الـديستوبيا ! بقلم عماد البليك

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-19-2024, 03:50 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-07-2015, 03:15 PM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 118

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الـديستوبيا ! بقلم عماد البليك

    02:15 PM Mar, 07 2015
    سودانيز أون لاين
    عماد البليك - مسقط-عمان
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    لا يحكى



    الديستوبيا Dystopia مصطلح معكوس لليوتوبيا، فإن كانت الثانية تعبر عن مدينة فاضلة أو عالم يعيش فيه الناس في سلام واسترخاء وقيم تامة من المساواة والعدالة، فإن الأولى تشير إلى المدينة الفاسدة، وهو تحديدا اصطلاح يصف "أدب المدينة الفاسدة" حيث كل شيء قبيح وغير مرغوب فيه، وحيث يظهر البشر بأبشع ما عندهم من صور وقيم وجنون، والكلمة في مرجعيتها باليونانية القديمة تعني "المكان الخبيث".
    إن الديستوبيا تصور لنا عالما مخيفا ليس فيه إلا الكراهية والذوات التي تحاول بشتى الطرق هدم الأخلاق لتعيش من أجل الدماء والفساد وهي تمارس كل شيء ممكن وغير ممكن ليكون المكان كريها جدا.
    وقد وظف الأدب هذا الفضاء بحيث يتم ابتكار أمكنة من هذا النوع، بهدف أن يظهر الكاتب أو المؤلف أن هذه الصفات السلبية تجعل الحياة لا تطاق، وأن الأجمل أن نعيش في عالم رائع يتمتع بالسلام والجمال والمحبة. فـ "الضد يظهر حسنه الضد" كما قيل في الأثر الأدبي.
    ولهذا قيل أيضا أن جمال السلم لا يظهر إلا من خلال قبح الحروب. وهذا ليس مدعاة للحرب ولكن يعني ذلك أن من يعيش الجحيم يدرك أن الجنة لذيذة وبارد شرابها عندما يلج عوالمها. والمجرب ليس كالذي يحلم.
    وفي الأدب فإن ابتكار أمكنة وأزمنة خيالية في بعض الأحيان، يهدف إلى نقلنا إلى هذه العوالم بحيث نتعلم ونكتشف ونكون أمام القسوة لنصل إلى الدفء والعاطفة ونعظم الوجدان الإنساني والضمير ليكون له دوره بدلا من قتله وتحويله إلى أداة للتمزق والخراب بين العالمين.
    لكن يبدو أن الواقع أقوى كما يعرف الناس من الخيال في بعض الأحيان، أو غالبا. رغم أن ذلك الواقع في أساسه اعتمد في البداية على خيالات البشر، وهنا المفارقة أو الإشكال الذي يصعب حله. كيف للخيال البشري أن يصل إلى حد مخيف من العنف بحيث يفوق الخيال نفسه في مساحة أخرى في الفنون والأدب.
    كما أن ذلك يكشف أن بعض ممارسي الخيال واقعيا وبغض النظر عن نتائجهم المدمرة، شخصيات مثل هتلر في التاريخ، يكون خيالهم في صناعة عالم الـديستوبيا أقوى وأكثر عمقا من الخيال الروائي والإبداعي. طبعا في الطريق المؤلم والمرعب.
    لقد عالجت أعمال أدبية كثيرا مسائل مثل فشل الحكومات وعنفها والرعب الذي ينتج عن السلطة المتحجرة والجنون الذي يأتي باسم التسلط، بل مضت إلى تحليل وتشريح الذات البشرية في أبعد من صورة وعالم وإطار، لنجد أنفسنا أمام شبكة معقدة من المسائل بحيث نقف عاجزين عن فهم الكيفية التي يعمل بها الخيال البشري في إبداع وإنتاج العنف والتوحش.
    وإن كان بعض من هذا الأعمال يعتمد على فضاءات تاريخية أو آنية، أو يناقش قضايا حية أو واقعية، فإن الأكثر قوة وتأثيرا في مجازاته الإبداعية من أدب الديستوبيا ما يتعلق بالفضاء المستقبلي الذي لم يخلق بعد كما في رواية 1984 لجورج أوريل، أو كما في "العمى" لساراماغو التي هي أيضا تتحدث عن فضاء غير محدد يبدو أقرب للمستقبل، حيث يكشف عن ترهل المؤسسات الحكومية والبيروقراطية وسقوط العدالة باسم النظام وتحول ما يعرف بالـ "سيستم" إلى مجرد فوضى في النهاية ليس من وراءها إلا المزيد من الشروخ في جسد المجتمع الإنساني وتغييب العدالة وبالتالي تبعيد علم العيش في رفاء أو على الأقل التمسك بالأمل.
    إن وجود الشر في عالم الديستوبيا ليس هدفه أن يكون عالمنا شريرا بل أن يقدم لنا مآلات الشرور وما تفعله في العالم، بحيث يحب الإنسان الخير ويبتعد عن القسوة والعنف. ولكن في بعض الأحيان يحدث العكس حيث يوظف البعض هذه النصوص لكي يجعلوا العالم أكثر قبحا وبدلا من تتحول الرسالة الحسنة إلى مغزى جميل وهدف نبيل، تصير على يد إنسان معين إلى فعل يقود لعكس مراده وهدفه، ويصبح الفن أداة سالبة. وهذا ناتج من خلل في التلقي ومن فهم غير سليم لدور الإبداع والفنون وقبل ذلك التربية على ذلك الشيء، التي هي في الأساس غائبة بشكل عمومي.
    في عوالم الديستوبيا نشاهد أشكالا وأصنافا كثيرة ومتباعدة من العنف الممارس، ليس على سبيل فكرة السلطة بمعناها المركزي فحسب، بل أيضا على مستويات الذات الفردية والتعاطي أحيانا حتى مع قضاياها بعنف، كذلك على مستوى معالجة قضايا الطبيعة والبيئة في تعامل الإنسان معهما، من حيث الإدارة السلبية التي تحول البيئة إلى عدو بدلا من كونها صديقا للإنسان، وهذا ما يحدث في عالم اليوم، حيث أفسد الإنسان الهواء والبحار بالملوثات والغازات السامة.
    كما يعالج هذا النوع من التخييل، الإشكالات الروحانية في التعاطي السيء مع الأديان وتوظيفها بشكل غير سديد بحيث تصبح عنوانا للكراهية بدلا عن التقريب بين الشعوب والتعايش السلمي.
    أيضا معرفة أثر التقنية على التقدم وما تفعله من آثار سيئة بالإضافة إلى انعكاسها الإيجابي المفرغ منه. فاليوم ثمة أسئلة كثيرة تتعلق بالتكنولوجيا وما بعدها من أثر. من تأثير على البناء الذهني والأجيال الجديدة وعلى أنماط المعرفة والتلقي، كذلك الأثر المادي المباشر للنفايات والسموم المترتبة عنها والتي تؤثر سلبيا على البيئة في كوكب الأرض.
    إن تصوير المستقبل بشكل سيء وعنيف والرغبة في جعله على هذه الصورة الكريهة، هي محاولة إنسانية وإبداعية خيالية للاقتراب من الجمال من خلال القبح، ومحاولة حل المشكلات والتحديات من خلال القفز إلى الدرجة القصوى من الأزمة، أن رؤية ما هو أفظع أحيانا يجعلنا نحل المشكلة الأهون.
    لكن الأزمة الحقيقية التي تواجه الإنسان عندما يكون الحدث المظلم الواقع في حيز الـديستوبيا قائما في الواقع وماثلا كما جرى في أحداث سبتمبر مثلا، هنا يصبح المجال الواقعي أكثر قوة من التخيلي، وتتعقد درجة الوصول للحل، لأنه لم تبق مسافة فاصلة للتأمل كما يمنحنا الأدب وهو يتكلم عن مستقبل أو لحظة غامضة لم تحدث وقد لا تحدث أساسا.
    إنها النفوس البشرية في معتركاتها المعقدة، بحيث تقترب من الحلول كلما ابتعدت منها، وحيث الخيال الذي يوفر الحلول هو الذي يصنع الأزمات والمعوقات من ناحية أخرى. وربما كان هذا سر جمالية الوجود الإنساني على هذا الكوكب. ذلك التحدي القائم على كون الإنسان ناطقا ومتكلما.. كونه كائنا ذهنيا وجدليا لا يقف عند أي نتيجة على أنها نهائية أو خلاصة لا تقبل الشك فيها أو المراجعات.
    لكن في النهاية يكون ضروريا لنا إعمال الخيال.. تطويره وشحذه.. تربية الأجيال على تحرير خيالاتها لتكون قادرة على الفرز بين مساحات الجمال والقبح، وهذا ليس عملا فرديا. بل شأن مؤسسي إذ لم يتم الشروع فيه وبإيمان عميق به ومعرفة بحوافزه ومكتسباته المتوقعة، لن نصل لأي عالم جديد، أفق مستقبلي أجمل.
    mailto:[email protected]@gmail.com





    مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب

  • حقيقتي.. إرهابي ؟! بقلم عماد البليك 03-05-15, 12:37 PM, عماد البليك
  • الساحر ينتظر المطر ! بقلم عماد البليك 03-04-15, 02:01 PM, عماد البليك
  • سعة الأحلام وعبادة الصبر ! بقلم عماد البليك 03-03-15, 03:47 PM, عماد البليك
  • عن سليم بركات والكرمل وعوالم أخرى! بقلم عماد البليك 03-02-15, 10:39 PM, عماد البليك
  • وزارة الفلسفة! بقلم عماد البليك 03-02-15, 05:32 PM, عماد البليك
  • صناعة الوهم ! بقلم عماد البليك 02-26-15, 03:02 PM, عماد البليك
  • سينما.. سينما !! بقلم عماد البليك 02-25-15, 01:40 PM, عماد البليك
  • واسيني والمريود بقلم عماد البليك 02-24-15, 02:57 PM, عماد البليك
  • المدن الملعونة ! بقلم عماد البليك 02-22-15, 01:26 PM, عماد البليك
  • نهاية عصر البطل ! بقلم عماد البليك 02-19-15, 01:24 PM, عماد البليك
  • ما وراء الـتويوتا ! بقلم عماد البليك 02-18-15, 01:24 PM, عماد البليك
  • حوار مع صديقي مُوسى ! بقلم عماد البليك 02-17-15, 04:44 AM, عماد البليك
  • شياطين الحب وأشياء أخرى ! بقلم عماد البليك 02-15-15, 02:12 PM, عماد البليك
  • الحداثة المزيفة وما بعدها المتوحش بقلم عماد البليك 02-14-15, 03:32 PM, عماد البليك
  • ما بين السردية السياسية والمدونة الأدبية بقلم عماد البليك 02-13-15, 01:31 PM, عماد البليك
  • قوالب الثقافة وهاجس التحرير بقلم عماد البليك 02-11-15, 01:50 PM, عماد البليك
  • لا يُحكى..أزمة السودان الثقافية بقلم عماد البليك 02-10-15, 05:15 AM, عماد البليك
  • لا يُحكى فقر "سيتوبلازمات" الفكر السياسي السوداني بقلم عماد البليك 02-09-15, 05:13 AM, عماد البليك
  • عندما يُبعث عبد الرحيم أبوذكرى في "مسمار تشيخوف" بقلم – عماد البليك 07-26-14, 08:31 AM, عماد البليك
  • إلى أي حد يمكن لفكرة الوطن أن تنتمي للماضي؟ بقلم – عماد البليك 07-06-14, 00:32 AM, عماد البليك
  • المثقف السوداني.. الإنهزامية .. التنميط والدوغماتية 07-02-14, 09:33 AM, عماد البليك
  • بهنس.. إرادة المسيح ضد تغييب المعنى ! عماد البليك 12-20-13, 03:08 PM, عماد البليك
  • ما بين نُظم الشيخ ومؤسسية طه .. يكون التباكي ونسج الأشواق !! عماد البليك 12-16-13, 05:11 AM, عماد البليك
  • مستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (2- 20) عماد البليك 12-05-13, 06:01 AM, عماد البليك
  • مستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (1- 20) عماد البليك 12-02-13, 04:48 AM, عماد البليك























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de