بسم الله الرحمن الرحيم
دعَّاك : جاري الذي امتص البعوض دمه ؟!!
توفيق عبدا لرحيم منصور (أبو مي)
http://www.tewfikmansour.net
رأيت جاري المهندس (بابكر دعَّاك) يقف تحت شجرة أمام منزله بامتداد شمبات ويكرش في جسمه ويصيح لي : وين عمودك يا راجل، البعوض مصَّ دمنا وأكلنا أكل ؟.. وللعلم فإن المهندس دعَّاك لديه لسان ناقد لكل ما هو لا إنساني، ويكتب أيضاً في بعض صحفنا، ولكن يبدو أن البعوض ألجم قلمه ولم يترك له وقتاً للكتابة عن مأساة الحشرات التي احتلت العاصمة هذه الأيام وعلى وجه الخصوص البعوض، فالهرش والعكننة البعوضية سرقت من (دعّاك) القلم والكلِمَ كما سرقت منه بعضاً من دمه، وسرقت منه (نوم عينو)، وجعلته يبدو حزيناً هذه الأيام وهو الرجل صاحب النكتة المعبرة، والبسمة الدائمة، والتعليقات الساخرة والهادفة في آن واحد، ولكن البعوض أفلح في تغيير (دعّاك) لرجلٍ صامتٍ يجتر ذكريات الأيام الخوالي (من البعوض) وينكرش طوال الوقت، وهنا يبدو أن الأمر لا يخلو من مؤامرة، لأن إسكات (دعّاك) حساً وقلماً للدرجة التي اخذ يستجدي ويستنجد بالغير لتناول موضوع البعوض كتابة، إنما تكمن من ورائه قوة أسكتت دعّاك تماماً كما أسكتت غيره !!.. هذا وعندها حاولت أن أسري عن دعّاك همه البعوضي وأضحكه قليلاً قلت له بأن البعوضة التي تزعجك إنما هي أنثى البعوض، وليست الذكر، وعليه فلسان حالك يقول كما يقول الشاعر ..
ولو غفوت أقل من دقيقة، أيقظتني بقبلة عميقة ..
فإن كان هذا هياماً فبئس العشيقة ..
فعشقها غرام عجزت أن أطيقه .. !!
عندما رأيت دعّاكاً على هذا الأمر من التأثر والعكننة، وأن الأبيات السابقة زادت لعكننته، أحببت أن أستمر في محاولة تخفيف هول المصيبة البعوضية عليه، فقلت له يا جاري العزيز هل الموضوع فقط يقف عند قضية البعوض؟ فهناك العديد من المآسي العاصمية التي يندى لها الجبين، فعاصمتنا ليست عاصمة، ولا معصومة من ويلات سحابة عابرة، وعاصمتنا تجعل المرء يضع يده على قلبه إن رأى (سحابة شايله)، وعاصمتنا تغرق شوارعها وتتحول لبرك من المياه خلال نصف ساعة من الأمطار الخفيفة، وظلطها لا أدري كيف تم تشييده ؟! فهو يتمسك بالمياه غصباً عنها هنا وهناك، ومن ثم يتحلل أسفلتها فيُحدث حفراً تستعصي حتى على عربات الكارو .. أما ما يساعد البعوض وهوام الأرض للعبث بأمننا، فيتمثل بالخراف التي تباع على قارعة طرقها، وتفعل مخلفاتها بجو المدينة ما تشاء من تلوث فتاك أبعاده معقدة، وكذلك الحاويات التي تعج بها معظم أحيائنا، فهي تحتل الشوارع، وتساعد اللصوص على التلصص ليلاً علينا، فينعدم أمننا، وكذلك تعشش تحتها الفئران المخيفة وهوام الأرض .. أما هياكل السيارات القديمة فلا شك تزيد لقبح عاصمتنا وتلوثها .. وشوارعنا تعج بشتى انواع الفوضى، فمعظمنا يردمها حسب اجتهاداته، فأضحت (عالي واطي)، وعليه فنحن انفردنا عالمياً بالتعامل مع شوارعنا على مستوى المواطن، وكذلك على مستوى الاحتفاظ بالحاويات أمام المنازل، والاحتفاظ بمخلفات المباني واتربة حفر أساسات المنازل، والاحتفاظ بهياكل السيارات كل على هواه، فلا توجد عاصمة أو حتى قرية في العالم يفعل بها اصحابها كما نفعل نحن (حكومة وشعباً) بعاصمتنا ..
عزيزي دعّاك دعنا من البعوض، وتخيل معي هذا المشهد، قبل وبعد الخريف، لكي تنسى ما فعله البعوض بجسمكم ولتقول .. والله اللي يشوف مصيبة (مشهدٍ ما) تهون عليه مصيبة (مشهدٍ بعينه) !!..
المشهد الأول : تلفازنا وهو يستعرض الآليات التي استجلبتها الولاية لمواجهة هذا الخريف .. جرارات .. سيارات صغيرة للتحرك السريع .. شاحنات .. تراكترات .. قريدرات .. وما إلى ذلك من آليات جعلتني أصيح بهستيرية بالغة امام التلفاز (الله اكبر الله اكبر)، ولكن مع الأسف لم ار منها ابداً أية آلية تقوم بدورها في درء مأساة خريفنا على الأقل في حيينا.. فأين ذهبت وماذا فعلت ؟؟.. وإن كانت قد استُجلبت لأحياء بعينها على المسؤولين إحاطتنا بذلك !!. كذلك وكملحق للمشهد الأول أشير لظهور المسؤولين وتصريحاتهم عبر اجهزة إعلامنا عن الاستعداد لهذا الخريف، للدرجة التي وضعنا على ضوئها (بطيخة صيفي) في بطننا .. هذا وقد شمل قطار من أدلوا بدلوهم من المسؤولين جميع الدرجات بالولاية، ومنهم مستشاري والي الخرطوم !!.
المشهد الثاني : مياه تغمر جميع الأحياء، خاصة تلك التي لم يُدق فيها معول واحد لمصارف المياه، وظلط تحول لمأساة بعد أن غمرته المياه في أماكن متفرقة منه، فخربته أيما تخريب (أخص بالذكر شارع أسامة المقبول بشمبات الأراضي) .. هذا وعليه رأينا بعض (أدوار) الأتربة تم اسقاطها في بعض الأحياء في أماكن متفرقة لأجل ردم البرك المتناثرة هنا وهناك، ولكن فوجئنا بأن تلك الأكوام إما بقايا أنقاض بناء، أو أتربة غير صالحة لردم الشوارع، فبعضها كان من مخلفات حفر الأساسات (يعني أقرب لطين البحر) وليس تراباً للردم .. كذلك قد تُركت تلك الأكوام دون فرشها وتسطيحها، أو تم فرش بعضها فخربت الشوارع تخريبا نهائيا يصعب معه إصلاحها ..
عزيزي (دعّاك) أتركك هنا الآن لأن الهرش البعوضي بدأ معي، ولكن أعدك بأن أتابع موضوع تدهور بيئة عاصمتنا ما لم أصاب بالملاريا، حمانا وحماكم وحمى كل المساكين رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. وقوووول يا لطيف ألطف ..
توفيق عبدا لرحيم منصور (أبو مي)
http://www.tewfikmansour.net
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة