس بأنه عمل خيرٍ جليل، ولا شك أنه صدقة جارية ..
هذا وقد استقبلتنا قرية مهلة بشيبها وشبابها بكل الترحاب الذي هز وجداننا وأسال الدمع من عيوننا .. تهليل وتكبير وزغاريد وهتافات و(نوبة) و(دلوكة) وكانت الفرحة .. ثم نُحرت الذبائح ووزعت الحلوى والبارد ..
ثم بعد ذلك وفجأة اهتزت الأرض فرحاً، واندفع أهل القرية كبيرهم وصغيرهم نحو سيارة توقفت بالقرب من المسجد، فعلمنا بأن الحاجة الكريمة (ثريا) قد أتت بنفسها لتشارك أهل الحلة فرحتهم، وذلك لأجل خاطرهم وتلبية لدعوتهم الكريمة لها، فالحاجة ثريا لم تكن ترغب أبداً في نشر الأمر الذي تكتمت عليه طويلاً، ولم يكن يعلمه إلا من كان له دوراً في التنفيذ .. هذا وقد رافقت النسوة الحاجة ثريا فور وصولها مصحوبة بالزغاريد والهتاف مباشرة داخل المسجد، ومن ثم لبيت شيخ الحلة القريب من موقع المسجد لتكريمها والترحيب بها على طريقتهن .. وكانت سويعات فعلاً هزت الوجدان واقشعرت لها الأبدان من رهبتها وعظمتها .. وبعد ذلك تم تشغيل الوابور الرافع للماء لملء الصهريج، وتدفقت المياه في (أنابيب الحلة)، وكأني بالمياه في تلك اللحظة تتهادى من خلال الأنابيب و(الحنفيات) وهي ترقص فرحة جزلة ومنتشية بالزغاريد المصحوبة بإيقاعات الدلوكة وأهازيج النسوةِ وفرحتهن ..
وذهب الظمأ وابتلت العروق ووصلت المياه للمسجد و(وضاياته) .. كذلك لاحظنا آثار أنابيب مدفونة حديثاً بالأرض، وهي عبارة عن عدة (خراطيش) مياه مُدت لتغطية احتياجات منازل القرية ..
وحقيقة مثل هذا المشهد قلما تجده في أي مكانٍ آخر في كل الدنيا .. وعندها استحضرت حديث الرجل الذي سقى الكلب .. (بينما رجل يمشي بطريقٍ اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا بكلبٍ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله له .. فغفر له) . وفي رواية البخاري (فشكر الله له فغفر له فأدخله الجنة) .. وهنا أقول فما بالكم بامرأةٍ حفرت البئر ثم أتبعته بصهريجٍ ومن ثم بمسجدٍ وتابعت العمل بنفسها وبفكرها وعلى حساب صحتها، وكانت دوماً تطيب خاطر أهل تلك القرية وتحتك بهم وتسمع لهم .. لا أقول هنا بأن هذه المرأة تساوي ألف رجل .. لا ورب الكعبة بل أضعاف أضعاف ذلك .. (ملحوظة : سمعت بان المرحومة وقبل موتها بساعات كانت تمني نفسها بزيارةٍ لأهل تلك القرية لتفقد أحوالهم وربما لتوديعهم!) ..
هذا وبقي أخيراً أن نعرف بأن الحاجة المبجلة (ثريا) رحمة الله عليها، والتي مات زوجها وهي شابة إنما كافحت وأعطت وربّت وأبدعت .. ولها من أبناء الوطن الطبيب والشرطي وأستاذة الجامعة وجميعهم من المتميزين .. فهي والدة (أحلام وهويدا وإلهام وغازي وخالد وأحمد) وهم أبناء المرحوم (صلاح الدين متولي العتباني) ..
وبفقد الحاجة ثريا وعند فقد كل متميزة تحضرني هذه الأبيات :
فلو كان النساء كما ذكرت ***** لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ***** وما التذكير فخر للهلال
ألا رحم الله الفقيدة وألهم آلها وذويها الصبر والسلوان، ونسأل الله أن يُسكنها بجوار السيدة خديجة رضي الله عنها في (بيت في الجنة من قصبٍ .. لا صخب فيه ولا نصب)، وأي قصبٍ ذاك؟ إنما هو قصب الجنة الذي وصفه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت) .. وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
توفيق عبد الرحيم منصور (أبو مي)
http://www.tewfikmansour.net
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة