الحيرة والربكة الدستورية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 10:12 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-21-2005, 05:47 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الحيرة والربكة الدستورية

    سودانايل 14/5/2005

    في رحاب الدستور

    الأزمة الدستورية: قصة الحلقة الشريرة


    إبراهيم علي إبراهيم/المحامي/واشنطون

    (1)

    هذه المقالات نفردها لتبادل الأفكار وفتح الباب للتداول حول مفوضية الدستور والدستور الانتقالي، ونطمع في المزيد من المساهمات في هذا الموضوع الهام والحيوي.

    في المأزق الحالي للخلافات والحوار الجاري بين الحكومة والحركة من جانب، وقوى المعارضة من جانب آخر، حول موضوع تشكيل مفوضية الدستور وصياغة الدستور الانتقالي والبدء في تنفيذ اتفاقية السلام السودانية، تتشابك الرؤى وتثور المخاوف في سباق مثقل بالهموم ومشوب بالحذر إلي ما يمكن أن تؤول إليه تشكيلة مفوضية الدستور، وتأثيراتها على الدستور الانتقالي، وعلى المستقبل الدستوري والسياسي لجمهورية السودان. وهنا تكمن الحاجة إلى سبر أغوار تجربة الماضي القريب لاستخلاص العبر منها، واستكشاف ما استبطن من المعرفة والفقه الدستوري التي ستلعب دورا في تحديد أقدار السودان القادمة.

    في تاريخه الحديث شهد السودان العديد من الدساتير، ومشروعات الدساتير، وقائمة طويلة من الأوامر والمراسيم الدستورية المؤقتة، والمواثيق الدستورية، وعدد لا يستهان به من اللجان القومية الدستورية، ابتلى السودان في معظمها بعنصر التأقيت، مما قاد إلى عدم الاستقرار الدستوري الذي ظلت تعيش فيه البلاد واتسمت به الحياة السياسية، وحلقات من الفراغ الدستوري (دستور مؤقت-لجنة قومية-مشروع دستور دائم - دستور انتقالي- دستور مؤقت-مشروع دستور دائم...).

    يعزي المؤرخ البريطاني "هولت" مشاكل السودان السياسية المتفاقمة والمتوارثة إلى استمرار هذه الحلقة الدستورية المفرغة نتيجة لانعدام الخبرة والمعرفة الدستورية لقادته السياسيين ونخبه الحاكمة. ولعل تتبع سيرة الأزمة الدستورية منذ منشئها قد يفيد في إثبات صحة هذه المقولة.

    ترجع قصة البداية إلى قانون 1948 الذي قاطعته الأحزاب الموالية لمصر، ورفضها المشاركة في الدستور الجديد "قانون المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية لسنة 1948"، رغم أن هذا القانون لم يكن القصد منه أن يصبح الدستور النهائي لجمهورية السودان، وإنما اعتبر خطوة في الطريق الصحيح للحكم الذاتي و وسيلة لتدريب وتأهيل السودانيين للحكم الذاتي.

    ونتيجة لزيادة الشعور الوطني والحس السياسي والمطالبات العالية بمشاركة السودانيين في حكم بلادهم لتمهيد الطريق لتقرير المصير، بدأت الحكومة في عام 1951 في إعادة النظر في ذلك القانون والتدرج في مجال الإصلاح الدستوري. وكان تكوين أول لجنة سودانية لمشروع الدستور لسنة 1951 التي شكلها الحاكم العام، و رفعت توصيتها بتأسيس دستور للحكم الذاتي من نوع الديمقراطية البرلمانية، مضمناً فيه بالإضافة إلى الحاكم العام مجلس سوداني خالص للوزراء وبرلمان ذي مجلسين، وأن يعمل بهذا الدستور المعدل خلال المدة التي تسبق تقرير المصير، والى أن يتحقق هذا الهدف تكون جمعية تأسيسية قبل نهاية عام 1953م.

    ظل العمل بدستور السودان المؤقت لسنة 1951 مستمرا حتى مطلع عام 1956، مع استمرار العمل بأحكام اتفاقية الحكم الذاتي لسنة 1953م، التي نصت على تمكين الشعب السوداني من "ممارسة حق تقرير المصير في جو حر محايد". وصدر الدستور المؤقت لسنة 1956م بعد أن أجازه مجلسي الشيوخ والنواب في جلسة مشتركة. وكان هذا أول دستور انتقالي تجيزه الهيئة التشريعية لدولة السودان الحديثة باعتبارها جمهورية ديمقراطية ذات سيادة تشمل كل الأقاليم التي كانت يشملها السودان الإنجليزي المصري.

    وبتاريخ 28/2/1956 أصدر مجلس الوزراء المنتخب قرارا بتكوين لجنة وزارية لتقديم توصيات عملية "لوضع دستور مستديم للجمهورية السودانية وقانون الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية"، وأوصت اللجنة الوزارية بتشكيل لجنة قومية لوضع "مسودة الدستور" الدائم على أن تمثل فيها وجهات النظر المختلفة بقدر الامكان وذلك رغبة منها في أن يعطى كل سوداني الفرصة الكافية لإبداء رأيه في الدستور الذي سيكون أساس الحكم في البلاد، كما أوصت اللجنة بقيام جمعية تأسيسية لوضع دستور الجمهورية السودانية الدائم وإقراره. تكونت اللجنة القومية من (46) عضوا واستمر عملها لمدة طويلة وبلغت توصياتها خمس مجلدات كاملة، واستقر الرأي فيها على إقرار مشروع دستور السودان الدائم ورفعت توصياتها في ابريل 1958. وقد كانت هذه خطوة صحيحة في الاتجاه السليم لو قدر لها الاكتمال.

    ولكن يبدو أن الصراعات الذاتية المستعرة بين الأحزاب لم تشأ للدستور الدائم أن يرى النور أبدا، وفضلت أن يحكم السودان بدستور 1956 المؤقت بدلا من المضي قدماً في إجازة مشروع الدستور الدائم لسنة 1956 الذي اخذ سنوات من المداولات، وتناوبت عليه العديد من اللجان الفنية، حتى ظهر فيما بعد باسم مشروع دستور 1958، الذي أجهض نهائياً ليصبح هذا النسق سنة تتسم بها الحياة السياسية السودانية.

    وعلى اثر انقلاب نوفمبر 1958، قامت حكومة الفريق عبود بإصدار بعض الأوامر الدستورية التي سيرت بها عمل الدولة والحكومة، كما قامت بتشكيل لجنة قومية اشتهرت باسم لجنة ابورنات لإجازة نظام للحكم المحلي وذلك في عام 1961م.

    وفي أعقاب نجاح ثورة 21أكتوبر تم تبني الميثاق الوطني لسنة 1964 الذي تمت صياغته على غرار الدستور المؤقت لسنة 1956. ومن ثم تم تبني دستور السودان المؤقت المعدل لسنة 1964 ليحكم البلاد أثناء الفترة الانتقالية، وتقوم بمقتضاه جمعية تأسيسية لوضع الدستور الدائم. وقد خضع هذا الدستور المؤقت نفسه لتعديلات خاصة بإدخال نصوص تتعلق بتحريم الإلحاد والترويج له وعدم الاعتقاد في الأديان السماوية. وقد كان من المقرر أن يتم العمل بدستور 1964 المعدل إلى مارس 1965 بعد إجراء الانتخابات لقيام جمعية تأسيسية يقع على عاتقها وضع الدستور الدائم وإقراره، ولكن لم يتم ذلك أيضا.

    وفي بداية العهد الديمقراطي الثاني قامت الحكومة بتشكيل اللجنة الفنية للدراسات الدستورية في يناير 1966 وهي لجنة فنية شكلها وزير العدل د. محمد إبراهيم خليل للقيام بدراسات دستورية وتقديمها إلى اللجنة القومية التي أريد منها وضع مشروع للدستور الدائم. تكونت اللجنة الفنية من (9) أشخاص معظمهم من القانونيين، ثم تم تقليصها في ديسمبر 1966 بواسطة وزير العدل الجديد مامون سنادة لتصبح (5) أشخاص، ثم تم تعديلها مرة أخرى في يونيو 1967من قبل وزير العدل الثالث عبد الماجد ابو حسبو، بحيث أنيط بها صياغة مقررات اللجنة القومية. هذا إلى جانب اللجنة القومية لصياغة الدستور برئاسة د. مبارك الفاضل شداد، والتي تكونت من (29) شخصية حزبية، حددت لها مهمة صياغة الدستور الجيد. بعد أن فرغت اللجنة الفنية من أعمالها استمرت المناقشات داخل اللجنة القومية خلال الفترة من 22/11/1967- 10 يناير 1968م، وبعد خمسة أيام قدمت توصياتها للجمعية التأسيسية.

    بعد صراعات وانقسامات حادة بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة حول الدستور شهدها عام 1967، ظهرت مقررات لجنة الاثني عشر الخاصة بالوضع الدستوري والإداري، ثم تقرير مؤتمر الأحزاب حول نظام الحكم، ثم ظهور مجموعة تدعو لتبني الدستور الإسلامي. وبتاريخ 22/7/1968 أقرت الجمعية التأسيسية اقتراحا بتعيين لجنة شئون الجمعية، ورئيس تختاره لجنة الدستور نفسها من بين أعضاء الجمعية التأسيسية أو غيرهم، على أن تكون مسودة الدستور التي تم وضعها في نهاية عام 1967 هي الأساس للمناقشة. وسميت اللجنة بلجنة مراجعة مسودة دستور 1967، على أن تقدم للجمعية التأسيسية في مدة ستة اشهر و ألا تزيد عن سنة. بالطبع لم يجز مشروع الدستور الدائم إلى انقلاب مايو 1969م. ومعروف أن مايو حكمت بسلسلة من الأوامر الدستورية إلى أن أجازت الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية 1973.

    يلاحظ أن الأزمة ارتبطت دوما بعجز وفشل القوى السياسية الممثلة في الجمعية التأسيسية في إجازة الدستور الدائم للسودان. والجمعية التأسيسية من الناحية الفقهية الدستورية تنتخب مرة واحدة لإنجاز مهمة محددة هي إقرار الدستور الدائم للبلاد والنظام الأساسي للدولة وقوانين إدارتها (الدستور والتأسيس)، وبعدها تحل نهائيا والى الأبد ليحل محلها البرلمان. وكان من المفترض في الجمعية التأسيسية الأولى أن تؤسس دستورياُ لدولة السودان الحديثة بدستور دائم يضع النظام الأساسي لهذه الدولة الوليدة. إلا أننا عجزنا عن ذلك واستمرت الجمعية التأسيسية جمعية دائمة لا تؤسس لشيء، تطل برأسها من جديد كلما اقتربنا من التغيير وظهور مؤشرات عهد الانتقال الديمقراطي، دون تأسيس يذكر.

    وتعكس قصة الجمعية التأسيسية مع الدستور قصة الفشل السياسي الذي لازم النخب الحاكمة حتى أصبحت معلماً بارزاً من معالم تاريخنا الحديث. ولعلّ المرحلة الانتقالية هي أهم مرحلة من مراحل التأسيس الدستوري للسودان القادم، وهي بذلك مكمن المصائب. فقد أخفقنا كثيرا منذ 1953 في عهد الانتقال الأول من الاستعمار إلى الحكم الوطني، و فشل الجمعية التأسيسية الأولى في مهمتها التاريخية. واستمرت هذه الدائرة الشريرة والحلقة المفرغة، فلم تنجز الجمعيات التأسيسية مهمتها الدستورية في كل المرات 1953، 1956، 1965 و 1985، واختلط حابلها بنابل البرلمانات. و شاءت أقدار السودان أن يدخل في هذه الدوامة من الفراغ الدستوري بصورة تؤكد إن فشل السودان يكمن في افتقارنا للمعرفة الدستورية وفقه بناء الدولة المطلوب توافره في القادة الوطنيين.

    كذلك تعكس قصة الصراع حول إلغاء قوانين سبتمبر المشهورة قصة فشل دستوري آخر للجمعية التأسيسية والقوى السياسية كافة، حيث انشغلت الحكومة والمعارضة معاً في الفترة من 1986-1989 بإلغاء قوانين سبتمبر دون تكليف النفس عناء النظر في الأزمة الدستورية التي أنتجت هذه القوانين وأدت إلى هذا الصراع. فالبلاد كانت تعيش دون دستور حقيقي لذا اكتسب ذلك القانون الجنائي أهمية اكبر من الدستور نفسه، وانشغلت به القوى السياسية أكثر من انشغالها بأمر الدستور. إذ كان من الأجدى إجازة الدستور الدائم في المقام الأول ثم النظر في صلاحية القوانين الجنائية والمدنية ومدى ملاءمتها لذلك الدستور. هذه هي طبيعة الأشياء وترتيبها. ولكن شاءت القوى السياسية أن تلتوي على الصراط المستقيم وتسلك تلك الدروب التي خبرتها طوال العهود لإشعال النار والاحتراب السياسي الذي أدمنته. وهكذا فشلت آخر جمعية تأسيسية في إقرار دستور دائم للبلاد، في واحدة من أغلى الفرص للعهود الديمقراطية، وربما أخرها، لنيل شرف إجازة الدستور الدائم لجمهورية السودان. و تبقى الحقيقة المرة آخر قولنا وهي مثبتة بالتجربة والتاريخ وهي: أن لا أحدا كان راغباً في إجازة دستور دائم للبلاد، أو أنهم لم يفطنوا لأهمية ذلك مطلقاً، ولم يعو بها.

    انتهى

    * ملاحق للإطلاع:

    الدساتير ومشروعات الدساتير السابقة:

    قانون المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية لسنة 1948
    الدستور المؤقت لسنة 1951م.
    اتفاقية الحكم الذاتي لسنة 1953م.
    الدستور المؤقت لسنة 1956م.
    مشروع الدستور الدائم لجمهورية السودان لسنة 1956-1958م
    الميثاق الوطني لسنة 1964م.
    دستور 1964 المؤقت المعدل.
    تعديلات 1965-1966م
    مشروع دستور 1966-1967م
    تقرير مؤتمر الأحزاب 1967م
    قرارات لجنة الاثنى عشر بخصوص الوضع الدستوري 1967.
    مشروع الدستور الإسلامي مايو 1967 (مشروع أهلي)
    مشروع دستور 1968م
    دستور جمهورية السودان الديمقراطية الدائم لسنة 1973م.
    الدستور الانتقالي لسنة 1985م.
    دستور الإنقاذ لسنة 1998م
    اللجان القومية للدستور:
    لجنة تعديل الدستور 1951
    اللجنة القومية للدستور 1956
    لجنة التطورات الدستورية 1961
    لجنة صياغة الميثاق الوطني 1964
    اللجنة الفنية للدراسات الدستورية 1966 (بتعديلاتها التي استمرت حتى 1967)
    اللجنة القومية للدستور 1966م
    مجموعة من اللجان القومية والفنية للدستور في الفترة 1966- 1968م
    لجنة الدستور الإسلامي 1968(لجنة أهلية)
    لجنة دستور مايو 1973
    لجنة الدستور الانتقالي 1985
    اللجنة القومية لدستور 1998

    ======
    السودان لكل السودانيين
    المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان
                  

05-21-2005, 05:57 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحيرة والربكة الدستورية (Re: sultan)

    الأيام

    قضايا ودراسات / الأحد

    الحيرة والربكة الدستورية!
    The Constitutional Puzzle


    ولماذا لا يكتب الشريكان .. والمعارضة(دستورين) يطرحان على استفتاء شعبي؟

    يقول المهاتما غاندي: (الشر الوحيد هو الذي يعتمل في قلوبنا التي هي المكان الوحيد الذي يجب ان نحارب عنده كل معاركنا)

    د. الصادق عوض بشير

    مدخل ومقدمة

    في غمرة الفوضى التي ضربت المشهد السياسي الراهن حول الدستور حيث يصعب الرصد ومتابعة الاحداث ويفقد المراقب الحصيف والمحلل السياسي الجاد (بوصلة) الاتجاه كما يقول صديقنا والخبير السياسي الدكتور عدلان الحردلو، وحينها تكثر التصريحات المتناقضة التي تدير اعتى الرؤوس.. وعندما كنا نعمل مع بعض منظمات المجتمع المدني (التي ينبغي ان تكون غير حكومية بمعنى الكلمة) باسم المبادرة السودانية للمساعدة في ايجاد مخرج وبلورة موقف موحد يخرجنا وبلادنا من دوامة ازمة الدستور الحالية خرجت علينا للاسف الشراكة الحكومية والحركية بموقف انفرادي اقصائي فيه الكثير من العجلة التي لا تتناسب اطلاقا مع خطورة المرحلة واهمية الدستور الذي يحتاج الى دعمنا جميعا ورفعت شعارا استعلائيا مخل بالاجماع يقول (سنمضي الى ما نريد جيتوا معانا او وقفتوا بعيد!) وفي محاولة منا لفك الاشتباك الدستوري القائم على طريقة الاستاذ محجوب محمد صالح (الذي ابلى بلاءا حسنا كعادته وطرح افكارا قيمة تستحق التطبيق).

    حاولنا كملتقي فاعل لمنظمات المجتمع المدني ان نفعل شيئا الا ان محاولاتنا بجانب افكار الاستاذ محجوب قد ضربت في الصميم وتم تجاهلها تماما ودخل المشهد السوداني من جديد في عنق زجاجة اكثر ضيقا من قبل قد يدفع البعض (لا قدر الله) لكسر الزجاجة نفسها والكسر في هذه الحالة قد يعني فتح الباب على المجهول من كل الاحتمالات والمغامرات التي لا تحمد عقباها وفي كل هذا ضرر بليغ بالتحول الديمقراطي المنشود واتفاق السلام الذي اوقف نزيف الحرب والذي لا يعارضه احد الا قلة من الشماليين والجنوبيين يرون مصلحتهم في الانفصال، اجهدت نفسي مع (دكتور الحردلو) في تصميم مشروع مفصل لمؤتمر جامع (على هدي تجربة جنوب افريقيا) سميناه لاسباب موضوعية (المؤتمر القومي للتحول الديمقراطي) وهي فكرة قديمة للمبادرة السودانية يعود تاريخها الى ابريل/ اكتوبر عام2000م وكتب عنها الكثير وحاول د. الطيب زين العابدين احياءها على اساس ان تتبناها جهة محايدة فحددنا له مرتكزات والتزامات واجندة وسمينا عضوية لجنة التسيير ودخلنا في الكثير من التفاصيل الهامة ورأينا ان يناقش المؤتمر اطارا دستوريا وقانونيا كما نصت بذلك اتفاقية السلام ويشترط عدم اعادة التفاوض ولكنه لا يعتبر الاتفاقية نصا مقدسا غير قابل للتصويب (كما فعل كوفي عنان نفسه) واي تعديل ينبغي ان لا يقدح ابدا في ثوابتها ويحافظ على مكاسبها (خاصة للجنوب) ويستوعب كمذكرات (تفسيرية) وتبقى النصوص كما هي على ان يستوعب ايضا مطالب الغرب والشرق ويترك امر الدستور الدائم لنواب الشعب بعد الانتخابات القادمة (أو) ان يطور نفس الاطار الدستوري ليتحول الى دستور دائم (ايهما اصوب واجدى) وكنا على وشك طرح المشروع على حلفائنا في المجتمع المدني واطراف القوى السياسية بدون استثناء الا ان التعنت الشديد الذي أبداه طرفا الشراكة سرعان ما اصابنا والكثيرين بالاحباط فابقينا على المشروع حيا على الورق عسى ان يكتب الله له الظهور في معترك اخر! المهم في الامر ان ما حدث فتح الباب واسعا لاستقطاب حاد كان السودان في هذه المرحلة (الهشة) في غنى عنه. فكيف يحلو التحدث عن اهمية الدستور لبداية الفترة الانتقالية في موعدها وقد اضاع الطرفان حوالي الثلاثة اشهر كاملة ليس في لم الشمل بل في المناورات لاستبعاد الاخرين! ويخدع نفسه من يدعي انه بهذا الصنيع الفطير والمتعجل قد ينجح في تخطي الازمة بل هو قد فاقهما الى سقفها الاعلى دون مبرر عقلاني ورؤية مستقبلية. صحيح اننا يجب ان نحترم الاتفاق ولكن ليس على حساب الاجماع في صياغة دستور.

    ماذا تريد امريكا:

    صحيح ان امريكا ساعدت مشكورة في الحل ولكن (والكل يعلم) بعد ان لوت الكثير من الايدي معظم الوقت ومارست الكثير من الضغوط بانواعها ليوقع الطرفان على اتفاق طبخت معظم اوراقه ومقترحاته في مطابخ خبراء جنوب افريقيا ودول اصدقاء الايقاد وبتمويل امريكي فجاء في شكل كتاب (معقد) من 150 صفحة باللغة الانجليزية ساهمت العجلة في صياغته ومن يقرأ بين السطور يجد الكثير من التناقضات والمفارقات والاخطاء التي لا تليق بوثيقة شهد عليها العالم كله. المهم ان امريكا حاليا تضغط بشدة وراء سرعة كتابة دستور انتقالي (بأي شكل وبمن يقبل) حتى تبدأ الفترة الانتقالية في 9/7 وتشكل الحكومة الجديدة (بأي شكل ومع من يقبل) حتى يستتب الامن (وجيش الامم المتحدة بالمرصاد) وقد قالوها من قبل ان ما تحتاجه افريقيا هو الاستقرار فقط وليس الديمقراطية الحقيقية (التي لا تشبههم وما بقدروا عليها) فالمحافظون الجدد الملتفون حول بوش يريدون بعد ان تنجز المحكمة الدولية مهمتها المشروعة ويطاح بمجموعة الـ 52 متهما.

    ويتغير ميزان القوى لصالح طاقم جديد من ما يسمى بالديمقراطيين الاسلاميين والليبراليين الجدد (وعلى رأسهم ما يسمى باولاد امريكا في العالم الثالث) الذين يلتزمون بالاعتدال ويواصلون محاربة الارهاب (الاسلامي) ويساهمون في ارساء الديمقراطية الجديدة في السودان الجديد (على الطريقة الامريكية) ويتعاونون باخلاص ودون شروط وعراقيل مع الحركيين الشعبيين الجدد (وعلى رأسهم ايضا اولاد امريكا في الحركة) ويفتحون الابواب على مصراعيها للرساميل الامريكية المتلهفة للاستثمار في بترول ومعادن وزراعة وصناعة السودان الجديد ويصبح عندنا بمرور الزمن اطقم لا تعرف الا المخلص الامريكي والنموذج في الحياة فتبدأ عجلات الدبابة (الدولارية) في سحق ما تبقى من فقراء السودان على قيد الحياة ليصبحوا اكثر فقرا ورفع العملاء الجدد والوسطاء والوكلاء الجدد ليصبحوا اكثر ثراءا في عولمة كاسحة ظالمة لا يستطيع احد في عالم فقير ان يوقف غطرستها وجبروتها وعجلتها.

    صحيح اننا سنكسب سلاما وربما امنا ونوعا من التنمية وتظهر سماواتنا بعض ناطحات السحاب والسينمات والفنادق والمطاعم الراقية ولكن على حساب اشياء اخرى هامة وكثيرة لا تقدر بثمن كما دلت تجارب الدول الصغيرة التي وقعت في هذا (المطب) ليس من بينها بالتأكيد الرفاهية الشعبية التي يحلم بها الواهمون فالاستعمار الامريكي (بالتوصيف العلمي) لم يغير جلده بعد بل ازداد طمعا وشراسة وعدوانا ليس في هذه الفذلكة بالطبع أي تجني على احد او اتهاما لاحد او ابراءا لذمة احد فالامر اعقد من ذلك بكثير لو كنتم تفقهون!!

    صحيح ان امريكا في عجلة من امرها لتحقيق مصالحها في المنطقة فلماذا نستجيب لضغوطها ونتعجل الامور التي ليست في مصلحتنا وهي التي ادخلت في روع الحكومة والحركة ما يسمى تجاوزا (بقدسية) الاتفاق فأتوني بأي اتفاق مشابه كانت له قدسية ودونكم تيمور الشرقية والكونغو وحتى ساحل العاج واتفاقنا رغم ادعاء قدسيته (المزعومة) قد خرقه الطرفان ثلاث مرات على الاقل وفي فترة وجيزة جدا وما خفى اعظم. (مرة) بعدم التقيد بموعد الانتخابات مع نهاية العام الثالث للمرحلة الانتقالية فاخروها لعام كامل (وثانية) في تحديد نسب لجنة الدستور (باغلبية 80% للطرفين) والتي لم يرد ذكرها في صلب الاتفاق (وثالثا) في المحاولة الجارية من قبل الحركة لارجاء الاحصاء السكاني لعام كامل (بحجة النازحين) رغم ان الاتفاقية تتحدث عن اهميته في الابقاء على النسب او تغييرها والخاصة بقسمة السلطة!

    ادهشنا تصريح لوزير الخارجية (الصحافة 27/4) يقول بالحرف الواحد في حالة عدم اشتراك كافة القوى السياسية في الدستور الانتقالي بامكانهم ان يشاركوا في لجنة الدستور الدائم التي ستشكل لاحقا والذي يبدو انه لا يقرأ ما بين سطور الاتفاقية فالبند 2.12.10 يقول بالحرف الواحد (دون المساس باحكام اتفاقية السلام تتولى اللجنة القومية لمراجعة الدستور مهمة تالية وخلال سنوات الفترة الانتقالية الستة تنظيم عملية مراجعة دستورية شاملة ويجب ان تهئ تلك العملية مجالا للشمول السياسي والمشاركة الشعبية وهذا يعني ان نفس اللجنة (الحالية) التي لم تشارك فيها المعارضة الرئيسية هي التي ستكتب ما يسمى بالدستور الدائم، اقول ما يسمى بالدائم لان البند لم يتحدث عن دستور دائم بل عن عملية مراجعة دستورية شاملة، فكيف يتحدث الوزير اذن عن لجنة (جديدة) في المستقبل لم ينص عليها الاتفاق ويمني المعارضين بالانضمام اليها؟

    كيف تعاملت جنوب افريقيا مع احداث مشابهة؟

    رغم ان الغرب ساعد في احلال السلام والتحول الديمقراطي في جنوب افريقيا الا ان ما حدث هو عكس ماحدث عندنا تماما، فهم اخذوا ستة اسابيع تقريبا في الوصول لاتفاقية سلام (صيغت في حوالي خمس صفحات) ونحن اخذنا ثلاث سنوات لنصل الى اتفاق سلام من 150 صفحة يلفه الكثير من التعقيد والغموض وهم كتبوا الدستور في حوالي ثلاثة سنوات ونحن نريد ان نكلفته في ستة اسابيع فقط علما بأن المظالم في جنوب افريقيا عمرها حوالي 365 سنة (من 1640م) والمظالم في السودان عمرها 50 سنة (من 1955) وان المؤتمر الوطني الافريقي كان مفوضا من السود والحزب الوطني الحاكم كان مفوضا من البيض لابرام اتفاق سلام ولكن عند كتابة الدستور اشترك 26 حزبا من كل الاطياف واجيزت معظم بنوده بالتراضي ما عدا قلة اجيزت باغلبية 2/3 الاعضاء وصحت التوقعات فيما بعد فمع اول انتخابات لفترة انتقالية حاز حزب المؤتمر الوطني الافريقي على 62% من الاصوات والبيض على 15% وبقية القوى على 23% وعلى احسن تقدير لو جاز التخمين فان المؤتمر الوطني عندنا حاليا لن تزيد نسبته عن 25% والحركة عن 15% (فاين الـ 60% الباقية).

    فكرة للخروج من الازمة:

    ان تسارع المعارضة اذا فشلت في الانضمام الى اللجنة الى كتابة دستور بديل تطرحه على مؤتمر جامع (معارض) لاجازته ثم يتم اتفاق كل الاطراف مع المجتمع الدولي لطرح الدستوريين لاستفتاء شعبي تحت اشراف لجنة المراقبة (التي نصت عليها اتفاق السلام) فالذي يحظى بموافقة الشعب يتم اعتماده ويكون ملزما للجميع وهنا يكمن دور هام لمنظمات المجتمع المدني لتلعبه في الخروج من الازمة والفتنة نائمة لعن الله من ايقظها، وصح النوم يا وطن.
    ----------
    مستشار سابق للأمم المتحدة

    ================
    السودان لكل السودانيين
    المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان
                  

05-23-2005, 11:09 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحيرة والربكة الدستورية (Re: sultan)

    سودانايل 21/5/2005

    في رحاب الدستور "2"
    من يكتب الدستور الانتقالي؟

    إبراهيم علي إبراهيم /المحامي/واشنطون


    كتب الأستاذ عبد الباسط سبدرات في ذيل كتابه "الدستور:هل يستوي على الجودي؟ يقول "بين كل حين يأتي الدهر ومستجدات الأحداث بلجنة قومية يوكل لها أن تشرع في كتابة مسودة للدستور.. لتستقر على منضدة البرلمان أو جمعية نواب أو مجلس انتقالي أو مجلس وطني... ثم يأتي الدهر بحدث أو يحدث تغييراً يوقف الحديث عن صفحة ليست خاتمة الصفحات...لتبدأ ساقية اللجان تدور في لجنة قومية جديدة والكل في لجنة يسعى لدستور يدوم أو يحظى بديمومة التطبيق.." انتهى.

    تحكي قصة الصراع الدائر الحالي حول مفوضية الدستور الانتقالي ومن له الحق في كتابته وصياغته قصة فشل أخرى للنخب الحاكمة وعجزها عن صيغ تمكنها من الوصول إلى دستور دائم يتوافق عليه الناس ليصبح هاديهم ومرشدهم لنظام دولتهم. فقد شهد السودان العديد من اللجان: فنية، و قومية، ولجاناً انبثقت من صلب الجمعية التأسيسية لإعداد وكتابة الدستور. وقد أخبرنا بمصير تلك اللجان وتلك المشروعات في مقالنا السابق.

    مهمة هذه المفوضية يتلخص في مراجعة الدستور، وإعداد بديل للدستور الحالي، حيث عليها أن توفق بين الدستور الإسلامي لسنة 1998، ونصوص نيفاشا التي تريد أن تؤسس لدولة تختلف جوهرياً عن تلك الدولة القائمة. وقد حرصت الحركة الشعبية منذ البداية على تفادي أخطاء اتفاقية أديس أبابا التي تم تضمينها لتصبح جزءا من الدستور، حيث تمت توليفة غير موفقة بين دستور يكرس لدكتاتورية الفرد، وبين نصوص أديس أبابا التي جعلت من الجنوب جنة ديمقراطية على ارض السودان ينتخب فيها أعضاء المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية. فلم يحتمل النميري كل هذا فأودى بها، أو فلنقل أودى بها تضمينها في الدستور. ولعل هذا ما دفع بقيادة الحركة الشعبية أن ترفض عملية "ضم الاتفاق" لدستور 1998، خوف أن يحدث التناقض القاتل، فآثرت بدلا عنه عملية أخرى هي المزج والدمج والاختلاط، مع احتفاظ كل طرف بثوابته قدر الامكان. وهنا تكمن المشقة والصعوبة أن لم تكن الاستحالة، إذ أن دخول أي طرف ثالث من شأنه أن يخل بهذه المعادلة وهذه الثوابت.

    ويثبت ما هو حادث الآن أن المسألة محسومة للطرفين، فالمفوضية تم تشكيلها وبدأت أعمالها، وسارت حثيثاً في ذلك لدرجة أن بعض القيادات السياسية التي اعترضت عليها مبدئياً قد انتقلت الآن لمرحلة مناقشة النصوص التي صاغتها هذه المفوضية.! ومضت المفوضية يقودها الطرفان في عملها لا تأبه بالآخرين الذين أوجب نص نيفاشا "منحة" مشاركتهم بتلك النسب التي تبلغ الخمس، عملا بسياسة "خذها أو أتركها"، وسارت لا تلوي على أحد وغير مهتمة بأمر هذه المشاركة، وما يترتب على انعدامها من آثار قانونية وخيمة. وقد عبر المتحدثان باسمها بما يعني ذلك مرارا.

    ولعله من المفيد هنا أن نشير إلى الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه الطرفان بإيراد مثل هذا النص "مشاركة القوى السياسية الأخرى" الذي أصبح بمثابة أول نص يضع الحبل حول رقبة الاتفاق. فلم يكن هناك داع لهذا النص الذي لم يفرضه إلا الحياء السياسي، حيث كان بامكانهما الانفراد بالاتفاقية مثلما فعلوا مع بقية النصوص.

    وكان الأجدى للطرفين أن يقوما بصياغة قانون/ميثاق للحكم الانتقالي مثلما حدث في العراق، وترك موضوع الدستور للجمعية التشريعية القادمة بموجب الانتخابات التي ستجري في نهاية العام الرابع. و لا غضاضة أن ينفرد الطرفان بذلك إذا كان المراد وثيقة أم قانوناً لإدارة الحكم الانتقالي، و لو تم ذلك لما وجد معارضة من احد.

    أما بعد أن علمنا إن القصد هو كتابة مشروع دستور جديد، إذن فليكتبه الجميع. فالدستور ليس غنيمة من غنائم نيفاشا يتعامل معه الطرفان على هذا الأساس، فهو يحتاج إلى مشاركة شاملة ونظرة عصرية لبناء دولة حديثة على أسس جديدة وإنسان مصان الكرامة والحرية.



    والدستور ليس قانوناً مؤقتاً للحكم أو وثائق فنية، إنما هو الميثاق الشعبي الأعلى الذي لا يعلو عليه شيء، والذي يعبر عن القيم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقانونية لهذا الشعب، سواء تراضت عليه الأغلبية أو تيسر له الإجماع. وبعبارة أخرى هو ما يجيزه ويقره الشعب عبر ممثليه أو عبر الاستفتاء المباشر. أما مهمة هذه اللجان أو المفوضيات فتنحصر في تقديم مشروع الدستور المقترح لممثلي الشعب أو للجهة التي تشرف على الاستفتاء. وهنا تكمن أهمية وخطورة أعمالها.

    وعضوية هذه اللجان يجب أن تكفل للجميع، فهي ليست موضوعاً للتنافس الحزبي والمكايدات. وكون هذا الدستور انتقالياً ومؤقتاً لا يعطي أحدا الحق في مصادرة حقوق الآخرين في المشاركة في صياغته وتحقيق إجماع حوله، كما لا يعطيه الحق في إلغاء بعض الحقوق الديمقراطية والحريات الأساسية أو تجميدها أو تأجيلها. كما يجب أن يساوي بين جميع الفئات الشعبية والقوى السياسية، والإقليمية والنوعية في شرف كتابته، وأن لا يضع أسباباً للتمييز بينها مهما كانت المبررات، وان يعمل على ضمان صيانة مبدأ سيادة القانون على الجميع منذ البداية دون ميزة لفئة سياسية ما، وان يأتي بحكم رشيد. فمن يحرم من كتابة الدستور سيحرم من المشاركة السياسية المتساوية، وهنا مدخل الشر.

    و تضمن قومية المفوضية دستورا يرضي الجميع ويكسب احترامهم وينال تلك الديمومة المفقودة. وكنا نأمل أن يتم تشكيل المفوضية على أساس حزبي و إقليمي لأن ما يشهده السودان هو تمرد أقاليم على المركز ولا أحد راضي أو سعيد بهذه الوحدة كما أسلفنا في مقالاتنا السابقة. وهي فرصة ضائعة كان يمكن أن يعبر بها الشعب بأنه قادر على تأسيس نظام سياسي ووحدة قوية مبنية على التراضي والاختيار الحر Election and Choice وكان يمكن أن تشكل فرصة ثمينة لترسيخ معاني الوحدة الطوعية العادلة.

    ولا يمكن لنا الحديث عن وحدة مبنية على الطوعية والاختيار إلا بإرجاع الأمور إلى منصاتها الأصلية، وان نرجع إلى المكونات لاستشارتها، وان يكون المعني بهذا الرضا هو الأقاليم المكونة للسودان، الثائر منها والمتململ. وبالطبع لا نقصد تراضي نخب العاصمة حول هذه الوحدة، فهذا أمر فوقي قد جربناه وفشل. فيجب أن تكون الوحدة نابعة من الأساس والقاعدة، وان يكون الاقتراب منها إقليمياً هذه المرة وليست وحدة يمليها هؤلاء الأقطاب.

    واحدة من مشاكل السودان هي ما يعرف بمصادرة الإجراءات Dismissal of Process فنحن دائماً نتحدث عن أشياء ونقفز فوق الإجراءات ولا نلتزم بالوسائل والطرق التي تؤدي إليها. نتحدث عن وحدة طوعية بالتراضي ولا ندعو ممثلي الأقاليم للجلوس والتفاوض حول هذه الوحدة، كأنما هذا التراضي والطوعية المقصودة هي تراضي الأحزاب المتمركز في العاصمة وحدها.

    قضايا التمثيل Issues of Representation يمكن حلها في تكوين مثل هذه المفوضيات عبر اللجوء إلى القوى السياسية والإقليمية والنوعية واختيار قوى تمثل تلك المجتمعات وتتركز فيها رغبتها وقوتها الموجهة نحو الأهداف التي يرغبون في تحقيقها، مع الاحتفاظ بالتوازن السياسي الذي فرضته الاتفاقية.

    وباستثناء ما هو واقع الآن من وجود الحركة الشعبية كطرف أساسي وشريك أصيل له مصلحة مباشرة في صياغة نصوص الدستور الانتقالي لما له من أهمية قصوى في تنفيذ اتفاق السلام وتحديد مصير "تقرير المصير" نفسه، فرغم هذا الصراع الطويل، فإن القوى الإقليمية ظلت دوماً مهمشة في التمثيل والمشاركة في مثل هذه اللجان الهامة والحيوية بالنسبة لمستقبل وحدة دولتهم. فالقوى الإقليمية ظلت دائماً تحرم من صياغة الدستور حيث أصبحت الغلبة لقوى المركز أو للقوى المنتصرة عسكرياً. وبتحليل بسيط على نسق الكتاب الأسود لجميع اللجان السابقة يمكن الوصول إلى هذه النتيجة حيث استأثرت بها دوماً النخب الحاكمة، وأن عضويتها ظلت باستمرار حكراً لأقطاب العاصمة. ولن يستوي الحال ويستقيم الأمر في السودان إلا بعد اختفاء عبارات مشهورة مثل " مع مراعاة تمثيل الأقاليم" من أدبيات السياسة السودانية، ومن وثائق المنظمات والأحزاب، ومن اللجان القومية التي تصوغ مستقبل البلاد.

    وعلينا الاسترشاد بتجارب العالم والدول التي تشبه إلى حد بعيد السودان. ففي استراليا مثلا استمرت محاولات الوصول إلى صياغة دستور دائم مدة عشرة سنوات تقريباً. وقد تمت صياغة الدستور بواسطة مجموعة من اللجان مثلت فيها المستعمرات الست ونيوزيلاندا، ثم تم إقرار الدستور نهائياً بواسطة مؤتمر لممثلي الولايات الست الذين تم انتخابهم لهذا الغرض. وقد استهدى محرري الدستور الاسترالي بالتجارب الفدرالية لكل من الولايات المتحدة و كندا وسويسرا. وفي الولايات المتحدة أيضا تمت صياغة الدستور والوثيقة الفدرالية بواسطة ممثلين للولايات الثلاث عشر المؤسسة للاتحاد وقد تم كل ذلك بناء على مبدأ المساومة بينهم.

    تحتاج المفوضية إلى رجال يتمتعون بثقة مواطنيهم، وطنيين غيورين على بلادهم، وأبطال أصحاب قلوب نظيفة خالية من أي أفكار مسبقة أو مرارات، وعقول نظيفة قادرة على الإبداع والخيال الخلاق، من المختصين اختصاصاً عالياً في فقه بناء الدولة ومؤسساتها وعلى قدر جيد من المعرفة الدستورية، كما يحتاج إلى مشاورات مستمرة بين كافة الأطراف والفصائل.

    والصراع حول عضوية هذه اللجان لا يخلو من عواقب سيئة على المتصارعين أنفسهم. وقد اثبت التاريخ أن الخلافات حول عضوية اللجان الدستورية الهامة قد أدت إلى إحداث انقسامات حادة بين القوى السياسية وانقسامات عضوية في الأحزاب نفسها، وميلاد أحزاب جديدة. فقد سبق أن انقسمت أحزاب كثيرة بسبب الصراع حول عضوية هذه اللجان أو بسبب ما ارتضته قواها التنفيذية من صياغات لمشروع الدستور رأت فيه مخالفة لتطلعاتها. وقد بدأت هذه الانقسامات في الظهور منذ المناداة بالدستور الإسلامي عام 1967.

    وتجربة الدساتير المكتوبة كان لها انعكاسات سيئة على الإسلاميين وكلفتهم وحدتهم في عام 1999، حيث انقسمت الإنقاذ بُعيد صياغة دستورها لعام 1998 و كان الخلاف على حسب ادعاء الترابي يتجذر في منح الأقاليم سلطة انتخاب حكامها ومجالسها التشريعية في حين رأى المتنفذون في الإنقاذ غير ذلك، وبعدها حدث ما حدث من انقسام يعلم الناس جميعاً ظروفه وأسبابه الأخرى الخفي منها والمعلن. ثم نشهد حالياً بوادر انقسامات أخرى في حزب الحاج مضوي، وفي حزب الأمة وغيره. وربما نشهد المزيد من الانقسامات، خاصة وان دستور الدولة الإسلامية الآن يشارك في كتابته من هم ليسوا بمسلمين!!!!

    انتهى
    = = = = =
    السودان لكل السودانيين
    المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان
                  

05-31-2005, 01:22 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحيرة والربكة الدستورية (Re: sultan)

    الميدان (عدد رقم 2002) مايو 2005

    تعليقات في السياسة الداخلية

    مشروع الدستور بصورته الحالية شرخ في وحدة البلاد


    كان الهدف الأساسي المعلن من المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية برعاية الإيقاد وشركائها هو حل مشكلة الجنوب، مما فرض اقتصار التفاوض بين الطرفين المتحاربين لأجل إحلال السلام، بمعنى وقف الاقتتال بين الطرفين.

    غير أن القضايا المتفاوض عليها اتسعت لتشمل قضايا السودان كله في أدق تفاصيلها. وكان هذا يستوجب أن يتسع الحوار ليصبح قومياً ليضم كل أهل السودان خاصة عندما ينشب أول جدل حول قضية فاصلة ومحورية في قامة الدستور الذي ستحكم به كل البلاد، شمالها وجنوبها، شرقها وغربها. لهذا، فمن حق أهل السودان أن يدهشوا ويتعجبوا لهذا الإصرار غير المبرر على انفراد الطرفين بصياغة الدستور الذي يقرر مصيرهم ومستقبل السودان وتطوره اللاحق في غيابهم.

    وما يزيد الأمر تعقيداً وخطورة أن مشروع مسودة الدستور الحالية ليس الإطار القانوني أو الدستوري الذي نصت عليه المادة (2-12-4-5) من بروتكول قسمة السلطة، ولا يتوافق مع المادة (2-12-4-2) والمادة (3/1) من بروتكول مشاكوس، وكلا المادتين يحدد وضع (إطار دستوري) يحكم فترة الثلاث سنوات الأولى من الاتفاقية إلى جانب القضايا الأخرى التي أشارت إليها المادتان (3-3) و(2-8-3)، وتكمن الخطورة في تخطي مشروع الدستور لهذه المواد الواردة في اتفاقي مشاكوس ونيفاشا، حيث قرر فيه الطرفان أن يصبح هذا المشروع دستوراً دائماً وليس مؤقتاً أو انتقالياً يتم تجديده بعد إجراء الانتخابات العامة وقيام البرلمان السوداني، بل يتجاوز الفترة الانتقالية بسنواتها الست حتى بعد ظهور نتائج الانتخابات. وما هو أكثر إثارة للمخاطر أن نتائج الانتخابات نفسها لأي طرف كانت الغلبة فيها لا تؤثر على الدستور المجاز من برلماني الحركة والحكومة، وسيظل ساري المفعول حتى بعد الاستفتاء على تقرير المصير، بصرف النظر عما إذا جاءت المحصلة لصالح الوحدة أو الانفصال.

    ولهذا فإن الإصرار على إقصاء كافة قوى المعارضة عن المشاركة بنسب عادلة وواقعية في لجنة الدستور لا يمثل خروجاً على إجماع شعب السودان وحسب، بل أيضاً خروجاً على الاتفاقية نفسها. هذا يؤكد أن الطرفين قد قررا مسبقاً فرض تصورهما لمستقبل البلاد ومصير شعبها، وإخضاعهما لهذه الرؤية القاصرة، رغم أنهما لا يمثلان بأي حال من الأحوال كل الشمال أو الجنوب.

    لقد كان إعلان نيروبي المنبثق عن اللقاء التشاوري الذي دعت له منظمة (افريقيا العدالة - Justice Africa) في الفترة 18-21 أبريل 2005 وضم عدداً مقدراً من السياسيين وعلماء القانون، على درجة عالية من الوضوح والمصداقية عندما نادى المشاركون فيه ب (ضرورة تشكيل لجنة الدستور أو مفوضية الدستور بأوسع مشاركة من كل أطراف العملية السياسية في البلاد، وبنسب عادلة ومعقولة تعكس التنوع والتعدد الذي يذخر به السودان، حيث أثبت الدرس الأساسي لخبرة التاريخ الوطني المتراكمة أنه لا يمكن أن تقوم قائمة لأي ترتيبات دستورية بدون هذه المشاركة الواسعة، وأن أي نص دستوري يصدر متجاوزاً لهذا الدرس البسيط أو مغفلاً له لن ينتج في النهاية سوى جهد مهدر، بل لن يكون حظه من احترام المواطنين بأفضل من حظوظ غيره من النصوص الدستورية التي سعت الأنظمة الشمولية المتعاقبة لفرضها دون جدوى.)

    أي تبرير لهذا الإصرار على عدم مشاركة جميع قوى المعارضة مردود لأنه يحمل في داخله ضده من متناقضات، ليس أقلها الإصرار على عدم تعديل الاتفاقية في حالة التمثيل في الدستور بينما تخرق وتعدل في مواضع أخرى مثل إرجاء الانتخابات عاماً كاملاً.

    كذلك فإن أي محاولة للتبرير هي في واقع الأمر إخفاء لتقنين وتكريس سلطة الرأسمالية الطفيلية القابضة على كل مصالح البلاد وإدارتها وتحويلها لمصالحها الخاصة. وإلا كيف يستقيم عزل الأغلبية الساحقة من شعب السودان من المساهمة في مفوضية الدستور.

    ولا تقتصر المخاطر على ذلك بل تتعداها إلى ما يمكن أن يرقى إلى دق إسفين في وحدة البلاد إذا ما أجيز هذا الدستور رغم أنف معارضة الأغلبية الساحقة من شعب السودان، لأنه يكرس الاستقطاب ويمهد لتفتيت وحدة البلاد، أرضاً وشعباً. وهذا ما تسعى إلية الجبهة القومية الإسلامية وتعمل دون كلل لتنفيذه.

    ولهذا لا بد للحركة الشعبية أن تتبين أبعاد المخطط ومخاطره لا على وحدة البلاد وحسب بل أيضاً لتفتيت وحدة الصف الوطني وكل العاملين على إنهاء نظام الحزب الواحد ودولته، ومن بين تلك القوى الحركة الشعبية نفسها، بعزلها أولاً عن التجمع وقوى المعارضة الأخرى ومن ثم الانفراد بها وضربها في نهاية المطاف، ثم إعادة تكريس هيمنتها مرة أخرى.

    وقد برزت إرهاصات هذا المخطط لكل متابع لمجريات العمل السياسي. وقد أشار د. جون قرنق إلى ذلك عندما قال أن الحكومة منعت المليشيات الجنوبية التابعة لها من حضور مؤتمر الحوار الجنوبي الجنوبي، وهو مؤشر جد خطير لاستقطاب عسكري، وعندما عاد عدد كبير من القادة الجنوبيين إلى البلاد بإشارة منها رغم علمها بأن عدداً كبيراً منهم معادون للحركة الشعبية ومن دعاة الانفصال وسمحت لهم بقيام أحزاب موازية للحركة الشعبية في العمل السياسي.

    هذه وغيرها من المؤشرات تفرض على الحركة الشعبية أن تواصل توافقها وتحالفها – إن كان استراتيجياً فعلاً – مع التجمع الوطني الديمقراطي وقوى المعارضة الأخرى، وأن تتحسس مواقع الخطر الذي يمكن أن تتعرض له لاحقاً.

    ويستوجب أيضاً على كافة قوى المعارضة داخل التجمع وخارجه، أحزاب وفصائل وأفراد، أن يمتنوا وحدتهم ويوقفوا المبادرات الكثيرة التي تفتت هذه الوحدة وتربك الجماهير، وأن يتوافقوا على دستور بديل وبرنامج عمل يتم الإجماع عليه في مؤتمر قومي جامع يضم كل قوى المعارضة إذا ما واصلت الحكومة إصرارها على رفض قيامه أو المشاركة فيه، بل وتستعد المعارضة لعمل جماهيري واسع يهدف إلى تنظيمها وتوحيد إرادتها للمعارك السياسية القادمة.

    http://www.midan.net/nm/private/almidan/m2002/midan2002.htm#تعليقات في السياسة الداخلية
    =====

    السودان لكل السودانيين
    المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان
                  

05-31-2005, 04:33 AM

Khalid Eltayeb
<aKhalid Eltayeb
تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 1065

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحيرة والربكة الدستورية (Re: sultan)

    الأخ سلطان

    الورقة أدناه كتبها الاستاذ المحامي امين محمد ابراهيم محمد وكان ان أرسل رسالة الي الاخ بكري ابوبكر يطلب فيها عضوية المنبر وأنأشد الصديق بكري بقبول عضويته حتي يتسني للاستاذ مناقشة الافكار الواردة في ورقته والقضايا التي تثير اهتمامه عموما في البورد .. الجدير بالذكر ان تجمع القانونيين السودانيين بالمنطقة الشرقية بالسعودية قد صاغ وجهات نظر متعددة فيما يخص بالنقاش الدائر حول الدستور الانتقالي ربما يستطيع الاستاذ أمين محمد ابراهيم تنويرنا بتلك النشاطات لاحقا ..

    وهذا نص مساهمة الاستاذ أمين :

    Legal Reform Initiative & Judiciary Restructuring.
    The Fundamental Constitutional Rights

    Dear Colleagues,

    Finally when I made up my mind to write this paper, though I can express my opinions more fluently in Arabic, reluctantly I decided to prepare it in English language, in view of the fact that its purpose is to address you along with all Sudanese people amongst whom there are considerable ethnical groups who do communicate more easily, satisfactorily and conveniently in English language, and with whom particularly we need to share not only the opinions contained herein or any other paper, but also the homeland to which we belong, and in which our ancestors had co-existed peacefully since time immemorial, and for its welfare we should be devotedly struggling and exerting all and every efforts .
    So if you see this reasoning agreeable but find, and I am sure you will, some flawed English here and there, please excuse me because I could not help being a Nubian to whom neither English nor Arabic is a mother tongue.
    The subject matter of this contribution being the basic and well established constitutional principles connected to such rights, whether public or private, communal or individual, derived from the constitutional theories and doctrines developed and declared in the writings of the Philosophers and Jurists, It is therefore preferable to call them collectively the Fundamental Constitutional Rights as defined in the relevant references.
    I would prefer further to make extra emphasis here on the fact that the cornerstone of the said rights is the well known Doctrine of Rule of Law, which provides a pair of inter-related principles, namely:
    1/Subjectivity to the law, that is to say all persons whether natural or juristic (including Government) are subject to law without exception.
    2/Equality before the law that is to say all persons whether natural or juristic (including government) should be on equal footings without any immunity or protection (except that justifiably declared by law) and without any discrimination of whatsoever nature, cause, origin or justification.
    These fundamental Constitutional Rights are the very subject of our concern when dealing with the current debate on issues regarding Legal Reform and Judiciary Restructure in the Sudan supposedly started following the signing of the maschowse Accord, on Jan 2005.
    As lawyers in the first place and citizens we are very much concerned about the supposedly ongoing legal Reform in our country following the progress of the peace process resulted in" Maschowse Accord" signed on Jan-2005.
    So as result of this acute turn brought about , in the political level and socio-cultural atmosphere Sudanese people have witnessed some signals of regaining the deeply rooted democratic values of our people represented in organized activities initiated by active forces of the civil society both at home and abroad. The best example of these signals was the Memorandum of legal Reform and Judiciary restructuring submitted by a group of ex-judges to the President of the Republic of the Sudan and the Leader of SPLA/SPLM and other concerned authorities with a copy to the Head of the Judiciary if my memory fails not me.
    In response to that initiative a Sudanese lawyers Forum was established in Muscat, Sultanate of Oman a few months before my departure, where I have participated in the discussion and prepared and presented a paper arguing some of the ideas contained herein, in an attempt to highlight the issues of the said memorandum. In consequence a supporting Memorandum was prepared and submitted by Muscat forum to the same authorities.
    Here in KSA (and probably elsewhere) in addition to this gathering of yours I have come across a very compact and excellent paper on the same topic sent from Al Riyadh (Hussein fagiri) suggesting further how to establish the Forum and the operational mechanisms of its organs, branches,…etc.
    To conclude what we need now is to covert these gatherings at home and abroad, into a unified Sudanese Lawyers Forum lobbying to achieve the objectives argued and agreed upon by the lawyers with the aim of ensuring their participation in Legal Reform & Judiciary Restructuring using the appropriate tools and mechanism to that effect.

    So one of the purpose of this contribution is to invite the attention of all Sudanese lawyers, at home and abroad to the utmost significance of the active and decisive participation in the ongoing legal and Judiciary Reform, in view of the fact that they are the most competent and qualified experts to decide in the matters related to the Legal Reform and Judiciary Restructure from a jurisprudential point of view , as far as taking part in such a task requires in addition to theoretical and practical knowledge of law, certain degree of jurisprudential knowledge and awareness. By jurisprudence jurists mean the science and philosophy of law.

    This is not to preclude others or deprive them from exercising their rights in participating, since we have neither reason nor justification to do so l. Not only that but we strongly believe that both the concept of exclusion of others and the rationale behind it should be severely eradicated from our lives because simply they are altogether unjustifiable and unfair, specially when dealing with national issues, whether being in the size of the currently discussed issues or otherwise . So in our opinion nobody has the right whatsoever, to deprive others whomsoever they may be, from their right to participate in making the laws of their land.
    Actually I know that a considerable number of the learned lawyers (honorable Judges and legal Advisors in the Attorney General chamber) will find it rather difficult to share with me the opinion of fighting to resume and protect the right of participation ( equivalent in my view to the right of being heard according to the rules of Natural justice). In fact and with due respect and appreciation to their reluctance to response to such an invitation probably lest of being prejudiced or influenced in the performance of their duties by reason of their taking such a part in matters tending to get them involved into socio-political conflicts in which they are absolutely unwilling to participate justifiably. But with due respect to the learned lawyers, we must distinguish and differentiate clearly between indulgence into ideological and political a activities and conflicts, and the mere task of participation in making the laws of their land and deciding on how justice should be administered in our country, because these are obviously two different matters .
    In my books it is high time to call all these gatherings at home and abroad to establish a united forum of Sudanese lawyers who believe in a united Sudan of multi-ethnic, religious, culture….etc groups, who can only co-exist peacefully in a country governed by rules recognizing such factors of various diversities and reflecting them under laws of a democratic nature.

    No need to state or remind you that the continuous infringements of the aforesaid rights followed by or coupled with violations of laws, that we had experienced under the different military/civilian regimes, since the independence have learnt us much more about the importance and necessity of such rights in all the countries nowadays all over the world, let alone a country like the Sudan, and have added at the same time to our moderate theoretical opinions regarding the same considerable practical knowledge's, that may assist us to use perfectly and properly the appropriate measures to protect and safeguard these fundamental constitutional Rights and these measures are as follows :-

    Firstly: Embodying these Fundamental Constitutional Rights in the transitional/permanent constitution in addition to the principles of the international Declaration of Human Rights and all other relevant conventions. Such constitution shall contain an article declaring that all laws, rules and administrative orders which contravene those rights as unconstitutional and therefore null and void. The provision of the said Rights should be in a separate chapter immune from amendments unless such amendments were sought to add more (newly recognized and acquired) rights and entitlements.
    Secondly: Forming and structuring of a truly independent Judiciary capable of defending its independence in the first place as a criteria and proof of its ability to safeguard and protect the constitution and the constitutional right of the citizen's covered by its rules and principles.

    So the real reason for inviting the learned lawyers without exception in taking part in the legal reform and restructuring the Judicial organs professionally is that we consider it not only as a national and legal duty but also as amoral duty of a first degree. So by inviting them to gather and convene to participate in all and every efforts tending to make and pass the Constitution and laws, along with deciding the way justice should be administered in our country, we are actually encouraging nobody to get involved in political struggling and conflicts.

    Reliance being made on your broadmindedness and integrity, then your valuable and necessarily criticizing comments are of utmost significance to enrich and increase the benefits of this contribution, but let me appeal that in dealing with this serious matter our approach should be rather practical if the adoption of (mere) theoretical or academic ones is not expected to produce and bring about the crutially required consequences shown in this contribution.
    Thanks and best regards,


    Amin Mohammad Ibrahim Mohammad
    Legal Consultant
    Member of Sudanese Lawyers Forum
    (Sultanate of Oman & KSA
                  

06-08-2005, 01:38 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحيرة والربكة الدستورية (Re: Khalid Eltayeb)

    سودانايل 7/6/2005

    "في رحاب الدستور "3"

    ماذا نريد أن نرى في الدستور القادم؟

    إبراهيم علي إبراهيم/المحامي/واشنطون


    عند الحديث عن صياغة مشروع الدستور الانتقالي يثور التساؤل الملح الآتي: ماذا يريد المواطن أن يرى في هذه الوثيقة الهامة ؟ ومدى قدرة هذا المشروع على توفير الحريات والتغيير الديمقراطي الذي ينشده الجميع. والمخاوف التي تكمن حول مفوضية الدستور ليس فقط لأنها المعنية بكتابة وثيقة الانتقال الدستورية التي تكتسب أهمية تاريخية خاصة، أو للأسلوب الذي شكلت به و الذي يلقي عليها ظلالا من الشك، بل حول قدرتها على تلبية معطيات عهد الانتقال والارتقاء بوطننا من حالة اللادستور والدولة المؤقتة الهشة التي توارثناها، إلى دولة الديمقراطية الدستورية التي يكون فيها الشعب هو المصدر الأساسي للسلطات.

    فالمواطن العادي يرغب أن يرى في هذا الدستور الانتقالي حماية وتأكيدا للحقوق الطبيعية للشعب قبل الإسراع إلى باب حماية الحقوق المدنية والحريات الأساسية التي لا تعني الفقراء والغبش في شيء. فثورات الأقاليم لا تزال تقاتل من اجل استعادة حقوقها الطبيعية المتمثلة في حق الحياة الطبيعية الكريمة، والرعاية الصحية والتعليم الأساسي المجاني، والتنمية الاقتصادية المتساوية، وحقها في أن تحكم نفسها بنفسها، وحقها في نصيب عادل من الثروات القومية لتؤمن به دعائم الحكم اللامركزي المنصوص عليه.

    وحسنا فعل مشروع الدستور بالنص على حزمة طويلة من حقوق الإنسان والحريات السياسية والمدنية. إلا انه في نفس الوقت أراد أن يضع شروطا لممارسة العملية السياسية متغافلا حقيقة أن حق الأحزاب السياسية في الوجود والانتخاب والترشيح، هي حقوق سياسية طبيعية مكتسبة، كفلتها جميع دساتير العالم، ولا تحتاج إلى إذن خاص، ولا يستطيع احد مصادرتها. والنص على حظر أو وضع شروط للممارسة السياسية، هو نسخ لقانون التوالي سيء الذكر، وتطبيق لأفكار الترابي من خلال هذا الدستور. ومثلما رفضت القوى السياسية نص التوالي، سترفض هذا النص الذي يدعو للعزل السياسي.

    ولا يرغب المواطن أن يرى في الدستور الانتقالي نصا يقضي بتوزيع المناصب على أسس عرقية أو جغرافية أو دينية، حيث من حق أي مواطن سوداني الترشيح لرئاسة الجمهورية، أو للبرلمان، وان تكون المواطنة هي المعيار الوحيد في ذلك، إذا لا معنى لوثيقة دستورية مثقلة بقائمة طويلة من الحقوق والحريات، وفي نفس الوقت تجهض حقوق الآخرين في تولي المناصب العامة، ولا جدوى من دستور يحترم حقوق الإنسان كافة ويقوم بتوزيع المناصب على حسب العرق أو الجهة الجغرافية. ورغم ما قيل عن امكانية اللحاق ومشاركة الآخرين أثناء الفترة الانتقالية، إلا أن هذه المشاركة تصطدم بحقيقة أن هذا المشروع يميز بين الفئات السياسية تمييزا يستمر لمدة ست سنوات، كما يعطي الفيتو للقوى التي صاغته.

    هنالك نزعات خطيرة لابد من الإشارة إليها، بدأت تأخذ طريقها لأعمال مفوضية الدستور الانتقالي الذي لا زال قيد المداولة والمساومة بين الطرفين. فمثلا التسوية التي تمت حول موضوع إيراد نص "البسملة" هي حيلة جديدة لا وجود لها في الفقه الدستوري من شأنها أن تجعل من مشروع الدستور نسختين مختلفتين، في حين المراد هو نسخة واحدة لشعب واحد. ولا مجال للقول بعدم أهمية هذه الجملة بدليل اختلاف الطرفين الحاد حولها. والخوف أن تظل هذه النزعة لحل خلافات الطرفين هي سمة أعمال المفوضية، حيث بدأت بوضع نظام بنكي بنافذتين، ثم دستور واحد بنسختين واحدة تحتوي على "البسملة" وأخرى من دونها، وأن تصبح نهجاً ونسقاً يسود في بقية النصوص، مما يشكل سابقة لا مثيل لها في الفقه الدستوري الخاص ببناء الدول ومؤسسات الحكم فيها. استمرار هذا النسق يرجح أن يكون الناتج في نهاية المطاف هو دستور واحد بوجهين مختلفين: واحد للشمال وآخر للجنوب مما ينفي عنه صفة القومية. وهذا ليس من الدستور في شيء ولا يرغب فيه المواطن السوداني.

    ومن محاسن ما رأينا في مشروع الدستور المعلن أن وردت به نصوص تحظر قيام الأحزاب السياسية على أساس العرق أو اللون أو الجهة. ولكنه في نفس الوقت سكت عن حظر قيام أحزاب سياسية على أسس دينية ولم يحظر استخدام الدين لأغراض سياسة، وهذا من شأنه أن يفسر على انه سماح بتكوين و قيام أحزاب على أسس دينية بحتة، مما يهدد قائمة الحقوق والحريات المدنية التي تم ذكرها في الدستور، ويجعلها غير ذات معنى. كذلك يجعل مثل هذا النص الدولة وكأنها مؤسسة تعمل على ترويج الأديان وتشجع قيام المؤسسات الدينية مما يجعل جهاز الدولة مطية للتنافس الديني ويفتح أبواب الفتنة بين الطوائف الدينية المختلفة.

    وليس من السهل أن يستطيع أناس من مختلف الأديان والأعراق والعادات أن يتجمعوا في إطار دولة واحدة مكونين أمة متحدة، إلا إذا وجد اعتراف كامل بخصوصية جميع المجموعات الاثنية التي تعيش في هذه الدولة وضرورة أن يعمل النظام السياسي فيها على حماية هذه المجموعات. و في ظل النظام السياسي الجيد، يمكن الاعتراف والتأكيد على حماية المجموعات الاثنية فيها صغيرها وكبيرها، بما في ذلك معتقداتهم الدينية المختلفة، بحيث يصبح ذلك الاعتراف مبدأ أساسياً في هذا النظام السياسي السوداني الجديد.

    هنالك إذن ضرورة مُلحة في أن يرفض الدستور النص بأن يكون هناك دين واحد للدولة، الأمر الذي يعتبره المفكرون السياسيون قمة في ضمان الحقوق الأساسية لكل الأفراد. و من خلال هذه الحيادية للنظام الاجتماعي ولنظام الحكم فيما يخص التوجه الديني، يمكن لمختلف الفئات والجماعات الدينية في السودان أن تتعايش مع بعضها البعض. إن التسامح في مجال الدين والعرق، ليس مظهراً من مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية، بل هو شرط أولي لحفظ التوازن في المجتمع. وهنا تكمن مهمة الدولة في لجم التشرذمات والانشقاقات الدينية وجماعات الهوس الديني بوصفها "مساً بالسيادة".

    وأخيرا فيما يتعلق بالحقوق، وعلى الرغم من كثرة ما شهدناه من تعديلات دستورية منذ إجازة دستور عام 1956، إلا أن الدستور ظل للأسف بعيداً عن تطلعات الجماهير، ولا يعكس التغيرات الديموغرافية التي حدثت في السودان منذ الاستقلال. فقد شهد السودان زيادة سريعة في عدد سكانه، كما شهد تحولا في التركيبة السكانية، وذلك بفضل حركة النزوح المستمرة من الريف إلى المدينة، وانعكاس هذه الهجرة في ظهور عدد من المدن ونموها بصورة سريعة، وتشهد بذلك حركة الاستيطان الضخمة التي تشهدها العاصمة القومية. لذا يجب أن يؤمن الدستور حق كافة فئات الشعب في التنقل والترحال بين أقاليم السودان وحقهم في الإقامة حيث ما رغبوا وحقهم في السكن الكريم المتساوي.

    وفي مجال الحكم الرشيد، يحب المواطن السوداني أن تكون السيادة لحكم القانون في جمهورية السودان لأنها الترياق المضاد في مواجهة السلطة المستبدة، وتكريساً لمبدأ الشرعية القانونية والشرعية الدستورية، وهذا يعني أن تخضع الدولة والمواطنين على السواء لسيادة حكم القانون. فلا كبير على القانون ولو كانت السلطة التنفيذية نفسها. لذا يجب أن تحظى قرارات المحاكم والقرارات التي تصدرها الأجهزة الإدارية بموجب القوانين باحترام الجميع دون تفرقة بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو المنصب. فلا جريمة إلا بقانون، ولا عقوبة إلا بنص، والجميع سواسية أمام القانون، وذلك بإتاحة الفرص المتساوية للتقاضي أمام المحاكم السودانية، مدنية كانت أم جنائية، وان يكون لكل متهم الحق في أن يمثل بواسطة محامي، وان لا يتم القبض أو التفتيش دون إذن مسبق صادر من جهة قضائية.

    كذلك لابد من إعطاء المحكمة العليا حقها ودورها في مراجعة القوانين التي يشرّعها مجلس الشعب، للتأكد من مطابقتها مع نصوص الدستور، وتعرف هذه العملية بالرقابة الدستورية وهي من صميم واجبات المحكمة العليا. وبهذه الوسيلة يمكن قفل الباب نهائيا أمام تغوّل الأجهزة التنفيذية والتشريعية. إن تفسير المحكمة العليا للقيم الدستورية من شأنه أن يسمح للحق الدستوري بأن يتأقلم مع الوقائع الاجتماعية المتغيرة.

    ولا نعلم حتى الآن ما نص عليه مشروع الدستور الانتقالي حول سيادة حكم القانون. إذ أن هنالك خلافاً حادا بين نسخة نيفاشا ونسخة دستور 1998. ففي حين أمنت نسخة نيفاشا على سيادة حكم القانون، نجد دستور 1998 ينص على الآتي في المادة (4) منه " الحاكمية في الدولة لله خالق البشر، والسيادة فيها لشعب السودان المستخلف، يمارسها عبادة لله وحملا للأمانة وعمارة للوطن وبسطاً للعدل والحرية والشورى، وينظمها الدستور والقانون". إذ اكتفى النص هنا بتقرير دور الدستور والقانون في تنظيم أمر "الحاكمية لله" فقط، وهذا مخالف لما هو متعارف عليه. ويجدر بالذكر أن دستور 1973 نص صراحة في المادة(59) على سيادة حكم القانون وسيادة القانون أساس الحكم. وكذلك فعل دستور 1985 المؤقت في المادة(11) منه. كما أكدت عليه اللجنة القومية للدستور لسنة 1998 برئاسة مولانا خلف الرشيد حيث ورد " تخضع الدولة لحكم الدستور والقانون"، و رغم توصية لجنة مولانا الرشيد هذه، خلا دستور 1998 منه. فهل سيجد نص "الحاكمية" طريقه مرة أخرى للدستور الجديد؟ ولا نحتاج إلى القول أن دستورا لا يحتوي في صلبه على مبدأ عالمي مثل سيادة حكم القانون هو دستور غير ذي جدوى ويهدر الحقوق ويجعلها في حكم العدم.

    إن عملية الدمج والمواءمة بين دستور الإنقاذ الإسلامي لعام 1998 ونصوص اتفاقية نيفاشا الشاملة للسلام ليست عملية سهلة بالطبع، إذ أنها تبدو كمحاولة للتوفيق بين نقيضين مستحيلين، لن تستوي مهما بلغت مهارة الصانع. إذا قلنا أن الاتفاق قد اجبر الحركة الشعبية للتخلي عن المطالبة بفصل الدين عن الدولة وبالتالي إسقاط المطالبة بدستور علماني ديمقراطي لكل السودان، فإن هذا من شأنه أن يبقي على المفاهيم التي بني عليها دستور 1998 وسيادة ظهورها في الدستور الجديد. ورغم ذلك ستجد عملية الاختلاط والدمج تبدو كمقرن النيلين حيث يستطيع المرء أن يميز بين مياه النيلين بوضوح عند الاقتران، وقد نحتاج للمشي معاً لمسافة طويلة حتى تتضح ملامح نهر النيل ويصير موحدا.

    متخصص في شئون الكونجرس


    = = = = =
    السودان لكل السودانيين
    المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان

                  

07-01-2005, 09:16 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحيرة والربكة الدستورية (Re: sultan)

    سودانيزاونلاين.كوم 1/7/2005


    في رحاب الدستور (4)
    ماذا نريد أن نرى في الدستور القادم؟


    إبراهيم علي إبراهيم /المحامي
    واشنطون

    من أهم إنجازات اتفاقية السلام الموقعة في نيفاشا في يناير 2005 واتفاقية القاهرة الموقعة في يونيو أنهما أكدتا على أهمية حكم السودان بموجب النظام اللامركزي أو الفدرالي. وحسنا فعل مشروع الدستور الجديد بجعله اللامركزية نظاماً للحكم في السودان أثناء الفترة الانتقالية.

    و اللامركزية كما عرفتها الأمم المتحدة هي تخويل السلطات والصلاحيات على أساس جغرافي. وهي -كصيغة دستورية للحكم -تعتبر صيغة أعم وأشمل، أما الإقليمية أو الحكم الذاتي أو الفدرالية فهي صور مختلفة من صورها. و كلمة فدرالية هي كلمة قوية ومشحونة loaded لذا كان يخاف منها البعض، ولكن بمرور الزمن والتجارب تغير المفهوم الكلاسيكي للفدرالية وأصبحت صيغة للحكم والوحدة أكثر مما تعني شكلا من أشكال الدولة. وأخذت دول كثيرة بالنظام الفدرالي مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق والهند وسويسرا واستراليا وكندا.

    على الصعيد العملي تعتبر الفدرالية حلاً وسطاً للايدولوجيات المتصارعة حول شكل الحكم بين المركزية واللامركزية وتسوية سياسية بين المركز والولايات، وهي النظام الأمثل الذي يسمح بالاختلاف السياسي على صعيد الأنظمة. فهي تسمح بالاختلاف بين الولايات في ما يتعلق بما يجب عمله من أمور داخلية، وكيفية تنفيذه، ومن يقوم به على مستوى الأجهزة. ثم أن الفدرالية تعني التعاون وتبادل وجهات النظر والأفكار خاصة فيما يتعلق بتحديد العلاقات بين مستويات الحكم المختلفة. لذا فإن اقتسام السلطة يجب أن يكون هدفه تحقيق السلام والتقدم والارتقاء بالأقاليم، واقتسام السلطة على أسس جغرافية فيه تحقيق للأمن العام للدولة، وتمتيناً للوحدة.

    وللفدرالية في السودان قصة طويلة ومحزنة ايضاً، لارتباطها تاريخياً بالمطالب الجنوبية، التي إن استجيب لها لكفانا الله شر كثير من الحروب والويلات. وقد جاءت المطالبة الأولى على مشارف الاستقلال من قبل القيادات الجنوبية التي قوبلت بالرفض ثم كانت الوعد بها الذي لم يرى النور. وقد ذهبت الحكومة الوطنية الأولى إلى ابعد من هذا، حيث عملت على إخراس واعتقال كل من نادي بالفدرالية خاصة نواب الجنوب الثلاثة آنذاك. وقد كانت حجة الحكومة في ذلك أن الفدرالية ستقود إلى الانفصال. ونتيجة لهذا القمع انسحب الجنوبيون من لجنة وضع الدستور الدائم 1956-1958.

    والمتابع لتاريخ وتطور المطالبة بالحكم الفدرالي نجد أنها تطورت واتسعت لتصبح مرتبطة أكثر "بالاعتراف" بحقوق وخصائص المجموعات العرقية والإقليمية في كافة أنحاء السودان. فبعد تاريخ طويل من الرفض والإنكار "اعترفت" القوى الشمالية داخل مؤتمر المائدة المستديرة بالحقوق السياسية والطبيعية “للاقليات" و"المجموعات الأخرى". ولكن لم يتوج هذا "الاعتراف" بخطوات عملية حيث درجت المؤسسة الشمالية على وئد أي أحلام إقليمية، ثم كان تشكيل لجنة الاثنى عشر التي أوصت بإعادة النظر في نظام الحكم بإدخال الحكم الإقليمي كأساس جديد للحكم. ولم تجد هذه التوصيات العملية الفرصة لترى النور إلا في عهد مايو واتفاقية أديس أبابا ثم الحكم الذاتي لجنوب السودان وإجازة قانون الحكم الإقليمي لسنة 1980، وقد كانت التجربة المايوية تسير بخطى حثيثة في طريق منح الأقاليم سلطاتها وثرواتها بشكل يليق بها.

    بإدخال هذه النصوص في مشروع الدستور الانتقالي الحالي يكون السودان قد اتجه اتجاهاً دستورياً صوب الحكم اللامركزي بقصد إعادة هيكلة الدولة ونظام الحكم فيها وتحويلها إلى دولة اتحادية فدرالية، وفي هذا اختلاف جوهري عن تجربة الحكم الإقليمي التي كانت مطبقة بموجب القانون فقط. وهنا يحتم على مشروع الدستور النص صراحة على طبيعة الدولة السودانية بأنها دولة واحدة اتحادية ديمقراطية ذات سيادة على كافة أقاليمها تأكيداً على هذا التحول الدستوري الهام في شكل الدولة. وان ينص في الدستور على أن واجب الدولة الأساسي هو توطيد وترسيخ دعائم هذا النظام الفدرالي الديمقراطي وحماية مؤسساته الدستورية وسيادة الشعب وحقه في ممارسة هذه السيادة بالاستفتاء والانتخاب والترشيح عبر مؤسسات التعددية السياسية وعبر ممارسته لواجباته وحقوقه وحرياته الأساسية.

    كذلك يقضي المبدأ الفدرالي أن يتم تحديد العلاقات بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات بوضوح في صلب الدستور وتحديد اختصاصات كل منها. إن الفدرالية التي ينشدها السودان هي نظام يسمح بالضرورة بتقسيم السلطة بين مستويات مختلفة، بحيث تسود الحكومة الفدرالية في الأمور السيادية، في حين تسود حكومات الولايات في الأمور الأخرى. فلا بد من وجود نصوص تحدد أكثر من مستوى للحكومة داخل حدود الدولة، على أن تعمل هذه المستويات بالتنسيق الكامل بينها فيما يتعلق بذات المواطن. (حكومة وطنية فدرالية- حكومة ولاية أو إقليم- سلطات محلية من مجالس وغيرها) وضرورة أن تتمتع كل حكومة من حكومات الولايات بسلطات خاصة بها. وفي حالة حدوث نزاع بينها وبين الحكومة الفدرالية تكون السيادة للقانون الفدرالي، وألاّ تتغول سلطة على الأخرى، فلن يكون في مقدور الحكومة الفدرالية أن تقوم بعزل حاكم الولاية المنتخب أو حكومته، أو تحل مجلس الشعب الخاص بالولاية، كما لا تستطيع أية ولاية أن تلغي قانوناً فدرالياً. مثل هذه المبادئ الفدرالية يجب أن تظهر بوضوح جلي في متن الوثيقة الدستورية دون غموض بحيث لا تخضع لتفسيرات أخرى قد تجهض مقاصدها ومراميها.

    عند بناء النظام الفدرالي ووضع تفصيلاته يجب عدم إغفال العوامل التاريخية وحقائق التنوع الإقليمي التي بني عليها الحكم الإقليمي السابق وتجربته. فمثلا الحكم الفدرالي الأمريكي قام على حقائق المساحة الجغرافية الشاسعة والتنوع السياسي وتصاعد روح التحرر. أما الحكم الاتحادي السويسري فلم يقم بسبب اتساع الرقعة الجغرافية ولكنه انبثق من حقائق تاريخية بحتة فريدة من نوعها خاصة بتجربة الحكم المحلي التي قامت على جبال سويسرا الكثيرة وأقاليمها ورسوخ هذه التجربة فيها.

    ويلزم الاستهداء بالتجارب العالمية، وفي نفس الوقت يجب الانتباه إلى عدم نقل تجارب الشعوب الأخرى دون مراعاة لظروف وحقائق السودان وتنوعه وتشعب القبائل فيه، وألا يتم ذلك باستيراد دستور دولة أجنبية ما مهما كانت درجة التشابه والتقارب، فتجاوز هذا الواقع وهذه الحقائق يؤدي إلى الفشل. فالارغواي فشلت في نقل التجربة السويسرية للاختلاف الجذري بين وقائع البلدين وحقائقهما التاريخية.

    وعند صياغة النظام الفدرالي ووضع تفاصيله لابد من الاسترشاد بالتجارب السودانية الثلاث في هذا المجال: تجربة الحكم الذاتي لجنوب السودان والتي تم تطبيقها بموجب نصوص الدستور الذي أصبحت اتفاقية أديس أبابا جزءا منه، ثم تجربة الحكم الإقليمي التي طبقت بموجب قانون الحكم الإقليمية لسنة 1980، ثم تجربة الحكم الاتحادي التي تمت في عهد الإنقاذ الحالية. وفي جميع هذه التجارب يسود اعتراف بأن الديمقراطية الإقليمية ضرورة تفرضها حقائق التنوع الجغرافي و التعددية السياسية، والاهتمام بوجود مصالح متميزة عن المصالح القومية تأكيداً لحق الانتخاب لحكومات الأقاليم ومجالسها التشريعية. أما تجربة العهد الديمقراطي فقد شكلت ردة عن التطور الطبيعي الذي كان سائدا في عهد مايو فيما يتعلق بمنح الأقاليم حقوقها الطبيعية والسياسية، فرغم أن المادة 16 من دستور 1985 قد نصت على نوع من الحكم الإقليمي، إلا أن الحكومة الديمقراطية عمدت إلى تعيين الحكام والوزراء الإقليميين، وإغفال مجالسها التشريعية.

    والفدرالية كنظام للحكم لا تحتل مكاناً مرموقاً في الوعي السياسي العام للأحزاب السودانية، ويعود هذا إلى الرفض المبكر الذي منيت به الفدرالية في مسار قضية الجنوب، ولعلّ هذا الربط العضوي الذي تم مبكراً بين النظام الفدرالي وقضية الجنوب هو الذي أدى إلى هذا الرفض الذي استمر طويلاً للفدرالية كنظام للحكم في السودان ككل وليس كصيغة لحل العلاقة بين الشمال والجنوب فقط. وحتماً ستؤدي هذه الاختلافات في وجهات النظر لاختلافات في التطبيق قد يكون فيها شي من التعقيد.

    وإذا كانت حكومة مايو بتوقيعها لاتفاقية أديس أبابا و إجازة قانون الحكم الذاتي التي تم تضمينها في الدستور الدائم، وقانون الحكم الإقليمي، قد وضعت أولى اللبنات نحو اللامركزية والحكم الإقليمي في السودان، فإن نصوص نيفاشا حول الحكم اللامركزي ستقوم بوضع الأعمدة والرافعات وبناء الهيكل الفدرالي للسودان الجديد.

    وإذا كانت الفدرالية قد ارتبطت تاريخياً بالمطالب الجنوبية كما أسلفنا، فها هي الآن تبدو حقيقة هذه المرة، وقد كان جنوبياً هواها أيضاً، على يد الحركة الشعبية لتحرير السودان، تتويجاً لتلك المطالبات المنتظمة على مر التاريخ الحديث دون انقطاع ودون ملل، لتؤكد للجميع أن صيغة الحكم اللامركزي والفدرالية إنما تدعم من ركائز الوحدة وتقوي من فرص نجاحها، وليس العكس كما كانت تقول المبررات القديمة الرافضة للفدرالية باعتبارها تضعف السلطة المركزية.

    http://www.sudaneseonline.com/aarticle2005/jul1-17713.shtml

    = == = = =
    السودان لكل السودانيين
    المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان

    (عدل بواسطة sultan on 07-01-2005, 09:33 AM)

                  

07-01-2005, 09:47 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحيرة والربكة الدستورية (Re: sultan)

    النص الكامل للدستور الانتقالى الذى تم تسليمه لرئيس الجمهورية ...


    = = = = = ==
    الأيام 30/6/2005


    ماذا فعل التجمع في المفوضية.. وما الذي تغير ؟!

    علي حسنين: الدستور .. اختلف..!

    - ركزنا على تثبيت دعائم التحول الديمقراطي .. وضمان حقوق المواطن

    - عدلنا عددا كبيرا من البنود، ونخشى من المجلس الوطني

    - لا مكان للاعتقال التحفظي، وقضاة الدستورية يستجوبهم مجلس الولايات قبل التعيين

    - عدلنا صياغة بنود الحريات، وتكوين مفوضية حقوق الإنسان يتم وفق هذه الشروط

    - اقترحنا مفوضية لرفع الضرر ورد المظالم، ومفوضية الدستور أقرت لجنة رئاسية




    على عجل وفي اعقاب اتفاق القاهرة ومشاورات الزعماء الثلاثة الاستاذ علي عثمان محمد طه النائب الاول لرئيس الجمهورية ود. جون قرنق نائب الرئيس القادم والسيد محمد عثمان الميرغني زعيم التجمع حزم اعضاء التجمع حقائبهم وعادوا للخرطوم يسابقون الزمن للحاق باعمال مفوضية الدستور التي كانت قد استكملت عملها بل وتوصلت الى المسودة المقترحة، وشرع وفد التجمع في النقاش من جديد، فما الذي اضافته مشاركة التجمع، وهل انفذ رؤيته حول ما اراد تعديله، وما الذي تغير؟ (الايام) التقت الاستاذ علي محمود حسنين القانوني المعروف ورئيس وفد التجمع في المفوضية واجرت معه الحديث التالي:

    حوار: احمـــــــد الشيـــــــخ


    حقوق الانسان .. والتشريعات:

    ذكر رئيس وفد التجمع بمفوضية الدستور علي محمود حسنين ان وفد التجمع ادخل تعديلا في مقدمة مسودة الدستور بوضع اشار الى اتفاقية القاهرة الموقعة في 18 يونيو بين الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي، والتي يستمد منها وفد التجمع شرعية وجوده بالمفوضية، كما عدل المادة (21) التي كان نصها يقول: تلتزم الدولة باحترام وترقية الكرامة الانسانية، وتؤسس على العدالة والمساواة والارتقاء بحقوق الانسان وحرياته الاساسية واضاف اليها وفد التجمع بعد نقاش جملة (تتيح التعددية الحزبية) وقال في وثيقة حقوق الانسان نصت على ان كل الحقوق والحريات المكفولة في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها السودان تعتبر جزءا لا يتجزأ من مسودة الدستور، كما اضفنا لها نصا جديدا يقول لتنظيم التشريعات والحقوق والحريات المضمنة في المسودة ولا تصادرها ولا تنقص منها.

    واضاف حسنين ان وفد التجمع ادخل تعديلا على المادة (30/2) لتصبج لا يجوز ارغام احد على اداء عمل قسرا الا لعقوبة تترتب على الادانة بواسطة محكمة مختصة.

    واشار حسنين الى ان متطلبات المحكمة العادلة ان يحاكم المتهم امام محكمة عادية مختصة وفقا للاجراءات التي يحددها القانون كما جاء في المادة (34/4) وقال ان هذا البند يعني بكل وضوح رفض المحاكم الاستثنائية والخاصة ويضمن للمتهم محاكمة سريعة.

    * حرية الصحافة.. والمهنية:

    وفي حديثه عن حرية الاعلام التي وردت بمسودة الدستور قال ان المادة (39/1) تنص على (لكل مواطن حق لا يقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول الى الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والاخلاق العامة، وذلك وفقا لما يحدده القانون) والمادة (39/2) تنص على ان (تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الاعلام الاخرى وفقا لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي) ونحن ضغطنا من اجل اضافة المادة (39/3) التي تقول (تلتزم كافة وسائل الاعلام باخلاق المهنة وبعدم اثارة الكراهية الدينية او العرقية او العنصرية او الثقافية او الدعوة للعنف او الحرب).

    مبينا ان اضافة هذه المادة جاءت كنتيجة لفتوى اصدرتها ما اسمت نفسها بالرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في الايام الماضية، والتي تنادي بعدم التعامل مع الحركة الشعبية عبر رفض تأجير المساكن والمتاجر لافراد الحركة وعدم نشر بياناتهم والبراءة منهم وبغضهم في الله)، بذلك لا بد من العمل على وضع هذا البند خاصة في فترة تنفيذ الاتفاقية.

    * تكوين الاحزاب .. ونص الدستور:

    واضاف ان نص المادة (40) كان يقول (ينظم القانون انشاء وتكوين الاحزاب وعدلناه الى (ينظم القانون تكوين وتسجيل الاحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية وفقا لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي) باعتبار ان هناك احزاب موجودة اصلا قبل وضع هذه المسودة وقال ادخلنا تعديلا اساسيا حاسما في المادة (40/3) التي كانت تقول (ان تكون الاحزاب مفتوحة على المستوى القومي) واوضحنا بأن هذا يعني ان تكون هناك احزاب غير مفتوحة على مستوى الجنوب والمستوى الولائي، واصبحت المادة (40/3) تقول ( لا يحق لاي تنظيم ان يعمل كحزب سياسي على المستوى القومي او مستوى جنوب السودان او المستوى الولائي ما لم تكن له عضوية مفتوحة لاي سوداني بغض النظر عن الدين او الاصل العرقي او مكان الميلاد، وان لا يتعارض برنامجه مع نصوص هذا الدستور.

    * حق الانتخاب.. وحق العودة:

    وذكر حسنين ان المادة (41/2) كانت تعطي حق التصويت للرجل البالغ واستبدلت المادة الى (لكل مواطن بلغ السن التي يحددها هذا الدستور او القانون الحق في ان ينتخب وينتخب في انتخابات دورية تكفل التعبير الحر عن ارادة الناخبين وتجرى وفق اقتراع سري عام) وقال ان المادة (42/2) لم تعط السوداني الحق في العودة الى بلاده الا وفق القانون وعدلت الى (لكل مواطن الحق في مغادرة البلاد وفقا لما ينظمه القانون وله الحق في العودة).

    * نزع الملكية .. والمصادرة:

    واكد حسنين ان وفد التجمع ميز بين نزع الملكية الخاصة وبين المصادرة لتصبح المادة (43/2) تنص على (لا يجوز نزع الملكية الخاصة الا بموجب قانون وللمصلحة العامة، وفي مقابل تعويض عادل وفوري، ولا تصادر الاموال الخاصة الا بموجب حكم قضائي).

    * تكوين مفوضية حقوق الانسان:

    وابان حسنين ان مفوضية حقوق الانسان كانت تكون بطريقة اعترض عليها وفد التجمع بالمفوضية وقدم مقترحا لتعديلها لتصبح المادة (142/1) (ينشئ رئيس الجمهورية بعد التشاور في رئاسة الجمهورية مفوضية لحقوق الانسان تتكون من (15) عضوا، من المشهود لهم بالاستقلالية والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي والتجرد ويراعى اتساع التمثيل في اختيارهم وتكون مستقلة في اتخاذ قراراتها) كما نصت المادة (142/2) على مشاركة ممثلي الاجهزة الحكومية بصفة استشارية في مداولات المفوضية، واعطت المادة (142/3) المفوضية حق مراقبة وتطبيق الحقوق والحريات الواردة في وثيقة الحقوق وتلقي الشكاوي حول انتهاكات الحقوق والحريات، كما جوزت المادة (142/3) للمفوضية ابداء الرأي وتقديم النصح لاجهزة الدولة بشأن اي مسألة تتعلق بحقوق الانسان وفقا لمهام واختصاصات وشروط خدمة المفوضية التي يحددها القانون.

    * استقلال المحكمة الدستورية والسلطة القضائية:

    وقال حسنين ان وفد التجمع بالمفوضية استحدث المادة (119/2) التي تنص على ان (تكون المحكمة الدستورية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ومنفصلة عن السلطة القضائية القومية، ويحدد القانون اجراءاتها وكيفية تنفيذ احكامها).

    مشيرا الى ان تكوين المفوضية القومية للخدمة القضائية كان متروكا الى القانون وقال (حرصنا على ان يكون تكوينها كما ورد في اتفاقية السلام باعتبار انه سيكون اكثر قبولا وحيادية).

    واضاف قائلا نحن اكدنا على استقلال السلطة القضائية بشقيها في اعلان نيروبي الذي تضمن الحقوق الاساسية والحريات التي نجحنا في ابرازها عبر مقترحاتنا في مفوضية الدستور، السبب الذي ادى الى تضمين جميع الحقوق الاساسية والحريات المضمنة في الاتفاقية الدولية التي صادق عليها السودان، والتي اصبحت جزءا لا يتجزأ من الدستور، الامر الذي يجعل حقوق المواطن السوداني مثل حقوق المواطن في الدول الديمقراطية، باضافتنا المادة (27/4) التي تنص على (تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة في هذه الوثيقة ولا تصادرها ولا تنقص منها)، وهذا النص يوضح ان هم وفد التجمع كان منصبا في تعزيز وإحداث تحول ديمقراطي عبر تثبيت الحقوق الأساسية للمواطن السوداني، وضمان قضاء مستقل يقوم بتنفيذ وثيقة الدستور.

    * محاسبة مرتكبي جرائم التعذيب:

    وذكر حسنين ان وفد التجمع طالب بتحريم التعذيب ومحاسبة مرتكبيه علما بأن جريمته لا تنتهي بالتقادم وقال ان مفوضية الدستور لم توافق على اقتراحنا، لكننا لم ننزعج كثيرا باعتبار ان الإضافة التي نريدها موجودة في الاتفاقيات الدولية، في المادة (33) من مسودة الدستور التي تنص على (لا يجوز إخضاع احد للتعذيب او معاملته على نحو قاس او لا إنساني او مهين).

    * 7 نواب للرئيس .. للتاريخ:

    وحول مقترح التجمع في لجنة الدستور بتعيين سبعة نواب لرئيس الجمهورية قال حسنين ان وفد التجمع اقترح ان يكون لرئيس الجمهورية (7) نواب يمثلون اقاليم السودان السبعة، ولكن المفوضية رفضت هذا المبدأ باعتبار انه يتعارض مع اتفاقية السلام والتي لا تعتبر الزيادة فيها خروجا عليها، ونحن سجلنا موقف التجمع للتاريخ.

    وتقدم وفد التجمع باقتراح بأن يخضع أعضاء المحكمة العليا والمحكمة الدستورية لاستجواب امام مجلس الولايات قبل تعيينهم وذكر حسنين ان المفوضية وافقت على امر إحالة أعضاء المحكمة الدستورية للاستجواب امام مجلس الولايات الذي يفعل ما يراه مناسبا باعتبار ان هذا يقع ضمن المصادقة عليه، اما قضاة المحكمة العليا فانها لم توافق على امر احالتهم الى مجلس الولايات وترك امر تعيينهم لرئيس الجمهورية.

    * حالة الطوارئ والاستثناءات:

    وفي حديثه عن حالة الطوارئ اكد حسنين ان وفد التجمع بمفوضية الدستور اضاف المادة (211) التي تتعلق بحالة الطوارئ وتعطي رئيس الجمهورية الحق في تعليق بعض الحقوق باستثناء حقوق معينة وقال اضفنا اليها المحاكمة العادلة باعتبار انه لا يجوز الاخلال بكافة شروطها.


    * العاملون بالمؤسسات.. والكفاءة:

    واشار حسنين الى حرص الوفد على ادخال تعديلات حول الخدمة المدنية وديوان المظالم، ليصبح اعضاء هذه المؤسسات ممن يتمتعون بالكفاءة والخبرة والنزاهة والتجرد، بالاضافة الى استحداث الفقرة (205/3) التي تلزم بأن يكون المراجع العام مؤهلا مهنيا وقال اضفنا بند ديوان العدالة القومي للعاملين للجوء اليه.

    * مفوضية دفع الضرر .. واللجنة الرئاسية:

    واقترح وفد التجمع على مفوضية الدستور انشاء مفوضية رفع الضرر وردود المظالم بالتراضي لتنظر في تظلمات من احيلوا الى التقاعد لاسباب سياسية وتعويضهم وقال حسنين ان المفوضية وافقت بعد نقاش مستفيض على ان تنشئ رئاسة الجمهورية لجنة مؤقتة للنظر في تظلمات من احيلوا الى التقاعد او فصلوا لاسباب سياسية وتقدم توصياتها لرئاسة الجمهورية وفقا للمادة (226/7) من مسودة الدستور.

    واضاف قائلا ان رد الظلم ورفع الضرر ورد باتفاق القاهرة من اجل انصاف الاف المتضررين من الفصل التعسفي.
    لذلك رأينا النص دستوريا على هذا الحق.

    * نسب المشاركة .. وحقوق الانسان:

    واكد حسنين ان وفد التجمع لم يتقدم باقتراح لتعديل نسب المشاركة في السلطة والثروة وقال (نحن قلنا هذه القسمة ضيزي ولم نطالب المفوضية بتعديلها باعتبار ان هذا ليس من اهتمامها)، واضاف لقد كان همنا منصبا على اجازة النصوص المتعلقة بحقوق الانسان التي وردت في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها السودان لتصبح جزءا اصيلا من مسودة الدستور، لذلك اضفنا المادة (4 التي تقول (مع مراعاة المادة (211) من هذا الدستور، لا يجوز الانتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذه الوثيقة، وتصون المحكمة الدستورية والمحاكم المختصة الاخرى هذه الوثيقة وتحميها وتطبقها، وتراقب مفوضية حقوق الانسان، تطبقها في الدولة وفقا للماداة (142) من هذا الدستور)، وعززنا ذلك بالمادة (129) التي تنص على (لكل شخص الحق في الحرية والامان، ولا يجوز اخضاع احد للقبض او الحبس، ولا يجوز حرمانه من حريته او تقييدها الا لاسباب ووفقا لاجراءات يحددها القانون) وبهذا يتضح عدم وجود مكان للاعتقال التحفظي، وحفظ حقوق المواطن وصيانتها وضمان تنفيذها من وثيقة الدستور نفسها.

    * حقوق المرأة في الدستور:

    وفي رد على سؤال طرحته (الايام) عن موقع اتفاقية مناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والاعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، في الدستور قال حسنين المرأة انسان، لذلك هي مضمنة في المواثيق والعهود الدولية وهناك نصوص تهتم بحقوق المرأة مثل المادة (32/1) التي تقول (تكفل الدولة للرجال والنساء الحق المتساوي في التمتع بكل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية بما فيها الحق في الاجر المتساوي للعمل المتساوي والمزايا الوظيفية الاخرى، والمادة (32/2) التي تنص على (تعزز الدولة حقوق المرأة من خلال التمييز الايجابي وتحارب العادات الضارة التي تقلل من كرامة المرأة ووضعيتها وتوفر لها الرعاية الصحية)؟

    واضاف ان المادة (33) التي تقول (لا يجوز اخضاع احد للتعذيب او معاملة على نحو قاس او لا انساني او بشكل مهين) توفر الحماية للمرأة بغض النظر عن المواثيق الدولية التي تمنع العنف ضد المرأة.

    * التعليم .. حق والزامي:

    وذكر حسنين ان المسودة جعلت التعليم حق لكل مواطن دون تمييز على اساس الدين او العنصر او العرق او النوع او الاعاقة، والمادة (44/2)، تنص على التعليم في المستوى الاساسي الزامي وعلى الدولة توفيره مجانا).


    * مركزية الشرطة .. ومهام قوات الامن:

    واشار حسنين الى ان وفد التجمع تقدم بمقترح ليكون تدريب وتأهيل الشرطة مركزيا، وان تستخرج شهادات التدريب من جهة واحدة وقال هذا المقترح رفضته المفوضية وخاصة الاخوة في الحركة.

    واضاف ان الوفد تقدم بمقترح اخر هو ان تنحصر مهام جهاز الامن في جمع المعلومات فقط وقال ان المفوضية رفضت هذا المقترح ووضعت المادة (151/3) التي تقول (تكون خدمة الامن الوطني خدمة مهنية وتركز في مهامها على جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للسلطات المعنية).

    * اجازة المسودة .. وانتظار التجمع:

    واكد حسنين ان مفوضية الدستور اجازت مسودتها منذ يوم 11/6 وكان من المفترض ان ترفعه الى المجلس الوطني لاجازتها، لكن قرار التجمع بالمشاركة في مفوضية الدستور اوقف اجراءات اجازة الوثيقة وقال اتينا للمشاركة في مسودة الدستور يوم 20/6 بعد توقيع اتفاق القاهرة، واتفقنا مع مفوضية الدستور على الامور التي نرغب في اجراء تعديلات فيها، وقد خلصنا الى وضع الية لحسم القضايا الخلافية وقال: ( كنا عندما يحتدم النقاش في امر ما فاننا نحيله الى لجنة مكونة من (12) شخصا (4 للحركة و4 للحكومة و4 للتجمع)، لعمل الموائمة بين ما هو مجاز وبين التعديلات التي ادخلناها، وفي بعض الحالات تصل اللجنة الى حل وسط، ويجاز الحل الذي تخرج به اللجنة بعد عرضه على الجمعية العمومية للمفوضين.

    * انجازات كثيرة .. وايام قليلة:

    وذكر حسنين ان اهتمام وفد التجمع كان منصبا نحو التحول الديمقراطي، رغم انه شارك لمدة (4) ايام، وعدل الكثير من بنود الدستور لضمان حقوق المواطن السوداني الاساسية، وكان من المفترض ان يقدم الدستور للمجلس الوطني يوم الاحد، لكنه قدم يوم الاثنين وقال ان مشاركة وفد التجمع ساهمت في ان يقدم للمجلس دستور يختلف في كثير من الامور عن الدستور الذي كان من المفترض تقديمه يوم 11/6.

    وابدى حسنين تخوفه من اجراء تعديلات على وثيقة الدستور التي قدمت للمجلس الوطني وقال نحن نضمن ان مجلس الحركة لن يغير شيئا من هذا الدستور، لكن نخشى من المجلس الوطني.

    =============
    السودان لكل السودانيين
    المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان
                  

07-02-2005, 03:41 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48774

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحيرة والربكة الدستورية (Re: sultan)

    شكرا يا أستاذ سلطان..

    لقد كانت لي مداخلة في بوست أحمد الشايق "من يصدق الدكتور الترابي" اقتبست فيها جزء مما جاء في مقالات الأستاذ إبراهيم علي إبراهيم..
    الترابي مجرم ويجب محاكمته على كل جرائمه..
    وتحيتي إليك..

    ياسر
                  

07-02-2005, 03:58 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48774

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحيرة والربكة الدستورية (Re: Yasir Elsharif)

    الأخ أحمد الشايقي،

    لك التحية والشكر على هذا البوست..

    صورة الترابي الحقيقية كانت ظاهرة لأصحاب البصائر منذ زمن بعيد، بالتحديد منذ أن دخل الحلبة السياسية بعد ثورة أكتوبر عام 1964.. لقد كان هو المستشار القانوني لمجلس السيادة.. لقد كان هو وآخرون وراء فكرة تزييف روح الدستور المعدل لعام 1964 بتزيين فكرة تحريم الشيوعية.. هذه الفكرة جاءت في كتابة الأستاذ إبراهيم علي إبراهيم المحامي في هذا البوست:
    الحيرة والربكة الدستورية
    [وفي أعقاب نجاح ثورة 21 أكتوبر تم تبني الميثاق الوطني لسنة 1964 الذي تمت صياغته على غرار الدستور المؤقت لسنة 1956. ومن ثم تبني دستور السودان المؤقت المعدل لسنة 1964 ليحكم البلاد أثناء الفترة الانتقالية، وتقوم بمقتضاه جمعية تأسيسية لوضع الدستور الدائم. وقد خضع هذا الدستور المؤقت نفسه لتعديلات خاصة بإدخال نصوص تتعليق بتحريم الإلحاد والترويج له وعدم الاعتقاد في الأديان السماوية.] انتهى النقل من مقال المحامي الأستاذ إبراهيم علي إبراهيم.
    ويعرف الجميع دور الدكتور الترابي وجبهته "جبهة الميثاق الإسلامي في الأزمة الدستورية التي اشتعلت في ذلك العهد وقادت إلى حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان.. لقد كان الدكتور الترابي هو بطل تلك الأزمة بلا منازع..
    راجع كتاب: زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في 1. ميزان الثقافة الغربية 2. الإسلام

    http://alfikra.org/books/bk014.htm

    وقد كان الترابي وبعض أعضاء جماعته مثل الدكتور الأمين داوود وعلي طالب الله وعطية محمد سعيد وراء مهزلة محكمة الردة سنة 1968 ضد الأستاذ محمود محمد طه، وهي المحكمة التي انعقدت في نفس السنة التي صدر فيها الكتاب أعلاه.. ولما كان الدستور لا يسمح لأي محكمة بالنيل من حق الإنسان الأساسي في الاعتقاد والتعبير فإن تلك المحكمة الشرعية لم تتمكن حتى من إحضار الأستاذ محمود ليمثل أمامها، ولكنه أخرج كتابا اسمه "بيننا وبين محكمة الردة"

    http://alfikra.org/books/bk016.htm
    كشف فيه هذه المؤامرة كما كشف التزييف الذي مارسه المدعيان الأمين داوود محمد وحسين محمد زكي..

    لم يمض على هذه المهزلة أكثر من ست أشهر حتى جاء الانقلاب العسكري الذي أوقف مهزلة "الدستور الإسلامي" التي كان الترابي وجبهة الميثاق قد ساقوا الحزبين الكبيرين إلى محاولة فرضه عن طريق البرلمان أو الاستفتاء..

    وكان الترابي بعد المصالحة الوطنية التي تمت في عام 1977 يمثل رأس الرمح في محاولة التأثير على نميري لتعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية.. وقد استفاد من الدعم الخارجي القادم من السعودية ومن الأخوان المسلمين في مصر [في هذا الوقت قام الرئيس السادات بالإفراج عنهم من السجون وسمح لهم بدخول الحياة السياسية].. هذا الدعم مكن الأخوان المسلمين والسلفيين عموما من السيطرة على المال والتجارة في البلاد [البنوك الإسلامية] وهذه قد عملت على تقويض الاقتصاد وألجأت النميري إلى الرضوح أكثر لإملاءات خارجية من السعودية تحديدا.. ولكن النميري في نفس الوقت كان يخشى على حكمه من الأخوان المسلمين [والسلفيين عموما] وهم حلفاء اليوم أعداء الأمس.. وأراد أن يسحب البساط من تحت أرجلهم بأن يختط له طريقا "إسلاميا" لا يغضبهم ولا يغضب السعودية.. في هذا الجو صدر كتاب "النهج الإسلامي.. لماذا".. ويمكن لقارئ هذا الكتاب أن يستنتج أن النميري كان يحاول تبني "إسلام" أقرب إلى فهم الجمهوريين [بدون أن يذكرهم بالإسم طبعا].. وقد أخرج الجمهوريون كتابا إسمه "نميري .. والنهج الإسلامي والدعاة السلفيون" في نفس العام الذي خرجت فيه الطبعة الأولى من كتاب نميري [1980].. وأوضحوا فيه دعمهم لمثل هذا النوع من الفهم.. الجدير بالذكر أن الجمهوريين أخرجوا العديد من الكتب التي تنتقد نهج الأخوان المسلمين في تطبيق الشريعة الإسلامية وفي تعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية.. في عام 1983 أوعزت قوى الهوس الديني بدعم سعودي بمحاولة تحويل نميري عن خطه الذي كتبه في كتاب "النهج الإسلامي.. لماذا" [يُقال أن الكتاب ليس من تأليفه هو وإنما من تأليف آخرين].. المهم بدأت حملة شيخ إسمه محمد نجيب المطيعي في مسجد "التقوى" وهو المسجد الذي كان اللواء عمر محمد الطيب رئيس جهاز الأمن ونائب رئيس الجمهورية قد بناه في حي كوبر بالخرطوم بحري.. الجمهوريون أخرجوا كتابهم "الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة" وانتقدوا فيه اللواء عمر محمد الطيب في تفريطه في أمن البلد بسماحه للشيخ المطيعي بالخطابة فيه، وهو الذي اعترف بنفسه بأنه كان وراء أحداث الزاوية الحمراء التي حدثت في مصر عام 1981، وهي الأحداث التي تداعت إلى اغتيال الرئيس السادات على أيدي جماعة التكفير والهجرة التي خرجت من عباءة تنظيم الأخوان المسلمين.. في تقديري أن الأيام ستثبت أن هذه الجماعة كانت مدعومة من السعودية كما كانت مدعومة من إيران ووجدت الكثير من القبول في الدول العربية والإسلامية.. كل هذا كان السبب وراء رضوخ نميري لتأثير قوي ولكنه كان دائما يريد أن يكون له هو الفضل في "تحكيم الإسلام"، ولذا لم يتورع عن اغتيال الأستاذ محمود للإبقاء على كرسي الحكم، وما درى أنه بذلك قد حفر حفرة لنظام حكمه ودفنه فيها.. بعد أقل من شهرين على تصفية الأستاذ محمود، قام النميري بالقبض على الترابي وقادة تنظيمه وألقى بهم في السجن في 11 مارس 1985 إلى أن خرجوا بعد الانتفاضة، التي اتضح فيما بعد دور حزبه في سرقتها، وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الاتجاه الإسلامي كان له تأثير على كثير من أعضاء المجلسين، المجلس العسكري الانتقالي ومجلس الوزراء، وكنموذج يمكن للمرء أن يذكر أسماء المشير عبد الرحمن سوار الدهب والدكتور الجزولي دفع الله والدكتور حسين سليمان أبو صالح.. هذين المجلسين فشلا في إلغاء قوانين النميري، فكأنما أزالوه بينما أبقوا على أسوأ قوانينه وهي التي تناقض دستور 1973 بصورة مؤسفة..

    وقد تمكن الترابي بعد الفترة الانتقالية من ابتزاز جميع الأحزاب للإبقاء على قوانين نميري [قوانين سبتمبر] وهم الذين لا يريون أن يُقال عنهم أنهم هم الذين ألغوا القوانين الإسلامية.. ولم يكن هناك بعد الجمهوريين من قوة فكرية يُحسب لها حسابا، وهذا الأمر أدركته الحركة الشعبية لتحرير السودان، وقد أدركه كثير من المثقفين الجنوبيين مثل الدكتور فرانسيس دينق، وقد كتبه في كتابه "صراع الرؤى".. المهم كانت مسألة "إسلامية الدولة" أو "علمانيتها" هي العقبة الكؤود التي منعت الحركة الشعبية من وضع يدها مع بقية القوى السياسية بعد الانتفاضة.. وظلت على موقفها من النضال المسلح بالرغم من أن هذه القوى السياسية كانت قد جمدت العمل بهذه القوانين.. الحركة الشعبية كانت تطالب بإلغاء قوانين سبتمبر، وهو ما طالب به الأستاذ محمود والجمهوريون في منشورهم الشهير "هذا .. أو الطوفان" كما هو معروف..

    كانت جبهة الترابي الإسلامية في العهد النيابي قد تغلغلت في الجيش وهذا مكن لها من تدبير انقلاب الثلاثين من يونيو 1989.. ولم يلبث الترابي أن أعاد صياغة القوانين ووضعها موضع التنفيذ منذ عام 1991؛ ثم قام بتحويل الحرب في جنوب السودان إلى حرب "جهادية" بين المسلمين والكفار الجنوبيين، وقصص أعراس الشهداء وغير ذلك معروفة ومشهورة.. وفي عام 1998 قامت جماعته بكتابة دستور السودان لسنة 1998، ولكنه جعل القوانين فوق هذا الدستور وهو وضع معكوس..

    الغريب أن الدكتور الترابي يطالب بإخضاع المسئولين عن جرائم دارفور وفظائعها للمحكمة الجنائية في لاهاي بحسب قرار مجلس الأمن رقم 1593.. وهو لا يدري أن هذه القرارات قد فتحت الطريقة لمساءلة كل الذين أفسدوا الحياة السياسية في السودان وكانوا السبب في فرض قوانين القطع والصلب والجلد والقطع من خلاف.. هذه أيضا جرائم يا دكتور الترابي، وهي لا تسقط بالتقادم.. وهناك سودانيون لن يهدأ لهم بال إذا لم يحضروا كل الذين قاموا بهذه الجرائم إلى المساءلة..

    وشكرا

    ياسر
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de