بسم الله الرحمن الرحيم
من قلب ملفات أمريكا : علاقات الجنوب وأمريكا ..
رصد توفيق منصور (أبو مي)
http://www.tewfikmansour.net
من قلب الوثائق الأمريكية الهامة، أي من قلب (تقرير واشنطن)، نرصد هذه العلاقة المتنامية ما بين جنوب السودان وأمريكا والتي ليست بالجديدة .. وعموماً يهمنا كسودان واحد أو منفصل أن نتتبع مثل هذه التطورات، لأن الأمر يهمنا كمتوحدين أو كجيران .. وبداية أشير إلى أنني فقط أرصد هنا ما جاء في (تقرير واشنطن)، وذلك دون التعليق أو التمحيص أو الإضافة، ولكن ألجأ أحياناً للاختصار أو الاستخلاص أو حذف ما أضحى معروفا لدى القارئ ..
هذا وبدأ (تقرير واشنطن) هكذا ... رفض ممثل حكومة جنوب السودان في واشنطن، إضافة لدبلوماسي أمريكي معني بالشأن السوداني، التطرق للتعاون العسكري بين واشنطن وحكومة جنوب السودان. إلا أن تقارير إعلامية أمريكية ذكرت أن وزارة الخارجية الأمريكية في أعقاب التوصل لاتفاق السلام الشامل منحت إحدى الشركات الأمريكية الخاصة عقدا للقيام بتأهيل متمردي جنوب السودان وتحويلهم لقوة عسكرية محترفة. واختارت الحكومة الأمريكية شركة (دين كورب) التي فازت ب 40 مليون دولار للقيام بهذه المهمة.
هذه ليست هي المرة الأولى التي تفوز فيها شركة دين كورب بعقد من وزارة الخارجية الأمريكية للقيام بمهام في السودان، ففي مايو عام 2003 منحت دين كورب عقد تقديم دعم لوجيستي لقوات منظمة الوحدة الأفريقية لحفظ السلام. وفي عام 2001 وُكلت الشركة بمهمة مساعدة وتسهيل إجراء مفاوضات دبلوماسية بين الجنوبيين وحكومة السودان، وتذكر الشركة أن أولوياتها في السودان تتمحور حول دعم الاستقرار هناك. وفي مقابلة مع وكالة رويترز الإخبارية أكد (آل ريجني) نائب رئيس شركة دين كورب لتنمية الأعمال الدولية، أن حكومة الولايات المتحدة ترى أن من شأن وجود قوة عسكرية مؤهلة ومستقرة المساعدة على دعم الاستقرار، وأكد نائب رئيس الشركة أن أنشطة شركته كلها سلمية ولا تتضمن أنشطة عسكرية.
ومن جانب آخر كما يستطرد (تقرير واشنطن) توقعت بعض المصادر وجود دوافع خفية وراء تلك الصفقة، وترى أن شركة (دين كورب) وعقدها الأخير يهدفان إلى تعزيز القدرات العسكرية للجيش الشعبي لتحرير السودان لكي تضعف موقف الخرطوم إذا ما أخلت باتفاق السلام بين الشمال والجنوب.
وتؤكد شركة (دين كورب) أن عقدها مع وزارة الخارجية الأمريكية لا يشمل إرسال أسلحة للجيش الشعبي لتحرير السودان، بل فقط مساعدة وتدريب وتأهيل الجيش الشعبي لتحرير السودان، وليس لتسليحه أو لمساعدته في شن عمليات عسكرية هجومية. إلا أن خبيرا أمريكيا يخشى وجود دور أكبر لشركة دين كورب، وهو دور سيكون غير معترف به رسميا ..
شركة (دين كورب) واحدة من شركات كثيرة تقوم الحكومة الأمريكية بالتعاقد معها مقابل القيام بمهام خارجية محددة. وتوظف شركة دين كورب، والتي يقع مركزها الرئيسي في مدينة (ايرفن) بولاية تكساس، نحو 14 ألف موظف يعملون في خمس وثلاثين دولة، وقد فازت من قبل الشركة بعقود من حكومة الولايات المتحدة في عدد من مناطق العالم المضطربة، من ضمنها العراق وأفغانستان وليبيريا وكولومبيا.
وفي حين كانت وزارة الدفاع الأمريكية هي العميل السابق الأول لشركة( دين كورب)، فإن وزارة الخارجية الأمريكية تفوقت عليها وبلغت نسبة عقودها الآن 53% من عائدات الشركة .. هذا وتُشمل إدارة الشركة عددا من المسئولين الحكوميين السابقين، وعسكريين، وضباط كبار سابقين. ومن ضمن هؤلاء السفير (مارك جروسمان) الذي خدم كنائب وزير بالخارجية الأمريكي للشئون السياسية منذ عام 2001 وحتى 2005.
هذا ويستطرد (تقرير واشنطن) مشيراً إلى أنه ورغم وجود حظر طبقا للعقوبات المفروضة على السودان كونه أحد الدول التي تصنفها الخارجية الأمريكية كراعية للإرهاب، إلا أن العديد من الشركات حاولت التغلغل للسودان شماله وجنوبه للتواجد في هذه المنطقة الغنية بالموارد والتي سيتم تقسيمها العام القادم لدولتين. هذا وقبل أن يرفع الحظر عن الشركات الأمريكية للعمل في السودان عام 2006 عقب التوصل لاتفاقية السلام الشامل، حاولت شركة (بلاك ووتر) ، طبقا لتقارير إخبارية أمريكية، وهي أكبر الشركات الخاصة التي توفر خدمات أمنية للحكومة الأمريكية ولها وجود كبير في العراق وأفغانستان، وغيرت أسمها مؤخرا بعد الكشف عن مشاركتها في تعذيب محتجزين لديها إلى أسم جديد هو (أكس إي)، لتوفير حماية أمنية لكبار مسئولي حكومة جنوب السودان، ولتدريب جيش الجنوب، وقد حاول أن يساعدها في سعيها للحصول على تعاقدات حكومية، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، عن طريق معرفته الوثيقة برئيس الشركة (إيريك برنس). ولم تهتم الشركة في حينه لعقد بقيمة 100 مليون دولار أمريكي، فقط طلبت حق الانتفاع بما قيمته 50% مما تحتويه مناجم للحديد والذهب في الجنوب! هذا وقد قام بالإشراف على مفاوضات مباشرة مع (يحتفظ الراصد بإسم المسؤول !!!) نائب رئيس الشركة (كريستوفر تايلور)، الذي أصطحب معه لجوبا اثنان من كبار قادة حركات الايفانجليكال المحافظين (هاورد فيليب) و(إيدجر برنس) .. هذا ويستطرد (تقرير واشنطن) مشيراً إلى أنه قد كان ملفتا أن تكشف تقارير إخبارية أمريكية عن قيام رجل الأعمال الأمريكي (فيليب هالبيرج)، وهو مصرفي متقاعد، بشراء 400 ألف فدان من الأراضي في جنوب السودان، وبمبلغ لم يُفصح عنه، لمصلحة شركته التي تسمى (جيرش)، وهي مساحة كما يشير (تقرير واشنطن) أكبر من مساحة إمارة دبي . وقد تم الشراء بهدفٍ معلنٍ هو الاستثمار الزراعي . إلا أن القلق في حينه قد ساور البعض في الخرطوم .. وقال (هالبيرج) إنه اشترى قطعة الأرض تلك من عائلة احد قادة الحركة الشعبية التابع لحكومة الجنوب (في تقرير واشنطن ورد اسم القائد) ..
هذا وفيما يخص مراكز الأبحاث الأمريكية التي تهتم بجنوب السودان أشار تقرير واشنطن للآتي :- تركز العديد من مراكز الأبحاث الأمريكية مثل معهد السلام الأمريكي، ومعهد وودرو ويلسون، ومركز التقدم الأمريكي، على كل شئون الجنوب السوداني، من الصحة، للتغذية، للحكم، لنظم التعليم. كذلك تهتم أيضا الجهات المعنية بشأن وأضاع الحريات الدينية بجنوب السودان، نظرا لما عانى منه الجنوب تاريخيا في هذا الشأن.(على حد قول التقرير) .. وعلى سبيل المثال فقد عقد معهد السلام ندوة تحدث فيها خبراء من البنك الدولي ومنظمات تعليمية أمريكية عن تحديات بناء نظام تعليمي بعد مرحلة الصراع .. أما مركز التقدم الأمريكي فيحتضن مشروع كفاية (Enough Project) ، الذي يرأسه (جون بريندرجست) الذي أصبح أهم النشطاء تأثيرا في السياسة الأمريكية في الشأن السوداني في واشنطن .. هذا ويرى (بريندرجست) كما يشير تقرير واشنطن إلى أن كل الشواهد لتدل على أن حكومة الخرطوم ستعرقل إجراء الاستفتاء، وإن فشلت فستحاول التحكم في نتائج الاستفتاء، وإن فشلت فلن تعترف بنتائج الاستفتاء. وهو ما سيكون بمثابة الإعلان عن بدء فصل متجدد وأكثر دموية في الصراع المسلح بين الجنوب والشمال في السودان، وسيكون أكثر خطورة إذ أن الطرفين يستثمرون في قدراتهما العسكرية بصورة كبيرة منذ توقيع اتفاقية السلام .. هذا وقد اختلف (بريندرجست) مع رؤية مبعوث الإدارة الأمريكية لشئون السودان الجنرال (سكوت جريشن) حين قال ليس لدى الولايات المتحدة أي كروت للضغط على لخرطوم، ويرى ضرورة أتباع سياسة العصا والجزرة على النحو التالي، أن تهدد واشنطن نظام البشير بفرض عقوبات على كبار أعضاء الحزب الحاكم في السودان، وعرقلة إلغاء ديون السودان، ودعم جهود المحكمة الجنائية الدولية للقبض على الرئيس حسن البشير، وتشديد حظر تصدير السلاح للسودان، وتقديم المزيد من الدعم للجنوب.
ولا يعرض (بريندرجست) فقط طرق التهديد، بل يرى ضرورة مد حكومة الخرطوم ببعض المغريات حال تحقيق سلام في السودان والسماح بالانفصال مثل، عرض تجميد طلب المحكمة الجنائية الدولية لمدة عام وتطبيع العلاقات بين الخرطوم وواشنطن .
هذا ويتطرق (تقرير واشنطن) لجلسة استماع في مجلس الشيوخ عقدت مؤخرا بعنوان (تقييم تحديات وفرص السلام في السودان)، طالبت فيها (كاثرين ألمكويست) من المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية، بضرورة مفاوضات مباشرة بين الجنوب والشمال حول قضايا ما بعد الاستفتاء . وترى كاثرين أن المفاوضات المبكرة من شانها توفير ضمانات للحكومتين في الخرطوم وجوبا، وللجماعات التي من المتوقع أن تتأثر بنتائج الانفصال .. وترى (كاثرين) ضرورة أن تروج الحكومة الأمريكية لفكرة خلق شريط حدودي منزوع السلاح بين قوات جيش جنوب السودان وجيش حكومة الخرطوم . وأن يشرف على هذا الشريط الأمم المتحدة، عن طريق قوات حفظ السلام الدولية .. وتتوقع كاثرين بأن مشهد ما بعد الاستفتاء ستملؤه تطورات وقضايا حساسة وهامة وقابلة للاشتعال، خاصة في وقت يغيب فيه اليقين فيما يرتبط بالمستقبل .
هذا وتطرق (تقرير واشنطن) لما يراه (ريتشارد داوني) من مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن، وهو أن واشنطن تنظر بشكل واضح إلى الأمام وتتطلع إلى استفتاء يناير 2011 ، وترى أن الاستفتاء هو أهم شيء سيتحقق، وتركز واشنطن بشكل كبير على تحقيق عملية انتقالية سلسة، وسيتوقع الجميع أن يكون تصويت الجنوب بنعم على استفتاء استقلالهم (على حد تعبير التقرير) . ويستطرد (ريتشارد) إن الانتخابات الرئاسية لم تكن رائعة، ولم تلتزم بالمعايير الدولية إطلاقا، ولكن رغم ذلك لا تتردد واشنطن من أن تكون منافقة حول نتائجها، إذ أنها لا تريد أن تؤثر بشكل يؤثر على استقلال المنطقة .. ويستطرد (تقرير واشنطن) قائلاً أن المبعوث الأمريكي للسودان الجنرال (سكوت جريشن) قد ذكر أن أمريكا تعلم أن نتائج الانتخابات الأخيرة الرئاسية في السودان كانت مزورة، إلا أن واشنطن قررت قبول نتائج تلك الانتخابات من أجل الوصول إلى ما سماه استقلال جنوب السودان . ورغم إدراك المبعوث الأمريكي للسودان (سكوت جريشن) أن قضايا رئيسية مثل تعداد السكان وترسيم الحدود وكيفية توزيع الثروة النفطية والديون والمواطنة واللاجئين لم يبت بشأنها حتى الآن، إلا أنه أكد على ضرورة الالتزام بإجراء استفتاء الجنوب كما هو محدد له .. هذا ولا يفوت أركان إدارة الرئيس الأمريكي أوباما فرصة إلا ويؤكدون فيها على ضرورة أجراء استفتاء انفصال الجنوب، ويُظهر كل ذلك بوضوح أولوية هدف إجراء الاستفتاء وانفصال الجنوب على قضايا أخرى مثل نزاهة الانتخابات الرئاسية أو الضغط على الرئيس البشير لتسليم نفسه للجنائية الدولية.
هذا ويشير (تقرير واشنطن) إلى أن أوباما كان قد أعرب عن أن إدارته نشطة في محاولة التأكيد على استقرار السودان، واستمرار المساعدات الإنسانية إلى دارفور، وإجراء الاستفتاء الذي قد يقود إلى استقلال الجنوب عن الشمال . وجاء تأكيد أوباما على ضرورة إجراء الاستفتاء في لقاء مع تليفزيون جنوب أفريقيا، وعلق أوباما على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإضافة اتهامات بالإبادة إلى لائحة الاتهام ومذكرة الاعتقال الصادرة بحق الرئيس السوداني، قائلا إن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال، ومن ثم فإنني أعتقد أنه من المهم لحكومة السودان أن تتعاون مع المحكمة . . هذا ويتطرق (تقرير واشنطن) إلى نائب الرئيس الأمريكي (بايدن)، ويشير إلى أنه قد سبق أن أجرى مباحثات مع سالفا كير في العاصمة الكينية تناولت الاستفتاء المقرر إجراؤه، ووعد بتقديم مساعدة تقنية ودعم مالي لعملية الاستفتاء. ثم أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون التزام الولايات المتحدة بتطبيق اتفاقية السلام الشاملة الخاصة بالسودان والتي تتضمن القيام بالاستفتاء في موعده، لتضيف زخما جديدا للجهود الأمريكية الهادفة إلى انفصال جنوب السودان (على حد قول التقرير) ..
هذا وعن اهتمام أمريكا بجنوب السودان يشير (تقرير واشنطن) إلى أن بداياته كانت في العام الأخير لحكم (بيل كلينتون)، الذي هدد بعزل السودان سياسيا، وفرض عقوبات اقتصادية، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام مع الجنوب، وأن ينهي السودان دعمه للإرهاب الدولي .. وكانت مساعدة وزيرة الخارجية للشئون الأفريقية حينذاك هي (سوزان رايس)، سفيرة أمريكا الحالية لدي الأمم المتحدة .. هذا وقد استمر الأمر على ما هو عليه خلال إدارة بوش من بعده، إلى أن قادت واشنطن الدول الأوروبية ممثلة في بريطانيا والنرويج وإيطاليا أو ما عرف باسم "الترويكا" الأوروبية + 1عام 2001 للدفع نحو تحقيق السلام .. هذا وقد عين بوش أول مبعوث خاص له للسودان عام 2001 وهو (جون دانفورث) الذي لعب دورا رياديا في تقريب وجهات النظر بين شمال وجنوب السودان بالتعاون مع منظمة إيجاد إلى أن باتت الأجواء مهيأة للتفاوض بين الخرطوم والجنوبيين. ونجحت جهود إدارة بوش في توصل الأطراف السودانية إلى اتفاق السلام الشامل عام 2005. (انتهى .. ولكن للموضوع بقايا وزوايا وتعليقات فترقبوها) ..
توفيق منصور (أبو مي)
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة