انفصال الجنوب والجنسية
نحن علي أعتاب انفصال الجنوب عن الوطن وهذا الأمر أصبح واقعا ، وبغض النظر عن دوافع هذا الانفصال والمتسبب فيه يجب علينا تبيان تبعات هذا الانفصال ولتفادي أي اضطرابات قد تودى إلي العداوة بين الدولتين الجارتين , هذا من ناحية ومن ناحية أخري يجب النظر إلي أمكانية عودة الوحدة بين شطري الوطن في المستقبل نقول هذا أيمانا منا بأن أواصر القربي والعلاقات الأزلية بين شعبي شطري الوطن يصعب بل يستحيل قطعها مهما حاول العنصريون الموتورون من بث سمومهم من التعالي العرقي والديني فالطلاق بالحسني أدعي للعودة إلي الوئام والتوافق ومن أهم المسائل المختلف عليها مسألة الجنسية فقد ذهب فريق السلطة إلي القول بأن الجنسية السودانية سوف تسقط عن المواطن الجنوبي بعد إقرار الانفصال بل ذهب بعض دعاة العنصرية والتعالي العرقي من أمثال وزير الإعلام كمال عبيد إلي القول بأن الجنوبي إذا تم الانفصال لن يسمح له بالبيع والشراء بل لا يعطي حقنة في المستشفي إذا كان مريضا ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم ( هؤلاء هم أصحاب المشروع الحضاري ) وذهب آخرون إلي طرد الجنوبيين من الشمال شر طردة بعد الانفصال ، وطردهم من الوظائف في الشمال وهلمجرا......
هذه الأحاديث بجانب أنها نذير بالفتنة والاضطراب المؤديان الي الكراهية والعداوة فان الذين يطلقونها يمضون بغير هدي من دين يدعّون أنهم من أنصاره ولا من دستور وضعوه بأنفسهم وأقسموا علي احترامه ولا من قانون رسمه وعدلوه بانفسهم هؤلاء مجرد حمقي لا يعلمون ما يقولون وهم أس البلاء في هذه البلاد أين المستشارون الكثر أين القانونون ؟ ، مسألة الجنسية تحكمها الدستور الانتقالي وقانون الجنسية والمعاهدات الدولية ، نجد أن اتفاقية نيفاشا خلت من أي ترتيبات حول الجنسية بعد الانفصال وهذا لا يمنع أن تتفق الدولتان بعد الانفصال علي ترتيبات تخص مسألة الجنسية وبالتالي فأن أي حديث عن فقدان الجنوبي في الشمال لجنسيته فور الانفصال يعد حديث عنصرية وانفعالات شخصية لا تمت إلي الحقيقة بصلة، وبالرجوع إلي الدستور الانتقالي نجد أن المادة (7) تتحدث عن أكتساب الجنسية لكل مولود من أم أو أب سوداني ، كما أجاز الدستور لأي سوداني أن يكتسب جنسية بلد آخر حسبما ينظمه القانون أى قانون الجنسية قانون لسنة 1994م الذى عرف السوداني بالميلاد و بالتجنس واحقيتهما في منح الجنسية السودانية ، هذا وقد حدد القانون شروط إسقاط الجنسية في المادة (10) التي أجازت لرئيس الجمهورية أن يقرر إسقاط الجنسية عن أي سوداني بالميلاد من ذوي الأهلية يكون قد بلغ سن الرشد وذلك إذا ثبت أن الشخص قدم إقراراً بالتنازل عن جنسيته السودانية أو التحق بخدمة دولة أجنبية أو استمر في تلك الخدمة مخالفاً بذلك أي حكم صريح في أي قانون يحرم ذلك الفعل ، وبدون هذين الشرطين لا يستطيع كائن من كان أن يسقط الجنسية السودانية عن السودان بالميلاد فمن أين لهؤلاء المتنطعون القول بطرد الجنوبيين وحرمانهم من حقوقهم الدستورية ؟
أما المعاهدات الدولة والتي وقعت عليها الحكومة والتي أصبحت جزءاً من الدستور الانتقالي فقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 في المادة (15)( بأن لكل فرد حق التمتع بجنسية ما وإنه لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفا أو أنكار حقه في تغييرها ) ،أما اتقافية جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول وهذه الاتفاقية اعتمدت ونشرت علي الملأ وفتحت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (رقم55/153) المؤرخ في 12/ديسمبر/2000م ، جاءت هذه الاتفاقية نظراً لأن مشاكل الجنسية الناشئة عن خلافة الدول تهم المجتمع الدولي وطبقا لهذه الاتفاقية فأنه يحظر تجريد الأشخاص تجريداً تعسفيا من جنسية الدولة , مع ضرورة إعطاء الجنسية إلي الأشخاص الذين يقيمون فيها بصفة أعتيادية وهنالك تجارب كثيرة في هذا المجال وتجربة انفصال بنجلاديش عن باكستان 1971م فكان المعيار الأساس هو الإقامة في الدولة ، وترك الخيار للسكان بين الاحتفاظ بالجنسية القديمة أو اكتساب جنسية الدولة الجديدة وبالعموم فأنه لا يجوز سحب جنسية أي مواطن جنوبي مقيم في شمال السودان إلاّ إذا أكتسب جنسية الدولة الجديدة وتخلي طواعية عن الجنسية القديمة أي أن الخيار متروك للمواطن الجنوبى المقيم في الشمال في الاحتفاظ بجنسيته السودانية أو التخلي عنها ونفس الشئ ينسحب علي الشمالي المقيم في الجنوب . فمالم يقدم المقيمون علي التنازل عن جنسياتهم القديمة فلا يستطيع أحد سحب الجنسية ، نخلص إلي أن مسألة الجنسية المزدوجة هي التي تناسب الحالة السودانية . وبالرجوع إلي قانون الجنسية السودانية نجد أن من أسباب أسقاط الجنسية التحاق الشخص بخدمة دولة أجنبية أو استمر في تلك الخدمة مخالفاً بذلك أي حكم صريح في أي قانون يحرم ذلك الفعل ، ويعني هذا أن الجنوبي المقيم في الشمال و يحمل الجنسية السودانية إذا التحق بأي خدمة لدولة الجنوب الجديدة حتى الخدمة العسكرية لا يجعل ذلك سببا في إسقاط الجنسية ما لم تكن دولة الجنوب مصنفة من ضمن الدول المعادية لشمال السودان في هذا الحالة يحتاج المواطن الجنوبي إذن من شمال السودان بالعمل لدى الجنوب وهذه الحالة وغيرها من الحالات تحددها القانون الجنائي ، علماً بأن كثير من السودانيين يعملون في مجالات عدة وحتى العسكرية لدى دول أجنبية بعضها لم تكن في حالة صداقة مع السودان ومع ذلك لم يتم سحب الجنسية من هؤلاء العاملين في خدمة تلك الدولة.
إذن نخلص الي أن هنالك صعوبات قانونية تحول دون سحب الجنسية من الجنوبيين المقيمين في الشمال حتى في حالة أكتسابهم لجنسية دولة الجنوب وذلك بالدستور والقانون والمعاهدات الدولية فماذا يفعل أصحاب العقول الخاوية ؟ هل يلجأون إلي تجاوز الدستور والقانون كما فعلوا في قضايا كثيرة وبتلك الأفعال الصبيانية سوف يفتحون بابا جديداً للضغط عليهم ومحاصرتهم محلياً ودولياً وحينها لا ينفع ولات حين مناص هؤلاء الحمقي أفضل لهم أن يسلكوا طريقاً آخر هينا وسهلا ومدعاة لعودة مياه الوحدة إلي مجاريها باعتماد الجنسية المزدوجة لمواطني الدولتين فمن رغب في الاحتفاظ بالجنسيتين سيظل يتمتع بكل الحقوق والواجبات في الدولتين فلا يحق لأي من الدولتين حرمانه من حقوقه الأساسية حق العمل والمشاركة في العمل العام فالذين يتطلعون إلي احتلال المواقع التي يشغلها مواطنون من الجنوب في الشمال عليهم أن يراجعوا حساباتهم بدقة بعض الحمقى لا هم لهم ولا فهم إلاّ التمتع بمخصصات الوظيفة هؤلاء هم الذين أو ردونا المهالك , نسوا أو تناسوا في غمرة تمسكهم بأهداب السلطة ونعيمها أن التواصل بين المواطنين في شطري الوطن مدعاة لعودة الوحدة علي أسس جديدة ومتينة تقضي علي هيمنة حفنة من ذوي العقول الخاوية والإيمان المغشوش الذين أساءوا إلي الإسلام وقيمه وزرعوا الفتنة والكراهية بين أهل السودان وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
بارود صندل رجب
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة