مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 08:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-08-2015, 01:08 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن موالاة الكفار صفة متأصلة في نفوس المنافقين لا تنفك عنهم لحظة ، ولو لم يكن من صفات المنافقين إلا هي لكفت لمعرفتهم ، وأصل الموالاة : إظهار المودة بالأقوال والأفعال .

    وهي عند العلماء : متابعة غير المسلمين ، ومحبتهم ، والميل إليهم ، وما يتبع ذلك من نصرتهم ومصاحبتهم ، ومصادقتهم ، ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم.
    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله ".

    فالمؤمن الحق لا يمكن أن يوالي غير المؤمنين، أما المنافقون فإنهم يميلون لهؤلاء الكفار، وقد بين الله تعالى أن هذه صفة من صفات المنافقين وتوعدهم عليها: { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)}.(النساء).

    رأس المنافقين ابن سلول وموالاة اليهود

    لئن كان المنافقون في كل زمان ومكان يوالون الكافرين ويحبونهم وينصرونهم على المؤمنين فإن قدوتهم في ذلك هو رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول عليه من الله ما يستحقه، فقد انحاز إلى أشد الناس عداوة للمؤمنين وهم اليهود في أكثر من موقف، فحين تمكن الغيظ من قلوب يهود بني النضير نتيجة ما من الله به على المؤمنين من نصر وعز وتمكين وكادوا للإسلام وأهله، وظهرت رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في معاقبتهم على خيانتهم وكيدهم وإظهار العداوة للمسلمين، أرسل إليهم بن سلول يقول:

    اثبتوا وتمنعوا، ولا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون دونكم، وفيهم أنزل الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (الحشر:11-12).

    وكما تلحظ من الآيات الكريمة فإنها حوت نبوءة وبشارة، أما النبوءة فهي ما أخبر الله به من أمر غيبي من أن هؤلاء المنافقين لن يخرجوا مع هؤلاء اليهود ولن يقاتلوا معهم إن كان قتال، وقد وقع ما اخبر الله تعالى به، وأما البشارة فهي ما بشر الله به المؤمنين من هزيمة الكافرين والمنافقين.

    ويوالي بني قينقاع
    فحين غدر اليهود من بني قينقاع ونقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم وطال عليهم الحصار حتى نزلوا على حكمه وبمقتضاه يقتل المقاتلون من اليهود، فقام المنافق ابن سلول يجادل عنهم ويشفع فيهم ،روى ابن إسحاق: "فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابن سَلُولَ، حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، قَالَ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيَّ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

    فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْسِلْنِي، وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلاً، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! أَرْسِلْنِي، قَالَ: لا وَاَللَّهِ لا أُرْسِلْكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي مواليّ، أَربع مائَة حاسر، وَثَلاث مائَة دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، إنِّي وَاَللَّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُمْ لَكَ" (سيرة ابن هشام).

    قال عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: فنزل قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ . وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة:51-56).

    فأهل النفاق يوالون الكفار طمعا فيما عندهم من دنيا

    كما قال الله تعالى عنهم: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}(النساء 141).

    يقول ابن كثير - رحمه الله -: يُخبِر - تعالى - عنِ المنافقين أنهم يتَرَبَّصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى: ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكُفر عليهم، وذهاب ملتهم، {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ}؛ أي: نَصْر وتأييد وظفر وغنيمة، {قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ}؛ أي: يتودَّدُون إلى المؤمنين بهذه المقالة، {وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ}؛ أي: إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان كما وقع يوم أحد، فإنَّ الرسُل تبتلى ثم يكون لها العاقبة.

    ويحسدون أهل الإيمان على ما آتاهم الله من فضله:

    كما قال - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاَءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}(آل عمران 118-120).

    يقول ابن كثير - رحمه الله -: "يقول - تبارك وتعالى - ناهيًا عباده المؤمنين عن اتِّخاذ المنافقين بطانة؛ أي: يطلعونهم على سرائرهم، وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالاً؛ أي: يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكلِّ مُمكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم.

    ثم قال تعالى: {قَدِ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر}؛ أي: قد لاح على صفحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم من العداوة، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل، ولهذا قال تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}.

    قال تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}، ذلك أشدُّ الغيظ والحنق، قال الله تعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، أي: مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين ويغيظكم ذلك منهم، فاعلموا أنَّ الله متِمٌّ نعمته على عبادِه المؤمنين، ومكملٌ دينه، ومعلنٌ كلمته، ومظهرٌ دينه، فموتوا أنتم بغيظكم؛ {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ أي: هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم، وتكنُّه سرائركم من البغضاء والحسد والغلّ للمؤمنين، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تؤمِّلون، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها، لا محيد لكم عنها، ولا خروج لكم منها.

    والمقصود أن المنافقين دائما يوادون الكفار ويوالونهم، والمنافقون في زماننا أفراد وربما دول وفضائيات وصحف....
    نسأل الله أن يحفظ أمتنا من كل مكروه وسوء، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

    اسلام ويب
                  

09-08-2015, 01:10 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    صفات المنافقين
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
    فقد تحدثنا في مقال سابق عن ثلاث صفات من صفات المنافقين، وفي مقالنا هذا نكمل الحديث عن بعض الصفات الأخرى فيهم وفقا لما ورد في سورة البقرة.

    الصفة الرابعة: يفسدون ويزعمون الإصلاح!

    قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} قال أبو العالية: أي لا تعصوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية لله؛ لأنه من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة. وعن مجاهد قال: إذا ركبوا معصية الله فقيل لهم: لا تفعلوا كذا وكذا، قالوا: إنما نحن على الهدى مصلحون. ( ابن كثير (1/52).

    قال ابن جرير الطبري: فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه الذي لا يقبل من أحد عمل إلا بالتصديق به، والإيقان بحقيقته، وكذبهم على المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب، ومظاهرتهم – أي معاونتهم- أهل التكذيب بالله وملائكته وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فذلك إفساد المنافقين في الأرض وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها...

    قال ابن كثير بعد ما نقل كلام ابن جرير: وهذا الذي قاله حسن؛ فإن من الفساد في الأرض: اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء، كما في الآية: { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض...} ثم قال في تفسير الآية أيضاً: نريد أن نداري – نداهن- الفريقين من المؤمنين والكافرين ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء كما ذكر ذلك ابن عباس.

    ثم قال تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} أي: ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فساداً.

    الصفة الخامسة: الاستهزاء بالمؤمنين الصادقين:

    قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} أي إذا قيل للمنافقين: آمنوا كما آمن الناس، وذلك بأن يصدقوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وشرعه، كما آمن الناس الصادقون من الصحابة والتابعين ومن تبعهم في الهداية، كان الرد منهم على هذا الجواب رداً قبيحاً يدل على تعالي نفوسهم التي هي دنيئة أصلاً، فما كان منهم إلا أن قالوا مباشرة (أنؤمن كما آمن السفهاء) ويقصدون بالسفهاء: كل من آمن بالله ورسوله وصدق وعلم بما شرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم -.. والمنافقون كانوا يأنفون ويترفعون من هذا الاستسلام للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويرونه خاصاً بفقراء الناس غير لائق بالعلية ذوي المقام! ومن ثم قالوا قولتهم هذه.. ومن ثم جاءهم الرد الحاسم، والتقرير الجازم: (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون). ومتى علم السفيه أنه سفيه؟ ومتى استشعر المنحرف أنه بعيد عن المسلك القويم؟!.

    فالمنافق يرى أنه بفعله ذلك ذكيٌ عالمٌ، والكافر يظن أنه بكفره على الحق والجادة، والشيطان يزين ويزخرف الأهواء والباطل على أنها حقائق محضة، فيصدقه الطغام، ويتبعه الجهلاء وهم لا يعلمون أنهم بفعلهم ذلك قد انحرفوا عن جادة الحق وطريق الإيمان..

    وهذا المعنى يتكرر في كل زمان ومكان.. وهذه الصفة الخبيثة من المنافقين لا يخلو منها عصر ولا مصر، وهي صفتهم في الاستهزاء بالمؤمنين.. فكلما أراد رجل أن يهتدي ويستقيم، وكلما أراد شاب أن يحافظ على دينه في زمن الفتن، كان أولئك له بالمرصاد: أتصدق هؤلاء... تعال معنا حتى نلعب ونلهو.. احذر أولئك فإنهم فارغون وليس لهم هم إلا مساجدهم أو مصالحهم.. ومنهم من يكرر تلك المقولة بألفاظ أخرى: هؤلاء المتدينون الذين يطلق عليهم اليوم – مطاوعة- ما دخلوا المساجد إلا لأنهم فارغون ليس لديهم أعمال وهم من رعاع الناس، ويزعمون أن من يستقيم على شرع الله تعالى مصاب بعقد نفسية...إلخ.

    الصفة السادسة: موالاة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين:

    قال تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}

    وهذه صفة من أخبث الصفات؛ لأنها تخالف الفطرة جملة وتفصيلاً، وهي إلى جانب كونها تخالف الفطرة التي فطر الإنسان عليها لا تليق بالرجال، أما وجه مخالفتها للفطرة فالإنسان فطر على الحق والصدق والصراحة وعدم المراوغة أو الخداع أو الظهور بأكثر من وجه أمام الناس.

    وأما كونها لا تليق بالرجال: فلأن لفظ الرجل يدل على العزة والقوة وليس كل ذكر رجلاً...ولهذا مدح الله المؤمنين بأنهم رجال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }.

    والمقصود أن هذه الصفة صفة ذميمة وهي أن يكون الرجل ذا لسانين أو ذا وجهين.. فإذا ما لقي المؤمنين قال: نحن معكم وآمنا كما آمنتم بل وصلى معهم وصام وربما شاركهم في كثير من الأعمال.. وإذا ذهب إلى شياطينه – شياطين الإنس- وهم سادته وكبراؤه وأصحابه الذين هم في الأصل كفار ولا يقرون لله بالطاعة قالوا لهم:( إنا معكم) أي نحن على مثل ما أنتم عليه، ولا يمكن أن نفارقكم أو نفارق ما أنتم عليه (إنما نحن مستهزؤون) أي: إنما كان موافقتنا للمؤمنين وقولنا لهم (آمنا) إنما كان ذلك منا استهزاءً وسخرية بهم؛ لأنهم أدنى منكم منزلة – بزعمهم-.

    ( إن بعض الناس يحسب اللؤم قوة، والمكر السيء براعة.. وهو في حقيقته ضعف وخسة.. فالقوي ليس لئيماً ولا خبيثاً.. ولا خادعاً ولا متآمراً.. ولا غمازاً في الخفاء لمازاً.. وما يكاد القرآن يحكي فعلتهم هذه وقولتهم، حتى يصب عليهم من التهديد ما يهد الجبال الرواسي: ( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) وما أبأس من يستهزئ به جبار السماوات والأرض وما أشقاه!! وإن الخيال ليمتد إلى مشهد مفزع رعيب، وإلى مصير تقشعر من هوله القلوب، وهو يقرأ ( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) فيدعهم يخبطون على غير هدى في طريق لا يعرفون غايته،وهذا هو الاستهزاء الرهيب، لا كاستهزائهم الهزيل الصغير).

    قال قتادة رحمه الله في قول الله: (( وإذا خلوا إلى شياطينهم)) أي: إلى رؤوسهم وقادتهم في الشرك والشر، وبنحو ذلك فسره أبو مالك وأبو العالية والسدي والربيع بن أنس. قال ابن جرير رحمه الله: وشياطين كل شيء مردته، ويكون الشيطان من الإنس والجن، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (112) سورة الأنعام. وفي المسند عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن). فقلت: يا رسول الله وللإنس شياطين؟! قال: (نعم).

    وقال ابن عباس في قوله تعالى: (( الله يستهزئ بهم)) أي: يسخر بهم للنقمة منهم... وقوله تعالى: ((ويمدهم في طغيانهم يعمهون)). أي يملي لهم ويزيدهم في ما هم عليه من الطغيان ثم يأخذهم كما قال: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ } (55/ 56) سورة المؤمنون وقال: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} (182) سورة الأعراف. قال بعضهم: كلما أحدثوا ذنباً أحدث لهم نعمة، وهي في الحقيقة نقمة. والطغيان: هو المجاوزة في الشيء كما قال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ } (11) سورة الحاقة.

    وقوله (يعمهون): أي في كفرهم وضلالهم الذي غمرهم دنسُه وعلاهم رجسُه يترددون حيارى ضلالاً لا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً؛ لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها، وأعمى أبصارهم عن الهدى، وأغشاهم فلا يُبصرون رشداً، ولا يهتدون سبيلاً. قاله ابن جرير.

    ثم بيَّن الله -تعالى- عاقبتهم وخِسة فعلهم ونتيجة مساوئهم السابقة، وأنهم قد خسروا بصنيعهم هذا خسراناً كبيراً، فقال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} أولئك: إشارة إلى من تقدمت صفاتهم الدنيئة.. (الذين اشتروا الضلالة بالهدى): أي عدلوا عن الهدى إلى الضلال، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة،( لقد كان الهدى مبذولاً لهم، وكان في أيديهم، ولكنهم اشتروا الضلالة بالهدى، كأغفل ما يكون المتجرون، (( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين)). أي ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة، وما كانوا مهتدين في صنيعهم ذلك، قال قتادة: قد – والله – رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة.

    هذه بعض صفات المنافقين التي ذُكرت في أول سورة البقرة، وهناك صفات أخرى ذكرت في كثير من سور القرآن، ومنها سورة التوبة التي فضحت خبايا نفوسهم ولهذا سميت بـ( الفاضحة)، وكذا سورة (المنافقون)، لعلنا نتعرض لها في مقالات أخرى قادمة إن شاء الله تعالى.

    نسأل الله تعالى أن يجنبنا مساوئ الأخلاق والأفعال والأقوال، وأن يطهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    إمام المسجد (بتصرف يسير)
                  

09-08-2015, 01:13 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الفرح بطاعة الله
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن سار على هداه، وبعد:

    فإن الناس في هذه الدنيا يفرحون لأسباب كثيرة، فمنهم من يفرح إذا ترقى في وظيفته وعمله، ومنهم من يفرح إذا جاءته زيادة في راتبه أو ربح في تجارته، ومنهم من يفرح إذا رزق بمولود...وكل هذه أسباب مشروعة للفرح إذا لم تؤد إلى أشر أو كبر أو بطر، لكن أعظم أسباب الفرح عند الصالحين حين يوفقون في أمر من أمور الآخرة ويزدادون قربا من الله تعالى بزيادة في علم أو عمل صالح، قال الله تعالى:

    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (سورة يونس57-58).

    لما قدم خراج العراق إلى عمر بن الخطاب، خرج عمر ومولى له فجعل عمر يَعدّ الإبل ، فإذا هي أكثر من ذلك ، فجعل عمر يقول : الحمد لله ، وجعل مولاه يقول : يا أمير المؤمنين هذا من فضل الله ورحمته ، فبذلك فليفرحوا . فقال عمر : كذبت، ليس هو هذا ، يقول الله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) يقول بالهدى والسنة والقرآن فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ، وهذا مما يجمعون.

    هذا هو الفرح الحقيقي

    إن الفرح الحقيقي هو الفرح بطاعة الله وبفضله ، فالفرح بالطاعة، كقدوم رمضان، والحج، بمواسم العبادة، الفرح بيوم عرفة، الفرح بالأضحية، الفرح بصيام عاشوراء، الفرح بستة من شوال، الفرح بختم القرآن، الفرح بالتوفيق للصدقة، الفرح بنصر الله، نسأل الله أن ينصر المسلمين، والذين يفرحون بمثل هذا ويستقيمون على شرع الله يرجى أن يفرحوا يوم القيامة بما قدموا من الصالحات:{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}(الانشقاق:7-9).

    فكما فرحوا في الدنيا بطاعة الله تعالى سيفرحون إن شاء الله بثوابها يوم لا ينفع مال ولا بنون، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فرح الصائمين بثواب صيامهم: "للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".

    أمور فرح بها الصالحون

    هناك في السيرة والتاريخ نماذج مباركة لأمور فرح بها الصالحون، فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا حوله وأتى رجل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددت لها؟" قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت" قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت". لماذا فرحوا بهذا؟ لأنهم يحبون رسول الله وأبا بكر وعمر ويرجون من خلال هذه البشارة أن يجمعهم الله تعالى مع هؤلاء الذين هم من أهل الجنة يقينا.

    وهذا أُبي بن كعب رضي الله عنه لما قال له النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك:{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب...} (سورة البينة)قال أبي رضي الله عنه: وسماني؟ قال: "نعم" فبكى أبي رضي الله عنه من شدة الفرح.

    فرح أبي هريرة

    فرح أبو هريرة رضي الله عنه بإسلام أمه رضي الله عنها حين أسلمت، قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، ودعوتها يوماً وأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيته عليه الصلاة والسلام وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد أم أبي هريرة" قال أبو هريرة:

    فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فصرت إلى الباب -يعني: عند باب بيت والدته- فإذا هو مجاف -يعني: مغلق- فسمعت أمي خشف قدمي ،فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت وأنا أبكي من الفرح، قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً، قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبب عُبيدك هذا -يعني: أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين"، يقول أبو هريرة: فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.

    فرح أبي بكر الصديق

    حين أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة قصد دار الصديق أبي بكر رضي الله عنه وقت الظهيرة، فأقبل النبي عليه الصلاة والسلام متقنعاً مغطياً رأسه ، ففزع أبو بكر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأيتهم في تلك الساعة .. يدخل النبي عليه الصلاة والسلام فيقول : يا أبا بكر أخرج من عندك . قال أبو بكر : إنما هم أهلك يا رسول الله . قال :فإني قد أذن لي في الخروج . قال أبو بكر : الصحبة بأبي أنت يا رسول الله . فقال : نعم . فبكى أبو بكر ولسان حاله يقول :

    طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني

    روي عن عائشة أنها قالت : فما شعرت أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ.

    فرح الرسول صلى الله عليه وسلم

    كان النبي عليه الصلاة والسلام يفرح بإسلام الناس ونجاتهم من النار، مثلاً حين مرض غلام يهودي وأتاه النبي عليه الصلاة والسلام يعوده قعد عند رأسه وقال: "أسلم" وأبوه بجواره فقال: أطع أبا القاسم ، فأسلم الغلام ثم مات، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وخرج وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار".

    كما كان عليه الصلاة والسلام يفرح إذا حصل لبعض أصحابه خير، كما فرح بتوبة الله على كعب بن مالك الذي كان قد تخلف عن غزوة تبوك بغير عذر، فلما تاب الله عليه فرح حتى كان يبرق وجه النبي عليه الصلاة والسلام من السرور ولما جاءه كعب قال له: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك".

    ويفرح لأن بعض أصحابه حصل أو وصل إلى نتيجة عظيمة في العلم، مثل أُبي رضي الله عنه حين علم أي آية في كتاب الله أعظم ، فقال: "ليهنئك العلم أبا المنذر".

    يفرح بسماع الكلام الجميل الذي يدل على الصدق وقوة الإيمان، لما قال المقداد في يوم بدر للنبي عليه الصلاة والسلام: لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك، ومن بين يديك ومن خلفك، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسره ذاك.

    فرح بمبادرة الصحابة إلى طاعة الله، لما دعاهم للتصدق وجاء واحد بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، وتتابع الناس، حتى اجتمع كومان من طعام وثياب، قال الراوي: "حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة".

    وفرح حين فتح الله عليه مكة

    قال عبد الله بن مغفل رضي الله عنه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجِّع .
    وفي رواية : يقرأ وهو على ناقته أو جمله وهي تسير به وهو يقرأ سورة الفتح - أو من سورة الفتح - قراءة لينة يقرأ وهو يرجِّع. ( والترجيع هنا يعني تحسين الصوت، والقراءة بصوت جميل يعين السامع على الخشوع والتذوق للمعاني).

    ونبي الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة فاتحـاً لم يحمله الفرح على الكبر والبطر، بل كان متواضعا خاضعا حتى إن ذقنه ليكاد يمسّ رحله من تواضعه لله عز وجل ، مع أنه في موطن نصر وعِـزّ وتمكين وغلبة على أعدائه .

    نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفرح بطاعته وأن يمن على المسلمين بالنصر والعزة والتمكين، وأن يقر أعيننا بتحكيم شريعته في أرضه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-08-2015, 01:15 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    بين عام يمضي وعام يأتي
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    ففي تتابع الأيام والأعوام آية وعبرة لكل معتبر: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)}(الفرقان).
    والحق أن كل يوم يمضي يقرب الإنسان من أجله، كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ابن آدم، إنما انت أيام مجموعة كلما مضى يوم مضى بعضك.

    وهذه الأيام التي نقطعها لا تعود إلى يوم القيامة، كما قال الحسن البصري رحمه:

    ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: ابن آدم: أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني ؛ فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
    ثم إن هذه الأيام هي خزائن الأعمال، وستفتح بين يدي من لا تخفى عليه خافية: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}( آل عمران)، ويقول الله تعالى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}(الزلزلة).

    وإذا كان الأمر كذلك فحري بالعبد أن يحاسب نفسه الآن قبل فوات الأوان، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية.

    وربنا تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [الحشر:18،19].

    قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى:( أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم، واعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية).
    ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (فإذا كان العبد مسؤولا ومحاسبا على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه، كما قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}(الإسراء) فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب).

    صور مشرقة من محاسبة الصالحين ومراجعتهم لأنفسهم

    إذا نظرنا إلى أحوال الصالحين لوجدنا عجبا ، حيث كانوا أشد محاسبة لنفسهم من الشريك الشحيح لشريكه.

    أبو بكرالصّدِّيق يحاسب نفسه
    فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يدخل عليه عمر فيراه ممسكا بلسانه يشده ويضغط عليه وهو يقول: هذا الذي أوردني الموارد. سبحان الله يفعل ذلك وهو الذي اجتمعت فيه خصال في يوم لم تجتمع في عبد إلا دخل الجنة، بل هو الذي يدعى من أبواب الجنة كلها.

    أما عمر الفاروق رضي الله عنه فشأنه في محاسبة نفسه عجيب وعظيم، يدخل يوما بستانا يخلو فيه بنفسه فيقول لنفسه: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ، بخ ( كلمة استحسان) والله لتتقين الله أو ليعذبنك.

    ويأتيه يوما رجل يشكو له وعمر مشغول بأمر من امور المسلمين فقال للرجل: تتركون الخليفة حين يكون فارغا حتى إذا شغل بأمر المسلمين أتيتموه؟ ثم ضربه بالدرة، فانصرف الرجل حزينا، وتذكر عمر أنه ظلم الرجل فدعاه فأعطاه الدرة وقال له:

    اضربني كما ضربتك، فأبى الرجل وقال: بل أتركها لله ولك، فقال عمر: إما ان تتركها لله وحده، وإما ان تأخذ حقك، فقال الرجل: أتركها لله، فانصرف عمر إلى منزله فصلى ركعتين ثم جلس يقول لنفسه: إيه يا ابن الخطاب: كنت وضيعا فرفعك الله، وضالا فهداك الله، وضعيفا فأعزك الله وجعلك خليفة فأتى رجل يستعين بك على دفع الظلم فظلمته، ما تقول لربك غدا إذا اتيته؟ وظل هكذا حتى أشفقوا عليه رضي الله عنه وأرضاه.

    اما الأحنف بن قيس رضي الله عنه ذلك الرجل الذي قالوا عنه: ما رأينا أحدا أعظم سلطانا على نفسه من الأحنف بن قيس، فإنه كان شديد المحاسبة لنفسه، كان يقرب يده من المصباح فإذا استشعر حرارته قال لنفسه: يا حُنيف (يصغر نفسه) ما حملك على ما صنعت يوم كذا ويوم كذا؟.

    عمر بن عبد العزيز يحاسب نفسه

    فعن عطاء قال: دخلتُ على فاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة عمر بن عبد العزيز ، فقلت لها : يا بنت عبد الملك ، أخبريني عن أمير المؤمنين ، قالت : أفعل، ولو كان حيّاً ما فعلت !.
    إن عمر رحمه الله كان قد فرغ نفسه وبدنه للناس، كان يقعد لهم يومه ، فإن أمسى وعليه بقية من حوائج يومه وصله بليله ، إلى أن أمسى مساء وقد فرغ من حوائج يومه ، فدعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله ، ثم قام فصلى ركعتين ، ثم أقعى ( أي استند) واضعاً رأسه على يده تتسايل دموعه على خده ، يشهق الشهقة فأقول :

    قد خرجت نفسه ، وانصدعت كبده ، فلم يزل كذلك ليلته حتى برق له الصبح ، ثم أصبح صائماً ، قالت: فدنوت منه. فقلت : يا أمير المؤمنين ، رأيت شيئا منك البارحة ما رأيته قبل ذلك ، فما كان منك ؟ قال: أجل، فدعيني وشأني وعليك بشأنك ، قالت: فقلت له : إني أرجو أن أتعظ ، قال:

    إذن أخبرك، إني نظرت إليّ فوجدتني قد وليت أمر هذه الأمة صغيرها وكبيرها ، وأسودها وأحمرها، ثم ذكرت الغريب الضائع ، والفقير المحتاج ، والأسير المفقود وأشباههم في أقاصي البلاد وأطراف الأرض ، فعلمت أن الله سائلني عنهم ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم حجيجي فيهم، فخفت ألا يثبت لي عند الله عذر، ولا يقوم لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؛ فخفت على نفسي خوفاً دمعت له عيناي، ووجل له قلبي ، فأنا كلما ازددت لها ذكراً ازددت لهذا وجلاً ، وقد أخبرتك فاتعظي الآن أو دعي.

    علام يحاسب العبد نفسه؟

    أولاً: البدء بالفرائض، هل أداها على الوجه المطلوب؟ وهل كانت خالصة لله تعالى أم شابها شوائب الرياء والسمعة؟ فإذا رأى فيها نقصاً أو تقصيرا تداركه بإصلاح وسد النقص، وجاهد نفسه على تخليصها من شوائب الرياء والسمعة.

    ثانياً : النواهي التي نهى الله عنها كالربا والزنا وشرب الخمر وقطيعة الرحم والغيبة والنميمة...إلخ، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات الماحية من نوافل الصلوات والصدقة وغير ذلك.

    ثالثاً : محاسبة النفس على الغفلة ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله وتلاوة القرآن والمحافظة على الأذكار الراتبة كأذكار الصباح والمساء والنوم والاستيقاظ وغيرها، وكذلك الأذكار المطلقة التي لا تتقيد بوقت ولا بعدد.

    رابعاً: محاسبة النفس على حركات الجوارح، من كلام اللسان، ومشي الرجلين، وبطش اليدين، ونظر العينين، وسماع الأذنين، ماذا فعلت ؟ وهل هو مباح أم حرام ؟ وماذا أراد بهذا؟ ولمن فعله؟.

    فإن كانت الإجابة ترضي الله تعالى فبها ونعمت، وإن كانت غير ذلك توقف وأصلح وأعد للسؤال بين يدي الله تعالى جوابا.
    ونختم بقول الحسن البصري رحمه الله تعالى إذ يقول:

    المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة.

    نسأل الله أن يوفقنا والمسلمين لكل خير، صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-08-2015, 01:19 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أسباب انشرح الصدر
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره... أما بعد:
    لقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة وهيّأ له من الأسباب والمسببات ما يضمن له صلاح حياته القلبية والبدنية، إن هو أحسن استغلالها وترويض نفسه عليها، فالإنسان في هذه الدنيا في مجاهدة مع أحوالها {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } (البلد:4) مكابدة لنفسه، ومكابدة لنزعات الشيطان، ومكابدة لمصاعب الحياة ومشاقها وأهوالها، يَغلبُ تارةً ويُغلبُ أخرى، يفرح ويحزن، يضحك ويبكي، وهكذا دواليك. فالحياة لا تصفو لأحد من أكدارها.

    يختلف الناس في خوض معتركها، يتعثر أقوام فيستبطئون ويبادر آخرون إلى جهاد أنفسهم فيعانون، وقد تعاودهم أكدار الحياة كرة بعد أخرى.

    وإن من أكدار الحياة حالة تنتاب كثيراً من الناس، بل لو قيل : لا يسلم منها أحد ، لم يكن ذلك بعيداً، والناس فيها بين مقل ومستكثر.

    إن ضيق الصدر وما ينتاب المسلم من القلق والأرق أحياناً، مسألة قد تمر على كل واحد منا، تطول مدتها مع قوم وتقصر مع آخرين.

    ترى الرجل إذا أصابته تلك الحالة كئيباً كسيراً تتغير حاله، وتتنكر له نفسه، قد يعاف الطعام والشراب، بكاء وحزن، وحشة وذهول، وقد تغلب أحدهم نفسه، فيشكو أمره إلى كل من يجالسه ويهاتفه، دون أن يجاهد نفسه طرفة عين.

    يراه جليسه ومن يشاهده فيرى عليه من لباس الهم والغم ما الله به عليم، يستسلم للشيطان بجميع أحاسيسه، فيُظهر لك من اليأس والقنوط والشكوى، ما يغلق أمامك الكثير من أبواب الفرج والتنفيس، حتى إن بعض أولئك يوغل في الانقياد لتلبيس الشيطان، ويكاد أن يقدم على خطوات تغير مجرى حياته، من طلاق للزوجة، وترك للوظيفة، وانتقال عن المنزل، وما يتبع ذلك، وقد يصل أمره إلى الانتحار، مما يدل على عظم تلبيس إبليس عليه.

    إن للهمّ أسباباً حسّية ومعنوية، وقد يكون الهم مفاجئاً لصاحبه لا يعرف له سبباً.
    شاهد المقال: أن حالة ضيق الصدر، تجعل العبد أحياناً حبيس الهواجس والوساوس ؛ فيبقى المسكين أسيراً لكيد الشيطان، مرتهناً بقوة تلبيسه عليه، وبضعف مجاهدته له.

    معاشر المسلمين:
    ولما كانت تلك الحالة تعتري كثيراً من الناس فتؤثر على عباداتهم وسلوكياتهم، ناسب أن يكون الكلام عن الأسباب التي تعين على انشراح الصدر، وتنقله من تلك الغشاوة التي أظلمت عليه، إلى حالة يشعر فيها بالراحة النفسية والطمأنينة القلبية.

    فيقال وبالله تعالى التوفيق: إن أسباب انشراح الصدر كثيرة، يكتفى في هذا المقام بذكر ثمانية أسباب منها، علها تكون شاملة لغيرها مما لم يذكر.

    السبب الأول: قوة التوحيد

    إن من أعظم الأسباب لشرح الصدر وطرد الغم، بل هو أجلُّ الأسباب وأكبرها: قوة التوحيد وتفويض الأمر إلى الله تعالى، بأن يعتقد العبد اعتقاداً جازماً لا شك فيه ولا ريب، أن الله عز وجل وحده الذي يجلب النفع ويدفع الضر، وأنه تعالى لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، عدل في قضائه، يعطي من يشاء بعدله، ولا يظلم ربك أحداً. فعلى العبد أن يحرص على عمارة قلبه بهذه الاعتقادات وما يتبعها فإنه متى كان كذلك، أذهب الله غمه، وأبدله من بعد خوفه أمناً.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:

    ( فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره، والسكون إليه والطمأنينة إليه، وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جَنّةُ الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين ). انتهى كلامه رحمه الله.

    السبب الثاني: حسن الظن بالله

    حسن الظن بالله تعالى، وذلك بأن تستشعر أن الله تعالى فارجٌ لهمك كاشفٌ لغمك، فإنه متى ما أحسن العبد ظنه بربه، فتح الله عليه من بركاته من حيث لا يحتسب، فعليك يا عبد الله بحسن الظن بربك ترى من الله ما يسرك، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيراً فله، وإن ظنّ شراً فله ".(أخرجه الإمام أحمد وابن حبان)، فأحسن ظنك بالله، وعلِّق رجاءك به، وإياك وسوء الظن بالله، فإنه من الموبقات المهلكات، قال تعالى: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } (الفتح:6).

    السبب الثالث: كثرة الدعاء

    كثرة الدعاء والإلحاح على الله بذلك، فيا من ضاق صدره وتكدر أمره، ارفع أكف الضراعة إلى مولاك، وبث شكواك وحزنك إليه، واذرف الدمع بين يديه، واعلم رعاك الله تعالى: أن الله تعالى أرحم بك من أمك وأبيك وصحابتك وبنيك.
    عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قدم على النبي سبيٌ، فإذا امرأه من السبي تحلب ثديها تسقي، إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟" قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال صلى الله عليه وسلم: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها" (أخرجه البخاري).

    السبب الرابع: المبادرة إلى ترك المعاصي

    تفقد النفس والمبادرة إلى ترك المعاصي، أتريد مخرجاً لك مما أنت فيه وأنت ترتع في بعض المعاصي؟ يا عجباً لك! تسأل الله لنفسك حاجتها وتنسى جناياتها، ألم تعلم هداك الله تعالى أن الذنوب باب عظيم ترد منه المصائب على العبد: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }(الشورى:30)، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (آل عمران:165).

    استسقى العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه، فقال في دعائه: ( اللهم إنه لم تنزل عقوبة إلا بذنب ولا تنكشف إلا بتوبة).

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
    (وما يُجازى به المسيء من ضيق الصدر، وقسوة القلب، وتشتته وظلمته وحزازاته وغمه وهمه وحزنه وخوفه، وهذا أمر لا يكاد من له أدنى حس وحياة يرتاب فيه، بل الغموم والهموم والأحزان والضيق: عقوبات عاجلة، ونار دنيوية، وجهنم حاضرة. والإقبال على الله تعالى والإنابة إليه والرضى به وعنه، وامتلاء القلب من محبته، واللهج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته: ثواب عاجل، وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة... ) (الوابل الصيب:104).

    فبادر رعاك الله إلى محاسبة نفسك محاسبة صدق وإنصاف، محاسبة من يريد مرضاة ربه والخير لنفسه، فإن كنت مقصراً في صلاة أو زكاة أو غير ذلك مما أوجب الله عليك أو كنت واقعاً فيما نهاك الله عنه من السيئات، فبادر إلى إصلاح أمرك، وجاهد نفسك على ذلك، وسترى من الله ما يشرح صدرك وييسر أمرك {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } (العنكبوت:69) {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } (الطلاق:3،2) {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } (الطلاق:4) {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }(الطلاق:5).

    فبادر هداك الله إلى تقوى الله ولن ترى من ربك إلا ما يسرك بإذنه تعالى.
    قال الإمام ابن الجوزي: ( ضاق بي أمر أوجب غماً لازماً دائماً، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه، فما رأيت طريقاً للخلاص، فعرضت لي هذه الآية { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج... ) [صيد الخاطر:153) .
    بقية الأسباب التي يسر الله الحديث حولها، ومنها:

    السبب الخامس: أداء الفرائض والمداومة عليها

    فالمداومة على الفرائض والإكثار من النوافل من أسباب محبة الله تعالى لعبده، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه " الحديث (أخرجه البخاري).
    السبب السادس: مجالسة الصالحين

    الاجتماع بالجلساء الصالحين والاستئناس بسماع حديثهم والاستفادة من ثمرات كلامهم وتوجيهاتهم، فالجلوس مع هؤلاء مرضاة للرحمن، مسخطة للشيطان، فلازم جلوسهم ومجالسهم واطلب مناصحتهم، تر في صدرك انشراحاً وبهجة ثم إياك والوحدة، احذر أن تكون وحيداً لا جليس لك ولا أنيس، وخاصة عند اشتداد الأمور عليك، فإن الشيطان يزيد العبد وهناً وضعفاً إذا كان وحيداً، فالشيطان من الواحد أقرب ومن الاثنين أبعد وليس مع الثلاثة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

    شاهد المقال: أن تحرص أعانك الله تعالى على عدم جلوسك وحيداً، فجاهد نفسك وغالبها على الاجتماع بأهل الخير والصلاح، والذهاب إلى المحاضرات والندوات، وزيارة العلماء وطلبة العلم فذلك يدخل الأُنس عليك؛ فيزيدك إيماناً وينفعك علماً.

    السبب السابع: قراءة القرآن

    إن قراءة القرآن الكريم بتدبر وتأمل، من أعظم الأسباب في جلاء الأحزان وذهاب الهموم والغموم، فقراءة القرآن تورث العبد طمأنينة في القلوب، وانشراحاً في الصدور: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (الرعد:28).

    قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: ( أي تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره وترضى به مولى ونصيراً، ولهذا قال تعالى:{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }أي هو حقيق لذلك ).

    فاحرص رعاك الله على الإكثار من تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وسل ربك أن تكون تلاوتك له سبباً في شرح صدرك، فإن العبد متى أقبل على ربه بصدق، فتح الله عليه من عظيم بركاته: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (يونس:57)، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } (الإسراء:82).

    السبب الثامن: أذكار الصباح والمساء

    فالمداومة على الأذكار الصباحية والمسائية وأذكار النوم، وما يتبع ذلك من أذكار اليوم والليلة من أعظم الأسباب لحفظ العبد وتفريج همه، فتلك الأذكار تحصن العبد المسلم بفضل الله تعالى من شر شياطين الجن والإنس، وتزيد العبد قوةً حسيّة ومعنوية إذا قالها مستشعراً لمعانيها موقناً بثمارها ونتاجها.

    ولتحرص رعاك الله على تلك الأذكار المتأكدة في حق من اعتراهم همّ أو غم، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم ".

    وكذا ما أخرجه البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قوله: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل... " الحديث.

    وعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل به هم أو غم قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " (أخرجه الحاكم).

    وعن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأنه كله لا إله إلا أنت " (أخرجه أبو داود وغيره).

    وعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب عبداً هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب غمي ، إلا أذهب الله حزنه وهمّه، وأبدله مكانه فرحاً " (أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه)، إلى غير ذلك مما ورد من الأذكار في هذا الباب ونحوه.

    اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا ويسر أمورنا، وهيء لنا من أمرنا رشداً.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    عبد العزيز السدحان
                  

09-08-2015, 01:23 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الزيارة فضائل وآداب
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

    فلاشك أن الزيارة للإخوان في الله ، والأصدقاء ، والأقارب تقرباً إلى الله ، وطاعة له – سبحانه -، وحرصاً على بقاء المودة والمحبة ، وعلى صلة الرحم من أفضل القربات، ومن أفضل الطاعات، وقد صح عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: "يقول الله - عز وجل -: وجبت محبتي للمتزاورين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتحابين فيّ ، والمتباذلين في".

    إن زيارة الأقارب والجيران والأصدقاء، وغيرهم من عموم المسلمين؛ وسيلة من وسائل توثيق المودة، وتآلف القلوب، وتقوية الروابط، وفيها يتذكر الناسي، وينبّه الغافل، ويعلَّم الجاهل، ويروح بها عن النفوس، وتخفف المصائب والأحزان، وغير ذلك من الفوائد المرجوة من وراء الزيارات.

    والزيارات أنواع متعددة؛ فمنها الزيارة الواجبة؛ كزيارة الوالدين، وصلة الأرحام ففي الحديث الصحيح يقول - عليه الصلاة والسلام - : "من أحب أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أجله ، فليصل رحمه". ويقول عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل الجنة قاطع رحم".
    فصلة الرحم من أفضل القُربات، وقطيعتها من أقبح السيئات.

    ومن الزيارات ما هو مستحب، كزيارة الجيران، والأصدقاء والخلان، وما إلى ذلك.
    وبما أن الإنسان تكثر مشاغله وأعماله؛ فربما لا يكون لديه وقت لزيارة من تستحب أو تجب زيارته إلا في المناسبات، وفي فترات الإجازات الرسمية كالأعياد؛ فإن من المشاهد أن الزيارات تكثر في المناسبات، وهذا أمر يحمد عليه من يقوم به.

    ومن المناسب هنا أن نذكِّر ببعض آداب الزيارة، فمن ذلك:

    أولاً: أن يبتغي بزيارته وجه الله تعالى

    فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه".

    وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد: بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا". فعلى الزائر أن يستحضر النية الصالحة عند زيارته.

    ثانياً: اختيار الوقت المناسب، واليوم المناسب

    وذلك بأن يحدد موعدا للزيارة عبر الهاتف أو رسالة الجوال أو ما أشبه ذلك من وسائل الاتصال، ويتجنب الأوقات التي يغلب على الظن أن صاحب الدار لا يحب أن يأتيه أحد فيها باعتبارها وقت راحة، أو وقت مذاكرة لنفسه أو لأولاده...إلخ.

    ثالثاً: أن يراعي آداب الاستئذان

    فيستأذن على أهل البيت ويسلم عليهم إذا كان البيت مفتوحاً، ثم ليقل: أأدخل؛ فإن ذلك من الآداب الشرعية التي أدّب الله بها عباده المؤمنين؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (سورة النــور(27)). وفي الحديث أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو في بيت فقال: ألج، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- لخادمه: "اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟"، فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي فدخل.

    - والاستئذان يكون ثلاثاً، فإن أذن له وإلا انصرف، لقوله تعالى: {وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ} (سورة النور(28)).
    وثبت في الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثاً، فلم يؤذن له انصرف، ثم قال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن؟ ائذنوا له، فطلبوه فوجدوه قد ذهب فلما جاء بعد ذلك، قال: ما رجعك؟ قال: إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي وإني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف". الحديث..
    - ومن آداب الاستئذان أن يدق الباب برفقٍ ولين، وأن يقف عن شمال الباب أو يمينه، ولا يقف متوسطاً، وأن يحفظ بصره من التطلع إلى داخل البيت؛ ففي الحديث عن عبد الله بن بُسْر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتى باب قوم، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: "السلام عليكم، السلام عليكم".

    وفي الصحيحين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فَخَذَفته بحصاة، ففقأت عينه، ما كان عليك من جناح".
    - وإذا ما استعلم صاحب البيت فليجب فلان بن فلان، ولا يقول: أنا؛ فعن جابر قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في دين كان على أبي فدققت الباب فقال: (من ذا؟). فقلت: أنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أنا أنا!!). كأنه كرهها.

    قال ابن كثير-رحمه الله-: "وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يُعرَف صاحبها حتى يُفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها، وإلا فكل أحد يُعبِّر عن نفسه بـ"أنا"؛ فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان، الذي هو الاستئناس المأمور به في الآية".

    خامسا: أن تخلو الزيارة من المخالفات الشرعية

    كالاختلاط، والمصافحة للنساء الأجنبيات، أو مشاهدة القنوات الفضائية الفاسدة، وما إلى ذلك من الأمور المنكرة.
    سادسا: أن تكون الزيارة قصيرة ومختصرة، وذلك فيما إذا كانت الزيارة غير واجبة وغير مقصودة من مكان بعيد، ذلك أن الزيارة الطويلة تفضي إلى الملل، وتضيع الأوقات، وتجعل الزائر ثقيلاً، وقد تُذهب وده.

    سابعا: استغلال مدة الزيارة بما ينفع

    من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، بدلا من إهدار الوقت الثمين فيما لا يعود على الزائر والمزور بخير.
    قال ابن القيم –رحمه الله تعالى- الاجتماع بالإخوان قسمان:
    أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت، فهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت.
    الثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها، ولكن فيه ثلاث آفات:
    إحداها تزين بعضهم لبعض.
    الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.
    الثالثة: أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.
    وبالجملة فالاجتماع والخلطة لقاح إما للنفس الأمارة، وإما للقلب والنفس المطمئنة، والنتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته.انتهى كلامه رحمه الله.

    ثامنا: أن يدعو الزائر للمزور في نهاية الزيارة

    وأن يثني عليه، ويشكره فإن من لا يشكر الناس لا يشكر لله؛ فقد جاء في حديث عبد الله بن بسر- رضي الله عنه-، وفيه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- دعا لمن تناول عنده تمراً: "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم". وذلك فيما إذا ما تناول الزائر طعاماً أو شراباً عند المزور. وجاء في حديث المقداد عند مسلم وفيه: "... اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني...".

    وعن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة".

    وعن أُسامةَ بن زيد رضي اللّه عنهما عن رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم- قال: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْه مَعْرُوفٌ فَقالَ لِفاعِلِهِ: جَزَاك اللَّهُ خَيْراً، فَقَدْ أبْلَغَ في الثَّناء".
    فعلى المسلم أن يتأدب بما أدبه الله ورسوله، وليكن متقيداً بما شرعه الله ورسوله، وليحذر من مخالفة أمره وارتكاب نهيه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    اسلام ويب
                  

09-19-2015, 06:03 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    التفريط في عمل اليوم والليلة

    إن الله جل علا قد جعل الليل والنهار خزانتين يودع فيهما العبد أعماله ، وعلى قدر سعيه وجده فيما يرضي ربه تعالى يكون الجزاء العظيم يوم القيامة: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (آل عمران: من الآية30) وما من يوم تشرق شمسه إلا وينادي : يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني لعلي لا أعود إلى يوم القيامة، يقول الله عز وجل : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) (الفرقان:62) فلا ينبغي للعبد أن يفرط فيما كلف به في ليله ونهاره حتى لا يكون يوم القيامة من النادمين: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (الزمر:56)

    معنى التفريط في عمل اليوم والليلة

    أما مفهوم التفريط في عمل اليوم والليلة في اصطلاح العلماء فإنه التقصير أو التضييع للوظائف العبادية التي ينبغي للمسلم الحفاظ والمواظبة عليها في اليوم والليلة حتى يخرج وقتها وتفوت، مثل النوم عن الصلاة المكتوبة ومثل إهمال النوافل الراتبة أو ترك قيام الليل أو صلاة الوتر أو صلاة الضحى أو تضييع الورد القرآني أو الأذكار أو الدعاء أو المحاسبة للنفس والتوبة والاستغفار أو التخلف عن الذهاب إلى المسجد وعدم حضور الجماعة بغير عذر ولا مبرر أو عدم فعل الخيرات الأخرى أو إهمال الآداب الاجتماعية : من عيادة المرضى وتشييع الجنائز... إلى غير ذلك من الطاعات أو العبادات .

    من أسباب التفريط في عمل اليوم والليلة :

    وللتفريط في عمل اليوم والليلة أسباب تؤدى إليه وبواعث توقع فيه نذكر منها :

    (1) التلطخ أو التدنس بالمعصية :

    بأن يكون المسلم غير محترس أو متحرز من المعصية لا سيما الصغائر تلك التي يستهين بها كثير من الناس ولا يولونها رعاية أو أهمية وحينئذ فلابد من العقاب ويكون العقاب بأمور كثيرة من بينها التفريط في عمل اليوم والليلة وصدق الله العظيم : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }

    وقد وعى السلف مثل هذا السبب وأثره على عمل اليوم والليلة ونبهوا إليه كثيرا ، هذا الضحاك يقول : ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } ثم يقول الضحاك : وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن. وهذا الحسن يسأله رجل قائلا : ( يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم ؟ فقال ذنوبك قيدتك ).

    وهذا الثوري يقول : ( حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته قيل : وما ذاك الذنب ؟ قال : رأيت رجلا يبكى فقلت في نفسي : هذا مراء ) ، وهذا كرز بن وبرة يدخل عليه بعض الناس وهو يبكى فيقول له : أتاك نعي بعض أهلك ؟ فيقول : أشد فيقول له : وجع يؤلمك ؟ فيقول : أشد فيقول له وما ذاك ؟ فيجيبه : بابي مغلق وستري مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا بذنب أحدثته.

    وهذا أبو سلمان الدارانى يقول : (لا تفوت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب ) وقد بين الحافظ ابن القيم كيف يؤدى هذا السبب إلى مثل هذا التفريط فقال: ( ومنها أي من آثار المعاصي حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله وتقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه بالذنب طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان ).

    (2) التوسع في المباحات :

    وقد يكون التوسع في المباحات من الطعام والشراب واللباس والمراكب ونحوها هو السبب في التفريط في عمل اليوم والليلة ذلك أن هذا التوسع يورث الركون والنوم والراحة الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مثل هذا التفريط وحسبنا هنا قول الغزالى frown emoticon لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتتحسروا عند الموت كثيرا ).

    (3) عدم إدراك قيمة النعم وسبيل الدوام :

    وقد يكون عدم إدراك قيمة النعم وسبيل دوامها هو السبب في التفريط في عمل اليوم والليلة ؛ ذلك أن من لم يدرك أن نعم الله على العباد الظاهر منها والباطن والمعلوم منها وغير المعلوم شي لا يعد ولا يحصى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة }

    ومن غفل عن أن دوام هذه النعم إنما يكون بالشكر : { لئن شكرتم لأزيدنكم } ومن الشكر المواظبة على عمل اليوم والليلة من العبادات والطاعات من لم يدرك هذا كله وغفل عنه فإنه يقع منه لا محالة التفريط في عمل اليوم والليلة وصدق الله { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون }.

    قال الحسن البصري وأبوا العالية والسدى والربيع بن أنس :

    (إن الله يذكر من ذكره ويزيد من شكره ويعذب من كفره ) .

    وقال الحسن البصري أيضا في قوله { فاذكروني أذكركم }. قال frown emoticon اذكروني فيما أوجبت لكم على نفسي) .

    وقال سعيد بن جبير frown emoticon اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي ) وفي رواية (برحمتي) .

    (4) الغفلة عن الحاجة إلى عمل اليوم والليلة :

    وقد تكون الغفلة عن الحاجة إلى عمل اليوم والليلة هي السبب في التفريط في هذا العمل فإن من غفل عن أنه بحوله وقوته ضعيف وإنه بحول الله وقوته قوي وأنه لابد له كي ينجح في أداء دوره والقيام بواجبه في هذه الأرض لابد من عون الله وتأييده ونصره وأن المواظبة على عمل اليوم والليلة هي التي تستجلب هذا العون وذلك التأييد والنصر :

    { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين }

    " وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه ..."

    بل إنها هي التي تكون سببا في سكينة النفس وطمأنينة القلب :

    { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا }

    { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن }.

    من غفل قلبه عن كل ما قدمنا فإنه سيفرط لا محالة في عمل اليوم والليلة .

    5- ضعف أو تلاشي التصور الصحيح لحقيقة أجر المواظبة على عمل اليوم والليلة .

    وقد يكون ضعف أو تلاشي التصور الصحيح لحقيقة أجر المواظبة على عمل اليوم والليلة هو السبب في هذا التفريط ، فإن الاستمساك بالشيء والعض عليه بالنواجذ مرتبط بالتصور الصحيح له وللمنافع أو الفوائد المرتبطة به.

    وعليه فمن لم يكتمل عنده التصور الصحيح لحقيقة الأجر المرتبط بعمل اليوم أو الليلة من أنه نجاة من أهوال وشدائد يوم القيامة .

    { وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون }.

    { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }.

    بل من أنه أي الأجر جنات فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وفوق هذا رؤية الله ، و التمتع بالنظر إلى وجهه الكريم :

    { وعد الله المؤمنين و المؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم } ، { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } ، { وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة } ، { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } .

    من لم يكتمل عنده التصور لحقيقة هذا الأجر فإنه يستلذ النوم و الراحة ويضن بالتعب و المجاهدة في سبيل الله و بالتالي يفرط في عمل اليوم و الليلة .

    وصدق العلامة ابن الجوزي حين قال :" من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف ".

    وللحديث بقية إن شاء الله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    نسيان الموت وما بعده من أهوال وشدائد :

    وقد يكون نسيان الموت وما بعده من أهوال وشدائد هو السبب في التفريط في عمل اليوم و الليلة ، ذلك أن من نسى أنه ميت لا محالة وإن طال الأجل :

    { كل نفس ذائقة الموت ... }، { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } .

    وأن هذا الموت أقرب إليه من شراك نعله :

    { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون }

    وأنه سيكون بعد هذا الموت شدائد وأهوال يشيب من هولها الولدان وتنخلع لها القلوب ، ولا نجاة منها إلا بالمواظبة على عمل اليوم و الليلة :

    { فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً السماء منفطر به كان وعده مفعولاً } ، { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } ، { وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع }

    من نسى ذلك كله كان منه هذا التفريط ولا شك .

    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقف على القبر ويقول لإخوانه : "أي إخواني لمثل هذا فأعدوا".

    وكان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على القبر بكى وقال : إن القبر أول منازل الآخرة ، فإن نجا منه العبد فما بعده أيسر منه ، وإلا فما بعده أشد.

    ظن بلوغ الكمال :

    وقد يكون ظن بلوغ الكمال هو السبب في التفريط في عمل اليوم و الليلة ، ذلك أن الإنسان قد ينسى نفسه وينسى أنه مهما عمل وأطاع بالليل و النهار ، فلن يستطيع شكر نعمة من نعم الله - تعالى - عليه ، ويحمله هذا النسيان مع عوامل أخرى على ظن بلوغ الكمال ، وحينئذٍ يقع منه التفريط في عمل اليوم و الليلة .

    ولعل هذا هو ما نفهمه من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول frown emoticon الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت و العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله ) .

    ومما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر ، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا " .

    وقوله لميمون بن مهران :" لا يكون العبد تقياً حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه " .



    كثرة الأعباء و الواجبات :

    فقد تؤدى كثرة الأعباء و الواجبات إلى التفريط في عمل اليوم و الليلة ، ذلك أن الإنسان في زحمة العمل ، وفي إلحاح الأعباء والواجبات قد يهمل في عمل اليوم و الليلة بحجة ضيق الوقت وضرورة الفراغ من هذه الأعباء وتلك الواجبات ، ناسياً أو متناسياً أن زاده على الطريق للخروج من كل ما هو مطلوب منه إنما يكون بالمواظبة على عمل اليوم و الليلة ، إذ الوقت و الطاقات والإمكانات كلها ملك لله ، وبيده سبحانه ، وحين يرى من العبد إقبالاً عليه وتلذذاً بطاعته وذكره يمتن ويتفضل عليه بالبركة في الوقت و القوة في الإرادة و المضاء في العزيمة و السداد في الرأي :

    { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم }،{ ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً } .

    التسويف :

    وقد يكون التسويف هو السبب في التفريط في عمل اليوم و الليلة ، ذلك أن من تعود التسويف أو التأجيل تتراكم عليه الواجبات والأعباء ، وحين يريد الخلاص أو الخروج منها تصبح ثقيلة أو شاقة عليه ، وحينئذٍ لا يكون منه إلا التفريط أو التضييع ولعل هذا هو المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم :" بادروا بالأعمال الصالحات سبعاً ، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غنى مطغياً أو مرضاً مفسداً ، أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً ، أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ".

    وقد وعى ذلك سلف الأمة - رضوان الله عليهم - فحرصوا على اقتناص الفرص واغتنام العمر قبل أن يضيع ، وحسبنا هنا مقالة عمر - رضي الله تعالى عنه - " القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد ".

    ومن وعظه صلى الله عليه وسلم لرجل بقوله frown emoticon اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك ).

    مشاهدة بعض ذوى الأسوة على حال من التفريط :

    وأخيراً ... قد يكون مشاهدة بعض ذوى الأسوة و القدوة على حال من التفريط هي السبب في عدم المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، ذلك أن المسلم أحياناً ينظر إلى ذوى الأسوة و القدوة على أنهم نمط فريد من الناس ، لا يمكن أن يقع منهم تفريط أو تقصير ، وحين يطلع منهم أو من بعضهم على شيء من التفريط ، فإن هذه النظرة قد تحمله على محاكاتهم ، ناسياً أنه لا طاعة ولا محاكاة في المعصية ، وإنما في المعروف فقط .

    ولعل هذا السبب هو المفهوم من تشديد الإسلام على عدم المجاهرة بالإثم ، إذ يقول صلى الله عليه وسلم frown emoticon كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول : يا فلان : عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ).

    ولعل في توجيه النبي للمسلم ان يكون متأسيا بالصالحين وألا يجعل من خطأ المخطىء مبررا لأخطائه ، لعل في ذلك قطعا للطريق على من سولت له نفسه التأسي بالبعض في الخطأ ؛ إذ لا أسوة في الشر، وكما قال انبي صلى الله عليه وسلم: " لا يكن أحدكم إمعة ، يقول: أنا مع الناس ، إن أحسنوا أحسنت ، وإن أساءوا أسأت ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم"

    هذا وإن للتفريط في عمل اليوم والليلة آثارا كبيرة وسيئة على الأفراد والدعوات نتحدث عنها في مقال قادم بإذن الله تعالى.
    أ- آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة على العاملين :

    من آثار التفريط في عمل اليوم والليلة على العاملين :

    1- الاضطراب و القلق النفسي :

    ذلك أن غذاء القلب وراحة النفس وسمو الروح إنما يكون في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وعليه فإن من فرَّط في عمل اليوم و الليلة ، فقد قطع عن القلب غذاءه ودواءه ومصدر سعادته وطمأنينته ، وتكون النتيجة القلق والاضطراب النفسي وصدق الله العظيم: { ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً } ، { ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً } .

    2- القعود عن أداء الواجب أو على الأقل الفتور :

    وذلك أن زاد المسلم على الطريق إنما هو في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وعليه فمن فرط في عمل اليوم و الليلة فقد بقى بغير زاد ، ومثل هذا تنتهي به الحال إلى القعود عن أداء الواجب ، أو على الأقل الفتور ، وذلك فيه من الخطورة و الضرر ما فيه ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال frown emoticon يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة ، عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، وإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) .

    3- الجرأة على المعصية :

    وذلك أن الطاعة الحقة بمثابة حاجز يحول بين الإنسان وبين المعصية { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر ولذكر الله أكبر } وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن فلاناً يصلى بالليل فإذا أصبح سرق ، فقال :" إنه سينهاه ما تقول " ، وعليه فإنه إذا فرط فيها وضيعها أو أداها بشكلها لا بجوهرها وحقيقتها ، فقد هدم هذا الحاجز وصارت الطريق مفتوحة أمامه للوقوع في المعاصي و السيئات ، بصورة فيها جرأة أو لا مبالاة ، ولعل هذا هو ما يشير إليه قول ابن عباس :" من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر ،لم يزد بصلاته من الله إلا بعداً ".

    4- الضعف أو الانهيار البدني :

    وذلك أن المواظبة على عمل اليوم و الليلة تكسب الجسم مناعة وقدرة على التحمل ، كما قال - سبحانه - على لسان هود عليه السلام: { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم } ، وكما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم - علياً وفاطمة – رضي الله عنهما ، إذ قال علىّ : إن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ، وبلغها أنه جاءه رقيق ، فلم تصادفه ، فذكرت ذلك لعائشة ، فلما جاء أخبرته ، قال : فجاءنا ، وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال :" مكانكما " فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال :" ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ ، إذا أخذتما مضاجعكما ، أو أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم " ، وعليه فمن فرط في عمل اليوم و الليلة فسيعتاد الاسترخاء و النوم ، وذلك لا يعود على الجسد إلا بما فيه ضعفه وانهياره .

    5- الحرمان من العون و التوفيق الإلهي :

    وذلك أن عون الله وتوفيقه لا يظفر بهما العبد إلا إذا كان على صلة طيبة بربه تتجلى في المواظبة على عمل اليوم و الليلة: { إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون } ، { و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } ، وإذا حدث وفرَّط المسلم في هذا العمل ، فقد قطع نفسه عن ربه وحينئذٍ يحرم العون و التوفيق ، ولعل ذلك هو ما نفهمه من قوله سبحانه: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون }.

    6- فقد الهيبة أو التأثير في الناس :

    وذلك أن من فرط في عمل اليوم و الليلة فقد ضيع أعظم سلاح يؤثر به في الناس ، ويسبي قلوبهم ، وهذا بدهي لأنه بهذا التفريط ضيع منزلته عند ربه ، ومن ضاعت منزلته عند ربه فقد ضاعت منزلته عند الناس .

    وقد أشار إلى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول frown emoticon يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذٍ ؟ قال : بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) .

    آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة على العمل الإسلامي :

    ومن آثاره على العمل الإسلامي :

    1- طول الطريق مع كثرة التكاليف :

    ذلك أن عملاً يضيِّع المنتسبون إليه حق الله - تبارك وتعالى - عليهم ستطول به الطريق وتتضاعف عليه التكاليف وتحيط به المحن و الشدائد من كل ناحية ، لاسيما وأعداء الله ماضون في تنفيذ أساليبهم ومخططاتهم ، ولا يتوانون عن ذلك لحظة من ليل أو نهار ، وصدق الحق سبحانه حين قال على لسان نبي الله صالح عليه السلام: { ... فمن ينصرني من الله إن عصيته } .

    2- عدم الثبات في ساعات المحن و الشدائد :

    وذلك أن المحن بطبيعتها قاسية وشديدة ، لا يطيقها البشر بحولهم وقوتهم ، وإنما لابد لهم من العون و التأييد الإلهي ، وأنى لمن فرَّطوا في جنب الله أن يرزقهم الله تحملاً أو ثباتاً ، ولعل هذا هو المفهوم من قوله تعالى: { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ، { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس frown emoticon يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) .

    علاج التفريط في عمل اليوم و الليلة :

    وبعد هذا نستطيع علاج التفريط في عمل اليوم والليلة باتباع ما يلي :

    1- معايشة الكتاب و السنة ففيهما صورة صادقة لثواب الطائعين ، وعقاب العاصين ، وماهية هذا الثواب ، وذلك العقاب بل فيهما تحريض على ملازمة الطاعة وترك المعصية ، من خلال التذكير باطلاع الله - سبحانه - وإحاطة علمه بكل شئ و الرجوع إليه و المساءلة بين يديه و الجزاء ، وحسب المسلم أن يقرأ هذه الآيات: { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ، أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } .

    2- التحرر من المعاصي و السيئات لا سيما الصغائر فإنها سم قاتل ، ونار محرقة وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول frown emoticon إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجئ بالعود حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها ".

    3 - التوسط في تعاطي المباحات لاسيما المطاعم و المشارب ، فإنها أساس كل بلية وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - frown emoticon ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) .

    4- إدراك دور المواظبة على عمل اليوم و الليلة في النجاح و القدرة على القيام بالأعباء و الواجبات ، فإن ذلك يحرر النفس من التفريط ويحملها على المواظبة و الملازمة .

    5- تقدير النعمة وأنها لن تدوم إلا بالطاعات ، فإن ذلك يحرك النفوس المستقيمة للمواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وفاء بحق الله وطمعاً في الاستمرار و الزيادة .

    6- محاولة التوفيق بين المواظبة على عمل اليوم و الليلة و القيام بالواجبات الأخرى frown emoticon إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً ، فأعط لكل ذي حق حقه ) .

    7- مجاهدة النفس وأخذها بالحزم و الشدة ، مع اتهامها بالتقصير ومع ترك التسويف ، ومع تمنيتها بأنها إن تعبت اليوم ، ستتمتع غداً بالنعيم المقيم ، وتتلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم .

    8- تقدير العواقب والآثار المترتبة عل التفريط في عمل اليوم و الليلة ، فلعل ذلك يحرك القلوب وتنعكس هذه الحركة على الجوارح فتكون المواظبة على عمل اليوم و الليلة .

    9- ملازمة الجماعة ، و العيش في وسط صالح مستقيم ، فإن ذلك يذكر بالله ويشحذ الهمم و العزائم ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم frown emoticon ألا أنبئكم بخياركم ؟ ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : خياركم الذي إذا رُؤوا ذكر الله عز وجل ) .

    10- الاستعانة التامة بالله - عز وجل - فإنه سبحانه يعين من استعان به ولجأ إلى حماه ولاذ بجنابه ، لاسيما في ساعات الاضطرار و الشدة: { وقال ربكم ادعونى استجب لكم } ، { أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون } .

    11- إدراك أن الدنيا دار عمل وغرس وزراعة ، وغداً سيكون الحصاد ، ومعرفة النتائج ، ولئن ضاعت الدنيا بغير طاعة ، كانت الخسارة التي لا خسارة بعدها :{ ... إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } .

    12- مواظبة ذوى الأسوة و القدوة على عمل اليوم و الليلة حتى لا يكونوا سبباً في فتنة وضياع غيرهم من الناس ، فيحتملون إثم أنفسهم وإثم اقتداء غيرهم بهم frown emoticon ... ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ).

    13- معايشة النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته ، وكيف كان يصوم النهار حتى يقال إنه لا يفطر ، ويقوم الليل حتى يقال إنه لا ينام ، ومثل ذلك كان يصنع في باقي الطاعات ، مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، إن هذه المعايشة تحمل كل مفرط في عمل اليوم و الليلة على المواظبة ، من منطلق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصنع ذلك ، وقد وعده الله المقام المحمود فكيف بمن لا يعرف عاقبته ، وهل سيكون في الجنة أم مع أهل النار ؟.

    14- دوام النظر في سيرة وأخبار السلف ، فإنها مليئة بصور حية مشرقة في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، تحمل كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد على الاقتداء و التأسي ، أو على الأقل المحاكاة و التشبه .

    15- تذكر الذنوب والآثام الماضية ، فإن ذلك يحمل على المواظبة في عمل اليوم و الليلة تداركاً لما فات ، وطمعاً في تكفير هذه الذنوب ، وتلك الآثام ، وخير ما يصدق ذلك موقف السحرة من تهديد فرعون حين خالطت حلاوة الإيمان قلوبهم وردهم عليه : { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات و الذي فطرنا فاقض ما أنت قاض ، إنما تقضى هذه الحياة الدنيا ، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى } .

    16- تذكر أن الموت يأتي بغتة ، وإذا لم يأت بغتة فسيسبقه المرض ثم يكون الموت ، ويكون الندم ولكنه بعد فوات الأوان وضياع الفرصة.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    آفات على الطريق-إسلام ويب
                  

09-19-2015, 11:50 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من أشد الآفات التي يصاب بها بعض العاملين، و لا بد أن يحذروها، وأن يتخلصوا منها إنما هي" الاستعجال" ، ونقصد به هنا: إرادة تغيير الواقع الذي يحياه المسلمون اليوم في لمحة، أو في أقل من طرفة عين دون نظر في العواقب، ودون فهم للظروف والملابسات المحيطة بهذا الواقع ودون إعداد جيد للمقدمات، أو للأساليب، والوسائل، بحيث يغمض الناس عيونهم ثم يفتحونها، أو ينامون ليلة ثم يستيقظون، فإذا بهم يرون كل شيء عاد إلى وضعه الطبيعي في حياتهم: زالت الجاهلية من طريقهم، ورفعت الراية الإسلامية من جديد، ووجد كل إنسان إنسانيته، وخلصت الفطرة من كل ما يكدرها ويعكر صفوها!.

    نظرة الإسلام إلى الاستعجال:

    ولما كانت العجلة والاستعجال من طبيعة الإنسان بشهادة خالقه، وصانعه، ومدبر أمره: ( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)، ( خلق الإنسان من عجل )؛ فإن الإسلام ينظر إلى الاستعجال نظرة عدالة وإنصاف، فلا يحمده بالمرة، ولا يذمه بالمرة وإنما يحمد بعضه، ويذم البعض الآخر:

    فالمحمود منه: ما كان ناشئا عن تقدير دقيق للآثار والعواقب، وعن إدراك تام للظروف والملابسات، وعن حسن إعداد، وجودة ترتيب.

    ولعل هذا النوع من الاستعجال هو المعنيُّ في قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: (وما أعجلك عن قومك يا موسى* قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى)؛ إذ الظروف مناسبة، والفرصة مواتية، والعاقبة محمودة، والنفس صافية مشرقة، فما الذي يحمل موسى على التواني والتأخير؟!

    والمذموم منه: ما كان مجرد فورة نفسية خالية من تقدير العاقبة، ومن الإحاطة بالظروف والملابسات، ومن أخذ الأهبة والاستعداد. وهذا النوع الأخير هو الذي عناه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لخباب بن الأرت رضي الله عنه وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو ما يلقاه هو وإخوانه من الأذى والاضطهاد، ويطلب منه أن يستنصر ربه، وأن يدعوه، قال له: " كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق اثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"، وهو الذي نعنيه نحن هنا أيضا.

    من مظاهر الاستعجال:

    والاستعجال له مظاهر عديدة منها:

    1- ضم أشخاص إلى قافلة الدعاة قبل الاستيثاق، والتأكد من مواهبهم، وقدراتهم، واستعداداتهم.

    2- الارتقاء ببعض الدعاة إلى مستوى رفيع قبل اكتمال نضجهم، واستواء شخصيتهم.

    3- القيام بتصرفات طائشة صغيرة تضر بالدعوة، ولا تفيدها.

    من آثار الاستعجال:

    وكل هذه المظاهر المذكورة آنفا، وغيرها تكون لها آثار وعواقب:

    1- فهي قد تؤدي إلى الفتور حين يتأخر تحقيق الأهداف الكريمة التي يدعو إليها، أو يتححق بعضها ويتخلف أكثرها ، مع ان القليل الدائم خير من الكثير المنقطع: " .. وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل".

    2- وقد تؤدي إلى موتة غير كريمة، وذلك حين لا يكون من ورائها عائد أو ثمرة، وهنالك تكون المسؤولية والمعاتبة بين يدي الجبار الأعلى، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، والأمر يومئذ لله، والواقع خير شاهد.

    3- تعطيل العمل، أو على الأقل الرجوع به إلى الوراء عشرات السنين، وذلك فيه ما فيه من استمرار تدنيس الحياة، والمضي في الاعتداء على الدماء والأموال والأعراض، وزيادة وضع الأحجار والعقبات على الطريق،فمن استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه.

    من أسباب الاستعجال:

    حقيقة هنالك أسباب كثيرة توقع في الاستعجال، نخص منها:

    1- الدافع النفسي: فقد يكون الدافع النفسي هو السبب في الاستعجال، ذلك أن الاستعجال طبيعة مركوزة في فطرة الإنسان، كما قال المولى تبارك وتعالى: ( خلق الإنسان من عجل)، (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)، (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم)، وإذا لم يعمل الداعية على ضبط نفسه، وإلجامها بلجام العقل، والتخفيف من غلوائها، فإنها تدفعه لا محالة إلى الاستعجال.

    2- الحماس أو الحرارة الإيمانية: وقد يكون الحماس أو الحرارة الإيمانية هي السبب في الاستعجال، ذلك أن الإيمان إذا قوي، وتمكن من النفس، ولّد طاقة ضخمة، تندفع ـ ما لم يتم السيطرة عليها، وتوجيهها ـ إلى أعمال قد تؤذي أكثر مما تفيد، وتضر أكثر مما تنفع. ولعل هذا هو السر في أن الله سبحانه وتعالى تولى توجيه النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في المرحلة المكية إلى الصبر، و الجلد، وقوة التحمل، فقال: (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا)، (فاصبر إن وعد والله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)، (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا)... إلى غير ذلك من الآيات.

    3- طبيعة العصر: وقد تكون طبيعة العصر هي الباعث على الاستعجال، ذلك أننا نعيش في عصر يمضي بسرعة، ويتحرك فيه كل شيء بسرعة، فالإنسان يكون هنا وبعد ساعات في أقصى أطراف الأرض، بسبب التقدم في وسائل المواصلات، والإنسان يضع أساس بيت اليوم، ويسكنه بعد أيام قلائل، بسبب التمكن من وسائل العمارة الحديثة، وقس على ذلك أشياء كثيرة في حياة الإنسان، فلعل ذلك مما يحمل بعض العاملين على الاستعجال لمواكبة ظروف العصر، والتمشي معها.

    4- واقع الأعداء: وقد يكون واقع الأعداء هو السبب في الاستعجال، ذلك أنه ما يمر يوم الآن إلا وأعداء الله يحكمون القبضة، ويمسكون بزمام العالم الإسلامي، ويلاحقون العمل الإسلامي في كل مكان لإسكات كل صوت حر نزيه. وحسبنا أن إسرائيل كانت بالأمس فكرة في الأذهان، فإذا بها اليوم واقع يحكم القبضة على جزء غال عزيز من ديار الإسلام هو فلسطين، وينطلق منه إلى لبنان، وسائر بلدان العالم العربي ليحقق حلم اليهود: " إسرائيل من النيل إلى الفرات"! فلعل ذلك مما يحمل بعض العاملين على الاستعجال، قبل أن يتفاقم الخطر، ويصعب الخلاص.

    5- الجهل بأساليب الأعداء: وقد يكون الجهل بأساليب الأعداء هو السبب في الاستعجال، وذلك أن أعداء الله لهم أساليبهم الخبيثة والمتنوعة، في الوصول إلى قلب العالم الإسلامي، وإحكام القبضة عليه. وأخطر هذه الوسائل، السيطرة من الداخل ،فقد لجأ أعداء الله لمثل هذا الأسلوب، بعد أن جربوا زمانا طويلا، ومرات عديدة، أسلوب المواجهة الصريحة السافرة، ورأوا أنه لن يغني عنهم من الله شيئا، وأنه يحمل المسلمين ـ حتى المفرطين والمستهترين منهم ـ على التصدي وبذل الغالي والرخيص، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله. فلعل الجهل بمثل هذا الأسلوب وغيره من الكيد يكون سببا من الأسباب التي توقع في الاستعجال.

    6- شيوع المنكرات مع الجهل بأسلوب تغييرها: وقد يكون شيوع المنكرات، مع الجهل بأسلوب تغييرها، هو السبب في الاستعجال، ذلك أن الإنسان لا يتحرك حركة الآن إلا وقد أحاطت به المنكرات، ولفته من كل جانب. وواجب المسلم حين يرى ذلك أن يعمل على تغيير المنكر وإزالته، ما في ذلك شك، لئلا تتحول الأرض إلى بؤرة من الشر والفساد. قال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز). وقال صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" بيد أنه ليس كل منكر تجب إزالته أو تغييره على الفور بدون مراعاة للمصالح والمفاسد. وإنما ذلك مشروط بألا يؤدي إلى منكر أكبر منه، فإن أدى إلى منكر أكبر منه، وجب التوقف ، مع الكراهية القلبية له، ومع مقاطعته ومع البحث عن أنجح الوسائل لإزالته والأخذ بها، ومع العزم الصادق على الوقوف في أول الصف حين تتاح فرصة التغيير. وفي السنة والسيرة النبوية شواهد على ذلك: فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبعث والأصنام تملأ جوف الكعبة، وتحيط بها وتعلوها من كل جانب، ولا يُقبل على إزالتها بالفعل إلا يوم فتح مكة، في العام الثامن من الهجرة؛ أي أنها بقيت منذ بُعث إلى يوم تحطيمها إحدى وعشرين سنة؛ ليقينه صلى الله عليه وسلم بأنه لو قام بتحطيمها من أول يوم، قبل أن تحطم من داخل النفوس، لأقبلوا على تشييدها وزخرفتها بصورة أبشع وأشنع، فيعظم الإثم، ويتفاقم الضرر، لذلك تركها، وأقبل يعد الرجال، ويزكي النفوس، ويطهر القلوب، حتى إذا تم له ذلك أقبل بهم يفتح مكة، ويزيل الأصنام، مرددا: ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا). وها هو صلى الله عليه و سلم يخاطب أم المؤمنين عائشة قائلا: " ألم ترَيْ أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم"! فقلت : يا رسول الله: ألا تردها على قواعد إبراهيم، قال: " لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت". فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا توقف في شأن تجديد الكعبة، وإعادتها إلى قواعد إبراهيم؛ خوفا من أن يؤدي ذلك إلى منكر أكبر، وهو الفرقة والشقاق، بدليل قوله في رواية أخرى:".... ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم...". بل إن المسلم حين يسكت عن منكر؛ خوفا من أن يؤدي إلى منكر أكبر مع الرفض القلبي والمقاطعة، ومع البحث عن أفضل السبل للتغيير، ومع العزم الصادق على أنه حين تتاح الفرصة لن يكون هناك توان ولا تباطؤ،لا يكون آثما بذلك، وصدق الله الذي يقول: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ). فإذا نسي العامل أو الداعية فقه أسلوب تغيير المنكر وإزالته، وقع ـ لا محالة ـ في الاستعجال لظنه، أو لتصوره، أن الأمر يجب تنفيذه فورا، وأنه آثم ومذنب إن لم يقم بذلك.

    7- العجز عن تحمل مشاق، ومتاعب الطريق: وقد يكون العجز عن تحمل مشاق ومتاعب الطريق هو السبب في الاستعجال، ذلك أن بعضا من العاملين يملك جرأة وشجاعة وحماسا لعمل وقتي، ولو أدى به إلى الموت، لكنه لا يملك القدرة على تحمل مشاق ومتاعب الطريق لزمن طويل، مع أن الرجولة الحقة هي التي يكون معها صبر وجلد، وتحمل ومثابرة وجد واجتهاد حتى تنتهي الحياة. لذلك تراه دائما مستعجلا ليجنب نفسه المشاق والمتاعب، وإن تذرع بغير ذلك، وقد أفرزت الحركة الإسلامية في العصر الحاضر صنفا من هذا، عجز عن التحمل والاستمرار فاستعجل، وانتهى، وصنفا آخر أوذي في الله عشرات السنين، فصبر وتحمل واحتسب؛ لأن الظروف غير ملائمة، والفرص غير مواتية والعواقب غير محمودة والمقدمات ناقصة أو قاصرة ، وكانت العاقبة أن وفقهم الله، وأعانهم فثبت أقدامه على الطريق ولا تزال.

    8- الظفر ببعض المقدمات أو ببعض الوسائل مع عدم تقدير العواقب: وقد يكون الظفر ببعض المقدمات أو ببعض الوسائل مثل العدد البشري، ومثل الأدوات مع عدم تقدير العواقب، من زيادة تسلط أعداء الله و من حدوث فتنة وردة فعل لدى جماهير الناس وقد يكون كل ذلك هو السبب في الاستعجال. ولعل هذا هو السر في أمر الإسلام بالصبر على جور الأئمة، ما لم يصل الأمر إلى الكفر الصريح، والخروج السافر عن الإسلام. يقول صلى الله عليه وسلم: " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا، فمات إلا مات ميتة جاهلية". ويقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: " أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان". بل حتى الكفر البواح لا يكون معه خروج إلا إذا أُمنت الفتنة وتوفرت القدرات والإمكانات. وهذا لا يمنع أن ننكر عليهم باللسان وبالقلب. يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح حديث عبادة: " معنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين". ونقل ابن التين عن الداودي قال: " الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر".

    9- عدم وجود برنامج أو منهاج يمتص الطاقات، و يخفف من حدتها وغلوائها: وقد يكون عدم وجود برنامج أو منهاج يمتص الطاقات ويخفف من حدتها وغلوائها هو السبب في الاستعجال ، ذلك أن نفس الإنسان التي بين جنبيه إن لم يشغلها بالحق شغلته بالباطل .

    ولعل ذلك هو السر في أن الإسلام غمر المسلم ببرنامج عمل في اليوم و الليلة ، وفي الأسبوع وفي الشهر و في السنة وفي العمر كله بحيث إذا حافظ عليه كانت خطواته دقيقة وجهوده مثمرة .

    ولعله السر أيضاً في تشديد الإسلام على الأئمة أن يستفرغوا كل ما في وسعهم وكل ما في طاقتهم لاستنباط ما يملأ حياة المسلمين بالعمل الجاد المثمر الخالي من الضرر والشر وإلا حرموا الجنة .

    يقول - صلى الله عليه وسلم - “ ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة ".

    ونكمل حديثنا حول هذه الآفة في مقال قادم إن شاء الله ،وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    *د/سيد نوح (بتصرف)
                  

09-19-2015, 11:51 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    مما لا شك فيه أن البصر من أعظم المنافذ إلى القلب، يقول الإمام القرطبي رحمه الله: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكلِّ ما يخشى الفتنة من أجله، ونقصد بغض البصر أن يغمض المسلم بصره عما حرم عليه ولا ينظر إلا لما هو مباح له النظر إليه ، وإن وقع نظر المسلم على مُحَّرمٍ من غير قصد فليصرف بصره سريعا ولا يتمادى في النظر.

    القرآن يأمر بغض البصر:

    لما كان النظر من أهم المنافذ إلى القلب، ولما كان إطلاقه بغير قيد ولا ضابط قد يوقع الهوى في قلب صاحبه، ويجعله يقع في شَرَك الفواحش والفتن، فقد أمر الله بغض البصر حتى يأمن العبد عواقب السوء:

    (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).

    ونلحظ هنا أن الله تعالى قد جعل الأمر بغض البصر مقدما على حفظ الفرج، لأن كل الحوادث مبدؤها من النظر كما قيل:

    كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر


    كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر


    والعبد ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر


    يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحبا بسرور عاد بالضرر


    والنبي صلى الله عليه وسلم يأمرك بغض بصرك:

    فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم".

    بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم غض البصر أحد حقوق الطريق حين قال لأصحابه رضي الله عنهم:

    " إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بُدٌّ نتحدث فيها. فقال: " فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".

    ـ وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي الله عنهما ينظر إلى امرأة جاءت تستفتيه صلى الله عليه وسلم فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها.

    وقد علق ابن القيم رحمه الله على ذلك فقال:

    وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه.

    نظر الفجأة:

    قد يسير الإنسان في طريق أو يكون في مكان به آخرون فيقع بصره على ما حرم الله تعالى بغير قصد منه فهذا ما يسمى بنظر الفجأة، والواجب في هذه الحالة أن يصرف بصره، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري".

    وهذا أنفع علاج وأسرعه أن يصرف العبد بصره ولا يستديم النظر فإن من استدام النظر أثم وتعدى، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عليُّ لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة".

    والنساء مأمورات بغض الأبصار:

    فإن الله عز وجل يقول:(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ..)الآية.

    والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "... وخير صفوف النساء المؤخر، وشرها المقدم، يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن.."الحديث.

    عناية السلف بغض البصر:

    لقد عني السلف الصالح رضي الله عنهم بغض البصر عناية عظيمة فوجدنا منهم مواقف ومواعظ في هذا الباب تنبئ عن علو همتهم في هذا، ومن ذلك قول أنس رضي الله عنه: إذا مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك".

    وقال بعضهم: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته.

    وكان سفيان رحمه الله إذا خرج في يوم العيد قال: إن أول ما نبدأ به اليوم غض أبصارنا.

    ولما قال رجل للحسن رحمه الله: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال: اصرف بصرك.

    وقال ابن مسعود: الإثم حوَّاز القلوب (يحز في القلوب) وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع.

    وكان الربيع بن خثيم يغض بصره فمر به نسوة فأطرق ( أي أمال رأسه إلى صدره) فظن النسوة أنه أعمى وتعوذن بالله من العمى.

    من فوائد غض البصر

    ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله عدة فوائد ومنها:
    1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته.
    2- أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه.
    3- أنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، قال شجاع الكرماني: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وأكل من الحلال- لم تخطئ فراسته.
    4- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه, وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم.
    5- أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، قال بعض الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله.
    6- أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، فلذة العفة أعظم من لذة الذنب.
    7- أنه يسد عن العبد بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفاحشة، فمتى غض بصره سلم من الوقوع في الفاحشة، ومتى أطلقه كان هلاكه أقرب.
    8- أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب كما قيل:
    وأعقل الناس من لم يرتكب سببا حتى يفكر ما تجني عواقبه
    9- أنه يخلص القلب من ذكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار والآخرة، ويوقع في سكرة العشق.

    نسأل الله الكريم أن يوفقنا لطاعته ، والحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

10-26-2015, 02:52 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    اللهم إن ذنوبي لم يبق لها إلا رجاء عفوك ، وقد قدمت آلة الحرمان بين يدي ، فأنا أسئلك ما لا أستحقه ، وأدعوك ما لا أستوجبه ، وأتضرع إليك بما لا أستأهله ولم يخف عليك حالي وإن خفي على الناس كنه معرفة أمــري ، اللهم إن كان رزقي في السماء فأهبطه ، وإن كان في الأرض فأظــهره ، وإن كان بعيداً فقربه ، وإن كان قريباً فيسره وإن كان قليلاً فكثره وبارك لنا فيه . • من أراد الرزق الوفير من الغيب : هذه الآيات المباركة كل يوم *20 مرة * لمدة * 7 أيام متوالية * بإذن الله سوف يتحقق مطلبه . " بسم الله الرحمن الرحيم ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تظليل وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجيل فجعلهم كعصفٍ مأكول " • لسعة الرزق مجرب : هذه الآيات كل يوم * 150 مرة * * 40 يوماً * " ومن يتق الله يجعــــل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيىءٍ قدراً "

    إقرأ المزيد على موضوع.كوم: http://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%AC%D9%85%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%B9%D9%8A%D8%A9http://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%AC%D9%85%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%B9%D9%8A%D8%A9
                  

09-19-2015, 11:53 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الدَّين همٌ بالليل ومذلة بالنهار
    إن الله تعالى قد قسم بين العباد أرزاقهم ، (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6)

    وقد جعلهم ربنا تبارك وتعالى متفاوتين في ذلك تفاوتا له فيه الحكمة البالغة والآيات الباهرة frown emoticon إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) (الإسراء:30) . وكما في قوله تعالى:

    ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )(الزخرف: من الآية32).

    ومن رحمة الله تعالى بالعبد أن يرزقه القناعة والرضا ، وأن يوفقه لتدبير معيشته والاستغناء عن مد يده لغيره ، وهذا من المنجيات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم" ثلاث منجيات " وعد منها : " القصد في الغنى والفقر"..لكن بعض الناس لا يقنع ، وبعضهم لا يحسن تدبير معيشته وفق ما رزقه الله من مال فينفق أكثر مما يأتيه فيلجأ إلى الدَّين بسب سوء تدبيره ، وهو في غمرة الحياة غافل عن الآثار الوخيمة للدين.

    النبي يتعوذ بالله من الدَّين

    لأن الدَّين حمل ثقيل وهم عظيم فقد استعاذ منه خير البرية صلى الله عليه وسلم حين دعا بهذا الدعاء الجامع : " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

    إن أدلة الشرع المطهر لتدل على خطورة أمر الاستدانة ، فها هو الشهيد الذي يغفر له عند أول قطرة من دمه، ويؤمن من عذاب القبر وفتنة القبر، ويشفع في سبعين من أهله، وروحه في حواصل طير خضر في الجنة تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، يغفر له كل شيء إلا الدَّين ، كما جاءت بذلك السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين ". وفيما رواه مسلم أن رجلا قال : يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين" ·

    ومما يدل على خطورة الدين على من تساهل فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بجنازة وعلى صاحبها دين لم يصل عليه حتى تقضى عنه ديونه أو يتحملها أحد الأحياء ، فلما فتح الله عليه وجاءه المال كان يقضي عن موتى المسلمين.

    وينبغي أن يعلم أن التأخر في سداد الدين عن الميت يعد بلاء عليه فقد روى جابر رضي الله عنه قال: توفى رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله ؟ يصلي عليه فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا خطى، ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ، فقال رسول الله ؟ : حقَّ الغريمِ وبَرئَ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله ؟ : الآن بردت عليه جلده.أي الآن برد جلد ذلك الميت بسبب كونه مرهونًا بالدين قبل ذلك.

    تدبير المعيشة خير من الاستدانة

    إن العاقل اللبيب لهو الذي يستعين الله تعالى على أموره كلها ولا يلجأ إلى الدين ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، وقد أمر الله عباده أن يراعوا في نفقاتهم ما يرزقهم الله تعالى إياه ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ) (الطلاق:7). فهذا أمر من الله تعالى بالإنفاق على قدر الرزق، ووعدٌ منه سبحانه للفقير باليُسر بعد العسر إذا أنفق على قدر رزقه، وهو وعد حق؛ لأن من أنفق على قدر رزقه ولم يستدِن ليجاري الأغنياء فإنه سيستغني؛ لأن تدبيره نفقتَه وعدم استدانته تؤول به إلى غناه بكسبه، فينفقه على نفسه وعياله، لا لسداد دينه فيبقى معسرا.

    أنزل حاجتك بالله وخذ بالأسباب

    إن العبد المؤمن ينزل حاجته بربه فيعلن لله تعالى الفقر والحاجة مع يقينه بغنى ربه وجوده وكرمه وسعة فضله ، وهو في نفس الوقت يأخذ بأسباب الكسب الحلال الطيب : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15).

    إذا ابتليت بالدين فبادر بالقضاء

    ينبغي على العبد إذا ابتلي بالحاجة فاستدان أن يجتهد في قضاء دينه سريعا حتى تبرأ ذمته ، ويلقى ربه خاليا من الديون ، وإذا كان العبد عند استدانته ينوي الخير ويعزم على السداد فإن الله تعالى سيوفقه لذلك ، أما عن يريد أكل أموال الناس بالباطل والمماطلة فإن عاقبته أليمة في الدنيا والآخرة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله". وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ما من أحد يَدَّان ديناً فعلم الله أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه".

    والله عز وجل يقول( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ )(البقرة: من الآية188)

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه" رواه مسلم·

    فنظرة إلى ميسرة

    وعلى الجانب الآخر فإننا نوجه دعوة لمن وسع الله عليهم أن يتصدقوا ويوسعوا على عباد الله مستحضرين أنه " ما نقص مال من صدقة". وإذا أنزل بهم فقير أو محتاج حاجته أن يكونوا عونا له عليها ، وإذا لم تَجُد نفوس بعض الأغنياء بالصدقة فلا أقل من أن يقرضوا من احتاج وأن يصبروا عليه إذا أعسر ، لقوله تعالى : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:280).

    وليعلم إخواننا الأغنياء أنهم بصبرهم على المدين المعسر ينالون أجرا عظيما كما دل عليه ما رواه أحمد رحمه الله عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من أنظر معسراً فله بكل يوم مثله صدقة، قال: ثم سمعته يقول: من أنظر معسراً فله بكل يوم مثليه صدقة، قلت: سمعتك يا رسول الله تقول: من أنظر معسراً فله بكل يوم مثله صدقة، ثم سمعتك تقول: من أنظر معسراً فله بكل يوم مثليه صدقة، قال: له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة".

    وروى مسلم رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله".

    وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله ؟ يقول:" من نفس عن غريمه أو محى عنه كان في ظل العرش يوم القيامة ".
    قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تعليل هذا الحديث:( لأنه لما جعله في ظل الإنظار والصبر، ونجاه من حر المطالبة، وحرارة تكلف الأداء مع عسرته وعجزه؛ نجاه الله تعالى من حر الشمس يوم القيامة إلى ظل العرش).

    وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لصبيانه :تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه".

    تيسيرك على المدين تيسير عليك في الآخرة

    فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.

    وصية أخيرة

    أوصي بها نفسي والمسلمين أن نجتهد ما استطعنا في تجنب الاستدانة ، وأذكر بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه : " اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال عليه الصلاة والسلام:" إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف". وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ؟ كان يدعو بهؤلاء الكلمات:" اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء ".
    وجاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قال:[ رق الحر الدين ].

    ويكفي في ذم الين ما اشتهر عند الناس أن الدين همٌّ بالليل وذل بالنهار.

    عافانا الله وإياكم
    إسلام ويب
                  

09-19-2015, 11:55 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من أسباب قسوة القلب
    تكلمنا في مقال سابق عن قسوة القلب وكيف أنها من أعظم الأمراض المهلكة للعبد في دنياه وآخرته ، وأصحاب القلوب القاسية هم أبعد الخلق عن الله عز وجل ، وأن هذه القسوة التي تصيب القلوب هي في حقيقتها عقوبة من الله تعالى لبعض عباده جزاء ما اقترفوه ، كما قال مالك بن دينار رحمه الله: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب ، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم.

    وإذا كانت قسوة القلب من علامات شقاء العبد فإن لهذه القسوة التي يصاب بها العبد أسبابا نذكر شيئا منها فيما يلي:

    أولا الركون إلى الدنيا والاغترار بها:

    فمهما عظم قدر الدنيا في قلب العبد وطغى حبها في قلبه على حب الآخرة قسا القلب ؛ فتراه يضحي بكل شيء من أجل الدنيا ، فيضحي بصلاته ، بأرحامه ، بأصدقائه وخلانه ، بل يضحي بمبادئه وأخلاقه ، مع أن الله عز وجل ينادي:

    ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور).

    إن الدنيا شعب كثيرة تتشعب بالعباد ، فهناك النساء والولدان والأموال والتجارات والمناصب والوجاهات و.....شعب كثيرة وكلما حصل العبد المغرور بالدنيا شعبة منها طمع في غيرها وسعى لها فيبتعد عن الله عز وجل بقدر ميله إلى هذه الشعب وانشغاله بها إلى أن يسقط من عين الله فلا يبالي ربنا بهذا العبد في أي أودية الدنيا هلك.

    إن المتعلق بالدنيا المشغول القلب بها هو في الحقيقة سكران بحب الدنيا أعظم من سكر أصحاب الخمور إذ لا يفيق سكران الدنيا إلا في عسكر الموتى نادما مع الغافلين.

    فيا أيها المشغول بالدنيا إذا أردت أن توغل فيها فأوغل فيها برفق واعلم أنك لن تأخذ منها إلا ما قدره الله عز وجل لك ، وأنه لن يفوتك منها درهم قد كتبه الله لك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن روح القدس قد نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".

    ثانيا: الصحبة الفاسدة:

    مما لا شك فيه أن للصحبة تأثيرها ؛ فالطبع يسرق من الطبع ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله ".

    وقد اتفق العقلاء على أن الصاحب ساحب ، فكم من صاحب جر صاحبه إلى السرقة ، وكم من صاحب جر صاحبه إلى الزنا وإلى القتل وإلى ترك الصلاة وغيرها من المنكرات والموبقات ، ومثل هذه الصحبة ستنقلب على أصحابها يوم القيامة خزيا وندامة وعداوة: ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ).

    وسيندم كل من صاحب الفاسقين حين لا ينفع الندم : (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا. لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا).

    وقد قال نبي الله إبراهيم عليه السلام لقومه: ( إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين).

    فانظر كيف أن الصحبة الفاسدة كانت سببا في قبول بعضهم الشرك وعبادة الأوثان ولو كانوا غير مقتنعين باستحقاقها العبادة من دون الله تعالى ، لكنها الرغبة في موافقة الأصحاب. والعجيب أن هؤلاء الأصحاب سيتبرأ بعضهم من بعض وسيلعن بعضهم بعضا وسيتمنى كل منهم أن ينال صاحبه النصيب الأكبر من العذاب.

    فإذا كان أصحاب السوء سيتبرأون من أصحابهم يوم القيامة فحري بالعاقل أن يتبرأ منهم اليوم قبل أن يتبرأوا هم منه غدا.

    ثالثا: الإقبال على الذنوب من غير توبة:

    ليس مطلوبا من العبد أن يكون معصوما إذ ليس بمقدوره ذلك فالخطأ والذنب من طبع البشر ، لكن المطلوب من العبد أن يكون معظما للرب مستحضرا اطلاعه على عباده فيورث هذا الشعور مراقبة الله عز وجل ، فتقل معاصيه ، وإذا بدرت من العبد معصية بادر إلى التوبة والندم ، وإلا فإن للذنوب أثرا على القلوب لا يعالجها إلا التوبة ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: " إن المؤمن إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل: ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .

    إن الذنوب تقسي القلب إن لم يتب منها صاحبها بل قد تميته والعياذ بالله ، وصدق عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى حين قال :

    رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها

    وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها

    فهيا بنا نجدد التوبة وإذا ضعفت نفوسنا فعصينا عدنا فتبنا وأمام أعيينا قول ربنا تبارك وتعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم).
    تكلمنا في مقال سابق عن بعض أسباب قسوة القلب وفي مقالنا هذا نكمل حديثنا حول بعض الأسباب الأخرى التي تتسبب في قسوة القلب ، ومن هذه الأسباب:

    الغفلة عن الموت وأمور الآخرة:

    إن الموت وإن كان مصيبة إلا أن الغفلة عن تذكره مصيبة أعظم ؛ لأن نسيان الموت يصيب القلب بالغفلة والقسوة ، ومن أجل هذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بالإكثار من ذكر الموت ، فقال: " أكثروا ذكر هادم اللذات: الموت ".

    ولان تذكر الموت يجعل القلب في حالة يقظة دائمة فقد كان السلف رضي لله عنهم يكثرون من ذكر الموت، هذا الربيع بن خثيم رحمه الله كان قد حفر في داره قبرا ينام فيه كل يوم مرات ، يستديم بذلك ذكر الموت ، وكان رحمه الله يقول : لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد.

    ولما نظر ابن مطيع رحمه الله إلى داره فأعجبه حسنها قال: والله لولا الموت لكنت بك مسرورا ، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا.

    ولما قال عمر بن عبد العزيز لبعض العلماء : عظني. قال له : لست أول خليفة تموت. قال : زدني . قال: ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت وقد جاءت نوبتك ، فبكى عمر رحمه الله.

    ولأجل هذا المعنى حث النبي صلى الله عليه وسلم على زيارة القبور لأنها تذكر العبد بالآخرة ، لكننا لا نريدها زيارة كزياراتنا لها الآن ، إنما نريدها زيارة تفكر وعظة واعتبار ، فإذا وقف العبد على القبر تذكر حال أصحابه في الدنيا كيف كان الواحد منهم وسيما جميلا نظيف الثياب طيب الريح ، ثم هو الآن قد علاه التراب فملأ عينيه ومحا حسن صورته ، قد تبددت أجزاؤه وصار غذاء للدود ، ثم يتفكر في حال من خلَّف كيف ترملت النساء وتيتم الأطفال وفرقت الأموال ، وكيف أن صاحب القبر قد خلت منه المساجد والدور والأسواق ، ثم يتفكر في نفسه كيف أنه صائر إلى هذا القبر لا محالة ، فيا ترى بأي الخدين سيبدأ البلى؟ وأي العينين ستسيل قبل أختها؟ وصدق والله الحسن رحمه الله إذ قال : فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لب فرحا.

    ثم يتفكر العبد فيما بعد القبر من حشر ونشر وصراط وموقف وتوزيع للصحائف وانصراف الناس إما إلى جنة وإما إلى نار : ( فريق في الجنة وفريق في السعير).ويسأل نفسه: في أي الدارين منزلك؟.

    إن استحضار العبد لهذه المعاني يجعله دائما متيقظا مشمرا ، أما غفلته عنها فإنها تصيب القلب في مقتل.

    ومن أسباب القسوة الغفلة عن ذكر الله:

    إنه لا حياة للقلب على الحقيقة بغير ذكر الله تعالى ولهذا قال النبي : " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي و الميت ".

    إن القلوب تصدأ ويعلوها الران وذكر الله هو الجلاء لهذه القلوب، وإن القلب ليصيبه الهم والقلق ولا سكينة للقلب بغير ذكر الله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )

    إن العبد الغافل عن الذكر قد جعل من نفسه مرتعا لوساوس الشياطين ، قال الله تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين). فهل تتوقع أن يرق قلب ذلك العبد الذي استحوذ الشيطان عليه؟!.

    إن إبليس اللعين متربص ببني آدم يريد إضلالهم وإغواءهم ، وكلما كان العبد بعيدا عن ذكر الله غافلا عنه تمكن الشيطان منه فأضله وأغواه وقاده إلى ما فيه هلاكه وفي الخبر: (إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا غفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس) أي تأخر وأقصر).

    وقال ابن عباس رضي الله عنه: إذا ذكر اللهَ العبدُ خنس ( الشيطان ) من قلبه فذهب، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه.

    والله عز وجل يقول: ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين).

    وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الوابل الصيب كثيرا من فوائد الذكر وعد منها أن الذكر يزيل قسوة القلب.

    فنسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا كثرة ذكره ، وأن يجنبنا قسوة القلب وأن يرزقنا قلوبا سليمة ، والحمد لله رب العالمين.
    إسلام ويب
                  

09-19-2015, 11:57 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    تطاوعوا ولا تختلفوا
    كلما كان المسلمون أقرب إلى قطف الثمرة كانوا أحوج إلى تقديم مصلحة الأمة على الأهواء الشخصية، فلا بد أن يتنازل أحد الأطراف المختلفة؛ ليطاوع الطرف الآخر، مؤثرا رضا الله، وجلب الخير العميم، ودفع الشر العظيم.

    المطاوعة ـ في حقيقتها ـ: استعداد من كل طرف للتنازل للطرف الآخر، إذا وقع اختلاف على أمر ما، وليس المقصود بهذا التنازل الرجوع عن حق صريح واضح، وإنما هو لين جانب حينما يكون الاختلاف بين الحسن والأحسن، أو إرجاء المناظرة في الأمر المختلف فيه؛ إبقاء على المودة، وإيثاراً لصفاء القلب، فكل منهما طيّع في يد أخيه، يتنازل هذا تارة، ويتنازل ذاك أخرى.

    أدب الصحابة

    وهذا الأدب كان واضحا بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة إذا خفي وجه الحق في مسألة اجتهادية، ولأننا بشر، فلا نستطيع أن نقطع لأنفسنا بصواب الرأي، وسداد البصيرة، ولا بد من التوجه إلى الله؛ ليسدد الخطا، ويثبت على الحق، وقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامه: ( اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ).

    وأخطر ما يكون التنازع في مواقف الجهاد والدعوة، ولقد ترجم البخاري بابا بقوله: ( باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب) واستشهد بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى قبل إرسالهما إلى اليمن: ( يسّرا ولا تعسّرا وبشّرا ولا تنفّرا وتطاوعا ولا تختلفا). وكم يكون محرجا؛ حين يتنازع داعيان فاضلان حول مسألة شرعية، والناس بأعينهم ينظرون!!

    شجاعة الرجوع عن الرأي المفرق

    وإنما يحتاج المؤمن لشجاعة التراجع عن الرأي المفرِّق، والتزام الرأي الجامع، وقد ذكر ابن حجر أن علياً وعمر رضي الله عنهما كانا يفتيان بألاّ تباع أم الولد، ثم رأى علي بعد ذلك أنه يجوز بيعها حتى قال : اجتمع رأيي ورأي عمر على أن أمهات الأولاد لا يبعن , ثم رأيت بعد ذلك أن أبيعهن فقال ( عبيدة ) لعلي رضي الله عنه: ( رأيك ورأي عمر في الجماعة، أحبّ إلي من رأيك وحدك في الفرقة). فتراجع علي عن فتواه، وقال: ( اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف) ونبذ الخلاف مقدم على الإصرار على تثبيت رأي أو وجهة نظر اجتهادية، وأما الحق المقطوع فيه، فيقدر الداعية الحكيم على إيصاله بحكمته، بعيدا عن المشاجرة والخصومات.

    تذكر حال المؤمنين في الجنة

    ولو أننا نتذكر حال المؤمنين في الجنة، لسعينا لأن نجعل رحلتنا في الدنيا صورة عن حياة أهل الجنة، الذين وصفهم الرسول صلى الله لعيه وسلم بقوله: ( لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد). ولذلك كان رسول الله صل الله عليه وسلم يُحذر من الوقوع في دواعي الاختلاف؛ حتى لا تتنافر نفوس الأمة( لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، ولذلك كان كثير من العلماء يحتفظون لأنفسهم بفتاوى لا يشيعونها بين الناس؛ لتفردهم بها، ولخروجها عما اشتهر في المسألة حذرا من فتنة العامة أو تشويش طلبة العلم.

    وكان من وصيته صلى الله عليه وسلم عندما يسوّي صفوف الصلاة أن يقول: ( استووا. ولا تختلفوا؛ فتختلف قلوبكم).

    حتى الاختلاف في صف الصلاة قد ينعكس أثره على تأجيج اختلاف القلوب، فلينوا في أيدي إخوانكم، وسووا صفوفكم، واتبعوا إمامكم، لعله يترشح من ذلك ائتلاف قلوبكم.

    وكلما كان احتكامنا للشرع خالصا نكون أبعد عن مهاوي الفرقة، وهذا ما يذكّر المسلم به نفسه، وهو يدعو في تهجده: ( .. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت).

    ويجب على عقلاء الأمة أن يكونوا عونا في دفع كل خلاف، وفضّ كل نزاع، والمبادرة إلى الأخذ بما يوحدّ الصفوف، وقد وصف سيدنا عمر اختلاف الناس فيمن يبايعون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: ( فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرِقتُ من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكرن فبسط يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار) وبهذا الموقف الجريء قضى على فتنة كان من الممكن أن تصدع صفوف المسلمين.

    ويعين على خلق المطاوعة: التزام حدود الشرع، وطاعة الأمير، وهذا ما وجّه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (... ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكن بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ...)، وكثيرا ما يكون أمر أميرك ـ في عمل أو سفر ـ مخالفا لما تميل إليه، فإن ذهب كل امرئ حسب هواه، فسنرى اختلافا كثيران وإن تطاوع كل امرئ مع أميره، وتنازل لرأيه، فتلك هي السنة.

    ولا بد أن يتنادى المخلصون للقضاء على أي فتنة عند بوادر أي اختلاف، وهذا ما كان من حذيفة حين أخبر عثمان باختلاف الناس في قراءة القرآن، فقال له: ( أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى..).

    الترهيب من الخصومة

    ولعل مما يحبب في المطاوعة، وينفر من الخصومة، استحضار ما ورد في الترهيب من اللجاجة والمراء والتنازع، فقد جاء في صفات المنافق أحاديث كثيرة منها: ( .. وإذا خاصم فجر)، و( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصِم)، وقد تعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت في ربض الجنة لمن يترك المراء والجدل وهو يعلم أنه على حق وصواب: ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقا) وهذه أعلى درجات المطاوعة.

    الفرقة عذاب وهلاك

    وإنما يكون هلاك الأمة باختلافها كما جاء في الحديث: (..فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)، ولو تنازل بعضهم لما اختلفوا، ولما هلكوا، وقد كان القرن الأول في أسمى صور المطاوعة، ومن ذلك ما ورد أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ صلى في منى أربعا فبلغ ذلك بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فأزعجه ما سمع، ومع ذلك صلى معه أربعا، فلما سئل عن ذلك قال: ( الخلاف شر)، ولما نوقشت البيعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رجل من الأنصار: منا رجل ومنكم رجلن فقال عمر رضي الله عنه: ( سيفان في غمد واحد؟! إذاّ لا يصطلحان)، وهذا من فقه عمر رضي الله عنه.

    وإن النفوس العالية لتملك أن تعامل بسلامة الصدر مهما عظم الخلاف فقد قال علي رضي الله عنه في حق من خرجوا عليه يوم الجمل حين سئل عنهم: أكفار هم؟ أم منافقون؟ أم ماذا؟ فقال: ( إخواننا بغوا علينا) ولم يقبل أن يتهمهم بكفر أو نفاق، وقد كان ممن قاتله في معركة الجمل الصحابي طلحة رضي الله عنه، فكان يقول لعمران بن طلحة: ( إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله عز وجل فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ). أفلا نتخلق بالمطاوعة، والنفور من الاختلاف؛ لنكون إخوانا في الدنيا والآخرة، ولتسلم صدورنا من تحريش الشيطان، ولتقوم للأمة دولة وسلطان.
    محمود الخزندار
                  

09-19-2015, 11:59 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الرجوع إلى الحق فضيلة
    ليس المطلوب من العبد أن يكون متميزا بالعصمة من الوقوع في الخطأ مع الخلق أو الخالق، فهو في النهاية بشر والخطأ والنسيان من طبائعه لكن المطلوب أن يكون قريب العودة إلى الحق سريع الأوبة إلى الله تعالى ، ليكون ممن قال الله فيهم: (..والذين إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

    والمطالع لسير السلف الصالحين رضي الله عنهم لن يجدهم متميزين بالعصمة لكنه يقينا سيجدهم ممن قلت أخطاؤهم ومع ذلك فهم أحق الناس بأن يكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: (...إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ). هذه المبادرة إلى التوبة وتلك المسارعة إلى الرجوع للحق هي ولا شك خير من التمادي في الباطل استجابة لأهواء النفوس ونزغات الشياطين وتكبرا عن الاعتراف بالخطأ لا سيما عند الخصومات.

    اختلاف الطبائع

    كثيرا ما تكون بعض الطبائع التي لم تهذّب سببا من أسباب زلة القدم والوقوع في بعض الخصومات، ومن المعلوم يقينا أن طبائع الناس وأخلاقهم تختلف اختلافا كبيرا بيِّنا ، فمنهم السهل ومنهم الحزن ، منهم المتواضع ومنهم المتكبر ، منهم سريع الغضب قريب الفيئة ( أي قريب الرجوع إلى الحق) فهذه بهذه، ومنهم من يكون بطيء الغضب بطيء الفيئة فهذه بهذه. لكن مما لا شك فيه أن خيرهم بطيء الغضب سريع الفيئة وشرهم سريع الغضب بطيء الفيئة ، الذي لا يكاد يقر بخطأ أو يعترف بذنب فيبدي الأسف أو يبادر بالاعتذار ، فنفسه الأمارة بالسوء قد غلبته وقهرته فلم تدع له مجالا لسرعة الرجوع إلى الحق.

    اضبط عواطفك وعد إلى الحق بسرعة

    فحبل الخيرية بيدك أيها المؤمن، وما عليك إلا أن تضبط عواطفك فلا تغضب ولا تسيء، وإن لم تتمالك نفسك فلا يطل عليك الأمد ويتراكم على قلبك الران وإنما تفيء إلى دائرة الحق بسرعة، وترجع إلى جادة الصواب على عجل.

    ولم يخل بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم من خصومات تقع بين زوجاته، ولكن انظروا إلى شهادة عائشة رضي الله عنها في ضرتها زينب رضي الله عنها وإلى ما ذكرت من خلق زينب: (.. ولم أر امرأة قط خيرا من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تَصَدّق به وتقرّب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدّة كانت فيها تسرع منها الفيئة). فلم تكن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنكر على أم المؤمنين زينب سوى حدة في طبعها، ولكنها رضي الله عنها كانت تسارع فتستدرك وتصلح ما نتج عن حدتها.

    ولذلك حين تعرض الأعمال يومي الاثنين والخميس يغفر لكل مؤمن إلا المتخاصمين فيقال: ( أنظروا هذين حتى يصطلحا). وفي رواية ( اتركوا هذين حتى يفيئا) ، ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).

    والمتوقع من المؤمن الصادق أنه يسرع الفيئة ويسابق إلى الصلح، أما من يلجُّ في الخصومة ويغرق في التمادي فإن ( أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِم). وفسره ابن حجر رحمه الله تعالى بأنه: شديد العَوَج، كثير الخصومة.

    بل إن من صفات المنافق أنه: ( إذا خاصم فجر)، يقول ابن حجر رحمه الله ( والفجور الميل عن الحق و الاحتيال في رده)، وكم يكون عظيما ذلك الذي يذل للمؤمنين، ويؤوب إلى الرشد، ويعجل إلى ربه ليرضى عنه.

    أبو بكر يضرب أروع الأمثلة

    ولقد ضرب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مثلا رفيعا في سرعة الفيئة حين علم أن مسطح بن أثاثة الذي يأكل من نفقة أبي بكر كان قد شارك في اتهام ابنته السيدة عائشة بحديث الإفك، فأقسم أبو بكر ألا ينفق عليه، ونزل قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فما أن سمع أبو بكر خاتمة الآية حتى صاح: ( بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي) وتغلّب على عواطفه التي تدعوه للثأر لِعرْض ابنته البريئة ( فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا).

    الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل

    ليس العيب في الوقوع في الخطأ إذ ( كل بني آدم خطّاء، وخير الخطاءين التوابون)، وإنما تكمن المصيبة في الإصرار على الخطأ والتمادي في الباطل، مع أن أبواب الرحمة مُفتّحة تدعونا لسرعة الفيئة ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) وتستطيع تجاوز العقبة بأن تكون صريحا مع نفسك وتعترف بخطئك، وهذه بداية طريق التوبة والفيئة إلى الله ( فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه) وإذا كان ربنا يدعونا إلى سعة رحمته ويقابل ضعفنا بإحسانه فما الذي يبطئ بنا عن إصلاح أنفسنا، وما الذي يحول بيننا وبين الفيئة السريعة والرجعة النصوح؟ وقد جاء في الحديث القدسي: (.. وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).

    فهرول أيها العبد إلى رحمة الله وإياك والتسويف.

    إن الذي يحول دون التعجيل بالتوبة الوقوع في قيد الإصرار، ولقد ترجم البخاري أحد أبواب كتاب الإيمان بقوله: ( خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر... وما يُحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، ويعلق ابن حجر على هذا الباب: ( .. وكأن المصنف لمّح بحديث عبد الله بن عمرو المخرج عند أحمد مرفوعا قال: " ويل للمصرّين الذي يصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون" أي يعلمون أن من تاب تاب الله عليه ثم لا يستغفرون. قاله مجاهد وغيره). وصورة الإصرار كما فسرها الشوكاني رحمه الله: ( العزم على معاودة الذنب وعدم الإقلاع عنه بالتوبة منه). فهل يختار المؤمن مصير الويل أم يقاوم هواه ويستعلي على نزوات الشيطان لينطلق من قيدها ساعيا إلى رحمة الله؟.

    إن خلق سرعة الفيئة من أول ما يطالعك في أول منازل الآخرة حيث تأتيك البشرى بالخير ويقول لك عملك : (أنا عملك الصالح، كنت والله سريعا في طاعة الله، بطيئا عن معصية الله؛ فجزاك الله خيرا) أو تأتيك البشرى بالشر ويقول لك عملك: ( أنا عملك الخبيث، كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعا في معصية الله؛ فجزاك الله شرا).

    فإذا أسأت فأحسن، وإذا أذنبت فاستغفر؛ لعل عملك يشهد لك بالسرعة في طاعة الله ، وإذا أخطأت في حق أحد فبادر بالاعتذار ، واستحضر قول بعض الأئمة frown emoticon لأن أكون ذنبا في الحق خير من أن أكون رأسا في الباطل).

    وفقنا الله والمسلمين لكل بر وخير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-07-2015, 10:01 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الأدب مع المخالف
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
    فيجب على الداعية المنصف أن يتأدب مع المخالفين، وأن يتسع صدره لانتقاداتهم، والتي قد لا تكون منصفة بدورها، فهم وإن عصوا الله -تعالى- فيه فلا يبرر ذلك أن نبادلهم معصية بأخرى.
    وقد بلغ الإنصاف بالإمام ابن تيمية -رحمه الله- أن اتسع صدره لمن كفّره وبدّعه وفسّقه، فيقول في كلام بديع:

    "وَأَنَا فِي سعَةِ صَدْرٍ لِمَنْ يُخَالِفُنِي، فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيَّ بِتَكْفِيرِ، أَوْ تَفْسِيقٍ، أَوْ افْتِرَاءٍ، أَوْ عَصَبِيَّةٍ جَاهِلِيَّةٍ؛ فَأَنَا لا أَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيهِن، بَلْ أَضْبُطُ مَا أَقُولُهُ وَأَفْعَلُهُ، وَأَزِنُهُ بِمِيزَانِ الْعَدْلِ، وَأَجْعَلُهُ مُؤْتَمًّا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ هُدًى لِلنَّاسِ حَاكِمًا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-:

    {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (البقرة:213)، وَقَالَ -تَعَالَى-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء:59)، وَقَالَ -تَعَالَى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد:25).
    وَذَلِكَ أَنَّك مَا جَزَيْت مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيك بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ: {إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (النحل:128)".

    ومن الأدب مع المخالفين: أن يتورع المسلم عن لمزه أو الإساءة إليه بأي صورة مِن الصور، ولا سيما إن كان ذلك يجره إلى التقول عليه بغير علم، أو رميه بما ليس فيه، فإن صفة المؤمنين هي أن ينزهوا أنفسهم عن الصيد في الماء العكر، واستغلال الفرص للإساءة للمخالفين.

    ويأتينا الدرس هنا مِن النساء، وقد اعتدنا في دنيا النساء على التخليط وترديد الإشاعات، والنيل مِن المخالفات عن طريق الغيبة، والوقوع في الأعراض، لكن هذا المثل السامق يكشف لنا عن طيب معدن المرأة المسلمة في موقف زينب بنت جحش -رضي الله عنها- مِن محنة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- الطاهرة المبرأة لما قيل في حقها ما هي بريئة منه، وكانت محنة للجميع، فها هي ذي عائشة الطيبة الطاهرة تُرمى في أعز ما تعتز به، ترمى في شرفها، وهي ابنة الصديق الناشئة في العش الطاهر الرفيع، وترمى في وفائها، وهي الحبيبة المدللة القريبة مِن ذلك القلب الكبير، ثم ترمى في إيمانها، وهي المسلمة الناشئة في حجر الإسلام، من أول يوم تفتحت عيناها فيه على الحياة، وهي زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

    ها هي ذي ترمى، وهي بريئة غافلة، لا تحتاط لشيء، ولا تتوقع شيئًا؛ فلا تجد ما يبرئها إلا أن ترجو في جناب الله، وتترقب أن يرى رسول الله رؤيا تبرئها مما رميت به، ولكن الوحي يتلبث ـ لحكمة يريدها الله ـ شهرًا كاملاً، وهي في مثل هذا العذاب.

    ولقد سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأنها قبل نزول القرآن ببراءتها، فكان ممن سألهم: زوجه السيدة زينب بنت جحش -رضي الله عنها-، فماذا كان ردها؟.

    قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ: "يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟". فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلا خَيْرًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ. (متفق عليه).

    وهكذا المؤمنون في غيرتهم أو خلافاتهم قوم أطهار يطلبون المعاذير، ويبعدون عن أنفسهم قول السوء وظن السوء، ويدركون حجم الأذى الذي قد تمثله كلمة في غير موضعها، ولذا قيل: "إن المؤمن لسانه من وراء قلبه، إن تكلم بكلمة مرت على قلبه، فإن أنكرها؛ تورع عنها، وإن أقرها؛ تكلم بها، والمنافق عكس ذلك يسعى بالسوء ويحب الإساءة".
    وهذا ما وصفه الله -تعالى- متوعدًا أولئك الذين يرمون الناس بما ليس فيهم فقال: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (النساء:112).

    وهذا ما قاله -أيضًا- الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- فيما ما صح في الحديث: "آيَةَ الْمُنافِق ثَلاثٌ: إِذا حَدَّثَ كَذَب، وَإِذا وَعَد أَخْلَفَ، وَإِذا اؤْتُمِنَ خَانَ". (متفق عليه)، وفي الحديث الآخر: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" (متفق عليه)، فهو فاجر في خصومته يرمي الآخرين بما ليس فيهم.

    ومن الأدب مع من يخالفك: عدم الإلزام بما لم يلتزمه المخالف، فمن الإنصاف: عدم تقويل الشخص ما لم يقله، أو إلزامه بما لم يلتزم به، وعدم تحميله ما لم يتحمله، وإزالة اللبس عن كلامه، وحمل كلامه على ما يريد، ولو استطاع أن يحمله على أحسن المحامل فذاك حسن.

    ونبراسنا في هذا: ما جاء في الحديث عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلاً، فَقَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ. فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَقَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلاحِ. قَالَ: "أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لا؟"، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ. (متفق عليه).

    فمن الإنصاف: أن لا نسيء الظن بغير بينة واضحة، بل يجب أن نكف في حال اللبس حتى تكون الصورة واضحة جلية، روي أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الشهادة، فقال له: "هل ترى الشمس؟". قال: نعم. قال: "على مثلها فاشهد أو دع" (رواه الحاكم والبيهقي، وضعفه الحافظ ابن حجر وغيره، وقال ابن حزم -رحمه الله-: لا يصح سنده، لكن معناه صحيح).
    يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه مِن الألفاظ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه مِن الألفاظ، ومَن رزقه الله بصيرة، فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل، ولا تغتر باللفظ".
    كما قيل في هذا المعنى:
    تـقـول هــذا جنى النـحل تمـدحـه وإن شـئت قلت ذا قيء الزنابـيـر

    مدحًا وذمًا وما جاوزت وصفهما والحـق قـد يعـتـريه سوء تعـبيـر

    فإذا أردتَ الاطلاع على كنه المعنى: هل هو حق أو باطل؟ فجرده من لباس العبارة، وجرد قلبك عن النفرة والميل، ثم أعط النظر حقه، ناظرًا بعين الإنصاف، ولا تكن ممن ينظر في مقالة أصحابه ومَن يحسن ظنه به نظرًا تامًا بكل قلبه، ثم ينظر في مقالة خصومه ومَن يسيء ظنه به كنظر الشزر والملاحظة؛ فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ، والناظر بعين المحبة عكسه، وما سلم مِن هذا إلا مَن أراد الله كرامته، وارتضاه لقبول الحق، وقد قيل:

    وعـيـن الرضا عـن كل عيب كـليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا

    وقال آخر:

    نظروا بعين عداوة لو أنها عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا

    ولهذا جاء في دعائه -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ". (رواه أحمد والنسائي وابن حبان، وصححه الألباني).

    ومن الأدب مع المخالف: الإنصاف في نقل الشبهات عن أهلها والرد عليها، ونقصد بذلك أن المسلم إن احتاج أن ينقل شبهة قد انتشرت واستشرت فلينقلها دون أن يُغفل بعض مواطنها؛ ليكون منصفًا، فإنه لا بد أن ينقلها بأمانة.
    وليعلم بأن على الحق نورًا، وأن عليه أن يبحث عن الحق، ويتعب نفسه في الاستقصاء للدفاع عنه، والقيام بما هو واجب عليه في الرد على الشبهات. أما في حال الخوف مِن عدم القدرة على أداء هذا الواجب كما ينبغي؛ فليُحل الأمر لغيره حتى لا يسيء مِن حيث لا يدري.

    وفي "القرآن الكريم" نفائس مِن الردود على المخالفين بعد نقل شبهاتهم، قال -تعالى-: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة:80)، من ذلك: قوله -تعالى-: {وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} (البقرة: 116)، وقوله -تعالى-: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (التوبة:81)، وقوله -تعالى-: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (فصلت:15).
    فَنَقـْل الشبهة حيث قالها صاحبها ثم الإتيان عليها بالرد المفحم كفيل بقطع كل حجة بكل أدب وإنصاف؛ فهلا كنا مِن المؤمنين الأطهار قولاً وفعلاً؟!.
    أسأل الله -تعالى- لنا جميعًا ذلك، آمين.
    ياسر عبد التواب
                  

09-08-2015, 01:27 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أسباب استمالة قلوب الناس
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
    سبحان الذي جمع قلوب المؤمنين على المودة، و جعلهم في توادهم كالجسد الواحد، ومن علامات الإيمان : مودة بعضهم لبعض، وهو -عز وجل- الذي ألف بين قلوبهم بإيمانهم به، {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}(الأنفال :62-63).

    فاجتمعوا وتآلفوا، ولم يكن هذا بسعي أحد ولا قوة أحد إلا الله -عز وجل-، فلا يقدر على تأليف القلوب إلا الله، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن الله إذا قارب بين القلوب، لم يزحزحها شيء.
    وهذه المودة التي جعلها الله -سبحانه وتعالى- في قلوب هؤلاء المؤمنين بسبب هذا الإيمان، كما أخبرهم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} (مريم:96).

    أي يلقي بينهم المحبة، فيحب بعضهم بعضا، فيتراحمون ويتعاطفون بما جعل الله في قلوبهم من هذه المحبة التابعة لمحبته، وأهل المعاصي والفسوق، إذا كان بينهم نوع مودةٍ فإنها سرعان ما تنقلب، وتستحيل إلى عداوة وكثيراً ما تكون في الدنيا قبل الآخرة، فهو معجّل.
    هذه المودة بين المؤمنين ليست لأجل نسبٍ ولا مال.

    إنا وإن لم يكن بيننا نسب *** فرتبة الودِ تعلو رتبة النسب

    هذه إذا تفكر فيها الإنسان وجدها من جذوة الإيمان

    ولَقَدْ صَحِبْتُ الناسَ ثُمَّ سَبَرْتُهُمْ *** وبَلَوْتُ ما وَصلُوا منَ الأسبابِ

    فإذا القَرابَةُ لا تُقَرِّبُ قاطِعاً *** وإذا المَوَدَّةُ أقربُ الأسبابِ

    وحرّم على النار كما قال -عليه الصلاة والسلام- : "حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ، لَيِّنٍ، سَهْلٍ، قَرِيبٍ مِنْ النَّاسِ"(أحمد وصححه الألباني) .
    وأخبر -صلى الله عليه وسلم- فقال : "الْمُؤْمِنُ آَلِفٌ مَأْلُوفٌ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ " وحسنه في الصحيحة (427) .
    قال ميمون بن مهران: " التودد إلى الناس نصف العقل ".

    الأسباب الشرعية في تحصيل المحبة وكسب القلوب

    ولهذه المودة أسباب، ولها طرق في تحصيلها بالإضافة إلى توفيق الله -عز وجل- وأساس الإيمان الذي بنيت عليه .
    وقد كثرت الدورات النفسية التي تطل على الناس بمدربين وكتاب، ومعاهد ودورات، كيف تصبح محبوباً، كيف تكون رجل علاقات ناجحاً، كيف تكون جذاباً، كيف تكسب مودة الآخرين، وغفل كثير من هؤلاء المدربين والمتدربين عن الأسباب التي وردت في الشرع في تحصيل المحبة وكسب القلوب، وأساس القضية يا عباد الله كما تقدم ويوضحه حديث جبريل، قال -عليه الصلاة والسلام- : "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ. قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ"متفق عليه، واللفظ لمسلم.

    هذه المحبة التي جعلها الله في قلوب الناس لهذا المؤمن الذي اقترب من ربه فأحبه، هذه المودة الموعود بها، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} (مريم:96).إنها مشاهدة في القديم والحديث، قال سهيل بن أبي صالح – رحمه الله - : كنت مع أبي في يوم عرفة، فوقفنا لننظر إلى عمر بن عبد العزيز، وكان أمير الحج وقائد الناس في الموسم.
    فقلت: يا أبتاه، والله إني لأرى اللهَ يُحِبُّ عمرَ.
    قال : بمَ ؟
    قلت : لما أُراه دَخلَ له في قلوب الناس من المودة، وأنت سمعت أبا هريرة -سهيل بن أبي صالح يحدث عن أبيه عن أبي هريرة ويقول لأبيه الحديث الذي حدثه به - يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه.." . سير أعلام النبلاء (5 / 119).

    ولذلك لا بد في تحصيل محبة الناس من العودة إلى الأصل، واتباع الأسباب الإيمانية الجالبة لذلك ومنها متابعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}(آل عمران: من الآية31). فإذا أحبكم الله نادى جبريل فنادى أهل السماء فتوضع المحبة في الأرض، فيجتمع عليك الناس يا عبد الله وتلقى محبتك في قلوبهم.

    فهم بسلطان التقى اتخـــ ـذوا قلوب الناس جندا

    وعن زيد بن أسلم قال: " كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا ". الدر المنثور (1/534).
    وعن قتادة أن هرم بن حيان كان يقول: " ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم ". الزهد الكبير للبيهقي (2 / 313).

    وسائل استمالة القلوب وكسب محبة الناس

    1.الزهد في الدنيا

    ومن وسائل استمالة القلوب وكسب محبة الناس الزهد في الدنيا، وقد جاء رجل كان له همّ في هذا الجانب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ.
    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ".رواه ابن ماجه (4102) وحسنه النووي، وصححه الألباني.

    فمن سأل الناس ما بأيديهم كرهوه وأبغضوه لأن المال محبوب للناس، فإذا نازعتهم في محبوبهم حصل ما حصل من النفرة، فإذا استغنيت عن ما في أيديهم اجتمعوا عليك وأقبلوا.
    قال أعرابيٌّ لأهل البصرة : من سيِّدُ أهل هذه القرية ؟
    قالوا : الحسن .
    قال : بم سادهم ؟
    قالوا: احتاجَ الناسُ إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم.

    وكتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه: " أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله، والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم، والسلام ".شعب الإيمان(7 / 381).

    2.إفشاء السلام

    ومن وسائل استمالة القلوب الشرعية: إفشاء السلام، ولذلك قال -عليه الصلاة والسلام- "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ: أَفْشُوا ( إفشاء، إعلان، إشهار، نشر، إكثار، ممارسة عملية، باستمرار ) السَّلَامَ بَيْنَكُمْ".رواه مسلم (54) .
    إنه يغرس المحبة، ويزيل العداوة،
    قال الحسن البصري : " المصافحة تزيد في المودة".
    قال بعض السلف : ( تَصَافَحُوا يَذْهَبُ الْغِلُّ ).

    وقال إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري: خرَجتْ لأبي جائزته [ من الخليفة، من بيت المال ]، فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته – يدون الأسماء، لأن توزيع ما يأتي من الرزق كان من سنن السلف -، ففعلتُ.
    فقال لي: تَذَكَّر، هل بقي أحد أغفلناه.
    قلت: لا .
    قال: بلى، رجل لقيني فسلم علي سلاماً جميلاً، صفته كذا وكذا، اكتب له عشرة دنانير.مكارم الأخلاق صـ 113.

    3.الابتسامة وطلاقة الوجه

    من وسائل استمالة القلوب الابتسامة والبشاشة وطلاقة الوجه، وهذا الذي أخبر به -عليه الصلاة والسلام- بقوله : "لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ".(رواه مسلم).
    إن نور الوجه حين يبتسم يجعل القلب أسيراً في رضاه، وهذه الابتسامة طيبة، كلمة من غير حروف، لا تكلف كثيراً لكنها تعني الكثير.

    4.الزيارة في الله

    ومن وسائل استمالة القلوب الشرعية الزيارة في الله: وقد كان من هديه -عليه الصلاة والسلام- أن يزور أصحابه.
    إن أردتم من صديق *** وصل ودٍّ أو قراره

    فـعــليــكــم بـالـزيارة *** تارة من بعد تارة

    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا. فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ. قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟. [ أَيْ تَقُوم بِإِصْلَاحِهَا , وَتَنْهَض إِلَيْهِ بِسَبَبِها، علاقة مالية ].
    قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ".رواه مسلم (2567).
    مَنْ زَارَ غِبًّا أَخًا دَامَتْ مَوَدَّتُهُ *** وَكَانَ ذَاكَ صَلَاحًا لِلْخَلِيلَيْنِ

    5.الإحسان إلى الناس

    ومن الوسائل أيضاً الإحسان إلى الناس وقضاء حوائجهم، فقد جبلت القلوب على الميل لمن أحسن إليها، وقال عمر بن الخطاب لسعيد بن عامر [ وكان واليا على الشام ]: ما لأهل الشام يحبونك.
    فقال : لأني أعاونهم وأواسيهم . المستدرك على الصحيحين (4 / 441).
    والإحسان إلى الناس ليس فقط طريقاً لمحبتهم، وإنما هو أيضاً محبة الله لهذا المحسن، "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ للناس".حسنه الألباني. {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(البقرة : 195).
    فهذا السخاء يأسر القلوب ..

    عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ. رواه الترمذي (666) وصححه الألباني.
    وقال الحسن: " مَنْ بَذلَ دِرهَمَهُ أحبهُ الناسُ طَوْعاً وكَرْهاً ". محاضرات الأدباء (1 / 296) .

    ثم إدخال السرور عليهم، مما يجمعهم عليك، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، وهذه عبادة، ولو كانت بطرفة تفرج به عن أساريره إذ اجتمعت عليه أسباب الكرب وغموم الدنيا .

    وأما إطعام الطعام ودعوة الناس إليه، فإنه أيضاً مما يجعل ما بينهم محبة لمن أطعمهم، يجعل فيهم محبة لمن أطعمهم، وإهدائهم له إثر عجيب، فلذلك قال : "تهادوا تحابوا". حسنه الألباني.
    وعن أنس قال: " يا بني! تبادلوا بينكم -يعني الهدايا- ؛ فإنه أودّ لما بينكم". صحيح الأدب المفرد..
    فهي تسل السخيمة, وتجلب المودة، وتزرع المحبة، وتنفي الضغينة, وتصّير البعيد قريباً، والعدو صديقاً، والبغيض ولياً، والثقيل خفيفاً.

    ثلاث تكسبك محبة الناس: التواضع, والإهداء, والإصغاء.
    وحفظ الجوار أيضاً، فإنك إذا بذلت له ما بذلت، وعدته في مرضه، وعزيته في مصيبته، وهنأته في فرحته، وصفحت عن زلته، وسترت عورته، فإنه يحبك بلا ريب.

    ثم إن الثناء على الناس بالحق يستجلب القلوب أيضاً، وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يثني على أصحابه بالحق، ليلفت أنظار الآخرين ما تميز به فلان وفلان.
    قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ بِشْرٍ بن الحارث, فَذَكَرُوهُ – يعني ذكروا أحمد بن حنبل في مجلس بشرٍ - فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِشْرٌ، وَقَالَ: لَا يَنْسَى اللَّهُ لِأَحْمَدَ صَنِيعَهُ، ثَبَتَ وَثَبَتْنَا، وَلَوْلَاهُ لَهَلَكْنَا.
    قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَجْهُ أَبِي يَتَهَلَّلُ.
    فَقُلْت: يَا أَبَتِ أَلَيْسَ تَكْرَهُ الْمَدْحَ فِي الْوَجْهِ؟
    فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّمَا ذُكِرْت عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَمَا كَانَ مِنِّي فَحَمِدَ صَنِيعِي، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ)).الآداب الشرعية (4/149). [ والحديث صححه الألباني في الصحيحة].

    فإذاً مدحه بالحق، وكانت شهادة بغير طلب، وليست كما يفعل اليوم من طلب المدح واستجلابه بالمال، وشهادة زور تقال في أبيات لا تغني عند الله شيئاً، ولذلك قال: احثوا في وجوه المدّاحين التراب. فهذا المدح بالباطل، الذي جعل الشاعر فيه بضاعته المدح، يستأكلون به الممدوحين، فأما المدح بالحق دون طلبٍ تأتي شهادة يجريها الله على ألسن عباده بالثناء على صلاح أحد من الصالحين، أو معروفه، فهذه شهادة بالحق ومن عاجل بشرى المؤمن، ((أنتم شهداء الله في الأرض)).

    ثم الدعاء بالشكر، إذا قصرت يداك بالمكافأة فليطل لسانك بالشكر والدعاء، وحسن الكلام والكلمة الطيبة، له أثر في تأليف القلوب واستجلاب المحبة، كسبت مطلقة زوجها مرة أخرى بحلاوة منطقها وطيب خلقها، فقد طلق الحسن بن علي امرأتين – رضي الله عنه ورحمه - قرشية وجعفية وبعث إلى كل واحدة منهما عشرين ألفاً.

    وقال للرسول: احفظ ما تقول كل واحدة منهما , فقالت القرشية: جزاه الله خيراً, وقالت الجعفية: متاع قليل من حبيب مفارق- كل هذا المال بجانب المفارقة قليل، فهو أثمن من المال،ـ فهي لا زالت تحبه مع أنها فارقها- فأعجبه قولها، وراجعها.

    وقال أحد الصالحين: " لا يكسب محبة الناس في هذا الزمان إلا رجل خفيف المؤونة عليهم، وأحسَنَ القولَ فيهم، وأطابَ العشرة معهم ". حلية الأولياء (9 / 376).
    كم تأتي هذه الكلمة الطيبة بحسناتٍ تجمع القلوب، وتسوي صفوفاً قد تمزقت، وتزيل أحقاداً في نفوسٍ قد اجتمعت .
    وحسن الإصغاء كذلك، " كان -عليه الصلاة والسلام- إذا حدث أحد التفت إليه بوجهه وأصغى إليه، ولا يقطع عليه كلامه .
    من لي بإنسان إذا أغضبته *** وجهلتُ كان الحلمُ ردَ جوابه

    وتراه يصغي للحديث *** بطرفه وبقلبه، ولعله أدرى به

    الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجدّ، وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله أشهد أنه رسول الله، والداعي إلى سبيله، أرسله الله رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً، بين يدي الساعة وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صل وسلم عليه وبارك عليه، وعلى أصحابه، وآله وخلفائه، وأزواجه، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين يا رب العالمين.
    تكلمنا في مقال سابق عن خمسة أسباب لكسب القلوب واستمالتها، وفي هذا المقال نكمل ما بدأنا الحديث عنه من هذه الأسباب، وهي:

    6.إظهار التوقير للناس وإنزالهم منازلهم

    فإظهار التوقير والاحترام للناس، وإنزال الناس منازلهم كذلك مما يجمع المحبة في القلب لهذا الذي أعطي الفخرالذي في نفسه ، وقد استعمل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا مع سادات الجاهلية كالأقرع بن حابس، وأبي سفيان، وعيينة بن حصن، وثمامة بن أثال...وهكذا فأسلموا ودخلوا في الدين، يدخل عليه هذا فيكرمه ويبسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي عنده، و يقول : "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن".

    إنزال الناس منازلهم، وإشباع ما في نفوسهم من أمورٍ لا تتعارض مع الشرع، بل هي من المداراة، و"إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم"، ورحمة الصغير، ومراعاة الطبائع، مراعاة الطبائع تستجلب المحبة، وقد قسم الله الأخلاق كما قسم الأرزاق، فمن الناس من هو هيّن ليّن يترقرق البشر من وجهه، ومنه من هو فظّ صعب المراس كأنما قُدّ وقطع من صخر، ومنهم من هو مبتغي بين ذلك سبيلا، قال -عليه الصلاة والسلام- "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ مِنْهُمْ الْأَحْمَرُ، وَالْأَبْيَضُ، وَالْأَسْوَدُ،- هذه ألوان الطين والتراب في العالم، جاء منها البشر، لكن أليس من الأرض صخرية ورملية وطينية تمسك ولا تمسك، وتخضر وقاحلة- مجدبة - وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ".أبو داود (4693), وصححه الألباني.
    يعني كذلك نفوس الناس الذين خلقوا من هذه القبضة التي هي من جميع الأرض جاءت نفوسهم بحسب طبائع هذه التربة التي خلقوا منها .

    وبهذه يعلم أن معاملة الناس على حسب طبائعهم سنّة نبوية تستجلب القلوب، وقد عامل النبي -عليه الصلاة والسلام- أصنافاً من البشر كانت في نفوسهم صعوبات، وكانت فيها مشاكسات، وفي بعضهم شّدة وغلظة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ –هذه تصلح للإهداء للنساء، في عطايا النساء، وتعطى للرجال ليعطوها نساءهم -، فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِداً لِمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَامَ عَلَى الْبَاب.

    فَقَالَ: ادْعُهُ لِي، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ فَأَخَذَ قَبَاءً فَتَلَقَّاهُ بِهِ وَاسْتَقْبَلَهُ بِأَزْرَارِهِ فَقَالَ:"يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ"، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ. البخاري (6132) .
    فهذه ملاطفة وعطية وحسن استقبالٍ به تزول الشّدة، وتستصلح النفوس .

    7.المدارة

    عباد الله، علمنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- مداراة الناس، وهذه التي تجعل العدو ولياً حميما، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: "بئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ". – هذه فعلاً صفته من الذم -.
    فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ – يعني لما دخل وجلس إليك اختلف الكلام عن التعليق عليه قبل أن يدخل عليك - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ"البخاري (5572).
    هذه المداراة لهؤلاء العتاة، من الذي يريد هدايتهم مهمة لجلبهم إلى طريق الحق.

    لم يتنازل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيءٍ من الدين، لم يقل عن باطلٍ إنه حق، أو عن حق إنه باطل، لم يغير الأحكام الشرعية من أجل هذا الرجل ولا من أجل غيره، المداراة شيء والمداهنة شيء آخر، المداراة لين الكلام، بشاشة الوجه، هدية، لأجل استمالة هؤلاء الأعداء، وهؤلاء العصاة، أما المداهنة فهي الثناء عليه بالباطل، وقول الباطل بين يديه ونحو ذلك، وأن الناس يحبون المتواضع وصاحب لين الجانب، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(المائدة: من الآية54). {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران: من الآية159).

    فاللين هو الذي جمعهم عليه إذاً، وهذا التواضع أيضاً، وعندما تستقبل أخاك فتوسع له في المجلس، المزدحم لا يجد مكانا يجلس فيه، وتدعوه بأحب الأسماء إليه، فإنه لا ينسى لك هذا المعروف، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " ثلاثة لا أُكافئهم – لا أستطيع أن أقابلهم في معروفهم -، رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إليّ يريد السلام عليّ ".
    أنا الذي يكون اسمي عالياً*** بين البوادي ظاهراً وبادياً

    فاحفظ ودادي أيها المناديا *** إن كنت تريد مني وداديا

    وهكذا يتودد الإنسان إلى هؤلاء الإخوان بما يستجلب قلوبهم، واجتماع قلوب المؤمنين من مقاصد الشريعة لأن الشريعة تريد أن يكون المجتمع الإسلامي متآلفاً مجتمعاً، وأن يكون يداً واحدة ولذلك فإن استعمال هذه الأسباب الشرعية عظيم جداً، ومنه السماحة في المعاملة . "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى". البخاري (2076).

    يعني طالب بحقه وطالب بدينه، وهكذا التنازل عن الحقوق، وهكذا أيضاً العفو والصفح، ولا تستوي الحسنة {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت: من الآية34).
    فإذا قطعوك صلهم، وإذا أساءوا إليك فأحسن إليهم، وإذا ظلموك فاعف عنهم، وإذا اشتدوا عليك فعاملهم باللين، وإذا هجروك فاقترب منهم، طيب الكلام مع بذل السلام، مع الدعوة للطعام، تأتي بالنتائج العظام، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(آل عمران: من الآية134)، وكان بين حسن بن الحسن، وبين ابن عمه علي بن الحسين شيء من الخصومة، فما ترك حسن شيئاً إلا قاله ( يعني من السب والشتم )، وعلي ساكت، فذهب حسن، فلما كان في الليل، أتاه علي بن الحسين فقال له: يا ابن عمي إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا، فغفر الله لك، والسلام عليك.
    فالتزمه حسن، وبكى حتى رُثي له . سير أعلام النبلاء (4 / 397).

    وقال معاوية: يا بني أمية فارقوا قريشا بالحلم، فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما، وأوسعه حلما، فأرجع وهو لي صديق، إن استنجدته أنجدني، وأثور به فيثور معي، وما وَضع الحلم عن شريف شرفه ولا زاده إلا كرما .

    8.حسن السمت واللباس

    وممن يستجلب مودة القلوب أيضاً حسن السمت وحسن اللباس وطيب الرائحة، “إن الله جميل يحب الجمال” مسلم.
    وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: " إنه ليعجبني الشاب الناسك، نظيف الثوب، طيب الريح".
    فكيف بمن يأتي بيت الله بثوب النوم دون أدنى إزالة بما علق به، من بعد قيامه من النوم .

    وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: " ما رأيت أحداً أنظف ثوبا، ولا أشد تعهدا لنفسه، وشاربه، وشعر رأسه، وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا، وأشده بياضا، من أحمد بن حنبل".
    وقد قال تعالى عن موسى عليه السلام: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}(طه:39) هناك محبة يلقيها الله، وهناك أسباب تكملها، وهذه المحبة التي يلقيها الله -عز وجل- فضلاً ونعمة منه لكن أساسها الإيمان، وإرضاء الله -عز وجل- ثم لا يضرك يا عبد الله أن تعلن محبتك لأخيك المسلم إن كنت صادقاً لأن ذلك مما يزيدها شدة، قال -عليه الصلاة والسلام- :"إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ إِيَّاهُ" رواه الترمذي (3314) وصححه في صحيح الجامع.

    وزاد في رواية مرسلة: “فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة”، وترك المراء ومجادلة الناس للتغلب عليهم وإظهار عوارهم في النقاش، وفضح موقفهم، ترك هذا المراء أيضاً مما يزيل النفرة ويبعدها، ويستجلب المودة، لأن المراء يقسي القلب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- علمنا في الجملة من محاسن الأخلاق وطيب المعاشرة، واللطافة والزهد، ولين الجانب، ما نستجلب به قلوب من نعاشرهم، والإنسان اجتماعي بطبعه لا بد من أناس يعاشرهم، في البيت في المكتب، أقارب، في حضر في سفر . وقد أوصى أحد السلف ابنه فقال له:

    " يا بني، إن أباك قد فني وهو حي، وعاش حتى سئم العيش، وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته.
    فاحفظ عني:

    ألن جانبك لقومك يحبوك، وتواضع لهم يرفعوك، وابسط لهم وجهك يطيعوك، ولا تستأثر عليهم بشيء يسودوك، وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودتك صغارهم، واسمح بمالك، واحم حريمك، وأعزز جارك، وأعن من استعان بك، وأكرم ضيفك، وأسرع النهضة في الصريخ - الإغاثة -، فإن لك أجلاً لا يعدوك، وصن وجهك عن مسألة أحد شيئاً، فبذلك يتم سؤددك. جمهرة خطب العرب(1 / 120).

    عباد الله، من الناس من يحاول أن يستميل القلوب بوسائل محرمة، كالسحر ومنه الصرف والعطف، وكالرشوة، وكالظلم إرضاء لمن يريد استمالته، فيظلم آخرين من أجله، المدح الكاذب والنفاق، والثناء بغير حق، الإسراف في الولائم من أجله، النميمة له ليتقرب إليه ويتحبب على حساب من نّم عنهم وظلمهم، السكوت عن منكراتهم.
    كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ.

    فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ" وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ . رواه الترمذي وصححه الألباني.
    أيها الناس:إرضاء الله ثم إرضاء الله ثم إرضاء الله .

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

    الشيخ محمد صالح المنجد
                  

09-08-2015, 01:29 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إنما كانت الفضائل فضائل بالعمل بها لا بالعلم بها، وماذا يفيد العلم بأن الصدق خير إذا لم يعمل به؟ وماذا يفيد التحدث عن فضيلة الإيثارِ، وامتداحُها، والحضُّ عليها من أعلى المنابر وأفخمها، إذا لم تكن هذه الفضيلة مما يتبارى فيه مادحُها والممدوحةُ له؟.

    وأقدرُ أمم الأرض على العمل بالفضائل الأمة التي تعمل بها عن سجية متوارثة، لا عن تكلف وتظاهر وتقليد، وقديماً كانت العرب تقول:

    ومن يبتدع خُلُقا غير خُلُق نفسه يدعْه وترجعْه إليه الرواجعُ

    وإنما استطاع الإسلام أن يثب وثبته الأولى التي لا يزال المؤرخون حائرين في تعليلها، ويعدونها من معجزات التاريخ؛ إذ لم يرَ التاريخ نظيراً لها فيما تقدمها ولا فيما جاء بعدها- لأن الله عز وجل اختار لحمل رسالة الإسلام أمة يُعدُّ الكثيرُ من فضائل الإسلام في جملة سجاياها المتوارثة، وأخلاقها التي طبعت عليها.

    وقد جاء الإسلام لينظم هذه الفضائل، وليركز توجيهها إلى الخير، فيبعث فيها نوراً خالداً، وخيراً باقياً إلى أن تشيع معانيها في الأمم الأخرى؛ فتدخل الإنسانية في طور السعادة التي تنشدها ولا تجدها.
    وإنما كانت لا تجدها؛ لأنها لا تريد أن تسلك إليها طريقها الذي لا طريق إلى السعادة سواه.

    من هذه الفضائل فضيلة الإيثار، وهي فضيلة تتحدث عنها الأمم جميعاً في كتب الأخلاق والفضائل، وتعدها من صفات الإنسانية الممتازة.

    ولكنها قَلَّما تستطيع أن تضرب الأمثال العملية والتاريخية على الاتصاف بها إلا في توافه الأمور.

    أما في المواقف الجُلَّى، وعندما يتناول الإيثار أفضل ما في الحياة- ولو كان الحياة نفسها- فقلما نجد التاريخ يتحدث عن ذلك إلا بلغة العرب، في تاريخ العرب، عن رجال العرب الذين اختارهم الله لحمل أمانة الإسلام، والتبشير برسالته.

    كان فِتْيان من فِتْيان بني إياد قد خرجوا من منازلهم في شواطئ نهر سنداد ...وراء نجران الكوفة، وعلى رأسهم الفتى كعب ابن سيدهم وأميرهم مامة بن عمرو بن ثعلبة بن سلولة بن شبابة الإيادي.

    والظاهر أنهم أوغلوا في البادية؛ فضلوا الطريق، ولم يكن معهم إلا بعض الماء، فلما أشرفوا على الهلاك، نزلوا، فجمعوا ما في أسقيتهم من الماء.

    واقتسموه على السوية؛ لئلا يكون مع أحدٍ منهم أقلُّ من الذي مع غيره.

    وفيما هم سائرون يلتمسون الطريق شَرِبَ الفتيانُ نصيبهم من الماء، واستبقى رئيسهم كعب بن مامة نصيبه لساعة الشدة.

    ولما حانت تلك الساعة العصيبة لقيهم أعرابي من بني النمر بن قاسط، فصحبهم، وكان النمريُّ قد اشتد به الظمأ يومه ذاك؛ فجعل ينظر إلى سقاء الأمير الشاب، وفيه تلك البقية من الماء، التي تتوقف عليها حياة مَنْ يَتَبَلَّغ بها، فلحظه كعب، وأدرك أن موقفه من هذا النمري هو الموقف الذي اعتاد العربي أن يشتري فيه فضيلةَ الإيثار، ولو بالحياة كلها، حتى لو كانت حياةَ أمير نبيل، وصاحب شرف أثيل؛ لأنه الموقف الذي يبرهن فيه العربي على كريم معدنه، وأصالة شرفه؛ فآثر كعب بن مامة ضيفه النمري ببقية الماء، التي لم يبق غيرها مع القوم جميعاً في تلك المفازة، ورضيَ لنفسه أن يواجه الموت ظمأً.

    ومثل هذه الحادثة الخلقية يرى فيها العربي معنيين من معاني حياته الاجتماعية:

    أحدهما: معنى الإيثار الذي ندير الكلام حوله، وهو يكون بين العربي وصاحبه كائناً من كان.

    والمعنى الآخر: معنى الضيافة للنازل الطارئ، كهذا الرجل النمري الذي لقي الشبان الإياديين في الطريق، ولم يكن معهم من قبل.
    وإمدادُ الضيف بما يحتاج إليه- ولا سيما الغذاء والماء- يعدُّ في دستور العرب حقًّا لا كرماً.

    ولما طال الأمر على الإياديين، وهم يسيرون في طلب الماء، اشتد الظمأ على كعب، وَشعُر بأنه لم تبق معه قوةٌ على السير معهم؛ فجعل أصحابه يعللونه بالأمل، ويقولون له: يا كعب، هذا الماء قريب منا، وسَنَرِدُ عليه عن قليل.

    لكنه قد بلغ من الإعياء كل مبلغ؛ فمات عطشاً، فلما وصلوا إلى قصر أبيه على شاطئ سنداد أخبروه بما كان منه، وبإيثاره النمريَّ على نفسه بما بقي معه من الماء، فقال أبوه يرثيه:

    أوفى على الماء كعبٌ ثم قيل لـه رِدْ كعبُ إنك واردٌ فما وردا

    ما كان من سوقة أسقى على ظمأ خمرا بماء إذا ناجودُها بردا

    من ابـن مـامــة كعبٍ ثـم عَـيّ بـه ذوو الحوادث إلا حرة وقدا

    ... إن العارفين بمعنى الزهد على حقيقته كانوا إذا وصفوا أهله قالوا: ليس الزهد أن يكون المرء فقيراً محروماً فيزعم أنه زاهد، ولكن الزهد أن يملك الرجل أقطار الأرض المعمورة في آسيا وأفريقية إلى أقصى بلاد أسبانيا والبرتغال من أوربا، ثم يزهد بكل ما تحت يده من نعيمها ومتعتها، كما فعل سيد الأرض وملك الشرق والمغرب عمر بن عبد العزيز.

    ولا يكتفي عظيم الدنيا بهذا بل يسترضي زوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان وكان أمير المؤمنين، وأخت هشام والوليد وسليمان ويزيد وكانوا كلهم أمراء المؤمنين، فيأخذ منها حليها التي كانت من أثمن ما يتوارثه الملوك، ويردها إلى بيت مال المسلمين؛ إيثاراً منه لإخوانه في الدين على نفسه وزوجه وولده، وزهداً منه في حطام الدنيا وألاعيبها الصبيانية، ويعيش في بيته مع أسرته- وهو خليفة الأرض- عيشَة الشَّظَف والزهد والقناعة بأقل ما تقوم به الحياة.

    وإنما استطاع عمر بن عبد العزيز بن مروان أن يفعل هذا بفضيلة الإيثار التي آمن بها في جملة ما آمن به من فضائل الإسلام، وكان لهذه الفضيلة في مجرى الدماء من شرايينه ميراثٌ معدودٌ من سجايا العرب؛ فاستطاع- بما جمع من إيمان دينه إلى سجايا أصله- أن يضرب للدنيا مثلاً في الزهد والإيثار، قلما يستطيع أن يضربه للناس أحد ممن بلغ مبلغه في سعة الملك، وقدرة التصرف بأكثر ما على وجه الأرض من ثروة ومتعة ونعيم...

    فأنت ترى أن سجية الإيثار والتضحية بالنفائس سجيةٌ جبل عليها العربي منذ كان ابن الصحاري والأودية والجبال، فتجلت في تصرُّف الأمير كعب بن مامة الإيادي عندما آثر على نفسه ذلك الأعرابي من بني النمر بن قاسط بالماء، بل بالحياة.

    ثم هذَّب الإسلام هذه السجيَّة الممتازة، ونظمها، وركز توجيهها إلى الخير الأعلى؛ فتجلت في تصرف سيد آخر من سادات العرب المتشبعين بالإسلام إلى أقصى مداه، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي، فضرب للتاريخ مثلاً لمن يحوز الدنيا بحذافيرها، ويقبض عليها بجميع ما في يد العربي القوي من أعصاب متينة، ويزهد- مع ذلك- بجميع ما استحوذ عليه من متع الدنيا ونعيمها.

    وروى رجال دولته- أمثال المهاجر بن يزيد ومحمد بن قيس- أن فقراء البيوت المستورة، الذين كانت تصرف لهم الصدقات من بيت مال المسلمين- أَثْرَوا في عهده، فصاروا هم يدفعون الزكاة عن أموالهم لبيت المال، وراح المزكون يبحثون عمن يستحق الزكاة؛ ليدفعوا إليه زكاتهم فلا يجدونه.

    روى أبو محمد عبدالله بن الحكم المصري (214هـ) عن يحيى بن سعيد قال: بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية، فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد فقيراً، ولم نجد من يأخذها مني، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فاشتريت بها رقاباً، فأعتقتهم، وولاؤهم للمسلمين.

    هذا وعمر نفسه- وهو أمير المؤمنين- لم يكن له في بيته غير الثوب الذي على بدنه، فإذا أراد غسله انتظر حتى يجف، فيعود إلى لبسه، ويخرج به إلى الناس.

    وروى معاصرُه سعيدُ بنُ سويد أن رجلاً من القوم لم يطق الصبرعلى هذا الحال فقال لعمر: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعطاك، فلو لبست وصنعت!
    فنكس عمر رأسه مليَّاً حتى عرفنا أنَّ ذلك قد أساءه، ثم رفع رأسه وقال: إنَّ أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند القدرة.

    وزوجته الثرِيَّةُ النبيلةُ التي كانت زوجة خليفة، وبنت خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء، كانت راضية بعيشة الشظف مع زوجها بطيب نفس، وعظيم اطمئنان؛ لأنها هي أيضاً تنزع بِعِرْقٍ شريف إلى ذلك الأصل العظيم، الذي كان الإيثار سجية فيهم، زادها الإسلام تهذيباً.

    وقد حدَّثْتك بأن حُلِيَّها الثمينةَ النادرَة التي جاءت بها من بيت أبيها أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان جرَّدها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من يديها وعنقها وأذنيها برضًا منها، ووضعها في بيت مال المسلمين؛ فلما كان بعد زمن طويل من وفاة زوجها عمر بن عبد العزيز بن مروان، وولاية أخيها الثالث يزيد بن عبد الملك بن مروان قال لها أخوها الخليفة:

    إن حُليَّك الذي وضعت في بيت المال، هي من مالك الحلال، ولا تزال محفوظة بعينها كما كانت، فهل تحبين أن أردها عليك؟

    فأجابته: إنَّ أمير المؤمنين عمر قد استحسن أن تكون هذه الأشياء حيث هي الآن، وأنا قد وافقته على ما استحسن، وما كنت لأطيعه حيًّا وأعصيه ميتاً.

    قالت هذا وهي وأولادها وبناتها أحوج الناس إلى هذه الحلي؛ لأن ما كان يملكه عمر بن عبد العزيز من ضياع وأملاك رده على بيت المال في الأسبوع الأول من خلافته، ومزَّق حجج ملكيته، وهو على منبر مسجد بني أمية بدمشق، على ملأ من ألوف الأعيان والأمراء ووجهاء الناس.

    وأرادت زوجته من بعده أن لا تكون أقل منه إيثاراً وتضحية، فاختارت أن تبقي عنقها وأذنيها ويديها عاطلة من تلك الحلي والحلال، ولو كانت أخت الخليفة يزيد بن عبد الملك.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (مع الرعيل الأول) لمحب الدين الخطيب

                  

09-08-2015, 01:31 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    ذم الانتقام
    إن طِيب النفسِ، وحُسن الظنِّ بالآخرين، وقَبول الاعتذار، وإقالَة العَثرة، وكظم الغيظ، والعدل في النَّصَف أو العقوبة، كلها معاييرُ نقاءٍ وصفاءٍ، وعلاماتٌ للنفسِ الراقيةِ المُتشبِّثةِ بهديِ الإسلام الراقِي في التعامُل مع النفس ومع الآخرين.
    ومتى ما خرجَ الانتصارُ للنفسِ ممن أخطأَ في حقِّها أو ظلمَها عن تلك الصور والمعايير؛ فإنه الولوجُ في دائرة حبِّ الانتقامِ، ولا شكَّ.

    وإذا اصطبَغَت النفسُ بحبِّ الانتقام ووقعَت في شباكه؛ فإن الغِلظةَ والجَبَروت والبطشَ والإسرافَ والحَيف هي العلاماتُ البارِزةُ التي تحكُمُ شخصيةَ المرءِ الذي سيُشارُ إليه بالبَنَان على أنه رمزُ الظلمِ والنَّذَالة والوحشيَّة؛ لأن المعروفَ عن الانتقام أنه إنزالُ العقوبةِ مصحوبةً بكراهيةٍ تصِلُ إلى حدِّ السَّخَط والحقد والإسرافِ في العقوبة، الذي يُفرِزُه جنونُ العظمة وحبُّ القهر، كما قال فرعون: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} [غافر: 29]، وكما جاء عن قوم عاد: {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15].

    الانتقامُ يُذكَرُ غالبًا في معرِضِ الذمِّ؛ لكونه مقرونًا بالقسوةِ والغِلظةِ وموت الضمير، وعامةُ الناسِ لا يعرِفون منه إلا هذا المعنى.

    وعندما حضَّنا الإسلامُ على العفوِ والتسامُحِ وكظمِ الغيظِ لم يُرِد لنا أن نكون ضُعفاء ولا جُبَناء، ولا أن يغرِسَ في نفوسِنا الذِّلَّةَ والهَوَان، كلا؛ فإنما أرشدَنا إلى ذلكم ليُبيِّن لنا أن اللِّينَ والسماحَة هُما أفضلُ وسيلةٍ لاستلالِ الكُرْهِ من قلبِ من أساءَ إلينا.

    ولذا فإن الانتقامَ مع ما فيه من القسوة والجبَروت فإنما هو علامةُ ضعفٍ لا قوةٍ، والضعفُ هنا يكمُنُ في أن الغِلظةَ والتشفِّي لهُما السيطرةُ في قلبِ المُنتقِم على التسامُح والاعتِدال، فمن هُنا صارَ المُنتقِمُ ضعيفًا؛ لأن سجِيَّة الشرِّ والحُمق والهوى هي الغالبةُ أمام نَزوَته ورغبته، وهذا سببُ الضعفِ لدى المُنتقِم؛ لأن التشفِّي طرفٌ من العَجزِ ليس بينه وبين الظالمِ إلا سترٌ رقيقٌ وحجابٌ ضعيفٌ.

    ولقد كان من أميَز سِمات النبي صلى الله عليه وسلم أنه بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ، وأن رِسالتَه إنما هي رحمةٌ للعالمين، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وهذه الرحمةُ والشَّفَقةُ واللِّينُ التي أزهَرَت في فُؤاد النبي صلى الله عليه وسلم هي ما جعلَتْه يتلقَّى الثناءَ من العليِّ الأعلى من فوق سبعِ سمواتٍ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

    ومن هنا نُدرِكُ أن المُنتقِمَ ـ غالبا ـ كالأعمَى، لا يُدرِكُ ولا يُحِسُّ إلا بنفسه، وإذا كان كذلك فإنه ليس أهلاً للعدل ولا للإنصافِ؛ لأن همَّتَه في تحقيق هدفه وشفاءِ غيظه، ليس إلا، فهو عدوُّ عقله؛ لأنه يشينُ حُسنَ الظَّفَر فيقبُحُ بالانتِقام دون أن يتزيَّن بالعفو أو القصد.

    المُنتقِمُ ـ غالبا ـ بليدُ الإحساسِ، قد تجرَّدَ من العاطفة، إذا استُغضِبَ زَأرَ، وإذا زأَرَ افترَسَ، وإذا افترسَ أوجعَ، وإذا كان القتلُ يُعدُّ من أنكَى جِراحات الحياة، فإن الله جل وعلا قال فيه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33].

    غيرَ أن المُنتقِمَ من الناس لا يقِفُ عند هذا الحدِّ، ولن يُدرِكَ عقلُه ولُبُّه قولَ الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]. فهذه الآيةُ دلَّت على الانتِصار من الظالمِ، لكنها في الوقتِ نفسِهِ بيَّنَت أن العفوَ أخيَرُ وأفضلُ، {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]. ومن أراد أن يلِجَ التقوى من أسهل أبوابها فليعمل بقول الله جل وعلا: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].

    لقد ضربَ الانتقامُ والتشفِّي بأطنابِه في قلوب بعضِ الناسِ، وقد ظهرَ ذلك جلِيًّا في تعامُل أب مع ابنِه أو أخيه، أو الزوجِ مع زوجته، فلربما ضربَها، أو حبسَها، أو علَّقَها فلا هي زوجة ولا هي مُطلَّقة، وأذاقَها صُنوف الهوان والذلِّ والإيلام، كلُّ ذلك انتِقامًا وبَطشًا وانتِصارًا لرُجولةٍ زائفةٍ وقلبٍ مُلتاثٍ، وقولوا مثلَ ذلكم في تعامُل جارٍ مع جارِهِ، أو مُديرٍ مع موظَّفٍ، أو أُسرةٍ مع خادمها، أو ما شابَهَ ذلكم من أمثلةِ تبلُّدِ الإحساسِ والدُّونيةِ في التعامُلِ مع الآخرين بعيدًا عن مبادِئِ الدِّين الحنيفِ والأخلاقِ الحميدة.

    وليتَ أمثالَ هؤلاء يُدرِكون جيِّدًا أن أفضلَ وسيلةٍ للانتِقام ممن أساؤوا إليهم هي أن لا يكونوا مثلَهم في الإساءة؛ ليزدادوا حقارةً لأنفسهم، وامتِهانًا لسَجَايَاهم؛ فقد جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصِلُهم ويقطعُوني، وأُحسِنُ إليه ويُسيؤُون إليَّ، وأحلُمُ عنهم ويجهَلون عليَّ. فقال: "لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزالُ معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دُمتَ على ذلك". (رواه مُسلم). والمعنى: فكأنما تُلقِمُهم الرَّمادَ الحارَّ في أفواههم.
    وقد قال جعفرُ الصادقُ رحمه الله تعالى: "لأَن أندمَ على العفوِ عشرين مرةً أحبُّ إليَّ من أن أندمَ على العقوبةِ مرةً واحدةً".

    وقد جرَت سنةُ الله أن من انتقَمَ ممن هو دونه انتقَمَ منه من هو فوقَه، وسُنَّةُ الله لا تُحابِي أحدًا.
    ولأجل هذا -عباد الله- فإن لذَّة العفو أطيبُ من لذَّة التشفِّي، وذلك أن لذَّة التشفِّي يلحقُها ذمُّ الندَم، ولذَّةَ العفو يلحقُها حمدُ العاقبة، وقد قال الله جل وعلا: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37]، وهذا دليلٌ على أن الانتِقام يقبُحُ على الكِرامِ. وقال أبو إسحاق: (ولم يقل هم يقتلون، وفي هذا دليل على أنَّ الانتِقَام قبيح فِعْله على الكِرَام؛ فإنَّهم قالوا: الكريم إذا قَدِر غَفَر، وإذا عثر بمساءة ستر، واللَّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أَمِن غَدَر).

    ومَن طَبعُهُ الانتقامُ فهو كالغَيمِ الذي لا يُرجَى صحوُه، يغضبُ من الجُرمِ الخفِيِّ ولا يُرضيهِ العُذرُ الجَلِيُّ، حتى إنه ليُبصِرُ الذنبَ ولو كان كسَمِّ الخِيَاطِ، ويعمَى عن الحسناتِ ولو كانت كجِبال تِهامة، له أُذُنان يسمعُ بإحداهما البُهتان ويصُمُّ بالأخرى عن الاعتِذار، وله يَدَان يبسُطُ إحداهما للانتِقام ويقبِضُ الأُخرى عن الحِلمِ والصفحِ، مثَلُه كمثَلِ من قال اللهُ عنه: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 205، 206].

    فهل يعِي هذا أولئك الجبَّارون المُنتقِمون المُسرِفون الذين يسومون أقوامَهم سُوءَ العذاب، فيُذبِّحون أبناءَهم، ويُرمِّلون نساءَهم، ويُيتِّمون أطفالَهم؟! أولئك الذين باعُوا الضميرَ، ونحَروا الرحمةَ، وأخذَتهم العِزَّةُ بالإثمِ، فعلَوا في الأرضِ، وجعلوا أهلَها شِيَعًا، وقالوا مقولةَ فرعون الأول: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127].

    غيرَ أن المؤمنين الصابرين يُردِّدون قولَ الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} (الزمر: 36، 37].

    والانتقامُ في شريعتنا الغرَّاء مذمومٌ في الجُملة، غيرَ أن ثمَّةَ انتقامًا محمودًا شرعَه الله لنا لإيجاد مبدأ التوازن بين المصالحِ والمفاسِدِ، وعدمِ الإخلالِ بها عن منازلها التي أُنيطَت بها لتحقيقِ مصالحِ العباد ودرء مفاسِدهم، وهذا الانتقامُ المحمودُ إنما يكون ممن انتهَكَ محارِمَ الله، وذلك بالحُدود والتعزيرات والعقوبات المشروعة؛ فقد قال سبحانه وتعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما ضربَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بيده قطُّ، ولا امرأةً، ولا خادِمًا، إلا أن يُجاهِدَ في سبيل الله، وما نِيلَ منه شيءٌ قطُّ فينتقِمُ من صاحبه إلا أن يُنتهَكَ شيءٌ من محارمِ الله، فينتقِمُ لله عز وجل. رواه مسلم.

    فالانتقامُ لغير محارمِ الله معرَّةٌ، كما أن الحِلمَ والبُرودَ أمام محارِمِ الله خيانةٌ عُظمى
    عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قلت: يا نبيَّ الله، الرَّجل مِن قومي يشتمني وهو دوني، أفأنتقم منه؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "المستبَّان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان".(رواه أحمد وغيره وصححه الألباني).
    فلم يأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عياضا بالانتِقَام، بل عرَّفه أنَّهما إن شتما بعضهما فهما شيطانان يكذبان ويتكلَّمان بالباطل.
    الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام
    مِن الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام:

    1- تذكُّر انتقام الله مِن أهل معاصيه:

    قال تعالى:{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5].قال ابن زيد في قول الله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم: 5] قال: (أيَّامه التي انتقم فيها مِن أهل معاصيه مِن الأمم، خوَّفهم بها، وحذَّرهم إيَّاها، وذكَّرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين مِن قبلهم).

    2- كَظْم الغَيْظ:

    قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133].

    قال الشيخ السعدي رحمه الله: (قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم مِن غيرهم أذيَّةٌ توجب غيظهم، وهو امتلاء قلوبهم مِن الحَنْق الموجب للانتقام بالقول والفعل، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطِّباع البشريَّة، بل يكظمون ما في القلوب مِن الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المُسيء إليهم).

    3- الخوف مِن ضياع الزَّمان والعمر، وتفرُّق القلب وفَوْت المصالح:

    بأن يعلم أنَّه إذا اشتغلت نفسه بالانتِقَام وطلب المُقَابَلة، ضاع عليه زمانه، وتفرَّق عليه قلبه، وفاته مِن مصالحه ما لا يمكن استدراكه.

    4- التَّفكير في عواقب الانتِقَام

    ومنها: زيادة شرِّ الخصومة: فإذا انتقم لنفسه، تسبَّب إلى زيادة شرِّ خصمه، ومنها ما يصيبه بعد الانتقام من الندم، قال ابن القيم رحمه الله: (فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة).
    وأخيرا فإن لذة العفو وأجره أعظم من لذة الانتقام{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
    وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

    اسلام ويب
                  

09-08-2015, 01:34 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    خطورة الشائعات
    الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد:

    فإن الشرع الحنيف أراد أن يحيا المجتمع المسلم حياة الأمن والتعاطف والمودة والرحمة حتى كأنهم جسد واحد، كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد . إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ".

    من أجل ذلك عمَّق الشرع في نفوس أتباعه أنهم إخوة " المسلم أخو المسلم ". ومنع الشرع كل من تسول له نفسه من كل فعل أو قول يقوض هذه الأخوة الإيمانية أو يحدث شرخا في العلاقات الاجتماعية أو فجوة بين أبناء هذا المجتمع.
    ومن أخطر الأمور فتكا بالمجتمعات وأشدها ضررا تلك الشائعات التي يطلقها ويروج لها وينشرها مَن لا دين عنده ولا عهد ولا ميثاق، هؤلاء الهمج الرعاع أتباع كل ناعق الذين لم يستضيئوا بنور العلم.

    وإذا أردت أن تتعرف على الأثر المدمر لهذه الشائعات فيكفي أن تعرف أن الدول اليوم تهتم بهذه الشائعات اهتماما عظيما حتى أن بعض أجهزة المخابرات بها شعب متخصصة في الشائعات اختراعا ورصدا وتحليلا، فربما تسببت شائعة في تغيير نظام حكم أو إحداث توترات داخل بعض الدول.

    وإذا رجعت إلى الوراء فلك أن تتساءل: هل كان مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ ذي النورين ـ رضي الله عنه إلا بناء على شائعات أطلقها بعض المغرضين وتلقفتها آذان وردتها ألسنة أناس لا يتدبرون ما يسمعون؟

    وهل كان ما حدث بعد ذلك من فتن كبرى ومعارك بين المؤمنين إلا على أثر الشائعات؟

    بل انظر إلى المؤمنين الأوائل من أصحاب النبي الذين فروا بدينهم مهاجرين إلى الحبشة تاركين الأهل والأوطان والأموال فعاشوا في ظل عدل ملكها النجاشي، فلما بلغهم أن أهل مكة قد أسلموا رجعوا إلى مكة ولم يكن نبأ إسلام أهل مكة إلا شائعة فلما تأكدوا من كذبها هاجر بعضهم مرة ثانية إلى الحبشة لكن آخرين لم يتمكنوا من الهجرة فسامهم أهل مكة العذاب، وهل كان كل ذلك إلا بناء على شائعة؟.

    حادثة الإفك وأثر الشائعات

    هذه الحادثة التي بنيت على شائعة رددها المنافقون وتلقفها نفر من المسلمين فأرقت بيت النبوة شهرا كاملا وادت الفتن تثور بين المسلمين بسببها،

    ولندع أم المؤمنين المبرأة من فوق سبع سماوات الصديقة بنت الصديق تذكر لنا ما جرى كما رواه عنها الإمام البخاري رحمه الله فتقول رضي الله عنها: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه . قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي ،

    فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه . فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي ، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع ، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه .

    وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي،

    فبينا أنا جالسة في منزل غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك ،

    وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمنا المدينة ، فاشتكيت حين قدمت شهرا ، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول :

    كيف تيكم ، ثم ينصرف ، فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعد ما نقهت ، فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا ( مكان قضاء الحاجة )وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط ، فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا .

    فانطلقت أنا وأم مسطح – وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة – فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح . فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ قالت أي هنتاه أولم تسمعي ما قال ؟ قالت: قلت :

    وما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرضي . فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني سلم ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت : أتأذن لي أن آتي أبوي قالت : وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوي ، فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها .

    قالت: فقلت : سبحان الله ، أو لقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله .

    قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال : يا رسول الله ، أهلك ، وما نعلم إلا خيرا . وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله ، لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك . قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق ، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :

    "يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي "فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله وأنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك .

    قالت : فقام سعد بن عبادة – وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية – فقال لسعد : كذبت لعمر الله ، لا تقتله ولا تقدر على قتله . فقام أسيد بن حضير – وهو ابن عم سعد بن معاذ – فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فتساور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت .

    قالت : فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم . قالت فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم لا يرقأ لي دمع يظنان أن البكاء فالق كبدي . قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، قالت : فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ، قالت ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني قالت :

    فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال : "أما بعد ، يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه" .

    قالت : فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال . قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت لأمي : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت فقلت – وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن - :

    إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم إني بريئة – والله يعلم أني بريئة – لا تصدقونني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر – والله يعلم أني منه بريئة – لتصدقني . والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف ، قال { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } قالت :

    ثم تحولت فاضجعت على فراشي قالت وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرؤني الله بها . قالت :

    فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ( من أثر الوحي)، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه . قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك ، فكانت أول كلمة تكلم بها :" يا عائشة ، أما الله عز وجل فقد برأك".

    فقالت أمي : قومي إليه قالت فقلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله عز وجل . وأنزل الله { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم...} العشر الآيات كلها . فلما أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره :

    والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } قال أبو بكر : بلى والله ، إني أحب أن يغفر الله لي .

    فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه وقال : والله لا أنزعها منه أبدا . قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال : يا زينب ، ماذا علمت أو رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله ، أحمي سمعي وبصري ، ما علمت إلا خيرا . قالت – وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك ".

    والقصة لا تحتاج إلى تعليق لكننا نُذَكِّر هؤلاء الذين يروجون الشائعات أنهم على خطر عظيم ومتوعدون بالعذاب الأليم الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإسراء والمعراج، فقد أتى في تلك الليلة على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قلت :

    سبحان الله ما هذان ؟ فأجابه الملك : وأما الرجل الذي أتيت عليه ، يشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو من بيته ، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.

    أما الذين يستمعون إلى الشائعات ثم يرددونها ويحدثون بها فهم أولى الناس بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ".
    والنجاة أن يمسك العبد لسانه، وأن يمتنع عن الخوض فيما لا يعنيه، جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه ، والحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-08-2015, 01:36 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    التيمن
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
    فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يبدأ بيمينه في الأمور التي هي من باب التكريم والتزين، كما أخبرت بذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله".
    وكان هذا شأنه ودأبه في كثير من الأمور، ومنها:
    البداءة في الغسل باليمين
    فعن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها".
    وفي غسل الميت
    فقد بينت أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته : "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك بماء وسدر ، وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها، واجعلن في الآخرة كافورا".
    البدء بالأيمن في الشرب
    فإذا شرب الواحد منا وكان عن يمينه ويساره آخرون أعطى من عن يمينه، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام : " أتأذن أن أعطي هؤلاء؟" فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا، فتلَّه( أي أعطاه)رسول الله في يده.
    كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم دار أبي بكر فحلبوا له شاة فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابي وعمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أعط أبا بكر أعط أبا بكر، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي وقال: " الأيمن فالأيمن".
    التيمن في الوضوء ولبس النعل وتسريح الشعر
    كما مر معنا سابقا حيث قالت عائشة رضي الله عنها إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحب التيمن في طهوره إذا تطهر وفي ترجله( تمشيط الشعر) إذا ترجل وفي انتعاله إذا انتعل.
    الأكل والشرب باليمين
    فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي: " يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك".
    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله".
    وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: " كل بيمينك" قال: لا أستطيع. قال "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر. فما رفعها إلى فيه.
    دخول المسجد باليمين
    قال أنس بن مالك رضي الله عنه: من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى.
    النهي عن الاستنجاء باليمين
    من السنة إذا قضى المسلم حاجته أن يستنجي بيساره ، ولا يستعمل يده اليمنى في الاستنجاء، فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال لنا المشركون: إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخِراءة. فقال سلمان رضي الله عنه: أجل. إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه..."الحديث.
    وبالجملة فالأمر كما قال الإمام النووي رحمه الله:
    قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر.
    ونختم بقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله...
    وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
    اسلام ويب
                  

09-08-2015, 01:38 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    المحافظة على صلاة الفجر

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
    فإن صلاة الفجر من أعظم الفرائض قدرا وشرفا وأجرا وفضلا، كيف لا وقد سمّاها الله: قُرْءان الفَجْر، فقال سبحانه: {أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "يعني صلاة الفجر".

    ولقد شاء الله عزو جل أن تكون صلاة الفجر مجتمعًا للملائكة ومحفلاً من محافل الخير والطاعة والعبادة، لا يحضره إلا كل طاهر مطهر من الأبرار، يستحق أن يكون في ضيافة الرحمن، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح"، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرؤوا إن شئتم: {وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78].

    وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ ثم أتى المسجد فصلى ركعتين قبل الفجر ثم جلس حتى يصلي الفجر كتبت صلاته يومئذ في صلاة الأبرار، وكتب في وفد الرحمن" (رواه الطبراني بإسناد حسن).

    ومن فضائلها:

    أنها تعدل قيام الليل

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلّى الصبح في جماعة فكأنما صلّى الليل كله" (رواه مسلم).
    كما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لأن أَشْهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة.
    صلاة الفجر نور لصاحبها يوم القيامة

    فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" (رواه ابن ماجه بسند حسن)، وعند الطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقي الله عز وجل بنور يوم القيامة".

    صلاة الفجر أمان وحفظ من الله لعبده

    فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلّى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله تعالى". (رواه ابن ماجه بسند صحيح).

    إنه في جوار الله تعالى، وما ظنك بمن كان في جوار الله تعالى؟! وأنت ترى الناس يطمئنون ويأمنون أشد الأمن حين يكون أحدهم في جوار عظيم من عظماء الدنيا, فإن كان في جوار الله فهو أشد أمانًا وأعظم اطمئنانًا، ففي صحيح مسلم من حديث جُندَب بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلّى الصبح فهو في ذمة الله, فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء, فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه, ثم يكبه على وجهه في نار جهنم".

    وهل تعلم أن أهل الفجر لهم وعد صادق بأن يروا ربهم عز وجل؟!

    ففي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامّون في رؤيته, فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، يعني صلاة العصر والفجر، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130].

    صلاة الفجر ضمان للجنة

    عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلّى البردين دخل الجنة" (رواه البخاري ومسلم)، والبردان هما الصبح والعصر. فإذا كنا ننشد الجنة، فأين نحن من صلاة الفجر ؟!.

    صلاة الفجر وقاية من النار

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لن يَلِج النار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها". يعني: الفجر والعصر.(رواه مسلم).

    ولئن كان لصلاة الفجر ما سبق من الفضائل وغيرها، فإن اتخاذ التخلف عنها وتضيعها عادة لهو من الذنوب الكبار

    التخلف عن الصلاة نفاق

    قال ابن عمر رضي الله عنهما:(كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظنّ)، وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا الصبح فقال: "أشاهدٌ فلان؟" قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان؟" قالوا: لا، قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموها ولو حَبْوًا على الركب". (رواه أحمد وأبو داود بسند حسن).

    حرص السلف على الفجر

    لقد تعلّقت قلوب السلف رضي الله عنهم بهذه الصلاة لما علموا من جليل فضلها وسوء عاقبة التخلّف عنها، فكانوا أحرص الناس عليها، حتى لقد قال عبد الله بن مسعود: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يَتَهَادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف). وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الأمة وهاديها يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول:"الصلاة يا أهل البيت، {إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33])) رواه الترمذي. إنه حرص نبوي وتربية لابنته على أن تحرص على صلاة الفجر في وقتها.

    وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يمر في الطريق مناديًا: (الصلاة، الصلاة)، يوقظ الناس لصلاة الفجر، وكان يفعل ذلك كل يوم.

    وحين اشتكى الإمام سعيد بن المسيب عينه قالوا له: لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة لوجدت لذلك خفة، يدعونه للتنزه في ضواحي المدينة حيث الخضرة والجو الطليق، فقال لهم: فكيف أصنع بشهود العَتَمَة والصبح؟! .

    وتزوج الحارث بن حسان رضي الله عنه في ليلة من الليالي فحضر صلاة الفجر مع الجماعة، فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك الليلة؟ فقال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة (الفجر)في جمع لامرأة سوء.

    وكانوا يرون فَوْتَ صلاة الفجر في الجماعة مصابا عظيما يستحق العزاء. قال حاتم الأصم: فاتتني صلاة الجماعة، فعزّاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزّاني أكثر من عشرة آلاف؛ لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا.

    فأين نحن ـ معاشر الأحبة ـ من هدي من سبقونا؟ وهذا شيء يسير من أخبارهم.
    وكيف يهنأ العبد بالنوم والناس في المساجد مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وفي ربيع جناته يتقلبون؟! أم كيف يحرم نفسه بركات الفجر المتنزلة وخيراته المتواترة؟!.

    إنه بالرغم من كل هذه الفضائل والبشائر لمن حافظ على صلاة الفجر، وبالرغم من الزواجر والوعيد لمن تخلف عنها فإن بعض الناس يتعمد ضبط المنبه على وقت العمل ولو كان وقت العمل في السابعة أو الثامنة، ولا يصلي الفجر إلا في هذا الوقت، فهل يتدبر هؤلاء أو يتفكرون.

    ولعل أول خطوة في طريق العلاج استشعار أهمية هذه الصلاة وإدراك قيمتها، فلو شعر الإنسان بذلك وأدرك أنه يفوته بفوتها خير كثير لربما تحركت همته وانبعثت عزيمته كما تتحرك وتنبعث لكل محبوب لديه.


    وعليك بأذكار النوم ودعاء الله في الوتر أن يوفقك للقيام، وابتعد عن المعاصي جملة وتفصيلاً فإن المعاصي تقيّد المرء عن الطاعة.

    ونختم حديثنا عن الفجر بما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر, فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون".
    نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن تشهد لهم الملائكة عند ربهم بهذا الفضل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-08-2015, 01:41 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الغش يمحق البركة ويجرئ الظلمة
    لقد ذمَّ الله عز وجل الغش وأهله في القرآن وتوعدهم بالويل، ويُفهم ذلك من قوله تعالى:{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}(المطففين:1-3).

    فهذا وعيد شديد للذين يبخسون ـ ينقصون ـ المكيال والميزان، فكيف بحال من يسرقها ويختلسها ويبخس الناس أشياءهم؟! إنه أولى بالوعيد من مطففي المكيال والميزان.

    وقد حذر نبي الله شعيب عليه السلام قومه من بخس الناس أشياءهم والتطفيف في المكيال والميزان كما حكى الله عز وجل ذلك عنه في القرآن.

    وكذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغش وتوعد فاعله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً. فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني "وفي رواية: "من غشنا فليس منا" (رواه مسلم).

    فكفى باللفظ النبوي "ليس منا" زاجراً عن الغش، ورادعاً من الولوغ في حياضه الدنسة، وحاجزاً من الوقوع في مستنقعه الآسن.
    إننا يا أخي في حاجة شديدة إلى عرض هذا الوعيد على القلوب لتحيا به الضمائر، فتراقب الله عز وجل في أعمالها، ولو لم يكن عليها رقيب من البشر.

    وصدق من قال:

    ولا ترجع الأنفس عن غيّها *** ما لم يكن منها لها زاجر

    وإليك أخي المبارك وقفات مع ظاهرة الغش بعد ما علمت ما رتب عليه من الوعيد:

    الوقفة الأولى: تعريف الغش
    قال المناوي: ( الغش ما يخلط من الرديء بالجيد).
    وقال ابن حجر الهيثمي: ( الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل).

    الوقفة الثانية: مظاهر الغش
    إن المتأمل في واقع كثير من الناس ليجد أنهم يمارسون صوراً من الغش في جميع شؤون حياتهم ومن ذلك:

    أولاً: الغش في التجارة والبيع والشراء:
    وما أكثره في زماننا في أسواق المسلمين!! ويكون الغش فيهما بمحاولة إخفاء العيب، ويكون في طرق أخرى كالغش في ذاتية البضاعة أو عناصرها أو كميتها، أو وزنها أو صفاتها الجوهرية أو مصدرها،أو خلط الرديء بالجيد، أو غير ذلك من وسائل الغش في البيع.

    وهذا النوع من الغش سبب في تسلط الظلمة والكفار، قال ابن حجر الهيثمي: ( ولهذه القبائح ـ أي الغش ـ التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً.

    وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب، وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لما أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة والمتنوعة، وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتحايلات الباطلة، على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها، لا يراقبون الله المطلع عليهم ) أ هـ.

    ثانياً: الغش في الزواج:
    ومن مظاهر الغش فيه:
    أن تكون المرأة دميمة وتخفي ذلك بالمساحيق والألوان فإذا دخل بها الزوج اكتشف دمامتها وعافت نفسه معاشرتها، ولربما انتهى الأمر بالطلاق، ومن ذلك ان يكون بها مرض عضال ولا يخبر أهلها الخاطب به، وأن يقدم أولياء المرأة إلى الخاطب امرأة أخرى عند الرؤية فإذا دخل وجد أنه دخل بغير التي رآها من قبل، ومن صوره عند الرجال أن يكون الرجل بخيلا شحيحا لكنه يتجمل في فترة الخطبة ويكثر النفقة فإذا دخل بامرأته أمسك وبخل وظهر على حقيقته، وكذا أن يخفي عمره خلف صبغات الشعر وغيرها ، أو أن يكون مصابا بمرض عضال لو علمت به المرأة قبل الزواج لرفضت الارتباط به، أو أن يوهم أهل الزوجة بغناه من خلال بعض المظاهر كالسيارة الفارهة والبيت الكبير الواسع ، وهما ـ السيارة والبيت ـ ليسا ملكا للزوج...

    ثالثاً: الغش في النصيحة:
    فالنصيحة للمسلمين من الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الدين النصيحة ، إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(النسائي وصححه الألباني).

    ويكون الغش في النصيحة بعدم بذلها أصلا، أو بعدم الإخلاص فيها، أو بنصحه بما لا يراه صوابا وصلاحا.
    فالمؤمن مرآة أخيه فيجب أن يخلص له النصح ليسدده ويرشده ويصلحه وينأى به عن سبل الغواية والضلال والفساد.

    وقد طبق السلف الصالح رضي الله عنهم ذلك تطبيقا عمليا راقيا، روى الطبراني بإسناده أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أمر مولاه أن يشتري فرساً، فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، وجاء به صاحبه ليعطيه الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس ناصحا: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبدالله.

    فقال: فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة ـ وصاحبه يرضى وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة فاشتراه بها. فقيل له في ذلك فقال: إني قد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم.

    رابعاً: الغش في الرعية:
    عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".(البخاري ومسلم واللفظ له).
    فهذا وعيد شديد يدخل فيه كل من استرعاه الله رعية سواء كانت صغيرة أم كبيرة، ابتداءً من أفراد الأسرة إلى الحاكم، فيجب على الكل النصح لرعيته وعدم غشهم.

    فالموظف يجب عليه أن ينصح في وظيفته وأن يؤديها على الوجه المطلوب شرعاً دون غش ولا خداع، ودون تأخير لأعمال الناس ومصالحهم، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله عز وجل. فما ولاه الله عز وجل هذه الوظيفة إلا ليديم النصح للمسلمين.

    وكذلك الأب يجب عليه أن ينصح أولاده، وألا يفرط في تربيتهم بل يبذل كل ما يستطيع ليقي نفسه وأولاده من نار وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد.

    قال ابن القيم رحمه الله: ( وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوّت عليه حظه من الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد ـ رأيت عامته من قبل الآباء ) .أ.هـ.

    خامساً: الغش في الامتحان:
    وما أكثر طرقه ووسائله بين الطلاب والطالبات!! وسبب ذلك هو ضعف الوازع الديني، ورقة الإيمان، وقلة المراقبة لله تعالى أو انعدامها. قال سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ( قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من غشنا فليس منا" وهذا يعم الغش في المعاملات، والغش في الامتحان، ويعمّ اللغة الإنجليزية وغيرها، فلا يجوز للطلبة والطالبات الغش في جميع المواد لعموم هذا الحديث وما جاء في معناه. والله ولي التوفيق ). هذه بعض مظاهر الغش تدل على غيرها، وهي غيض من فيض، وقطرة من بحر، ليحيا من حيي عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة.

    فحري بكل من وقع في صورة من صور الغش ذكرت أو لم تذكر أن يتقي الله ويتذكر عقابه وعذابه فيتوب إلى الله تعالى.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    كلمات ، بتصرف
                  

09-08-2015, 01:42 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن الليل والنهار وكذا الصيف والشتاء، والبرد والحر كل ذلك من آيات الله تعالى التي ينبغي التفكر فيها وأخذ العظة والعبرة منها، كما قال الله تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَار } (النور:44).

    وقال جلّ شأنه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } (الفرقان:62). قال بعض السلف: من عجز بالليل كان له في أول النهار مستعتب ( أي فرصة للاعتذار والاستغفار) ومن عجز عن النهار كان له في الليل مستعتب.

    وحين يقبل الصيف بحره وقيظه يتذكر العبد المؤمن أمورا مهمة منها:

    أن أشد ما يجد من الحر إنما هو مما أذن الله فيه لجهنم، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم ".

    فعند اشتداد الحر يتذكر المسلم النار وحرها فيستعيذ بالله منها ، وإذا رأى من نفسه فرارا من حر الدنيا بسفر إلى الأماكن الباردة أو المعتدلة، أو بالتبرد بالماء والتكييف وغيرها من الوسائل فيسأل نفسه: إذا كان هناك مهرب من حر الدنيا فأين المهرب من حر الآخرة وهو أشد؟!.

    وإذا كنا أخي الحبيب لا نحتمل نار الدنيا وهي جزء من تسعة وستين جزءاً من نار الآخرة، فما الشأن في نار الآخرة؟!.

    حياة قلوب السلف وتذكرهم

    وقد كانت قلوب السلف الصالح رحمهم الله حية فكل ما يرونه ويشاهدونه في الدنيا يذكرهم بالآخرة.. ومن ذلك أن بعض السلف كان إذا شرب الماء البارد في الصيف بكى وتذكر أمنية أهل النار حينما يشتهون الماء، فيحال بينهم وبينه، ويقولون لأهل الجنة: {أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ } (الأعراف:50).

    كما كان الواحد منهم إذا دخل الحمام في الصيف وشعر بحر المكان تذكر النار، وتذكر يوم تطبق النار على من فيها وتوصد عليهم، ويقال لهم: خلود فلا موت، فيدفعه هذا الشعور إلى مزيد من العمل والتعبد لعله ينجو.

    ومن ذلك أيضاً، أن بعض الصالحين صُبَّ على رأسه ماء حار، فبكى وقال: ذكرت قوله تعالى: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } (الحج: 29) فلا إله إلا الله ما أشد تذكرهم.. وما أعظم اعتبارهم!! ورأى عمر بن عبدالعزيز رحمه الله قوماً في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل، وتوقوا الغبار، فبكى، ثم أنشد:

    من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبار، يخـاف الشـين والشعـثا

    ويـألـف الظلّ كي تبقـى بـشـاشـتـه فسـوف يـسكن يومـاً راغماً جدثـا

    في ظـلّ مـقـفــرة غـبـراء مـظـلـمــة يطيل تـحت الثرى في غمّها اللبثا

    تــجــهّــزي بــجـهـــاز تـبـلـغـيـن بــه يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا

    وكان بعضهم إذا رجع من الجمعة في حرّ الظهيرة، يذكر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار، فإن الساعة تقوم يوم الجمعة.

    ومن ذلك أيضاً حرصهم على الصيام في الصيف لعظيم ثوابه، ولهذا كان معاذ بن جبل وغيره من السلف رضي الله عنهم يتأسف عند موته على.. أتدري على ماذا؟ على ظمأ الهواجر..

    ولهذا كان بعض الصالحين يحرص على صيام أشد أيام الصيف حرا، فيقال له في ذلك، فيقول: إن السعر إذا رخص، اشتراه كل أحد وهذا ـ وربي ـ من علو الهمة.

    فيا عبدالله: جاهد نفسك على هذه الطاعة العظيمة، التي اختصها الله سبحانه من بين العبادات بقوله : "الصوم لي وأنا أجزي به " كما في الصحيحين، جاهدها ولو يوماً في كل عشرة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وإن ألم العطش في اليوم الحار سيذهب في أول شربة ماء، أما أجره؛ فأرجو الله تعالى أن تناله بل وتسرّ به يوم يقال في الدار الآخرة {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ }(الحاقة:24)، ويوم ينادي الصائمون ليقال لهم ادخلوا من باب الريان.

    أيها الحبيب: إن الناظر في أحوال الناس اليوم يجد تفاوتا كبيرا وبونا واسعا بين ما هم عليه وبين ما كان عليه الأسلاف، ففي حين كان حال السلف ما أشرنا إليه سابقا نجد بعض الناس حين يفر من حر الدنيا بالسفر إلى بلاد باردة يظن أنه بسفره للخارج قد خرج عن مراقبة الله.. فتراه يقتحم النار بأفعاله، نظر محرّم.. سماع محرّم.. مراقص، مشروبات محرّمة.. فواحش ـ والعياذ بالله ـ فإلى أولئك الفارين من الحر، والواقعين في أسباب غضب الرب جل جلاله يقال لهم: إلى أين تفرون؟ ومن أي شيء تهربون؟ وأين أنتم من قوله تعالى: { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ( التوبة:81).

    وهلا تذكرنا يوما كان مقداره خمسين ألف سنة يشتد على الناس فيه الكرب والهول، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين حال الناس في هذا اليوم فقال: " تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق ، حتى تكون منهم كمقدار ميل ، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما".

    إن الأسلاف رضي الله عنهم خرجوا من الجزيرة لكن في جهاد ودعوة ونشر الدين في أرجاء الدنيا، فهل كان خروجك كذلك؟.

    إن الجهاد الذي نطالبك به، لا يحتاج إلى حمل السلاح الثقيل ! ولا يحتاج إلى خبرة بأساليب الحرب! بل هو جهاد، بالقدوة الحسنة التي تترجمها بأخلاق الإسلام، والبعد عن المحرمات، وجهاد بالكلمة الطيبة، في دعوة من تلاقيه من الناس ـ في أي أرض تذهب إليها ـ مسلماً كان أم كافراً، كل حسب ما يناسبه.

    فإن لم تكن تحسن هذا فهل تعجز عن حمل كتيبات صغيرات بلغات القوم الذين تسافر لبلادهم؟!.

    حري بنا ان نستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ".
    وقوله صلى الله عليه وسلم لي ولك في شخص علي بن أبي طالب رضي الله عن: "فوالله لأن يُهدى بك رجلٌ واحد خير لك من حُمْرِ النَّعم".

    وفقنا الله وإياكم لكل خير ووقانا وإياكم حر النار، وهدانا وإياكم وهدى بنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-08-2015, 01:44 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    حق الطريق
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
    فإن شريعتنا الغراء قد اهتمت بسعادة الناس في دنياهم وآخرتهم، ولهذا شرعت لهم من التشريعات والآداب والأخلاق ما إن التزموا به وطبقوه لعاشوا الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.

    ومن الأمور المهمة التي حثت عليها هذه الشريعة الغراء إعطاء الطريق حقه، والالتزام بآدابه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم والجلوس في الطرقات" . قالوا : يا رسول الله ! ما لنا بد من مجالسنا . نتحدث فيها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإذا أبيتم إلا المجلس ، فأعطوا الطريق حقه ". قالوا : وما حقه ؟ قال : "غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر".(رواه مسلم).

    ونشير إلى كل واحد من هذه الحقوق بما يبينه ويوضحه:

    أ - غض البصر:

    الأمر بغض البصر يشترك فيه الرجال والنساء على حد سواء، وذلك لأن إطلاق البصر فيما يحرم يجلب عذاب القلب وألمه، وصاحبه يظن أنه يروِّح عن نفسه ويبهج قلبه، ولكن هيهات. ومُدمن النظر إلى النساء أعظمهم عذاباً ، وكما قال ابن تيمية رحمه الله:

    (تعمد النظر يورث القلب علاقة يتعذب بها الإنسان، وإن قويت حتى صارت غراماً وعشقاً زاد العذاب الأليم، سواء قدر أنه قادر على المحبوب أو عاجز عنه، فإن كان عاجزاً فهو في عذاب أليم من الحزن والهم والغم، وإن كان قادراً فهو في عذاب أليم من خوف فراقه، ومن السعي في تأليفه وأسباب رضاه!).ا.هـ.

    وأصل ذلك ومبدؤه من النظر، فلو أنه غض بصره لارتاحت نفسه وارتاح قلبه. قال تعالى: {قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّواْ مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُواْ فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللهَ خَبِيرُ بِما يَصنَعُونَ (30) وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنّ }.( النور:31،30 ).

    والشرع المطهر لم يغفل ما قد يقع من الناس بدون قصد منهم، فأمر من نظر إلى امرأة أجنبية بدون قصد منه أن يصرف بصره عنها ولا يتمادى. قال جرير بن عبدالله رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.(رواه مسلم).

    ومعنى نظر الفجأة: أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم .

    ب - كف الأذى:

    ومن حقوق الطريق، كف الأذى وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم. وفي الحديث الذي رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده" (رواه البخاري ومسلم).

    والحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فيشمل اللسان من تكلم بلسانه وآذى الناس في أعراضهم أو سبهم، ويشمل من أخرج لسانه استهزاء وسخرية. وكذا اليد فإن أذيتها لا تنحصر في الضرب، بل تتعداها إلى أمور أُخر كالوشاة بالناس، والسعي في الإضرار بهم عن طريق الكتابة، أو القتل ونحو ذلك.

    بل إن من محاسن هذا الدين أن كان كف المرء شره وأذاه عن الناس صدقة يتصدق بها على نفسه، جاء ذلك في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم:أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله". قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها".قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تعين صانعاً أو تصنع لأخرق". قال: فإن لم أفعل؟ قال:"تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك".(رواه البخاري). وعند مسلم: "تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك ".

    جـ - رد السلام:

    ومن حقوق الطريق: رد السلام، وهو واجب لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:" خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز" (رواه البخاري ومسلم).

    د - وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

    وهذا هو ما استحقت به الأمة الخيرية بين الأمم: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ} (آل عمران:110).

    قال ابن كثير: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها، رواه ابن جرير، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى : {كَانُواْ لا يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} (المائدة: 79).

    وإذا ترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حلَّ بهم العقاب. فقد روى الإمام أحمد في مسنده قال: ( قام أبوبكر رضي الله عنه فحمد الله عز وجل وأثنى عليه فقال: أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذَا اهتَدَيتُم}(المائدة:105) ، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر، ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب ".
    وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوائد عظيمة للأمة، من أهمها تحصين الأمة من الرذائل والفواحش والعقوبات.
    ولكن ينبغي الإشارة هنا إلى أمور:

    أولاً: التدرج في الإنكار: فلا يتحول المرء إلى مرتبة حتى يعجز عن التي قبلها، فلا ينكر بقلبه من يستطع الإنكار بلسانه، وهكذا.

    الثاني: أن من كانت له ولاية فإنكاره يكون بأعلى مراتب الإنكار: فرب الأسرة هو السيد المطاع في البيت وتغييره يكون بيده فهو قادر على إزالة المنكر بيده ولا يعذر بترك ذلك.

    الثالث: العلم بالمنكر أنه منكر قبل الإنكار: وهل هو من الأمور التي يسوغ فيها الخلاف، وهذا باب غلط فيه بعض الناس، فليتنبه له.

    الرابع: يجب أن يستشعر المُنكِرُ قاعدة المفاسد والمصالح: وأن لا يبادر إلى الإنكار إلا إذا علم أن مصلحته راجحة على مفسدته، ومتى علم رجحان المفسدة وجب عليه الكف حتى لا يفتح باب شر وفساد.

    الخامس: إذا عجز المُنكرُ عن المرتبة الأولى والثانية: فلا يغفل عن قلبه ويمر عليه المنكر دون إنكار بالقلب وظهور آثار ذلك على صفحات وجهه.

    هـ - هداية السائل عن الطريق:

    ومن حقوق الطريق - أيضاً - إرشاد السائل عن الطريق، وهدايته إليه، سواءً كان ضالاً أو أعمى. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من حق الطريق "إرشاد السبيل" (رواه أبو داود)

    و- ومن حق الطريق إزالة الأذى عنه:

    من الآداب المستحبة في الطريق إزالة الأذى عن الطريق، بل هي من الإيمان، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان".(رواه البخاري).

    وهي من الصدقات، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل سلامى من الناس عليه صدقة... ثم قال: وتميط الأذى عن الطريق صدقة" (رواه البخاري ومسلم).

    وبسببها أدخل رجل الجنة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفرله". (رواه البخاري ومسلم).

    ن- تحريم قضاء الحاجة في طريق الناس أو ظلهم:

    حذر رسولنا صلى الله عليه وسلم ، من التخلي في طريق الناس أو ظلهم، لأن ذلك حق عام، فلا يحل لامرئٍ أن يفسد على الناس طرقهم التي يمشون عليها، أو ظلهم الذي فيه يجلسون، وبه يتقون حر الشمس. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"اتقوا اللعانين" قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس، وظلهم " (رواه مسلم).

    ي- إعانة الرجل في حمله على دابته أو رفع متاعه عليها:

    فإذا رأيت كبير السن أو المقعد يريد أن يركب دابة أو سيارة وكان ذلك يشق عليه، فإنك تعينه على ذلك، أو تعينه في حمل متاعه، وهذا من الصدقة التي يؤجر المسلم عليها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل سُلامى عليه صدقة، كل يوم، يعين الرجل في دابته يحامله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة". (رواه البخاري).
    فينبغي علينا أن نراجع أنفسنا ونسألها هل نحن ممن يؤدون حق الطريق أم لا، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه والتابعين، والحمد لله رب العالمين.

    اسلام ويب
                  

09-08-2015, 01:47 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    تفقُّد الإيمان
    أيها القارئ الكريم:إن الإيمان هو أعز منحة منحها الله للإنسان؛ فعليه مدار النجاة: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)}(الشعراء).
    والإيمان هو السبيل إلى الحياة الكريمة الطيبة في الدنيا، والأجر والكرامة يوم القيامة:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}(النحل).

    شجرة الإيمان تحتاج الرعاية

    أخي.. إن إيمانك بالله جلَّ وعلا شجرة كأطيب الشجر إذا تعاهدتها وسقيتها بماء الذكر والطاعة والاستقامة أثمرت أفضل الثمار وأينعها وأجملها وأحسنها وأطيبها.

    قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم: 24، 25].

    قال العلامة السعدي رحمه الله: «فمثَّل الله سبحانه كلمة الإيمان التي هي أطيب الكلمات بشجرة هي أطيب الأشجار، موصوفة بهذه الأوصاف الحميدة: أصولها ثابتة مستقرة، ونماؤها مستمر، وثمراتها لا تزال، كل وقت وكل حين، تغل على أهلها وعلى غيرهم المنافع المتنوعة والثمرات النافعة.

    وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتًا عظيمًا، بحسب تفاوت هذه الأوصاف التي وصفها الله بها.
    فعلى العبد الموفق أن يسعى لمعرفتها ومعرفة أوصافها وأسبابها وأصولها وفروعها!

    ويجتهد في التحقق بها: علمًا وعملاً. فإن نصيبه من الخير والفلاح، والسعادة العاجلة والآجلة بحسب نصيبه من هذه الشجرة» [التوضيح والبيان ص6].

    تفـقـد قــلبك:

    فإن سلامته سلامتك.. وعافيته عافيتك.. وصلاحه صلاحك.. قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله.. وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».
    قربه من الذكر فإن فيه رِقَّته وسلامته وقوته وطمأنينته.. قال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

    قال ابن القيم رحمه الله: «ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، فجلاؤه بالذكر؛ فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك، صدئ فإذا ذكره جلاه.

    وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب.
    وجلاؤه بشيئين: « بالاستغفار والذكر» [الوابل الصيب ص80].
    قال صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت».

    فذكر الله علاج قسوة القلوب.. ومادة قوتها وسكينتها.. وهو غراس الإيمان فيها.. يقول العلامة السعدي رحمه الله: «ومن أسباب دواعي الإيمان: الإكثار من ذكر الله في كل وقت، ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة، فإن ذكر الله يغرس شجرة الإيمان في القلب، ويغذيها وينميها، وكلما ازداد العبد ذكرًا لله قوي إيمانه, كما أن الإيمان يدعو إلى كثرة الذكر، فمن أحب الله أكثر من ذكره، ومحبة الله هي الإيمان بل هي روحه» [التوضيح والبيان ص59].

    وفضائل ذكر الله أكثر من أن تحصى وأكبر من أن تحصر، وهو أفضل وسائل النجاة يوم القيامة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عزَّ وجلَّ» [رواه أحمد].

    فعالج قلبك بذكر الله.. وأكثر من التسبيح والاستغفار.. واجعل أذكار الصباح والمساء وردًا يوميًا ثابتًا لا تخل به، فإن ذلك أدعى لثبات إيمانك وقوته وصلابته.. واعلم أن حرصك على الأذكار.. والدعاء.. والاستعاذات النبوية هو أعظم سلاح تقمع به الشيطان فإنه وسواس خنَّاس.. يقهره ذكر الله.. ويقطع عليه كيده ومكره.

    كن دائم الاستشعار لمراقبة الله لك:

    فهو سبحانه أقرب إليك من نفسك؛ يسمع كلامك، ويبصر فعالك وأحوالك، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}.. {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ}..

    تأمل حال المرأة التي جاءت تشتكي إلى رسول الله من معاملة زوجها.. وقد أنزل الله في شأنها: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.

    فأنت أيضًا يسمع الله كلامك.. جهره وهمسه.. ويعلم أحوالك.. وأنفاسك ووسواسك.. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.

    ويبصرك أينما كنت.. وأينما حللت.. {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار}...{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}.

    وإن عبدًا مستديمًا على استشعار هذه الصفات الإلهية العظيمة.. مؤمنًا بعظمة الله وجلاله ليغمره الحياء من أن يعصي الله.. ويملأه الخوف من أن يقترف ما يغضب الله.. بل إن يقينه باطلاع الله عليه.. ليولد في نفسه حرارة إيمانية ينكمش معها وجهه.. ويخفق لها قلبه.. ويغض معها طرفه.. خشية أن يطلع الله على إصرار كامن في نفسه.. أو نية سوء مختفية في حسه.. فلا ترى إذا أخطأ إلا فزعًا للتوبة.. وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استح من الله كما تستحي من الرجل الصالح في قومك».

    ومراقبة الله جلَّ وعلا.. والاستدامة على تذكر اطلاعه.. وسمعه وبصره وعلمه بأحوال عباده.. يخجل المؤمن الصادق من نفسه.. فلا يكاد ينطق إلا بما يرضي الله.. ليس فقط لأنه يخاف أن يسجل عليه الملك كلامه.. ولكن قبل ذلك؛ لأنه يعلم علم اليقين أن الله يعلم قوله وسره وجهره.. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}.

    أخي الكريم: إن يقينك باطلاع الله عليك، وعلمه بسرك وجهرك يدعوك إلى تعظيم الله جلَّ وعلا والخشية منه سبحانه.. وكذلك حسن الظن به، والطمع في رحمته.
    وهذ الأمر من أهم ثمار معرفة الله بأوصافه وصفاته واستشعار مرقبته.. وبه لا تزال شجرة إيمانك تنمو وتزهو وتتفرع وتتشعب حتى ترقى بك إلى درجة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين.

    تفقد إيمانك بإحسان العبادة:

    فالإيمان يتقوى بالعبادة.. وللعبادة شرطان:
    الأول: الإخلاص لله. والثاني: المتابعة لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم.

    فبهذين الشرطين تصح العبادات والطاعات ويكون لها أثر في زيادة الإيمان وحفظ الأعمال من الإحباط؛ فرب مستكثر من الطاعات لم ينفعه استكثاره وتعبه؛ لأنه إمَّا أقدم على الطاعة بغير نية صادقة، أو أنه عبد الله على غير علم واتباع. ولأجل هذا قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

    قال ابن كثير رحمه الله: «وهذان ركنا العمل المتقبل: لابد أن يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي مثل هذا عن القاضي عياض رحمه الله وغيره».

    فأخلص – أخي – النية.. وجمل الطوية.. واجعل عبادتك كلها وأعمالك جميعها لله وحده.. فالإخلاص من أعظم أسباب البركة في الأعمال.. فإذا كان العمل خالصًا لله، وكان على ما يريد الله سبحانه فإنه يبارك فيه فيثمر القليل منه الكثير.. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [رواه البخاري].
    فالسير سير القلب.. ومن خلا قلبه من النية.. لم يكن لطاعاته مزية..

    أخي.. واعلم أن العبادة لا تقتصر على شعائر معينة.. وإنما هي حالة يتقلب فيها العبد وفق مراد الله سبحانه.. يتعبده بالصلاة إذا حان وقتها.. ويتعبده بالنوافل في وقتها.. ويتعبده بتلاوة القرآن والذكر.. ويتعبده بصلة الرحم والأقارب ويتعبده بالإنفاق.. وهكذا يظل يتقلب في العبادات وفق ما يريده الله منه فليس له في نفسه حظ وإنما بغيته الله والدار الآخرة.

    قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
    فمن فقه هذه الأمور نفعته أعماله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» [متفق عليه].
    ومن الإحسان في هذا الجانب أيضا أن يكثر من نوافل الطاعات فبها تزكو النفوس ويقترب العبد من ربه كما ورد في الحديث:" ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه".

    يا أيها الحبيب تفقد إيمانك وراجع ما سبق أن كتبناه عن أسباب زيادة الإيمان في أحوال القلوب وأدويتها.
    نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الإيمان الكامل وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه وهو راض عنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
    اسلام ويب
                  

09-08-2015, 01:50 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الصبر عند فقد الأحبة
    الحمد لله المتفرد بالعزة والبقاء، الذي كتب على كل المخلوقات الفناء فقال: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}(سورة الرحمن:26-27).
    وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

    فإن هذه الدار الدنيا دار مصائب وشرور، ليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بكَدَر؛ فما يُظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب، وعمارتها - وإن حسنت صورتها - خراب ، إنها على ذا وضعت، لا تخلو من بلية ولا تصفو من محنة ورزية، لا ينتظر الصحيح فيها إلا السقم، والكبير إلا الهرم، والموجود إلا العدم، على ذا مضى الناس؛ اجتماعٌ وفرقة، وميتٌ ومولود، وبِشْرٌ وأحزان:
    والمرء رهن مصائب ما تنقضي حتى يوسد جسمه في رمسه

    فمؤجَّل يلـقى الــردى في غــيـره ومعجل يلقى الردى في نفسه

    فَمَنْ من الناس على وجه الأرض لم يصب بمصيبة صغرت أو كبرت؟!.

    ثمانيـة لابد منها على الفتى ولابد أن تجري عليه الثمانية
    سرور وهم واجتماع وفرقة وعسر ويسر ثم سقم وعافية

    وهذه كلمات أحببنا من خلالها توجيه رسالة لكل من ابتلي بفقد حبيب أو عزيز أو قريب، ليتصبر ويرضى ويسلم راجيا من الله تعالى عظيم الأجر وحسن الخلف، فنقول:
    من أعظم ما يعين على الصبر عند فقد الأحبة:

    النظر في عاقبة الصبر والرضا

    فقد وعد الله عبادة الراضين الصابرين أجرا عظيما وفضلا كبيرا.
    لو تدبر العبد قول الله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}( البقرة:155-157).

    سبحان الله صلاة ورحمة وهدى لمن كان من الصابرين، قال عبد الله بن مطرف رحمه الله عندما مات ولده: والله لو أن الدنيا وما فيها لي، فأخذها الله عز وجل مني، ثم وعدني عليها شربة من ماء لرأيتها لتلك الشربة أهلاً، فكيف بالصلاة والرحمة والهدى؟!.

    انظر إلى أم سلمة رضي الله عنها حين توفي زوجها أبو سلمة رضي الله عنه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها " قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم عزم الله عليَّ، فقلتها ، قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومن خير من رسول الله؟!.

    أجر الصابر على فقد الولد

    وإذا كان من أعظم المصائب التي يصاب بها المرء أن يفقد ولده فقد ورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعين على الصبر على هذه المصيبة العظيمة، فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول -وهو أعلم-: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع. فيقول الله جلَّ وعلا: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسمُّوه بيت الحمد". والبيت لابد له من ساكن فيا لها من بشارة ما أعظمها!.

    وروى الإمام أحمد رحمه الله من حديث معاوية بن قرة أن رجلاً كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أتحبه؟" فقال: يا رسول الله! أحبك الله كما أُحبُّه. فتفقده النبي! فقال: "ما فعل ابن فلان؟" فقالوا: يا رسول الله! مات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: "أما تحب أن تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عليه ينتظرك؟" فقال رجل: يا رسول الله! أله خاصة أم لكلنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "بل لكلِكم".

    وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لها، فقالت: يا رسول الله! ادعُ الله له؛ فلقد دفنت ثلاثة قبله. فقال صلى الله عليه وسلم: "دفنت ثلاثة؟!" -مستعظمًا أمرها- قالت: نعم، قال:" لقد احتظرت بحظار شديد من النار ". أي: لقد احتميت بحمى عظيم من النار.

    وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صَفِّيَه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة".

    وهناك غيرها من أحاديث المصطفى التي فقهها السلف الصالح رضي الله عنهم فأحب بعضهم لو أنه قدم فرطا يحتسبه ويفوز بهذا الفضل، هذا عمر بن عبد العزيز يدخل على ولده عبد الملك رحمه الله في مرضه الذي مات فيه فيقول:

    يا بني! كيف تجدك؟ قال: تجدني -أبتاه- في الموت. قال: يا بني! لأن تكون في ميزاني أحب إليَّ من أن أكون في ميزانك، فقال الابن: يا أبتِ! والله لأن يكون ما تحبُّه أحبُّ إليَّ من أن يكون ما أحبُّه، ثم مات -عليه رحمة الله-.

    إبراهيم الحربي وولده

    وكان لإبراهيم الحربي رحمه الله ولد بلغ الحادية عشرة وقد حفظ القرآن ولقنه أبوه جانبا كبيرا من الفقه، فمات فلما جاءه بعض المعزين قال إبراهيم: والله لقد كنت على حبي له أشتهي موته، فقال له المعزي: أنت عالم الدنيا تقول ذلك في صبي قد حفظ القرآن، ولقنته الحديث والفقه؟ قال: نعم أو يخفى عليك أجر تقديمه؟ -أو كما قال- ثم قال: وفوق ذلك فلقد رأيت في منامي كأن القيامة قامت، وكأن صبياناً بأيديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس، فيسقونهم، وكان اليوم حارّاً شديد حره، قال: فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء. قال: فنظر إليَّ وقال: لست أبي. قال: قلت: من أنتم؟ قال: نحن الصبية الذين مِتْنا، واحتسبنا آباؤنا ننتظرهم لنسقيهم، فنسقيهم الماء. قال: فلذلك اشتهيت موته، والحمد لله، وإنا لله وإنا إليه راجعون!.

    ووقف محمد بن سليمان على قبر ابنه وفلذة كبده بعد ما دفنه قائلاً: كل ذلك في كتاب، الحمد لله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم إني أرجوك له، وأخافك عليه. اللهم فحقِّقْ رجائي فيه، وآمِنْ خوفي عليه.

    أم عقيل

    ونختم بما ذكره ابن الجوزي رحمه الله عن الأصمعي خرجت أنا وصديق لي إلى البادية، فضللنا الطريق؛ فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق، فقصدنا نحوها، فسلمنا؛ فإذا عجوز ترد السلام، ثم قالت: من أنتم؟ قلنا: قوم ضللنا الطريق، وأَنِسْنَا بكم، وقوم جياع. قالت: ولُّوا وجوهكم حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل.

    ففعلنا، وجلسنا على فراش ألْقَتْهُ لنا، وإذا ببعير مقبل، عليه راكب، وإذا بها تقول: أسأل الله بركة المقبل، أما البعير فبعير ولدي، وأما راكبه فليس بولدي. جاء الراكب، وقال: يا أم عقيل! السلام عليك.. أعظم الله أجرك في عقيل، فقالت: ويحك! أوقد مات عقيل؟ قال: نعم. قالت: وما سبب موته؟ قال: ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر، فقالت: انزل، ودفعت له كبشاً، ونحن مدهوشون، فذبحه وأصلحه، وقرَّب إلينا الطعام، فجعلنا نتعجب من صبرها؛ فلما فرغنا قالت:

    هل فيكم أحد يحسن من كتاب الله -عز وجل- شيئاً فقلنا: نعم. قالت: فاقرءوا عليَّ آيات أتعزَّى بها عن ابني، فقرأ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }(البقرة:155-157) قالت: آللهِ إنها لفي كتاب الله؟ قلت: والله إنها لفي كتاب الله. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، صبراً جميلاً، وعند الله أحتسب عقيلاً. اللهم إني فعلت ما أمرتني به؛ فأنجز لي ما وعدتني، ولو بقي أحد لأحد لبقي محمد صلى الله عليه وسلم لأمته.

    الفرج قريب

    يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله

    اليأس يقطـع أحيانـا بصاحـبـه لا تيأسن فإن الكافي الله

    الله يُحدث بعـد الـعـسر ميسرة لا تجزعن فإن الكاشف الله

    إذا بليت فـثـق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله

    والله مالـك غـيـر الله مـن أحد فحسبك الله في كل لك الله

    نسأل الله أن يعافي المسلمين من كل مكروه وسوء، وأن يرزقنا وإياهم الصبر والرضا، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 01:12 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إباءة الضيم وأثرها في سيادة الأمم
    الضيم:الظلم والاضطهاد، وإباءته: كراهته والنفور منه.
    والنفور الصادق من الضيم يستلزم الغضب عند وقوعه؛ كما قال مهيار الديلمي يمدح أبا سعيد بن عبد الرحيم:

    نفى الضيمَ عنه أنفُ غضبانَ ثائرٍ *** يَخِفُّ وقِسْطُ الحادثات ثقيلُ

    وإذا غضب الرجل من الضيم غضبة ملتهبة، بذل وسعه في التخلص منه، أو في التوقي منه قبل وقوعه، فمن لم يغضب لوقوع الضيم، أو لم يبذل وسعه في التخلص أو الحذر منه، فهو محروم من هذا الخلق المجيد.

    ولهذا الخُلُق صلة محكمة بخلقين عظيمين: عزة النفس، والبطولة، فمن لم يكن عزيز النفس، لم يتألم من أن يضام، ومن لم يكن بطلًا، احتمل الضيم رهبة أو حرصًا على الحياة.

    ومن طالع العرب في عهد جاهليتهم، عرف أنهم كانوا يأبون الضيم في حماسة وصلابة، ويعدُّونه في أول ما يفتخرون به من مكارم الأخلاق، وقد أخذ هذا الخُلُق في أشعارهم ومفاخراتهم مكانًا واسعًا، فنبهوا على أنَّ احتمال الضيم عجز، والعاجز لا يُرجَى لدفع مُلمَّة، ولا للنهوض بمهمة.

    قال المتلمس:
    ولا تقْبَلنْ ضيمًا مخافةَ مِيتةٍ *** وموتَنْ بها حرًّا وجِلدُك أمْلَسُ

    وضربوا لاحتمال الضيم أبشع الأمثال، وأشدها تنفيرا منه، فقال المتلمس أيضا:

    ولا يُقيم على ضيمٍ يُراد به *** إلَّا الأذلانِ عَيْرُ الحيِّ والوَتَدُ

    هذا على الخَسْفِ مربوطٌ برُمَّتِه *** وذا يُشَجُّ فلا يَرثِي له أحدُ

    ونبهوا على أن حرية النفس والإقامة على ضيم لا يجتمعان أبداً، فقال الشنفرى:

    ولكنَّ نفسًا حرَّةً لا تُقيمُ بي *** على الضَّيْمِ إلا رَيْثما أتحوَّلُ

    وأشاروا في حكمهم إلى أن ذوي النفوس الزكية يتجافون عن مواطن الضيم، وينأون عنها، ولو إلى مواقع الخطوب الدامية، قال معن بن أوس:

    إذا أنت لم تُنصفْ أخاك وجَدْتَه *** على طَرَفِ الهجران إن كان يعقِلُ

    ويركبُ حدَّ السَّيفِ مَن أنْ تُضيمَه *** إذا لم يكنْ عن شَفْرةِ السَّيفِ مَزْحَلُ

    وإباءة العرب للضيم أيام جاهليتهم ملأت أعين الدول المجاورة لهم مهابة، فعاشوا ولم يكن لواحدة من تلك الدول عليهم من سبيل.

    قال النعمان بن المنذر يصف العرب في محادثة له مع كسرى: (وأما عزها ومنعتها (يعني: العرب)، فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوَّخوا البلاد، ووطَّدوا الملك، ولم يطمع فيهم (أي: العرب) طامع، ولم ينلهم نائل).

    جاء الإسلام، فوجد العرب قد يتجاوزون في هذه الخصلة حدَّ الاعتدال، فهذَّبها، وأحاطها بحكمة حقَّقت فيها معنى ابتغاء العزة، وهيَّأتها لأن تلتقي بالعدل، وترافق الحلم، وتساير السياسة الرشيدة أينما سارت.


    هذَّب الإسلام إباءة الضيم، وجعلها من الخصال التي يقتضيها الإيمان الصادق، فأصبحت خلقًا إسلاميًّا، أينما وجد الإيمان الصادق، وجدت إباءة الضيم بجانبه، ألا تقرؤون فيما تقرؤون من الكتاب المجيد قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، ولا عزة لمن يسومه عدوه ضيماً، فيطأطئ له رأسه خاضعًا، وإنما قتل في نفسه الشعور بالمهانة الحرص على الحياة، أو على شيء من متاعها، وكل متاعها في جانب العزة حقير.


    يأبى الرجل الراسخ في مكارم الأخلاق أن يلحقه الضيم في نفسه، ويأبى بعد هذا أن يضام من يمتُّ إليه بصلة قرابة أو جوار أو استجارة؛ إذ اضطهاد أحد من أمثال هؤلاء يجرُّ إليه عارًا، ويلبسه صغارًا.

    ورجل الأخلاق يغضب لأن يضام المنتمي إليه بصلة قرابة، وإذا كان هذا القريب ممن يناوئه، ويضمر له سوءًا، قال المغيرة بن حنباء:

    وأغضبُ للمولَى فأمنعُ ضيمَه *** وإن كان غشًّا ما تَجِنُّ ضمائِرُه

    يغار الرجل على ذوي القرابة والصداقة والجوار، ويبذل في إنقاذهم من الضيم دمه، أو ماله، أو جاهه، فيعظم بهذه المزية في أعين من يقدرون المكارم قدرها.

    وأكبر أُباةِ الضيم همة، وأرقاهم في سماء السيادة مقامًا، من يغار على الأمة التي يجمع بينه وبينها دين أو وطن، ويأبى أن تمسها لفحة من ضيم، فيجاهد في سبيل سلامتها من أن يُهضَم حق من حقوقها، أو يُغتَصب شبر من أوطانها.

    ويصور لك إباءة الرجل لأن يضام قومه قول عتبان الشيباني حين نزلت ثقيف متغلبة على أرض قومه:

    فلا صُلحَ ما دامت منابرُ أرضِنا *** يقومُ عليها مِن ثَقيفَ خطيبُ

    ودفع الضيم عن الأمة حق على كل من يستطيع الاشتراك فيه بنفس، أو مال، أو تدبير، أو تحريض.
    وقد نص علماء الشريعة على أن العدو إذا أقبل مهاجمًا، كان فرضًا على كل شخص، حتى النساء أن يخرجوا لدفاعه بما استطاعوا.

    ووقاية الأمة من مهانة الضيم تستدعي العمل لأن تكون للأمة قوتان: مادية، ومعنوية.
    أما المادية، فبإعداد ما يتطلبه الدفاع من وسائل الانتصار على العدو، وهذا ما أشار إليه القرآن المجيد بقوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].

    وأما المعنوية، فبتربية النشء على خلق الشجاعة، وصرامة العزم، والاستهانة بالموت.

    فالأمة التي تأبى الضيم بحق، هي الأمة التي تلد أبطالًا، وتبذل كل مجهود في إعداد وسائل الدفاع، لا يقعد بها بخل، ولا يلهيها ترف، وتفاضل الأمم في التمتع بالحرية والسلامة من أرجاس الضيم، على قدر ما تلد من أبطال، وما تعده من أدوات الرمي والطعان:

    متى تَجْمعِ القلبَ الذَّكِيَّ وصارِمًا *** وأنفًا حميًّا تجتنِبْك المظالمُ

    إباءة الضيم خلق محمود أينما حلَّ، وأهم موقع له نفوس الرجال الموكول إليهم تدبير شؤون الأمة، وتنفيذ ما يحقق آمالها، وإنما تسقط الأمة في هاوية الاحتلال الأجنبي، إذا وقع زمام أمرها في يد من صغرت همته، فلا يغضب للضيم الذي يلقى على عنقه، ويسوق الأمة بعصاه إلى جهل وفقر وشقاق...

    ومن الحكمة أن يعمل الإنسان للتخلص من الضيم، بعد شيء من التدبر وإحكام الرأي، حتى لا تفضي به مكافحة الضيم الصغير إلى ضيم أفظع منه، أو تفوت على الجماعة مصلحة أو مصالح كبيرة، لا يعد ذلك الضيم في جانبها شيئاً مذكوراً، وأورد في بيان هذا مثلين:

    أحدهما: من السيرة النبوية، وثانيهما: من التاريخ الصحيح.

    أما السيرة، فقد جاء في قضية الحديبية: أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد مع المشركين صلحًا، قد يبدو في أول النظر أن فيه إجحافًا بحقوق المسلمين، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: (بلى). قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟! قال: "أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني".

    ومن نظر في الفوائد التي ترتبت على هذا الصلح، وجدها من العظم بحيث لا يعد الصلح وقبول ما تمسك به المشركون من الشروط إلا شيئًا لا يقام له وزن، وعرف أن السياسة التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوم سبيلًا مما بدا لعمر بن الخطاب في نظرته الأولى.

    وأما التاريخ: فإن الإسبان لما طغوا على ملوك الطوائف بالأندلس، وشعر هؤلاء الملوك بضعفهم عن مقاومتهم، ظهر للمعتمد بن عباد ملك إشبيلية أن يستعين في دفاعهم بسلطان المغرب يوسف بن تاشفين، فقال له بعض أولئك الملوك: نخشى أن يدخل بلاد الأندلس، ويرد العدو، ثم يبسط سلطانه علينا، فقال المعتمد تلك المقالة الخالدة: (لأن أرعى الجمال خير من أن أرعى الخنازير).
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المصدر: كتاب (موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين، دار النوادر بسوريا)
                  

09-09-2015, 01:15 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    المحافظة على الصحة
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:

    فإن من أجلِّ النعم وأعظمها نعمة الصحة والعافية، ولأنها بهذا الشأن فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ".

    كما أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح وإذا أمسى سأل ربه تبارك وتعالى العافية: " اللهم إني أسألك العافية في الدنيا و الآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني و دنياي ، و أهلي و مالي اللهم استر عوراتي ، و آمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي و من خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك من أن أغتال من تحتي " .

    ووجَّه أمته إلى سؤال الله تعالى العافية حين قال: " سلوا الله العافية واليقين ، فما أعطي أحد بعد اليقين شيئا خيرا من العافية ، فسلوهما الله تعالى ".
    ومعنى العافية كما ذكر المناوي رحمه الله: (السلامة من الأسقام والبلاء... والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه)ا.هـ.

    فحري بالعبد أن يأخذ بأسباب السلامة والعافية ، وأن يحافظ على صحته ويقوي بدنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير " .

    وقرر صلى الله عليه وسلم أن لهذا البدن على صاحبه حقا، فقد قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار ؟" . قلت : بلى ، قال : "فلا تفعل ، قم ونم ، وصم وأفطر ، فإن لجسدك عليك حقا ، وإن لعينك عليك حقا ، وإن لزورك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا..." الحديث.

    وإذا نظرنا إلى تشريعات الإسلام في هذا الجانب فسنجدها تحث العباد على المحافظة على الصحة والأبدان بوسائل شتى، ومنها:

    الحث على النظافة:

    لقد حث الإسلام على النظافة ، فقد جاء في الخبر الذي رواه الطبراني مرفوعاً بسند جيد: "طهروا الأجساد طهركم الله فإنه ليس عبدٌ يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً ".

    وفي خبر آخر عند أبي داود بسند صححه الألباني رحمه الله: " ما من مسلم يبيت طاهراً: فيتعار من الليل ـ أي يستيقظ ـ فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه " .

    أما الوضوء الذي أمر به المسلم إذا أراد الصلاة فهو بالإضافة إلى كونه عبادة وقربة فإنه نظافة وجمال وفي الحديث: " أرأيتم لو كان باب أحدكم على نهر جار يغتسل منه خمس مرات أيبقى من درنه شيء ".

    وغسل الجمعة الذي أخبر النبي صلى اله عليه وسلم أنه واجب على كل محتلم، هو نوع من نظافة الظاهر، في الوقت الذي تعمل فيه الصلاة على نظافة الباطن.

    وخصال الفطرة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم هي في مجملها طاعة وعبادة ونوع من النظافة وقد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: " خمس من الفطرة : تقليم الأظفار وقص الشارب وحلق العانة ونتف الإبط والاختتان".

    وهناك أدلة كثيرة تبين اهتمام الإسلام بالنظافة وإنما قصدنا مجرد الإشارة، وعموما فقد قال الله تعالى: {يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }( الأعراف:31).
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله جميل يحب الجمال".

    الأخذ بأسباب الوقاية:

    ففيما يتداوله الناس أن الوقاية خير من العلاج، وهذا الأمر تراه حقيقة ماثلة في الإسلام، حين علم النبي صلى الله عليه وسلم أن في وفد ثقيف الذي أراد القدوم على النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه رجلا مجذوما( أصابه الجذام) أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ارجع فقد بايعناك".

    كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الدخول إلى بلدة ظهر فيها الطاعون، وأمرهم ألا يخرجوا من بلدة أصابها الطاعون وهم فيها، ولعل هذا ما يسمى الآن الحجر الصحي.

    الرخص الشرعية:

    إذا تأملت الرخص الشرعية فإنك ستجد أن الهدف منها رفع الحرج والمشقة عن العباد، والمحافظة عليهم وعلى سلامتهم، فقد رخص الشرع للمريض غير القادر على القيام في الصلاة أن يجلس فإن لم يستطع صلى مضطجعا، كما أن العاجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه أباح له التيمم، والمسافر والمريض يباح لهما الفطر، والقضاء، فإن كان المرض مزمنا فليس عليه قضاء إنما يطعم عن كل يوم مسكينا، ووضع عن الحائض الصلاة وأوجب عليها الفطر والقضاء بعد الطهر، لما يعتريها أثناء الحيض من نزول دم وحاجتها إلى الراحة والغذاء، وهكذا نجد في الرخص الشرعية جانبا من جوانب عناية الإسلام بالصحة.

    تحريم الخبائث الضارة بالعقل أو البدن

    بين الله تعالى أن من مهام النبي صلى الله عليه وسلم أن يحل لأمته الطيب من المطاعم والمشارب وأن يحرم عليهم الخبيث الضار فقال الله تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ }( من الآية 157 الأعراف).

    وحرم الله تعالى الخمر لأنها تذهب العقول وتضر بالأبدان فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة:90-91).

    المحافظة على البيئة:

    وهي إحدى الوسائل الشرعية للمحافظة على الصحة، فتجد في الأدلة الشرعية تحريم الإفساد في الأرض، وتحريم إهلاك الحرث والنسل، يقول الله تعالى: { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(الأعراف: 56).

    ويقول: { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}(البقرة:205).

    ويجعل النبي صلى الله عليه وسلم إزاحة الأذى عن طريق الناس شعبة من شعب الإيمان: " الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق..."الحديث.

    كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي يتقلب في الجنة بسبب إزاحته الأذى عن طريق المسلمين.
    ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد، وكذلك عن البول في موارد المياه والطريق والظل، وأن هذا الفعل يجلب على صاحبه دعاء الناس عليه ولعنتهم إياه.

    وعلى الجانب الآخر يحث النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة إلى الخيرات ومنها : " إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها".
    ونهى عن قطع الشجر لغير حاجة كما عند أبي داود والبيهقي والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار ". (صححه الألباني).

    وكان صلى الله عليه وسلم يوصي أمراء جيوشه فيقول: "اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله ولا تغدروا.. ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة ولا تهدموا بناء".

    فإذا عاش الناس في بيئة نظيفة خالية من الملوثات انعكس ذلك على صحتهم إيجابيا.

    وأخيرا نسأل الله أن يعافي المسلمين في دينهم ودنياهم وأبدانهم وأهليهم وآخرتهم، والحمد لله رب العالمين.

    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 01:17 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    عضل النساء
    من محاسن الإسلام العظيمة أنه رفع عن المرأة الظلم والضيم الذي كان واقعا عليها قبل الإسلام، وحافظ على كرامتها ورفع قدرها، فالنساء شقائق الرجال، والله عز وجل يقول : {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}( البقرة: 228).
    وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم من رزقه الله البنات فقام عليهن وأحسن إليهن أجرا عظيما، فقد روى أبو داوود عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة".

    وحين منع الشرع المرأة من تزويج نفسها بغير ولي فإنما كان ذلك حفاظا عليها ورعاية لها وصيانة لحيائها وكرامتها.

    لكن في نفس الوقت أمر الأولياء بتقوى الله في النساء والحرص على مصالحهن واختيار الأزواج الصالحين المرضيين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنه في الأرض و فساد كبير".

    لكن بعض الأولياء ـ هداهم الله ـ يعضلون النساء، والعضل هو منع البنت أو المرأة من الزواج إذا تقدم لها كفؤها ممن ترضاه وتوافق عليه.

    وهؤلاء الأولياء الذين يفعلون ذلك يرتكبون منكرا وإثما مبينا ، ويخالفون كتاب الله وشرعه، فقد نهى الله تعالى عن عضل البنات فقال: { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}( البقرة: 232).

    وهناك القصة المشهورة قصة معقل بن يسار رضي الله عنه، الذي زوج أخته رجلا من المسلمين فطلقها فلما انقضت عدتها جاء يخطبها فرفض معقل بن يسار وقال: أكرمتك وزوجتك فطلقتها، والله لا ترجع إليها أبدا. وكانت المرأة تريده فنزل قول الله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}، فلما سمعها معقل بن يسار دعا الرجل فزوجه.

    تزويجها ممن لا ترغبه

    ومن صور العضل أن يجبرها وليها على الزواج ممن لا ترغب فيه ، خصوصا إن كان فاسقا أو فاجرا، أو كان يكبرها جدا لمجرد غناه أو وجاهته أو حسبه ونسبه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن". قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: " أن تسكت".( رواه البخاري).

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم.

    وعن خنساء بنت خذام الأنصارية : أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها.

    وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( القول الراجح في هذه المسألة أنه لا يحل للأب ولا لغيره أن يجبر المرأة على التزوج بمن لا تريد وإن كان كفئاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح البكر حتى تستأذن" وهذا عام لم يستثن منه أحد من الأولياء، بل قد ورد في صحيح مسلم: "البكر يستأذنها أبوها"، فنص على البكر ونص على الأب، وهذا نص في محل النزاع فيجب المصير إليه ، وعلى هذا فيكون إجبار الرجل ابنته على أن تتزوج بشخص لا تريد الزواج منه يكون محرماً...).

    حجزها لابن عم او قريب

    ومن صور العضل الشائعة في بعض المجتمعات أن تحجز المرأة أو الفتاة لقريب لها كابن عم أو غيره، دون مشورة منها أو أخذ رأيها، وكم رأينا في الواقع من حالات أخرت فيها الفتاة بحجة أنها محجوزة لهذا القريب لكنه حين أراد الزواج لم يلتفت لها وكان القطار قد فاتها وعزف عنها الخطاب لما استقر عند الأهل والجيران والمعارف أنها لفلان.

    وهذه العادة ينبغي محاربتها والقضاء عليها بحيث يستقر في المجتمع أن الأمور لا تدار بهذا الشكل إنما تترك لأقدار الله ، فإن جاء الفتاةَ من هو أهل لها أُخذ رأيها فإن وافقت عليه ووافق الولي فبها ونعمت ، وإن لم يأتها من يناسبها حتى تقدم لها هذا القريب أو ذاك فحبا وكرامة، أما أن تؤخر أو يرفض الخطاب الأكفاء لمجرد حجزها لابن العم فهذا مما لا يعرف في دين الله.

    الحرص على الحسب والنسب

    ومن صور العضل أن يمتنع الولي من تزويج موليته إلا من قبيلة أو قبائل بعينها، وكم حدثت مآسي بسبب هذا الفكر العقيم؛ إذ دخل كثير من النساء في قافلة العنوسة ولم يأت الفارس المنتظر من هذه القبيلة أو تلك، مع أن النبي صلى الله غليه وسلم زوّج زينب بنت جحش ـ وهي ابنة عمته ـ وهي قرشية من أفضل العرب نسبا، زوّجها من رقيقه الذي أعتقه زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه.

    الطمع في الراتب

    ومن صور العضل أن يمنعها من الزواج طمعا في راتبها ، وفي سبيل ذلك يشيع عنها أنها سيئة الخلق أو دميمة أو لا تحسن القيام على امور البيت حتى ينصرف عنها الخطاب وتبقى هي بالنسبة له بقرة حلوبا تدر عليه المال، وأعرف أن شابا تقدم لخطبة فتاة تعمل ولها راتب وأبوها يطمع في راتبها فاتّهم الخاطب بأنه لا يرغب في الزواج بابنته إلا طمعا في راتبها، فتعهد الخاطب بكتابة تنازل بيده وبيد الفتاة عن الراتب وعن المال المتوفر بالفعل للوالد ليتم الزواج لكن الوالد غير الرفض لتظل الفتاة رهينة هذا المخلوق الذي انتزعت من قلبه الرحمة وخالف تعاليم الدين.

    ولو كان هذا الرجل وأمثاله من العقلاء لسعى في إعفاف ابنته وتزويجها من كفئها ولو أنفق من جيبه الاموال الطائلة ، ألم تر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة على الصديق أبي بكر ثم على عثمان، حتى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!.

    وكذلك الرجل الصالح الذي عرض على نبي الله موسى عليه السلام أن يتزوج إحدى ابنتيه: { قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج...}( الآية، القصص :27).

    والناس يتداولون هذه القصة للفتاة التي جاءت أباها وهو على فراش الموت يحتاج من يلقنه الشهادة أو يدعو له، فقالت له: يا أبت، قل آمين، فقال: آمين ، فكررت عليه ثلاثا وهو يقول: آمين ، فقالت: حرمك الله من الجنة كما حرمتني من الزواج.

    إساءة العشرة

    وآخر صور العضل التي نشير إليها أن يبغض الرجل زوجته ويكرهها ولا يريدها، لكنه لا يطلقها حتى لا يخسر مالا، فيسيء عشرتها لتطلب الطلاق وتختلع ولو بدفع مال، وليعلم مثل هذا أنه لا يحل له ذلك ، بل كل ما أخذه من حقها في هذه الحالة فهو حرام وسحت، قال الله عز وجل:

    { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله في خيرا كثيرا. وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا. وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} ( النساء: 19-21).

    ألا فليتق الله كل من ولاه الله تعالى أمر واحدة أو أكثر من النساء، وليعلم انه موقوف بين يدي الله تعالى وسؤول عمن استرعاه الله.

    نسأل الله أن يمن على شبابنا وفتياتنا بالزواج وطيب العيش وقرة العين وأن يملأ بيوت المسلمين سعادة ومحبة وذرية صالحة، والحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده وسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 01:20 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    التربية على تحمل المسؤولية

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
    فإن الناظر في حال الأمم يجد أنه ما من أمة ترقت في مراتب المجد وسطرت اسمها على صفحات التاريخ إلا كان وراء ذلك عمل كبير وتضحيات جسام، وبذل للجهد والعرق في كل الميادين.

    إن الأمم لا تكون كذلك بغير تحمل أبنائها لمسؤولياتهم، واستعداد الشباب والناشئة للبذل والتضحية والعطاء، مما يجعلنا نتبين خطورة إهمال الناشئة وعدم تربيتهم على الجد واستشعار المسؤولية.

    وإذا نظرنا إلى أحوال السابقين من أمتنا نجد أنهم أعطوا هذا الأمر ما يستحقه من العناية بحيث نشأ أبناؤهم نشأة سوية تحملوا المشاق والصعاب دون كلل أو ملل، وبذلوا لهذا الدين ولرفعة الأمة دون مَنٍّ.

    فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أسامة بن زيد على يديه، ثم في سن السابعة عشرة يكلفه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش فيه أبو بكر وعمر، وينتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه وينفذ أبو بكر بعث أسامة فيتحمل المسؤولية ويمضي في مهمته ويعود منها محققا الغاية التي من أجلها أرسل الجيش وتعجب حين تعلم أن الصحابة كانوا يقولون بعد ذلك: ما رأينا أسلم من بعث أسامة؛ ذلك أن الله تعالى قد حفظ أفراد الجيش حتى رجعوا سالمين.

    ويجلس عن يمينه يوما الغلام عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وعن يساره أبو بكر فيشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم يستأذن ابنَ عباس أن يناول الإناء الصديق يقدمه عليه فيرفض ابن عباس أن يؤثر بنصيبه من رسول الله أحدا، وإن كان يكبره في السن والفضل، فيتربى الغلام على الشجاعة الأدبية والجرأة في الحق، وهكذا حتى يصير حبر الأمة وترجمان القرآن.

    وهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان عمره إحدى عشرة سنة تقريبًا حين قَدِم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة ، وكان يحضر مجالس الكِبار ويحضر مُناسبات المسلمين في المدينة، فلمَّا كبر أصبح علَمًا من أعلام المسلمين.

    وهو الذي يقول : كُنَّا عندَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: "أخبِرُوني بشجرةٍ تُشبِه - أو: كالرجل - المسلم، لا يَتَحاتُّ ورقُها"، قال ابن عمر: فوَقَع في نفسي أنها النَّخلة، ورأيت أبا بكرٍ وعمر لا يتكلَّمان فكرهت أنْ أتكلَّم، فلمَّا لم يقولوا شيئًا قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "هي النخلة" ، فلمَّا قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد كان وقَع في نفسي أنها النَّخلة، فقال: ما منَعَك أنْ تكلَّم؟! قال: لم أرَكُم تكلَّمون فكَرِهتُ أنْ أتكلَّم أو أقول شيئًا، قال عمر: لأنْ تكون قلتَها أحب إلَيَّ من كذا وكذا؛ (رواه البخاري، ومسلم).

    هكذا يشجعه أبوه ويعوده تحمل المسؤولية، ويصبح عبد الله واحدا من أعلام المسلمين حتى فكر بعض المسلمين عند طعن عمر أن يتولى الخلافة ولده عبد الله.

    المسؤولية وحب العمل

    إذا نظرت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لوجدت أنهما يحثان على العمل ويدعوان إليه بأساليب شتى، فتارة يبن لك القرآن أن الإيمان لابد معه من عمل وإلا أصبح مجرد دعوى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لايلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم. إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسـوله ثم لم يرتابـوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}(الحجرات:14-15 ).

    وتارة يخبرك أن السؤال والحساب يوم القيامة إنما هو عن العمل: { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون } (النحل: 93 ).

    وتارة يبين أن الجزاء في الدنيا والآخرة مرتبط بالعمل:

    { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون } (الأعراف:96)، إذاً فالجزاء بالإحسان أو العقوبة في دار الدنيا مرتبط بالعمل، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

    أما الثواب الأخروي وهو الأساس الذي شمر إليه المشمرون وسعى إليه العاملون وتنافس فيه الصالحون فمرتبط بالعمل: { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } (الأعراف: 43 ).
    والعقاب الأخروي في نار الجحيم مرتبطٌ بالعمل :{ ومن جاء بالسيئة فكبَّت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون }( النمل :90).

    وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي الأمة على الجد والعمل والعزة والاستغناء عن الناس: " لأن يأخذ أحدكم حبله ، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس ، أعطوه أو منعوه ".(البخاري).

    وعند أبي داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال:" أما في بيتك شيء؟" قال : بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: "ائتني بهما" ، قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال:
    "من يشتري هذين؟ "قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: "من يزيد على درهم؟" مرتين أو ثلاثا قال: رجل: أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال:

    "اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به" ، فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له: " اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما" فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    " هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع ،أو لذي دم موجع ".

    ووظيفة المسلم في الحياة هي العمل، ولذا فقد علمَّنا صلى الله عليه وسلم أن ندعو للمريض بقولنا: "اللهم اشف عبدك فلاناً ينكأ لك عدواً أو يمشي إلى الصلاة". وحين سأله رجل: متى الساعة ؟ قال له: "ماذا أعددت لها؟" ، أليس في هذا تربية لأصحابه رضي الله عنهم وللأمة من بعدهم على أن يكون همهم وشأنهم متجهاً إلى العمل؟.

    يقول الشيخ محمد بن عبد الله الدويش:
    (لعل هناك من يتساءل وما علاقة العمل بالتربية الجادة؟ فنقول: إن العمل يعد من أهم محددات الجدية، وإن من أكبر مواصفات الرجل الجاد والمجتمع الجاد أنه عامل، بل لعلك لا تكاد تجد وصفاً دقيقاً للرجل الجاد غير هذا الوصف. ومع ذلك فالعمل الذي نريده ليس أي عمل بل هو العمل المنتج الذي ترجى من ورائه ثمرةٌ لهذه الدعوة المباركة. وليس كون العمل منتجاً فحسب كافياً لإدراج صاحبه ضمن قائمة الجادين، بل لابد أن يكون النتاج بالقدر اللائق؛ إذ هناك من يعمل أعمالاً منتجة فعلاً لكنها تُستقل ممن هو دونه بكثير فما بالك به. وحين يكون من أولويات اهتمام المربين إعداد الجيل الجاد العامل، وضمن معايير تقويمهم للنجاح التربوي مدى العمل والانتاجية؛ حينها نشعر فعلاً أن التربية في الأمة صارت منتجة ومحققةً لأهدافها).

    إن الأمة يا أحبتي تمر بفترات عصيبة من تاريخها تحتاج إلى الجادين القادرين على تحمل المسؤوليات في كل الميادين والمجالات حتى تنهض الأمة من جديد ويعود إليها عزها ومجدها وريادتها.
    نسأل الله ان يوفقنا والمسلمين لما يحب ويرضى وأن يرزقنا معالي الأمور وأن يجنبنا سفاسفها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 01:22 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من حقوق الأخوة
    الحمد الذي ألف بين قلوب أوليائه فأصبحوا بنعمته إخوانا، والصلاة والسلام على البشير النذير الذي جمع الله به بين قلوب الموحدين فصاروا خلانا، وبعد:

    فمن أجلِّ النعم التي ينعم الله بها على العبد أن يرزقه إخوة صالحين يألفهم ويألفونه، ويحبهم ويحبونه، ولا شك أن لهذه الأخوة حقوقا ينبغي القيام بها، وليس حديثنا هنا عن الحقوق العامة بين المسلمين ، إنما الحديث عن حقوق الأخوة الخاصة والتي نتكلم عنها في النقاط التالية:

    أولا: الإخلاص في المحبة

    ونعني بذلك ان يكون حبه لأخيه في الله خالصا لوجه الله تعالى لا لمصلحة دنيوية كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".

    فليس الشأن أن تكون مُحِبا لأخيك، وإنما الشأن في هذه العبودية التي تمتثل ما أمر الله جل وعلا به، أن تكون محبتُك لهذا الخاص من الناس، أو محبتُك لإخوانك، لله لا لغرض من الدنيا.، وإذا كانت المحبة لله فإنه يرجى دوامها ، أما إذا كانت لغير الله فإنها في الغالب لا تدوم بل تضمحل كما قال القائل: ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل، وقد تنقلب عداوة والعياذ بالله.

    ثانيا: حفظ العرض

    إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال في خطبته في حجة الوداع : "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام..." الحديث، فعِرض المسلم على المسلم حرام بعامة، فكيف إذا كان بين المسلم والمسلم أخوّة خاصة وعقد خاص من الأخوة ، كيف لا يحفظ عرضه، وقد قام بينهما من الأخوة والمحبة الخاصة ما ليس بينه وبين غيره؟.

    إذا كان المسلم مأمورا أن يحفظ عرض أخيه الذي هو بعيد عنه، فكيف بالذي بينه وبينه مودّة، وتعاون على البر والتقوى، وسعي في طاعة الله، وفي العبودية لله جل جلاله، واكتساب الخيرات، والبعد عن المآثم.

    ولا شك أن هذا الحق يقتضي أمورا منها:

    - السكوت عن العيوب وسترها، فمن كان بينه وبين أحد من المؤمنين أخوة خاصة فلا شك أنه سيطلع منه على ما لا يطلع عليه غيره فتبدو له بعض العيوب ومن حقوق الأخوة أن يستر الأخ على أخيه ويتغاضى عن هذه العيوب ولا يفشيها؛ إذ لو كان الآخر يعلم أن أخاه سيفشي عيوبه لتحرز منه، فلا يجوز للأخ أن يفشي عيب أخيه في حضوره ولا في غيبته، سواء كان هذا العيب يتعلق به أو بأهله أو غير ذلك؛ فإن المروءة وحقوق الأخوة تأبى على الصاحب الوفي أن يفشي عيب أخيه.

    - حفظ سره وعدم البوح به، وهذا يختلف عما سبق من ستر العيب، فالسر هو ما بثه إليك مما استأمنك عليه سواء كان هذا السر متعلقا به أو بغيره ، والمجالس بالأمانات ، وكما ورد عند أبي داود رحمه الله من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الرجل إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت عنه فهي أمانة".

    والله عز وجل أمر بحفظ الأمانات، وقد كان السلف رضي الله عنهم يحفظون السر حتى إن أحدهم كان يحدث أخاه بسر من أسراره فإذا فرغ من حديثه سأله أوعيته؟ فيجيب الآخر بل نسيته ، زيادة ومبالغة في حفظ السر.

    - ومن صيانة عرضه أن تصاحبه مصطحبا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "، فلا تحاول أن تزعجه بأسئلة عما لم يخبرك به، بل تترك الأمر له إن رأى مصلحة في إخبارك بأمر ما أخبرك وإلا كتم عنك ، ولا يكون منك إلحاح يزعجه ويضجره.

    ثالثا: حسن الظن

    فنحن مطالبون بحسن الظن في المسلم بصفة عامة فكيف بمن كان بيننا وبينه خصوصية في العلاقة؟! إن الأمر حينئذ يكون أشد تأكدا، والله عز وجل يقول: { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم...} ( الحجرات من الآية 12).

    ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الظن فقال: " إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث".

    وقد كان السلف رضي الله عنهم ينأون بأنفسهم عن هذا الخلق الذميم، فتراهم يلتمسون الأعذار للمسلمين، حتى قال بعضهم: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذرًا لا أعرفه.

    وورد عن عمر رضي الله عنه قال: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا.

    فلا ينبغي للمسلم أن يترك للشيطان على نفسه سبيلا في إيقاع العداوة بينه وبين إخوانه من خلال سوء الظن؛ فإن الشيطان يريد إيقاع العداوة بين الناس:{ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء...} ( المائدة من الآية 91).
    ونكمل بقية الحقوق في مقال قادم إن شاء الله ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
    ونكمل بإذن الله تعالى ما بدأناه فنقول: إن من هذه الحقوق:

    مواساة الأخ لأخيه بالمال:

    وهي كما ذكر بعض أهل العلم على ثلاث مراتب: أدناها أن تقوم بحاجته من فضل مالك، أي ما زاد من مالك، فإذا احتاج وعندك فضل مال أعطيته ولم تحوجه إلى ذل السؤال، فإن أحوجته إلى السؤال مع علمك بحاجته فهذا غاية التقصير في حق أخيك.

    والمرتبة الثانية أن تنزله منزلة نفسك ، وترضى بمشاركته إياك في مالك، قال علي بن الحسين لرجل: هل يُدخل أحدكم يده في كُم أخيه أو كيسه فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه؟ قال: لا ، قال: لستم بإخوان.
    وقال الحسن رحمه الله : كان أحدهم يشق إزاره بينه وبين أخيه .

    وجاء رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: إني أريد أن أواخيك في الله. فقال: أتدري ما حق الإخاء؟ قال: عرفني. قال: ألا تكون أحق بدينارك ودرهمك مني . قال: لم أبلغ هذه المنزلة بعد. قال: فاذهب عني.

    أما المرتبة الثالثة فهي أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهذه رتبة الصديقين وأعلى درجات المتحابين.

    وقد مدح الله الأنصار بقوله: { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ( الحشر:9).
    وقد عرض الأنصار على إخوانهم المهاجرين أن يقتسموا معهم الأموال فعف المهاجرون عن أموال إخوانهم الأنصار، وكانت رأس الشاة تهدى للرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيرسلها إلى أخيه مواساة له وإيثارا له بها حتى تدور على سبعة من الصحابة ثم ترجع إلى الأول، كل منهم يؤثر أخاه على نفسه.

    إعانة الأخ بالنفس في قضاء حوائجه:

    وهي من حقوق الأخ على أخيه ، وهي أيضا درجات كالمواساة بالمال، فأدناها القيام بحاجة الأخ عند السؤال وإظهار الفرح بهذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".( رواه مسلم).

    والدرجة الثانية في المواساة بالنفس أن تجعل حاجته كحاجتك ، وقد كان بعض السلف يتفقد عيال إخوانه بعد موتهم ويقضي لهم حوائجهم، ويأتيهم كل يوم ، ويمونهم من ماله ، فكان الأولاد لا يفقدون بموت الأب إلا صورته.

    والدرجة الأرقى والأسمى في المواساة بالنفس، أن يقدم حاجة أخيه على حاجته ولو أدى ذلك إلى تأخير حوائج نفسه، ولا ينتظر على ذلك مكافأة، فقد قضى ابن شبرمة رحمه الله حاجة لبعض إخوانه، فأهدى له الأخ هدية ، فقال ابن شبرمة: خذ مالك عافاك الله ، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها، فتوضأ للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات وعده من الموتى.

    ترك المراء والمجادلة:

    فإن المراء والمجادلة تقسي القلب وتزرع الحقد وتنبت الضغينة وترقق الورع في المنطق والفعل.
    وغالبا ما يكون الباعث على المراء والمجادلة إظهار التميز، واحتقار المردود عليه بإظهار جهله وقلة علمه، أو الانتصار للرأي والنفس والرغبة في تجنب الوصف بالخطأ، ولا شك أن هذا يخالف هدي السلف رضي الله عنهم حيث كانوا يبادرون بالرجوع إلى الحق متى تبين لهم ولا يتكبرون عن الاعتراف بالخطأ ؛ ولهذا كثيرا ما رأينا منهم رجوعا عن فتاوى أو آراء دون تعصب أو تكبر.

    كما كان السلف رضي الله عنهم يتحرزون من هذه الآفة ويربأون بأنفسهم وإخوانهم عن الوقوع في حبائلها، حتى قال بعضهم: من لاحى الإخوان وماراهم قلت مروءته ، وذهبت كرامته.
    وقال عبد الله بن الحسن: إياك ومماراة الرجال؛ إنك لن تعدم مكر حليم ، أو مفاجأة لئيم.
    وقال الحسن رحمه الله: إياكم والمراء؛ فإنه ساعة جهل العالِم، وبها يبتغي الشيطان زلته.

    ولأن المراء والجدال يذهب حرارة الحب في الله ، وربما قضى على معاني الأخوة في النفوس، فقد رآه بعضهم الخسارة بعينها، حتى قال خالد بن يزيد بن معاوية: إذا كان الرجل مماريا لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته.
    والمراء والمجادلة مع الإخوان ليست من حسن الخلق الذي أمرنا أن نتحلى به، نسأل الله أن يجنبنا المراء والجدل.

    زيارته في الله

    ويدخل في حق الأخ على أخيه أن يتفقده بالزيارة أحيانا، ليدخل عليه السرور ويظهر له مزيد اهتمام.
    وكما هو معلوم فإن فضل الزيارة في الله كبير وعظيم، يكفي أن الله تعالى أرسل ملكا يبشر رجلا بمحبة الله عز وجل له لأنه يزور أخاه في الله ويحبه فيه.

    كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم الزائر بالجنة حين قال: " ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والصدِّيق في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الله في الجنة ".( رواه الطبراني وحسنه الألباني).

    ومن روائع ما يحكى في التزاور في الله ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن النقاش قال: بلغني أن بعض أصحاب محمد بن غالب جاءه في يوم وحل وطين، فقال محمد: متى أشكر هاتين الرجلين اللتين تعبتا إلي في مثل هذا اليوم لتكسباني في الثواب، ثم قام بنفسه فاستقى له الماء ، وغسل رجليه.
    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 01:26 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    ذم الحرص على الشرف والمال
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
    فعن كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما ذئبان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه"( رواه الترمذي وقال:حسن صحيح).
    فهذا مثل عظيم جدا ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان فساد دين المرء مع حرصه على المال والشرف أي الرفعة في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس بأقل من فساد الغنم التي غاب عنها رعاؤها وأرسل فيها ذئبان جائعان، ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين والحالة هذه إلا قليل.
    فأما الحرص على المال فهو نوعان: أحدهما: شدة محبة المال مع شدة طلبه من وجوهه مع الجهد والمشقة ، ولو لم يكن في الحرص على المال إلا تضييع العمر الشريف الذي يمكن أن يشتري به صاحبه الدرجات العلى والنعيم المقيم ، في طلب رزق مضمون مقسوم لا يأتي منه إلا ما قدر وقسم ، ثم لا ينتفع به بل يتركه لغيره.
    قيل لبعض الحكماء: إن فلانا جمع مالا، قال: فهل جمع أياما ينفقه فيها ؟ قيل :لا، قال: ما جمع شيئا.
    كان عبد الواحد بن زيد يقول: يا إخوتاه لا تغبطوا حريصا على ثروته وسعته في مكسب ولا مال، وانظروا له بعين المقت له في اشتغاله اليوم بما يرديه غدا في المعاد ثم يتكبر.
    وكان يقول: الحرص حرصان حرص فاجع وحرص نافع، فأما النافع فحرص المرء على طاعة الله، وأما الحرص الفاجع فحرص المرء على الدنيا، وهو مشغول معذب لا يسر ولا يلذ بجمعه لشغله، فلا يفرغ من محبة الدنيا لآخرته.
    قال بعضهم:
    لا تغبطن أخا حرص على طمع وانظـر إليه بعين الماقت القالي

    إن الحريص لمشغـول بثروته عن السرور لما يحوي من المال
    قال آخر:
    يا جامعا مانعا والـدهر يرمقه مفكرا أي باب منه يغلقه

    جمعت مالا ففكرهل جمعت له يا جامع المال أياما تفرقه

    المال عندك مـخزون لوارثه ما المال مالك إلا يوم تنفقه

    إن القناعة من يحلل بساحتها لم يأل في طلب مما يؤرقه

    كتب بعض الحكماء إلى أخ له كان حريصا على الدنيا: أما بعد فإنك قد أصبحت حريصا على الدنيا تخدمها، وهي تخرجك عن نفسها بالأعراض والأمراض والآفات والعلل، كأنك لم تر حريصا محروما، أو زاهدا مرزوقا، ولا ميتا عن كثير، ولا متبلغا من الدنيا باليسير.
    عاتب أعرابي أخا له على الحرص فقال له: يا أخي أنت طالب ومطلوب، يطلبك من لا تفوته، وتطلب من قد كفيته.

    وأنشد بعضهم:
    حتى متى أنت في حل وترحال وطـول سمـع وإدبـار وإقــبال

    ونازح الـدار لا ينفك مـغتربا عـن الأحبـة لا يـدرون بالـحال

    بمشرق الأرض طورا ثم مغربها لا يخطر الموت من حرص على بال

    ولو قنعت أتاني الرزق في دعة إن الـقنوع الـغنى لا كـثرة المال

    النوع الثاني من الحرص على المال أن يزيد على ما سبق ذكره في النوع الأول حتى يطلب المال من الوجوه المحرمة ويمنع الحقوق الواجبة، فهذا من الشح المذموم قال الله تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }[الحشر:9].
    وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا" (رواه أبو داود)
    وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم".

    أما الحرص على الشرف فهو أشد إهلاكا من الحرص على المال، فإن طلب شرف الدنيا والرفعة فيها والرياسة على الناس والعلو في الأرض أضر على العبد من طلب المال، وضرره أعظم والزهد فيه أصعب، فإن المال يبذل في طلب الرياسة والشرف.

    والحرص على الشرف نوعان:

    أحدهما: طلب الشرف بالولاية والسلطان والمال، وهذا خطر جدا، وهو في الغالب يمنع خير الآخرة وشرفها وكرامتها وعزها، قال تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين }[القصص:82].

    وقلّ من يحرص على رياسة الدنيا بطلب الولايات فيوفق، بل يوكل إلى نفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: "يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها" ( البخاري).
    قال بعض السلف: ما حرص أحد على ولاية فعدل فيها.

    وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة" ( البخاري).

    وفيه أيضا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلين قالا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أمرنا ، قال : "إنا لا نؤتي أمرنا هذا من سأله، ولا من حرص عليه " (البخاري ومسلم).

    ومن دقيق حب الشرف طلب الولايات لمجرد علو المنزلة على الخلق، والتعاظم عليهم، وإظهار صاحب هذا الشرف حاجة الناس وافتقارهم إليه وذلهم في طلب حوائجهم منه، فهذا نفسه مزاحمة لربوبية الله وإلهيته، وربما تسبب بعض هؤلاء إلى إيقاع الناس في أمر يحتاجون فيه إليه ليضطرهم بذلك إلى رفع حاجاتهم إليه وظهور افتقارهم واحتياجهم إليه، ويتعاظم بذلك ويتكبر به، وهذا لا يصلح إلا لله وحده لا شريك له كما قال تعالى: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون}[الأنعام:42].
    وقال: {وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون }[الأعراف:94].

    فهذه الأمور أصعب وأخطر من مجرد الظلم، وأدهى وأمر من الشرك، والشرك أعظم الظلم عند الله.
    ومن دقيق الحرص على الشرف كذلك أن يحب ذو الشرف والولاية أن يحمد على أفعاله، ويثنى عليه بها ويطلب من الناس ذلك ، ويتسبب في أذى من لا يجيبه إليه، وربما كان ذلك الفعل إلى الذم أقرب منه إلى المدح، وهذا يدخل في قوله: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب }[آل عمران:188].

    ومن هنا كان أئمة الهدى ينهون عن حمدهم على أفعالهم، وما يصدر منهم من الإحسان إلى الخلق، ويأمرون بإضافة الحمد على ذلك لله وحده لا شريك له، فإن النعم كلها منه.
    وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله شديد العناية بذلك، وكتب مرة إلى أهل الموسم كتابا يقرأ عليهم وفيه أمر بالإحسان إليهم وإزالة المظالم التي كانت عليهم، وفي الكتاب ولا تحمدوا على ذلك إلا الله فإنه لو وكلني إلى نفسي كنت كغيري.

    وحكايته مع المرأة التي طلبت منه أن يفرض لبناتها اليتامى مشهورة، فإنها كانت لها أربع بنات ففرض لاثنتين منهن وهي تحمد الله، ثم فرض للثالثة فشكرته فقال إنما كنا نفرض لهن حيث كنت تولين الحمد أهله، فمري هذه الثلاث يواسين الرابعة.
    النوع الثاني من الحرص على الشرف، وهو:

    طلب الشرف على الناس بالأمور الدينية:
    وهذا أفحش من الأول وأقبح وأشد إفسادا وخطرا؛ فإن العلم والعمل والزهد إنما يطلب به ما عند الله من الدرجات العلى والنعيم المقيم.
    قال الثوري: إنما فضل العلم لأنه يتقى به الله، وإلا كان كسائر الأشياء، وقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجة عنه صلى الله عليه وسلم قال: "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرض الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" (أبو داود).
    يعني ريحها، وسبب هذا والله أعلم أن في الدنيا جنة معجلة، وهي معرفة الله ومحبته والأنس به والشوق إليه وخشيته وطاعته، والعلم النافع يدل على ذلك، فمن دله علمه على دخول هذه الجنة المعجلة في الدنيا دخل الجنة في الآخرة، ومن لم يشم رائحتها لم يشم رائحة الجنة في الآخرة.

    ولهذا كان أشد الناس حسرة يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه، حيث كان معه آلة يتوصل بها إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات فلم يستعملها إلا في التوصل إلى أخس الأمور وأدناها وأحقرها، فهو كمن كان معه جواهر نفيسة لها قيمة فباعها ببعرة أو شيء مستقذر لا ينتفع به، فهذا حال من طلب الدنيا بعلمه.
    ومن طلب الشرف بالدين أن يطلب العبد بالعلم والعمل والزهد الرياسة على الخلق والتعالي عليهم.
    عن ابن مسعود قال: (لا تعلموا العلم لثلاث لتماروا به السفهاء ، أو لتجادلوا به الفقهاء، أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله فإنه يبقى ويفنى ما سواه).

    وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول الخلق تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة" منهم العالم الذي قرأ القرآن ليقال: قارئ، وتعلم العلم ليقال: عالم، وأنه يقال له: قد قيل ذلك، ويؤمر به فيسحب على وجهه حتى يلقي في النار.

    ومن طلب الشرف بالدين الجرأة على الفتيا، والحرص عليها، والمسارعة إليها، والإكثار منها.
    قال علقمة: كانوا يقولون: أجرؤكم على الفتيا أقلكم علما.
    وعن البراء قال: أدركت عشرين ومائة من الأنصار، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة، ما منهم من رجل إلا ود أن أخاه كفاه. وفي رواية فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول.
    وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أعلم الناس بالفتاوى أسكتهم، وأجهلهم بها أنطقهم، وقال بعضهم: إنما العالم الذي إذا أفتى فكأنما يقلع ضرسه.
    وقال بعضهم: العلم ثلاثة: حلال وحرام ولا أدري.

    وقال الإمام أحمد: ليعلم المفتي أنه يوقع عن الله أمره ونهيه، وأنه موقوف ومسؤول عن ذلك.
    وكان ابن سيرين إذا سئل عن الشيء من الحلال والحرام تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان.
    وكان النخعي يسأل فتظهر عليه الكراهة ثم يقول: ما وجدت أحدا تسأله غيري ؟ وقال: لقد تكلمت ولو وجدت بدّاً ما تكلمت، وإن زمانا أكون فيه فقيه أهل الكوفة لزمان سوء.

    وقال بعض العلماء لبعض المفتين: إذا سئلت عن مسألة فلا يكن همّك تخليص السائل، ولكن تخليص نفسك أولا.
    وقال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله }[الحجرات:1].
    وقال تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الكذب لا يفلحون } [النحل:116].

    ومِن طلب الشرف بالدين كذلك الدخول على الملوك والدنو منهم، وهو الباب الذي يدخل منه علماء الدنيا إلى نيل الشرف والرياسات فيها.
    خرّج الإمام أحمد وأبو داود نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديثه: "وما ازداد أحد من السلطان دنواً إلا ازداد من الله بعداً " (رواه أحمد).
    ومن أعظم ما يخشى على من يدخل على الملوك الظلمة، أن يصدقهم بكذبهم، ويعينهم على ظلمهم، ولو بالسكوت عن الإنكار عليهم.

    وقد خرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بوارد عليّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض" (رواه أحمد).

    ومن طلب الشرف بالدين محبة الشهرة والسعي إليها، وقد كان السلف رضي الله عنهم يكرهون الشهرة أشد الكراهة، منهم أيوب والنخعي وسفيان وأحمد وغيرهم من العلماء الربانيين، وكذلك الفضيل وداود الطائي وغيرهم من الزهاد والعارفين، وكانوا يذمون أنفسهم غاية الذم، ويسترون أعمالهم غاية الستر.
    كان محمد بن واسع يقول: لو أن للذنوب رائحة، ما استطاع أحد أن يجالسني.
    وكان إبراهيم النخعي إذا دخل عليه أحد وهو يقرأ في المصحف غطاه.
    وكان أويس وغيره من الزهاد إذا عُرفوا في مكان ارتحلوا عنه.
    وقد تبين بما ذكرناه أن حب المال والرياسة والحرص عليهما يفسد دين المرء حتى لا يبقى منه شيء.

    واعلم أن النفس تحب الرفعة والعلو على أبناء جنسها، ولكن العاقل ينافس في العلو الدائم الباقي الذي فيه رضوان الله وقربه وجواره، ويرغب عن العلو الفاني الزائل الذي يعقبه غضب الله وسخطه وانحطاط العبد وسفوله، قال الله تعالى: {فأما من طغى . وآثر الحياة الدنيا . فإن الجحيم هي المأوى . وأما من خاف مقام ربه . ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هي المأوى}[النازعات:37-41].
    قال الحسن: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة.
    وقال وهيب بن الورد: إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
    ففي درجات الآخرة الباقية يشرع التنافس وطلب العلو في منازلها، والحرص على ذلك والسعي في أسـبابه، وأن لا يقنع الإنسان منها بالدون مع قدرته على العلو قال الله عز وجل:
    {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } (المطففين:26).

    وأما العلو الفاني المنقطع الذي يعقب صاحبه غدا حسرة وندامة وذلةً وهوانا وصغارا، فهو الذي يشرع الزهد فيه والإعراض عنه، وللزهد فيه أسباب عديدة:
    فمنها: نظر العبد إلى سوء عاقبة الشرف في الدنيا بالولاية والإمارة لمن لا يؤدي حقها في الآخرة، فينظر العبد إلى عقوبة الظالمين والمكذبين ومن نازع الله رداء الكبرياء.
    وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يقال له بُوْلس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار: طينة الخبال "( رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
    استأذن رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القصص على الناس فقال: إني أخاف أن تقص عليهم فتترفع عليهم في نفسك حتى يضعك الله تحت أرجلهم يوم القيامة.

    ومنها: نظر العبد إلى ثواب المتواضعين لله في الدنيا بالرفعة في الآخرة، فإنه من تواضع لله رفعه.
    ومنها: وليس هو في قدرة العبد ولكنه من فضل الله ورحمته، ما يعوض الله عباده العارفين به الزاهدين فيما يفنى من المال والشرف مما يجعله الله لهم في الدنيا من شرف التقوى، وهيبة الخلق لهم في الظاهر ومن حلاوة المعرفة والإيمان والطاعة في الباطن، وهي الحياة الطيبة التي وعدها الله لمن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، وهذه الحياة الطيبة لم يذقها الملوك في الدنيا ولا أهل الرياسات والحرص على الشرف كما قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.
    ومن رزقه الله ذلك اشتغل به عن طلب الشرف الزائل والرياسة الفانية قال الله تعالى: {ولباس التقوى ذلك خير }[الأعراف:25].
    وقال: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً } [فاطر:10].
    والله عز وجل هو العزيز ومن أراد العزة فليطع العزيز.

    كان حجاج بن أرطأة يقول : قتلني حب الشرف ، فقال له سواء: لو اتقيت الله شرفت، وفي ذلك قيل:
    ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحـبك للدنيــا هــو الـذل والـســـقم
    ولـيـس على عـبد تقي نقـيـصــة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
    قال بعضهم: مَن أشرفُ وأعز ممن انقطع إلى من مَلَك الأشياء بيده.
    كان الحسن لا يستطيع أحد أن يسأله هيبة له، وكذلك كان مالك بن أنس يُهاب أن يُسأل حتى قال فيه القائل :
    يَدَعُ الجواب ولا يُراجع هيبة والسائلـون نواكس الأذقان
    نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطان
    قال محمد بن واسع: إذا أقبل العبد بقلبه على الله ، أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين.

    وكتب وهب بن منبه إلى مكحول: أما بعد فإنك أصبت بظاهر علمك عند الناس شرفا ومنزلة، فاطلب بباطن علمك عند الله منزلة وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تمنع من الأخرى، ومعنى هذا أن العلم الظاهر من تعلم الشرائع والأحكام والفتاوى والقصص والوعظ ونحو ذلك مما يظهر للناس، يحصل به لصاحبه عندهم منزلة وشرف، والعلم الباطن المودع في القلوب من معرفة الله وخشيته ومحبته ومراقبته والأنس به والشوق إلى لقائه والتوكل عليه والرضا بقضائه ، والإعراض عن عرض الدنيا الفاني والإقبال على جوهر الآخرة الباقي، كل هذا يوجب لصاحبه عند الله منزلة وزلفى، وبكل حال فطلب شرف الآخرة يحصل معه شرف في الدنيا وإن لم يرده صاحبه ولم يطلبه.
    قال الله عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً }[مريم:56].
    أي مودة في قلوب عباده.
    نسأل الله الكريم من فضله، وصل الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    الشيخ أحمد فريد
                  

09-09-2015, 01:28 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    لما كان من أعظم ما يدخل الناس النار الفم والفرج كان حريا بالعبد أن يصون لسانه ويمسكه عما حرم الله ونهى عنه من الكذب والغيبة والنميمة وغيرها من الآفات المهلكة، ومن أعظم هذه الآفات آفة البهتان التي عدها بعض أهل العلم من الكبائر.
    معنى البهتان
    تدور معاني ابهتان في اللغة حول الكذب والافتراء والباطل، أما البهتان في الاصطلاح فهو: الكذب والافتراء الباطل الّذي يتحيّر منه.
    وقال المناويّ: البهتان: كذب يبهت سامعه ويدهشه ويحيّره لفظاعته، وسمّي بذلك لأنّه يبهت أي يسكت لتخيّل صحّته، ثمّ ينكشف عند التّأمّل.
    وقال الكفويّ: البهتان: هو الكذب الّذي يبهت سامعه أي يدهش له ويتحيّر. وهو أفحش من الكذب، وإذا كان بحضرة المقول فيه كان افتراء.( راجع نضرة النعيم/ 9)
    الفرق بين البهتان والاغتياب والافتراء والإفك:
    تتقارب معاني هذه الألفاظ، بيد أنّها عند التّدقيق ممّا تختلف دلالته وتتفاوت، فالاغتياب هو أن يتكلّم شخص خلف إنسان مستور، بكلام هو فيه، وإن لم يكن ذلك الكلام فيه فهو بهتان، والكذب الفاحش الّذي يدهش له سامعه هو بهتان إن لم يكن بحضرة المقول فيه، فإن كان بحضرته كان افتراء، سواء أكان ذلك عن قصد أو عن غير قصد، فإذا كان ذلك عن قصد كان إفكا.

    وقد ورد البهتان بمعاني متعددة في القرآن الكريم ،ومنها:
    الكذب. ومنه قوله تعالى في سورة النّور:
    {سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ} ( النور- 16)
    والثّاني: الزّنا. ومنه قوله تعالى
    {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ }(الممتحنة- 12)
    والثّالث: الحرام. ومنه قوله تعالى:{ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً} (النّساء- 20).

    ولما كان البهتان من الأمور المذمومة في الشرع وعند أهل المروءات فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ البيعة على من أراد الدخول في الإسلام ان يتجنب البهتان، فعن عبادة بن الصّامت- رضي اللّه عنه- وكان شهد بدرا، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه:
    "بايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على اللّه، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره اللّه فهو إلى اللّه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه". فبايعناه على ذلك.(رواه البخاري).

    ولا شك أن البهتان أعظم عند الله من الغيبة فعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أتدرون ما الغيبة؟" قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل:
    أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟. قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه، فقد بهتّه".(رواه مسلم).
    وبين النبي صلى الله عليه وسلم شدة حال هؤلاء الذين يرمون الناس بالباطل يوم القيامة فقال: " ...ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه (أي عيبه وذمّه) به حبسه اللّه على جسر جهنّم حتّى يخرج ممّا قال".( رواه أبو داود،وحسنه الألباني).

    قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
    {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [أي ينسبون إليهم ما هم براء منه لم يعملوه ولم يفعلوه {فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً } وهذا هو البهت الكبير أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتّنقّص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة باللّه ورسوله، ثمّ الرّافضة الّذين ينتقصون الصّاحبة ويعيبونهم بما قد برّأهم اللّه منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر اللّه عنهم فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- قد أخبر أنّه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبّونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا، فهم في الحقيقة منكّسوا القلوب، يذمّون الممدوحين، ويمدحون المذمومين].

    البغض يحمل ضعيف الإيمان على البهتان

    وهذا واقع مشاهد فقل من يسلم عند البغضاء والخصومة من الوقوع في عرض من يبغضه حتى إنه ليبهته بأن ينسب إليه ما ليس فيه، ويدل على ذلك من السنة ما رواه البخاري رحمه الله عن أنس- رضي اللّه عنه- قال: بلغ عبد اللّه بن سلام مقدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، فأتاه فقال:
    إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ، قال: ما أوّل أشراط السّاعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟، ومن أيّ شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أيّ شيء ينزع إلى أخواله؟. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "خبّرني بهنّ آنفا جبريل". قال: فقال عبد اللّه: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:" أمّا أوّل أشراط السّاعة فنار تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب. وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوت. وأمّا الشّبه في الولد فإنّ الرّجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشّبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشّبه لها". قال: أشهد أنّك رسول اللّه. ثمّ قال: يا رسول اللّه، إنّ اليهود قوم بهت، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك.
    فجاءت اليهود، ودخل عبد اللّه البيت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " أيّ رجل فيكم عبد اللّه بن سلام؟" قالوا:
    أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أفرأيتم إن أسلم عبد اللّه؟" قالوا: أعاذه اللّه من ذلك. فخرج عبد اللّه إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه. فقالوا: شرّنا وابن شرّنا، ووقعوا فيه.
    فانظر كيف حملهم بغض الحق على الوقوع فيمن قالوا عنه قبل ثوان إنه أعلمهم وأخيرهم!!.

    ويدل على هذا المعنى أيضا ما رواه أحمد عن عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- قال: دعاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "إنّ فيك من عيسى مثلا، أبغضته يهود حتّى بهتوا أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزل الّذي ليس به". ألا وإنّه يهلك فيّ اثنان، محبّ يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إنّي لست بنبيّ، ولا يوحى إليّ، ولكنّي أعمل بكتاب اللّه وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة اللّه فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم.
    نسأل الله أن يرزقنا العدل والإنصاف في الرضا والغضب، والحمد لله رب العالمين.

    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 01:30 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    البطر طريق الدمار
    الحمد لله ذي الفضل والمن، والصلاة والسلام على خير البشر وآله وصحابته ومن عمل بسنته واقتدى بهديه، وبعد:
    فإن الله تعالى أنعم على العباد بما لا يعد ولا يحصى من النعم { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم:34) .
    وفي حين كان الواجب على العباد شكر هذه النعم واستعمالها فيما يرضي الله تعالى فإن أقواما من الناس لم يشكروا نعم الله تعالى بل طغوا وتجبروا ووصلوا إلى حالة من البطر.

    ما هو البطر؟
    إن للبطر معاني متعددة، لكن ما يتعلق بما نحن بصدده أن البطر هو الطغيان بالنعمة، وتجاوز الحد بحيث لا يؤدي حق النعمة ويصرفها إلى غير وجهها.
    ويقول العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: البطر: سوء احتمال الغنى ومعناه التّقصير في شكره، ورؤية المنّة به، وهو والمرح وسيلتان إلى الطّغيان.
    ويقول القرطبيّ رحمه الله عن البطر في قول اللّه تعالى {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ } (الأنفال/ 47): معناه: التّقوّي على المعاصي بنعم اللّه- عزّ وجلّ- وما ألبسه من العافية، والمعنى: خرجوا بطرين مرائين، وقد نزلت في أبي جهل وأصحابه الّذين خرجوا يوم بدر لنصرة العير. وقد جرى ما جرى من إهلاكهم.

    أنواع البطر:

    للبطر أنواع عديدة أهمّها:
    1- بطر الغنى.
    2-بطر الملك.
    وكلاهما ممّا يجب التّحرّز منه، قال تعالى في النّوع الأوّل: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} (العلق/ 6- 7). وقال في النّوع الثّاني في حقّ فرعون: { فَحَشَرَ فَنادى * فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} (النازعات/ 23- 24).ويمكن أن يضاف إلى ذلك:
    3- بطر المنصب والوظيفة.
    4-بطر الجاه والمكانة الاجتماعيّة.
    وكلاهما يمكن حمله على النّوعين الأوّلين.(نضرة النعيم)

    عاقبة البطر

    إن البطر من أعظم أسباب الهلاك والدمار وتبدل النعم وزوالها، وقد حذر الله تعالى عباده من هذا المصير المشابه لمصائر أمم بطرت ولم تشكر فقال: { وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ }(القصص: 58). يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: يقول اللّه تعالى معرّضا بأهل مكّة في قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها } أي طغت وأشرت وكفرت نعمة اللّه فيما أنعم به عليهم من الأرزاق، كما قال في الآية الأخرى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ إلى قوله تعالى فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ }(النحل/ 112- 113)، ولهذا قال تعالى: {فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا}، أي دثرت ديارهم فلا ترى إلّا مساكنهم، وقوله تعالى:
    {وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ }أي رجعت خرابا ليس فيها أحد.

    كما ذكر الله تعالى قصة قوم سبأ لتكون آية للناس وعبرة،{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (سبأ:15) جنة عن يمين وجنة عن شمال كلوا واشربوا من هذه النِعم، بلدة طيبة معطاءة، ورب غفور يغفر الخطايا، استغفروا وكلوا وتمتعوا، فماذا كانت النتيجة؟ أعرضوا! وهذا الإعراض هو الذي دمر الأمم، فماذا كان من تلك الجنات؟ وأين ذهبت؟ {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (سبأ16-17).
    لقد وهبهم الله من النعم الشيء الكثير حتى جعل بين قراهم والقرى الأخرى التي يسافرون إليها قرى يستريحون فيها ويأخذون منها احتياجاتهم لكنهم ملوا النعمة وبطروا فقالوا: { رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ }(سـبأ: من الآية19)
    فماذا كانت العاقبة؟
    لم يبق منهم إلا أحاديث يتحدث بها الناس وأمثلة تضرب لمن طغوا وبطروا معايشهم: { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}(سـبأ: من الآية19).
    هذا كله في الدنيا اما في الآخرة فيبقى الوزر والسؤال بين يدي الله تعالى، وتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: " إنّ اللّه لا ينظر إلى من يجرّ إزاره بطرا"(البخاري ومسلم واللفظ له).

    وحين تكلم النبي صلى اله عليه وسلم عن الخيل قال: " الخيل ثلاثة: فهي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر. فأمّا الّتي هي له أجر، فالرّجل يتّخذها في سبيل اللّه ويعدّها له، فلا تغيّب شيئا في بطونها إلّا كتب اللّه له أجرا، ولو رعاها في مرج، ما أكلت من شيء إلّا كتب اللّه له بها أجرا، ولو سقاها من نهر كان له بكلّ قطرة تغيّبها في بطونها أجر، ولو استنّت شرفا أو شرفين كتب له بكلّ خطوة تخطوها أجر. وأمّا الّذي هي له ستر فالرّجل يتّخذها تكرّما وتجمّلا ولا ينسى حقّ ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها. وأمّا الّذي عليه وزر فالّذي يتّخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء النّاس، فذاك الّذي هي عليه وزر..."الحديث(البخاري ومسلم واللفظ له).
    فليحذر العبد من البطر فإنه من فخاخ الشيطان التي يوقع بها ابن آدم في الهلاك، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة، وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.

    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 01:32 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أثر الهوى في تأويل أحكام الشريعة
    الحمد لله حمد الشاكرين، وصلواته على سيد المرسلين، محمد النبي الأمي وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
    إن الله سبحانه وتعالى قد بعث الأنبياء بشريعته ليكونوا أدلاء إلى الخير والصواب، فمن سلك غير سبيلهم فقد ضل عن الصراط السوي الذي ارتضاه الله {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}[النساء: 115]، ذلك لأن الدين منهج الله، ولا يطبق إلى على وفق ما أراده الله تعالى، ليس للعقل اعتراض عليه ولا استدراك عليه بنزعة الهوى أو حجة التعديل الموافق للمصلحة أو العقل أو العصر أو غير ذلك.
    فاتباع الهوى في مقابلة الشرع مذموم شرعاً وعقلاً وذلك لمحظورين اثنين:
    الأول: أن في ذلك إعراضاً وميلاً عن الشرع، وتمسكاً بغير المشروع، ولو كان شيئاً دون الهوى لهان ولكنه تمسك بالهوى الذي هو مصبُّ كل فتنة، ورأس كل مصيبة، وهذا يوصل إلى الشرك والعياذ بالله.

    الثاني: أن فيه اعتراضاً على الشرع واستدراكاً وزيادة عليه، وقد أتم الله نعمته وأكمل دينه فلا مجال لهوى النفس في شيء قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}[المائدة: 3]، وهذا سبيل البدعة والفرقة.
    ولهذا قال ابن الجوزي رحمه الله: "فمطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في عاقبة، ويحث على نيل الشهوات عاجلاً وإن كانت سبباً للألم والأذى في العاجل ومنع لذات الآجل، فأما العاقل فإنه ينهى نفسه عن لذة تُعقب ألماً، وشهوةٍ تورث ندماً وكفى بهذا القدر مدحاً للعقل وذماً للهوى، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما ذكر الله عز وجل الهوى في موضع من كتابه إلا ذمه، وقال الشعبي: إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه".(ذم الهوى لابن الجوزي: (ص 18).

    ولا شك أن اتباع الهوى ذريعة إلى الضلال والانحراف عن الدين، حيث وقد ذمه الله تعالى في كثير من الآيات في كتابه الكريم: فذم عالِم بني إسرائيل بقوله: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ}[الأعراف: 176]، وقال: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف: 28]. أي وكان أمره ظلماً واعتداء(التحرير والتنوير: (8/364).، فبهذا يكون سباقًا في الشر، غافلاً عن دواعي الخير، وقد لا يستشعر ذلك فكأنما هواه أعماه وأصمه.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمُّه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في الأمر ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين أن الذي يرضى له ويغضب له أنه هو السنة، وهو الحق، وهو الدين، فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء، ليعظَّم هو ويثنى عليه، أو لغرض من الدنيا لم يكن لله(منهاج السنة النبوية: (5/256).

    إن الهوى آفة تعتري المسلم فتفسد عليه معتقده ودينه بميلانه إلى ما تستلذه نفسه من الشهوات، وينبسط إليه من أمور الدنيا ما يخالف شرع الله، ولهذا يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[الأنعام: 159]، قال بعض المفسرين: صاروا فرقاً لاتباع أهوائهم، وبمفارقة الدين تشتتت أهواؤهم فافترقوا وهو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا} ثم برأ الله نبيه بقوله: {لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وهم أصحاب البدع والكلام فيما لم يأذن الله فيه ولا رسوله (الموافقات للشاطبي: (4/111)..

    وقال علي رضي الله عنه: إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتان: طول الأمل، واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل(فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: (2/362).

    نعم عباد الله، إن الهوى يصد عن الحق، ويعمي البصيرة ويغوي المرء حتى لا يرى عمله إلا خيراً وإن كان مخالفاً للهدى، وإن كان مجانباً للصواب، ويؤيد هذا ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فهوىً متبع، وشحٌّ مطاعٌ، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدهن) (شعب الإيمان للبيهقي: (15/300) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم: (3039) ..
    وهذا منه صلى الله عليه وسلم تصريح بنجاة العبد أوهلاكه في تلك الأمور، وقد قدم الهوى المتبع في أول المهلكات؛ لما له من الخطر العظيم، والله عز وجل قد بين أن اتباع الهوى سبب في الهوي في الشهوات والانغماس في وحل الضلال وترك الحق، كما قال جل شأنه في أولئك المشركين الذين أعرضوا عن دين الله الذي جاء به سائر الأنبياء: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ* قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص: 47- 50].

    وبهذا البيان من الله يتضح مدى انحراف الناس عن الحق ومجانبتهم إياه، وأنهم لو أصابتهم مصيبة برروا لأنفسهم بأنه لم يُرسَل إليهم رسولٌ، ولو أرسل لآمنوا، فلما جاءهم الحق من عند الله والقرآن العظيم اعترضوا واشترطوا أن يكون كما كان الذي مع موسى! أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل؟! وهاهم يقولون في القرآن والتوراة هما سحران تعاونا في إضلال الناس!

    سبحان الله! فثبت بهذا أن القوم يريدون إبطال الحق بما ليس ببرهان، وينقضونه بما لا ينقض، ويقولون الأقوال المتناقضة المختلفة، وهذا شأن كل كافر. ولهذا صرح أنهم كفروا بالكتابين والرسولين، ولكن هل كفرهم بهما كان طلباً للحق، واتباعاً لأمرٍ عندهم خير منهما، أم مجرد هوى؟ قال تعالى ملزماً لهم بذلك: {فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا} أي: من التوراة والقرآن {أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ولا سبيل لهم ولا لغيرهم أن يأتوا بمثلهما، فإنه ما طرق العالم منذ خلقه اللّه، مثل هذين الكتابين، علماً وهدىً وبياناً، ورحمةً للخلق.

    وهذا من كمال الإنصاف من الداعي أن قال: أنا مقصودي الحق والهدى والرشد، وقد جئتكم بهذا الكتاب المشتمل على ذلك، الموافق لكتاب موسى، فيجب علينا جميعاً الإذعان لهما واتباعهما، من حيث كونهما هدىً وحقاً، فإن جئتموني بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعته، وإلا فلا أترك هدىً وحقاً قد علمته لغير هدىً وحقٍ {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} فلم يأتوا بكتاب أهدى منهما {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} أي: فاعلم أن تركهم اتباعك، ليسوا ذاهبين إلى حق يعرفونه، ولا إلى هدى، وإنما ذلك مجرد اتباع لأهوائهم. {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ} فهذا من أضل الناس، حيث عرض عليه الهدى، والصراط المستقيم، الموصل إلى الله وإلى دار كرامته، فلم يلتفت إليه ولم يقبل عليه، ودعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء، فاتبعه وترك الهدى، فهل أحد أضل ممن هذا وصفه؟ ولكن ظلمه وعدوانه، وعدم محبته للحق، هو الذي أوجب له أن يبقى على ضلاله ولا يهديه اللّه، فلهذا قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (تفسير السعدي: (1/617).

    ولا نزاع في أن من اتبع الهوى صار مخالفاً للشرع؛ لأن العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة، وأنتم تعلمون ما في اتباع الهوى وأنه ضلال مبين، ألا ترون قول الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[سورة ص: 26]. فحصر الحكم في أمرين لا ثالث لهما عنده وهو الحق والهوى وعزل العقل مجرداً إذ لا يمكن في العادة إلا ذلك، وقال: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}[الكهف: 28]. فجعل الأمر محصوراً بين أمرين: اتباع الذكر، واتباع الهوى، وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ}[القصص: 50]. وهي مثل ما قبلها، وتأملوا هذه الآية فإنها صريحة في أن من لم يتبع هدى الله في هوى نفسه، فلا أحد أضل منه، وهذا شأن المبتدع؛ فإنه اتبع هواه بغير هدى من الله، وهدى الله هو القرآن وما بينته الشريعة وبينته الآية أن اتباع الهوى على ضربين:

    أحدهما: أن يكون تابعاً للأمر والنهي فليس بمذموم ولا صاحبه بضال، كيف وقد قدم الهدى فاستنار به في طريق هواه، وهو شأن المؤمن التقي.
    والآخر: أن يكون هواه هو المقدم بالقصد الأول، كان الأمر والنهي تابعين بالنسبة إليه أو غير تابعين وهو المذموم، وهذا هو اتباع الهوى في التشريع، إذ حقيقته افتراء على الله، وقد قال جلَّ شأنه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ}(23) سورة الجاثية. أي لا يهديه دون الله شيءٌ وذلك بالشرع لا بغيره وهو الهدى الاعتصام للشاطبي: (1/51 - 52) بتصرف.

    وأختم بكلام لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله حيث قال: وأضلُّ الضُلاَّل: اتباعُ الظن والهوى كما قال الله تعالى في حق من ذمَّهم: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم: 23]، وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 1-4] فنزهه عن الضلال والغواية اللذين هما الجهل والظلم، فالضالُّ هو الذي لا يعلم الحق، والغاوي الذي يتبع هواه. وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه فوصفه بالعلم ونزهه عن الهوى.( مجموع فتاوى ابن تيمية: (3/384).

    أيها الحريصون على اتباع الهدى، إذا كان الأمر بهذه الحال من أنه إما شرع وإما هوى، ومن اتبع الهوى فلا أضل منه، علم قطعاً أن العقل ليس له مجال في:
    تشريع أحكامٍ تخالف ما شرع الله، ولا بوضع قانون مقابل لحكم الله، ولا قبول لتنازل في معلوم من الدين بحجة مصلحة، ولا زيادة في أمر من أمور العبادة ، أو تحريف لكتاب الله، أو تغيير لحدود الله، أو استدراك على شرع الله، أو تفسير كتاب الله وفق الهوى، أو تطبيق للشريعة بما يوافق انحرافات العصر، أو تهوين شأن المبادئ الإسلامية وتقليلها وتسهيل أمرها.
    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا ابتاعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه...
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين
    ________________________________________
    موقع إمام المسجد ( بتصرف يسير ).
                  

09-09-2015, 01:34 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    هي والله لوجه الله
    الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه، وبعد:
    فقد تابعت الجلسة الأولى لمجلس الشعب المصري وقد لفت انتباهي أمران، الأول يتعلق بأعضاء مجلس الشعب أنفسهم حيث دخل كثير منهم المجلس وهم يبكون.
    أما الثاني فهو هؤلاء المؤيدون من الإسلاميين الذين رفع بعضهم لافتة تطالب أعضاء المجلس بالتواضع، وهتف آخرون قائلين:

    (لا للمنصب ولا للجاه هي والله لوجه الله)
    وحين رأيت النواب على هذا الحال من التواضع والانكسار لله تعالى، وسمعت هتافات مؤيديهم استبشرت جدا وتملكتني حالة من الإحساس بقرب هؤلاء من التوفيق بإذن الله تعالى، فالتواضع والانكسار وإظهار الافتقار لله العزيز، ونسبة الفضل إليه سبحانه،ومعالجة النفس ولجمها والبعد بها عن الزهو والكبر والفخر لهو من أقصر الطرق للفوز بتوفيق الله تعالى وفضله.

    نسبة الفضل إلى الله تعالى:

    {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }.
    وهكذا أصحاب المنهج الحق منهج الإسلام النقي الصافي إذا مكّن الله لهم في بقعة أو نصرهم في موقعة استشعروا عظم النعمة ولم ينسبوا لأنفسهم فضلا لأنهم يوقنون أن الأمور كلها بيد الله وليس للعبد فيها من نصيب.
    ولهذا لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا طأطأ رأسه تواضعا حتى كادت جبهته تلتصق بظهر ناقته، وكان يردد قوله تعالى:

    {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }.
    أما أصحابه رضي الله عنهم فيروى أنهم كانوا يرددون:
    (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده).

    وهذا الذي رباهم عليه القرآن أن يستشعروا نعمة الله عليهم، وأن ينسبوا له تبارك وتعالى الفضل والمنة.
    ففي غزوة الأحزاب وبعد أن نصرهم الله على عدوهم ورد كيد الكافرين إلى نحورهم، قال الله تعالى لعباده المؤمنين:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}.
    وفي موقف آخر يقول الله تبارك وتعالى:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }.

    وحين تحدث القرآن عن غزوة بدر وما من الله به على المؤمنين من نصر وعز وتمكين بعد أن كانوا أذلة خائفين رباهم على نفس المعنى، معنى استشعار الفضل والنعمة من الله تعالى ونسبتها إليه وحده ونسيان حظ النفس وعدم الغرور بما من الله تعالى به على عباده فقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
    وبعد ان من الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه من المؤمنين بالنصر والفتح وانتشار دعوة الحق في الأرض قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:
    {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.

    أما العجب فعاقبته أليمة:

    فبعد النصر والعز والتمكين قد يتسلل إلى بعض النفوس نوع غرور أو كبر أو زهو بما من الله تعالى به على العباد فتكون العواقب وخيمة وأليمة، تماما كما حدث مع المؤمنين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين حين قال بعض الناس يومها: لن نهزم اليوم من قلة، فكانت الهزيمة وكان الفرار من ساحة المعركة حتى عاد الناس إلى رشدهم وعلموا أن النصر منة من الله تعالى يمن بها على من يشاء من عباده كما قال: { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}(آل عمران: من الآية126).

    وقد سطر القرآن الكريم هذا المشهد العجيب فقال الله تعالى:
    {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}.

    إنها الحقيقة التي لا مراء فيها أن الأمور كلها بيد الله، وأن النتائج ليست دائما بحسب جهد العبد وطاقته لكنها في الحقيقة بيد الله الذي لا ناصر لمن خذل، ولا غالب لمن نصر، ولا معز لمن أذل، ولا مذل لمن أعز:
    {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
    ولهذا كان من أذكار النبي ودعائه صلى الله عليه وسلم:

    " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
    فيا نواب الشعب اعلموا أن ما بكم من نعمة فمن الله تعالى وحده ليس باجتهادكم ولا هو ثمرة كدكم وعنائكم، فتواضعوا لله تعالى ولعباده، واجتهدوا واعملوا وثابروا واصدقوا اللجوء إلى الله تعالى ليعينكم وينجح قصدكم، وتذكروا قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } (الأعراف:58).

    وفقنا والله وإياكم لما يحب ويرضى، ورزقنا وإياكم الإخلاص والصدق والتواضع،والحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 01:36 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أكل الربا
    الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل التقى والكرامات أما بعد :
    فقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، فأبطل الله به مسالك الجاهلية ، وقضى به على معالم الوثنية ، فاستأصل شأفتها ، واجتث جرثومتها ، وفي طليعة ذلك الكبيرة العظيمة ، والجريمة الشنيعة ، والمعصية المتوعد عليها بالحرب من الله ورسوله ، ألا وهي جريمة ( الربا ) ، فهيهات أن تُعمر الحياة وتشاد الحضارات وأناس يتعاطون الربا ، ولا يرعون للإنسان كرامة ، ولا للعقول حصانة ، ولا للدين صيانة .

    ولذا فقد نهى الشارع الكريم عن ( الربا ) في محكم التنزيل ، وحذر من عاقبته السيئة ونهايته المؤلمة فقال الله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } ، فالربا حرام كله ، كثيره وقليله ، بجميع أشكاله وأنواعه ، وصوره ومسمياته ، ولم يأذن الله في كتابه العزيز بحرب أحد إلا أهل الربا ، فالناظر على مستوى الأفراد والدول يجد مدى الخراب والدمار الذي خلفه التعامل بالربا من الإفلاس والكساد والركود ، والعجز عن تسديد الديون ، وشلل في الاقتصاد ، وارتفاع مستوى البطالة ، وانهيار الكثير من الشركات والمؤسسات ، وجعل الأموال الطائلة تتركز في أيدي قلة من الناس ، فأصبح ناتج الكدح اليومي يصب في خانة تسديد الربا ، ولعل هذا شيء من صور الحرب التي توعد الله بها المتعاملين بالربا فقال جل وعلا : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } إنها بضاعة مزجاة ، وتجارة كاسدة ، وحرب خاسرة مع الله تعالى ، حرب لا تجدي فيها السفن ولا الطائرات ، ولا تنفع فيها القنابل ولا الدبابات ، فهي مع خالق الأرض والسموات ، الذي يقول للشيء كن فيكون ، فكيف يخوض عبد ضعيف لا حول له ولا قوة حرباً ضروساً مع من له جنود السموات والأرض ، وله جنود لا يعلمها إلا هو ، إنها حرب غير متكافئة من أقدم عليها من البشر فقد أهلك نفسه وأذاقها ألم العذاب ومرارة العقاب ، وضنك العيش في الدنيا والآخرة.

    ولقد شبه الله عز وجل آكل الربا بالمجنون والمصروع عندما يخرج من قبره إلى محشره فهو يتخبط في الأرض لا يدري ما الخطب ولا يعلم ما الأمر كما كان يتخبط في مال الله بغير حق { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } فأكلة الربا يقومون ويسقطون كما يقوم المصروع لأنهم أكلوا الأموال رباً وحراماً في الدنيا ، فانتفخت به بطونهم حتى أثقلتهم عن الخروج من قبورهم يوم القيامة فكلما أرادوا النهوض سقطوا ، يريدون الإسراع مع الناس فلا يستطيعون . قال صلى الله عليه وسلم : "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " ( رواه البخاري ) ، ولكن وللأسف : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } ، وقال صلى الله عليه وسلم : " كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به " ( رواه البخاري ) فالمال الحرام سبب لدخول النيران ، والبعد عن الجنان ، فقد جاء في الحديث عند الترمذي " لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام " ، فأكل المال الحرام من رباً وغيره من أعظم موانع الدعاء ، ألا ترى آكل الربا يدعو ليلاً ونهاراً فلا يستجاب له ، تتراكم عليه المصائب والمحن ، فلا يستجاب له ، إنه مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ، يارب يارب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب له " ( رواه مسلم ) .

    ولقد جاء التحذير من تعاطي الربا أو التعامل به ، ولعن صاحبه وطرده من رحمة الله عز وجل وإبعاده عن مرضاته سبحانه وتعالى ، ففي حديث بن مسعود رضي الله عنه قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء ) ( رواه مسلم ) أي أنهم سواء في الإثم والمعصية ، والجزاء والعقاب ، قال صلى الله عليه وسلم : " اجتنبوا السبع الموبقات ( أي المهلكات ) قالوا يارسول الله : وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " ( رواه الشيخان ) .
    إن الربا وإن كثر فهو إلى قِلّ وإن بركته ممحوقة يقول الله تعالى { يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } . وقال صلى الله عليه وسلم : " الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل " ( رواه الحاكم وهو في صحيح الجامع ).

    أيها المسلمون : لا بد لكل عاقل فطن ، أن يعرف أن التعامل بالربا دسيسة ومكيدة من دسائس أعداء الله اليهود ـ قاتلهم الله ـ ومكيدة من مكائدهم العظيمة ـ لا كثرهم الله ـ ليبعدوا الناس عن دينهم ، فقد باءوا بالغضب واللعن من الله تعالى لأكلهم الربا ، واستحقوا الخزي والندامة ، ومسخوا خنازير وقردة ، يقول الله تعالى : { وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (النساء:161).
    وإن مما تأسف له النفوس أن ثلة من الناس لا يهتم بأحكام الإسلام وإنما يهتم بما يدر عليه المال من أي طريق كان ، وما ذاك إلاّ لضعف الإيمان وقلة الخوف من الله تعالى ، وغلبة حب الدنيا على القلوب ، نسأل الله السلامة .

    هذا هو الواقع المؤلم الذي آلت إليه مجتمعات الإسلام ولا حول ولا قوة إلاّ بالله . فهذه الهزائم والخسائر ، وهذه البراكين والزلازل ، وهذا الهرج والمرج ، وكثرة الحوادث والمرض ، كل ذلك بما كسبت أيدي الناس من تعاطٍ للربا وغيره .
    قال عليه الصلاة والسلام : " إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " ( رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ) . وقال تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي علموا لعلّهم يرجعون } وقال تعالى : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفا }.
    قال ابن القيم رحمه الله " إذا ظهر الزنا والربا في قرية أُذن بهلاكها " فبدأت المحن تتوالى والمصائب تتابع من جرّاء التعامل بالربا .

    أيها المرابي .. يا من تتعامل بالربا : اتق الله ، واجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، واحذر من مكر الله ، فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون ، استعمل عقلك وحكم دينك وشرع نبيك ، الذي قال : " إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما قالا لي ، انطلق ، وإني انطلقت معهما ، .. فانطلقنا فأتينا على نهر قال أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة ، فيفغر له فاه ، فيلقمه حجراً فينطلق فيسبح ، ثم يرجع إليه ، كلمّا رجع إليه فغر له فاه ، فألقمه حجراً ، قلت لهما : ما هذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، إلى أن قال : فإني رأيت الليلة عجباً ؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي : أما إنا سنخبرك . أماّ الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ، ويلقم الحجارة ، فإنه آكل الربا " ( رواه البخاري ).
    وهذا عذاب أهل الربا في القبور إلى يوم البعث والنشور وذلك تنكيلاً لهم ومدّاً للعذاب ، لاعتراضهم على الله في حكمه ، فالله يقول : " وأحلّ الله البيع وحرّم الربا " ، وهم يقولون : البيع مثل الربا ، فاعترضوا على الله في حكمه ورفضوا شرعه ، مع علمهم بتفريق الله بين البيع والربا ، وهو سبحانه العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون ، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده وما يضرهم . ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " وكل رباً في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ، وأول رباً أضع ربا العباس " .
    نسأل الله أن يوفق المسلمين لكسب الحلال الطيب، وأن يجنبهم الخبيث من المكاسب، والحمد لله رب العالمين.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    يحيى بن موسى الزهراني ( بتصرف)
                  

09-09-2015, 01:38 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    كن متفائلا
    أيها الحبيب حين تقرأ كتاب الله تجد أن الله سبحانه وعد حال العسر الواحد يُسرين فقال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (الشرح:5-6) فإذا كان الأمر كذلك فلماذا اليأس؟ ولماذا التشاؤم؟
    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطِيَرة.يعني يكره التشاؤم، وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل: الكلمة الحسن والكلمة الطيبة".وقد كانت حياته كلها ترجمة لهذا المعنى الكريم، فحين أتاه خباب بن الأرت رضي الله عنه يشكو تسلط المشركين وأذيتهم للمسلمين فكا جوابه صلى الله عليه وسلم: " والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون".
    وحين كان يمر على آل ياسر وهم يعذبون كان يزرع في نفوسهم الأمل والتفاؤل فيقول: " صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ".
    وحين خرج من مكة بصحبة الصديق رضي الله عنه ولجأ إلى الغار وتبعه المشركون حتى وقفوا على فم الغار فلما رآهم الصديق رضي الله عنه قال : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فأجاب إجابة عظيمة تدل على مدى توكله وتفاؤله فقال: " لا تحزن إن الله معنا ".
    حتى إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحيب
    وأوطـنـت الــمـكـاره واســتـقـــرت وأرست في أماكنها الخطــوب
    ولم تــر لانـكـشـاف الـضـر وجهـا ولا أغـنـى بـحـيـلـتـه الأريــب
    أتــاك عـلـى قــنــوط مـنـك غــوث يـمـن بـه اللـطـيـف المستجيـب
    وكـل الــحـادثـــات إذا تـنــاهـــــت فــمـوصـــول بـهــا فــرج قريب

    إن الاسترسال وراء الظنون والأوهام التي تسيطر على الإنسان لا يجلب عليه إلا الهم والحزن وهو ما يجره إلى القعود والكسل، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله تعالى من الهم والحزن: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال".
    والله عز وجل يقول: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المجادلة:10)
    فيا أيها الحبيب تفاءل لأن الله تعالى بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير يملك رفع الضر وكشف الكرب: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الملك:1) {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (النمل:62)
    مـتفــائــل أبـدا أنا إن كان هـم أو هـنـا
    ألقى حياتي باسمـا ما دام روحي مؤمنا
    ربي الـذي قـدسته بــرأ الــحـيـاة وسيرا
    ربي الـذي أحـببته بعـطـائـه غمر الورى
    إنه سبحانه الذي يقول:
    {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186)

    تفاءل لأن هناك من يحبك، يدعو لك ويرجو لك الخير، أبواك زوجك أولادك جيرانك ، وإن غفل هؤلاء جميعا عن الدعاء لك فإن في السماء من لا يغفل عن الدعاء لك: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (غافر:7-9) وأعجب من ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} (الأحزاب:41-43) فيا أيها الحبيب تفاءل وإن عظمت الخطوب، وإن تكاثر الأعداء، تفاءل وإن عظم البلاء:
    متفـائـل رغــم القنـوط يذيقنا جمر السياط وزجرة الجـلاد
    متفائل بالغيث يسقي روضنا وسمـاؤنا شمس وصحو بـاد
    متفـائـل بالزرع يخرج شطأه رغم الجراد كمنجل الحصاد
    متفائل يا قوم رغم دمـوعكـم إن الـسما تبكي فيحيا الوادي
    والبـحـر يـبـقـى خيره أتضره يا قـومـنـا سـنـارة الـصـيـاد
    إن التفاؤل هو الوقود المحرك للأمم والأفراد لبلوغ الغايات العظيمة وتحقيق الأهداف السامية وهذا يعني أنه لابد مع التفاؤل من العمل الجاد والحركة الدؤوب والأخذ بالأسباب المشروعة.
    وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 01:41 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الطيبة

    نعني بالطيبة سلامة الصدر، وصفاء النفس، ورقة القلب...، ويتأصل هذا الخلق باستمرار التزكية للنفس، ثم تنعكس آثاره على السلوك: أخوة وسماحة وسكينة ووفاء.

    والذين يفتقدون هذا الخلق تراهم غارقين في صور من التحايل والكيد، وسوء الظن والخبث..
    ومعنى الطيب في اللغة: الطاهر والنظيف وذو الأمن والخير الكثير ، والذي لا خبث فيه ولا غدر..
    ومن هذه المعاني نفهم المراد بالرجل الطيب، والزوجة الطيبة ، والبلدة الطيبة، والقول الطيب، والذرية الطيبة، والريح الطيبة، والحياة الطيبة. وكلها معاني طهر وعفة وصفاء ونقاء، وهذا حال صاحب خلق (الطيبة).
    إن الله عز وجل حين خلق بني آدم "جعل منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك".(رواه أحمد وصححه الألباني).
    ولا يستوي الخبيث والطيب، و لا يأتلف كل واحد إلا مع قرينه وشبيهه.
    وحرصا من النبي صلى الله عليه وسلم على اعتزاز المؤمن بالطيبة نهاه ان ينسب الخبث إلى نفسه، فقال: " لا يقولن أحدكم خبثت نفسي"(البخاري).

    ويورد ابن حجر قول ابن أبي جمرة في بيان الحكمة من هذا النهي فيقول: [ وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن، ويضيف الخير إلى نفسه ولو بنسبة ما، ويدفع الشر عن نفسه إن أمكن، ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر حتى ولو في الألفاظ المشتركة].
    ولقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن بثمرة الأترجة: " طعمها طيب وريحها طيب". وضرب للمؤمن مثلا آخر فقال: " والذي نفس محمد بيده إن مثل المؤمن لكمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا". وكلها تؤكد على أصالة عنصر الطيبة في نفسية المؤمن، وسمة الخيرية في تعامله.

    والرجل الطيب قد يختلف حاله.. فيكون أحيانا أكثر انشراحا، وأحسن بشاشة تبعا لما يمر به من أقدار، وقد لاحظ الصحابة رضي الله عنهم ذلك مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم: نراك اليوم طيب النفس؟فقال: "أجل، والحمد لله". ثم أفاض القوم في ذكر الغنى، فقال: " لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس خير من النعيم".(صحيح سنن ابن ماجة).

    والعبادة صورة يومية من صور جلاء القلب، وتصفية النفس من كل خبث، ويؤكد هذا المعنى ما رواه البخاري من أن الشيطان يعقد على قافية النائم ثلاث عقد ، قائلا له: " عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".(البخاري).
    وما جعل الله مواطن البلاء إلا للتمحيص والتمييز، كما قال تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب...)[ آل عمران:179] وفي ظلال الآية أن دور الأمة المسلمة يقتضي التجرد والصفاء والتمييز والتماسك..وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف ليخرج منه الخبيث..ومن ثم كان شأن الله سبحانه أن يميز الخبيث من الطيب.
    وتجري سنة الله في أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.

    الطيبون والورع عن الشبهات
    المؤمن الطيب رجل متورع عن الشبهات، ولقد كان أبو طلحة في مرض له ينزع غطاء فراشه؛ لما عليه من نقوش؛ فلما اعترض عليه بأنه ليس في الغطاء تصاوير منهي عنه عنها، أجاب: " بلى. ولكنه أطيب لنفسي".
    والمؤمن الطيب يحافظ على صفاء الود مع أخيه، كما في الحديث القدسي: " وحقت محبتي للذين يتصافون من أجلي". ويبادر إلى زيارة أخيه المسلم، أو عيادته، فيقول الله له: "طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا". فالتصافي والتواصل علامة طيبة، ولا يتخلق بها إلا الطيب.

    والمجاهد الطيب لا يطمئن قلبه بالقعود حين يستنفر الناس، ولذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسية صحابته الكرام ـ لو انه خرج في كل سرية ـ فقال: " ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي".
    ولذلك كان المنافقون لما في أنفسهم من الخبث لا يتحرجون من التعلل بأعذار واهية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته في الحر والنصب، والمنازلة والطعان.

    وتطييب قلوب عباد الله من علامات طيب القلوب، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يؤدون إلى الناس حقوقهم ـ وافية زائدة ـ بقوله: " أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة:الموفون المطيبون". وأقصر طريق إلى القلوب الكلمة الطيبة: " اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة". وقد وصف الله الصالحين من عباده بقوله: { وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد}(الحج: 24).

    وإن الملائكة لتستقبل أرواح الطيبين: { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم...}الآية(32 سورة النحل).وقد قال صلى الله عليه وسلم : "الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل صالحا قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان، ورب راض غير غضبان، فلا يزال يقال لها حتى تخرجُ ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها، فيقال من هذا؟ فيقولون: فلان. فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان، ورب راض غير غضبان،فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل".
    وعلى أبواب الجنة يقال لأهل الطيبة: { ...سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} (الزمر:73)بعد أن أحياهم الله الحياة الطيبة في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح.
    إن غلبة التعامل بالطيبة، ونقاء المجتمع من الخبث، حصانة من غضب الله تعالى وانتقامه، ولذلك تساءلت زينب بنت جحش: أنهلك وفينا الصالحون؟ فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم، إذا كثر الخبث". قال ابن العربي: وفيه البيان بان الخيِّر يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه.
    إن الطيب نقي القلب سليم السرية حسن الظن بالناس ، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس".
    ولا يغرنك ما يلصقه الخبثاء بالطيبين : من صفات الغفلة ، وضعف العقل، وقلة الحيلة والهوان على الناس. فلأن تكون مقبولا عند الله خير لك من أوسمة الدهاء والحيلة والخبث
    هذه أخلاقنا للخزندار
                  

09-09-2015, 02:06 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    المراجعة والتصحيح
    حتى لا يسترسل المسلم في خطأ وقع فيه، أو هوىً انساق إليه، لابد له في حياته من وقفات مع نفسه ومع إخوانه، لمراجعة حساباته من جديد، والسير – بعدئذ – على بصيرة.
    وقد افتتح البخاري أحد أبواب الصوم بكلمة لأبي الزناد جاء فيها: «إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرًا على خلاف الرأي»[صحيح البخاري].

    فحين يتخذ أحدنا لنفسه قناعات لا يحيد عنها، ولا يقبل المراجعة فيها، قد لا يسلم من هوى يطغيه، أو فساد في الرأي يرديه.
    وإن ديننا حين بشّر المجتهد المخطئ بأجر، فإنه لا يقبل في الوقت نفسه التعامي عن الخطأ، والإصرار عليه، وكم أفتى فقهاؤنا بفتاوى ثم رجعوا عنها، لما أعادوا النظر فيها، وتبين لهم الصواب في غيرها، وإن الذين تردهم الملائكة عن الحوض، إنما مصيبتهم في الاسترسال في الغي، ويُقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... إنهم قد بدّلوا بعدك، ولم يزالوا يرجعون على أعقابهم. فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: سحقًا سحقًا" [صحيح سنن ابن ماجه للألباني]. يدعو عليهم بالهلاك، لأنهم لم يراجعوا أنفسهم، ولم يفيئوا إلى الصواب.
    والمراجعة وسيلة لمحاسبة النفس، والتصحيح نتيجة تظهر آثارها بالرجوع عن المعصية الجلية، أو الخطأ في الاجتهاد والرأي.
    ومن وسائل المراجعة للتصحيح:
    الاستماع إلى المشورة بنية البحث عن الحق، وقد أورد البخاري قصة اقتراح عمر على أبي بكر – رضي الله عنهما – أن يجمع القرآن، ولم يقبل أبو بكر بذلك، فقال عمر: «هو والله خير» قال أبو بكر: «فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيتُ الذي رأى عمر... »[صحيح البخاري] ولم يصرّ على رأيه، ولم يحجزه المنصب عن قبول الصواب ممّن دونه.

    ويعين على الصواب:
    مطالبة البطانة الصالحة بالتذكير بما هو خير وأصوب، وخاصة حين لا يبادر الآخرون بالتذكير، ولن نكون أصوب رأيًا، ولا أهدى فكرًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "... إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيتُ فذكروني .. "[صحيح البخاري]. وحينما نشعر الناس بالترحيب بالتذكير، ونرفع عنهم الحرج الذي قد يتوقعونه، تكون عيون الناس – عندئذ – مرآتنا التي تقوّمنا على الدوام.
    وتضمن لنفسك سلامة الطريق وصواب الرأي باتخاذ البطانة الصالحة، وعدم الالتفات إلى المدّاحين، الذين لا يبصّرون أخاهم بأخطائه، ففي الحديث أن: "من ولاه الله عز وجل من أمر المسلمين شيئًا فأراد به خيرًا جعل له وزير صدق، فإن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه "[صحيح سنن النسائي للألباني].

    وقد كان الحُر بن قيس من مقربي عمر بن الخطاب، وهمّ عمر أمامه مرة بضرب عُيينة بن حصن لتطاوله عليه، فقال له الحر: « يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خذ العفو وأْمُر بالعرف وأعرضْ عن الجاهلين}[الأعراف:119] وإن هذا من الجاهلين» يقول الراوي: « والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافًا عند كتاب الله»[صحيح البخاري].
    وكم من المظالم يمكن أن تزول، وكم من الممارسات الخاطئة يمكن أن تُصحح، حين تقوم البطانة بدورها الصالح.

    والخلوة بالنفس من أنجح صور المراجعة، لمحاسبة النفس، وتصحيح العمل:
    رُوي عن عمر بن الخطاب قوله: « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا، وتزينوا للعرض الأكبر .. ». ويُروى عن ميمون بن مهران قوله: « لا يكون العبد تقيًا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه »[سنن الترمذي] والرابح أخيرًا هو أنت، وليس العيب في الرجوع عن الخطأ، وإنما البلاء الكبير في الإصرار على الباطل.

    ومن بركات هذه المراجعة للنفس:
    أنها سبب من أسباب رفع البلاء وتخفيف الحساب، ففي بقية كلمة عمر السابقة: « إنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا»[سنن الترمذي].
    وحين تعمّ المفاسد في أي زمان فالمخرج بالرجوع إلى ديننا، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" وفي رواية: «حتى يراجعوا دينهم»[صحيح سنن أبي داود للألباني] وبذلك تكون المراجعة بداية رفع البلاء والذل.

    كما أن مراجعة النفس وتصحيح مسارها سبب من أسباب انشراح الصدر للخير، وإيثار الباقي على الفاني، ففي حديث طويل لابن مسعود: «بينما رجل فيمن كان قبلكم، كان في مملكته فتفكر، فعلم أن ذلك – أي المُلك – منقطع عنه، وأن ما هو فيه قد شغله عن عبادة ربه» فاعتزل الملك، وذهب إلى مملكة أخرى يكسب رزقه من عمل يده، وعلم ملك هذه البلاد به وبصلاحه، فقصده الملك، وسعى إليه، واستفسر منه، فقال ملك البلاد: «ما أنت بأحوج إلى ما صنعتَ مني، ثم نزل عن دابته فسيبها، ثم تبعه فكانا جميعًا يعبدان الله عز وجل ... »[مسند أحمد]. واستطاع كل منهما أن يصحح ما أفسد دون أن يعميهما بريق الملك وفتنة الكرسي، وما بدأت صحوة كل منهما إلا بالتفكّر والمراجعة.

    والمراجعة والتصحيح فرصة لرأب الصدع بين القلوب، وإصلاح ذات البين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبواب الجنة تفتح يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يُشرك بالله شيئًا، إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنظروهما حتى يصطلحا – مرتين "[صحيح مسلم] وما فائدة إنظارهما إن لم يراجع كل منهما نفسه ليبدأ صاحبه بالسلام؟!
    وهي سبب من أسباب البراءة من النفاق. قال إبراهيم التيمي: «ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبًا». وقال ابن أبي مليكة: «أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه» وتعليقًا عليه ينقل ابن حجر قول ابن بطال: «إنهم خافوا لأنهم طالت أعمارهم، حتى رأوا من التغير ما لم يعهدوه، ولم يقدروا على إنكاره، فخافوا أن يكونوا داهنوا بالسكوت»[صحيح البخاري].
    وجماع الأمر وملاكه أن يفترض المسلم في نفسه الخطأ، وأن يستحضر عدم العصمة، لئلا يثقل عليه الاعتراف بخطئه، فتسد عليه أبواب التصحيح {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}[الرعد:11]، ولأن الإنسان مخلوق ضعيف، فهو كثير التغير والتقلّب، وهنيئًا لمن كانت فيئته إلى سنة، ومراجعته إلى صواب وتصحيحه إلى ما يرضي الله، فإن الرجوع إلى الحق شأن الأوابين والتوابين.
    محمود الخزندار
                  

09-09-2015, 02:32 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الإسلام ومراعاة مشاعر الناس
    إن ديننا الإسلامي الحنيف دين قامت دعائمه الأولى على أساس أخلاقي قويم ؛ بل إن الهدف الأول والأسمى من دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم - هو تتميم ذلك البنيان ، وترسيخ ذلك الأساس والسمو به إلى ذروة تمامه وكماله , قال – صلى الله عليه وسلم - : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
    ووصف الله نبيه الكريم بالخلق العظيم فقال : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4).
    ولقد جاء الإسلام لإسعاد الناس وصلاحهم, وليس لقهرهم وإكراههم، و المسلم إنسان حساس يراعي مشاعر وأحاسيس جميع الناس, فهو يتمتع بدرجة عالية من الإحساس والتأثر وهو صاحب قلبِ حيّ نابض، وينعكس ذلك كله على سلوكه وتصرفاته.
    ولقد وضع الإسلام كثيراً من المبادئ والأسس التي من خلالها تُصان المشاعر وتراعى الأحاسيس، ومن هذه المبادئ:
    1-الالتزام بأدب الحديث :

    فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالرفق واللين في القول فقال سبحانه : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران :159).
    وأمرنا بذلك فقال : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } (البقرة:83).
    وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء".
    ولقد ضرب النبي – صلى الله عليه وسلم –أروع الأمثلة في حسن مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم , وروت لنا كتب السنة والسيرة نماذج رائعة في ذلك منها :
    ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حين تحدث عن قوم يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب ،فقام عكاشة بن محصن فقال:ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: "أنت منهم". ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال:"سبقك بها عكاشة ".
    َقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : قِيلَ: إِنَّ الرَّجُل الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِقّ تِلْكَ الْمَنْزِلَة وَلَا كَانَ بِصِفَةِ أَهْلهَا بِخِلَافِ عكاشة ، وَقِيلَ : بَلْ كَانَ مُنَافِقًا فَأَجَابَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامٍ مُحْتَمَل ، وَلَمْ يَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّصْرِيح لَهُ بِأَنَّك لَسْت مِنْهُمْ لِمَا كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْن الْعِشْرَة.
    فقد راعي النبي صلى الله عليه وسلم مشاعر الرجل الذي قال للنبي "ادع الله أن يجعلني منهم" ولم يرد أن يجرحه أو يحرجه.
    وروت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة"، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة متى عهدتني فحاشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره".
    2-عدم جرح مشاعر المخطئ :

    إن الاستعجال في إصدار الأحكام على الآخرين أمر ممقوت يعرض صاحبه للزلل والخطأ والوقيعة في الآخرين ، وهو مخالف أيضاً للمنهج الرباني الآمر بالتثبت والتبين والتبصر ، كما أنه بعيد عن منهج الإسلام في العفو عن المسيء وقبول عذر المعتذر .
    وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نماذج رائعة تؤكد ذلك منها :
    ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال:انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، فائتوني به، فخرجنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي كتاب. قلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا حاطب؟ قال: لا تعجل علي يا رسول الله، إني كنت امرأ ملصقا من قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم: قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي،وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق، فقال عمر: دعني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأضرب عنقه، فقال إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. (9).
    فقد أخطأ حاطب بن أبي بلتعة في ظنه إعلام قومه بخبر قدوم النبي إليهم لفتح مكة ، وهو خطأ لا يقصد منه صاحبه خيانة الله ورسوله , لكن انظر كيف تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع هذا الخطأ الغير مقصود ، فلم يجرح صاحبه ، بل ولم يعنفه . وفي ذلك نزل قوله تعالى : {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}( المجادلة :22).
    وفي فتح مكة – أيضاً- كان سعد بن عبادة قائداً من قادة الجيش فلما نظر إلى مكة وسكانه. وتذكر فإذا هم الذين حاربوا رسول الله –صلى الله عليه وسلم..وضيقوا عليه..وصدوا عنه الناس..وإذا هم الذين قتلوا سمية وياسر..وعذبوا بلالاً وخباباً,,كانوا يستحقون التأديب فعلاً..هز سعد الراية..وهو يقول:
    اليوم يوم الملحمة * * * * * اليوم تستحل الحرمة سمعته قريش فشق ذلك عليهم ..وكبر في أنفسهم..وخافوا أن يفنيهم بقتالهم..فعارضت امرأة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وهو يسير..فشكت إليه خوفهم من سعد..وقالت:
    يا نبي الهدى إليك لجائي ‍* * * قريش ولات حين لجاء

    حين ضاقت عليهم سعة ‍* * * الأرض وعاداهم إله السماء

    إن سعداً يريد قاصمة الظهر ‍* * * بأهل الحجون والبطحاء

    خزرجي لو يستطيع من ‍* * * الغيظ رمانا بالنسر والعواء

    فانهينه إنه الأسد الأسود ‍* * * والليث والغٌ في الدماء

    فلئن أقحم اللواء ونادى ‍* * * يا حماة اللواء أهل اللواء

    لتكونن بالطباع قريش ‍* * * بقعة القاع في أكف الإماء

    إنه مصلت يريد لها القتل * * * صموت كالحية الصماء

    فلما سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-..هذا الشعر..دخله رحمة ورأفة بهم..وأحب ألا يخيبها إذ رغبت إليه..وأحب ألا يغضب سعداً بأخذ الراية منه بعد أن شرفه بها..فأمر سعداً فناول الراية لابنه قيس بن سعد..فدخل بها مكة…وأبوه سعد يمشي بجانبه..ففرحت المرأة وقريش لما رأت يد سعد خالية من الراية..ولم يغضب سعد؛ لأنه بقي قائداً لكنه أريح من عناء حمل الراية وحملها عنه ابنه ( العريفي، استمتع بحياتك ص 61 ).

    وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "دعوه وأريقوا على بوله سجلا ( دلوا ) من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ". أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بترك هذا الأعرابي الجاهل حتى ينتهي من بوله ، فلما انتهي أمر أن يراق على بوله ذنوبا من ماء فزالت المفسدة . ثم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم ، الأعرابي فقال : "إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن ".

    كما روى معاوية بن الحكم السلمي فقال : بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلى ؟ فـجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني سكت ، فلما صلى ، عليه الصلاة والسلام ، فبأبي هو وأمي ، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فوالله ما كرهني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال : "إن هذه الصلاة لا يصح فيهما شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" .
    يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً ".
    وها هو الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني ، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.
    من كان يرجو أن يسود عشيرة ‍* * * فعليه بالتقوى ولين الجانب

    ويغض طرفا عن إساءة من أساء * * * ويحلم عند جهل الصاحب

    فالمخطئ قبل أن نعاتبه أو نحاسبه لا بد أن نتفهم سبب الخطأ, ونلتمس له الأعذار وفي كل ذلك لا بد أن تحترم مشاعره حتى لا يعاند ويصبح الخطأ خطأين.
    سَامِحْ أَخَـاكَ إِذَا وَافَاكَ بِالْغَلَــطِ ‍* * * وَاتْرُكْ هَوَى الْقَلْبِ لا يُدْهِيْكَ بِالشَّطَطِ

    فكم صَدِيْقٍ وفيٍّ مُخْـلِصٍ لَبِــقٍ ‍* * * أَضْحَى عَدُوًّا بِـــمَا لاقَاهُ مِنْ فُرُطِ

    فَلَيْسَ فِي النَّاسِ مَعْصُوْمٌ سِوَى رُسُلٍ ‍* * * حَمَاهُـمُ اللهُ مِـنْ دَوَّامَـةِ السَّقَـطِ

    أَلَسْتَ تَرْجُـوْ مِنَ الرَّحْمَنِ مَغْفِـرَةً * * * يَوْمَ الزِّحَـامِ فَسَامِحْ تَنْجُ مِنْ سَخَـطِ
    ونكمل في مقالنا هذا الحديث عن جملة من المبادئ التي صان من خلالها الإسلام المشاعر والأحاسيس
    3-معرفة أدب التناصح :

    من أخلاق المؤمن أن يكون مرآة لأخيه ، إن رأى خيراً شجَّعه على الخير، ورغَّبه فيه، وحثه على الاستمرار عليه، وإن رأى خللاً، أو خطأً، أو نقصاً، سعى في سده وجبره فقد قال تعالى في محكم تنزيله :{ وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لوفى خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ}( العصر:1-3).
    والمنصوح امرؤ يحتاج إلى جبر نقص وتكميله، ولا يسلم المرء بذلك من حظ نفسه إلا لحظة خلوة وصفاء، وهذه اللحظة تكون عند المُسارة في السر، وعندها تؤتي النصيحة ثمرتها، ولا يكون الناصح عوناً للشيطان على أخيه، فإن الناصح في ملأٍ يعين الشيطان على صاحبه، ويوقظ في نفسه مداخل الشيطان، ويغلق أبواب الخير، وتضعف قابلية الانتفاع بالنصح عنده.
    قال أحد الدعاة: ( لتكن نصيحتك لأخيك تلميحاً لا تصريحاً وتصحيحاً لا تجريحا ) .
    وقال الإمام الشافعي : " من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه ".
    وأنشد رحمه الله :

    تعمدني بنصحك في انفـرادي ‍* * * وجنبني النصيحة في الجماعة

    فإن النصح بين الناس نـوع ‍* * * من التوبيخ لا أرضى استماعه

    وإن خالفتني وعصيت قولـي * * * فلا تجزع إذا لم تعط طاعـة

    4-عليك بأدب التغافل:

    هناك ما يسمى بأدب التغافل أو الإغضاء عن هفوات الناس كنوع من مراعاة المشاعر والأحاسيس.
    وقد نبه الله إليه في كتابه الكريم فقال : {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } (التحريم :3) .
    وقال الحسن : "ما استقصى كريم قط ، قال الله تعالى: عرف بعضه وأعرض عن بعض " (تفسير القرطبي ج18 ص188) .
    ذكر ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد.
    وقال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة ، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت ،فقال حاتم : ارفعي صوتك فأوهمها أنه أصمّ فسرّت المرأة بذلك ، وقالت : إنه لم يسمع الصوت فلقّب بحاتم الأصم.

    ولقد دخل رجل على الأمير المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، ووضع نصل سيفه على الأرض فجاء على أُصبع رجلِ الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصلُ أُصبعه، والرجل لا يشعر، والأمير لا يظهر ما أصابه وجلساء الأمير لا يتكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبة بن مسلم بمنديل فمسح الدم من أُصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحَّيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها؟ فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته.
    وأنشد الشافعي رحمه الله:
    أحب من الإخـوان كـل مواتـي * * * وكل غضيض الطرف عن عثراتي

    ‍ يوافقنـي فـي كـل أمـر أريـده * * * ويحفظنـي حيـاً وبعـد مماتـي

    ‍ فمن لي بهذا ؟ ليت أنـي أصبتـه * * * لقاسمته ما لـي مـن الحسنـات

    ‍ تصفحت إخوانـي فكـان أقلهـم * * * على كثرة الإخوان أهـل ثقاتـي

    5-لا تنس أدب المناجاة:

    قال تعالى : {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المجادلة :10).
    وعَنْ عَبْدِ اللّهِ بن مسعود . قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ. حَتّىَ تَخْتَلِطُوا بِالنّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يحْزنَهُ" (مسلم).
    قال الخطابي : وإنما قال ليحزنه لأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي سوء رأيهما فيه أو لدسيسة غائلة له. أ.هـ.

    6 - خذ بأدب الاستئذان :

    قال تعالى : {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (النور :28).
    عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أستأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع "( متفق عليه) .
    فمن استأذن على الناس ثلاثاً ولم يؤذن له فعليه بالرجوع ولا يصر على الدخول ؛ لأن في ذلك إيذاء لمشاعر الآخرين ، وقد تؤذى مشاعره كذلك .

    7- لا تسب الأموات:
    نهى الإسلام عن سب الأموات لأن في سبابهم إيذاء لمشاعر الأحياء ، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا". (البخاري) .

    8- مراعاة مشاعر الضعفاء والمرضى وذوي الحاجات:
    إذا كان كل إنسان يحتاج إلى من يراعي مشاعره وأحاسيسه فإن أحاسيس ومشاعر المرضى والضعفاء وذوي الأعذار والحاجات أولى بالمراعاة والتقدير .
    روى جابر رضي الله عنه قال : كانَ معاذٌ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤمُ قومَه ، فصلّى ليلةً معَ النبي صلى الله عليه وسلم العشاءَ ثم أتى قومَه فأمَّهم فافْتَتَحَ بسورةِ البقرةِ فانْحَرَفَ رجلٌ مسلمٌ ثم صلّى وحدَه وانصَرَفَ ، فقالوا له : أنافَقْتَ يا فلانُ ؟ قال : لا واللهِ، ولآتِيَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلأُخْبِرَنَّه ، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ الله ، إنا أصحابُ نواضحَ نعملُ بالنهارِ ، وإنَّ معاذاً صلى معكَ العشاءَ ثم أتى فافتَتَح بسورةِ البقرةِ ، فأقبَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال : "يا معاذُ أفتّانٌ أنتَ ؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا " (مسلم).
    وعن عثمانَ بنِ أبي العاصِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُمَّ قومَكَ ، فمنْ أمَّ قومَه فليُخَفَّفْ؛ فإن فيهم الكبيرَ وإن فيهم المريضَ وإن فيهم الضعيفَ وإن فيهم ذا الحاجة ، وإذا صلى أحدُكم وحدَه فليُصَلِّ كيفَ شاءَ " (مسلم).
    إن مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم مما يزيد في الود ويؤلف بين القلوب ، فقد لا ينسى أحدنا موقفاً لشخص ما راعى فيه مشاعره وشاركه أحاسيسه .
    فحينما تخلف كعب بن مالك عن غزوة " تبوك " ثم تاب الله عليه ، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليه وعلى من معه حين صلى الفجر ، يقول كعب : " فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنؤوني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس ، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني ، والله ما قام رجل إلي من المهاجرين غيره ، لا أنساها لطلحة ".
    إن صاحب الإحساس والتأثر يراعي مشاعر إخوانه، ويحترمها، ويحذر أن يمسها بسوء.
    ورد في صحيح مسلم أن أبا سفيان ـ في هدنة صلح الحديبية ـ قبل إسلامه، مر على سلمان وصهيب وبلال، فأرادوا أن يسمعوه قولاً يغيظه، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فاستنكر عليهم أبو بكر ما قالوا، وقال لهم: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ وذهب أبو بكر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى، فكان أول أمر أهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تساءل عن مشاعرهم تجاه ما صدر من أبي بكر، فقال له:" يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك"، فأتاهم أبو بكر يسترضيهم، ويستعطفهم، قائلاً: يا إخوتاه! أغضبتكم؟ قالوا: لا . يغفر الله لك .
    ولقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم : "اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم "(الترمذي).
    اللهم جنبنا الزلل في القول والعمل ، واجعلنا ممن يقول فيعمل ويعمل فيخلص ، ويُخلص فيُقبل منه .
    نسأل الله أن يرزقنا وإياكم من فضله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    ــــــــــــــــــــــــــ
    صيد الفوائد ( بتصرف يسير )
                  

09-09-2015, 02:34 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    حسن الاختيار
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
    فإن العبد في هذه الحياة الدنيا يتعرض لمواقف يحتاج فيها إلى المفاضلة بين العديد من البدائل والاختيارات،وهو في هذا يحتاج إلى اختيار أفضل البدائل وأحسنها فيما يبدو له، وإذا كان اختيار المرء قطعة من عقله، فالعاقل يبحث دائماً عن الخيار الأصلح، الأحسن، والأنسب؛ لأن هذا الاختيار تتوقف عليه أشياء، ربما يتحدد به مصير فحياة الإنسان هي اختياراته، حتى في أموره الدنيوية في زواج في مسكن في دراسة في تخصص في تجارة في سلعة، يختار في سيارة، ...إلخ،
    ربنا يختار الطيب
    قال ابن القيم رحمه الله : إن الله سبحانه وتعالى اختار من كلِّ جنسٍ من أجناس المخلوقات أطيبَه، واختصَّه لنفسه، وارتضاه دون غيره، فإنه تعالى طيبٌ لا يحبُّ إلا كل طيب، ولا يقبل من العمل والكلام والصدقة إلا الطيب، فالطيبُ من كل شيء هو مختَاره تعالى. [ زاد المعاد (1 / 65)].

    بعض اختيارات الرسول صلى الله عليه وسلم
    لقد حفلت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بكثير من الشواهد التي تدل على حسن الاختيار في أموره كلها
    فقد اختار أبا بكر ليكون صاحباً له في الهجرة، واختاره ليصلي بالناس في مرض موته دليلاً وإشارة إلى خلافته من بعده.
    واختار مصعب بن عمير رضي الله عنه ليكون سفيراً له إلى المدينة.
    واختار علياً ومعاذ بن جبل ليكونا داعيين في اليمن، وخص عليا بحمل لواء المعركة في خيبر .
    واختار حذيفة بن اليمان ليكون صاحب سره في المنافقين وغير ذلك، فكان يقال له: ( صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ ). رواه البخاري .
    واختار بلالاً رضي الله عنه مؤذناً له ، كما اختار ابن أم مكتوم وأبا محذورة بعد ذلك .
    واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبشة مهاجَراً أولَ لأصحابه ، لأن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد.
    وما خُير صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.

    قال ابن القيم رحمه الله : فإنَّ الطيبَ لا يناسبه إلا الطيب، ولا يرضى إلا به، ولا يسكن إلا إليه، ولا يطمئن قلبه إلا به ....وكذلك لا يألفُ من الأعمال إلا أطيبَها... ومن الأخلاق أطيبَها وأزكاها.. وكذلك لا يختار من المطاعم إلا أطيبها – وأحلها -، وهو الحلالُ الهنيء المريء الذي يُغذي البدن والروح أحسن تغذية.
    وكذلك لا يختار من المناكح إلا أطيبها وأزكاها .
    ومن الرائحة إلا أطيبها وأزكاها .
    ومن الأصحاب والعشراء إلا الطيبين.
    فروحه طيب، وبدنه طيب، وخُلُقه طيب، وعملُه طيب، وكلامه طيب، ومطعمه طيب، ومشربه طيب، وملبسه طيب، ومنكحه طيب، ومدخله طيب، ومخرجه طيب، ومنقلبه طيب، ومثواه كله طيب، فهذا ممن قال الله تعالى فيه : {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} (النحل:32) .
    ومن الذين تقول لهم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}(الزمر: من الآية73) . [زاد المعاد (1/65) ]

    من فوائد حسن الاختيار
    إن حسن الاختيار يترتب عليه الكثير من الخير للعبد في دينه ودنياه، ويجعله يتجنب المشكلات، سواء كانت أسرية اجتماعية وظيفية مالية .
    ولو أخذنا مثالا حياتيا لا يكاد يستغني عنه إنسان وهو اختيار الزوجة، إنها رفيقة العمر وصاحبة الرحلة الطويلة مع زوجها في هذه الحياة والتي وجه النبي صلى الله عليه وسلم الشباب لحسن اختيارها حين قال : " فاظفر بذات الدين تربت يداك". إن أحسن الرجل اختيارها فإنها التي تسره إذا نظر، وتحفظه في حضوره وغيبته وترعى ماله وتحسن تربية عياله، إنها حينئذ السكن والمودة والحب والحنان.

    قال الحسن البصري عن أثر حسن اختيار الزوجة في مسلك الإنسان حتى في سياسته في البيع والشراء لو كان بائعاً : وقفت على بزَّاز – بائع قماش - بمكة أشتري منه ثوباً، فجعل يمدح ويحلف، فتركته، وقلت لا ينبغي الشراء من مثله، واشتريت من غيره.
    ثم حججت بعد ذلك بسنتين، فوقفت عليه فلم أسمعه يمدح ولا يحلف، فقلت له: ألست الرجل الذي وقفت عليه منذ سنوات؟
    قال: نعم.
    قلت له: وأي شيء أخرجك إلى ما أرى، ما أراك تمدح ولا تحلف؟
    فقال: كانت لي امرأة إن جئتها بقليل نزَرَته [احتقرَته واستَقَلَّته]، وإن جئتها بكثير قللته، فنظر الله إلي فأماتها.
    فتزوجت امرأة بعدها، فإذا أردت الغدو إلى السوق أخذت بمجامع ثيابي ثم قالت: يا فلان اتق الله ولا تطعمنا إلا طيبًا؛ إن جئتنا بقليل كثرناه، وإن لم تأتنا بشيء أعناك بمغزلنا.
    سبحان الله تبدل حاله للأحسن حين رزقه الله الزوجة الصالحة.

    وانظر إلى الإمام أحمد رحمه الله حيث أحسن اختيار زوجته وبعد طول عشرة يقول عنها : أقامت معي زوجتي أم صالح ثلاثين سنة فما اختلفت أنا وهي في كلمة. فيا له من اختيار ما أحسنه وأحسن عواقبه.

    اختيار الولاة والمسؤولين أمانة
    ويدخل في هذا باب حسن الاختيار كذلك اختيار ولاة الأمور للمسؤولين والولاة والوزراء ؛ فإن هؤلاء إذا أحسن اختيارهم كانوا من أعظم أسباب الخير للرعية والأمة، وإذا أسيء اختيارهم كانوا وبالا على الأمة والرعية
    اختار أبو بكر عمرَ رضي الله عنهما لخلافته على الأمة، فكان اختياراً عظيماً ما أعظم بركته.
    واختار سليمان بن عبد الملك بمشورة رجاء بن حيوة عمر بن عبد العزيز ليلي الأمر من بعده فكان اختياراً موفقاً جنت الأمة ثمارا مباركة له.

    نتائج سوء الاختيار
    إذا لم يكن الاختيار حسناً، سيورث التحسر وخيبة الأمل وتأنيب النفس، ويقع الإنسان في اللوم ويستولي عليه القلق وتشويش التفكير، ربما يختار مكاناً رخيصاً فيندم، أو ملبوساً رخيصاً فيتلف، يضطرب عمله بسوء الاختيار، أُقفلت مؤسسات بسبب سوء الاختيار للإدارة والموظفين والعمال، الاختيارات السيئة تقود إلى نتائج سيئة، اختيار القرناء إذا كان سيئاً فإن هؤلاء الأشرار سيوردونه المهالك، سوء اختيار كتاب يمكن أن يزعزع عقيدة الإنسان، سوء اختيار الموقع الإلكتروني الذي يعتمد عليه في التلقي قد يورده المهالك، سوء الاختيار يضيع الأوقات، سوء الاختيار يبدد الطاقات، سوء الاختيار يؤدي إلى وقوع الفوضى وخسارة الأموال، سوء اختيار ورشة يكلفك في إصلاح سيارتك مبالغ طائلة، سوء اختيار طبيب قد يكلفك في صحتك كثيراً، إذا كان هذا على مستوى الفرد فكذلك على مستوى الأمة سوء اختيار الولاة والمسؤولين يؤدي إلى الخسائر الكبيرة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتاريخ القديم والحديث خير شاهد.

    أمور تعين على حسن الاختيار
    لا شك أن حسن الاختيار في الأساس هو توفيق من الله تعالى للعبد وبقدر قرب العبد من ربه تعالى يكون التسديد والتوفيق لهذا كان من أهم الامور التي يستعين بها العبد على تحقيق حسن الاختيار:

    أولاً: تحقيق التقوى وهذا أمر مهم جداً في التوفيق لحسن الاختيار، لأن التقوى أساس التوفيق وسبب لسداد الرأي، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}(البقرة: من الآية282) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}(الأنفال: من الآية29) . فتفرق به بين الاختيار الحسن والاختيار السيء.

    ثانيا: الدعاء والاستخارة
    فإن الدعاء مفتاح الخير، ومن ذلك صلاة ودعاء الاستخارة، هذا الدعاء الحسن الجميل الطيب وهذه الصلاة العظيمة وهذه العبادة الجميلة الجليلة، يمكن أن يترتب عليها من السعادة ويترتب عليها من التوفيق ويترتب عليها من المكاسب العظيمة للإنسان، ما لم يكن بالبال.
    الاستخارة وهي طلب خير الأمرين، إذا أراد العبد أمرا وهمّ به. والمؤمن إذا اشتبه عليه أي الخيارات الأصلح في زواج، في سفر، في تخصص؛ في بعثة، فإنه يصلي صلاة الاستخارة التي هي في حقيقتها استمداد التوفيق من الله، وبراءة من الحول البشري والقوة الذاتية، وركون إلى حول الله وقوته، الاستخارة طلب البصيرة من الله أن يقذفها في قلبك لتحسن الاختيار، وتختار وتمضي على الشيء الطيب، هذه سنة وخصوصاً إذا لم يتبين لك الأمر، وقد اتفقت مذاهب العلماء على أن الاستخارة تكون في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها، أما ما هو معروف الخير فيه والشر فليس مجالاً للاستخارة، فلا يستخير الإنسان أن يصلي، ولا يستخير أن يصوم رمضان، ولا يستخير أن يبر والديه، ولا يستخير أن يطلب العلم، لكن يمكن أن يستخير في الحملة التي يحج فيها، والرفقة الذين يصحبهم، والشيخ الذي يقرأ عليه، الاستخارة تكون إذا تعارض أمران أيهما يبدأ به، أو يقتصر عليه.
    عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَلْحَدُ وَآخَرُ يَضْرَحُ، فَقَالُوا نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا وَنَبْعَثُ إِلَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا سُبِقَ تَرَكْنَاهُ، فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ، فَلَحَدُوا لِلنَّبِيِّ"-صلى الله عليه وسلم- . (رواه ابن ماجه وأحمد وإسناده صحيح).
    اللَّحْد خَيْر مِنْ الشَّق وهو الَّذِي اِخْتَارَهُ اللَّه لِنَبِيِّهِ .

    ثالثاً : الاستشارة
    فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار .
    ولو استغنى أحد عن المشورة لاستغنى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
    ومع ذلك وهو أسدّ الأمة رأياً وأعقلها وأحكمها، حتى أنه -عليه الصلاة والسلام- اتخذ أبا بكر وعمر كالوزيرين له، شاورهما في أسرى بدر وفي وفد بني تميم من يولي عليهم، شاورهما في الأمور العامة والخاصة، وكان يشاور أبا بكر في حروبه، وشاور أسامة بن زيد في قصة الإفك وعلياً، وشاور كذلك أصحابه في نزول المنازل في المعارك:
    الرأيُ كالليل مسودٌ جوانبه والليل لا ينجلي إلا بمصباح
    فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى مصباح رأيك تزدد ضوء مصباحِ
    فإن ملاقحة العقول، والاستفادة من آراء الرجال، مفيدة في حسن الاختيار، فتستشير صاحب التجربة والحكمة والخبرة، صاحب الدين الذي ينصحك ولا يغشك، الذي يعلم ظروفك وما هو الأنسب لك، إذاً إنما يُحسن الاختيار لغيره من أحسن الاختيار لنفسه، والمستشار مؤتمن، ولذلك فإن المشورة تساعد في اكتشاف الصواب، ومعرفة الأحسن، لكن يبقى السؤال:أيهما قبل الاستشارة أو الاستخارة؟ .
    قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله : "يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَشِيرَ قَبْلَ الاسْتِخَارَةِ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ النَّصِيحَةَ وَالشَّفَقَةَ وَالْخِبْرَةَ, وَيَثِقُ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ ... وَإِذَا اسْتَشَارَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ, اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ ".

    رابعاً : الاستفادة من تجارب الآخرين في الخيارات
    والسؤال عمن سلك الدرب قبلك، سواء كان في تخصص أو في علم معين تطلبه.

    وخامساً: جمع المعلومات قبل الاختيار
    لأن الاختيارات تُبنى على العلم لا على العواطف والتخمينات، وجمع المعلومات خطوة مهمة، وينبغي ألا تطول جداً لتفوت الفرصة، وإنما ينبغي أن يكون الاختيار بناءً على بيِّنة.
    بعض الصوفية يختار دائماً ما رآه شيخه حتى لو كان الذي يراه خطأً، من باب تقديس الأشخاص، وبعضهم ربما يطلب من صاحب القبر أن يختار له!!
    الاختيار ليست عملية شركية ولا عشوائية، وكذلك فالاختيار يحتاج إلى تحسس أحياناً بالسمع والأذن والعين البصر والعقل والقلب، هذه مجالات التحسس، استطلاع ، استبيان، أحياناً تحتاج إلى عمل دراسة كاملة وإحصاء قبل أن تختار، لكن في غمرة الجهل والهوى، يختار الناس أشياء ليست هي الأصلح لهم، وقد يخفى الاختيار الأفضل حتى على الأكابر .
    كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَةٍ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَيْهِ تَدْعُوهُ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ كَلِّمْنِي، فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي.
    فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ.
    فَرَجَعَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الثَّانِيَةِ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ فَكَلِّمْنِي.
    قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ.
    فَقَالَتْ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيْجٌ وَهُوَ ابْنِي وَإِنِّي كَلَّمْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي اللَّهُمَّ فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ ... (رواه البخاري (2482) ومسلم (2550).
    فتعرض لابتلاء عظيم ومحنة وبلية وكان عليه أن يجيب أمه ويقطع صلاة النافلة، لأن إجابة الأم واجبة وصلاة النافلة مستحبة.
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم دائما يختار الأفضل لأمته، ولما أسري به عرض عليه إناءان في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فَقَالَ: (( اشْرَبْ أَيَّهُمَا شِئْتَ, فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ, فَقِيلَ: أَخَذْتَ الْفِطْرَةَ, أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ)) رواه البخاري (3394).
    حتى عند موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأصحابه : ((إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ)) .
    فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال أبو سعيد : فقلت فِي نَفْسِه مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ، إِنْ يَكُنْ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ.
    فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْد، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا.
    قَالَ: ((يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ)). البخاري (466).
    قد يختار الإنسان شيئاً ليس من مصلحته، ويتجنب الأصلح، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية216).
    وهذا عام في جميع الأمور، قد يمسك الإنسان زوجته وهو كاره لها، ويكون في ذلك خير، {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}(النساء: من الآية19).
    قال ابن عباس في الآية: "هو أن يَعْطف عليها – مثلاً ما يعجبه شكلها، لكنها صاحبة دين فيصبر عليها-، فيرزقَ منها ولدًا. ويكون في ذلك الولد خير كثير". ابن كثير (2/243)
    الإنسان أحياناً يختار ما هو شاق عليه لأجل مصلحة أعلى، قد يختار الطالب تخصصاً أصعب لأن الأمة أحوج إليه، قد يختار الإنسان طعام ليس هو الأشهى لأنه أنفع له، صحي أكثر، قد يختار الخاطب أقل جمالاً لأنه عندها في الدين والخلق مزية غير موجودة في الجميلة .

    اختار أحمد بن حنبل عوراء على "أختها" الصحيحة الجميلة، فسأل مَن أعقلهما ؟ فقيل: العوراء، قال: زوجوني إياها. فرزقه الله تعالى منها بأئمة: [عبد الله وصالح].
    انظر مسائل الإمام أحمد لعبد الله، مسائل الإمام أحمد لابنه صالح.

    سادسا:لا مجال للحرام في الاختيارات
    من قواعد الاختيار أنه لا مجال لجعل الحرام من الاختيارات، فيتخير الإنسان بين المباحات، يتخير في المستحبات، لكن لا يمكن أن يختار بين الصدق والكذب،ولا يكون الكذب عنده خياراً ممكناً، وقد قال كعب : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ.. (رواه مسلم (2769) والبخاري).
    إذا أردت أن تودع مالاً لك هناك مصرف ربا وآخر لا يتعامل بالربا، أن لا تعرض الأمر على أن المصرف الربوي هذا اختيار، هذا ليس اختياراً أصلاً، هذا ساقط من الاختيارات، ممكن تختار من المصارف الغير الربوية، فيها خيارات، اقطع الأمل عن الحرام، الحرام ليس طريقاً ، وهكذا في جميع الأمور.

    سابعاً : النظرة المستقبلية عند الاختيار
    لنظر في المآلات وعواقب الأمور، هذا يساعد في اختيار الأمثل. والنبي -عليه الصلاة والسلام- يراعي هذا : ((أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟))
    فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟
    قَالَ: ((لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتَُ)). (البخاري(1480)، ومسلم (2368).
    لولا خشية أن ينفروا عن الإسلام لهدمتها، وجعلتها على أساس الخليل وزدت فيها سبعة أذرع من جهة الحجر وأكملت البنيان، وجعلت الباب نازلا على الأرض، ولها باب من الجهة الأخرى بحيث يكون لهم باب منه يدخلون وباب منه يخرجون .

    ثامناً : التروي والأناة قبل الاختيار
    والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أن يخير عائشة لما نزلت آية التخيير : {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً *وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ } (الأحزاب: 28-29) . تبقين معه على ضيق ذات اليد، على الميسور عنده، إذا أردتن الدنيا أعطيكن وأسرحكن، لا تبقين عنده، فقال -عليه الصلاة والسلام- لعائشة : ((إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ)).
    وأمرها بالتريُّث والتأنِّي.
    ولكن ليس التأني المفوت للفرصة ولا التأني الذي يؤدي إلى أن تنحل العزيمة وتذهب الهمة وتفتر وتضعف، أحياناً يكون مجال الاختيار ضيقاً، بالكاد تقرأ دعاء الاستخارة، لا تتأخر في اختيار المناسب.

    تاسعاً: إذا اخترت فاعزم
    قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}(آل عمران: من الآية159).
    هذا العزم مهم
    إذا كنتَ ذا رأيْ فكُنْ ذا عَزِيمَةٍ *** فإنَّ فَسادَ الرَّأْيِ أنْ تَتَردَّدا

    وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلاً *** فإن فساد العزم أن يتقيدا

    وإذا أخذت بالأسباب وعزمت فلا تلتفت إلى مثبط ولا مخالف، استشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم الناس أيخرج إليهم– لملاقاة كفار مكة في أُحد أم يبقى فيها - أم يمكث بالمدينة؟ فأشار عبد الله بن أُبيّ بالمقام بالمدينة، وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدراً بالخروج إليهم،- ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- كثرة الذين يريدون الخروج، والشباب هؤلاء الذين تحمسوا للقاء - فلبس لأمَتَه وخرج عليهم، وقد نَدم بعضهم وقالوا: لعلنا استكرَهْنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إن شئت أن نمكث؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لأمَتَه أنْ يَرْجِعَ حَتى يَحْكُمَ اللهُ لَه)). تفسير ابن كثير (2 : 109). والحديث رواه أحمد وصححه الألباني.
    القائد إذا اختار وأعلن القرار ما فيه رجوع، لأنه يفت في عزيمة الناس، ولم تكن هزيمة غزوة أُحد نتيجة الخروج من المدينة، كانت نتيجة لترك الرماة مواقعهم، كانت نتيجة { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ } (152) سورة آل عمران، هذه أسباب الهزيمة.
    وللحديث بقية إن شاء الله،وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 02:37 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    ميزان التفاضل
    من الأمور التي قررتها الشريعة الإسلامية أن التفاضل بين الناس لا يرجع إلى جنس ولا لون ولا عرق ولا نسب، إنما ميزان التفاضل بين الناس إنما هو التقوى، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) .
    فهذا هو ميزان التفاضل بين الناس، ولهذا لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قال لهم:" أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى..." الحديث.

    ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحقيقة كثيرا، فتراه صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه فيمر عليهم رجل فيقول: " ما تقولون في هذا؟" قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: " ما تقولون في هذا؟ " ، قالوا: حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن هذا خير من ملء الأرض من هذا".

    وقد ذكر العلامة ابن الجوزي رحمه الله في كتابه زاد المسير عند الحديث عن سبب نزول الآية أنه عند فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصعد على ظهر الكعبة ليؤذن فلما سمعه الحارث بن هشام قال: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا،فنزلت الآية : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) .
    وصدق والله القائل:
    لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
    فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
    فإنه بلال الذي أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع دف نعليه بين يديه في الجنة، إنه بلال الذي قال فيه عمر رضي الله عنه إنه سيدنا، إنه بلال الذي لا يعرف له شرف نسب ولا جاه ولا سلطان، إنما يعرف بسابقته في الإسلام وصحبته للرسول صلى الله عليه وسلم وصلاحه وجهاده،وهل بعد هذا من شرف؟!

    إن قطاعا كبيرا من الناس قد انقلبت عندهم الموازين فصاروا يفاضلون بين الرجال بملابسهم أو ألوانهم أو وظائفهم دون النظر إلى الدين والتقوى، وهذا ولا شك من الخلل البين والانحراف عن الصواب في ميزان الرجال،ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاتكال على هذه الأمور وترك العمل الصالح الذي يرفع صاحبه عند ربه تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: " يا بني هاشم لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم" . وقال صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها : "يا فاطمة اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا".

    بل يقرر في العديد من المناسبات هذا الميزان الرباني، فحين تنازع المهاجرون والأنصار في سلمان فقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا آل البيت".
    وعندما تولى دفن الموتى في أحد لم يكن يسأل عن النسب والمكانة، بل يسأل عن أي الرجلين أكثر أخذا للقرآن فيقدمه في اللحد،وقال لأبي ذر رضي الله عنه: "انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله".
    ولما تسلق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نخلة انكشفت ساقه فضحك بعض الصحابة من دقتها قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "تعجبون من دقة ساقيه؟ إن إحداها أثقل عند الله من جبل أحد".
    وقال صلى الله عليه وسلم: " رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره".
    هذا هو الميزان الذي أراد شرع الله أن يسود بين الناس وإن لم يأخذوا به وصاروا إلى غيره فهو الضلال والهوى.
    ولهذا المعنى لما فاخر رجل من كنانة أبا العتاهية رحمه الله واستطال الكناني بقوم من أهله رده أبو العتاهية إلى هذا الميزان فقال له:
    دعـني مــن ذكــر أب وجــد ونسب يُعليك سور المجد
    ما الفخر إلا في التقى والزهد وطاعة تعطي جنان الخلد

    ولما جاء الأقرع بن حابس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: إنما بايعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة وجهينة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيت إن كان أسلم وغفار وجهينة ومزينة خيرا من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان خابوا وخسروا؟" فقال الأقرع: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إنهم لأخير منهم". وليس في الحديث ذم لبني تميم ومن معهم من القبائل إنما فيه تفضيل الآخرين عليهم وإنما فضلوا عليهم بسبقهم للإسلام وسرعة دخولهم فيه قبل هذه القبائل الأخرى التي كانت أعظم من غفار وأسلم ومن معهما في القوة والمكانة والمنزلة، لكنه الميزان الرباني ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

    إن هذه الدعوة الإسلامية المباركة التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم ساوت بين الناس من جهة الإنسانية ورفعت أهل السبق والفضل والديانة حتى استوى في ميزان الإسلام الغني والفقير والسيد والمملوك، فجلس فقراء المسلمين كابن مسعود وعمار وخباب بجوار الأغنياء من أمثال أبي بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف دون أن يشعروا بمذلة أو هوان، كيف لا وهم يسمعون النبي صلى الله عليه وسلم حين يسأل عن أكرم الناس يقول: " أتقاههم"؟.
    ونختم مقالنا هذا بقصة جليبيب التي تدل على نفس المعنى أن التفاضل بين الناس إنما بالتقوى، فقد ذكر أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه أنه في غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم أفاء الله عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تفقدون من أحد؟"،قالوا نفقد والله فلانا وفلانا وفلانا.فقال صلى الله عليه وسلم: " هل تفقدون من احد؟" قالوا: لا. قال:" لكني أفقد جليبيبا فاطلبوه في القتلى"، فنظروا في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة من المشركين فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه".يقولها مرارا، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم على ساعده ليس له سرير إلا ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضعه في حفرته.
    فقل لي بالله عليك: أي نسب أو وظيفة أو مال يعدل هذه الشهادة العظيمة من خير البشر لرجل لا يكاد يعرفه أكثر الناس لكن الله تعالى يعرفه ويرفع قدره؟!.
    نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم تقواه ويجعلنا من أحب خلقه إليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 02:38 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    هل من معتبر
    ينبغي أن يوقن العبد أن لهذا الكون إلها عليما ومدبرا حكيما: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:18)
    لا يقع شيء في هذا الكون إلا بعلمه، ولا يقضى قضاء إلا بأمره:{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة:117)
    {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يّـس:82) ولقد أودع الله كونه الفسيح وكتابه الكريم من الآيات والعبر ما يكفي أولي الألباب والبصائر ليتذكروا ويعتبروا:
    {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران:137) وقد ذكر الله تعالى في سورة الكهف قصة صاحب الجنتين الذي طغى وتجبر: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} (الكهف:35، 36).

    فماذا كانت عاقبته؟ قال الله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً.وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} (الكهف:42،43)

    ولقد مد الله تعالى في أعمارنا حتى رأينا من سنن الله ما يتحقق في عباده وكونه، فكم من أفراد كانوا يتقلبون في النعمة والثراء والغنى بدل الله أوالهم إلى الفقر والحاجة حتى إنهم ليتلقون الصدقة، وآخرين منحهم الله الصحة والقوة في البدن فما صانوها بل استعملوها في الظلم والبطش فبدل الله قوتهم ضعفا وصحتهم مرضا، وكم من رجل كان في عز ورياسة ووجاهة أعرض عن أمر ربه وطغى وتجبر واستباح الحرمات والدماء والأموال فتبدل به الحال فأصبح بعد العز ذليلا ، وبعد الأمر والنهي محبوسا مقيدا أسيرا: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (فصلت: من الآية46)

    والعجب العجاب أن من كان في مثل حالهم لا يتعظ ولا يعتبر ولا ينزجر وصدق الله : {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج: من الآية46)
    فكأن الأحداث من حوله لا تعنيه ، وكأن ما أصاب غيره لم يكن ليصيبه هو، غفلة مستحكمة : { لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف: من الآية179)
    بل إنهم لا يزدادون مع مرور الأيام إلا عتوا وضلالا، وكبرا وعنادا، فيعتدون على الحرمات والأموال والأنفس ويسفكون الدماء الزكية ويزهقون الأرواح البريئة.

    ألا يعلم هؤلاء الطغاة أن الله تعالى قد نهى عن قتل البهيمة بغير حق ؟فهل يرضى الله بقتل إنسان بغير حق؟ فكيف بمسلم ؟ فكيف بتقي صالح ؟.
    والله عز وجل يقول: { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة: من الآية32)
    وهذه الأحاديث الشريفة التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم تبين خطورة وعظم هذه الجريمة الشنيعة
    فيقول: " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق".
    ويقول: " لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم امرئ مؤمن لأكبهم الله في النار".
    ويقول: " لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".

    وأعجب من ذلك أن بعض هؤلاء يقتل لا ليحافظ على ملكه هو بل ليحافظ على ملك طاغية متجبر، وهذا القاتل المجرم من أكثر الناس غباء وحمقا؛ إذ يبيع دينه وآخرته بدنيا غيره ، ولا ينفعه بين يدي الله أن يقول كنت " عبد المأمور " ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يجيء المقتول يوم القيامة متعلقا بقاتله فيقول الله: فيم قتلت هذا؟ فيقول: في ملك فلان".
    فما أعظم خيبته وخسارته في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

    والجزاء من جنس العمل
    فهذا أبو مسلم الخراساني الذي تفانى في خدمة دولة بني العباس ، لكنه انتهك الحرمات وسفك الدماء البريئة، فلما تولى المنصور الخلافة بايعه أبو مسلم على السمع والطاعة وبعد حين خرج على الخليفة فأرس إليه المنصور يحذره ويأمره بالسمع والطاعة فأبى ففاز به المنصور وأمر بقتله وقطع جسده قطعا صغيرة ورمي بها في نهر دجلة جزاء وفاقا.
    وفي زمن الخليفة الواثق انتشرت بدعة القول بخلق القرآن فتصدى لها علماء أهل السنة وعلى رأسهم أحمد بن نصر الخزاعي رحمه الله فجاء به الواثق وسأله عن القرآن فأخبره أنه كلام الله غير مخلوق، وسأله عن رؤية الله فأجابه أن الله تعالى يقول : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(القيامة:23،22) .
    فاستشار بعض الحاضرين فأشاروا بقتله، فقتل وقطع رأسه فسمع رأسه يقرأ:{الم.أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} (العنكبوت:1،2).
    ومات الواثق وتولى الخلافة بعده المتوكل الذي انتصر لمذهب أهل السنة وحارب البدعة وأهلها ، ودخل عليه محمد بن عبد الملك الزيات قفال له المتوكل: في قلبي شيء من قتل محمد بن نصر، فقال ابن الزيات: أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا، ثم دخل عليه هرثمة فقال له المتوكل نفس المقالة، فقال هرثمة: قطعني الله إربا إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا،ثم دخل عليه أحمد بن أبي داود فقال له: ضربني الله بالفالج إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا.
    وبعد مدة يسرة قام المتوكل بحرق ابن الزيات، و فازت خزاعة بهرثمة فقتلوه وقطعوه إربا لدوره في قتل أحمد بن نصر الخزاعي، وأما ابن أبي داود فقد حبسه الله في جلده قبل موته بأربع سنين إذ ضربه الفالج( الشلل).
    ولا تعجب فإن الجزاء من جنس العمل وما من ذنب أسرع عقوبة من البغي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".
    لكن السؤال المهم هنا هل يعتبر هؤلاء قبل نزول عقاب الله بهم أم يستمرون في طغيانهم وعتوهم أم يصدق فيهم قول ربنا: {ِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً.اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} (فاطر:الآية42،43).
    نسأل الله أن يحفظ المسلمين من كل مكروه وسوء، وأن يرد كيد الكافرين والظالمين إلى نحورهم ، والحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 02:41 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    حقيقة أمراض القلوب وخطورتها
    مما هو مستقر عند أولي الألباب أن القلب يمرض، وقد يشتد مرضه ولا يشعر به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته.
    وأمراض القلوب أصعب من أمراض الأبدان، لأن غاية مرض البدن أن يفضي بصاحبه إلى الموت، وأما مرض القلب فقد يفضي بصاحبه إلى الشقاء الأبدي، عياذًا بالله تعالى.
    ومرض القلب نوعان:
    النوع الأول: مرض مؤلم له في الحال، كالهم والغم والحزن والغيظ، وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية كإزالة أسبابه، أو بالمداومة بما يضاد تلك الأسباب، وما يدفع موجها مع قيامها، وهذا كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن، ويُشفى بما يشفى به البدن، فكذلك البدن يتألم كثيرًا بما يتألم به القلب ويشقيه ما يشقيه.
    النوع الثاني: مرض لا يتألم به صاحبه في الحال، وهو المراد بهذا المقال، كمرض الجهل، ومرض الشبهات، والشكوك، ومرض الشهوات، وهذا النوع هو أعظم النوعين ألمًا، ولكن لفساد القلب لم يحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم وإلا فألمه حاصل له، وهو متوارٍ عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين وأصعبهما، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم فهم أطباء هذا المرض.
    فأمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية من جنس أمراض البدن، وهذه لا توجب وحدها شقاءه وعذابه بعد الموت، بخلاف أمراضه التي لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية، فهي التي توجب له الشقاء والعذاب إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها.
    وأمراض القلوب التي من هذا النوع كثيرة جدًّا، وجماعها يرجع إلى مرضين خطرين هما: مرض الشهوات والغي، ومرض الشبهات والشك.
    قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: (القلب يعترضه مرضان يتواردان عليه إذا استحكما فيه كان هلاكه وموته، وهما مرض الشهوات ومرض الشبهات، هذا أصل داء الخلق إلا من عافاه الله).
    وقال أيضًا – رحمه الله تعالى -: (مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم وفساد القصد، ويترتب عليهما داءان قاتلان، وهما: الضلال والغضب، فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها).
    وقد جاء في وصف القلب المنكوس ما أخرجه مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربه نكتت فيه نُكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادًا كالكوز مجخيًا(أي مقلوبا)، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض".
    والفتن التي تعرض على القلوب هي أسباب مرضها، وهي فتن الشهوات وفتن الشبهات، فتن الغي والضلال، فتن المعاصي والبدع، فتن الظلم والجهل، فالأولى توجب فساد القصد والإرادة، والثانية توجب فساد العلم والاعتقاد.
    وهذا المرضان قد ذكرهما الله في كتابه في مواضع كثيرة، وقد جمع الله سبحانه بينهما في قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[التوبة:69]. فذكر سبحانه في هذه الآية ما يحصل به فساد القلوب والأبدان من هذين الأصليين.
    الأول: الاستمتاع بالخلاق، وهو متضمن لنيل الشهوات المانعة من متابعة الأمر.
    الثاني: الخوض بالشبهات الباطلة، لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به، أو العمل بخلاف العلم الصحيح.
    فالأول هو البدع وما والاها، وهو فساد من جهة الشبهات، والثاني فساد العمل من جهة الشهوات. وفيما يلي تفصيل لهذين المرضين كما يلي:
    أولاً: أمراض الشهوات:
    قال تعالى: {فلاتَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}(الأحزاب: من الآية32) والمرض هنا مرض الشهوة والفجور والزنا.
    وأمراض الشهوات: هي فساد يحصل للقلب تفسد به إرادته للحق، بحيث يبغض الحق النافع، ويحب الباطل الضار، ومنشأها الهوى، فإن الإنسان يعرف الحق لكن لا يريده؛ لأن له هوى مخالفا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
    ثانيًا: أمراض الشبهات:
    قال تعالى في حق المنافقين: { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[البقرة:10]. وقال تعالى: { وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً}[المدثر:31] وقال تعالى: { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[الحج:53].
    فهذه ثلاثة مواضع، المراد بمرض القلب فيها مرض الشبهات والشك والجهل. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله تعالى – عند تفسير قوله تعالى: {في قلوبهم مرض}: (المراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات والنفاق، وذلك أن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله، مرض الشبهات الباطلة، ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع كلها من مرض الشبهات، والزنا ومحبة الفواحش والمعاصي وفعلها من مرض الشهوات).
    وأمراض الشبهات: هي فساد يحصل للقلب يفسد به تصوره للحق، بحيث لا يراه حقًّا أو يراه على خلاف ما هو عليه أو ينقص إدراكه.
    وقد تقدم بأن مدار الإيمان على أصلين: تصديق بالخبر وطاعة الأمر.
    قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: بعد أن ذكر هذا الأصل: (ويتبعهما أمران آخران وهما: نفي شبهات الباطل الواردة عليه المانعة من كمال التصديق ... ودفع شهوات الغي الواردة عليه المانعة من كمال الامتثال.
    فها هنا أربعة أمور: أحدهما تصديق الخبر، والثاني: بذل الاجتهاد في رد الشبهات التي توحيها شياطين الجن والإنس في معارضته، والثالث: طاعة الأمر، والرابع: مجاهدة النفس في دفع الشبهات التي تحول بين العبد وبين كمال الطاعة. وهذان الأمران – أعني الشبهات والشهوات – أصل فساد العبد وشقائه في معاشه ومعاده، كما أن الأصلين الأوليين وهما: تصديق الخبر وطاعة الأمر أصل سعادته وصلاحه في معاشه ومعاده، وذلك أن العبد له قوتان قوة الإرادة والنظر وما يتبعها من العلم والمعرفة والكلام، وقوة الإرادة والحب وما يتبعها من النية والعزم والعمل، فالشبهة تؤثر فسادًا في القوة العلمية النظرية ما لم يداوها بدفعها، والشهوة تؤثر فسادًا في القوة الإرادة العملية ما لم يداوها بخراجها).
    وأمراض الشبهات أخطر أمراض القلوب وأصعبها وأقتلها للقلب، ومن هنا أوصى أطباء القلوب بالإعراض عن أهل البدع، لأن مرض الشهوة يرجى له الشفاء، وأما مرض الشبهة فلا شفاء له إن لم يتداركه الله برحمته.
    ومنشأ أمراض الشبهات الجهل، فإن الإنسان الجاهل يفعل الباطل ويظنه حقًّا، وهذا مرض. وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق فيها بالباطل، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل.
    قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في بيان خطورة مرض الشبهات ومنشأ هذا المرض: (الفتنة نوعان : فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين وفتنة الشهوات، وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما. ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة وقلة العلم ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد وحصول الهوى. فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيئ القصد، الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله، فهو من الذين قال الله فيهم: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}(النجم: من الآية23).
    وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل والهدى والضلال.
    وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد، وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة، وفساد في الإرادة).
    وقال أيضًا: (والقلب يتوارده جيشان من الباطل:جيش شهوات الغي، وجيش شبهاتالباطل؛ فأيما قلب صغى إليها وركن إليها تشرّبها وامتلأ بها، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها فإن اُشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهاتوالإيرادات فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه , وقال ليشيخ الإسلام ابن تيميّة - رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه غير إيراد بعدإيراد: (لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثلالإسفنجةفيتشربها فلا ينضح إلا بها ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات) أو كما قال؛ فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك).
    وللقلب أمراض أخر من الرياء والحسد وحب العلو في الأرض، وهذا مركب من مرض الشبهة والشهوة، فإنه لابد فيه من تخيل فاسد وإرادة باطلة، وكالعجب والفخر والخيلاء والكبر، فإنه مركب من تخيل عظمته وفضله وإرادة تعظيم الخلق له ومحمدتهم. فلا يخرج مرضه عن شهوة أو شبهة أو مركب منهما.
    ومن أمراض القلوب: الشرك والذنوب والغفلة والاستهانة بمحاب الله ومراضيه، وترك التفويض إليه، وقلة الاعتماد عليه، والركون إلى ما سواه، والسخط بمقدوره، والشك في وعده ووعيده.
    قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – بعد أن ذكر هذه الأدواء: (وإذا تأملت أمراض القلب، وجدت هذه الأمور وأمثالها هي أسبابها، لا سبب لها سواها).
    وقال أيضًا: (القلب يعرض له مرضان عظيمان ، إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولا بد ، وهما الرياء ، والكبر ، فدواء الرياء بـ {إياك نعبد} ودواء الكبر بـ {إياك نستعين }.
    وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: {إياك نعبد} تدفع الرياء {وإياك نستعين} تدفع الكبرياء .
    فإذا عوفي من مرض الرياء بـ {إياك نعبد} ومن مرض الكبرياء والعجب بـ {إياك نستعين} ومن مرض الضلال والجهل بـ {اهدنا الصراط المستقيم} عوفي من أمراضه وأسقامه ، ورفل في أثواب العافية ، وتمت عليه النعمة ، وكان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم وهم أهل فساد القصد ، الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه والضالين وهم أهل فساد العلم ، الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه).
    ثم بيّن – رحمه الله تعالى – أن سورة الفاتحة شفاء لأمراض القلوب والأبدان. وقال أيضًا: (جماع أمراض القلب هي: أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، والقرآن شفاء للنوعين).
    ولهذا سمى الله كتابه شفاء لأمراض الصدور، قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدىً ورحمة للمؤمنين}[يونس:57].
    فمن في قلبه مرض شبهة أو شهوة ففي كتاب الله من البينات والبراهين القطعية ما يميز الحق من الباطل، فيزيل الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه. وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب، فيرغب فيما ينفعه، ويبغض ما يضره، فيبقى محبًّا للرشاد مبغضًا للغي بعد أن كان مريدًا له مبغضًا للرشاد.
    والحاصل أنه لا شفاء للقلب من هذه الأمراض إلا بكتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (فأما طب القلوب فمُسَلَّم إلى الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها، وبأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابّه، متجنبة لمناهيه ومساخطه، ولا صحة لها ولا حياة ألبتة إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم؛ فغلط ممن يظن ذلك، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية، وصحتها وقوتها، وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل.ومن لم يميز بين هذا وهذا فليبك على حياة قلبه، فإنه من الأموات وعلى نوره فإنه منغمس في بحار الظلمات).
    وقال أيضًا: (ولهذا السبب نسبة العلماء في القلوب كنسبة الأطباء إلى الأبدان، وما يقال للعلماء أطباء القلوب فهو لقدر ما جامع بينهما، وإلا فالأمر أعظم، فإن كثيرًا من الأمم يستغنون عن الأطباء ولا يوجد الأطباء في اليسير من البلاد، وقد يعيش الرجل عمره أو برهة منه لا يحتاج إلى طبيب، وأما العلماء بالله وأمره فهم حياة الموجود وروحه، ولا يستغنى عنهم طرفة عين، فحاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفس في الهواء بل أعظم).
    نسأل الله أن يشفي القلوب من أمراضها،وأن يرزقنا قلوبا سليمة.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (كتاب أعمال القلوب،د/ سهل العتيبي، بتصرف)
                  

09-09-2015, 02:43 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    رعاية كبار السن
    لقد كرم الله تعالى بني آدم وعظم الشرع حرمة النفس واعتنى بها، وخص بالرعاية والعناية كبار السن فحث على احترامهم وتوقيرهم ورعايتهم والبر بهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا". وفي رواية: "ويوقر كبيرنا".
    وتقوم رعاية كبار السن في الإسلام على أسس عدة ، وأبرز هذه الأسس ما يلي:
    1-الإنسان مخلوق مكرم ومكانته محترمة في الإسلام:
    يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء:70).
    لقد أسجد الله له ملائكته حين خلقه، قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِين * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين * فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون}[ص:71-73]، وهو سجود إكرام وإعظام واحترام، كما ذكر المفسرون، فالمسن له منزلته ومكانته في الإسلام بشكل عام، أخذا من عموم الآيات، إلا أنه مع ذلك له منزلة خاصة كما سنرى.
    2-المجتمع المسلم مجتمع متراحم متماسك متواد:
    قال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ }[الفتح:29]، وقال تعالى واصفا المؤمنين: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة}[البلد:17]، ويصف الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
    3-جزاء الإحسان في الإسلام الإحسان:
    قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَان}[الرحمن:60]، أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق، ونفع عبيده، إلا أن يحسن خالقه إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير والعيش السليم.
    والأمور في هذه الدنيا تجري وفق سن الله تعالى في كونه والتي منها أن الجزاء من جنس العمل{جَزَاءً وِفَاقاً} (النبأ:26).
    فإذا أحسن الشباب للشيوخ كان ذلك سببا لأن يقيّض الله لهؤلاء من يكرمهم عند كبرهم.
    4- كبير السن المؤمن له مكانته عند الله، ولا يُزاد في عمره إلا كان له خيرا:

    تضافرت الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤمن لا يزاد في عمره إلا يكون خيرا له، فلقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه وسلم قال: " لا يتمنَّ أحدكم الموت ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا".
    5-توقير الكبير والتشبه به سمة من سمات المجتمع المسلم:

    يتصف المجتمع بصفات كريمة، منها: توقير الكبير في السن، وقد تواتر حثُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إكرام الكبير، وتوقيره، ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم...." الحديث.
    وبعد فهذه أبرز الأسس التي تنطلق منها جميع أوجه الرعاية المقدَّمَة لكبار السن في الإسلام، فهذه الرعاية ترتكز على أسس متينة، وليست وليدة لحظة عابرة من العاطفة أو الرحمة.
    رعاية الوالدين باعتبارها مظهرا من مظاهر رعاية كبار السن :
    لقد أوصى الله بالوالدين خيرا، وأمر ببرِّهما وجعل الإحسان إليهما قرين عبادته، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء:23]، كما جعل شكره قرينا لشكر الوالدين، قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير}[لقمان:14]، وفي جعل الشكر لهما مقترنا بالشكر لله دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد، وأكبرها وأشدها، وعكس ذلك فقد جعل الشرك قرين العقوق لهما، ففي الحديث أن الكبائر ذُكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين...".
    ولقد نهى الله عز وجل عن نهرهما بأدنى الكلمات، وهي: أف، وقال بعض العلماء: " لو علم الله شيئا من العقوق أدنى من أف لحرمه". ولقد أتى بر الوالدين في المرتبة الثانية بعد الصلاة، في محبة الله، لما رواه بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها". قال ثم أي ؟ قال: "بر الوالدين". قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".
    بل جعل للوالد حرية التصرف في مال الابن أخذا من الحديث: أن رجلا قال: يا رسول الله: إن لي مالاً وولداً، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك".
    ولا يقتصر بر الوالدين على الوالد المسلم أو الأم المسلمة، بل الابن مطالب ببرهما حتى وإن كانا كافرين، وليس هذا فحسب، بل وإن جاهداه ليشرك بالله فعليه واجب برهما من غير طاعة لهما في الشرك. روى الإمام مسلم في صحيحه عن مصعب ابن سعد، عن أبيه: سعد بن أبي وقاص: أنه نزل فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا، قال: فمكثت ثلاثا حتى غشى عليها من الجهد، فقام بن لها يقال له عمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل الله هذه الآية:{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي}[العنكبوت:8]، وفيها: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان:15]، ...الحديث.
    وعلى كل حال فمما سبق من الآثار والأحاديث في بر الوالدين يتضح لنا أمرا جليا آخر مصاحب للبر وهو أن كل هذه الرعاية التي تقدم للوالدين يمكننا أن نعدها مظهرا من مظاهر رعاية المسنين في المجتمع المسلم، إذ الغالب الأعم أن الوالدين كبيران في السن، فإلى جانب البر الذي أمر الله به للوالدين نجد هناك رعاية للمسن في المجتمع، وهذا النوع من أظهر أنواع رعاية المسنين في المجتمع المسلم لوجوده في غالب أسره.
    في المجتمع المسلم ، والتي تساعد أفراد المجتمع على القيام بدمج المسن في المجتمع ، كما يؤدي ذلك إلى القضاء على العزلة التي قد يمر بها كبير السن أو يشعر بها ، وبهذا التوجيه الكريم استطاع الإسلام أن يخفف من آثار التغيرات الاجتماعية التي يمر بها المسنُّ، وليس هذا فحسب بل والتغيرات النفسية ، لأن بينهما علاقة تأثيرية متبادلة كما ذُكر .
    فحين يزور أفراد المجتمع أصدقاء آبائهم فهم بذلك يبرُّوا آباءهم، وذلك يعني أن الجيل المتوسط في المجتمع قد ارتبط تلقائياً بجيل كبار السن، وأصبح المُسِنون جزءً لا يتجزأ من المجتمع.
    رعاية كبار السن في المجتمع المسلم
    لكبير السنّ مكانته المتميزة في المجتمع المسلم ، فهو يتعامل معه بكل توقير واحترام ، يحدوه في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا"، ويظهر ذلك التوقير والاحترام في العديد من الممارسات العملية في حياة المجتمع المسلم ، وجميع هذه الممارسات لها أصل شرعي ، بل فيها حث وتوجيه نبوي فضلاً عن ممارساته صلى الله عليه وسلم مع المسنِّين وتوجيه أصحابه نحو العناية بالمسنِّين ، وتوقيرهم واحترامهم وتقديمهم في أمور كثيرة ، ففي إلقاء السلام أمر صلى الله عليه وسلم أن "يسلم الصغير على الكبير"، وأن يبدأ الصغير بالتحية ويلقيها على الكبير احتراماً وتقديراً له .
    ولقد أمر صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بتقديم الشرب للأكابر ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال: "أبدؤا بالكبراء أو قال : بالأكابر"، ولقد مارس ذلك صلى الله عليه وسلم عملياً، تقول عائشة رضي الله عنها: "كان يستن وعنده رجلان فأوحى إليه: أن اعط السواك الأكبر".
    ولقد تطبّع أفراد المجتمع المسلم بذلك الخلق وتوارثوا توقير الكبير واحترامه وتقديره انقيادا لتعاليم دينهم، واتباعاً لسنة رسولهم صلى الله عليه وسلم، فكان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - من أشد الناس توقيراً لإخوانه، ولمن هو أسن منه ، فيروى عند المروزي أنه جاءه أبو همام راكباً على حماره ، فأخذ له الإمام أحمد بالركاب . وقال المروزي : رأيته فعل هذا بمن هو أسن منه من الشيوخ.
    إذاً فكبير السن في المجتمع المسلم يعيش في كنف أفراده ، ويجد له معاملة خاصة تتميز عن الآخرين ، ولم تقتصر هذه الرعاية على المسن المسلم ، بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم طالما أنه يعيش بين ظهراني المسلمين.
    فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة موقف عمر - رضي الله عنه- مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير ، فيذكر أبو يوسف يف كتابه " الخراج "، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- مر بباب قوم وعليه سائل يسأل ، شيخ كبير ضرير البصر ، فضرب عضده من خلفه فقال : من أيّ أهل الكتب أنت ؟ قال : يهودي. قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن . قال: فأخذ عمر - رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى منزله، فرضخ له - أي أعطاه- من المنزل بشيء ثمَّ أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثمَّ نخذله عند الهرم: (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل الكتاب ، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه )).
    وإضافة لتلك الرعاية الخاصة يمكننا: أن نلمس صوراً من الرعاية العامة لكبار السن ، وذلك حينما تعجز الأسر عن تقديم الرعاية اللازمة للمسن ، أو حينما لا يكون هناك ثمة راعٍ أو معين لذلك المسن ، فلقد برز في المجتمع المسلم ما يسمى ( بالأربطة ) وهي أماكن تُهيَّأ وتُعد لسكنى المحتاجين، وأصبح بعضها ملاجئ مستديمة لكبار السن، فالأصل هو رعاية المسن في أسرته فهو قربة لله عز وجل ثمَّ الفرع وهو ظهور هذه المؤسسات الاجتماعية مثل: الأربطة، والأوقاف، والدور الاجتماعية، وهي في نبعها جهود شعبية من أفراد المجتمع المسلم، ثمَّ دخلت الدولة في تنظيمها والإشراف عليها.
    رعاية كبار السن في الحروب من قبل الجيوش المسلمة

    لم يعرف العالم الحديث آداب الحرب إلا في القرن الماضي، في حين جاء بها الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، ولم تظهر معاهدة رسمية حول آداب الحرب إلا في عام 1856م ، والتي تسمى ( تصريح باريس البحري )، ثمَّ توالت الاتفاقات وأبرزها اتفاقات جنيف التي دوّنت عام 1949م والخاصة بمعاملة جرحى وأسرى الحرب، وحماية الأشخاص المدنيين، وهذه المعاهدة فإنها لا تطبق إلا في حالة قيام الحرب بين دولتين موقعتين على المعاهدة، أما في الإسلام فكانت هذه الآداب الحربية تطبق ابتداءً، حتى ولو لم يكن هناك أية اتفاقات أو معاهدات ، فها هي سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم تنطلق يمنة ويسرة ناشرة الخير والنور ، ولقد اشتملت وصاياه صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده إلى الجيوش على عدد من التوجيهات والوصايا وشملت جوانب عدة منها: العناية بالشيوخ وكبار السن والاهتمام بهم.
    روى الطبراني عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً أو سرية دعا صاحبهم ، فأمره بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً ، ثمَّ قال :"اغزوا بسم الله ، وفي سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا وتغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً".

    ويتضح من نص الحديث أن ذلك كان ديدنه صلى الله عليه وسلم في كل غزوة ، ولم تكن محض صدفة أو مقولة

    يتيمة خرجت من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالراوي يقول : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً أو سرية) فاللفظ يدل على تكرار الفعل منه صلى الله عليه وسلم.

    ولقد اقتدى الخلفاء الراشدون بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدم التعرض للمسنين في الحرب فهذا الصديق رضي الله عنه يوصي أسامة بن زيد - رضي الله عنه - حيث بعثه إلى الشام إنفاذاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل وفاته بوصايا نفيسة وكان مما جاء فيها :"يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر ، فاحفظوها عني : لا تخونوا ، ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ..."مستلهما في ذلك قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حينما كان يبعث الفاتحين: روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين".
    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 02:48 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أسباب الهموم والأحزان
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين،وبعد:
    فما دام الإنسان يعيش في هذه الدنيا فلا بد أن تصيبه الهموم والأكدار والأحزان، فتلك طبيعة الحياة الدنيا:
    طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار
    ومكلف الأيام غير طباعها متطلب في الماء جذوة نار
    ولهذا لما سئل بعضهم: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم في الجنة.
    أما قبل ذلك فيتقلب المرء في أحوال مختلفة، قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد:4).
    ولا شك أن القلوب تتفاوت في الهموم بحسب ما فيها من الإيمان أو الفسوق والعصيان، فهي على قلبين:
    قلب هو عرش الرحمن، ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير، وقلب هو عرش الشيطان، فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم.
    فمن الهموم هموم سامية ذات دلالات طيبة، كهموم العلماء في حل المعضلات، وهموم أمراء المسلمين بمشكلات رعاياهم، ألم تر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحمل هم تعثر الدابة بالعراق، أما عمر بن عبد العزيز فكان يقول: إني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره.
    ولما بايعه الناس بالخلافة رجع وهو مغموم مهموم فلما سئل عن ذلك قال:
    ومالي لا أغتم وليس أحد من أهل المشارق والمغارب من هذه الأمة إلا وهو يطالبني بحقه أن أؤديه إليه...
    وهناك غيرها من الهموم، فما هي أهم أسباب الهموم؟
    لا شك أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الإنسان بالهموم ولعلنا نجمل ذلك فيما يلي:
    1) الهم بسبب الدَّين:
    فالدَّين همٌ بالليل ومذلة بالنهار، وقد وقع ذلك لبعض الصالحين حين ركبهم الدَّين فأصابهم الهم، كما وقع ذلك للزبير بن العوام، فإنه دعا ولده عبد الله يوم الجمل وقال له: وإن من أكبر همي لديني، أفترى يُبقي دَيننا من مالنا شيئا؟ يا بني بع ما لنا فاقض ديني. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الدَّين، وكانت العرب تقول: لا همَّ إلا هم الدَّين.
    وكيف لا يكون الدين هما على صاحبه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن "نفس المؤمن معلقة بدينه". كما بين صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين، فكيف لا يهتم المسلم؟
    2) الهم بسبب التفكير في المستقبل:
    كهموم الأب بذريته من بعده خاصة إذا كانوا ضعفاء وليس لديه ما يخلفه لهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه: "إن أمركن مما يهمني بعدي، ولن يصبر عليكن إلا الصابرون".
    3) الهم بسبب التهمة الباطلة:
    فإن العبد إذا كان بريئا واتهم بالباطل فإن ذلك يسبب له الهم والحزن، وقد كانت امرأة تدخل على أم المؤمنين عائشة فإذا فرغت من حديثها قالت:
    ويومُ الوِشاحِ من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
    فلما سألتها عائشة أخبرتها المرأة أنها اتهمت بسرقة وشاح لجارية من أهلها وهي بريئة فأخذوها فعذبوها ثم وجدوا الوشاح فقالت: هذا الذي اتهمتموني به وأنا منه بريئة. وحادثة الإفك خير دليل على ما يصيب البريء من الهم عند اتهامه بالباطل، فإن عائشة رضي الله عنها حين سمعت ما يتحدث به الناس بكت حتى أصبحت لا يرقأ لها دمع .. ثم بكت يومها ولا تكتحل بنوم حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. وانظر إلى مريم البتول وما أصابها من الغم والهم حين حملت بغير زوج حتى قالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} [مريم:23] ، ومن ذلك همُّ الصادق بتكذيبه، فحين يكون المرء صادقا ويتهمه الناس بالكذب يركبه الهم والضيق حتى يثبت للناس صدقة، كما وقع للصحابي زيد بن أرقم رضي الله عنه لما سمع بعض المنافقين يقول لأصحابه: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ويقصد بالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه. فلما وصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بهذا المنافق فحلف أنه لم يقل، وجحد ما أخبر به زيد، وقال له عمه: ما أردت إلا أن مقتك رسول الله وكذبك والمسلمون، قال زيد: فوقع عليّ من الهم ما لم يقع على أحد، وفي رواية مسلم: فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله تصديقي.

    وانظر إلى أنبياء الله ورسله وكيف كان يصيبهم الهم والضيق بتكذيب أقوامهم واتهامهم لهم بالتهم الباطلة كالكذب والسحر وغيرها، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام:33).
    وهذا نبي الله يوسف عليه السلام حين اتهمه إخوته باطلا بالسرقة اهتم لذلك وتضايق{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} (يوسف:77).
    4) همُّ الداعية عند دعوة قومه:
    فالدعاة إلى الله أحرص الخلق على هداية الخلق ودلالتهم على ربهم تبارك وتعالى، وأوفر الناس حظا من ذلك سيد الدعاة والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال له ربه عز وجل: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِين}[الشعراء:3]، أي قاتل نفسك هما وغما بسبب إعراضهم عن الإيمان، وانظر إليه صلى الله عليه وسلم حين يقف على رأس عمه أبي طالب يدعوه إلى الله وهو مهموم باستجابته ونجاته من النار. ولم يكن ذلك مع الأقارب فقط بل كان مع قومه جميعا فقد ذهب إلى الطائف يدعو أهلها إلى الله لا يريد منهم دينارا ولا درهما فلم يجبه أحد قال صلى الله عليه وسلم: "فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل...".الحديث.
    5) الهم بسبب مصائب الدنيا وابتلاءاتها: وهذا لا يكاد يخلو منه إنسان.
    نسأل الله أن يفرج عن المسلمين همومهم وغمومهم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    من العلاجات النافعة بإذن الله تعالى لطرد الهموم ومعالجتها إن وقعت وهي:

    ثامناً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    وهي من أعظم ما يفرج الله به الهموم،روى الطُّفَيْلُ بْنُ أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَااللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوااللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَافِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ". قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه،ِإِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: "مَاشِئْتَ: قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ:"مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قَالَ: قُلْتُ:فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ:أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَذَنْبُكَ ".
    تاسعاً: التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمر إليه
    )فمن علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختياروالتدبير. وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحة العبد منالعبد، وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد منه لنفسه وأرحم به منه بنفسه، وأبرّبه منه بنفسه. وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة ولايتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقىنفسه بين يديه وسلم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يديملك عزيز قاهر، له التصرف في عبده بما شاء ، وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه، فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات. وحمل كل حوائجه ومصالحه منلا يبالي بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها. فتولاها دونه وأراه لطفه وبره ورحمتهوإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ، ولا اهتمام منه، لأنه قد صرف اهتمامهكله إليه وجعله وحده همه. فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه ، وفرغ قلبه منها، فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه.
    وأما من أبى إلا تدبيره لنفسهواختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه، خلّاه وما اختاره وولاه ما تولى، فحضره الهموالغم والحزن والنكد والخوف والتعب، وكسف البال وسوء الحال ، فلا قلب يصفو، ولا عمليزكو، ولا أمل يحصل ، ولا راحة يفوز بها ، ولا لذة يتهنى بها، بل قد حيل بينه وبينمسرته وفرحه وقرة عينه . فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش ولا يظفر منها بأمل ولايتزود منها لمعاد)
    (ومتى اعتمد القلب على الله ،وتوكل عليه ، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة ، ووثق بالله وطمع فيفضله ، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم ، وزالت عنه كثير من الأسقام القلبيةوالبدنية ، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه ،والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب ،الدافعة لقلقه ، قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي كافيه جميع ما يهمهمن أمر دينه ودنياه، فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ، ولاتزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له ،ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئنلوعده ، فيزول همه وقلقه ، ويتبدل عسره يسرا ، وترحه فرحا، وخوفه أمنا فنسأله تعالىالعافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته بالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهلهبكل خير،ودفع كل مكروه وضير).
    عاشراً : ومما يدفع الهم والقلق الحرص على ما ينفع واجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر ، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل ، وعن الحزن علىالوقت الماضي،ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن، فالحزن علىالأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها والهم الذي يحدث بسببه الخوف منالمستقبل ، فيكون العبد ابن يومه ، يجمع جِدّه واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر ،فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن والنبيصلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فهو يحث مع الاستعانةبالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو لدفعه لأن الدعاءمقارن للعمل ، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا ، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَايَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاتَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ".
    فجمع صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال والاستعانةبالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضيةالنافذة ، ومشاهدة قضاء الله وقدره وجعل الأمور قسمين : قسم يمكن للعبد السعي فيتحصيله أو تحصيل ما يمكن منه ، أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبدي فيه العبد مجهودهويستعين بمعبوده. وقسم لا يمكن فيه ذلك ، فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم ، ولاريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم.
    والحديث المذكور يدلّ على السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التيلا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال ، وأن ذلك حمقوجنون ، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله ، ممايتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته . فيعلمأن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام ، وأنها بيد العزيزالحكيم ، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها ويعلمالعبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره ، واتكل على ربه في إصلاحه ،واطمأن إليه في ذلك صلحت أحواله ، وزال عنه همه وقلقه.
    الحادي عشر : الإكثار من ذكر الله
    فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته ، وزوالهمه وغمه ، قال الله تعالى: { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب}[الرعد:28].
    وأعظم الأذكارلعلاج الهمّ العظيم الحاصل عند نزول الموت : لا إله إلا الله، وذلك لما حدّث بهطلحة عمر رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ يَقُولُ: "كَلِمَةٌ لا يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ وَأَشْرَقَ لَوْنُهُ". فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَسْأَلَهُعَنْهَا إِلا الْقُدْرَة عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِياللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لأَعْلَمُهَا، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ لَهُعُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ تَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ أَعْظَمَ مِنْ كَلِمَةٍأَمَرَ بِهَا عَمَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ هِيَ وَاللَّهِ هِيَ.
    الثاني عشر: اللجوء إلى الصلاة
    قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ }[البقرة:45].
    وعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهعَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى". ولما بلغ ابن عباس رضي الله عنه وفاة أخيه نزل على جانب الطريق يصلي –وكان في سفر- امتثالا لأمر الله.
    الثالث عشر : ومما يفرج الهم أيضا الجهاد في سبيل الله
    كما قال صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ الْهَمَّ وَالْغَمَّ".
    الرابع عشر : التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة
    فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الهم والغم ، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولوكان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا . فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه التي لا تحصى ولا تعدّ وبين ما أصابه من مكروه ، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة، بل المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد ، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم ، هانت وطأتها ، وخفت مؤنتها ، وكان تأميل العبد لأجرهاوثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضا، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيهحلاوة أجرها مرارة صبرها.
    ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَأَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُأَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ".
    فإن العبد إذا نصب بينعينيه هذا الملحظ الجليل، رأى نفسه يفوق ـ قطعاً ـ كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال ، فيزول قلقه وهمه وغمه ، ويزداد سرورهواغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها، وكلما طال تأمل العبدفي نِعم الله الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ، رأى ربه قد أعطاه خيراًكثيراً ودفع عنه شروراً متعددة ، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم ، ويوجب الفرح والسرور.
    الخامس عشر : الانشغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة
    فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمرالذي أقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم ، ففرحت نفسه ،وازداد نشاطه ، وهذا السبب أيضا مشترك بين المؤمن وغيره . ولكن المؤمن يمتازبإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، ويعملالخير الذي يعمله ، إن كان عبادة فهو عبادة وإن كان شغله دنيوياً أو عادة دنيوية أصحبها النية الصالحة ، وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله ، فلذلك أثره الفعّال فيدفع الهموم والغموم والأحزان ، فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار ، فحلتبه الأمراض المتنوعة فصار دواءه الناجح: نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته.وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه؛ فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع والله أعلم.
    السادس عشر: النظر إلى الجوانب الإيجابية للأحداث التي يظهرمنها بعض ما يكره
    فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَر".
    ومن فوائد هذا الحديث: زوال الهم والقلق وبقاء الصفاء ، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة وحصول الراحة بين الطرفين ، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بل عكس القضية فلحظ المساوىء ، وعمي عن المحاسن ، فلا بد أن يقلق ، ولابد أن يتكدر مابينه وبين من يتصل به من المحبة ، ويخلّ بكثير من الحقوق التي على كل منهماالمحافظة عليها.
    السابع عشر : معرفة القيمة الحقيقية للحياة وأنها قصيرة وأنّ الوقت أغلى من أن يذهب في الهمّ والغمّ.
    فالعاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جداً ، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة ، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهباً للهموم والأكدار ولا فرق في هذا بين البر والفاجر ، ولكن المؤمن له من التحقق بهذا الوصف الحظ الأوفر ، والنصيب النافع العاجل والآجل . وينبغي أيضا إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية . وبين ما أصابه من مكروه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم ، واضمحلال ما أصابه من المكاره وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه ، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه وخوفه ، ويقدر أعظم ما يكون من الاحتمالات التي يمكن أن تصيبه ، فيوطن نفسه لحدوثها إن حدثت ، ويسعى في دفع ما لم يقع منها وفي رفع ما وقع أو تخفيفه.
    الثامن عشر : ومن الأمور النافعة عدم السماح بتراكم الأعمال والواجبات.
    وذلك بحسمها في الحال والتفرغ للمستقبل ، لأن الأعمال إذا لم تُحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة ، وانضافت إليها الأعمال اللاحقة ، فتشتد وطأتها ، فإذا حسمت كل شيء في وقته تفرغت للأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل.
    وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم، فالأهم وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر ، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة ، فما ندم من استشار ، وادرس ما تريد فعله درساً دقيقاً ، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين.

    التاسع عشر: التوقع المستمر والاستعداد النفسي لجميع الاحتمالات.
    فإن الإنسان إذا استحضر في نفسه فقد عزيز أو مرض قريب أو وقوعاً في دين أو قهر عدو أو أي احتمال سيئ مما لم يحدث بعد - مع استعاذته بالله من ذلك ورجاء السلامة - فإنه لو وقع له شيء من ذلك حقيقة سيكون أهون عليه وأخف وطأة لتوقعه المسبق.
    ومما ينبغي التنبّه له أن كثيراً من الناس من ذوي الهمم العالية يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة . لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون ، ويتكدر الصفاء ، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم على الأمور الكبار ، وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثرت في راحتهم فالحازم يوطن نفسه على الأمور الصغيرة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها ، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين فعند ذلك يسهل عليه الصغير ، كما سهل عليه الكبير ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحاً.
    العشرون: الشكوى إلى أهل العلم والدين وطلب النصح والمشورة منهم.
    فإن نصائحهم وآراءهم من أعظم المثبتات في المصائب. وقد شكى الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يلقون من تعذيب...
    فهذا خَبَّاب بْن الأَرَتِّ رضي الله عنه يقول: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".
    وكذلك شكا التابعون إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    يقول الزبير بن عدي : أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ: اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فيسمع المسلم من أهل العلم والقدوة ما يسليه ويخفف عنه آلام غمومه وهمومه.


    ومن هذا الباب أيضا: اللجوء إلى إخوان الصدق والأقرباء العقلاء والأزواج والزوجات الأوفياء والوفيات، فهذه فاطمة رضي الله عنها لمّا أصابها الهمّ شكت إلى زوجها عليٍّ رضي الله عنه كما روى القصة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا فَوَجَدَ عَلَى بَابِهَا سِتْراً فَلَمْ يَدْخُلْ ، قَالَ: وَقَلَّمَا كَانَ يَدْخُلُ إِلا بَدَأَ بِهَا، فَجَاءَ عَلِيٌّ رَضِي اللَّه عَنْه فَرَآهَا مُهْتَمَّةً فَقَالَ: مَا لَكِ؟ قَالَتْ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ فَلَمْ يَدْخُلْ! فَأَتَاهُ عَلِيٌّ رَضِي اللَّه عَنْه فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَاطِمَةَ اشْتَدَّ عَلَيْهَا أَنَّكَ جِئْتَهَا فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهَا، قَالَ: "وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا وَمَا أَنَا وَالرَّقْمَ ( أي النقش والرسم ) فَذَهَبَ إِلَى فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ قُلْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ قُلْ لَهَا فَلْتُرْسِلْ بِهِ إِلَى بَنِي فُلانٍ". [ وَكَانَ سِتْراً مَوْشِيّاً ] (أي مزخرفاً منقوشاً).


    والرجل ذو العقل الراجح والرأي السديد يزيل الهم.
    وقد حكي عن المغيرة مولى الوليد قال: دخلت على الوليد فوجدته مهموما فقلت: مالك يا أمير المؤمنين مهموما؟ فقال: إنه قد كثر المسلمون وقد ضاق بهم المسجد، فأحضرت النصارى وبذلت لهم الأموال في بقية هذا الكنيسة لأضيفها إلى المسجد فيتسع على المسلمين فأبوا: فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين عندي ما يزيل همك، قال: وما هو ؟ قلت: الصحابة لما أخذوا دمشق دخل خالد بن الوليد من الباب الشرقي بالسيف، فلما سمع أهل البلد بذلك فزعوا إلى أبي عبيدة ( وكان يحاصرها من الباب الآخر ) يطلبون منه الأمان فأمنهم وفتحوا له باب الجابية، فدخل منه أبو عبيدة بالصلح فنحن نماسحهم ( أي نقيس ) إلى أي موضع بلغ السيف ( أي فتح بالقوة ) أخذناه، وما بالصلح تركناه بأيديهم، وأرجو أن تدخل الكنيسة كلها في العنوة فتدخل في المسجد، فقال الوليد: فرجت عني، فتول أنت ذلك بنفسك، فتولاه المغيرة ومسح من الباب الشرقي إلى نحو باب الجابية إلى سوق الريحان فوجد السيف لم يزل عمالا حتى جاوز القنطرة الكبيرة بأربع أذرع وكسر، فدخلت الكنيسة في المسجد، فأرسل الوليد إلى النصارى فأخبرهم وقال: إن هذه الكنيسة كلها دخلت في العنوة فهي لنا دونكم، فقالوا: إنك أولا دفعت إلينا الأموال وأقطعتنا الإقطاعات فأبينا فمن إحسان أمير المؤمنين أن يصالحنا .. ونحن نترك له بقية هذه الكنيسة، فصالحهم ... ( البداية والنهاية في سيرة الوليد ).

    الحادي والعشرون: أن يعلم المهموم والمغموم أن بعد العسر يسراً ، وأن بعدالضيق فرجاً

    فليحسن الظن بالله فإنه جاعل له فرجاً ومخرجا، وكلما استحكم الضيق وازدادت الكربة قرب الفرج والمخرج .
    وقد قال الله تعالى في سورة الشرح: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشَّرح:5-6]، فذكر عسراً واحداً ويسرين فالعسر المقترن بأل في الآية الأولى هو العسر في الآية الثانية أما اليسر في الآية الثانية فهو يسر آخر غير الذي في الآية الأولى.
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: "واعلم أن النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً".

    الثاني والعشرون: ومن علاجات الهموم ما يكون بالأطعمة.
    فقد روى البخاري رحمه الله عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ".
    وروى رحمه الله أيضا عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ كُلْنَ مِنْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ".
    والتلبينة: هي حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل، وسُمّيت تلبينة لشبهها باللبن ، وهي تطبخ من الشعير مطحوناً .
    ومعنى مُجِمَّة : أي تريح وتنشط وتزيل الهمّ.
    وروى أحمد رحمه الله عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قِيلَ لَهُ: إِنَّ فُلانًا وَجِعٌ لا يَطْعَمُ الطَّعَامَ، قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالتَّلْبِينَةِ فَحَسُّوهُ إِيَّاهَا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَغْسِلُ بَطْنَ أَحَدِكُمْ كَمَا يَغْسِلُ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ مِنَ الْوَسَخِ".
    ورواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ أَهْلَهُ الْوَعَكُ أَمَرَ بِالْحِسَاءِ فَصُنِعَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ وَكَانَ يَقُولُ:"إِنَّهُ لَيَرْتُقُ ( وفي رواية أحمد وابن ماجة : ليرتو ) فُؤَادَ الْحَزِينِ وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ كَمَا تَسْرُو إِحْدَاكُنَّ الْوَسَخَ بِالْمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا"
    ويرتو أو يرتق : أي يشدّ ويقوي، ويسرو: أي يكشف.
    وهذا الأمر - وإن استغربه بعض الناس - هو حق وصدق ما دام قد ثبت من طريق الوحي عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، والله خلق الأطعمة وهو أعلم بخصائصها وبالتالي فإن حساء الشعير المذكور هو من الأغذية المفرحة ، والله أعلم.
    أما عن طريقة طبخه لمريض الجسد ومحزون القلب فيقول ابن حجر رحمه الله : ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحاً وبالحزين ماؤه إذا طبخ مطحوناً والله أعلم.
    وبعد هذه الجولة في العلاجات نتوقف عند تلخيص ابن القيم رحمه الله ذكر فيه خمسة عشر نوعا من الدواء يذهب الله بها الهم والغم والحزن وهي:
    الأول: توحيد الربوبية.
    الثاني: توحيد الإلهية.
    الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي ( وهو توحيد الأسماء والصفات).
    الرابع: تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده ، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك .
    الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
    السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء ، وهو أسماؤه وصفاته ، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: الحي القيوم.
    السابع: الاستعانة به وحده .
    الثامن: إقرار العبد له بالرجاء .
    التاسع: تحقيق التوكل عليه ، والتفويض إليه ، والاعتراف له بأن ناصيته في يده ، يصرفه كيف يشاء ، وأنه ماض فيه حكمه ، عدل فيه قضاؤه .
    العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن ، ويتعزى به عن كل مصيبة ، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه ، وشفاء همه وغمه .
    الحادي عشر: الاستغفار.
    الثاني عشر: التوبة.
    الثالث عشر: الجهاد.
    الرابع عشر: الصلاة.
    الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده.
    نسأل الله تعالى أن يعافينا من الهموم وأن يفرج عنا الكروب ويزيل عنا الغموم إنه هو السميع المجيب، وهو الحي القيوم.
    علاج الهموم الشيخ المنجد بتصرف يسير
                  

09-09-2015, 02:50 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    التنافس على الدنيا
    خلق الله هذه الدار الدنيا وجعلها معبرا وممرا للآخرة، فمن الناس من يأخذ منها زاده إلى جنة عرضها السموات والأرض، ومنهم من يأخذ منها زاده إلى النار.

    وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم تفاهة الدنيا، وهوانها على الله عز وجل حين قال: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء".
    والله تعالى يقول عنها: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور}(الحديد 20).
    والعجب العجاب ممن يعلم حقيقة الدنيا وحقارتها ثم هو ينافس الناس ويعاديهم من أجل الفوز بالدنيا والانفراد بها ونيل حظوظها ولو على حساب دينه ومبادئه وأخلاقه ومروءته.
    وحين تستقر الدنيا ومحبتها والتعلق بها في نفس العبد فإنها تحمله على الكثير من القبائح والمنكرات، ومنها التنافس المذموم على الدنيا فتهلكه، وهذا الذي كان يخشاه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته حين قال: " فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم".
    إنه ليس عيبا أن يحب الإنسان منافع الدنيا وبعض متاعها، لكن العيب أن ينحرف في هذا الحب، فيحمله على ما حرم الله من منع واجب أو أخذ حرام، أو اعتداء على آخرين بغير حق..
    ومن مظاهر التنافس على الدنيا:
    -التكاثر بحيث يريد كل واحد أن يكون أكثر من غيره حظوظا من الدنيا، وهذا التكاثر يلهي عن الله و الدار الآخرة: { ألهاكم التكاثر} ونبهنا الله لهذه الآفة المهلكة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (المنافقون:9)
    "
    -إيثار الدنيا على الآخرة وعدم المبالاة بما اكتسب من حلال أم من حرام كما يحمله ذلك على بغض طلاب الآخرة والوقيعة فيهم...
    -المخاصمة الدائمة على الدنيا وتشتت الذهن وكثرة الهموم والأحزان، خصوصا إذا فات شيء من الدنيا.
    وغير ذلك من المظاهر التي تدل على انغماس صاحبها في الدنيا، وإعراضه عن الآخرة.
    والشرع قد ندب العباد إلى الرضا والقناعة وإن حث على السعي والتكسب، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الجمعة:9).
    كما نهى عن التطلع إلى ما عند الآخرين: { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِين}(الحجر 88)
    وقال تعالى: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}(طه 131)
    يقول الإمام ابن كثير رحمه الله:
    " يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعم، فإنما هي زهرة زائلة ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك، وقليل من عبادي الشكور".
    ولهذا لفت الشرع الأنظار إلى خطورة التنافس في الدنيا مع الإعراض عن الآخرة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ".....وإني أعطيت مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها".
    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخوف ما أخاف عليكم ما يُخرج الله لكم من زهرة الدنيا، قالوا: يا رسول الله، وما زهرة الدنيا؟ قال: بركات الأرض".
    وكان الحسن رحمه الله يقول: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنيا فألقها في نحره. ويقول: والله لقد أدركت أقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه، ما يبالون، أشرقت الدنيا أم غربت، ذهبت إلى ذا؟ أو ذهبت إلى ذا.
    أما إذا كان التنافس في الدنيا من أجل إحراز سبق أو كفاية يستغني بها المسلمون، كابتكار علمي، أو سبق اقتصادي، ولا يبقون عالة على أعدائهم، مع نية التقرب بذلك إلى الله، والطمع في جنته ورضوانه، ومع الاهتمام بكل أعمال الآخرة الأخرى، والمتمثلة في النزول على حكم الله عز وجل في كل ما يأتي المرء وما يدع، فذلك حسن ومحمود، لأنه لا يخرج عن أن يكون من عمل الآخرة.
    وقد أمرنا الله عز وجل أن تكون الدنيا التي في أيدينا موجهة نحو عمل الآخرة، وذلك في قوله سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}(القصص 77).
    وإذا أيقن العبد أن حظوظ الدنيا تجري بالمقادير مع الأخذ بالأسباب المشروعة لما تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ولما جعلها أكبر همه، قال الله عز وجل: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(الزخرف32).
    ويأمر الله الملك أن يكتب رزق العبد وهو في بطن أمه. والله عز وجل يعطي الدنيا من يشاء ويمنعها من يشاء: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ}(الإسراء 18).
    يقول ابن كثير رحمه الله:
    يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعم يحصل له، بل إنما يحصل لمن أراد الله، وما يشاء، وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات..."
    والعبد الحريص على الدنيا المنافس للانفراد بها لا يشبع أبدا، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان لابن آ دم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".
    نسأل الله أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأن يجعل غايتنا رضاه والدار الآخرة.
    والحمد الله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-09-2015, 02:52 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    البر يولد البر
    البر اسم جامع للخير، ويأتي بمعنى الإحسان إلى الوالدين والأقربين، كما يأتي بمعنى الصلة، وهو في استعمال الشرع: ( كلمة جامعة لكل أصناف الخير، ويُراد منه ما هو زائد عن حدود التقوى، فهو مرتبة فوق التقوى، ودون مرتبة الإحسان...).
    والرجل البار رجل وفيّ عطوف في محبته، ويظهر أثر بره في تعامله مع والديه، وأقاربه، وجيرانه، وضيوفه، ومعارفه، ومعارف والديه، وأيتام المسلمين. ويتميز سلوك البار بالمداومة على الصلة؛ بالزيارة وبشاشة الوجه، والاستمرار في بذل المعروف، والإنفاق على الأرحام والمعارف، والإيثار على النفس.
    وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم البر في مقابل الإثم في نصوص عديدة، مفسرة مرة باطمئنان النفس إلى الحلال الطيب، الذي لا شبهة فيه فقال: " البر ما اطمأنت إليه النفس "، وفي رواية: " البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب.."الحديث. ووصف ابن حجر النفس البارة بأنها: ( المطمئنة الموهوبة نورا، يفرق بين الحق والباطل، والصدق والكذب ...) كما فُسّر البر في السنة بحسن الخلق كقوله صلى الله عليه وسلم: ( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك ) وقيل في شرحه: ( أي التخلق بالأخلاق الحسنة مع الخلق والخالق، والمراد هنا المعروف، وهو طلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى وأنه يحب للناس ما يحب لنفسه...).
    ولأن درجة البر من أعلى الدرجات فلا يصل إليها المسلم إلا بعد مجاهدة للنفس، وإيثار للآخرة على علائق الدنيا وزينتها، ولذلك قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ).
    حتى لا يكون للقلوب تعلق إلا بما عند الله ، ولتخلص النفوس لبارئها، وعندئذ يعلو مقامها عند الله، ولذلك " فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله..." – كما جاء في الحديث الصحيح – فالبر تقي كريم على الله، ومن كان كريما على الله كان كريما على عباده الصالحين والعقلاء، ولذلك يقول بعض الحكماء: لا تصادق عاقا فإنه لن يبرّك، وقد عقّ من هو أوجب حقا منك عليه.
    ومن أوجب البر الإحسان إلى الأقرب فالأقرب، وليس أقرب من الوالدين، وقد أمرنا بالإحسان إليهما، وبمصاحبتهما بالمعروف، وبشكرهما، وبالصبر عليهما، وعدم التضجر منهما، وبالتواضع لهما وحسن الحديث معهما، والدعاء لهما ... وقد جاء في الحديث: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم-ثلاثا- إن الله تعالى يوصيكم بآبائكم-مرتين- إن الله تعالى يوصيكم بالأقرب فالأقرب" والهالك من أدرك والديه فلم يبرهما، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذل والهوان على من فاتته فرصة البربوالديه فقال: " رغم أنفه. ثم رغم أنفه . ثم رغم أنفه ... من أدرك والديه عند الكبر: أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة " لأن الحياة فرص، وتفويت الفرصة المتاحة ليس من شأن المؤمن الفطن.
    وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثلاثة الذين لا يدخلون الجنة ( العاق لوالديه ) كما وصفه في حديث آخر بأنه ممن " لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" ، ولا يسلم العاق من عذاب الله حتى في الدنيا، لقوله صلى الله لعيه وسلم: " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق"، بالإضافة إلى أن العقوق من الكبائر. وكما أنه كبيرة شرعا، فإنه من أكبر صور الجحود وعدم الوفاء في نظر العقلاء.
    وقد جعل الله البر بالوالدين بابا للفوز برضاه سبحانه، كما في قوله صلى الله لعيه وسلم: " رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما".
    وهو من أحب الأعمال إلى الله " أحب الأعمال إلى الله: الصلاة لوقتها: ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله".
    وقد عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في التماس رضا الأم بقوله: " الزم رجلها فَثمَّ الجنة"، وآثر الصحابي أن يقدم خدمة والديه على الجهاد الكفائي، فقال له: " فيهما فجاهد" –يعني الوالدين.
    وفي قصة الثلاثة الذين حبسهم المطر في غار، وانسد عليهم الغار بصخرة كبيرة، مثل بليغ لتنزل رحمة الله وتفريج الكروب، إذا ما صلحت العلاقات المالية، وحفظت الأعراض، و استقرت العلاقات الأسرية، حيث توسّل كل منهم بصالح عمله، ومنهم الحريص على رضا والديه والمقدم لهما على أهله وولده، فكانت تنفرج الصخرة كلما دعوا حتى خرجوا من الغار سالمين.
    ومن أبلغ البر بالوالدين وأصدقه وأخلصه ما يداوم عليه البار في حضور الوالدين، وفي غيبتهما، وفي حياتهما، وبعد موتهما، ومن صور هذا البر إكرام أصدقائهما وأحبابهما، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي الأب". وفي رواية أخرى: " من البر أن تصل صديق أبيك" و " من أحب أن يصل أباه في قبره، فليصل إخوان أبيه من بعده"، يقول النووي: ( وفي هذا فضل صلة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم وإكرامهم، وهو متضمن لبر الأب وإكرامه؛ لكونه بسببه، وتُلحق به أصدقاء الأم، والأجداد، والمشايخ والزوج والزوجة).
    ومن إكرام الأب إكرام العم لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن عم الرجل صِنْو أبيه" ، ومن البر بالأم الإحسان إلى الخالة، فقد ورد أن رجلا أذنب ذنبا كبيرا وتساءل إن كان له توبة؟ فدلّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب من البر يكفر عنه ما أذنب، فقال له: "ألك والدان؟" قال: لا. قال: " فلك خالة؟" قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فبِرَّها إذن".
    وأثر بر الولد يصل إلى والديه، حتى بعد موتهما؛ بدعائه لهما، كما في الحديث: " أربع من عمل الأحياء تجري للأموات: رجل ترك عقبا صالحا يدعو له ينفعه دعاؤهم...." وكم يستبشر قلبك حين تعلم أن استغفارك لأبيك المؤمن يرفع درجته في الجنة، ويعجب هو هناك، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل لتُرفع درجته في الجنة، فيقول: أنى لي هذا؟! فيُقال: باستغفار ولدك لك".
    ومن صور البر إليهما بعد موتهما التصدق عنهما، جاء في الحديث الصحيح: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوص، أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال:" نعم "، ولقد كان من بر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمه رغم أنها ليست من أمته أنه استأذن ربه في الاستغفار لها حيث قال: " استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي "، وورد عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: قدمت عليّ أمي وهي راغبة مشركة فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة مشركة، أفأصلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صليها ".
    هذا شأن البار حين يكون ابنا، وهو إن نشأ على البر انعكس أثر بره في التعامل مع بنيه، وربما كانت التوجيهات النبوية إلى البر بالآباء أكثف وأغزر، لأن الإنسان بفطرته ميال إلى ولده، حريص عليه، متلهف للأخذ بيده إلى معالي الأمور، بينما قد ينسى البشر جيلا سابقا في طريقه إلى أن يولي، وهم في غمرة انشغالهم بجيل لاحق، يوشك أن يتمكن في الأرض، فاحتاج البشر إلى لفته تذكرهم بفضل الجيل السابق، لئلا يغفلوا عنه، وليقدموا إليه بعض صور الوفاء بحقه، وهم أنفسهم في طريقهم إلى أن يكونوا في يوم من الأيام ذلك الجيل السابق، وسيندبون ضعف الوفاء في بنيهم إن لم يبروهم.
    ومن صور البر بالأبناء التي وجه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم العدل بينهم، بحيث لا تثور الضغائن، ولا تتحرك الأحقاد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " اعدلوا بين أولادكم في النِحَل-العطايا-كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف"، ولما جرت به بعض الجاهليات من إيثار الأولاد على البنات، فقد خص رسول الله عليه وسلم البر بالبنات بلفتات خاصة، منها قوله: " ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن، إلا كن له سترا من النار".
    وصاحب البر يتعدى بره الوالدين والأبناء إلى الأرحام والأقارب، ولأن الوفاء والإحسان أصيل فيه، فإنه يتميز به مع جميع الناس الذين يتعامل معهم، وفي مقدمتهم الأقرب فالأقرب، ولذلك حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على توثيق هذه الصلات فقال: " اتقوا الله وصلوا أرحامكم"، وهذه الصلة من أحب الأعمال إلى الله: " أحب الأعمال إلى الله: إيمان بالله ثم صلة الرحم ..." وهي من أبواب الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: " أطب الكلام، وأفش السلام، وصل الأرحام، وصل بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام".
    ولما لبر الأرحام وصلتهم من المنزلة عند الله، فقد أخذ على نفسه –سبحانه- أن يصل البار الواصل، كما جاء في الحديث من قول الله للرحم: " أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك" وجعل الوصل من أسباب البركة في العمر، كما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره، فليصلْ رحمه".
    هذا بالإضافة إلى أثرها الاجتماعي في التأليف والمحبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " صلة القرابة مثراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأجل". وكما يعجل الله عقوبة العاق والقاطع فإنه ليعجل المثوبة في الدنيا للبار الواصل، كما في الحديث: "... وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنموا أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا" وهذا رغم فجورهم.
    وقد يقابل الواصل بالجفاء، مما قد يغريه بالقطيعة، ولكن الله نصيره إذا ما داوم الصلة، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله: إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسفُّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".
    وخير الوصل، والخالص لوجه الله، ما كان بالبر والإحسان إلى من يقابلك بالعداوة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " إن أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح"، أي المعادي، يقول ابن الجوزي في بيان علة الأفضلية: ( وإنما فُضّلت الصدقة عليه لمكان مخالفة هوى النفس، فأما من أعطى من يحب إنما ينفق على قلبه وهواه)، وقد كان حال البارّين الواصلين لأرحامهم على هذه الصورة من الإحسان، حتى مع اختلاف الدين، ويشهد لذلك ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُهديت إليه حُلل كان قد قال عن مثلها: " إنما يلبس هذه من لا خلاق له". فأهدى منها إلى عمر، فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلبت فيها ما قلت؟ قال: إني لم أعطكها لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يُسلم.
    ويجب على البار أن يستمر في صلة أرحامه ولو بأدنى صور الوصل، كما قال صلى الله عليه وسلم: " بُلُّوا أرحامكم ولو بالسلام " –أي صلوا أرحامكم-.
    وتتسع دائرة البر لتشمل الجيران، وقد أوصى بهم جبريل كثيرا: " لقد أوصاني جبريل بالجار، حتى ظننت أنه يورثه"، وقال صل الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره ...." ونفى الإيمان الكامل عمن " لا يأمن جاره بوائقه " و " من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" . وفي وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: " يا أبا ذر ٌ! إذا طبخت فأكثر المرقة، وتعاهد جيرانك أو اقسم بين جيرانك" وقد ذُكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل وتصّدّق، وتؤذي جيرانها بلسانها، قال صلى الله عليه وسلم: " لا خير فيها، هي من أهل النار".
    وكثير من صور البر تقتضي جودا وإنفاقا، ومما حث به رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: " نفقة الرجل على أهله صدقة" ، " وأفضل الدنانير دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله، وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار، يعفهم الله ويغنيهم به؟!"
    كل هذه الصور إنما هي أمثلة من حياة البار، وإن كانت مظاهر بره تسع جميع المتعاملين معه من القريبين منه والمحتكين به.
    والبر يولّد البر، والصلة تستدعي مزيدا من الصلة، وتلتحم أواصر الأسر، وتتوثق العلاقات الاجتماعية، فإلى مزيد من البر والصلة.
    محمود الخزندار
                  

09-09-2015, 09:15 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    كتب ربنا على نفسه الرحمة فضلاً منه على عباده، فأباح لهم ما هو طيب ونافع، وحرم عليهم كل ما هو خبيث وضار.
    قال الله تعالى مبينا سمة شريعة الإسلام:
    (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ).
    وما جعل الله هذه المحرمات للتضييق على العباد، فشرع الله يسر كله ورحمة كله (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ )، (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )، (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ).
    إنما حرم الله على عباده أشياء معينة صيانة للعباد أنفسهم وحماية لدينهم وعقولهم وأعراضهم وأنسابهم وأبدانهم.
    انظر إلى المحرمات وتدبر واسأل نفسك عن الفوائد التي تجنيها المجتمعات من خلال هذا التحريم.
    خذ مثلا تحريم القتل والاعتداء على الأنفس، إذا التزم الناس به شاع في الناس الأمن على الأنفس والأبدان وإذا التزم الناس بتحريم السرقة أمنوا على أموالهم وممتلكاتهم، وإذا التزم المجتمع بتحريم الزنا ووسائله أمنوا على أعراضهم وأنسابهم.
    وإذا التزموا بتحريم المسكرات والمخدرات حفظت عقولهم، وإذا التزموا تحريم قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وأذية الجيران شاعت المودة والألفة والرحمة..
    فأي سمو في التشريع هذا الذي عليه تشريع الإسلام!!
    لكن إذا نظرنا إلى الواقع لوجدنا فئات من الناس قد استهان بالمحرمات فتجرأت عليها غير مبالين بنظر الله تعالى إليهم، وقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول:
    " إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن المنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على نفسه فقال به هكذا".
    وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التهاون بالمحرمات وإن ظن العبد أنها ليست ككبائر الذنوب فقال صلى الله عليه وسلم: " إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه" وضرب لهن مثلا فقال: "كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً فأججوا نارا، وأنضجوا ما قذفوا فيها".
    ومحقرات الذنوب هي ما لا يبالي المرء به من الذنوب، وما يعدونه صغائر، لأن إدمان الصغائر يودي إلى ارتكاب كبارها.
    إن العبد إذا كان قوي الإيمان تحرج من كل معصية صغرت أو كبرت لأنه ينظر إلى عظمة من عصاه، أما إذا ضعف الإيمان عند العبد فإنه يتجرأ على المعاصي ويستهين بها، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن،ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".
    فاستهانة العبد بالمحرمات وشعوره أنه لم يفعل شيئا هو بحد ذاته دليل على ضعف الإيمان، وهو أيضا سبب لتعظيم الذنب بحق مرتكبه كما أكد على ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله:
    ويدل على هذا المعنى ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات".
    لقد عظموا حرمات الله حين قوي الإيمان في نفوسهم، واستشعروا في جميع أحوالهم عظمة الله ومراقبته، يقول بلال بن سعد:
    " لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت".
    وإذا تمادى العبد في ارتكاب الذنوب مستهينا بها غير مبالٍ بنظر الله تعالى إليه فربما عوقب بعقوبة أخرى أشد وهي تزيين المنكر بحيث يظن عند ارتكابه أنه يحسن الصنع:
    (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
    إن العبد قد لا يصل إلى هذا الحال الذي لا يحبه الله دفعة واحدة، بل يبدأ مسلسل الانحراف والانحدار خطوة خطوة، ولهذا حذرنا الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان:
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين).
    إن الشيطان قاعد للإنسان بالمرصاد يوسوس له ويلقي عليه الشبهات والأباطيل ليضله عن سبيل الله أو على الأقل يجعل سيره في هذه الطريق محفوفا بالتضييع والتفريط.
    وحين يستجيب المسلم لهذه الوساوس، ويتبع تلك الشهوات يُبتلى بالاستهانة بالمحرمات وإذا وصل إلى هذه الحال فلربما سقط من عين الله تعالى، كما قال بعضهم في أمثال هؤلاء:
    هانوا على الله فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم.
    وقال الله تعالى: (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ).
    فلا يظنن من تيسرت له أسباب المعاصي أن ذلك بذكائه وفطنته أو جماله وخفته، إنما ذلك والله لهوانه على الله وسقوطه من عين ربه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد أن يعلم ما له عند الله، فلينظر ما لله عنده" رواه الدارقطني، وأبو نعيم في الحلية، وزاد الحاكم: " فإن الله يُنزل العبد منه حيث أنزله من نفسه".
    فليستحضر العبد عظمة ربه واطلاعه عليه ومراقبته إياه: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)، (لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ).
    ثم ليوقن أنه سيقف بين يدي ربه يوم القيامة وستنطق جوارحه بما فعلت، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول العبد يوم القيامة: يا رب، ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: إني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، فيقول: (كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلى بنيه وبين الكلام، فيقول: بُعداً لكن وسُحقاً، فعنكن كنت أناضل".
    فحري بنا أن نحاسب أنفسنا اليوم قبل أن نحاسب غداً.
    العـمر ينقص والذنـوب تـزيد وتُقال عثرات الفتى فيعود
    هل يستطيع جحود ذنبٍ واحدٍ رجلٌ جوارحه عليه شهود
    نسأل الله أن يتوب علينا، وأن يجعلنا ممن يعظمون حرماته ويقفون عند حدوده، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وآله وصحبه والتابعين.
    اسلام ويب
                  

09-10-2015, 00:08 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    المزاح المحمود
    إن النفوس تمل وتتسلل إليها السآمة والضيق، فتحتاج بين الحين والآخر إلى نوع من الترويح.

    فالإنسان بطبعه إذا كثر عليه الجد ملّ وكلّ، فيلوذ إلى شيء من المزاح والدعابة، ولا بأس بهذا إذا لم يزد عن حد الاعتدال أو يحمل صاحبه على ارتكاب ما نهى الله عنه.
    وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم حاجة الناس إلى نوع من الراحة والترويح عن النفوس حين قال لحنظلة رضي الله عنه:
    " والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة".
    فهناك ساعة للتعبد والجد والإقبال، وأخرى يجلس فيها الإنسان مع أهله وأولاده مستمتعين بما أحله الله من أمور الدنيا بما في ذلك مداعبة الأهل والأطفال والأحباب....إلخ.
    العرب يمدحون بالمزاح:
    لقد كانت العرب تمتدح بالمزاح وتذم بالعبوس ويقولون ممتدحين شخصا:
    فلان وضّاح الثنايا، طلق الوجه، ضحوك للضيف.
    ويعدون هذا مما يمدح به الإنسان، لأنه يدل على كرم أخلاقه وحسن عشرته وطيب معاملته.
    ومما لا شك فيه أنهم يقصدون الاعتدال في ذلك؛ لأن المزاح إذا زاد عن حد الاعتدال كان مهانة ووضعا من قدر صاحبه، يجرئ عليه الحمقى والصغار والسفهاء، يقول أبو تمام مادحا رجلا:
    الجِدُّ شيمته وفيه دُعابةٌ طورا ولا جدّ لمن لا يلعب
    فالأصل هو الجد وتكون الدعابة والمزاح أحيانا.
    من صور المزاح المباح:
    لقد سجّل علماؤنا في كتبهم وروى الصحابة رضي الله عنهم صورا من مزاح خير البشر وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وهو قائد الأمة الذي شيبته الهموم والآيات والنذر، ومع هذا يمزح ويضحك ولا يقول إلا حقا.
    فكان يقول لأحد إخوان أنس رضي الله عنه: " يا أبا عمير ما فعل النُّغير؟"
    وهو يقول له ذلك على سبيل المزاح والمداعبة، والنغير طائر يشبه العصفور.
    وكان رجل من الأعراب اسمه زاهر الأسلمي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بهدايا مما يستطرف من البادية، وكان النبي يهدي إليه، فيقول صلى الله عليه وسلم: " إن زاهرا باديتنا ونحن حاضرته" فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يوما فوجد زاهرا يبيع في السوق، فتسلل من ورائه واحتضنه وقال: " من يشتري العبد؟" . فالتفت زاهر فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:إذن تجدني كاسدا يا رسول الله. فقال الرسول: " لكنك عند الله لست بكاسد".
    وكان ينادي على أنس بن مالك فيقول: "يا ذا الأذنين"، ممازحا له،وكل ابن آدم له أذنان.
    وكان له من المواقف ما يحمله على الضحك والتبسم وفي السنة من ذلك الشيء الكثير، ومن ذلك أنه كان يحدث يوما وعنده رجل من أهل البادية قال: "إن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع. قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء". فقال الأعرابي:والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا، فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
    من مزاح الصحابة رضي الله عنهم:
    إن الصحابة هم أصلح الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، وقد كانوا يحملون همَّ هذا الدين وهم الذين قيضهم الله ليجاهدوا مع نبيه صلى الله عليه وسلم، ومع هذا كان عندهم وقت للضحك والمزاح، فقد روى البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني: " أن أصحاب النبي كانوا يتبادحون بالبطيخ فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال".
    كما كانوا يتناشدون الأشعار ويتذاكرون أمر الجاهلية فيضحكون والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم.
    وجلست أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين سودة رضي الله عنهما مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد صنعت عائشة طعاما فقالت لسودة كلي فأبت، فقالت: كلي أو لألطخن وجهك. فلم تأكل، فأخذت عائشة من القصعة شيئا فلطخت به وجهها، فأرادت سودة أن تقتص من عائشة فأذن لها الرسول ففعلت بعائشة مثل ما فعلت بها والرسول صلى الله عليه وسلم يضحك.
    والعلماء يمزحون:
    فقد كان العلماء يحملون هم تعليم الأمة ونشر السنة، وكانوا يمازحون أحيانا طردا للملالة أو تعليما لطلابهم.
    فهذا الشعبي رحمه الله جبل من جبال العلم، واحد أئمة التابعين، كان نحيل الجسم فلقيه رجل فقال له: ما لي أراك نحيلا؟ فقال: لقد زحمت في الرحم.وقد كان له توأم.
    وسأله رجل عن اسم امرأة إبليس فقال: ذاك نكاح ما شهدناه.
    وجاء رجل وهو جالس مع امرأته فقال: أيكم الشعبي؟ فأشار إلى امرأته وقال: هذه.
    وكان محمد بن سيرين ظريفا يضحك ويداعب حتى قيل: كان محمد بن سيرين يداعب ويضحك حتى يسيل لعابه، فإذا أردته على شيء من دينه كانت الثريا أقرب إليك من ذلك.
    أما الأعمش وهو من الأئمة الثقات فكان من أكثر الظرفاء وله طرائف كثيرة، منها أنه حج فغضب على الجمّال فضربه حتى شج رأسه، فقيل له في ذلك، فقال: من تمام الحج ضرب الجمّال.
    من أمثلة المزاح المحمود
    إن المزاح المحمود كما بينا هو ما كان على سبيل الاعتدال ويجتنب فيه ما حرم الله تعالى ولا يكثر بحيث يجلب على صاحبه المهانة والاستخفاف. ومن ذلك ما يكون مع الإخوان بقصد تسليتهم وإدخال السرور عليهم.
    وقد عُرف عن علي بن أبي طالب ومعاوية وغيرهما ممازحة إخوانهم والتبسط معهم، وكان إبراهيم بن أدهم يباسط إخوانه و يمازحهم فإذا حضر غريب أعرض وانقبض، لأن المزاح مع من لا تعرف ربما كان سببا في المهانة والحط من قدرك.
    ومن المزاح المحمود ما كان مع الأهل والزوجة:
    ولا يخفى علينا جميعا قصة عائشة رضي الله عنها حين قامت على كتفه صلى الله عليه وسلم تنظر إلى الحبشة في يوم العيد وهو يلعبون حتى انصرفت.
    كما اشتهرت جدا قصة مسابقة أم المؤمنين عائشة حين سبقته وبعد مدة سابقها فسبقها، فضحك وقال: " هذه بتلك".
    وأما مزاحه مع الأولاد وملاطفتهم فكثير ثابت في سنته حتى إنه أطال السجود يوما وركب الحسين على ظهره، فقالوا: يا رسول الله إنك أطلت؟ قال: " إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته".
    فهذه أمثلة للمزاح المحمود الذي ينبغي أن يتوخى فيه المسلم حد الاعتدال وأن ينوي به إدخال السرور على المسلمين ومؤانستهم ورفع الكلفة مع إخوانه، وغير ذلك من المقاصد الحسنة.
    والحمد لله رب العالمين.
    ــــــــــــــــــــــــــــــ
    للاستزادة: كتيب المزاح للشيخ سلمان العودة
                  

09-10-2015, 00:10 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الصدق مع الله
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه, وبعد:
    فإن هذا الدين الحنيف يحث على مكارم الأخلاق من عفة ومروءة وحسن خلق وصلة رحم ... وغيرها من الأخلاق التي عظم الشرع أجر من تحلى بها، ومن جملة هذه الأخلاق الكريمة خلق الصدق الذي أمر الله بالتحلي به فقال تعالى:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}.
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالصدق...". الحديث.
    وللصدق معانٍ كثيرة ولكن حديثنا هنا عن الصدق مع الله تعالى، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: [ليس شيء أنفع للعبد من صدق ربه في جميع أموره، مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله قال تعالى: { فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}
    فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل .... ومن صدق الله في جميع أموره صنع له فوق ما يصنع لغيره].أ.هـ.

    وقد امتدح الله تعالى بعض عباده ووصفهم بالصدق، فقال عن عبده وخليله إبراهيم عليه السلام:
    (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) (مريم:41)

    كما امتدح نبيه إسماعيل فقال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) (مريم:54).
    كما امتدح نفرا من المؤمنين فقال:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.

    والصادقون مع الله تعالى لهم كل خير في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:

    {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُم * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}.
    وإذا أردت دليلا عمليا على عظم قدر الصدق مع الله تعالى فانظر إلى قصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه عند تخلفه عن تبوك، فقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟" فقال: يا رسول الله إني والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيت جدلا- أي فصاحة وقوة في الإقناع – ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه-تغضب عليّ بسببه- إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر في حين تخلفت عنك. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أما هذا فقد صدق". فأنزل الله توبته وإن كانت بعد مدة، يقول الله:

    {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيم * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم}. ثم عقب بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}.

    الصدق مع الله تعالى نجاة من الشدائد
    ففي حديث الثلاثة الذين أُغلق عليهم الغار أنه قال بعضهم لبعض:
    إنه و الله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه صدق فيه...
    فتوسل أحدهم بعفته، وآخر بأمانته، وآخر ببره بوالديه ففرج الله عنهم.
    وأعجب من ذلك قصة الخليل عليه السلام حين صدق الله في تنفيذ الرؤيا بذبح ولده، فإنه لما صدق مع الله وشرع في تنفيذ الأمر كان الفرج وكانت العطايا والخيرات العظام من الله تعالى (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ.قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ.وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).(الصافات:104- 107).

    وهذا الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين صدق مع الله تعالى في فتنة المعتزلة بالقول بخلق القرآن وثبت على عقيدة أهل السنة أن القرآن كلام الله تعالى،وابتلي في الله فصبر وثبت وصدق فنجاه الله وكتب له الذكر الجميل وصار يعرف بإمام أهل السنة، برغم أنه ليس إمامهم الأوحد ولا الأسبق فقد سبقه على الدرب كثيرون لكنه الصدق مع الله تعالى.

    فيا أيها الحبيب ترى هل لك من عمل صدقت مع الله فيه تطمع أن ينجيك الله به من الشدائد إذا نزلت بك؟

    وانظر إلى هذا الرجل الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا وهاجر معه فلما كانت غزوةٌ غنم فيها النبي غنائم فقسمها وجعل له نصيبا، فقال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى بسهم هاهنا- وأشار إلى حلقه-فأموت فأدخل الجنة. فقال صلى الله عليه وسلم: " إن تصدق الله يصدقك". فلبثوا قليلا ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأصابه سهم حيث أشار فحملوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" أهو هو " قالوا: نعم. فقال:" صدق الله فصدقه".

    فكفنه في جبته التي عليه ثم قدمه فصلى عليه فكان من دعائه: " اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا، أنا شهيد على ذلك".
    أنس بن النضر رضي الله عنه ووفاؤه في أحد
    أما أنس بن النضر فقد خرج لطلب الرعي ولما رجع علم بما كان من غزوة بدر والقتال الذي دار بين المسلمين والمشركين، فحزن حزنا شديدا وعاهد الله تعالى لئن أحياه حتى يلقى رسول الله المشركين ليرين الله ما يصنع، وجاء وقت الوفاء في غزوة أحد حين رأى أنس تخاذل بعض المسلمين وقعودهم حين أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فقال: إ ن كان رسول الله قد مات فقوموا فموتوا على ما مات عليه نبيكم، ثم شهر سيفه وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المسلمين ـ ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين وانطلق بين صفوف المشركين فرآه سعد فقال أين يا أنس، فقال أنس: واها لريح الجنة إني لأجده دون أحد، فقاتل القوم قتالا شديدا حتى وقع قتيلا، وبعد المعركة تفقد المسلمون قتلاهم وإذا هم أمام جثمان رجل به أكثر من ثمانين جرحا ولا يعرفه أحد من كثرة الجراحات حتى عرفته أخته ببنانه، وكانوا يرون أن فيه وفي أمثاله نزل قول الله تعالى: :{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
    أما عن جزائهم يوم القيامة فقد قال الله عز وجل:
    {... هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}.
    احذر الكذب مع الله
    وإذا كان الصدق مع الله تعالى بهذه المنزلة، فقد حذر الله عباده من ضد ذلك وبين سوء العاقبة لمن وقع فيه حيث قال:
    {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِين * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُون}.
    فاصدق مع الله تعالى تر كل خير واستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم:
    " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه".

    نسأل الله أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين.

    اسلام ويب
                  

09-10-2015, 00:14 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    كيف نتواصى فيما بيننا
    إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    بقاء الدين والمجتمعات ببقاء الوصية بين الناس

    لقد مدح الله -عز وجل- المتواصين بالحق والصبر والمرحمة فقال سبحانه: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17]، وقال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3].

    وسنة التواصي سنة إلهية نبوية، أوصانا الله بوصايا، وأوصانا نبيه -صلى الله عليه وسلم- بوصايا، وأمرنا تعالى أن نتواصى فيما بيننا، وأوصانا نبينا -صلى الله عليه وسلم- بالتواصي كذلك.

    الوصية: عهد وكلام وأمانة يفارق عليها الإنسان من أوصاه، الوصية كلام مهم {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]، يضيع الحق لو لم يحصل التواصي به، التواصي بالحق من أسباب حفظ الحق، أن يبقى الحق معروفاً بيناً، متناقلاً بين الأب وأولاده، والأخ وإخوانه، والإمام ومن يصلي وراءه، والمسلمين عموماً عندما تكون سنة التواصي بينهم قائمة يبقى الحق معروفاً وإلا ضاع، والتمسك بالحق لا يمكن إلا بصبر؛ لأن الحق صعب، وهناك تحديات؛ لأن التمسك بالحق فيه معاناة، وخصوصاً في أزمان الفتنة، فلا بد من صبر على التمسك؛ حتى لا يبقى مجرد علم غير معمول به، ولذلك قال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، الصبر على طاعة الله، الصبر عن معصية الله، الصبر على أقدار الله المؤلمة، ثم التواصي بالمرحمة، المرحمة أن يرحم الناس بعضهم بعضاً، يلين بعضهم لبعض، يعطف بعضهم على بعض، وبهذه الثلاثة يكمل دين الناس، التواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتواصي بالمرحمة.

    ثم إننا نجد يا عباد الله في كتاب الله -عز وجل- أنواعاً من الوصايا، الإنسان ضعيف، ينزلق، وينحرف، ويذنب، ويعصي، ويخالف، الوصية ترد إلى الحق، بل تمنعه من الوقوع في الذنب أصلاً، وعندما يقوم المجتمع كله بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، يواصلون سيرهم على هذا الحق، ويتواصون بالمرحمة، فيصبحون كالجسد الواحد، فيكتمل بنيان المجتمع.

    وصايا ذكرها القرآن

    وصية لقمان لابنه

    من الوصايا التي ذكرها لنا ربنا في كتابه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، وهناك في الأرض اليوم شرك كثير، شرك في أضرحة وقبور وأموات وأحياء، شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي، ما لي إلا الله وأنت، لولا الله وفلان، بفضل الله وفضلك، كثير في كلام الناس، الحلف بالأمانة، بحياة أبيه، بشرفه، ونحو ذلك.

    الشرك درجات {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان:13] لا شرك أكبر ولا أصغر ولا خفي، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، ثم زرع الخوف في نفس الولد من الله {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان:16]، ستذهب منه إلى أين؟ هل يمكن أن تعصيه في مكان لا يراك فيه؟ {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16]، بعد زرع التوحيد في نفس الولد الوصية بالعبادات، لما بنيت قاعدة الإيمان تؤسس عليها الآن الأعمال، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:17] إقامة الطهور والأركان والواجبات والشروط مع الأخذ بالسنن {أَقِمِ الصَّلاةَ}، ولا بد من نشر الدعوة، ولا يقال: هذا ولد صغير غير مسؤول عن دعوة الناس، كل واحد مسؤول حتى الصغير، لماذا لا ينصح الصغير؟ بل قد تكون نصيحة الصغير أحياناً أبلغ من نصيحة الكبير، ثم تهيئة الولد للمستقبل مهمة، وإعطاؤه الوظائف، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:17] وحيث أن هذا ثقيل، وفيه مصادمة لأهواء الآخرين {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17] ثم بيّن له أصول التعامل مع الآخرين؛ لأن الأخلاق مهمة جداً، ليست الأخلاق كل شيء، التوحيد والصلاة أهم، لكن بدون أخلاق كيف يعيش الإنسان؟ نافراً منفراً، ولذلك ثلَّث بالأخلاق أو ربَّع بها بعد التوحيد والإيمان والنهي عن الشرك، وبعد إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاءت قضية الأخلاق، {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:18] لا كبر، {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:18- 19]، فهذا أنكر الأصوات قاطبة مهما حاول علماء الحيوان أن يأتوا بصوت أقبح من صوت الحمار فلن يستطيعوا، {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}، فذكر له أصول الحكمة وقواعدها الكبار.

    الوصية منهج القرآن

    الوصية منهج قرآني، {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى: من الآية13]، ربنا -عز وجل- وصى أنبياءه، {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: من الآية13]، استقيموا على التوحيد، ولا تتفرقوا في سبل الشرك، استقيموا على السنة ولا تتفرقوا في طرائق البدعة، {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: من الآية13]، وهكذا قال سبحانه أيضاً: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: من الآية131] فهذه وصية الله للأولين والآخرين والمتقدمين والمتأخرين تقوى الله.

    وكذلك وصانا ربنا بالوالدين {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} [الاحقاف: من الآية15]، وإذا قلت: ما هي آيات الوصايا العشر فإنها المذكورة في سورة الأنعام، {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} [الأنعام:151]، وما أكثر الوقوع في الفواحش في هذا الزمان؛ لأن الدعاية لها صارت في الجوالات، ومواقع الشبكات، وأفلام الشاشات، ودخلت من كل طريق، الترويج والدعاية والدعوة للفواحش، ، ما قال الله لنا فقط لا تقعوا في الفواحش، قال: {لا تَقْرَبُوا }، معناها كل ما يقرب إلى الفواحش من نظرة من مقطع إباحي، لا تقربوا ذلك، {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:151]، هناك أشياء ظاهرة وأشياء خفية، {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، تكملة الوصايا {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] تنميه، تحفظه، تتاجر به في غير مخاطرة بالغة، {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام:152]، بين قريب وبعيد لا بد أن تعدل، ولا يجعلنك القرب تجحف، {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: من الآية152] مرة أخرى أعادها {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام:152-153] مرة ثالثة { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، هذه الوصايا الجامعة لأبواب الخير، الموصدة لأبواب الشر، التي فيها أصول التوحيد والعبادة والفضائل والأخلاق، وهكذا كمال الدين، لا يوجد نظام آخر لا في الشرق ولا في الغرب فيه هذا التكامل، ولا هذه المزايا، ولا هذه الفضائل والمحاسن، الأنبياء يوصي الآباء منهم الأبناء، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} [البقرة:132] هذا التوحيد والإسلام العام، {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] مخلصون لله، لا شرك لا رياء، مخلصون مسلمون مستسلمون، لا اعتراض، لا خروج، ولا حيدة، وهكذا.

    من وصايا النبي لأصحابه

    وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه نجدها يقول لأبي ذر: " أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته، وإذا أسأت فأحسن" [رواه أحمد برقم (20592) وهو حسن لغيرة كما قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: برقم(3161)]؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، هذا بينك وبين الله، وبينك وبين الخلق، إذا أسأت إلى واحد أحسن إليه، اعتذار، هدية، "ولا تسألن أحداً شيئاً وإن سقط سوطك" [التخريج السابق]، كان النزول عن الدابة فيه مجهود، تنزل الدابة ثم ينزل هو، ثم، سقط السوط على الأرض وهو على ظهر الدابة لا تقل لأحد: ناولني إياه، انزل، مع ما في النزول من المشقة والجهد؛ لئلا تسأل أحداً شيئاً، حتى لا تحتاج إلى أحد، تربي نفسك على عدم الحاجة إلى الخلق، الاستقلال عن الحاجة للخلق حرية، قال: "ولا تقبض أمانة، ولا تقض بين اثنين" [التخريج السابق] لماذا؟؛ لأنه -رضي الله تعالى عنه- لم يكن عنده قدرة في هذا فأمره بتركه، بعض الناس لا يستطيع المحافظة على الأمانة، ليس من باب الخيانة وأنه يسرقها، لكن ليس عنده قدرة على الحراسة، الرعاية مثلاً، قد يكون عنده زهد بالغ، فيزهد في كل شيء، يكون هذا أمانة للناس، "ولا تقض بين اثنين"؛ لأن القضاء يحتاج إلى نفسيات معينة، وأحوال وشخصيات، فربما يكون في الإنسان ما يمنع من القضاء، كورع شديد يجعله أحياناً يكلف الأطراف أكثر مما يجب، وقال -رضي الله تعالى عنه-: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بسبع: ((ألا أخاف في الله لومة لائم)) [رواه أحمد برقم (20447)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2525)]، وهذه مهمة؛ لأن اليوم ضاع كثير من الحق بسبب الخوف من المخاليق، والمخلوق ما هو؟ أوله نطفة، وآخره جيفة كائناً ما كان، ((وأن أنظر إلى من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من هو فوقي)) [التخريج السابق] هذا في أمور الدنيا، تحمد الله على النعمة واعرف قدرها، ((وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم)) [التخريج السابق]؛ لأن هذا يلين القلب، ما يكون الإنسان فقط مع علية القوم، ومع الأغنياء، إنما يكون مع المساكين، يجعل للمساكين نصيباً من وقته، مع الفقراء، هؤلاء الذين يطعمون الفقراء عند أبواب المساجد في رمضان فيهم رقة قلب، وفيهم تربية حميدة لأنفسهم، وفيهم نصيب من الأخذ بهذه الوصية، ((وأوصاني بأن أقول الحق وإن كان مراً)) [التخريج السابق] وإن كان على نفسك، ((وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت)) [التخريج السابق] ما يكلمونني، ولا يزورونني، ولا يسألون عني، ((وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت، وأوصاني ألا أسأل الناس شيئاً، وأوصاني أن أستكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها كنز من كنوز الجنة)). رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني.

    فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- إذاً ضبط الموازين، وهو الذي يتابع أصحابه ويتعاهدهم، ((يا معاذ، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)) [رواه أبو داود برقم (1301)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7969)]، إن الله إذا أعان العبد على هذه الصفات استقام العبد، يقول لابن عباس: ((يا غلام)) تنبيه ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله)) يعني في أمره ونهيه وشرعه، احفظ الله في دينه الذي كلفك به، ((يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)).[رواه الترمذي برقم (2440)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7957)].

    الدين النصيحة ومسيس حاجة الناس إليها

    وهكذا تهز الوصية قلوب سامعيها، وتجعلهم متوكلين على الله، مفوضين الأمر إليه، أقوياء به، لا يحتاجون إلى الناس، يقولون الحق، النبي عليه الصلاة والسلام أراد من أصحابه أن يكونوا أحراراً أقوياء، جرآء في الحق، قوالين به، وعاملين، منصفين، وهكذا كان أصحابه عليه الصلاة والسلام يعملون بوصاياه من بعده، هذا جرير بن عبد الله البجلي قال: "بايعت النبي عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم" [رواه البخاري برقم (55) ومسلم برقم (83)]، أنصح الخادم، والكبير والصغير، والقريب والبعيد، أنصح أي أحدٍ، أعطيه ما فيه المصلحة له، أنصح له، وأبيّن له، وهكذا حتى في الأمور الدنيوية، لو أن صاحباً لك يريد أن يشتري ثلاجة، وأنت تعلم أن هذا النوع أفضل من هذا النوع ((الدين النصيحة)) [رواه مسلم برقم (82)] تقتضي أن تبيّن له ذلك، الغش اليوم كثير، والسلع كثيرة، الناس يحتاجون إلى أشياء في البناء، أي واحد يبني بيتاً يحتاج إلى نصائح، الزواج يا أخي، أي واحد يريد أن يقدم على الزواج يحتاج إلى نصائح، يحتاج حاجة ماسَّة،ليست قضية شكلية أو هامشية، حاجة ماسَّة، من الذي تقدّم إليه ونصحه؟.

    إن بعض النصائح يا عباد الله لو حصلت لسعد الزوجان، ولفقدان التناصح والتواصي تفشل كثير من الزواجات؛ لأنه لم يكن يوجد من ينصح، ويبيّن أشياء كانت لو تبيّنت وقي بسببها الطرفان شراً كثيراً.

    وللحديث بقية في مقال قادم إن شاء الله تعالى،وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

    الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اصطفاه الله وأرسله رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، وداعياً إلى لله بإذنه وسراجاً منيراً، فصلى الله عليه وعلى آله وذريته الطيبين وزوجاته وخلفائه الميامين، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، صلى الله عليه وعلى أصحابه أجمعين إلى يوم الدين.

    من وصايا السلف لبعضهم

    عباد الله

    الناس في الفتنة يحتاجون إلى وصية، والفتن أنواع، ولما هاجت فتنة بالكوفة اجتمع قراؤها؛ ليكتبوا كتاباً، فدعوا حافظ أهل الكوفة سليمان بن مهران الأعمش، فتكلم بثلاث كلمات، فاستغنوا بهن عن الكتاب،-وكانت مقتلة تحصل بين المسلمين- قال لهم : "رحم الله امرأً ملك لسانه، وكف يده، وعالج ما في صدره". انتهت.

    كتب إبراهيم بن أدهم إلى بعض إخوانه: "عليك بتقوى الله الذي لا تحل معصيته، ولا يرجى غيره، واتق الله، فإن من اتقى الله عز وقوي، وشبع وروي، ورفع عقله عن الدنيا".

    وهكذا كانت الوصايا فيما بينهم بأمور الأخلاق، والآداب، والسلوك.

    وكان بعضهم يقول لبعض: يا أخي إنما دينك لحمك ودمك، ابك على نفسك وارحمها، وليكن جليسك من يزهدك في الدنيا، ويرغبك في الآخرة، وأكثر ذكر الموت، واستغفر مما قد سلف من ذنوبك، وأسأل الله السلامة لما بقي من عمرك، وإياك أن تخون مؤمناً، فمن خان مؤمناً فقد خان الله ورسوله، وإذا أحببت أخاك في الله فابذل له نفسك ومالك، وعليك بالصبر في المواطن كلها، فإن الصبر يجر إلى الجنة، وإياك والحدة والغضب فإنهما يجران إلى الفجور، والفجور يجر إلى النار، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر تكن حبيب الله، وابغض الفاسقين تطرد الشياطين، واعمل لآخرتك يكفك الله أمر دنياك، وأحسن سريرتك يحسن الله علانيتك، وابك على خطيئتك تكن من أهل الرفيق الأعلى، وعليك بالتؤدة، وإذا هممت بأمر من أمور الآخرة فشمر إليها وأسرع".

    قالت أعرابية توصي ولدها المسافر -وما أحوجنا لبعض الوصايا للمبتعثين-، أوصت أعرابية ولدها الذي خرج مسافراً: "أي بني اجلس أمنحك وصيتي، وبالله توفيقك، فإن الوصية أجدى عليك من كثير من عقلك، إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة، وتفرّق بين المحبين، وإياك والجود بدينك والبخل بمالك. الإنسان يمسك دينه لا يفرط منه بشيء، وأما المال يبذله. واعلم أن المرء لا يرى عيب نفسه، فما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت من غيرك فاجتنبه، والغدر أقبح ما تعامل به الناس، ومن جمع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة".

    ماذا يحتاج المبتعثون اليوم من الوصايا؟ لا بد أن نفكر جوانب الوصايا التي يحتاجها الناس في المجتمع، هناك متزوجون يحتاجون إلى وصايا، مسافرون يحتاجون إلى وصايا، واحد سينتقل من سلك الدراسة إلى سلك الوظيفة يحتاج إلى وصايا، حتى الإنسان وهو يغالب أموراً كثيرة من المعاناة صارت له مصيبة، مرض، يحتاج إلى وصايا، قضية الوصية هذه لا بد أن تكون حاضرة، وفكِّر ماذا ينفعك؟ ربما يثبت هذا المبتعث أو المسافر عن الحرام، وما أكثره في الأماكن التي يسافر إليها، كلمة قالتها له أمه قبل أن يترك ويغادر، إلا الحرام، إلا الفاحشة، إلا المرأة بالحرام، انتبه، إياك، فتكون هذه الكلمات على بساطتها وقلتها هي العاصم بعد الله من الوقوع في الموبقات.

    من وصايا السلف لبعضهم الإخلاص، وتصحيح النية، وهذا كثير؛ لأن النية تشوبها شوائب، الوصية مثلاً بتعلم علوم الشريعة، وما أحوج الناس إليها.

    يقول علي بن أبي طالب للكميل بن زياد: يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل، يزيد العلم إذا عملت به، والمال تنقصه النفقة، يا كميل، محبة العالم دين يدان به، العلم يكسب العالم الطاعة لربه، وجميل الأحدوثة بعد وفاته -سيرته حسنة تبقى بين الناس-، وصنيعة المال تزول بزواله، والعلم حاكم -العلم يحكم في المال، في المواريث مثلاً، الوصايا، لكن المال ما يحكم في العلم-، يا كميل، مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، بسيرتهم ومؤلفاتهم باقون.

    كان من الوصايا الوصية بحفظ الوقت، لا تكن مضيعاً أنفاساً معدودة، وأعماراً محسوبة؛ لأن قضية حفظ الوقت هذه محافظة على رأس المال، الوصية بالتمسك بالسنة، واجتناب البدع، الوصية عند فساد الزمان، بماذا يستمسك به الإخوان ويعتصمون؟.

    وكذلك من الوصايا الجميلة ما حدث بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، كانا متآخيين في المدينة، آخى بينهم النبي عليه الصلاة والسلام. في الفتوحات سكن أبو الدرداء الشام يعلم الناس، وسكن سلمان الكوفة يعلم الناس، كتب أبو الدرداء إلى سلمان: سلام عليك أما بعد: فإن الله رزقني بعدك مالاً وولداً، ونزلت الأرض المقدسة، فهلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله، واعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أن يعظم حلمك، وأن ينفعك علمك، اعمل كأنك ترى، واعدد نفسك في الموتى.

    نظراً لكثرة الفتن الآن، فتنة الشهوات، وفتنة النساء، الناس يحتاجون إلى وصايا بهذا، الرجال يحتاجون إلى وصايا، والنساء يحتجن إلى وصايا.

    ولذلك أوصى عمر بن عبد العزيز ميمون بن مهران فقال له: "إني أوصيك بوصية فاحفظها: إياك أن تخلو بامرأة غير ذات محرم، وإن حدثتك نفسك أنك تعلمها القرآن"، لا تخلو بامرأة وإن كنت تعلمها القرآن.

    الوصية قد تغير مسار الحياة ونماذج من ذلك

    أحياناً تكون الوصية مما يجعل الإنسان حراً في مواقفه، هذا عبد الحميد بن باديس -عالم الجزائر في وقته-، قال: وإني لأذكر للشيخ حمدان لونيسي وصية أوصاني بها، وعهداً عهد به إلي، أذكر أثره على نفسي ومستقبلي وحياتي وتاريخي كله، فأجد نفسي مديناً لهذا الرجل إدانة بمنة لا يقوم بها الشكر، فقد أوصاني وشدد علي: ألا أقرب الوظيفة، ولا أرضاها ما حييت، ولا أتخذ علمي مطية لها، هذا مهم بالنسبة للعلماء في حرية صدعهم بالحق، وقال: وأذكر للشيخ محمد النخلي كلمة لا يقل أثرها في ناحيتي العملية عن تلك الوصية، كنت متبرماً من أساليب بعض الكتاب أو المصنفين في التأويلات الجدلية والفلسفية، فقال: اجعل ذهنك مصفاة لهذه الأساليب المعقدة، يسقط الساقط ويبقى الصحيح، قال: فنفعتني هذه الوصية.

    وهكذا عماد الدين الواسطي كثرت عليه قضية علم الكلام والفلسفة، فلقي شيخ الإسلام ابن تيمية فأوصاه بوصية قال: عليك بقراءة السنة النبوية، فإنها الوصفة الكافية الشافية.

    محمد بن عوف -أبوه عالم- لكن الابن لاعب كرة وهو صغير، فالكرة سقطت في المسجد بالقرب من المعافا بن عمران، قال: فدخلت لآخذها فقال: ابن من أنت؟ قلت: ابن عوف بن سفيان، قال: إن أباك كان من إخواننا، ويكتب معنا الحديث والعلم، والذي يشبهك أن تتبع ما كان عليه أبوك، قال: فصرت إلى أمي فأخبرتها، قالت: صدق، هو صديق لأبيك، فألبستني ثوباً وإزاراً، ثم بعثتني إليه، فصار يطلب عنده العلم.

    جملة واحدة تغير المسار يا عباد الله، ولا بد من الوصية بالزهد في الدنيا

    ولو تبصر الدنيا وراء ستورها رأيت خيالا في منام سيصرم

    كحلم بطيف زار في النوم وانقضى المنام وراح الطيف والصب مغرم

    وظل أتته الشمس عند طلوعها سيقلص في وقت الزوال ويفصم

    ومزنة صيف طاب منها مقيلها فولت سريعا والحرور تضرم

    ومطعم ضيف لذ منه مساغه وبعد قليل حاله تلك تعلم

    كذا هذه الدنيا كأحلام نائم ومن بعدها دار البقاء ستقدم

    فجزها ممرا لا مقرا وكن بها غريبا تعش بها حميدا وتسلم

    أو ابن سبيلٍ قال في ظل دوحة وراح وخلا ظلها يتقسم

    فيا عجبا كم مصرع وعظت به بنيها ولكن عن مصارعها عموا

    نعم يموت الأموات ويذهبون ولكن الاتعاظ قليل.

    وكما أن هناك وصايا طيبة فهناك وصايا ضارة ومحرمة:

    (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (نوح:23).

    (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) (صّ:6)

    وقال الله عن المشركين:

    (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ.أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) (الذريات:52- 53)

    وهكذا يوصي أولهم آخرهم بالشر والكفران، وهكذا تجد اليوم أهل الشر والفساد يوصي بعضهم إلى بعض باستمرار المسيرة، أي مسيرة؟!.

    اللهم إنا نسألك الثبات حتى الممات،والحمد لله رب العالمين.

    الشيخ محمد صالح المنجد
                  

09-10-2015, 00:27 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    العلماء، حملة الدين وورثة الأنبياء وهم سبب عصمة للأمة من الضلال، وهم سفينة نوح من تخلف عنها لا سيما في زمن الفتن كان من المغرقين، وهم أولياء الله الذين قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أولياء الله: الذين إذا رؤوا ذكر الله".

    قال الإمام أبو حنيفة: إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي.

    وقال الشافعي: إن لم يكن الفقهاء أولياء الله في الآخرة فما لله ولي.. وقال عكرمة - رضي الله عنه -: إياكم أن تؤذوا أحداً من العلماء، فإن من آذى عالماً فقد آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

    والعلماء هم حراس الدين وحماته من الابتداع والتزييف، فعن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم – منهم علي بن أبي طالب ومعاذ وابن عمر وغيرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين". وقد قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟!! فقال: يعيش لها الجهابذة.

    وعن ابن علية قال: أخذ هارون الرشيد زنديقاً فأمر بضرب عنقه، فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك.

    قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – كلها ما فيها حرف نطق به؟! فقال الرشيد: فأين أنت يا عدو الله من إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها نخلاً فيخرجونها حرفاً حرفاً.

    إن العلماء صمام أمان الأمة وإن بقاءهم نجاة الأمة، وهلكتهم هلكتها.

    قال هلال بن خباب: سألت سعيد بن جبير؛ قلت: يا أبا عبد الله ما علامة هلاك الناس؛ قال: إذا هلك علماؤهم.

    هذه هي منزلة العلماء ومكانتهم في الدين. ويجب على كل مسلم أن يتأدب معهم أشد الأدب قال الطحاوي - رحمه الله -: (وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر – لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل).

    قال الشاعر:

    أفضل أستاذي على فضل والدي وإن نالني من والدي المجد والشرف

    فهذا مربي الروح، والروح جوهر وذاك مربي الجسم والجسم كالصدف

    قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: من حق العالم عليك إذا أتيته أن تسلم عليه خاصة، وعلى القوم عامة، وتجلس قدامه، ولا تشر بيديك، ولا تغمز بعينيك، ولا تقل: قال فلان خلاف قولك,ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه في السؤال، فإنه بمنزلة النخلة المُرطبة التي لا يزال يسقط عليك منها شيء.

    وعن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه – قال أيضاً: إن من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال، ولا تعنته في الجواب، وألا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشي له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته, وعليك أن توقره وتعظمه لله ما دام يحفظ أمر الله، ولا تجلس أمامه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته. وقال طاووس بن كيسان: إن من السنة أن توقر العالم.

    وعن الحسن قال: رئي ابن عباس يأخذ بركاب أبي بن كعب فقيل له: أنت ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم – تأخذ بركاب رجل من الأنصار؟! فقال: إنه ينبغي للحبر أن يعظم ويشرف. وعن الشعبي قال: صلّى زيد بن ثابت على جنازة، ثم قربت له بغلة ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال له زيد: خل عنك يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال ابن عباس: هكذا يفعل بالعلماء والكبراء. وفي رواية عنه قال: أمسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت فقال: أتمسك لي وأنت ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء.

    أيها المسلمون: انظروا إلى الأدب الذي ينبغي أن يكون من العلماء ورثة الأنبياء، واليوم نرى عكس ما كان من احترام العلماء وتقديرهم إذ نرى أناساً انسلخوا من أخلاق السلف كما تنسلخ الحية من جحرها، لا يراعون لشيخ حرمة، ولا يوجبون لطالب ذمة. وهاك صوراً من عدوانهم وتطاولهم: فهذا أحدهم يعير العلماء بأنهم: فقهاء الحيض والنفاس! وآخر يخاطبهم قائلاً: متى تخرجون من فقه المراحيض ودورات المياه؟! وثالث يصف لجنة الفتوى في السعودية بأنها فاتيكان المسلمين! ويتكلم على أساس أن تكفير العلامة ابن باز من البديهيات التي لا تحتاج إلى نقاش!!!, ورابع ينكر في أحد المؤتمرات على من يصفهم بأنهم: العلماء من عينة المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع!. وخامس يضع نفسه في صف الحافظ ابن حجر العسقلاني ويقول متهكماً: هو ابن حجر وأنا ابن زلط! وسادس يمارس التكفير المقنَّع باتهام هذا العالم بأنه ماسوني!، وذاك الداعية بأنه عميل كذا!، أو جاسوس كذا! مما يرجفون.

    وكم نرى من الصحف العلمانية الخبيثة الطاعنة في الإسلام والخادمة للكفر والإلحاد؛ نراها تطعن في العلماء وتسخر منهم. وقد هالني صورة رأيتها في إحدى هذه الجرائد لشيخ علم مشهور يجلس على كرسي وبجواره امرأة تغزل ثوباً من لحيته، إن ذلك استهزاء بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم –قبل أن يكون استهزاء بذلك الشيخ.وقد قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا}. (الأحزاب: 58).

    ولقد كفر الله جماعة من المنافقين إذ سخروا من مجموعة من الصحابة القراء: ووصفوهم بالجبن وكبر البطن فأنزل الله - تعالى- قوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}(التوبة 65- 66).

    أيها المسلمون: إن الجناية على العلماء خرق في الدين، احذر أخي المسلم: الوقيعة في أهل العلم وإلا حشرت نفسك في خندق واحد تظاهر أعداء الإسلام الذين يحاولون تحطيم قمم الإسلام باعتبار ذلك أقصر طريق لطعن الإسلام نفسه، فلا تكونن ظهيراً للمجرمين، واستحضر قول موسى الكليم عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم {قال رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين} القصص: 17.

    وإن محاولة (هدم القمم) للتوصل بذلك إلى هدم الدين وإطفاء نوره هي سياسة قديمة قِدم الكائدين لهذا الدين: فمن محاولاتها الأولى: ما جرى من حديث الإفك في حق الصديقة بنت الصديق، الطاهرة البتول، المبرأة من فوق سبع سماوات أم المؤمنين - رضي الله عنها -، فقد كان الإفك طعنة موجهة في المقام الأول إلى صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم – ثم للرجل الثاني في الإسلام أبوبكر ثم لعائشة الصديقة التي ُحمل عنها ربع الشريعة.

    ومن هذه المحاولات: اجتهاد أعداء السنة والتوحيد من المستشرقين، وأذنابهم من الذين نافقوا في الطعن في راوية الإسلام أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهو أكثر الصحابة رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا عين ما يقال في المحاولات الخائبة للطعن في صحيح البخاري باعتباره أصح كتاب بعد القرآن العظيم. ومن ذلك ما يدأب فيه بعض المبتدعة من الطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصويرهم -إلا خمسة منهم- في أشنع صورة وأقبحها، وكلما عظم بلاء الصحابي في رفع راية الإسلام ونصرته بالعلم والعمل والجهاد، عظم حظه من تطاولهم وأحقادهم كالخلفاء الثلاثة، والمجاهدين الفاتحين الذين أطفأوا نار المجوسية، وكسروا ظهر الكسروية.

    ومن ذلك: حرص الأبواق المنافقة على الطعن في المجددين الذين بَعثوا سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم – وذبوا عن دعوة التوحيد كشيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب؛ وغيرهم من المجددين إلى يومنا هذا. فمن وافق القوم في تطاولهم على رموز الإسلام، فقد أعانهم من حيث لا يدري أو من حيث يدري على تحقيق غاياتهم الخبيثة، وشمّت بنا أعداء الدين,

    كل المصائب قد تمر على الفتى وتهون غير شماتة الأعداء.

    لقد أدرك أعداء الله - عز وجل – أهمية صلة الأمة بعلمائها, فسعوا ليل نهار إلى تشويه صورة العلماء أمام الأمة حتى يفقد الناس ثقتهم بعلمائهم.

    وسنتكلم عن هذه أسباب ظاهرة التطاول على العلماء؛ وسنذكر هذه الأسباب سبباً سبباً.

    أول هذه الأسباب: هم أعداء الله - عز وجل – المنافقون ومن ورائهم اليهود والنصارى.

    وأنهم يسعون ليل نهار في ذلك عبر وسائل الإعلام والصحف والمجلات، وأنى لهم ذلك ولن يستطيعوا بإذن الله فالأمة متمسكة وواثقة بعلمائها بإذن الله - تعالى-.

    ومن الأسباب: التأثر بفوضوية الغربيين ونعراتهم ويتضح هذا في سلوك بعض الشباب الذين يبتلون بالإقامة في ديار الغرب، فيتشربون منهم بعض القيم، وبخاصة سلوكهم إزاء أكابرهم وعظمائهم، بحجة حرية الرأي والتعبير، واعتزازاً بما يدينون به من الفوضوية، التي يسمونها (ديمقراطية) دون أن يتفطن هؤلاء الشباب إلى الفروق بين القيم الإسلامية، وبين القيم الغربية. فمن مظاهر الديمقراطية (تحكيم) رجل الشارع، في قضايا الأمة المصيرية حتى لو كان ساقط العدالة، أو غارقاً في الجهالة, يحتاج ليتعرف على مرشحه أن يوضع له الرمز الانتخابي كالساعة والسيارة والنخلة، في حين أن الإسلام يجعل الحكم في ذلك إلى أولي الأمر، أهل الحل والعقد المؤهلين للنظر في هذه القضايا دون غيرهم، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) سورة النساء. وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يسمي رجل الشارع هذا بالرويبضة، ويجعل إقحامه في القضايا العامة المصيرية من أشراط الساعة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة". قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه، يتكلم في أمر العامة".

    ومن الأسباب: التعصب الحزبي، والبغي، وعقد الولاء على غير الكتاب والسنة؛ فبعض الناس يربون أتباعهم على الولاء لأشخاصهم والانتماء لذواتهم، أو جماعاتهم، ويوالون في ذلك ويعادون دون اعتبار لمبدأ الحب في الله والبغض في الله، وفي هؤلاء يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته ويعادي على ذلك، بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان، ومن عرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم، ولا يخص أحداً بمزيد موالاة إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه فيقدم من قدم الله ورسوله عليه، ويفضل من فضله الله ورسوله." أ.هـ

    ونذكر بقية الأسباب سرداً للاختصار. ومنها: تشييخ الصحف وافتقاد القدوة. وكذلك: استعجال التصدر قبل تحصيل الحد الأدنى من العلم الشرعي بحجة الدعوة. وكذلك التعالم وتصدر الأحداث (الصغار) وكذلك: الاغترار بكلام العلماء بعضهم في بعض.

    ومن الأسباب الرئيسية: جهل المنتقدين بأقدار من ينتقدونهم من العلماء. ومنها عدم التثبت في النقل؛ وكذلك: التحاسد والتنافس والرياسة والفراغ، والجحود وعدم الإنصاف. وأخيراً من الأسباب استثمارالمغرضين لزلات العلماء.

    حفظ الله علماءنا ونفعنا بهم ورزقنا التأدب معهم وحفظ مقامهم،

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    ــــــــــــــــــــــ.

    الإعلام بحرمه أهل العلم والإسلام (بتصرف).
                  

09-10-2015, 00:30 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    السعي إلى الجمعة والتأدب بآدابها
    لقد اصطفى الله هذه الأمة وميزها (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم)، (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ... ).

    وقد اختار الله تبارك وتعالى لهذه الأمة أفضل المناسك و خير الشرائع والمناسبات و الأيام والبقاع وجعل لهذه الأمة من مواسم الاجتهاد في العبادات والطاعات ما يتكرر ويدور لتبدد الفتور، وتجدد النشاط، وتوقظ الغافلين.

    ومن أجلِّ هذه الأيام قدراً، و أعظمها وأعلاها ذكراً، يوم الجمعة الذي هدانا الله له وقد ضلت عنه الأمم قبلنا.

    " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه-أي تعظيمه-، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد".

    فهذه الأمة وإن كانت متأخرة عن الأمم السابقة في وجودها في الدنيا فإنها سابقة، لهم فهي أول من يحشر من الأمم وأول من يحاسب وأول من يدخل الجنة.

    " من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم تبلغني".

    " من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام". فالحسنة بعشر أمثالها، والمغفرة هنا خاصة بالصغائر.

    " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".

    ومن فضل الله تعالى على الأمة فيما يتعلق بالجمعة أنه يميز أهلها يوم القيامة حتى إن الناس ليغبطونهم ويعجبون بهم، كما في الحديث: " إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها ، و يبعث يوم الجمعة زهراء منيرة ، أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها ، تضيء لهم ، يمشون في ضوئها ، ألوانهم كالثلج بياضا ، و ريحهم تسطع كالمسك ، يخوضون في جبال الكافور ، ينظر إليهم الثقلان ، ما يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة ، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون ".

    من آداب يوم الجمعة:

    1- الغسل والتجمل والتطيب:

    "على كل مسلم الغسل يوم الجمعة، ويلبس من صالح ثيابه، وإن كان له طيب مسَّ منه".

    والذي يستعد لهذا اليوم ويغتسل ويذهب إلى بيت الله مبكراً له فضل عظيم:

    " من غسّل واغتسل، وبكّر وابتكر، ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطو ها صيام سنة وقيامها".

    2- الإكثار من الصلاة على النبي:

    " فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ"

    " أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلتها".

    فيوم الجمعة سيد الأيام ورسول الله سيد الأنام ... وكل خير نالته الأمة إنما كان بسببه وعلى يديه؛ لهذا كان للصلاة والسلام عليه في هذا اليوم مزية خاصة.
    3- قراءة سورة الكهف:

    " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يستضيء به يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين".

    4- التبكير إلى الجمعة:

    " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".

    وقد جاء ابن مسعود رضي الله عنه إلى المسجد في يوم الجمعة فوجد ثلاثة سبقوه فأسف أنه لم يكن الاول ثم تذكر حديثا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر راوحهم إلى الجمعات الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ، وما رابع أربعة من الله ببعيد".

    يقابل ذلك –أيها الإخوة- قوم غافلون، متهاونون، كأنه لم يطرق آذانهم الوعيد الشديد، فلم يعرفوا لهذا اليوم حقه، ولم يكترثوا بفضله: " من ترك ثلاث جمعٍ تهاونا، طبع الله على قلبه"، بهذا صح الخبر عن نبيكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ويقول عليه الصلاة والسلام وهو قائمٌ على أعواد منبره: " لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجمع والجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين".

    وإذا كان الشرع المطهر قد حرم البيع والشراء من وقت النداء الثاني وعلى هذا الحكم إجماع أهل العلم فهل يصلح لأمثال هؤلاء المتهاونين الاعتذار بأعذار واهية؟!

    وهناك فئة كسالى، يأتون إلى المساجد في فتورٍ وملل، ينتظر الواحد منهم إقامة الصلاة؛ ليأتي مسرعاً ثائر النَفْسِ والنَفَسِ، يدخل إلى الصلاة مشوش الفكر، لم يراعِ أدب الإسلام في دخول بيوت الله، ولم يعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزام السكينة والوقار، فاته أجر التبكير إلى الصلاة، أما علم هذا الكسول أن منتظر الصلاة كالمرابط في سبيل الله، والملائكة تستغفر له ما دام في مصلاه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه؟

    الله أكبر! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يزال قومٌ يتأخرون حتى يؤخرهم الله". دخلوا في سراديب الغفلة، وقست قلوبهم، أما يخشون أن يختم الله على قلوبهم، ويطمس أبصارهم، وينزع حلاوة الإيمان من قلوبهم؟

    وآخرون وإن حضروا مبكرا إلا أنهم في غفلة عن سماع الذكر والإنصات إلى الخطبة يتشاغلون عنها باللعب والكلام، اما سمع هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم:

    " من مس الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له".

    " إذا قلت لصاحبك أنصت و الإمام يخطب فقد لغوت".

    ولا تنس –وفقني الله وإياك- أن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبدٌ يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه" وأرجى أوقاتها ما بين العصر إلى غروب الشمس.

    وأخيرا فإننا نكرر على الأسماع ما هتف به القرآن:

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ

    ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن

    فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا

    وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِين).
    اسلام ويب
                  

09-10-2015, 00:34 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الحرص على صلاة الجماعة
    لقد فرض الله على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة وهي كأجر خمسين صلاة، ورتب الله الثواب الجزيل على أداء الصلاة في الجماعة، وهذا ما نطقت به الأدلة الكثيرة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله:

    " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".

    وقد شرع الله بناء المساجد ليذكر فيها الرب جل وعلا ويعبد ويوحد، وأعظم ذلك إقامة الصلاة فيها... وامتدح الله عباده الذين يأتون هذه المساجد للصلاة وإقامة ذكر الله:

    (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب)

    وشهد الله لعُمَّار المساجد بالإيمان:

    {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِين}

    يا أيها الأحبة: إن الخطوات التي نخطوها إلى بيوت الله لأداء الصلاة في جماعة لها فضل كبير فإحداها ترفع درجة وتحط عن العبد خطيئة، ولهذا لما أراد بعض الصحابة أن يقترب في سكناه من المسجد وأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن خطواتهم تكتب " ديارَكم تكتب آثاركم" آثروا البعد مع كتابة الخطى..

    يا أهل المساجد أبشروا فإن الله قيض لكم ملائكة يدعون لكم ويستغفرون لكم طالما كنتم في هذه المساجد:

    " والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه".

    ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم:" يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: نعم، في الكفارات، والكفارات: المكث في المسجد بعد الصلاة، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء على المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه".

    كما بين النبي صلى الله عليه وسلم عظم أجر الماشي إلى صلاة الجماعة حين قال:" من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم".

    والله عز وجل يعد للمشائين إلى بيوتهم منازلهم في الجنة:" من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح".

    في المساجد تزول الفوارق ، تتآلف القلوب ، تقوى الروابط.

    وأنا أعجب كثيرا أن أحدنا قد يأتي المسجد ثم يخرج الشهور الطوال ولم يكلف نفسه أن يتعرف على أحد ، عرف نفسك لمن بجانبك، قل: السلام عليكم، أنا فلان بن فلان ويقوم هو بالرد عليك معرفا بنفسه.لماذا نزهد في التعارف وقد كان بعض السلف رضي الله عنهم يقول: استكثروا من الإخوان فإنهم عدة في الدنيا وشفعاء في الآخرة؟.

    حرص الصالحين على صلاة الجماعة:

    لما علم الصالحون عظم الأجر المترتب على أداء الصلاة في جماعة وجدنا منهم حرصا ومداومة على أداء الصلاة في جماعة بين المسلمين في مساجدهم، وأسوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان حريصا على صلاة الجماعة حتى في أشد الأوقات وأحرج الساعات

    الصلاة مع القتال والخوف:

    فقد روى الإمام مسلم رحمه الله عن جابر رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة، فقاتلوا قتالا شديدا، فلما صلينا الظهر قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة واحدة لاقتطعناهم. فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لنا رسول الله قال: وقالوا: إنهم ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولى. فلما حضرت العصر صفنا صفين، والمشركون بيننا وبين القبلة. فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع وركعنا..." الحديث.

    ويتجلى في الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم واهتمامه بصلاة الجماعة مع علمه بقرار المشركين الإغارة على المسلمين.

    صلاة الجماعة مع شدة المرض:

    ففي مرضه الذي مات فيه اغتسل عدة مرات لعله يتمكن من الصلاة مع المسلمين في الجماعة لكنه في كل مرة يحاول الخروج يغمى عليه فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فصلى أبو بكر بالناس تلك الأيام ولما وجد رسول الله في نفسه خفة خرج إلى الصلاة، لكن كيف كانت خفته ؟

    تجيب عائشة رضي الله عنها على ذلك فتقول: " فوجد من نفسه خفة، فخرج يهادى بين رجلين( يستند عليهما)كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع" فهو حال خفته التي حرص معها على الخروج لا يستطيع رفع رجليه عن الأرض، صلى الله عليه وسلم.

    ولما جاءه رجل أعمى يقول: ليس لي قائد يقودني فهل لي رخصة؟ قال: "هل تسمع النداء بالصلاة"؟ قال: نعم. قال:" فأجب".

    إذا كان هذا في الأعمى فما بالك بالمبصرين الأصحاء.

    لقد علموا فضلها فكانوا أشد حرصا عليها:

    قال ابن مسعود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.

    وقال أبو هريرة: لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع النداء ولا يجيب.

    وهذا الحارث بن حسان ـ وكان له صحبة ـ خرج ليلة عرسه إلى المسجد لصلاة الفجر؟ فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة؟ فقال: إن امرأة تمنعني من صلاة الفجر في جمع لامرأة سوء.

    وأبو عبد الرحمن السلمي كان يخرج لصلاة الجماعة وهو مريض متكئا على ولديه حتى يقام في الصف، وذهب يوما إلى المسجد وهو مريض فلما أحسوا أنه في النزع قالوا له: لو تحولت إلى الفراش فإنه أوثر ( ألين وأوطأ ) أخبرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد في صلاة ما دام في مصلاه ، قال: فأريد أن أموت وأنا في مسجدي.

    أما سعيد بن المسيب رحمه الله فقال: ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة.وقال رحمه الله: ما دخل علي وقت صلاة إلا وقد أخذت أهبتها، و لا دخل علي فضاء وقت إلا وأنا إليه مشتاق.

    نسأل الله الكريم أن يوفقنا للحرص على صلاة الجماعة ما حيينا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-10-2015, 00:37 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    حُبُّ الصلاة والشوق إليها
    للصلاة في ديننا منزلة عظيمة ومكانة سامية، فهي عماد الدين وأهم أركانه بعد التوحيد، وهي الفريضة التي فرضت في السماء، وهي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة، وهي الصلة بين العبد وربه، ولهذا ورد الأمر في كثير من آيات الكتاب الكريم بإقامتها والمحافظة عليها: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:43]، {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} {النساء:103}، {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ}[البقرة:238].وغيرها من الآيات الكثيرة في الحث على أداء الصلاة والمحافظة عليها.

    وقد وعد الله عباده المؤمنين الذين يحافظون على هذه الصلوات بالفلاح والفوز بالجنة، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[المؤمنون:1 - 11].

    كما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل هذه الصلاة والمحافظة عليها فقال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّرات لما بينهنَّ ما لم تُؤْتَ الكبائر".

    وقال صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا".

    وهي آخر ما يذهب من الدين كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم: "لتنقضنَّ عُرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهنَّ نقضًا الحكم، وآخرهنَّ الصلاة".وما ذهب آخره هل يبقى منه شيء؟!!.

    وقد عرف السلف الصالح رضي الله عنهم منزلة هذه الصلاة، فحافظوا عليها، بل أحبوها واشتاقوا إليها، كيف لا وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر أو أصابته شدة فزع إلى الصلاة، وكانت قرة عينه في الصلاة، وكان ينادي بلالاً فيقول: "أقم الصلاة؛ أرحنا بها يا بلال".

    بل لم يكن يكتفي بهذه الصلوات المفروضات من شدة حبه للصلاة، فكان يقوم الليل يحييه بالصلاة ويطيل الصلاة ، اسمع إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه).

    يقول فيه عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:

    يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

    وقال عنه شوقي رحمه الله:

    محيي الليل صلاة لا يقطعها إلا بدمع من الإشفاق منسجم

    مسبحا لك جنح الليل محتملا ضرا من السهد أو ضرا من الورم

    رضيَّةً نفسه لا تشتكي سأما وما على الحب إن أخلصت من سأَم

    وانظر إلى الفاروق رضي الله عنه يعلنها مدوية: (ألا إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع). ولما طُعن رضي الله عنه وحُمل إلى بيته فغشي عليه قالوا: إنكم لن توقظوه بشيء مثل الصلاة. فقالوا له: الصلاة يا أمير المؤمنين، فأفاق وقال: أصلَّى الناس؟ قالوا: نعم. قال: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وإن جرحه ليثعب دمًا.

    أما بلال بن رباح رضي الله عنه فحاله مع الصلاة عجيب، فإنه ما توضأ وضوءً في ساعة ليل أو نهار إلا صلى به ما شاء الله أن يصلي، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني سمعتُ دف نعليك بين يدي في الجنة".

    أما عدي بن حاتم رضي الله عنه فكان يقول: (ما دخل وقت صلاة حتى أشتاق إليها).

    وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقرأ القرآن في ركعة، وأبو سفيان رضي الله عنه كان يصلي في الصف نصف النهار ثم يمسك إذا كان وقت الكراهة ثم يصلي من الظهر إلى العصر.

    وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليوم الذي مات فيه يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي فإذا اقترب الفجر كان يوقظ الناس للصلاة فيقول: الصلاة الصلاة.

    وقال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك.

    وهذا سيد العبّاد بعد الصحابة – كما سماه الشاطبي – سيد التابعين أويس بن عامر القرني – رحمه الله تعالى – يحن إلى الصلاة حتى لا يكاد يفارقها، فقد ذكر الربيع بن خيثم، قال: أتيت أويسًا القرني فوجدته قد صلى الصبح وقعد، فقلت: لا أشغله عن التسبيح، فلما كان وقت الصلاة قام فصلى إلى الظهر، فلما صلى الظهر صلى إلى العصر، فلما صلى العصر قعد يذكر الله إلى المغرب، فلما صلى المغرب صلى إلى العشاء، فلما صلى العشاء صلى إلى الصبح، فلما صلى الصبح جلس فأخذته عينه، ثم انتبه، فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك من عين نوّامة وبطن لا تشبع.

    ولا تعجب أيها الحبيب، فهذا الرجل كان يقول: لأعبدنّ الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء.

    نسأل الله أن يجعل قرة أعيننا في الصلاة وفي طاعته، والحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-10-2015, 00:40 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    صحبة السوء
    مما لا شك فيه أن للصحبة آثارها على الواحد منا، وقد قيل: الطبع يسرق من الطبع، وقالوا: إن الطبع يعدي؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

    إذا كان الأمر كذلك فحري بنا أن نحذر صحبة الفاسدين والفاسقين لأن الصاحب ساحب وقد يجر صاحبه إلى طريق الشر والفساد حتى إنك لترى الرجل يمضي بالفطرة على طريق الخير ويبدأ في طريق التعبد، فإذا بقطاع الطرق - من أهل الشر - يمنعونه من مواصلة السير، ويصدونه عن سواء السبيل، إنهم جلساء السوء الذين يحملون لواء المعصية، ويدعون لطريق الضلال صباح مساء، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : " مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة".

    وقد أمر الله تعالى أن يلزم العبد الصحبة الصالحة وأن يتجنب صحبة السوء فقال: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف:28).

    إن صحبة هؤلاء البطالين تجلب على صاحبها العار والسمعة السيئة في الدنيا ؛ فقد قيل : قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، وقال الشاعر:

    عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

    وهي أيضا تؤدي به إلى سلوك مسالك الرذيلة والمعصية حيث تنتهي الصحبة السيئة غالبا إلى المخدرات أو الوقوع في الفواحش والمنكرات من شرب للخمر أو ارتكاب فاحشة الزنا أو غير ذلك مما لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه،وصدق من قال:

    فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه فكم جاهل أردى حكيما حين آخاه

    يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه وللشيء على الشيء مقاييس وأشباه

    بل قد تصل بالعبد إلى الكفر والعياذ بالله ، وإن شئت دللا على هذا فانظر إلى قصة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعتقد بصدق نبوة ابن أخيه حتى قال:

    ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا

    لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا

    والذي كان يحوط النبي صلى الله عليه وسلم ويمنعه من أذى المشركين ، لكنه ظل على صحبته برؤوس الشرك كأبي جهل وعبد الله بن أمية اللذين حضراه عند وفاته والنبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى نطق كلمة التوحيد لينجو من عذاب الله تعالى ويشفع له النبي صلى الله عليه وسلم لكن صاحبيه جعلا يقولان له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فما زالا به حتى كان آخر ما قال: بل هو على ملة عبد المطلب.

    فانظر كيف كانت هذه الصحبة السيئة وبالا عليه حتى أهلكته وخسر الخسران المبين.

    ولو تأملت قصة التائب الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم أكمل المائة فلما أراد التوبة وسأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على عالم نصحه أول ما نصحه بأن يخرج من أرضه فإنها أرض سوء. نعم الأرض التي ليس فيها من يأمره بمعروف أو ينهاه عن منكر هي أرض سوء فليخرج منها وليلحق بأرض طيبة بها اناس صالحون ؛ فإن الصاحب ساحب.

    وقد ذكر الطبري رحمه الله تعالى عند تفسير قوله عز وجل: (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ. أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ . قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ. قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ. وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ. أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ).(الصافات:51-61) .

    عن ابن عباس قوله : هو الرجل المشرك يكون له الصاحب في الدنيا من أهل الإيمان ، فيقول له المشرك : إنك لتصدق بأنك مبعوث من بعد الموت أئذا كنا ترابا ؟ فلما أن صاروا إلى الآخرة وأدخل المؤمن الجنة ، وأدخل المشرك النار ، فاطلع المؤمن ، فرأى صاحبه في سواء الجحيم،قال تالله إن كدت لتردين.

    وذكر بسنده عن فرات بن ثعلبة البهراني في قوله( إني كان لي قرين) قال : إن رجلين كانا شريكين ، فاجتمع لهما ثمانية آلاف دينار ، وكان أحدهما له حرفة ، والآخر ليس له حرفة ، فقال الذي له حرفة للآخر : ليس لك حرفة ، ما أراني إلا مفارقك ومقاسمك ، فقاسمه وفارقه ، ثم إن الرجل اشترى دارا بألف دينار كانت لملك قد مات فدعا صاحبه فأراه . فقال : كيف ترى هذه الدار ابتعتها بألف دينار ؟ قال : ما أحسنها ، فلما خرج قال : اللهم إن صاحبي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار ، وإني أسألك دارا من دور الجنة ، فتصدق بألف دينار ، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث . ثم إنه تزوج امرأة بألف دينار ، فدعاه وصنع له طعاما ، فلما أتاه قال : إني تزوجت هذه المرأة بألف دينار قال : ما أحسن هذا ، فلما انصرف قال : يا رب إن صاحبي تزوج امرأة بألف دينار ، وإني أسألك امرأة من الحور العين ، فتصدق بألف دينار ، ثم إنه مكث ما شاء الله أن يمكث . ثم اشترى بستانين بألفي دينار ، ثم دعاه فأراه ، فقال : إني ابتعت هذين البستانين ، فقال : ما أحسن هذا ، فلما خرج قال : يا رب إن صاحبي قد اشترى بستانين بألفي دينار ، وأنا أسألك بستانين من الجنة ، فتصدق بألفي دينار . ثم إن الملك أتاهما فتوفاهما ، ثم انطلق بهذا المتصدق فأدخله دارا تعجبه ، فإذا امرأة تطلع يضيء ما تحتها من حسنها ، ثم أدخله بستانين ، وشيئا - الله به عليم - فقال عند ذلك : ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا . قال : فإنه ذاك ، ولك هذا المنزل والبستانان والمرأة . قال : فإنه كان لي صاحب يقول : ( أءنك لمن المصدقين..) قيل له : فإنه في الجحيم . قال : فهل أنتم مطلعون ؟ فاطلع فرآه في سواء الجحيم ، فقال عند ذلك: ( تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ. وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).

    فاحذر أيها الحبيب صحبة السوء، وقانا الله وإياك شرها،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-10-2015, 00:42 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    فن الإصغاء
    اسمع أخي المسلم لهذه القصة التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، في مكة مع أحد كفار قريش وهو عتبة بن ربيعة. قال عتبة يوماً وهو جالس في نادي قريش ـ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده ـ يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟. فقالوا: بلى يا أبا الوليد. قم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من الشرف في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل يا أبا الوليد أسمع. قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رُؤاً تراه لا تستطيع رده عنك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع (أي الصاحب من الجن) على الرجل حتى يُدَاوى منه، حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال فاسمع مني. قال: أفعل)).

    وفي رواية أن عتبة لما أتاه قال له: يا محمد أنت خيرٌ أم عبد الله (يقصد أباه)؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له: أنت خير أم عبد المطلب (أي جده)؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك، فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى، أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أيَّ نساء قريش شئت فلنزوجك عشرا.وإن كنت إنما بك الرياسة، عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال فاسمع مني: بسم الله الرحمن الرحيم: { حم تنزيلٌ من الرحمن الرحيم كتابٌ فصلت آياته قرءاناً عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً فأعَرَضَ أكثرُهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنّةٍ مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجابٌ فاعمل إننا عاملون قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إلهٌ واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءً للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ فقال لها وللأرض إئتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا، ذلك تقدير العزيز العليم فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود}. ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، وعتبة منصت أصابته الدهشة من هول ما يسمع، وألقى يديه خلف ظهره، معتمداً عليها يسمع، وقيل: إنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود. ما تحمّل عتبة، فقام وأمسك على فم الرسول صلى الله عليه وسلم وناشده الرّحم أن يكفّ عنه. مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ عليه هذه الآيات حتى انتهى إلى السجدة منها، فسجد، ثم قال له: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك)). فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد، بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي، إني سمعت قولاً، والله ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه مُلكُكُم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.

    هذه هي القصة، وهذا هو الحوار الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين عتبة بن ربيعة. ولنا مع هذه القصة عدة وقفات:

    الوقفة الاولى: أدب وفن الإصغاء:

    إن الإصغاء إلى المتكلم أدب وفن، فبعض الناس قد يحسنه أدباً ولا يحسنه فناً، وكثير من الناس والعوام لا يحسنونه أدباً ولا يعلمون أنه فن. تأمل في موقف النبي صلى الله عليه وسلم أمام رجل مشرك، محارب لله ولرسوله، يأتي ويتكلم بألفاظٍ ساقطة، ويبدأ يساوم النبي صلى الله عليه وسلم، على ماذا؟على الدين وعلى الدعوة، ويعرض عليه شيء من حطام الدنيا مقابل التنازل عن الدين، ومع ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام يستمع بكل أدب، مع أن كلام الرجل لا يعجبه، ويعلم أنه باطل، ومع ذلك يقف يستمع، وينتظر حتى يكمل الرجل كل ما عنده، ثم يسأله بعد ذلك، ((أوقد فرغت يا أبا الوليد، فقال: نعم، عندها قال له: إذاّ فاسمع مني)). أدب عظيم، وخلق كريم، نفقده في واقعنا ومجالسنا ومنتدياتنا، واجتماعاتنا العامة والخاصة. أدب الاستماع للطرف الآخر، أدب الإصغاء للمتكلم.

    ادخل أحد المجالس، تجد أن الذين يتحدثون أحياناً عشرة.هذا يتكلم من هنا، وذاك يعلق من هناك، والمجلس فوضى، ما تأدب الناس بعد، بهذا الأدب، ثم لو قدّر بأن المتحدث شخص واحد، وكان يتكلم في موضوع معين، تجد بأن المستمعين له، لا يتركون له مجالاً لكي يكمل حديثه، بعد كل لحظة يقاطعه أحد، أو يعلق على كلامه آخر، هذا في حالة ما إذا كان الكلام يعجبهم، أما إذا كان حديث هذا المسكين لا يعجب الحضور، فالله المستعان، تجد أنه يقاطع، وبدون أدب، بل ربما يُسكّت ولا يترك له مجال، ليكمل حديثه.مع أن الرجل لم يقل كفراً، ولم يطعن في دين.

    عودة إلى موقف الرسول مع عتبة كلام عتبة، كان باطلاً وكفراً، ومع ذلك يستمع له المصطفى صلى الله عليه وسلم بكل أدب، ((أو قد فرغت يا أبا الوليد؟)). فلو كان في خاطرك كلام آخر فقله، تأكد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الرجل قد انتهى تماماً. ((إذاً فاسمع مني)). فهل لنا أن نأخذ هذا الأدب، فإن الله جعل لنا أذنين ولساناً واحداً، لنصغي ونسمع أكثر مما نتكلم. هذا عن أدب الإصغاء. أما فن الإصغاء، فالإصغاء فن يحتاجه الدعاة ويحتاجه المصلحون، ويحتاجه كل من له اهتمام بطرف مقابل، فقد يكون طبيباً أو مديراً أو تاجراً.

    إن عملية الاتصال كما نعلم لها طرفان، هما المرسل والمتلقي، وخلال أي حوار أو محادثة يتبادل الطرفان هذين الدورين، من هنا يشكل الإصغاء، عنصراً حيوياً في معادلة الحوار، سواء كان ذلك الحوار اجتماعياً على مستوى الأحاديث اليومية، أو إدارياً على صعيد المهنة والعمل، أو فكرياً تدور أطرافه في منتديات الثقافة والأدب. خذ هذه الأمثلة لتدرك أهمية الإصغاء الجيد والاستماع الجيد في مسار حياتنا اليومية.

    إن الطبيب قد يشخّص المرض خطأَ إذا لم يكن مستمعاً جيداً لمريضه، ويصغي تماماً حتى ينتهي المريض من كل حديثه. والتاجر قد يخسر زبونه، إذا كان يستمع لنفسه بدلاً من الاستماع لطلبات الزبون. والمسؤول الإداري قد يخسر قدرات الموظفين وإنتاجيتهم إذا كان لا يجيد فن الإصغاء. أما المصلحون، والذين يحرصون على هداية الناس، فإنهم أحوج ما يكونون، أن يتعلموا فن الإصغاء حتى لا يخسروا مدعويهم، فإليك أخي الداعية عشرة تنبيهات، أقدمها لك حول فن الإصغاء:

    أولاً: الإصغاء ينبئك بما يجري حولك:

    فالحياة مدرسة نتعلم من تجاربها، فأشياء كثيرة تحدث من حولك طوال الوقت ، وكلما كنت مصغياً جيداً إلى هذه الأشياء وفهمتها بصورة أكثر ازدادت حصيلتك الشخصية بما حولك، وأصبحت مدركاً لما يدور حولك، وهذه مهمة جداً للداعية.

    ثانياً: الإصغاء يساعدك على النفاذ إلى نفوس الآخرين:

    إن إصغاءك للآخرين يجعلهم يتجاوبون معك، لأنك تحقق رغبتهم في وجود من ينصت لهم ، فإذا أردت أن تعرف السر في كسب بعض الدعاة لمدعويهم، فاعلم بأن من الوسائل أن تصغي لما يقولون.

    ثالثاً: الإصغاء يمتص غضب الآخرين:

    إن أول استجابة للانفعال تكون عن طريق الأذن، فعندما تصغي لشخص غاضب، فإننا نتعرف على سبب غضبه، فنظهر تعاطفنا معه، ونجعله ينفس عن غضبه ويعود إلى تعقله.

    رابعاً: الإصغاء يعزز مكانتك عند الآخرين:

    فعندما تتوقف عن عمل تعمله لتستمع إلى شخص ما فكأنما تقول له: "أنا أحترمك وأقدر ما تقول" وهذه إحدى الطرق لتعزيز مكانتك عند من تدعوهم بل عند أي شخص آخر في حياتك.

    خامساً: الإصغاء يجلب محبة الآخرين لك:

    فالناس لا يحبون من لا يصغي لهم، إن أكبر تعبير عن الاهتمام بالطرف المقابل هو هدية الإصغاء تقدمها له.

    سادساً: عليك أن تدرك أن في إصغائك نجاحك:

    إنك لا تصغي لكي تكون لطيفاً في نظر الآخرين فقط، بل الإصغاء يكسبك القوة والاحترام، وتحصل على ما تريده من معلومات، ممن تتعامل معه.

    سابعاً: أصغِ بفهم:

    اعتبر أن الإصغاء هو استثمار صغير للوقت والطاقة، وأنه سوف يعود عليك بعوائد جمة من الفهم وغيره.

    ثامناً: قل لنفسك: إنك تريد معرفة شخصية المدعو

    وتريد أن تغوص في أغوار نفسه، وهذا سيجعلك تركز أكثر في الاستماع لكل كلمة يقولها، وبذا تكون قد أحسنت الإصغاء.

    تاسعاً: تجنب كل ما يصرفك عن الانتباه:

    تجاهل ما قد يحيط بك من ضوضاء، وحاول أن تتغلب على ما قد يشتت إصغاءك.

    عاشراً: تعلم انتبه وأحذرك لا تحكم على الأشخاص أو الأحداث إلا بعد فهمها جيداً، وهذا سيضطرك إلى حسن الإصغاء. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا.

    الوقفة الثانية:

    مما يؤخذ من ذلك الحوار، أن عتبة كان يتحدث مع النبي عليه الصلاة والسلام باسم قريش، وملخص كلامه كله هو أنهم كانوا يريدون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوقف عن الدعوة، أنت اترك التأثير على الناس، ونحن مستعدون أن نعطيك المال والملك والجاه، لأن قريشا تعلم أنه لو صلح أمر الناس، وتقبلوا الدين عرفوا حقيقة وضع حكومة قريش وأنها غير شرعية، وتخالف الإسلام، فتسقط تلقائياً، لذا لا حيلة إلا بأن يتوقف محمد عن الدعوة، وعن تبليغ هذا الدين للناس، ألا ما أغربه من طلب.يُطلب من صاحب الرسالة أن يترك رسالته، ويتنازل عن دعوته.

    إنهم يظنون بأن الدعوة تشترى بالمال، أو بالنساء أو بالجاه، أو حتى بالملك، وجهلت قريش بأن الدين لا يساوم عليه، ولو كلف صاحبه رقبته، لأن أصحاب الرسالات، يعلمون ما تصير إليه الحياة لو منع ضوء الشمس عن الأرض، ففي خلال أيام قليلة تتعفن الأرض، وكذلك نور الوحي، لو حُجب عن الناس، لتعفن الناس بسبب قاذوراتهم وشهواتهم، وذنوبهم ومعاصيهم، إن الهواء يتعفن بسبب ذنوب الناس، ولا مطهر ولا حيلة لتنقية المجتمع إلا بأن يترك بين الدعاة وبين الناس.

    الوقفة الثالثة:

    لما سمع عتبة شيئاً من القرآن، وهزّت تلك الآيات قلبه، تأكد لديه بأن محمداً رسول الله إلى الناس، ورأى من واجبه أن ينصح قومه بالكف عن محمد وإفساح المجال له ليدعو من يشاء وكيف يشاء، فإن ثار عليه العرب وقتلوه فقد كُفي قومه شره، وإن علا شأنه وانتشرت دعوته فهو واحد منهم، وعزه عزهم. لقد أدرك هذا الرجل وهو على كفره أنه لا يمكن الوقوف في وجه هذه الدعوة، وأدرك جيداً بأن الأسلم لقريش أن تفسح المجال للدعوة، وأن يتركوا محمداً يدعوا الناس وكيفما شاء، لأنه لا حيلة للحيلولة دونه ودون الناس، علم هذا الرجل وهو على كفره، بأن محمداً مرسل من ربه، إذاً هو رسول، لكن الدين هو دين الله، ولا يمكن لقريش مهما أوتيت من قوة أن تمنع دين الله عز وجل من الانتشار والتمدد.

    لذا قدم لهم هذه النصيحة، لكن هل استجابت قريش للنصيحة؟ لم تستجب من جهة، ومن جهة أخرى أخفق الإغراء في تفريق الدعوة، وأدركت قريش بأن ما تصبوا إليه بعيد المنال، فعادت سيرتها الأولى تصب جام غضبها على عباد الله المؤمنين، وتبذل آخر ما في وسعها للتنكيل بهم، ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وهذه سنة الدعوات، الفتنة والابتلاء في سبيلها: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    ـــــــــــــــ

    إمام المسجد
                  

09-10-2015, 00:45 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من أدعية الصالحين في القرآن الكريم
    إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فإن في أدعية الصالحين مما قص الله علينا في القرآن الكريم لعبرة عظيمة للمؤمنين، وهذا الفقه العظيم من أولئك النفر الكرام من الأنبياء والصالحين فيه قدوة لعباد الله في أدعيتهم، وإن المؤمن ليرى في أدعية هؤلاء الأنبياء والصالحين المعاني العظيمة، والعبودية الكاملة لله عز وجل.

    إن أدعيتهم رفعت في السراء والضراء في الشدة والرخاء للحي القيوم ديان السماوات والأرضين.

    القرآن يقص جانباً من دعاء موسى عليه السلام

    فهذا موسى عليه السلام لما ابتلي بفرعون، واشتد أذى فرعون على قوم موسى عليه السلام، وطالت تلك المناظرات والمواجهات بين هذا النبي الكريم وعدو الله فرعون، رفع موسى يديه يدعو ربه {إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (سورة يونس:89).

    وهكذا كان القرار الأخير بعد استنفاذ كافة الوسائل في الدعوة، لما صارت البيوت المزخرفة، والأموال العظيمة، والمراكب الفاخرة، صارت فتنة لهؤلاء القوم، يستعينون بما آتاهم الله على معصيته وعلى فتنة عباده، وعلى الإفساد في الأرض، دعا موسى أن يتلفها الله عز وجل إما بهلاك الذين يستعملونها، أو بجعل هذه الأموال على وجه لا ينتفع به، فقال ذلك الدعاء.

    لقد كان موسى عليه السلام حريصاً ألا يزداد أولئك القوم في الطغيان لأمرين؛..

    أولهما: أن زيادتهم في الطغيان زيادة لعذابهم.

    وثانيهما: أن في زيادة طغيانهم فتنة للمؤمنين، والمحافظة على المؤمنين ووقاية هؤلاء المؤمنين من فتنة الكافرين والطاغين أمر مهم للغاية يحرص عليه موسى عليه السلام، وكانت أذية بني إسرائيل بعد ذلك لموسى عليه السلام، وتمردهم عليه، موجبة لشكوى موسى الكليم إلى ربه {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (سورة المائدة:24)، بهذه الوقاحة يواجهون نبيهم، كأن القوم سيخرجون لهم من البلد ليدخلوها هم برداً وسلاماً، ما كان ذلك ليحصل، ولما حصلت هذه المعصية والتمرد من بني إسرائيل على نبيهم ماذا قال؟ {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} (سورة المائدة:25)، وصل موسى عليه السلام إلى مرحلة صار ليس له كلمة إلا على أخيه، تمرد عليه القوم، وهذا من طبع اليهود. ولذلك دعا عليهم بقوله: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (سورة المائدة:25). وهكذا قص الله سبحانه وتعالى علينا من خبره مع أخيه مع بني إسرائيل لما عبدوا العجل في غيابه، وتمردوا على هارون الذي قال معتذراً لموسى: {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (سورة الأعراف:150-151).

    ينظر نبي الله حوله، يتلفت، فلا يجد إلا الواحد والعدد القليل من الناس الذين ثبتوا، والبقية زلوا سقطوا في الفتنة {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} (سورة التوبة:49)، فماذا يقول، وبماذا يدعو لمن ثبت معه؟ قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ} (سورة الأعراف:151) أدخلنا فيها، فتكون الرحمة محيطة بهما من كل جانب، فهي حصن حصين، وخير وسرور، وحماية من الشرور.

    إلهي أشكو البث والحزن كله


    إليك فكن لي راحماً لشكيتي


    يشتكي موسى إلى ربه، ويدعوه بأن يفرق بينه وبينه القوم الفاسقين، يجعل له هناك فرقاناً، ويجعل له العلو والظفر والظهور عليهم، وهو محتاج إلى رحمة ربه، ومغفرته، يدعو بها ولأخيه، فلا ينسى أخاه.

    وهكذا حصل لموسى أيضاً مع بني إسرائيل لما أخذتهم الرجفة، لقد تواقح القوم وتمردوا لدرجة أنهم قالوا: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} (سورة البقرة:55) أخذتهم الصاعقة، ماتوا، أخذ الله أرواحهم، وكان من قبل قد حصل لهم أمور وأخذتهم رجفة، ومن بعد نتق الجبل فوقهم، فلما أخذتهم الرجفة {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ} (سورة الأعراف:155) يتوسل إلى ربه بقدرة ربه على الإهلاك وعلى الإماتة، ثم قال: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} (سورة الأعراف:155- 156).

    فتأمل في عظمة هذا الدعاء في توجه موسى إلى ربه، يتوسل إليه، يعلن الخضوع والاعتراف بقدرته، وهذا مهم في الدعاء، ويعتذر وكأنه هو المذنب، مع أن أولئك القوم الذين تمردوا عليه هم الذين أجرموا، وفعلوا فعلتهم الشنعاء بعبادة العجل، وموسى يطلب المغفرة لنفسه، أولئك يذنبون وهو يطلب المغفرة، سبحان الله تسليم مطلق لقدرة الله، يقدمه موسى بين دعائه لربه، هي القدرة على الإهلاك {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ} ، { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا}، ثم يدعو ربه أن يكتب له في هذه الدنيا حسنة {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً} (سورة الأعراف:156) حسنة الدنيا عظيمة، تشمل العلم النافع، والعمل الصالح، والذكر الجميل، والرزق الواسع، والصحة والذرية الطيبة، هكذا حسنة الدنيا شاملة.

    {وَفِي الآخِرَةِ} (سورة الأعراف:156) ظل في العرش، ووقاية من النار، وسلامة في العبور عليها، ودخول الجنة، حسنات، إنها حسنة عظيمة، حسنة الآخرة المتضمنة لكل هذه المزايا.

    {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} (سورة الأعراف:156) ونحن عندنا هذا الدعاء، علمنا الله إياه {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً } (سورة البقرة:201) ومنا من يغفله، والله المستعان.

    إن تقديم الاعتذار والاعتراف، وبيان ضعف المخلوق أمام خالقه، وقدرة الخالق على المخلوقين؛ تقديم ذلك بين الدعاء سر عظيم من أسباب الإجابة. {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} (سورة القصص:16) {رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة القصص:21)، {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (سورة القصص:24)، إظهار الحاجة.

    دعاء داود والترتيب العظيم في إيراده

    تأمل في حال داود عليه السلام ومن معه من المؤمنين، لما برزوا لجالوت وجنوده أمام ذلك الحشد من الأعداء، العدد والعُدد الجبابرة، {قَالُواْ} أي: عباد الله المؤمنين، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (سورة البقرة:250)، أمام هذا الجحفل من الأعداء، أمام هذا الجحفل من الطغاة يدعو المؤمنون ربهم، ويلجؤون إليه في الشدائد، والله إذا دعاه المضطر لا يخيبه، {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}، إفراغ الشيء على الشيء يدل على تعميمه به، ولذلك فإنهم لم يقولوا: ارزقنا صبراً ونحو ذلك، وإنما قالوا: {أَفْرِغْ عَلَيْنَا}؛ لأنهم يحتاجون الصبر الآن، يحتاجون صبراً عظيماً، {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}، الإفراغ: صب الشيء الكثير، الإفراغ من أعلى إلى أسفل، إنزال، تعميم، شمول، كثرة. {أَفْرِغْ عَلَيْنَا} فقه في الدعاء، {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، حسن الدعاء والترتيب الجيد فيه، سألوا أولاً الصبر الذي يعم القلب والبدن {أَفْرِغْ عَلَيْنَا}، ثم ثبات القدم المترتب على الصبر {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}، فسألوا التثبيت الظاهر والباطن، ثم النصر المترتب عليهما، والنصر لا ينال إلا مع الصبر، والصبر مجلبة للمعونة، فتأمل الترتيب في هذا الدعاء {ربنا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} ينزل في القلب، {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} نتيجة الصبر في القلب، {وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} ثبات القلب وثبات البدن هو المهيئ للنصر، ولذلك سألوا ربهم هذا السؤال، وجعلوا فيه هذا الترتيب.

    قوة الرجاء بالله والافتقار إليه ملموس في أدعية الأنبياء

    لم يغر ملك سليمانَ سليمانُ عليه السلام، وإنما قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} (سورة ص:35)، {رَبِّ اغْفِرْ لِي} تأمل كيف حاجتهم إلى المغفرة وهم الأنبياء، يسألون ربهم المغفرة، وكأنهم أجرموا وأذنبوا الذنوب العظيمة، يسألون مغفرة ورحمة، إنها حاجة المؤمن إلى مغفرة ربه عز وجل، إنه إظهار الافتقار للواحد القهار.

    {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} (سورة الأنبياء:87-88) قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير: {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا} يعني: من أجل ربه عز وجل، "غضبت لك" يعني: من أجلك، والمؤمن يغضب لله إذا عصي، وكان الأولى أن يصبر فذهب مغاضباً من أجل ربه، وقد أعلن سخطه على قومه مما فعلوا وأصروا وتمردوا وعصوا، فقدر الله أن يلتقمه الحوت {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} إنها لحظات الاضطراب، إنها أوقات الشدة، {نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} ظلمة بطن الحوت، ظلمة قاع البحر واليم، ظلمة الماء.. ظلمات، أمواج يغشى بعضها بعضاً، وكذلك ظلمة الشدة، وظلمة الوحدة، اجتمعت الظلمات الحسية والظلمات المعنوية، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، وظلمة الشدة، وظلمة الوحدة، ولكن لم ييأس يونس أبداً من ربه عز وجل {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} شكا إلى ربه حاله، وتضرع إليه، وتوسل إليه بوحدانيته {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ}، ثم نزه ربه عما لا يليق به {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} اعترف لله عز وجل بالظلم لنفسه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوة ذي النون إذا دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له))1 في شيء من الحاجات عموماً، ولذلك كانت النتيجة بعد دعائه هذا كما حكاه الله في القرآن بقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}، وإذا كنت في شدة فالله ينقذك منها، وإذا كنت في ظلمة وكربة فالله ينجيك منها.. فهو ملجأ الخائفين، ومجير المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين.. لا إله إلا هو.

    وهكذا أنعم الله على يونس؛ لأنه كان المسبحين، فإن سجله الماضي في الطاعات جعل له شفاعة عند ربه، فنجاه الله وأنبت عليه شجرة من يقطين، ورده إلى قومه ليؤمنوا، {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (سورة الصافات: 147- 148).

    ولذي النون وقد ناداه من

    ظلمات البحر إذ فيه استقر


    حين نجاه من الغم فهل


    بعد ذا شك لعبد ذي نظر


    {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} (سورة الأنبياء:88)، العمل الصالح يساند الدعاء، الدعاء المبني على عمل صالح مسبق إنه أمر عظيم.

    ماذا قال زكريا عليه السلام في أدعية الأنبياء أيضاً؟

    {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (سورة الأنبياء:89)، {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} (سورة مريم:3-6)، لما تقارب أجله ولم يرزقه الله بولد، هو مسن لا يولد لمثله، وامرأته عاقر لا تنجب، اجتمعت الأسباب الأرضية على عدم الإنجاب، ولكن نبي الله لا ييأس من رحمة الله، وهذا ذكر رحمة ربه له إذ وفقه للدعاء {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا} (سورة مريم:3) أمر يدل على الإخلاص، والإقبال على الله، توسل إلى الله بضعفه، وهذا سر مهم نجده متكرراً في أدعية الأنبياء، يذكرون ضعفهم.. يذكرون افتقارهم.. يذكرون حاجتهم إلى ربهم، {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (سورة مريم:4)، ومع كل هذا {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (سورة مريم:4)، إنه يعتقد بأن الدعاء سعادة، ولا يمكن أن يشقى العبد مع الدعاء، ولذلك دعا، ودعا وسأل ولم ييأس، مع أن كل الأسباب الأرضية والنتائج والمقدمات وكل البيانات تدل على أنه لا فائدة، ولن يولد له ولد، ولكن {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} لا يشقى الإنسان من دعاء ربه، لا يعدم خيراً؛ لأن المسؤول كريم {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا} (سورة مريم:5)، دعا في جوف الليل {هَبْ لِي} أعطني، الهبة: إحسان بلا مقابل، انتفاع الموهوب بإحسان الواهب، فهو محتاج إلى الهبة الربانية والتي تتمثل في الذرية الطيبة كما في الدعاء الآخر: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} (سورة آل عمران:38)، إنك تجيب سائليك، إنك تسمع أصواتهم مهما كانت ضعفاً وخفاءً، وأنت تعطي ولا تحرم؛ لأنك كريم منان، ولذلك لما سأل، وهب الله له يحيى كما قال سبحانه: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} (سورة الأنبياء:90)، فهو أعطاه أكثر مما سأل، أصلح الله زوجته بعدما كانت عاقراً لا يصلح رحمها للولادة، فأصلح الله رحمها للحمل لأجل نبيه ودعائه، فبشرته الملائكة بذلك.

    وكل ماسبق يبين أهمية وعظم شأن الدعاء، وللحديث بقية في مقال قادم إن شاء الله تعالى،وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
    تلطف عيسى عليه السلام في دعائه وأدبه

    إذا تأملنا دعوة نبي الله عيسى عليه السلام، ومن معه، يسألونه آية لزيادة إيمانهم، وتثبيتهم على دينهم.. مائدة من السماء، قال عيسى بن مريم: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سورة المائدة:114). تطمئن قلوبهم كما طلب إبراهيم عليه السلام من قبل ذلك؛ ليكون زيادة في إيمانه، ولما كانت القضية ابتلاءً فقد تأدب عيسى عليه السلام غاية الأدب، ينادي ربه يا الله، يا ربنا، قال عيسى بن مريم: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا} فجمع في الدعاء بين ألوهيته تعالى وربوبيته، {اللَّهُمَّ} الميم في قول: {اللَّهُمَّ} بدلاً من ياء النداء المحذوفة قبل لفظ الجلالة، يا الله، {اللَّهُمَّ رَبَّنَا} يعني يا ربنا، وهكذا دعا بالاثنين جميعاً، دعا بألوهية ربه وبربوبيته، يا الله يا ربنا، {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء} فهو يريد التثبيت للحواريين أصحابه، ويريد نعمة لهم وفرحاً وعيداً، {وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، إنه رزق من الله، وهو خير الرازقين عز وجل، فلا يرزق أحد مثل رزق الله تعالى، ولا يملك أحد مثل رزق الله تعالى، ونجد التبرؤ من الحول والقوة، والاعتراف بأن الله يملك الأمر كله.

    في دعاء عيسى عليه السلام {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} (سورة المائدة:118) لست بظالم لهم لو عذبتهم؛ لأنك تملكهم، ومن ملك الشيء يفعل فيه ما يشاء، إن عذبهم فهذا عدل، وإن رحمهم فهو فضل، {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} تفعل فيهم ما تشاء، {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة المائدة:118) أنت أرحم بهم من أنفسهم، وأعلم بأحوالهم منهم، ومغفرتك صادرة عن تمام عزتك وقدرتك، ليست كمغفرة وعفو العاجز الذي لا يقدر، لا، إنها مغفرة صادرة عن تمام العزة والقوة والقدرة، فمع قدرته على الانتقام، ومع قدرته على التعذيب، ومع قدرته على الإهلاك فهو يعفو، وهذا السر وراء ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العزيز الحكيم، {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}؛ لأن المعتاد أن ينتهي مثل هذا الدعاء فإنك أنت الغفور الرحيم، ولكنه انتهى باسمين عظيمين لله، عجيبين في هذا المقام {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ليست مغفرتك وعفوك صادرة عن ضعف، لكن عن قدرة وقوة، أنت عزيز منيع الجناب، لا يستطيع أحد أن يغلبك، تغلب كل أحد.

    وأيوب الذي دعا ربه بأنه أرحم الراحمين، وأنه مسه الضر.

    أدعية علمها الله نبيه عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم

    هكذا نجد الأدعية تتوالى من الأنبياء، ويعلم الله محمداً صلى الله عليه وسلم أدعية أخرى كما ورد في كتاب الله العزيز: {وقل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (سورة المؤمنون:97-98)، الشيطان له همزات، وهمزات الشيطان هذه الوساوس، وهذا المس، وهذا الأذى، والشر عموماً الذي يكيد به البشر، ولذلك الاستعاذة بالله الحصن الحصين والركن الشديد {رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}؛ لأنهم عدو خفي غير مرئي، عدو خفي لا يرى، فلا بد من الاستعاذة بالله عز وجل الذي يعلم مكان الشياطين، ويعلم شر الشياطين، وكيد الشياطين، وماذا يفعلون، ومتى يفعلون، وبمن يريدون الإيقاع؟ فإذا التجأ المسلم إلى الله الذي يعلم هذه الخفايا والغيوب دفع عنه كيد عظيم وشر كبير.

    {وقل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (سورة المؤمنون:97-98)، لا يحضروني عند طعامي ولا شرابي، ولا نكاحي، ولا أمري، {أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} ولا يحضرون في صلاتي فيشوشون علي خشوعي، لا يحضروني في أي أمر من أموري، أبعدهم يا رب.

    وكذلك علم الله نبيه: {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (سورة المؤمنون:118)، وهكذا دائماً حاجة العباد حتى الأنبياء إلى المغفرة والرحمة، الدعاء بالمغفرة والرحمة، علم الله نبيه دعاءً للزيادة من العلم، {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (سورة طـه:114)، لم يعلم الله نبيه أن يستزيد من شيء في الأدعية في القرآن إلا العلم {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}؛ لفضل العلم وشرف العلم ومكانة العلم وحفظ العلم لصاحبه.

    العلم خشية الله، العلم الفقه في الدين، هذا العلم الذي ينجي الله به من الظلمات، ويحفظ به من الشبهات، ويثبت به على الصراط المستقيم، ولذلك نسأل ربنا دائماً هذا العلم {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.

    من أدعية الصالحين في القرآن

    لقد زخر القرآن الكريم بأدعية للصالحين سوى الأنبياء فضرب الله مثلاً لنا امرأة فرعون، قال تعالى: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة التحريم:11)، كان فرعون يعذبها، ويفتنها عن دينها، لم يمنعها نعيم القصر، ولا ملك المصر، لم يمنعها ذلك الغنى والجاه والمكانة من الالتحاق بركب المؤمنين مع نبي الله موسى عليه السلام، آمنت بموسى فضرب الله هذه المرأة مثلاً للمؤمنين { إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} (سورة التحريم:11)، كملت من النساء آسية بنت مزاحم.

    من فقهها في الدعاء أنها طلبت الجار قبل الدار، لما دعت {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا} ولم تقل: بيتاً عندك، فاختارت الجار قبل الدار، سألت الجار قبل الدار، ومن هو الجار هنا؟ الواحد القهار سبحانه وتعالى، فقهر فرعون زوجها الطاغية، وأهلكه.

    {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ} العندية شرف، العندية رحمة، العندية إذا صار الإنسان عند ربه، هنالك في ذلك المقام الكريم، والشرف العظيم حظي بكل خير، {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا} أين؟ {فِي الْجَنَّةِ}، وسقف الجنة عرش الرحمن، فهو عز وجل يتجلى لأهل الجنة من فوقهم، فينظرون إليه فلا يعطون نعمة قط أعظم من النظر إلى وجه ربهم، فتنسيهم لذة النظر كل نعيم في الجنة، من القصور والأنهار والأشجار والطعام والحور العين، الزوجات، إن نعيم رؤية الله تعالى فوق كل نعيم.

    اللهم إنا نسألك أن ترزقنا الجنة بمنتك وفضلك يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذي سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربما إنك رؤوف رحيم.

    والحمد لله رب العالمين.

    الشيخ محمد صالح المنجد
                  

09-10-2015, 00:48 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الطغيان وصناعة الطغاة
    لقد جاء الإسلام ليُعبد الله وحده ولتهدم الأصنام وتحطم الطواغيت ويكون الدين كله لله، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين}.

    ولقد كان التحذير من الطغيان في أول آيات نزلت من كتاب ربنا: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}.

    كما كان التحذير من العواقب الوخيمة للطغيان وخطورة نتائجه في الدنيا والآخرة واضحا في آيات القرآن:{وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَاد * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَد * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَاد * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد}.

    فالطغيان يقترن دائما بالفساد وهذا والله واقع مشاهد لو لم يدل عليه القرآن لدل عليه الواقع الذي يعيشه الناس، ثم تكون النتيجة الحتمية للاستمرار في هذا الطغيان أن ينزل العذاب بهؤلاء الذين طغوا.

    وانظر إلى أصحاب الجنة الذين ذكرهم الله في سورة القلم لما رأوا جنتهم محترقة أمامهم قالوا: { يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِين}ثم إن لهؤلاء الطغاة يوم القيامة موعدا لن يخلفوه: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا * لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا * إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}.

    مساكين أولئك الطغاة لو علموا مصيرهم في الدنيا والآخرة لأيقنوا أن ظلمهم لأنفسهم كان أشد من ظلمهم للناس..

    أما في الدنيا فإن دعوات المظلومين تطاردهم واللعنات التي تخرج من قلوب وألسنة المعذبين ستحرقهم، مع وعد من الله تعالى بإجابة دعوة المظلوم ولو بعد حين.

    وأما في الآخرة فسيقتص منهم حين لا ينفع دينار ولا درهم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُون * مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُون * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُون}

    لو كان أحد من البشر يستحق التعظيم والتقديس والتمجيد لكان محمدا، لكن القرآن كان يتنزل عليه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ }.

    كان يجلس حيث انتهى به المجلس ولا يتميز بينهم بمكان ولا بلباس ولا شارات حتى إن الداخل لم يكن يعرف من هو محمد.

    كانت الأمة من إماء المدينة تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت...
    وعلى دربه صلى الله عليه وسلم سار الصالحون ممن ولاهم الله أمر هذه الأمة، فهذا هو أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه يعلنها منذ اليوم الأول: وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم...

    وقال مثل هذه الكلمات عمر الفاروق رضي الله عنه حتى إنه طلب منهم إن أساء أن يقوموه، وأعلنت الأمة ردا عليه أنها مستعدة لتقويمه إن هو أساء أو انحرف عن الحق والصواب.

    أما الطغاة فإنهم يرون كل ما يفعلونه وما يتخذونه من قرارت هو الحق وما عداه هو الباطل، وكأن ما توصلوا إليه هو الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويقف خلفهم أناس مغرضون أصحاب مصالح يزينون لهم هذا الطغيان ويمدحونهم بالباطل ويسبحون بحمد هؤلاء الطواغيت بل ويقذفون بالناصحين الذين يريدون تقويم المعوج وتصحيح المسيرة في غياهب السجون ويرمونهم بأبشع التهم لا لشيء إلا لأنهم تجرأوا على نصيحة الطغاة الذين هم ـ في زعم هؤلاء ـ مبرأون عن الخطأ.

    وهم في ذلك يستفيدون من غفلة بعض أبناء الأمة أو عجزهم أو انشغالهم بلقمة عيشهم التي لا يكادون يحصلون عليها إلا بشق الأنفس.

    قل لي بالله عليك لو لم يكن خلف فرعون طغمة فاسدة زينت له الباطل وحرضته عليه هل كان بوسعه أن يصل إلى هذه المرحلة العاتية من الطغيان بحيث يقول:{ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}، ويقول:{ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَاد}؟.

    ألم يصل الطغيان بالنمرود لهذا الادعاء العجيب من بشر يأكل ويشرب ويمرض ويموت فيقول هذا النمرود: { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ }؟.

    ألم يقل بعض هؤلاء المنتفعين في بعض الحكام:

    بشراي إن صلاح الدين قد عاد وأصبحت هذه الأيام أعيادا

    أجمال ما لك من بين الأنام أخ في الشرق والغرب ممن ينطق الضادا

    لو كان يعبد من بين الأنام فتى كنا لشخصك دون الناس عبادا

    لقد سطر التاريخ نماذج لهذه الطائفة من المنتفعين الذين يساهمون في صناعة الطواغيت والحرص على بقائهم ، يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: " اتفق في بعض الأحيان أن الخليفة العباسي المهدي استدعى بعض الشعراء إلى مجلسه، وكان فيهم أبو العتاهية، وبشار بن بُرد الأعمى، فسمع بشار صوت أبي العتاهية، فقال بشار لجليسه: أثَم هاهنا أبو العتاهية؟! فقال: نعم. فانطلق أبو العتاهية يذكر قصيدته التي قال فيها:

    أتته الخلافة منقادة إليه تجرجر أذيالها فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها

    ولو رامها أحدٌ غيره لزلزلت الأرض زلزالها ولو لم تطعه بنات القلوب لما قبل الله أعمالها

    فقال بشار لجليسه: انظروا هل طار الخليفة عن فراشه أم لا !!".

    بل إن الشاعر الأندلسي ( ابن هاني ) قد جاوز في مدح المعز الفاطمي حتى مدحه بقوله:

    ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

    وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار

    أنت الذي كانت تبشرنا به في كتبها الأحبار والأخبار

    أسأل الله الكريم أن يحفظ المسلمين وبلادهم من شر الطواغيت وأعوانهم ومنافقيهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    إسلام ويب
                  

09-10-2015, 00:51 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إن عزل الرجال عن النساء، واختصاصهن بأعمال المنزل وحضانة الأطفال، واختصاص الرجال بالعمل والاكتساب - متوائمٌ مع الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، وسارت عليها البشرية طوال تاريخها في الشرق والغرب، وعند سائر الأمم، قبل أن تأتي الحضارة المعاصرة بضلال الاختلاط، ومن قرأ تواريخ الحضارات والأمم السالفة أيقن بحقيقة ذلك.

    ونزلت شرائع الله تعالى على أنبيائه ورسله - عليهم السلام - بما يوافق هذه الفطرة، وقد أجمعت الشرائع كلها على حفظ النسل من الاختلاط، وعلى حفظ المجتمعات من الفساد والانحلال؛ ولذا كان الزنا محرمًا على ألسنة جميع المرسلين عليهم السلام، ويجمع كل العقلاء من البشر على أن الاختلاط أكبر سبب للزنا، كما يجمع البشر على أن الزنا سبب للأمراض والطواعين التي تفتك بالناس، والواقع يدل على هذه الحقائق. ولا يُماري في شيء من ذلك إلا جاهل أو مكابر، فمن دعا للاختلاط ورضيه فهو يدعو للزنا وانتشار الفواحش، وهو يدعو كذلك لنشر الطاعون في الناس، وإهلاكهم به، شاء ذلك أم أبى؛ إذ إن هذه الأمراض الخبيثة هي نَتَاج دعوته الخبيثة.

    وإن تعجب - أيها القارئ - فعجب لأناس يدعون للاختلاط، وينشرون الرذيلة في الناس، ثم يحذرون من انتشار مرض الإيدز، ويعقدون المؤتمرات والندوات لمكافحته، فهل هم صادقون في تحذيرهم؟ وهل يعقلون ما يقولون وما يفعلون؟ وهل هم إلا كمَنْ يسقي الإنسان سُمًّا ثم يصيح به محذرًا إياه أن يموت مما سقاه؟!

    إنه لن تجدي المؤتمرات والندوات والتوعية الصحية والاجتماعية في التخفيف من الأمراض المستعصية، الناجمة عن الممارسات الجنسية المحرمة، إذا كان المفسدون يخلطون بين الرجال والنساء، ويوسعون دائرة الاختلاط يومًا بعد يوم؛ وينشرون في إعلامهم ما يسعر الشهوات، ويدعو إلى الرذيلة؛ ولذا نوصيهم أن لا يكذبوا على الناس ويخدعوهم، ويحذروهم من انتشار الإيدز؛ لأنهم أكبر سبب من أسبابه حين شرعوا للاختلاط، وأفسدوا الإعلام، وفرضوا على الناس آراءهم الفكرية الشهوانية.

    يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصلُ كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة.. وهو من أسباب الموت العام والطواعين المهلكة. ولما اختلط البغايا بعسكر موسى - عليه السلام - وفشت فيهم الفاحشة؛ أرسل الله تعالى عليهم الطاعون؛ فمات في يوم واحد سبعون ألفًا، والقصة مشهورة في كتب التفسير.

    فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا؛ بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات". اهـ .

    وكلام ابن القيم - رحمه الله تعالى - لا يعجب أهل الشر والفساد، ودعاة الرذيلة والانحلال؛ لأنهم مستعبدون في أفكارهم لما يمليه عليهم أهل الحضارة المعاصرة، ومشرَبون بحبِّ كتابات الغربيين، فلا بأس من نقل شيء من أقوال الغربيين، من باب قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55].

    أقوال نساء الغرب في الاختلاط:
    إن المفسدين يزعمون أنهم بمشاريعهم التغريبية التخريبية يَنْصُرون المرأة ويدافعون عن حقوقها في الاختلاط والفساد، ولكنهم كاذبون أو جاهلون، وسأنقل بعض أقوال النساء الغربيات؛ حتى نعرف رأيهن في الاختلاط وقد جرَّبْنَه، وسبقن نساء العالمين إليه، ولسن متهمات بأنهن (مُؤَدْلَجَات) أو متطرفات، أو يعشن عصور الظلام والحريم كما يقول المنافقون والمنافقات،

    1- تقول الصحفية الأمريكية هيليان ستانبري: "أنصحكم بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم، امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة؛ بل ارجعوا لعصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، فقد عانينا منه في أمريكا الكثير، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعًا مليئًا بكل صور الإباحية والخلاعة. إن ضحايا الاختلاط يملؤون السجون، إن الاختلاط في المجتمع الأمريكي والأوروبي قد هدد الأسرة وزلزل القيم والأخلاق".

    2- تقول كاتبة أخرى: "إنه لعارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مَثَلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال".

    3-في بريطانيا حذرت الكاتبة الإنجليزية (الليدي كوك) من أخطار وأضرار اختلاط النساء بالرجال، فقالت: "على قدر كثرة الاختلاط؛ تكون كثرة أولاد الزنا"، وقالت: "علموهنَّ الابتعاد عن الرجال".

    فهل يبقى لدعاة الاختلاط والفساد قول وقد عارضوا شريعة الله تعالى، وخالفوا الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وكذبوا على الناس فزوروا الحقائق، وأخفوا النتائج المخزية للاختلاط في البلاد التي اكتوت بذلك.

    حمى الله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين من المفسدين والمفسدات، والمنافقين والمنافقات، وردهم على أعقابهم خاسرين، إنه سميع قريب.

    كمال الشريعة ويسرها:
    من رحمة الله تعالى بعباده رفعه الحرج عنهم، وتكليفهم بما يطيقون، والتخفيف عنهم فيما يرهقهم ويشق عليهم، والأدلة في القرآن على ذلك كثيرة جدًا، منها:

    1- قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

    2- قوله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

    3- لما ذكر سبحانه التخفيف في أحكام الصيام قال عز من قائل: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} [البقرة: 185].

    4- في شرعية التيمم عند عدم الماء قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].

    5- وصف رسوله عليه الصلاة والسلام بأنه: {يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157].

    ومن مظاهر الرحمة واليسر في شريعة الله تعالى: أن كُلف العباد بما يطيقون من الواجبات، وخُفف عنهم ما لا يطيقون، وهذا المظهر من مظاهر التخفيف بَيِّنٌ واضح لكل من يقرأ القرآن، ويعرف الأحكام.

    وثمة مظهر آخر للتيسير يغفُل عنه أكثر الناس وهو لا يقل أهمية عن الأول، وهو أن الله تعالى لما حرم المحرمات على العباد أوصد سبلها، ومنع وسائلها، وسدَّ الطرق المفضية إليها؛ رحمة بالعباد، وعونًا لهم؛ وذلك لئلا توجد في نفوسهم دواعيها، وقد حرمت عليهم فيرهقهم الامتناع عنها.

    فالزنا حرَّمه الله تعالى في كل شرائع الرسل عليهم السلام؛ لما فيه من انتهاك العرض، وتدمير النسل، والشرائع الربانية جاءت بحفظ الضرورات التي منها العرض والنسل.

    ولما كان من فطرة الإنسان وجِبِلَّتِه التي خلقه الله تعالى عليها ميل كل جنس من الرجال والنساء للجنس الآخر، ومحبته له، والأنس به، وتمني معاشرته؛ فإن الشرائع الربانية نظمت ذلك بالزواج، وحرمت السفاح، وأوصدت الطرق المسببة للزنا، فأمرت الشريعة السمحة بغض البصر، ومنعت الخلوة بالنساء، وسفرهن بلا محارم، كما منعت سفورهن وتبرجهن واختلاطهن بالرجال.

    ولو كانت هذه الأسباب والوسائل مباحة مع تحريم ما تُفضي إليه من الزنا لكان في ذلك من الرهق والعُسر والمشقة على العباد ما لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكان حالهم كحال الجائع الذي يوضع أمامه ما لذَّ من الطعام ثم يقال له: لا تأكل!!

    والجائع يصبر عن الطعام إذا كان لا يراه ولا يَشْتَمُه، ولكن إذا رآه أو اشتمه لم يصبر عنه، والرجل يصبر عن المرأة في حال غيابها وتسترها، ولكنه لا يصبر عنها في حال سفورها وتبرجها واختلاطها به، واستعراضها أمامه.

    وحيثما كَثُر الاختلاط والعُري والتفسخ في بلد من البلدان؛ مرضت القلوب، وفسدت الأخلاق، وازداد السعار الجنسي، وانتشرت جرائم الزنا والاغتصاب وأنواع الشذوذ.

    وإذا أُوصدت أبواب الفتنة والشر والفساد، وفصل النساء عن الرجال؛ صلحت القلوب، واستقامت الأخلاق، وانتشر في الناس الطهر والعفاف، والواقع يشهد لتلك الحقائق.

    من مفاسد الاختلاط:
    إن اختلاط النساء بالرجال هو البوابة التي ما فتحتها أمة من الأمم إلا ولجت إليها الجرائم الأخلاقية، وانتشر فيها الشذوذ الجنسي، وصارت عرضة للطاعون والأوبئة الفتاكة.

    إن الاختلاط يفتح أنواعًا من البلاء والشرور على الناس منها:
    1- أن حياء المرأة الذي لا زينة لها إلا به يَضْعُف شيئًا فشيئًا كلما اقتربت من الرجال، وعاملتهم وخالطتهم.. وما قيمة المرأة بلا حياء؟! تكلم الواحد منهم وتضاحكه وتمازحه أشد مما تفعل ذات المحرم مع محارمها، وما كانت بجاحتها وجرأتها إلا بسبب قلة حيائها.

    2- أن المرأة تعتني بحجابها لئلا يراها من لا يحل لهم رؤيتها من الرجال، فإذا كانت تقيم الساعات الطوال أمامهم، وتعايشهم في أماكنهم ومقرات أعمالهم فإنها تتخفف من حجابها الشيء بعد الشيء؛ لأنها ألفتهم، ولا تراهم في منزلة من لا تعرفهم من الرجال.

    ومع كثرة المخالطة لا ترى حرجًا في إلقاء حجابها أمامهم بحجة الزمالة، وقدم المعرفة، وثقتها بأخلاقهم، وغير ذلك من الحجج الواهية التي يزينها الشيطان لها، وتعصي بها ربها الذي أمرها بالحجاب في قوله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31].

    3- أن المرأة تعتني بزينتها، ويهمها شكلها ومظهرها، وتضعف أمام المادحين لها، فإذا اختلطت بالرجال أبدت لهم ما يثنون به عليها، وتنافست هي وزميلاتها في هذا المجال، حتى يخيل لبعض من يراهن أنهن في دور عروض الأزياء، من كثرة أصباغهن، وعُري ملابسهن، فيقعن في ما نهى الله تعالى عنه بقوله عز وجل: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31].

    4-لضعف المرأة أمام عواطفها, فإنها قد تعلق في مجال عملها برجل لجمال خلقته، أو حسن معاملته، أو قوة نفوذه، وهو لا يحل لها لأنها ذات زوج، أو لا تستطيع الوصول إليه، وقد وقع ذلك لكثير من النساء، ولا سيما من لها مشاكل مع زوجها أو أهلها، فتفضي بمن أعجبت به بمشاكلها لحلها وتقديم المشورة لها، حتى تُفتن به، ويُفتن هو بها.

    فتكون بين نارين: إما أن تشبع عواطفها ورغباتها بما حرم الله تعالى عليها، أو تكبت مشاعرها فتشقى بها.

    5-لا تسلم المرأة العاملة في مجالات مختلطة من الخلوة بزميل أو مدير لأي ظرف كان؛ فتقع بذلك في مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ((لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا مع ذِي مَحْرَمٍ)).

    6- أن الاختلاط خطر على المرأة؛ إذ قد تتعرض للإغراء والإغواء والمراودة والابتزاز، وقد يصل ذلك إلى التحرش والاعتداء بالقول أو بالفعل من زملائها أو أساتذتها أو رؤسائها، ولا سِيَّما إذا كانت ذات جمال، وكانت درجاتها وترقياتها بأيديهم، ولا دين يردعهم، ولا خلق يمنعهم.

    وفي الدول التي تقدمت في الاختلاط، وزاحمت المرأة فيها الرجال تكثر الفضائح والمشكلات بين العاملين والعاملات، والطلاب والطالبات. حتى وصلت نسبة الاعتداءات والتحرشات إلى تسعين في المئة في بعض البلاد الغربية.

    وكم من فتاة عفيفة تركت دراستها، أو غيرت تخصصها، أو نقلت وظيفتها؛ لما تلقاه من ابتزاز في عرضها وعفافها؟!

    7- أن الاختلاط سبب للعزوف عن الزواج؛ لأن الرجل إذا قدر على إرواء غريزته بغير زواج ولا نفقة ولا بيت ولا مسئوليات فلماذا يتزوج؟! وعزوف الشباب عن الزواج في المجتمعات المختلطة من أَبْيَنِ الدلائل على ذلك، وفي البلاد الغربية أرقام مخيفة في ذلك.

    8- أن الاختلاط من أكبر أسباب الخيانات الزوجية، وهو يوقد نار الخصام والجدال بين الزوجين؛ فلا الرجل يقنع بزوجته وهو في كل صباح يجالس الجميلات ويمازحهن. ولا المرأة تقنع بزوجها وهي ترى من زملائها من هم أجمل خِلقة، وأرقى تعاملاً من زوجها، ولا بد أن تقع المقارنة من الزوجين، كل واحد منهما يقارن الآخر بما يراه في عمله.

    9- أن الاختلاط سبب لكساد المرأة، وعزوف الرجال عنها، وعدم رغبتهم فيها؛ لأن غيرتهم تمنعهم من قبول امرأة تعامل الرجال وتحادثهم وتجالسهم، فالرجل السَّوِي يريدها له وحده ولا يريد أن يشاركه فيها أحد.

    وعزوف الشباب عن الزواج بالعاملات في المجالات الطبية المختلطة دليل على ذلك.

    وكلما توسعت دائرة الاختلاط زادت الشكوك بين الزوجين، فهو يشك فيها مع زملائها، وهي تشك فيه مع زميلاته، فيكثر الخصام بين الزوجين، وفي كثير من الأحيان يؤدي هذا الخصام إلى الطلاق.

    10- أن الاختلاط سبب لانشغال كل جنس بالآخر عن العمل أو الدراسة؛ فهو أبدًا يفكر فيه، ويكرس عقله وجهده في كيفية الوصول إليه، وقد أثبتت كثير من الدراسات الحديثة أن من أهم أسباب ضعف التحصيل الدراسي في المدارس المختلطة انشغال كل جنس بالجنس الآخر.

    يقول أحد الأطباء الغربيين: "عندما تتحرك الغريزة الجنسية لدى الإنسان تُفرز بعض الغدد هرمونات تتسرب في الدم إلى أن تصل إلى الدماغ فتخدره فلا يصبح قادرًا على التفكير والتركيز الصافي".

    والغرائز الجنسية تتحرك بشكل أكبر حين يجتمع الرجال بالنساء في مكان واحد.

    فَعُلم بذلك أن الاختلاط داء وبيل، وشر مستطير، لا يفتح على أمة من الأمم إلا أصاب دينها وأخلاقها في مقتل، وكان سببًا لانتشار الرذائل والفواحش التي تنتج أولاد الحرام، وتسبب كثرة الإجهاض، وتنشر الطواعين والأمراض، وتفكك روابط الأسر، وتوجد الشكوك بين الزوجين.

    والمفسدون في الأرض من المنافقين والشهوانيين يسعون جهدهم في توسيع مجالات الاختلاط في البلاد؛ فبعد أن فرضوه واقعًا في كليات الطب والمستشفيات والمراكز الصحية، ثم في البنوك وكثير من الشركات والمؤسسات؛ يريدون توسيعه في مجالات أخرى، ويعقدون المؤتمرات والمنتديات المختلطة لا لشيء إلا لتكريس هذه الصورة المنحرفة في أذهان الناس، والتقرب إلى الدول المستكبرة بالجهر بمعصية الله تعالى، وتعدي حدوده، وانتهاك حرماته. وَوَدَّ المفسدون في الأرض لو اجتاحت حُمَّى الاختلاط كل المجالات حتى تصل إلى المدارس والجامعات!!

    وما يصيحون به في صحفهم وفضائياتهم يشي بما في نفوسهم نحو البلاد والعباد من محاولة الفساد والإفساد، وفرض المناهج الغربية المنحرفة على المجتمع، وقسر الناس عليها بالقوة والإرهاب، ولن يستكينوا أو يتوقفوا عن فسادهم وإفسادهم حتى يروا الحرائر العفيفات يبذلن أعراضهن بالمجان وبأبخس الأثمان.
    ومن حق الناس أن يغاروا على نسائهم وبناتهم، وأن يقفوا في وجوههم، وينكروا على المفسدين خطواتهم المستفزة التي هي من خطوات الشيطان، ولا سيما أنهم في كل يوم يأتون بقارعة جديدة، ويجسون نبض الناس بخطوة يقدمون عليها في باب الاختلاط.

    فإذا لم ينكر الناس عليهم كل منكر في حينه تقدموا خطوة أخرى، وهكذا.. حتى يصلوا إلى مرادهم من إفساد البلاد والعباد، وخلط النساء بالرجال.

    شبهة وردها:
    لقد افترى المنافقون والشهوانيون فرية صدقوها ثم نشروها فانطلت على بعض الناس، وهذه الفرية هي قولهم: إن عزل الرجال عن النساء سبَّبَ سُعارًا جنسيًا في المجتمعات المنغلقة فأصبح الرجل لا يرى في المرأة إلا المعاني الجنسية، بخلاف المجتمعات المنفتحة المتحررة التي يختلط فيها الرجال بالنساء، وتتعرى النساء كما يحلو لهن، وتصاحب المرأة فيها من تشاء لا يوجد فيها هذا السُعَارُ لأن الرجل قد تعود على المرأة وألفها. هكذا يقولون!!

    والسؤال هنا: إذا كان الأمر كما يقول المفترون فلماذا يكثر اغتصاب النساء بل الأطفال في المجتمعات المنحلة؟ أليس الوصول إلى المرأة سهلاً؟ فالبغايا يملأن الحانات والخمارات، وينتظرن زبائنهن على نواصي الطرقات؟!

    أليس الحصول على المتعة في بلادهم أسهل من شراء الخبز؟! فما على الرجل إلا أن يصادق من تعجبه فيأخذ منها ما يريد!! إذن فلماذا يكثر الاغتصاب في بلادهم؟! حتى إن الواحدة من نسائهم لا تخلو حقيبة يدها من سلاح تدافع به عن نفسها، وترد عدوان المعتدين عليها، ولماذا تظهر الفضائح تلو الفضائح للسياسيين وأصحاب النفوذ في بلادهم بتحرشاتهم بنساء يعملن عندهم، أو يتدربن في مكاتبهم؟!

    بل لماذا يكثر الشذوذ والزواج الِمْثِلي وأنواع التقليعات الجنسية التي تأباها الحيوانات ويرضاها بشرهم؟

    أليسوا غير معقدين ولا مكبوتين جنسيًا كما يقول بنو قومنا! ومن قرأ أرقام الاغتصاب والشذوذ علم أن مجتمعاتهم تسير إلى الهاوية، وسبب ذلك هو الاختلاط، ولو قال المنافقون والشهوانيون غير ذلك.

    وكل الدراسات الاجتماعية، والإحصاءات الجادة في كل البلاد التي ينتشر فيها الاختلاط سواء كانت بلادًا غربية أم شرقية، وسواء كانت بلادًا مسلمة أم غير مسلمة تجمع على حقيقة مفادها: أن خلط الرجال بالنساء شر على الرجال والنساء والمجتمع بأسره، ويخلف كثيرًا من المشكلات والأمراض الجنسية والاجتماعية التي تستعصي على العلاج.

    فمتى يترك الكذابون كذبهم، ويتوقفون عن افترائهم، ويقلعون عن إفسادهم، ويقفون موقف صدق مع أنفسهم، ونصح لمجتمعهم وأمتهم فيسألون أنفسهم: لماذا ينشرون الفساد والاختلاط في بلاد حُفظت منه طيلة العقود الماضية، وقد غرقت أكثر البلدان في مصيبته، وتجرعت مرارته، ورأى القريب والبعيد ما خلفه الاختلاط فيها من آثار سلبية، ومشكلات كثيرة مستعصية؟ ولم يعد ذلك خافيًا على أحد فهل هم ناصحون غافلون؟ أم فاسدون مفسدون؟ أم هم أُجَرَاء حاقدون على مجتمعاتهم، لهم مهمة محددة في إفساد البلاد والعباد بأجر يقبضونه من منظمات مشبوهة، ودول متنفذة طامعة في المنطقة، لها مشاريعها وخططها؟!

    فليردعهم دينهم عن إفساد نسائنا وبناتنا وأخواتنا المسلمات، فإن لم يكن لهم دين فلتردعهم الوطنية التي يزعمونها ويتغنون بها في كل وقت وحين؛ فإن الناصح لوطنه لا يورده المهالك، واختلاط النساء بالرجال هو أوسع باب يقود إلى فساد الناس وهلاكهم.

    وإلى متى يقف العقلاء والحكماء والصالحون، وأولو النصح لبلادهم وولاتهم، وأهل الغيرة على نسائهم وبناتهم مواقف المتفرجين السلبيين؟! الذين يتربصون وينتظرون حتى تنزل القوارع بمجتمعاتهم، ويتمكن أهل الفساد والإفساد من بيوتهم ونسائهم؟! فلا هم ينكرون عليهم، ولا يناصحونهم، ولا يحولون بينهم وبين إفسادهم، ولا يبينون للناس خطر الاختلاط وقد فتك بكثير من الدول التي انتشر فيها.

    أسال الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يستر على نسائهم وبناتهم، وأن يكبت الكافرين والمنافقين والمفسدين، إنه سميع قريب
    من دلائل صدق إيمان العبد، وسلامة قلبه لله تعالى: الاستسلام لأمره سبحانه في الأمور كلها، وتعظيم نصوص الشريعة، والوقوف عندها، وتقديمها على أقوال الرجال مهما كانوا؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ*وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} [النور:51 – 52].
    وإنما تقع الردة والضلال، ويتأصل الزيغ والنفاق في قلب العبد إذا عارض شرع الله تعالى؛ تقليدًا لغيره، أو لرأي أحدثه، متبعًا فيه هواه، معرضًا عن شرع الله سبحانه، كما في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
    ومع عظيم الأسى، وشديد الأسف فإن الإعلام المعاصر في أكثر فضائياته وإذاعاته، وصحفه ومجلاته، يُربِّي المتلقين عنه على التمرد على أوامر الله تعالى، وانتهاك حرماته، والاجتراء على شريعته، في كثير من القضايا التي يلقيها على الناس من سياسية واقتصادية، واجتماعية وثقافية، ولا سيما إذا كان الحديث عن المرأة وقضاياها.
    تكريس الاختلاط بالقول والصورة:
    لقد اعتاد المتلقّون عن الإعلام وبشكل يومي - بل وفي كل ساعة ولحظة - على مشاهدة سفور النساء، وظهورهن بأبهى حُلَّة، وأجمل زينة، متكشفات، مبتسمات، مختلطات بالرجال، تجلس المرأة بجوار الرجل، وتمازحه وتضاحكه، أمام ملايين المشاهدين والمشاهدات، لا هي قريبته، ولا هو محرم لها، وليس بينهما رباط إلا رباط الإعلام والشيطان، ولا يكاد يخلو برنامج أو فقرة من رجل وامرأة في الأخبار والرياضة، والحوار والسياسة، والأزياء والطبخ، بل حتى برامج الأطفال لا بد فيها من فتى وفتاة.
    وهذه الصورة المتكررة في كل لحظة تُهَوِّن هذا المنكر العظيم في نفوس المشاهدين، وتحوله من معصية وعيب إلى لا شيء، وتلك والله من الفتن التي يُرِّققَ بعضها بعضًا كما جاء في الحديث.
    واعتياد الناس على هذه المشاهد الآثمة يجعل إنكارهم لها، وانصرافهم عنها ضعيفًا جدًا، بل لربما أنكر أكثرهم على من ينكرها ويشاهدها، فانقلبت من كونها منكرًا وباطلاً إلى معروف وحق لا يجوز أن يجادل فيه أحد!!
    وهذا التهوين للمنكر بالفعل والصورة الذي يتكرر في كل ساعة ولحظة، يصاحبه تسويغ له بالكلمة والمقالة؛ فينبري أجهل الناس بالشريعة، وأضعف الخلق ديانة لمناقشة مسائل الحجاب والسفور والخلوة والاختلاط، وسفر المرأة بلا محرم، وليس نقاشهم علميًا موضوعيًا لإحقاق حق، وإبطال باطل، وإنما هو نسف للشريعة، وإبطال للقرآن والسنة، وإلغاء لما سارت عليه الأمة المسلمة في قرونها السالفة، وإحلال للقوانين والعادات الغربية محل شريعة الله تعالى في التعظيم والطاعة والامتثال باسم الانفتاح والرقي والتقدم.
    ومن آثار هذا التجييش الإعلامي للباطل، ونشر تلك الرذائل على أوسع نطاق نرى تغيرًا مستمرًا في كثير من بيوت المسلمين، يتجلى في مظاهر عدة، وأخلاق بديلة لم يكن المسلمون يعرفونها قبل هذا الغزو الإعلامي، من التساهل بالحجاب، وسفر الفتاة للدراسة بلا محرم، ومزاحمة المرأة للرجال في العمل، واختلاطها بهم في كثير من المجالات والأعمال، بلا خجل ولا حياء. وأهل الفسادُ يوسِّعُون دائرة الإفساد ليجتاح الأمة بأكملها، ويأتي على البيوت والأسر كلها، وإذا لم يَسْعَ المسلمون لإيقاف هذه الأمراض التي تفتك بالمجتمعات، ولم يأخذوا على أيدي دعاة الرذيلة وناشري الفساد؛ فإنه سيأتي اليوم الذي يفقد فيه الرجل سلطانه على نسائه وبناته، فيخرجن متى أردن، ويصاحبن من شئن، ويفعلن ما يحلو لهن، كما وقع في كثير من بلاد المسلمين التي غزاها شياطين الإنس بأفكارهم، ودمروها بمشاريعهم التغريبية التخريبية، وحينها لا ينفع ندم ولا بكاء على عفة فقدت، وقد كانت من قبل تستصرخ أهل الغيرة ولا مجيب لها، ونعيذ بالله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين أن يحل بها ذلك.

    إن الخطأ خطأ ولو كثر الواقعون فيه، وإن المنكر لا ينقلب إلى معروف بمجرد انتشاره، وهكذا الباطل يبقى باطلاً ولو زَيَّنه المزورون بزخرف القول، وروجوه بالدعاية، والواجب على أهل الإسلام إنكار المنكر ولو كان المتجافي عنه غريبًا في الناس، كما يجب عليهم إحقاق الحق ولو أعرض عنه أكثر الناس، فانتشار الباطل وانتشاء أهله، وغربة الحق وضعف حملته لا يسوغ السكوت والتخاذل.وإلا غرق المجتمع كله في حمأة الباطل، وطوفان الرذائل.
    لماذا يسعون في نشر ثقافة الاختلاط؟
    اختلاط المرأة بالرجال هي القضية الأساس التي يسعى المفسدون لنشرها في المجتمع، ويستميتون في إقناع الناس بها، ويُوجدون لها المسوغات، ويجعلونها من الضرورات، ويعزون كل بلاء في الأمة وتخلف وانحطاط إلى ما ساد من عزل المرأة عن الرجل في التعليم والعمل وغير ذلك.

    ويعلم المفسدون في الأرض أنهم إن نجحوا في نشر الاختلاط، وقهر الناس عليه بقوة القرارات الدولية، والتخويف بالدول المستكبرة، واستغلال نفوذهم في بلاد المسلمين، والتفافهم على أصحاب القرارات والتوصيات، مما يجعلهم قادرين على إلجاء الناس إليه عمليًا في العمل والدراسة، وفرضه بقوة النظام - وهو ما يسعون إليه بجد وقوة - فإن ما بعد الاختلاط من الإفساد يكون أهون، والنساء إليه أسرع كالخلوة المحرمة، وسفر المرأة بلا محرم، وسفورها وتبرجها، وعرض زينتها، وغير ذلك من الإثم والضلال، وانتهاك حرمات الكبير المتعال.

    ولن يوقف ذلك إلا إنكار الناس عليهم، ورفضهم لمشاريعهم التغريبية، وكشف خططهم ومآربهم لعامة الناس، والأمر يعني الجميع، ولا يختص بأحد دون أحد، ومن حق الناس أن يسعوا إلى ما فيه حفظ بيوتهم وأسرهم، وبناتهم ونسائهم من أسباب الفساد والانحراف، وأن يأخذوا على أيدي المفسدين والمفسدات، من أتباع الغرب وعباد الشهوات.
    من أدلة تحريم الاختلاط:
    من نظر في شريعة الله تعالى يجد أنها أوصدت كل الأبواب المؤدية إلى الاختلاط، وسدت الذرائع لذلك، وحمت المجتمع من الفاحشة والرذيلة بتشريعات ربانية تبقي على المجتمع عفته وطهارته ونقاءه، واستقامة أسره، وصلاح بيوته ما دام أفراده قائمين بأمر الله تعالى، ممتثلين لشرعه، مستسلمين لنصوص الكتاب والسنة، ولم يسمحوا للمفسدين أن ينخروا ذلك السياج الربَّاني بين الرجال والنساء، ومن الأدلة على منع الاختلاط ما يلي:
    1- قول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
    وهذا الخطاب الرباني هو لأطهر هذه الأمة قلوبًا وهم الصحابة رضي الله عنهم، وفي أعف النساء وهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فما بالك -أخي المسلم- بمن هم دونهم من الرجال، وبمن هُنَّ دونهن من النساء؟!
    {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}؛ فالخالق الرازق المدبر سبحانه يأمر في كتابه بالحجاب بين الرجال والنساء، والمفسدون يريدون تحطيمه وإزالته، وينهون الناس عنه!!
    2- قول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، ثم قال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31].
    فلو كان الاختلاط سائغًا في الشرع لكان في هذه الأوامر الربانية تكليف بما لا يطاق؛ إذ كيف تختلط المرأة بالرجل، وتجلس بجواره في العمل أو الدراسة، ولا ينظر كل واحد منهما للآخر وهما يتبادلان الأعمال والأوراق والدروس؟!
    3- حديث أبي سعيد رضي الله عنه وفيه ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن من حق الطريق: ((غضُّ البصر)).
    فإذا كان غض البصر واجبًا على الرجال إذا مرت بمجلسهم في الطريق امرأة، فكيف يسوغ لبعض الناس أن يزعموا أن شريعة الله تعالى لا تُمانع من اختلاط الرجال بالنساء؟!
    4- حديث جَرِيرِ بن عبدالله قال: "سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن نَظَرِ الْفُجَاءَةِ؛ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي".
    وإذا كانت المرأة بجوار الرجل في الدراسة أو العمل أو غير ذلك فكيف يصرف بصره عنها وهو يتعامل معها طيلة وقت الدراسة والعمل؟!
    5- حديث بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: ((يا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فإن لك الْأُولَى وَلَيْسَتْ لك الآخِرَةُ)).

    وفي هذا الحديث نهي صريح عن اتباع النظرة النظرة، والنهي يقتضي التحريم، فلو قيل بجواز الاختلاط لكان في الشريعة تناقضًا - تعالى الله عن ذلك- إذ كيف تنهى الشريعة عن اتباع النظرة النظرة، ثم تجيز اجتماع الجنسين في مكان واحد بلا حجاب بينهما ساعات عدة، وكل يوم، ولا ينظر بعضهم إلى بعض.
    6- حديث عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ على النِّسَاءِ)).
    فإذا كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يحذر الرجال من الدخول على النساء فكيف إذًا بالمكث عندهن وأمامهن وبجوارهن في ساعات العمل والدراسة وغيرها كل يوم؟!
    7- أن النبي – صلى الله عليه وسلم - عمل على منع الاختلاط في الطريق أثناء الخروج من المسجد، وما هو إلا لحظات، وعقب عبادة عظيمة، والرجال فيه والنساء من المصلين والمصليات، وهم وهن أقرب للتقوى، وأبعد عن الريبة، فكيف بغير تلك الحال؟!
    روت أم سلمة - رضي الله عنها -: "أَنَّ النِّسَاءَ في عَهْدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ إذا سَلَّمْنَ من الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ صلى من الرِّجَالِ ما شَاءَ الله فإذا قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام الرِّجَالُ".

    8- أنه ذات مرة وقع في الخروج من المسجد اختلاط غير مقصود فبادر النبي عليه الصلاة والسلام إلى إنكاره، وأوصى بما يزيله؛ كما روى أبو أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سمع رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خَارِجٌ من الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مع النِّسَاءِ في الطَّرِيقِ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِلنِّسَاءِ: ((اسْتَأْخِرْنَ؛ فأنه ليس لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ))؛ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حتى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ من لُصُوقِهَا بِهِ.
    فالنبي - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث ينهى النساء وهن خارجات من المسجد إلى بيوتهن عن سلوك وسط الطريق، ويأمرهن بحافتيه لئلا يختلطن بالرجال، مع أن المسافة قصيرة، والوقت قليل؛ لقرب بيوتهن من المسجد، فكيف بالدعوة إلى اختلاط في العمل والدراسة طيلة وقت الدوام؟!
    9- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع الاختلاط في المسجد، وهو أجلُّ مكان وأشرفه، وهو محل العبادة، وفيه يُطهر القلب من الرجس والشهوة، والقلوب فيه متعلقة بالله تعالى، بعيدة عن الفساد والشر، ومع ذلك حسمت فيه مادة الشر، وسدت فيه ذرائع الفساد، فكيف إذن بسواه؟!
    عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا)).
    10- في الطواف بالبيت، وهو من أجل العبادات وأشرفها - مُنع الاختلاط؛ كما أخبر التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح - رحمه الله تعالى - أن النساء فيه لم يكن يخالطن الرجال وقال: "كانت عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَطُوفُ حَجْرَةً من الرِّجَالِ، لَا تُخَالِطُهُمْ".
    وقال - عليه الصلاة والسلام - لزوجه أم سلمة - رضي الله عنها -: ((طُوفِي من وَرَاءِ الناس وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ)).
    ولما وقع في عهد عمر - رضي الله عنه - شيءٌ من اختلاط الرجال بالنساء في الطواف؛ نهى أن يطوف الرجال مع النساء، فرأى رجلاً معهن فضربه بالدِّرْة .
    فهذه عشرة أدلة واضحة في منع الاختلاط، والمؤمن المستسلِم لأمر الله تعالى يكفيه منها دليل واحد؛ ليمتثل أمر الله تعالى وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام ليفوز بالرضوان والجنان، وليسلم من العقوبة والنيران.
    وهذا هو حكم شريعة الله تعالى في قضية الاختلاط، التي يَسْعَى المنافقون والشهوانيون لإقناع الناس أن الاختلاط لا يُعارض الدين، وأنه من أسباب الرقي والتقدم.
    أَبَعْدَ هذهِ النصوص المحكمة الواضحة يليق بالمؤمنين والمؤمنات أن يصدقوا أكاذيبهم، ويرضوا بمشاريعهم، ويستسلموا لإفسادهم، وإخراجهم لنساء المسلمين وبناتهم، وقتلهم لحيائهن وإحصانهن وعفافهن، ويتركوهم ينخروا في المجتمع، ولا ينكرون ذلك عليهم؟! وقد استبان لهم الحق بأدلته، وبان لهم الباطل بدجله وعورته، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
    الشيخ / إبراهيم الحقيل-بتصرف
                  

09-10-2015, 00:54 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    اختيار البطانة الصالحة
    سواء أكنت رئيساً أم مرؤوسا، مأموراً أم آمراً، فلا بد أن يكون لك أصحاب تقربهم إليك، وتستأنس بهم، وتشاورهم في كثير من أمورك، وهؤلاء هم بطانتك، وقد غلب استعمال لفظ ( البطانة ) مع الأمراء، وقد فسّر ابن حجر البطانة: بالدخلاء، جمع دخيل: ( وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته، يفضي إليه بسره، ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته، ويعمل بمقتضاه).

    كثيراً ما نرى من أهل الصلاح من يزلّ زلات، إنما استدرجته إليها بطانة فاسدة، زينت له الباطل، وحجبت الحق عن عينيه، ومسؤولية أحدنا تبدأ من حسن الاختيار للأصحاب، فالصاحب دليل على صاحبه، إذ أن النفوس المتماثلة تتجاذب فيما بينها، كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" لأن أية صحبة لا تخلو من تأثير وتأثّر، وقد كان سلف الأمة يحرصون على الأنس بالجليس الصالح، والصاحب التقي، الذي يعين على الخير، ويزيل وحشة الغربة، وقد ورد عن علقمة أنه حين قدم الشام غريبا دعا: ( اللهم يسرّ لي جليسا صالحا) لأن الجليس الصالح يذكّرك إذا غفلت، ويعينك إذا تذكرت.

    والرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه ما من نبي، ولا خليفة، إلا ويقع بين دواعي بطانتين: " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه". وفي رواية: " وبطانة لا تألوه خبالا"، وإذا أردت أن تحتاط لأمر دينك، فمن البداية خذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار صالحي المؤمنين لبطانتك: " لا تصاحب إلا مؤمنا " ثم لاحظ ما تراه من حرص أخيك على جلب الخير إليك، وعلى اتّقاء مساءتك، فإن أفضلهم صحبة _ كما في الحديث ـ أكثرهم حرصا على جلب الخير إليك: " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه".

    وأولى الناس بالتقريب، هم أهل العلم والصلاح، ولذلك فقد كانت بطانة عمر رضي الله عنه من القراء، ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( كان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته ـ كهولاً كانوا أو شبابا ـ )

    وكلما كانوا من أهل العلم والتقوى كنت أبعد عن الزلل ـ بإذن الله ـ وقد توج البخاري أحد أبواب صحيحه بقوله: ( وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم..) وفي فاتحة باب آخر ينقل عن علي وشريح قولهما في المرأة التي تدعي أنها حاضت في شهر ثلاثا: ( إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ـ ممن يُرضى دينه ـ .. صُدّقت.)

    فالمقياس صلاح دين الرجل، وليست معايير الطين والمادة، والذوبان في شخصية الصاحب.

    وإن كتمان العيوب عن الصاحب خيانة، والكيد لوقيعة من اصطفاك لبطانته جريمة، ورسولنا صلى الله عليه وسلم استعاذ من ذلك: ".. وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة"، وحين سأل ابن مسعود عن أيام الهرج متى تكون؟ أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبرز فتن هذه الأيام، فقال: " حين لا يأمن الرجل جليسه " فهذا أمر يحتاج إلى التحري والاصطفاء البعيد عن الهوى؛ حتى يجد المرء من يأمنه، ومن يطمئن لصحبته.

    ومن مزايا البطانة ـ إذا صلحت ـ أنها تحول دون شر كبير، وتحض على خير كثير، ومن خطورة البطانة ـ إذا فسدت ـ أنها قد تحسّن القبيح، أو تقبّح الحسن؛ بالوسوسة والتظاهر بالإخلاص، وقد وصف أشهب بطانة الحاكم بقوله: ( وليكن ثقة مأموناً فطناً عاقلاً، لأن المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به, إذا كان هو حسن الظن به، فيجب عليه أن يتثبت في مثل ذلك).

    وقد رأينا في واقعنا أناساً خاصموا وفجروا وقاطعوا وهجروا .. بتحريض بطانة حرَّكت الغضب للذات، وأبدت الحرص على صاحبها، والهيام فيه، أكثر من عصبيته لنفسه، فاستعظم الرجل نفسه، وهوى في شباك وساوس شياطين الإنس، فعادى الناس وشاتمهم مع ما يُعرف من صلاحه الشخصي.

    فالجليس الصالح كحامل المسك، وقد تكون الريح الطيبة التي تجدها منه كلمة حق صريحة, فيجب أن تلقى منك تجاوباً وتقديراً، لأن مبعثها الإخلاص للحق، ومن شواهد ذلك أن عبادة بن الصامت حدّث بحديث استنكره معاوية؛ لأنه لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبادة: ( لنحدِّثنّ بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية).

    ومن ثمرات البطانة الصالحة: المشورة بالرشد والسداد للرأي، لأن الأصل في المستشار الأمانة، والإشارة بالأصلح، لقوله صلى الله عليه وسلمن: " المستشار مؤتمن"، وفي الحديث: " من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه"، فانظر فيمن وثقت، وبمن استرشدت، فكل امرئ يحشر مع بطانته المختارة، لأن " المرء مع من أحب " ـ كما أخبر صلى الله عليه وسلم ـ ومن بركة البطانة الصالحة أنها سبب لأن تعمك الرحمة بينهم، وإن لم تكن بمنزلتهم، فقد جاء في الحديث أن الله يشهد ملائكته بأنه يغفر لقوم جلسوا يذكرون الله، فيقول ملك: فيهم فلان ليس منهم، وإنما جاء لحاجة، فيقول الله عز وجل: ( هم الجلساء؛ لا يشقى بهم جليسهم )، وتلك من بركات صحبة أهل الخير.

    فإن كانت لك بطانة فأحسن اختيارها، واعمل بما يشيرون عليك من الخير، وإن كنت بطانة لغيرك فكن صريحاً صادقاً أميناً، وأشر بكل خير.

    وبالتزام خلق ( اصطفاء البطانة ) تسقط الأقنعة الكاذبة، وتتكشف الحقائق، ويتميز كل فريق بأهل وده وأصحاب خلته، فانظر من تخالل.

    ــــــــــــــــ
    هذه أخلاقنا
                  

09-10-2015, 00:56 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    كيف نحيا بالقرآن؟
    كيف كان حال السلف مع القرآن؟ وكيف أصبحت حالنا معه؟ ولماذا ضعفت منزلة القرآن في نفوسنا وصارت صلتنا به أقل من صلتنا بالجرائد ووسائل الإعلام؟
    ما الذي تغيَّر حتى صرنا إلى هذه الحال؟ هل تغيَّر القرآن؟ أم تغيرنا نحن في عيشنا وحياتنا مع القرآن؟ وما مقياس الأمم في رِفعَتِها وضَعَتِها وفي عزَّتها وذُلِّها؟
    روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله - تعالى - يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين».
    وهذا يشمل الفرد، والقوم، ويشمل أيضاً الأمة، فمن أقبل على القرآن من هؤلاء نال الرفعة والمكانة، ومن أعرض عنه عوقب بالذلة والمهانة.
    وبهـذا الميـزان النبـوي للقـرآن عـرف سـلفنا الصـالح - رحمهم الله تعالى - مكانة القرآن ومنزلته وأثره، فجعلوا القرآن عماد حياتهم، تلاوةً وتعلُّماً وتعليماً وعملاً؛ فالصغير ينشأ بتعلُّم القرآن، والأسرة تُربَّى بالقرآن، والعلم يُفتَتَح بتعلُّم القرآن وحِفْظِه، ومدارس العلم كلها أساسها وعمادها القرآن، ومساجدهم معمورة بالقرآن، وعباداتهم وصلواتهم، ومجالسهم وسَمَرهم، وأسفارهم وتنقلاتهم، وجهادهم وفتوحاتهم... كل ذلك إنما عماده القرآن، أما أحكامهم وقضاياهم وعلاقاتهم، فلا تخرج عنه أبداً.
    لقد كانت - حقاً - أمة تعيش وتحيا بالقرآن؛ فكان من أمرها ما كان، وهذه بعض صور تعامل سلفنا الكرام مع هذا الكتاب العزيز:
    1 - عــن أبي موسى - رضي الله عنه - قــال: قــال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل؛ وإن كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار»(البخاري ومسلم).

    2 - وعن أبي الأحوص الجشمي قال: إن كان الرجل ليطرق الفسطاط طروقاً - أي يأتيه ليلاً - فيسمع لأهله دوياً كدوي النحل (أي بالقرآن). قال: «فما بال هؤلاء يأمنون، ما كان أولئك يخافون؟»( رواه ابن المبارك في الزهد بإسناد صحيح).

    فهذه حالهم وصفتهم مع القرآن، وهي صفة عامة لأمصار المسلمين؛ ولذا كانوا يأمنون ولا يخافون. قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «إن هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن».

    3 - وعن الحسن البصري - رحمه الله - أنه قال: «إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفِّذونها بالنهار».

    وهكذا القرآن: عبادة وذكر لله - تعالى - مع تدبر وتفهُّم يعقبه تطبيق وعمل.

    4 - وحامل القرآن هو حامل لراية الإسلام في كل ما تحتاجه هذه الراية من عزم وقوة، وجِدٍّ وفتوة. قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: «حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيماً للقرآن».

    5 - أما أحوال السلف مع القرآن تدبراً وخشوعاً فأمر معروف؛ حتى إن الإمام التابعي الثقة قاضي البصرة زرارة بن أوفى العامري الحرشي (أبو حاجب البصري) الذي روى له الجماعة وكان من العباد، روى بَهز بن حكيم قصة وفاته فذكر أنه أمَّهم في الفجر في مسجد بني قشير فقرأ حتى بلغ قوله - تعالى -: {فَإذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ . فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: ٨ - ٩] فخرَّ ميتاً. قال بهز: فكنت فيمن حمله.

    لقد كان القرآن عند سلفنا أساسَ الحياة، وأساس المناهج لا يزاحمه أي علم أو أي منهج آخر، وكانت العلوم الأخرى كلها تأتي بعده تبعاً.

    فالذي يدخل في الإسلام كان أوَّل ما يتعلمه القرآن.

    والوفود التي كانت تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تتعلم القرآن وتأخذ معها ما تستطيعه منه.

    وكان مقياس الرجال ومعرفة أقدارهم تبدأ بمدى معرفتهم وحفظهم للقرآن.

    فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدِّم الشاب الصغير عمرو بن سلمة على مشيخة قومه وكبارهم ؛ حيث أمرهم أن يؤمهم أقرؤهم، فنظروا، فلم يكن أحد أكثر منه قرآناً من الركبان فقدموه بين أيديهم وهو ابن ست أو سبع سنين... الحديث.

    وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو خليفة جعل شُوَّاره من القراء، وأدخل معهم عبد الله بن عباس - على صغره - لتميُّزه بحفظ القرآن والعلم به؛ فعن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: «كان القراء أصحابَ مجلس عمر - رضي الله عنه - ومشاورته كهولاً كانوا أو شباباً»(البخاري).

    وحِفْظُ القرآن كان أول ما يُبدَأ به في تعليم الصغار. وحِلَق الشيوخ كانت تبدأ بالقرآن بالنسبة لطلاب العلم. وعيب كبير أن يبدأ طالب علم بفن من الفنون الشرعية قبل تعلُّم القرآن وحفظه. ومحفوظات الطلاب كانت تتركز في البداية على القرآن.

    والخلاصة: أن التعليم في الأمة الإسلامية كلها كان أساسه وعماده القرآن وعلومه وتفسيره.

    هذا حال سلفنا مع القرآن؛ فقارِنوه بأحوال أمة الإسلام في عصرها الحاضر، فستجدون سؤالاً يثور في نفوسكم: ولكن كيف ضعفت هيبة القرآن في نفوسنا وحياتنا ومعاملاتنا؟ وهل هناك وسيلة أو وسائل يمكن أن تعود بها تلك المنزلة لهذا القرآن العظيم؟

    والجواب: نعم! هناك وسائل كثيرة؛ لأنَّ القرآن باقٍ ومحفوظٌ لم يتغير ولن يتغير مهما تغيرنا نحن أو حاول أعداؤنا أن يغيرونا أو يصرفونا عنه.

    وإنِّي ذاكرٌ عدداً من المسائل والقضايا حول هذا الموضوع الكبير: كيف نحيا وأمةَ الإسلامِ بالقرآنِ؟

    أولاً: المعرفةُ والإدراكُ الحقيقي لمنزلةِ هذا القرآنِ، وأنه كلامُ الله - تعالى - لا يُقاسُ بكلام البشرِ مهما كانوا، وينبني على هذا أمرٌ مهمٌّ، ألا وهو الثقةُ بنصوصِهِ ثقةً مطلقةً، والتصديقُ الجازمُ بكلِّ ما جاء به من حقائقَ وأحكام، تتعلق بالفرد وبالأمة في جميع شؤونها العبادية والأخلاقية والاجتماعية والنفسية والتشريعية...

    فلا مجال لصوت أنْ يعلو فوق القرآن، ولا لمتعالمٍ أنْ يتعالمَ على القرآنِ، فيعمـلَ في نصـوصِه تحـريفاً وتعطيلاً، أو أن يُشكِّكَ في شيءٍ منْ حقائقِ القرآن ومعانيه، أو أن يأخذَ منه ما يَشتهي ويتركَ ما خالفَ من هواه، أو أن يجعلَه عِضِين مفرَّقاً يؤمنُ ببعضِه ويكفرُ ببعضِه الآخرِ؛ وإنما هو التسليم الكامل لله - تعالى -: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء: ٢٢١] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء: ٧٨].

    وهذا التسليم لا يخـاطبُ به فئـة معينة كالحكـام - مثلاً وهم مخاطبون - وإنَّما يخاطب به كل فرد في خاصة نفسه وحياته وعباداته ومعاملاته. وينبغي لكل مسلم أن يعلمَ أنَّ هذا القرآن كما وصفه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (فيه نبأ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدكم، وحُكْمُ ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلَق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنتهِ الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً . يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} [الجن: ١ - ٢].

    من قال به صدق، ومن عمل به أُجِر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم).

    إنَّ من المؤسف أننا قد نصدِّق بهذا نظرياً، لكننا في الحقيقة نكاد نشكك فيه عملياً. وهذا من أخطر أمراضنا، وهذا يمثل التباين بين النظرية والتطبيق، والقول والعمل، والدعاوى والحقائق في الواقع.

    وهناك أمر آخر، وهو أنه قد يظن ظانٌّ أنَّ بعض الحقائق التي جاءت في القرآن، مثل وعد الله بنصرِ المؤمنين، أو كتابة الذلة على اليهود، ونحو ذلك قد تخلفت، فتضعف ثقته بالقرآن، ويظن أنه محتاج إلى أن يتأوَّل أو يحرف النصوص القرآنية لتتوافق مع الواقع.

    وهذا خطأ كبيرٌ يؤدي إلى أن يقلب المسألة؛ بحيث يجعل ما يراه في الواقع هو الأصلَ وما جاء في القرآن تابعاً له.

    إنَّ الواجب أن نوقن يقيناً تاماً أن ما جاء في القرآن حق وصدق لا شك فيه أبداً، وأنَّ تخلُّف وعد الله أو ما يقرره من حقائق تتعلق بالأمم أو بمخالفي شرع الله وأحكامه من هذه الأمة أو من غيرها من الأمم، إنما هو لتخلف الأسباب التي ذكرها الله - تعالى - مثل تخلِّي المسلمين عن دينهم، أو عدم قيامهم به على الوجه الأكمل، أو وقوعهم في الذنوب والمعاصي التي تجعلهم يستحقون العقوبات... وهكذا.

    إنَّ خلاصة هذا الأصل - الذي بدأنا به - أنه يقومُ على أنَّ جميع ما جاء به القرآن حق وصدق لا شك فيه، وأنَّ المسلم - وهو يقرأ القرآن ويتدبر معانيه - عليه أن يستحضرَ ذلك في كل آية، وفي كل قصة، وفي كل حكم، وفي كل أمر وفي كل نهي، وفي كل توجيه جاء به هذا الكتاب الكريم.

    إن حقائق القرآن كثيرة، وهي ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال.

    وإليكم نماذج فقط من هذه الحقائق:

    - قال - تعالى -: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه: ٤٢١].

    - وقال - تعالى -: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: ١٤١].

    - وقال - تعالى - عن اليهود: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} [آل عمران: ٢١١].

    - وقال - تعالى -: {إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. [محمد: ٧]

    - وقال - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: ١١].

    - وقال - تعالى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٥٦].

    - وقال - تعالى - عن الربا: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: ٦٧٢].

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

    البيان-279
                  

09-10-2015, 00:59 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الاعتراف بالفضل
    الحمد لله ذي الجود والكرم والمن، وأشهد ألا إله إلا الله عم جوده البرايا، وكثرت منه النعم والعطايا (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)(ابراهيم: من الآية34)، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله، سيد الشاكرين وخير البرايا.

    أما بعد:

    فإن الناس في هذه الحياة الدنيا لا غنى لهم عن بعضهم البعض، والعبد الذي يسعى في قضاء حوائج إخوانه ودفع الأذى عنهم هو من خير الناس وأحبهم إلى الله تعالى.

    وإذا كان الشرع المطهر قد حث الناس على خدمة بعضهم البعض ورتب على ذلك مزيد الأجر، فإنه أيضا قد حث المسلم ان يشكر لمن أدى إليه معروفا وأن يكافئه إن استطاع وإلا فليدع له كما سيأتي معنا.

    قال أبو حاتم بن حِبَّانَ رحمه الله تعالى: الواجب على المرء أن يشكر النعمة، ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته، إن قدر فبالضعف وإلا فبالمثل، وإلا فبالمعرفة بوقوع النعمة عنده، مع بذل الجزاء له بالشكر وقوله: جزاك الله خيرا.

    وقال: أنشدني علي بن محمد:

    علامة شكر المرء إعلان حمده فمن كتم المعروف منهم فما شكر

    إذا ما صديقي نال خيرا فخانني فما الذنبُ عندي للذي خان أو فجر

    والله عز وجل يقول:

    ( ولا تنسوا الفضل بينكم ).

    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ... ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه". (النسائي، وصححه الألباني).

    إن الناس قد فُطروا على حبِّ الشكر والثناء عليهم، وهذا مما يؤثر فيهم و يبقي على قابليتهم لبذل المعروف والإحسان غضةً قوية، مع أن الأصل ألا يرجو المرء بفعله من الناس جزاءً ولا شكوراً، لكن شكر الناس لمن أدى إليهم معروفا، واعترافهم بالفضل يشيع في المجتمع روح المروءة والنجدة والنخوة والبذل والإحسان، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث الناس على شكر بعضهم عند الإحسان: " لا يشكر الله مَنْ لا يشكر الناس".
    ويفهم من هذا أن من يشكر الناس على صنائع المعروف ويعترف لهم بالفضل إنما هو في الحقيقة يشكر الله عز وجل، كما قيل:

    ومن يشكر المخلوق يشكر لربه ومن يكفر المخلوق فهو كفور

    وانظر إلى الرجل الصالح صاحب مدين حين سقى موسى عليه السلام لابنته أرسل إحداهما إليه تقول: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنا).

    وقد كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقبل الهدية ويثيب عليها، وحين اقترض من عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قرضا قبل غزوة حنين ردَّه إليه بعد الغزوة وقال له: " بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء و الحمد". (رواه أحمد وغيره بإسناد جيد).

    وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مرّ أبو بكر والعباس – رضي الله عنهما – بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فخرج النبي وقد عصب على رأسه حاشية بُرْدٍ، فصعد المنبر- ولم يصعده بعد ذلك اليوم – فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي ( أي موضع سري وأمانتي ) وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم".

    بل كان الصالحون والعلماء يرون أنه ينبغي على العبد أن يشكر ويعترف بالفضل لمن سعى في قضاء حاجة أخيه و إن لم يتيسر له إنجازها، يكفيه أنه سعى واهتم، قال ابن حبّان رحمه الله:

    إني لأستحب للمرء أن يلزم الشكر للصنائع، والسعي فيها من غير قضائها، والاهتمام بالصنائع، لأن الاهتمام بها ربما فاق المعروف، وزاد على فعل الإحسان، إذ المعروف يعمله المرء لنفسه، والإحسان يصطنعه إلى الناس، وهو غير مهتم به ولا مشفق عليه وربما فعله الإنسان وهو كاره، والاهتمام لا يكون إلا من فرط عناية، وفضل ود.

    فالعاقل يشكر الاهتمام أكثر من شكره المعروف، أنشدني عبد العزيز بن سليمان:

    لأشكرنك معروفا هممتَ به إن اهتمامك بالمعروف معروف

    ولا ألومك إن لم يُمضه قدرٌ فالشيء بالقدر المجلوب مصروف

    وقال رحمه الله:

    الحر لا يكفر النعمة، ولا يتسخط المصيبة، بل عند النعم يشكر، وعند المصائب يصبر، ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقعٌ أوشك أن لا يشكر الكثير منه، والنعم لا تُستجلب زيادتها ولا تُدفع الآفات عنها إلا بالشكر.

    وقال بعضهم:

    فكن شـاكـرا للمنعمـين لفضلهــم وأفْضِلْ عليهم إن قدرتَ وأنْعِم

    ومن كان ذاك شكر فأهلُ زيادةٍ وأهلٌ لبذل العُرْف من كان يُنْعِم

    وهكذا – أحبتي – يكون أصحاب النفوس السامية، والهمم العالية، يُحيون المعروف بين الناس، فلا يدعون محسناً إلا ويكافئونه ويعترفون بفضله، فلا يمكن أن يكون المؤمن جحودا ولا كفورا.
    اسلام ويب
                  

09-10-2015, 01:01 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الحج ووحدة الأمة
    يعيش المسلمون هذه الأيام موسما من أعظم مواسم الخير، إنه موسم الحج إلى بيت الله الحرام الذي جعله الله تعالى مثابة للناس وأمنا.

    وإن في الحج الكثير من المنافع الدنيوية والأخروية؛ فمن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وصاحب الحج المبرور جزاؤه الجنة، والحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم...إلى غير ذلك من الخير العميم الذي يمنحه الله تعالى لحجاج بيته.

    لكن من أعظم منافع الحج وآثاره المباركة انه يشعر أبناء هذه الأمة بوحدتهم، وهذا هو الحال في جميع شعائر الإسلام، لكن الصورة في الحج أوضح؛ إذ يؤدي الحجيج مناسكهم في مكان واحد،يطوفون ببيت واحد، بلباس واحد، يناجون ربا واحدا، حداؤهم واحد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

    حين يطوف المؤمن بالكعبة ـ شرفها الله ـ ، أويسعى بين الصفا والمروة، أو يقف بعرفات، أو يبت بمزدلفة، أو يرمي الجمار فإنه يستحضر في ذهنه قائمة شريفة عريقة من خلق الله الذين طافوا بهذا البيت ،وأدوا هذه المناسك، على رأسهم الأنبياء والمرسلون، فقد حجَّه الخليل إبراهيم، وإسماعيل, ويونس وهود وصالح...لقد طاف به خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وها نحن نسير على خطاه، بل لقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أن عيسى سيطوف بهذا البيت: " والذي نفسي بيده، ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا، أو ليثنينهما"(رواه مسلم).

    فحين يستحضر المسلم هذا المعنى يشعر أن له جذورا راسخة ضاربة في أعماق التاريخ، فيحمد الله أنه من خير أمة أخرجت للناس؛ فهي تتصل في نسبها بالثلة المباركة من الأنبياء والمرسلين الذين قال الله بعد أن قص شيئا من قصصهم: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92).

    إن الحج يشعرنا أمة الإسلام بوحدتنا التي من الله تعالى بها علينا حين أكرمن بهذا الدين وهذا النبي الذي دعا إلى الله تعالى فأجابه أبو بكر العربي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فصهرهم الإسلام في بوتقة واحدة حتى إن شعار الواحد منهم :

    أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

    إنه الشعور بالانتماء لهذه الأمة الذي جعل سلمان الفارسي حين سئل : ابن من أنت؟يقول: أنا ابن الإسلام.

    إنه الشعور بهذا الرباط الإيماني العجيب الذي ربط الله تعالى به بين قلوب المؤمنين وامتن عليهم بذلك: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:103).

    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنها في موسم الحج صريحة مدوية: "يا أيها الناس ! إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر ، إلا بالتقوى ، ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : فليبلغ الشاهد الغائب ".

    وفي هذا اليوم عظم حرمة الدماء والأموال والأعراض، قال: " أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام. ثم قال: أي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام. قال: أي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام. قال: فإن الله عز وجل قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم..."الحديث.

    ولعلك تلمس هذا المعنى بوضوح في قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم".

    إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدَّر من غمام واحد

    أو يفترق نـسـب يـؤلـف بـيـننا ديـن أقـمـنـاه مــقـام الـوالد

    إنها الوحدة التي نَحِنُّ إليها ونشتاق لأننا حين نكون متحدين لا يكون لأعدائنا مطمع فينا، أما حين نفترق فإنهم يستأسدون علينا ويطمعون فينا

    تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا

    والتاريخ شاهد، فما ضاعت الأندلس إلا حين تفرق أمراؤها، وما ضاعت فلسطين ولا أفغانستان ولا العراق إلا في ظل فرقتنا، وها هو السودان مقبل على المجهول، فبعد قليل شمال وجنوب، ثم ماذا؟

    ولا ندري على من سيأتي الدور.فهل نستلهم من الحج هذا الدرس العظيم، فنراجع أنفسنا وديننا لنفوز بخير الدنيا والآخرة؟!!.
    إسلام ويب
                  

09-10-2015, 01:04 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    بمن تقتدي
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
    فإن الله تعالى لما خلق الناس ركز في فطرهم حُبَّ التأسي والاقتداء والتقليد، ومن رحمة الله تعالى بعبده أن يوفقه للتأسي بالأخيار الصالحين الذين يأخذون بيده إلى الله تعالى والجنة، وأن يجنبه التأسي بالفجار المارقين الذين في اتباعهم سلوك سبيل أصحاب الجحيم.
    وقد اتفق أهل الرأي والنظر على أن فعل الرجل أكثر تأثيرا فيمن حوله من الأقوال، وقد وجدنا ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما أمر الناس في الحديبية بالتحلل من عمرتهم وحلق شعورهم لم يستجب له أكثر الناس، حتى إنه خاف عليهم أن يهلكوا ، فلما أشارت عليه أم سلمة رضي الله عنها أن يقوم بحلق رأسه دون أن يكلم أحدا، خرج إليهم فدعا الحلاق وأمره أن يحلق له ، فلما رآه الناس حلق قاموا جميعا فحلقوا رؤوسهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم.

    ولما صلى النبي في خُفَّيه ـ وكان الصحابة خلفه على هذا الحال ـ وجاءه جبريل عليه السلام يخبره أن بهما قذرا؛ فخلعهما الرسول صلى الله عليه وسلم، فخلع الصحابة خلفه خفافهم وقالوا: رأيناك خلعت فخلعنا...الحديث

    الخلاصة أن الناس مجبولون على حب التقليد والتأسي؛ ولهذا وجهنا الشرع الحنيف إلى التأسي بالصالحين، وعلى رأسهم أنبياء الله ورسله، فلما قص الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قصص بعض أنبيائه ورسله عقب بقوله: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ ).

    وقال الله تعالى لعباده المؤمنين مبينا لهم من يصلح للاقتداء به والتأسي:(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).

    ثم بين الله لعباده المؤمنين قدوتهم العظمى ومثلهم الأعلى فقال : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ).

    وانتبه أيها الحبيب فلا ينتفع بهذا ولا يجعل رسولَ الله قدوته وأسوته إلا من آمن بالله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا.

    ولقد علم الصحابة رضي الله عنهم هذه الحقيقة فحوّلوها واقعا ملموسا.

    كان الواحد منهم يخرج من بيته فيقول: لأرمقن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم سائر اليوم فينظر إلى صلاته طول اليوم ثم ينقل للأمة كلها خبر صلاته..
    ولما سأل بعضهم عبد الله بن عمر عن رجل طاف بالبيت ولم يسع ما يحل له من امرأته قال له: "طاف رسول الله بالبيت ثم صلى ركعتين خلف المقام، ثم طاف بالصفا والمروة ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".لقد كان بوسع ابن عمر رضي الله عنهما أن يبين للرجل ما يحل وما يحرم عليه حال الإحرام، لكنه فوق ذلك أراد أن يستقر في نفس الرجل معنى التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما أعظمه من درس!.

    وانظر إلى الصدّيق الأكبر أبي بكر رضي الله عنه الذي وافق رسول الله صلى الله عليه وسلم متأسيا به في كل شيء، ولم يعرف أنه خالفه في أمر أو نهي أو رأي:

    في الحديبية لما جاءه عمر مغضبا يجادله في شروط الصلح التي يراها عمر جائرة، قال له أبو بكر:

    أفأخبرك أنك آتيه العام؟ قال: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به. يا أيها الرجل الزم غرزه فإنه رسول الله وليس يخالفه.

    وتعجب حين تعلم أن هذه هي إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر حين ناقشه في أمر الصلح والرجوع عن البيت.

    إنفاذ بعث أسامة " ما كنت لأحلَّ لواءً عقده رسول الله":

    لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت المدينة في وضع حرج جدا؛ فبعض العرب قد ارتدوا، وبعضهم منع الزكاة، والأعداء متربصون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته قد أعد جيشا بقيادة أسامة بن زيد رضي الله عنهما لغزو الروم، فلما توفي صلى الله عليه وسلم واستشعر بعض الصحابة حرج الموقف أرسلوا إلى الصديق رسالة مع الفاروق عمر بعدم إنفاذ بعث أسامة، فكان جواب الصديق رضي الله عنه:

    " لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أردَّ قضاءً قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم". فلما طلب عمر أن يؤمر عليهم رجلا أسن من أسامة قال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه؟.

    لقد كان مفهوم التأسي والاقتداء أشد وضوحا في نفوسهم من الشمس في وسط النهار بل كان أمر رسول الله في عيونهم وفوق رؤوسهم وفي شغاف قلوبهم.

    عن بريدة رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتا فغاص بالناس ( امتلأ ) فجاء جرير بن عبد الله فلم يجد مكانا فجلس خارج الدار فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فلف ثوبه وقذفه إليه ليجلس عليه فأخذه جرير بن عبد الله فوضعه على وجهه وقبَّله.

    ليست القدوة في اللاعبين والممثلين والراقصين فإنهم لا يصلحون قدوات.

    ما هي القدوة في رجل كل مؤهلاته أنه يلعب؟!

    وأين القدوة في امرأة كل مؤهلاتها التفنن في إبراز عوراتها وإغراء الناس وإغوائهم بمفاتنها؟

    وحين يتخذ هؤلاء قدوة وأسوة فلا تعجب أن ترى في المجتمع ميوعة وانحلالا وشذوذا وفواحش، وهل يُجتنى من الشوك العنب؟.

    إن التنكب عن القدوة الحسنة والأسوة الطيبة كان السبب في الضلال والكفر ثم الهلاك للأمم السابقة، فحين دعاهم الأنبياء والمرسلون إلى الله تعالى والدار الآخرة كان شعارهم:

    ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ )

    فماذا كانت العاقبة: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)

    إن من اتخذ قدوة سيئة يتشبه به ويفعل كما يفعل سيندم أشد الندم لكن بعد فوات الأوان كحال هؤلاء الذين أخبر الله تعالى عنهم بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً. خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً.يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا.وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا)

    وحين يقتدي العبد بالفاسقين والمارقين فإنه ينبغي أن يحزنه ذلك ويؤلمه كما تألم كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك فكان ينظر حوله في المدينة فلا يرى إلا رجلا مغموصا في النفاق، أو رجلا قد عذره الله عز وجل.

    فاللهم ارزقنا صدق التأسي والاقتداء برسولك محمد صلى الله عليه وسلم،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-10-2015, 01:06 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    هوى العوام في تتبع الرخص
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
    إن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبة نفسه وبغضها، لا بحسب محبة الله ورسوله وبغض الله ورسوله، وهذا من نوع الهوى، فإن اتبعه الإنسان فقد اتبع هـواه: قال تعالى { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } القصص:50، والمرء يلام على إتباع الهوى أما إذا دافع الإنسان هواه فإنه يؤجر على ذلك إن شاء الله قال تعالى:{ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ص:26 وقال تعالى:{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} القصص:50 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، وكلمة الحق في الغضب والرضا، وثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه" فكل من خالف أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم ذلك فقد إتبع هواه وضل عن سبيل الله قال تعالى:{ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} القصص:50" وبقدر معصية العبد وإعراضه واتباعه لهواه يناله الذل، والخزي في الدنيا، ويناله العذاب يَوْمَ القِيَامَةِ، وهذه سنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل ،قال تعالى{ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} وتوعد سبحانه من خالف امر رسوله صلى الله عليه وسلم بالعقوبة العاجلة والآجلة فقال تعالى:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} قال ابن كثير – رحمه الله ،أي :فليحذر وليخش من خالف الرسول باطنا وظاهرا. أن تصيبهم فتنة ، أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو حد أو حبس أو نحو ذلك.

    قال شيخ الإسلام: ومجرد الحب والبغض هو هوى ،لكن المحرم إتباع حبه وبغضه بغير هدى من الله ،ولهذا قال الله لنبيه داوود: ( ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) قال عمر بن عبد العزيز: لا تكن ممن يتبع الحق إذا وافق هواه، ويخالفه إذا خالف هواه،فإذا أنت لا تثاب على ما اتبعته من الحق ،وتعاقب على ما خالفته من الحق ويقول ابن القيم رحمه الله : والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره فأَرَتْهُ نفسُه الحسنَ في صورة القبيح، والقبيحَ في صورة الحسن ،فالتبس عليه الحق بالباطل ؛فأنّى له الانتفاع بالتذكر أو بالتفكر أو بالعظة ويقول ابن تيمية رحمه الله : والإنسان خُلق ظلوماً جهولاً،فالأصل فيه عدم العلم،وميله إلى ما يهواه من الشر ، وقد جاء ذم إتباع الهوى في القرآن الكريم العظيم في آيات كثيرة, بل ووصف الله أهل تلك الصفة بأسوأ الأوصاف فقال عز وجل في من اتبع هواه: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه}. لأنه في كل شيء لا يرجع الى القرآن ولا إلى السنة, ولا إلى أهل العلم إنما يرجع إلى هواه حتى ولا يرجع إلى عقله وإنما يرجع إلى هواه {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} وإذا كان الإنسان تنصحه بكتاب الله وبسنة رسول الله وبكلام أهل العلم فلا ينتصح فعلى ماذا يدل هذا الجواب: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} الجواب {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} الجواب " بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ان مما اخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى" وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: " اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء" ويقول الإمام علي رضي الله عنه: إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتان طول الأمل وإتباع الهوى فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما إتباع الهوى فيصد عن الحق قال شي.خ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمُّه فلا يستحضر ما لله ورسوله من الأمر, ولا يطلبه أصلا ولا يرضى لرضى الله, ولا يغضب لغضب الله ورسوله, بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه, ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه, عباد الله إن علاج الهوى يكون بالتجرد لله والخشية منه سبحانه بانقطاع القلب عن حظوظ النفس المزاحمة لمراد الرب منه، وعن التفات القلب إلى ما سوى الله، رغبة فيه، وحباً وخوفاً ورجاءً وإنابة وتوكلاً " فالمطلوب من المؤمن أن يتجرد في أعماله لله سبحانه وتعالى من كل ما سواه، وأن تكون الحركة والسكون في السر والعلن لله تعالى، لا يمازجه نفس ولا هوى ولا دنيا ولا جاه ولا سلطان حتى لا يكن صاحب الهوى ممن اتبع هواه وضل وتاه وأمسى إنساناً سائباً لا ينضبط بضابط، ولا ينزجر بزاجر قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام { َلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }.فلا تكن يا عبد الله بعد هذه الذكرى ممن قال الله فيهم { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ }.وأتمر بما أمر الله نبيك به فقال سبحانه لنبيه { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ }.

    فالحق واحد، وهو الوحي، وما عداه فهو الهوى المذموم، قال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى }، وقال في قسيمه: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.ومن الأدعية المأثورة ما أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته من الليل: (اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). فإذا كان الرسول المؤيَّد بالوحي يدعو الله تعالى بهذا الدعاء الجامع الحار، يسأله الهداية لما اختلف فيه من الحق، أي: الزيادة فيها والثبات عليها. فكل ناشد للحق أولى بهذا الدعاء ،"فما أحوجنا أن نتجرد في طلبنا للحق وأن ندور معه حيث دار، وأن ننصره حيث كان ومن أي جهة صدر، فإنه وربي من علامة الصدق والإخلاص.

    يقول الشيخ محمد الدويش حفظه الله : لابد من الاعتناء بتربية الناس على التسليم لله تبارك وتعالى وتعظيم نصوص الشرع ، وأخذ الدين بقوة ، والبعد عن تتبع الرخص وزلات العلماء قال تعالى { خذوا ما آتيناكم بقوة } ويقول لنبيه يحي {يا يحيى خذ الكتاب بقوة } عباد الله : كثر في هذه الأيام تتبع الناس لفتاوى ورخص العلماء فيما يهوونه ويرغبونه من متاع الدنيا وزينتها وإن خالفت هذه الفتاوى من كان أوثق وأعلم وأتقى لله ممن أفتاهم ورخص لهم لا يبحثون عن الحق إنما يبحثون عمن يفتي لهم بحل ذلك المال كائن من كان وهذا هو الهوى بعينه ، حتى أنك لتقول لأحدهم أن هذا الأمر حرمه أكثر العلماء فيجيبك بأن فلان أحله وأنا آخذ بفتواه ، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، إن الإنسان إذا أصيب بمرض ذهب يبحث عن أوثق الأطباء وأعلمهم ليقينه بأنه أقرب إلى الصواب من غيره ،وأمور الدين أولى بالاحتياط من أمور الدنيا والواجب على المسلم إتباع الدليل ، لأن أقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة وإذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء ، فعليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به ، قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء/43 . فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم ، ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل ، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى .بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً ، وأشد خشية لله تعالى .ثم يقول رحمه الله ، وهل يليق بالمسلم أن يحتاط لبدنه ويذهب إلى أمهر الأطباء مهما كان بعيدا ، وينفق على ذلك الكثير من الأموال ، ثم يتهاون في أمر دينه ؟! ولا يكون له هَمٌّ إلا أن يتبع هواه ويأخذ بأسهل فتوى ولو خالفت الحق ؟! بل إن من الناس – والعياذ بالله – من يسأل عالماً ، فإذا لم توافق فتواه هواه سأل آخر ، وهكذا حتى يصل إلى شخص يفتيه بما يهوى وما يريد ‍‍!! ولهذا قال العلماء : من تتبع ما اختلف فيه العلماء ، وأخذ بالرخص من أقاويلهم ، تزندق ، أو كاد .اهـ . إغاثة اللهفان 1/228 . والزندقة هي النفاق .

    ويقول العلامة عبد الكريم الخضير حفظه الله ليس للمسلم أن يختار أسهل الأقوال ، لأنه بهذه الطريقة يتنصَّل من التكاليف الشرعية أو جُلِّها ، بل على الشخص أن يختار من أقوال العلماء أرجحها من حيث الدليل إن كان أهلاً للنظر والموازنة ، وإن لم يكن فعليه أن يُقلِّد أوثق العلماء في نفسه علماً ، وديناً ، وورعاً . قال تعالى :" إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد " وقال سبحانه :" وبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه".

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    موقع إمام المسجد
                  

09-10-2015, 01:08 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الابتلاء بالخيـــرات والنعم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:

    فإن الإنسان منذ وجد على وجه الأرض، وجرى عليه قلم التكليف في ابتلاء وامتحان واختبار وفتنة.

    قال تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2)

    وقال سبحانه: (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:1-3)

    وقال جل شأنه:(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31)

    وقد يظن كثير من الناس أن الابتلاء هو فقط بالمحن والشدائد والمصائب، وهذا غير صحيح؛ لأن البلاء كما يكون بالشر والشدائد والمصاعب والمحن فإنه كذلك يكون بالخيرات والنعم.
    قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35)

    وقال سبحانه: ( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الأعراف: من الآية168)

    وقال تعالى: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن:15)

    وقال: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (الأنفال:28)

    وهذا الامتحان بالنعم والخيرات لا ينتبه له إلا من وفقه الله تعالى ، كما كان من نبي الله سليمان عليه السلام حين سمع النملة تحذر قومها الهلاك إن لم يدخلوا مساكنهم فاستشعر النعمة وسأل ربه النجاح في الاختبار بالتوفيق للشكر: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل:19).

    ولما جاء عرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام في أقل من طرفة عين: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)(النمل: من الآية40)

    ولأن كثيرًا من الناس لا ينتبه لكونه مبتلىً بالنعم فقد أخبر الله عن آل داوُد أنه آتاهم النعم العظيمة، وطلب منهم القيام بشكر هذه النعم ، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سـبأ:10-13)

    وقال صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء فشكر كان خيرًا له ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرًا له).

    ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره أو بُشِّر به خرَّ ساجدًا؛ وهكذا فعل أبو بكر حين أتاه نبأ بعض الفتوحات في عهده.

    فهل من شكر النعم يا عباد الله لمن آتاه الله الصحة والقوة أن يتجبر بهما على خلق الله بغير حق؟

    هل من الشكر أن نستخدم المال الذي رزقنا الله في معاصيه؟

    هل من الشكر لمن آتاها الله الجمال أن تنزع حجابها وتستعمل جمالها في فتنة الخلق وإغوائهم وتشجيعهم على الفجور والفواحش؟

    هل من الشكر لمن مكنه الله في الأرض أن يبتعد بالناس عن شرع الله وأن يجور ويبتعد عن العدل؟

    هل من الشكر لمن ولَّاه الله ولاية إدارةً أو غيرها أن يتسلط على الناس ويشق عليهم؟

    لا شك أن هذا كله ليس من الشكر الواجب عند الابتلاء والاختبار بهذه النعم، وإن هذا الجحود والنكران والرسوب في الامتحان قد يكون بابًا لزوال هذه النعم عن أصحابها أو العذاب الشديد بسببها يبن يدي الله تعالى فتكون هذه النعم في الحقيقة نقمة على أصحابها.

    وانظر إلى قارون الذي آتاه الله أصناف المال والخيرات والكنوز فلم يقم بشكرها ماذا كانت عاقبته؟قال الله تعالى: ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (القصص:81-82)

    وكيف كانت عاقبة أصحاب الجنة الذين ذكرهم الله في سورة القلم؟.

    إنها عبر وآيات يسوقها الله لعباده لينتفعوا بها وليعلموا أنهم مبتلون بالنعم كما قد يبتلون بالشدائد والمحن.

    وهؤلاء ثلاثة نفر (أبرص، وأقرع وأعمى) من بني إسرائيل أراد الله أن يبتليهم فأرسل إليهم ملكًا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحبُّ إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ وجلدٌ حسنٌ ، ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس. فمسحه فذهب قذره ، وأُعطي لونًا حسنًا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل. فأعطي ناقة عُشراء. فقال: بارك الله لك فيها. فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرًا حسنًا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملاً. قال: بارك الله لك فيها.

    فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إليَّ بصري فأبصر الناس. فمسحه فرد الله إليه بصهر. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاةً والدًا. قال: بارك الله لك فيها.

    فأنتج هذا وولّد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم. ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرًا فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر، قال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، ثم إنه أتى الأقرع فقال له مثل ذلك ، فرد عليه كما رد الأبرص ، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، ثم إنه أتى الأعمى فقال له كم قال للاثنين ، فقال الأعمى: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري . فخذ ما شئت . ودع ما شئت . فوالله ! لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله .

    فقال : أمسك مالك . فإنما ابتليتم . فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك!.

    فهل عرفتم أيها المسلمون أننا نبتلى بالنعم ليتبين الشاكر من الكافر؟!وأن الواجب علينا تجاه نعم الله أن نشكرها ونشكر من أجراها الله لنا على يديه؟!!.
    اسلام ويب
                  

09-11-2015, 03:16 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الحمد لله ولي المتقين ، والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الغر الميامين ، الذين حملوا هذا النور إلى الناس حتى دان به الأحمر والأبيض وظهر دين الله على الدين كافة، وبعد:

    فبعد أشد الأوقات ظلمة يطلع الفجر ، وحين تشتد الكربات يقترب الفرج وحين يتملك النفوس اليأس من شدة العسر وتأخر النصر ومعاندة المكذبين ومحاربتهم يمن الله بالروح والتنفيس عن المؤمنين والتمكين لهم كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف:110)

    وكما قال عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح:5-6)

    وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا".

    إن صاحب الثقة بالله تعالى لا يهتز يقينه ولا يتزعزع إيمانه حتى وإن رأى تكالب الأمم واشتداد الخطوب؛ لأنه يعلم أن الأمر كله لله تعالى،وأن العاقبة للحق وأهله، وأن المستقبل لهذا الدين:(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21)

    إن هذا اليقين بنصر الله كان واضحا جليا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى في أشد اللحظات وأحرج الساعات ، فحين شكا إليه بعض أصحابه رضي الله عنهم اشتداد أذى المشركين كان يقول لهم: " والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه،ولكنكم تستعجلون".

    وحين أخرج من بلده مهاجرا ودخل هو والصديق رضي الله عنه الغار ولحق بهما المشركون خشي عليه الصديق رضي الله عنه حتى قال : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما".

    وقد ربى أصحابه رضي الله عنهم على هذه العقيدة المباركة فانطلقوا في الأرض هداة دعاة حتى إن أحد المسلمين حين وقع في أسر الكفار قال له كبيرهم: ما الذي جاء بكم؟ فقال الأسير المسلم: جئنا لتحقيق موعود الله،قال وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات ، والظفر لمن بقي...

    كما تجلت آثار هذه العقيدة في أحلك المواقف ، فحين أغارت قريش على المسلمين في المدينة في غزوة الأحزاب فحاصروا المسلمين واشتد الكرب حتى غمز المنافقون المسلمين ، وطعنوا في وعد رسول الله بالتمكين فقالوا:كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ، لكن المؤمنين كان لهم موقف آخر سطره القرآن وأشاد به ، فقال الله عز وجل: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22) .

    إن المؤمن الذي يدعو إلى الله تعالى ، والمجاهد الذي يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمته تعالى يحتاج إلى هذا اليقين مع استصحاب الصبر حتى لا يتسلل إليه يأس أو ملل ، وقد كان ابن القيم رحمه الله تعالى يقول : سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين،ثم تلا قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24)


    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشر بأن ملك أمته سيبلغ المشارق والمغارب: " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها".

    كما أخبر صلى الله عليه وسلم باستمرار زيادة الإسلام حتى يبلغ ما تحت السماء فقال: " ولا يزال الإسلام يزيد ، وينقص الشرك وأهله ، حتى تسير المرأتان لا تخشيان إلا جورا ، والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم".

    ( والمقياس عند الله تعالى غير مقياس البشر،إن الله يجعل من الضعف قوة وذلك واضح من التأمل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها ، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم".

    إن ذلك المسلم المسوق بالأغلال ، المحبوس بالأقبية ، الملاحق في كل مكان ، الفاقد للسلاح ، الفقير المعدم ؛ بدعوته وصلاته وإخلاصه ينصر الله هذه الأمة ، رغم كل صور الضعف التي تمثلت فيه...قد نرى القوة اليوم بيد أعدائنا ، والغلبة لهم علينا..ولكن لا ننسى أن الله تعالى هو المتصرف بهذا الكون ، وعينه سبحانه لا تغفل عن عباده المؤمنين ، ولن يرضى لهم دوام الذلة واستمرار القهر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الميزان بيد الرحمن ، يرفع أقواما ويضع آخرين " ).(هذه أخلاقنا).

    إننا بحاجة لأن نكون صادقين في انتمائنا لهذا الدين وعملنا لنصرته والتمسك به قولا واعتقادا وعملا ، باستقامة على منهج الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والوقوف عند حدود الله تعالى حتى نكون من أوليائه الذين قال فيهم كما ورد في الحديث القدسي: " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب..."الحديث.

    ولا يخفى أن جميع أعداء الله المكذبين برسوله صلى الله عليه وسلم المحاربين للمؤمنين واقعون تحت هذا التهديد الرباني لهم بالحرب حين يصدون عن سبيل الله ويحاربون أولياءه...لكن هل نحن من أوليائه؟!!.

    اسلام ويب
                  

09-11-2015, 03:19 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    اجتهد قبل الفوات
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:

    فإن الله تعالى جعل هذه الدار الدنيا ميدان عمل وتنافس ، كما قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(الملك: من الآية2)

    وقال: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105)

    فهذا هو الهدف من إيجادنا في هذه الدار أن نقوم بعبادة الله تعالى وطاعته : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56) فمن قام بما وجب عليه هنا وجدَّ واجتهد وأتعب نفسه في طاعة الله تعالى استراح هناك مع المُنَعمين المكرمين في جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،كما قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) (القارعة6-7)

    وقال: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً. وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (الانشقاق:7-9)

    وقال: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المؤمنون:102)

    وقال: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ. قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)(الحاقة:19-24).

    وعلى الجانب الآخر تجد من فرط هنا وأعرض عن طاعة مولاه نادما هناك حيث لا ينفع الندم : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً. وَيَصْلَى سَعِيراً) (الانشقاق:10-12).

    وقال: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ. وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ. يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ. مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) (الحاقة:25-29)

    يوم الحسرة

    لقد سمى الله يوم القيامة بيوم الحسرة ؛ حيث تعظم حسرات الغافلين المعرضين اللاعبين: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (مريم:39)

    إنهم هناك يتحسرون ويتأسفون لكن فات وقت الندم: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً) (الفرقان:27-29)

    وقال: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) (الأنعام:31)

    وقال عن حسرة الواحد من هؤلاء (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) (الفجر:24)

    بادر قبل الندم

    وحتى لا يندم العبد هناك فقد دعاه مولاه لليقظة هنا واستثمار عمره ووقته وأنفاسه فيما يقربه من رضوان ربه تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ. أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الزمر53-58)

    لقد حذرنا الله تعالى هجمة الموت والانتقال إلى الدار الآخرة في ظل لهو وغفلة مستحكمة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون:9-11)

    احرص على الخير ولا تفرط

    لقد سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: " من تبع جنازة فله قيراط من الأجر " فقال عبد الله رضي الله عنه: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.وما ذاك إلا لحرصه رضي الله عنه على الخير.

    حتى أهل الجنة

    نعم فبعض أهل الجنة حين يرون النعيم والكرامة التي أعدها الله تعالى للعاملين بطاعته يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليستزيدوا من الصالحات التي ترتفع بها درجاتهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهيد فقال: " ما أحد يدخل الجنة ، يحب أن يرجع إلى الدنيا ، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة" ( رواه البخاري) وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أمته الحرص على الخير والازدياد من الأجر حين يقول : " والذي نفسي بيده ، وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا". ( رواه البخاري).

    أياما معدودات

    ولقد مضى حتى الآن من رمضان أكثر من ثلثيه وربما لم يشعر بذلك كثير من الناس وبالتأكيد عتق كثير من الناس من النار فهل نحن منهم؟! فحري بنا أن نجتهد فيما بقي من رمضان فربما كان فيما بقي من الليالي ليلة القدر التي من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه عسى أن يمن الله تعالى علينا بالعتق من النار ويجعلنا من المغفور لهم في أيام رمضان ولياليه ، فإذا ما تعبت الأجساد فليتذكر العبد حلاوة الأجر والكرامة يوم يتحسر المفرطون ويفرح المجتهدون ، لما قيل لبعض المجتهدين في طاعة الله تعالى: لو أرحت نفسك، قال: راحتها (أو كرامتها) أريد.اللهم وفقنا للإحسان فيما بقي من رمضان ومن أعمارنا واختم لنا بما يرضيك ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-11-2015, 03:20 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    وقفات مع الإجازة الصيفية
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعـد:

    أيها الأحبة: إن الفراغ السائب سبب لكثير من الأمراض الجسمية والنفسية الحسية والمعنوية فحق على كل مؤمن أن يأخذ بما أمر الله به وبما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا ً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك".

    أيها الأحبة: إن كيفية قضاء الإجازة الصيفية أمر يحتاج إلى نقف معه عدداً من الوقفات.

    الوقفة الأولى: مع الشباب ذكوراً وإناثاً.

    أيها الشباب: أنتم عماد الأمة ورصيدها وذخرها وسر نهضتها وبناة مجدها ومستقبلها فبصلاحكم واستقامتكم تصلح الأمة وتستقيم ومن أهم عوامل تحقيق صلاحكم واستقامتكم وعيكم بواجبكم وملؤكم أوقاتكم بالنافع المفيد وهاأنتم أيها الشباب تستقبلون إجازتكم الصيفية فإياكم والفراغ والبطالة فإنهما أصل كثير من الانحراف ومصدر أكثر الضلال كما قال الأول:

    إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسدة

    فاملئوا أوقاتكم في هذه الإجازة بالنافع والمفيد في دين أو دنيا ولا تتركوها نهباً لشياطين الإنس والجن وقد يسَّر الله تعالى لكم في هذه الأزمان قنوات عديدة تستغلون من خلالها أوقاتكم وتنمون قدراتكم وعلومكم ومعارفكم بل وإيمانكم فمنها حلق القرآن الكريم المنتشرة في المساجد فإنها من رياض الجنة وفيها خير عظيم، ومن هذه القنوات التي تحفظون بها أوقاتكم تلك الدروس العلمية والدورات التي تقام هنا وهناك وفيها يتعلم الشاب ما يجب عليه معرفته من علوم الشريعة والدين، ومن هذه القنوات أيضاً المراكز الصيفية التي يشرف عليها أساتذة فضلاء ومربون نجباء، يعملون على إشغال أوقات الشباب بما يفيدهم وينفعهم ففيها من الأنشطة الترويحية والمهنية وفيها الدورات العلمية والثقافية فاحرصوا أيها الشباب على الانضمام إليها والاستفادة منها فإن فيها خيراً كثيراً، وغالب المشتركين فيها هم أهل الخير والصلاح من الشباب فإذا أبيت هذا فاحرص على شغل وقتك بتجارة أو زراعة أو صناعة تملأ وقتك وتحفظك من شرور الفراغ وأهله فإن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ولابد. وإياك أخي الحبيب ورفقة السوء وقرناء الشر الذين يزينون لك المنكر ويدعونك إليه ، ففر منهم فرارك من الأسد.

    الوقفة الثانية: مع أولياء الأمور من الآباء والأمهات

    نقول لهم: أيها الأفاضل إن منن الإله على العباد كثيرة وأجلهن نجابة الأولاد وحملكم الله تعالى مسؤولية تربيتهم وحفظهم، وتنشئتهم على العبادة والطاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".

    فما تقومون به اليوم من حسن التربية والرعاية والحفظ والصيانة لفلذات الأكباد تجنون به ثواباً وأجراً عند الله في الآخرة وبراً وإحساناً في الدنيا، وقد كلفكم الله وأمركم بحفظهم ووقايتهم، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة )(التحريم:6) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولية عن رعيتها".

    فمحافظتك على أولادك ورعايتك لهم والاجتهاد في إصلاحهم وإبعادهم عن الفساد وأهله مقدمة ضرورية لاستقامتهم وصلاحهم،

    وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه

    فالأب الذي أدار ظهره لأولاده وبيته فلم يجلس فيه إلا ساعات قصاراً من نوم أو أكل وقد أخذت مشاغله بتلابيب قلبه وشغلت لبه وقلبه فلم يلتفت لأولاده ولا لتربيتهم وإصلاحهم هل قام بما أوجب الله عليه؟! والأب الذي ترك الحبل على الغارب لأولاده ذكوراً وإناثاً يخرجون متى يشاءون ومع من يريدون، يسهرون إلى الفجر وينامون أكثر النهار ويصاحبون أهل السوء ويهاتفون أهل الشر، هل قام بحفظهم ورعايتهم؟! والأب الذي أدخل إلى بيته وسائل الإفساد والدمار وامتطت صحون الشر وأطباق البلاء صهوة بيته وانتشرت مجلات الشر وأشرطة الخراب في حجَر أولاده، هل قام بتنشئة أولاده على البر والتقوى؟!

    إن الجواب على هذه الأسئلة هي ما تراه من أحوال أبناء بعض المسلمين ،وإنا لله وإنا إليه راجعون.

    فيا أولياء الأمور اتقوا الله فمن استرعاكم الله إياهم. مروا أولادكم بالمعروف ورغبوهم فيه وانهوهم عن المنكر ونفروهم منه. احفظوهم عن قرناء السوء وأصحاب الشر، أبعدوهم عن وسائل الإعلام الفاسد، اشغلوا أوقاتهم في هذه الإجازة بما يعود عليم بالنفع في دينهم ودنياهم، وبادروا بذلك كله في أوائل أعمارهم فإن الأمر كما قيل:

    إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا تلين إذا قومتها الخشب

    الوقفة الثالثة: مع أولئك الذين قد شدوا حقائبهم وأعدوا أمتعتهم وحجزوا مراكبهم للسفر إلى بلاد الكفر والبلاء ومواطن الفتنة العمياء في الغرب أو الشرق وما شابهها ... إلى هؤلاء نقول: اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم فإن السفر إلى تلك البلاد محرم لا يجوز لما فيه من تعريض النفس والأهل والولد للفتنة التي أعلاها الكفر بالله تعالى، وأدناها موافقة المعاصي والذنوب أو على الأقل استساغة المنكر والفجور فإن تلك البلاد والمصايف قد خلت قلوب أهلها عن الإيمان وانسلخت أجساهم عن زيِّ أهل الحشمة والحياء والإسلام وانتشرت بين أهلها الخمور وظهر الزنا والخنا فعد المنكر معروفاً والمعروف منكراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    الوقفة الرابعة والأخيرة: هي مع ورثة الأنبياء من العلماء والدعاة وطلبة العلم فنقول لهؤلاء: إنكم من عقدت الأمة عليكم آمالها بعد الله عز وجل ورنت إليكم بأبصارها وهوت إليكم بأفئدتها، إن المسؤولية التي أنيطت بكم وألقيت على كاهلكم في توجيه الناس وتربيتهم ودعوتهم وتبصيرهم أعظم من غيركم لا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الباطل والفساد ونفقت فيه سلع أهل الكفر والإلحاد ونشط دعاة التغريب والإفساد وقويت فيه أسباب الزيغ والانحراف. فالأمة مهددة بحجافل هؤلاء المفسدين المتربصين الذين يجرون الناس إلى الفساد جراً، ويأطرونهم على الكفر والفسوق والعصيان أطراً. فواجبكم إزاء هذا الواقع المفزع المرير كبير وخطير، ولا يسوغ لكم التخلي عنه ولا الرجوع عنه. فسابقوا أعداءكم واعملوا بجد واجتهاد في الدعوة إلى الله تعالى واسلكوا كل سبيل شرعي لنشر الخير بين الناس. علموا الجاهل، وأرشدوا التائه، ودلو الحائر، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، حذروا الناس من الفساد والعصيان، عرُّوا لهم الباطل واهتكوا ستره واكشفوا زيفه، واجهوا الغارة الشعواء التي يشنها خصوم الإسلام وأعداؤه بالعلم والبيان والدعوة والصبر والإيمان. قاوموا وسائل التدمير والإفساد بوسائل البناء والإرشاد، والدعوة والصبر والإيمان. وانشروا الكلمة الطيبة، والمحاضرة النافعة، والكتاب المفيد، أقيموا الدروس والكلمات في المساجد والأحياء والمجتمعات والملتقيات. واحفظوا أوقات شباب المسلمين.

    والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين.
    امام المسجد
                  

09-11-2015, 03:22 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    إياكم والغلو
    تبتهج النفس برؤية شاب متحرق ، متدفق ، وينشرح الصدر لحديث الهداية حين ينطلق بقوة وهمة ، ويرتاح القلب لحماسة الشباب للجهاد والعلم والدعوة ، ومقابل كل هذا يغيظ القلب ما نرى من مظاهر الدعة والعجز والكسل والضعف والفتور ، فهل نتفاءل بالانطلاقة المُفْرِطة ، أم بالسكينة المفَرِّطة؟.

    إن القصد هو الاعتدال في السلوك ، والتوازن في التفكير ، والتوسط في كل الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط ، وخير الأمور الوسط (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً )(البقرة: من الآية143).

    ولا يظنن أحد أن القصد خلاف السنة ، أو أن الغلو زيادة في التقوى ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنكر على من عزم على الغلو في الصيام أو القيام أو الانقطاع عن الشهوة ، وأفهمهم أن التوسط هو الأتقى: " أما والله إني لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ".( البخاري ومسلم).

    كما أن الطبيعة البشرية أقرب إلى القصد ، ولديها قابلية الانحدار والصعود ، ولن يستطيع امرؤ أن يتجاوز طبيعته البشرية إلى الطبيعة الملائكية، ولذلك لما ظن حنظلة ملاعبته لأهله وضحكه معهم بعد أن كان في خشوع وبكاء في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، لما ظن هذا التبدل في الحال نوعا من النفاق ، طمأنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " يا حنظلة ! لو كنتم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، يا حنظلة ! ساعة وساعة ".(ابن ماجة وصححه الألباني).

    والقصد أقرب إلى الطاقة والاحتمال ؛ لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلق على صور الغلو في العبادة بقوله : " عليكم بما تطيقون ؛ فوالله لا يمل الله حتى تملوا ".( البخاري ومسلم) وبقوله : " ليصلِّ أحدكم نشاطه ، فإذا فتر فليقعد".( البخاري).

    والقصد أدعى للدوام على العمل والاستمرار فيه والثبات عليه، يقول ابن حجر رحمه الله تعالى: ( لأن المشدد لا يأمن من الملل ، بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره ، وخير العمل ما داوم عليه صاحبه ) . وقال النووي رحمه الله تعالى : ( بدوام القليل تدوم الطاعة ...حتى يثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة ). وقال ابن حزم رحمه الله تعالى : ( فأمر أمته أن يقتصدوا في الأمور ؛ لأن ذلك يقتضي الاستدامة عادة).

    وإلى ذلك أشار الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " سددوا وقاربوا واغدوا و روحوا ، وشيء من الدُّلجة ، والقصد القصد تبلغوا ". ( البخاري).يقول ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح الحديث : ( وقاربوا أي لا تفرطوا ، فتجهدوا أنفسكم في العبادة ؛ لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال ، فتتركوا العمل فتفرطوا ، وقد أخرج البزار ..." إن هذا الدين متين ، فأوغلوا فيه برفق ، ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله ، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى").

    وليس المقصود بالقصد التقصير ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها ، وكانت خطبته قصدا وصلاته قصدا ، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فتوضأ ولم يكثر من الماء ، ولم يقصر في الوضوء". ( رواه مسلم ) . بل كان القصد صفة بارزة للأنبياء كما في الحديث :" السمت الحسن ، والتؤدة ، والاقتصاد ، جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة".(صحيح الجامع).

    وحين نستنكر الغلو فإننا ننكر الإفراط بشدة الإقبال والالتزام المفضي إلى الترك ، أو الملل أو الخروج عن القصد بسبب المبالغة في النوافل ، أو العمل على جهل وغفلة ، كما ننكر التفريط والتهاون بشدة التكاسل والتقصير والإعراض والانفلات ، ولكن الثاني تستنكره الطباع السليمة عادة ، أما الأول فهو الذي يغتر به المغترون ، ويلتبس على كثير من الناس ، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : " هلك المتنطعون" . ( رواه مسلم ). وحذر منه بقوله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس!إياكم والغلو في الدين ؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ". (رواه ابن ماجة وصححه الألباني).

    وقد قال القرطبي في الخوارج: (... لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دماءهم ، وتركوا أهل الذمة ، وقالوا:نفي لهم بعهدهم ، وتركوا قتال المشركين ، واشتغلوا بقتال المسلمين ، وهذا كله من آثار عبادة الجهال ، الذين لم تنشرح صدورهم بنور العلم ، ولم يتمسكوا بحبل وثيق من العلم...).

    ويعلق ابن حجر رحمه الله تعالى على نتائج الغلو فيقول: (...من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ، ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام). وحذر من الاغترار بالغالين في بعض صور العبادة ، وأن ذلك لا يكفي دليلا على الصلاح فقال:( لا كتفى في التعديل بظاهر الحال ، ولو بلغ المشهود له بتعديله الغاية في العبادة والتقشف والورع حتى يختبر باطنه).

    وإنه لمن الغلو ومجانبة القصد أخذ النفس بالعزيمة فيما ترخص به النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ؟ فوالله إني أعلمهم بالله ، وأشدهم له خشية".( رواه البخاري).

    وفي الفتح ( ....نقل ابن التين عن الداودي أن التنزه عما ترخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب ؛ لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله صلى الله عليه وسلم...).

    وقد طالبنا الشرع بالتعود على القصد والتوازن في أمورنا الحياتية ، حتى يغدو القصد خلقا وطبيعة ، فقد قال ربنا تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء:29). وقال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان:67).

    ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغالاة في الطعام والشراب ، وعن المغالاة في المهور، مثلما نهى عن الغلو في الرجاء الذي يجعل الناس يتكلون ، وعن الغلو في الخوف الذي يجعل الناس يقنطون ، وعن الغلو في المدح الذي يجعل الناس يشركون أو ينافقون ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله ". ( رواه البخاري ).

    وكل ما نخشاه حين نغلو أن نقع في مشقة الدنيا وجحيم الآخرة ، كما في قوله تعالى: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ . تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً) (الغاشية:3ـ 4).ويضيع بسبب الغلو ثمرة الجهد في العبادة ، بينما الهدي القاصد أهدى وأتقى وأبقى: " عليكم هديا قاصدا ؛ فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه ".(صحيح الجامع) ، ولا يكون التزام التوسط إلا بالعلم والمجاهدة.

    وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    هذه أخلاقنا( بتصرف يسير).
                  

09-11-2015, 03:24 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    انهض وبادر
    الحمد لله الذي قسّم خلقه إلى تقي أواب، همته طلب الخيرات والاكتساب، وبغيته الزلفى إلى الله والاقتراب (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ) (الزمر من الآية 18)

    وفاجر كذّاب همته مصروفة إلى اللهو والطعام والشراب، يُعمّر جسمه وقلبه خراب، فكيف إذا كُشف الحجاب وحق عليه قول رب الأرباب: (وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) (البقرة:166)

    وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الوهاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( نعم العبد إنه أوّاب) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى الآل والأصحاب.

    أما بعد:

    فإن ارتقاء الأمم وسموها يكون بقدر ما عند بنيها من قوة علمية نظرية، وقوة العزم والإرادة العملية، ولله في كونه سنن لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل ولا تحابي ؛ فمن جد وجد ، ومن سار على الدرب وصل:

    قلّ مَنْ جَدّ في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :العامة تقول قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب. اهـ، وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وما تقف همة إلا لخساستها، وإلا فمتى علت الهمة فلا تقنع بالدون، وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حُثّت سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم، أو كسلا فسل الموفق فلن تنال خيرا إلا بطاعته.

    اجتمع عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير، ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان في فناء الكعبة فقال لهم مصعب تمنوا فقالوا: ابدأ أنت، فقال: ولاية العراق، وتزوّج سكينة، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله فنال ذلك وأصدق كل واحدة خمس مئة ألف درهم و جهزها بمثلها. وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يُحمل عنه الحديث فنال ذلك، وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة ، وتلك همم القوم وآمالهم.

    وآيات كتاب ربنا تعلي الهمم وتزرع في النفوس قوة العزيمة:

    فهذه آيات من كتاب الله تعالى أرجو أن تتدبرها ولن نعلق عليها فهي واضحة المعنى بينة الأثر والمغزى ، يقول الله تعالى:

    (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، ويقول:(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ)، ويقول:(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ)، ويقول: (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)، ويقول:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ)،ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)، ويقول:(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِير، هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)، ويقول عن دعاء المؤمنين:(وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، ويقول:(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).

    وأحاديث الرسول تعلي الهمم :

    " إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها"

    " بادروا بالأعمال الصالحة".

    " عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وويل لمن جعله مفتاحا للشر مغلاقا للخير".

    " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاوت ما بينهم"

    فلماذا الرضا بالدون ؟ لماذا لا نجتهد أن نكون أسبق الخلق إلى الله فنفوز بخير الدنيا والآخرة؟.

    قال رجل لمالك بن دينار: رأيت فيما يرى النائم مناديا ينادي: الرحيل الرحيل، فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن واسع ، فصاح مالك: " والسابقون السابقون" ثم غشي عليه.

    لماذا العيش في الدنيا بلا أهداف كبيرة ، وربما بلا أهداف أصلا ؟!!. لماذا يكون كل الهم أكلة وشهوة ؟.

    يا بائعا نفسه بيع الهوان لو اسـ ـترجعت ذا البيع قبل الفوت لم تخب

    وبائعا طيـب عيش مـا له خطر بطيف عيش من الآلام منتهب

    غُبنـت والله غبنا فاحـشا ولدى يوم التغابن تلقى غاية الحَرَبِ (الهلاك)

    شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب وضاع وقتك بين اللهو واللعب

    وشمس عمرك قد حان الغروب لها والفيء في الأفق الشرقي لم يغب

    وفاز بالوصل من قد جد وانقشعت عن أفقه ظلمات الليل والسحب

    كم ذا التخلف والدنيا قد ا رتحلت ورسل ربك قد وافتك في الطلب

    أخي: قم وانهض وبادر

    إذا لم تكن للحق أنت فمن يكون والناس في محراب لذات الدنيا عاكفون

    قال بعض السلف:

    إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل.

    أخي قلّب ناظريك في هذا الكون في هذه الأرض سترى أمتك وقد أحاطت بها الأعداء، وألمت بها المصائب ، في كل وطن جرح ، وفي كل زاوية حكاية تروي قصة الألم، ألا تحركك هذه الأحزان؟ ألا تشحذ همتك وتصنع فيك أخلاق الرجال؟

    يا أمـتي عـار تـرّدد أننا أبناء من سادوا الأنام وكانوا

    والقدس غارقة يمزقها الأسى ويعيد رجع أنينها الجولان

    حتّامَ ينخر في عزائمنا الهوى وتذيبنا الآهات والأحزان

    أخي لتكن كلك للإسلام، فإنه دينك لحمك ودمك وعرضك:

    سر في الزمان وحدّث أننا نفر شمّ العرانين يوم الهول نُفتقد

    عُدنا إلى الله في أعماقنا قَبَس من السموات لا يغتاله الأبد

    جئنا نعيد إلى الإسلام عزته وفوق شُمّ الرواسي تُنصب العُمُد

    شتان بين الهمتين

    فقد كان الأعرابي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله طعمة بعد قليل تذهب فيما يخرجه ابن آدم ، أما ربيعة الأسلمي رضي الله عنه غلام صغير،يعد للرسول صلى الله عليه وسلم وَضوءه ،فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا ربيعة سلني"،فيقول ربيعة: "أسألك مرافقتك في الجنة...". الحديث.وهذه هي الهمة.

    أما محمد الفاتح العثماني رحمه الله تعالى فإنه منذ نعومة أظفاره ربي على حلم غال وهدف عظيم فتح القسطنطينية ، فنشأ واضعا بين عينيه هذا الهدف حتى فتح الله على يديه.

    وأما صلاح الدين فقد امتنع من الضحك حتى يحرر الأقصى وبيت المقدس ، وتم له ما أراده وطهر الله به بيت المقدس من رجس الاحتلال الصليبي بعد قرابة مائة عام من الاحتلال.

    إيزابيلا والقميص العتيق

    حتى الكفار الذين وضعوا أمام أعينهم أهدافا وعلت هممهم وسعوا لتحقيقها تم لكثير منهم ما أراد لان سنن الله لا تحابي كما ذكرنا سابقا،فهذه إيزابيلا أخذت على نفسها عهدا ألا تبدل قميصها إلا بعد إخراج المسلمين من الأندلس وتم لها ما أرادت

    قلّ مَنْ جَدّ في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

    فهيا أيها الكرام نتحلى بعزائم الرجال لعل الله يغير بنا ، ولنترك الراحة هنا لنرتاح كثيرا يوم نلقى الله

    وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد
    اسلام ويب
                  

09-11-2015, 03:27 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    لكن الغنى غنى النفس
    كثير من الناس يظن أن الغنى ليس إلا كثرة المال من نقود وأسهم وعقارات وتجارات وغيرها ، وعندهم أن من ليس كذلك فليس من أهل الغنى ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يلفت الأنظار إلى المعنى الحقيقي للغنى حين يقول: " ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس".

    فكم من الناس عنده من أصناف المال الكثير لكنه يعيش فقرا حقيقيا ، فتراه دائما خائفا مهموما ، يسعى في زيادة ماله خوفا من الفقر ، يبخل بالنفقة في أوجه الخير حتى لا يقل ماله،بل ربما قطع رحمه لنفس الأسباب ، كما تراه متطلعا إلى ما عند الآخرين ، فمثل هذا يعيش فقرا دائما ملازما له ؛ لأنه لم يرض بما قسمه الله تعالى له ، ولأن الدنيا في قلبه قد استقرت.

    وهذا خبيب بن عدي رضي الله عنه يقول: كنا في مجلس فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسه أثر ماء فقال له بعضنا: نراك اليوم طيب النفس فقال : "أجل والحمد لله" . ثم أفاض القوم في ذكر الغنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " : لا بأس بالغنى لمن اتقى ، والصحة لمن اتقى خير من الغنى ، وطيب النفس من النعيم" .( صحيح سنن ابن ماجة ).

    إياك والتطلع لما في أيدي الناس

    فإن الله عز وجل يقول: (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طـه:131).

    وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" معناه :اقنع بما أعطاك الله، وجعله حظك من الرزق، تكن أغنى الناس، فإن من قنع استغنى.

    ولنتذكر هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ".

    وإذا رأيت من هو أكثر منك مالا وولدا فاعلم أن هناك من أنت أكثر منه مالا وولدا فانظر إلى من أنت فوقه، ولا تنظر إلى من هو فوقك، وإلى هذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".

    للناس شأن ولك شأن

    فالمسلم يعلم أنه وجد في هذه الدنيا لغاية عظيمة وهدف نبيل سامٍ ألا وهو عبادة الله تعالى ، وتعبيد الخلق للخالق سبحانه؛ولهذا فإنه لا يتجاوز بالدنيا حدها ، فهي عنده وسيلة وليست غاية، وعلى هذا المعنى العظيم ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم،وهذه قصة ربعي بن عامر مع رستم شاهدة على المعنى السامي والهدف النبيل، فقد طلب رستم من سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يبعث إليه رسولاً يفاوضه قبل أن يبدأ القتال في معركة القادسية، فأرسل إليه المغيرة بن شعبة، فكان مما قاله لرستم: إنا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، ثم بعث إليه سعد رسولاً آخر، وهو ربعي بن عامر، فدخل عليه، وقد زينوا مجلسه بالنمارق ( الوسائد ) المذهبة والحرير، وأظهروا اليواقيت واللآلئ الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرقها ، وكأنه يقول لهم عمليا:دنياكم هذه لا تغرنا فضلا عن أن تشغلنا، فقالوا له: ما جاء بكم؟ قال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه، لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله، قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي.

    سبحان الله إنه وهو فقير لا يكاد يجد من الدنيا شيئا يتكلم عن غايته في هذه الدنيا ومنها إخراج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة!!.

    لقد كانت الدنيا إن أصابوها فهي في أيديهم وليست في قلوبهم ، ولهذا لما طلب منهم النفقة بذلوا غير خائفين من الفقر أو القلة ، فقد جاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله ، وجاء الصديق رضي الله عنه بماله كله ، وجهز عثمان رضي الله عنه جيش العسرة.

    فقر القلوب هو الداء

    فقد جاء في بعض روايات هذا الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

    "يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى ؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : أفترى قلة المال هو الفقر ؟ قال : قلت : نعم يا رسول الله ، قال : إنما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب" .

    ولهذا فإن من كان فقير القلب قد لا يبالي أربح المال من حلال أم من حرام ، قد يغش في تجارته، أو يسرق إن سنحت له فرصة ، أو يأخذ الرشوة،لأن حب الدنيا قد استقر في قلبه فأفسد عليه هذا القلب ومنعه القناعة بما رزقه الله تعالى.

    وليس معنى كلامنا أن يمتنع الناس عن العمل والتكسب ، ومحاولة تحقيق الغنى بأوجه الكسب الحلال الطيب ؛ فإن القناعة لا تمنع التاجر من تنمية تجارته، ولا أن يضرب المسلم في الأرض يطلب رزقه، ولا أن يسعى المرء فيما يعود عليه بالنفع، بل كل ذلك مطلوب ومرغوب. وإنما الذي يتعارض مع القناعة أن يغش التاجر في تجارته، وأن يتسخط الموظف من مرتبته، وأن يتبرم العامل من مهنته، وأن ينافق المسؤول من أجل منصبه، وأن يتنازل الداعية عن دعوته أو يميِّع مبدأه رغبة في مال أو جاه، وأن يحسد الأخ أخاه على نعمته، وأن يذلّ المرء نفسه لغير الله- تعالى- لحصول مرغوب.

    وكم من صاحب مال وفير، وخير عظيم، رُزق القناعة! فلا غشّ في تجارته، ولا منع أُجَراءه حقوقهم، ولا أذل نفسه من أجل مال أو جاه، ولا منع زكاة ماله ، بل أدى حق الله فيه فرضًا وندبًا، مع محافظةٍ على الفرائض، واجتناب للمحرمات. إن ربح شكر، وإن خسر رضي ، فهذا قنوع وإن ملك مال قارون. وكم من مستور يجد كفافًا، ملأ الطمع قلبه حتى لم يرضه ما قُسِم له! فجزع من رزقه، وغضب على رازقه، وبث شكواه للناس، وارتكب كل طريق محرم حتى يغني نفسه، فهذا منزوع القناعة وإن كان لا يملك من الدنيا إلا القليل.

    السلف وغنى النفوس

    ذكرنا فيما سبق أن الصحابة رضي الله عنهم كان غناهم في قلوبهم فلم تأسرهم الدنيا ولم يركنوا إليها ، وعلى هذا قاموا بتربية من بعدهم فكانت الثمار طيبة بإذن الله.فقد أوصى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ابنه فقال: "يا بني، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة؛ فإنها مال لا ينفد".

    وسئل أبو حازم فقيل له: "ما مالك؟" قال: "لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة باللّه، واليأس مما في أيدي الناس".

    وقيل لبعض الحكماء: "ما الغنى؟" قال: "قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك".

    وكان محمد بن واسع - رحمه اللّه تعالى- يبل الخبز اليابس بالماء ويأكله ويقول: "من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد".

    وكتب بعض بني أمية إلى أبي حازم - رحمه اللّه تعالى- يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه فكتب إليه: "قد رفعت حوائجي إلى مولاي، فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك منها عني قنعت".

    ويقول عامر بن عبد قيس: "أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهن صباحًا لم أبال على ما أصبح

    (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر:2)

    ( وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ)(يونس: من الآية107)

    (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6)

    (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)(الطلاق: من الآية7)



    ما أجمل القناعة!

    من التزمها نال السعادة، وما أحوج أهل العلم والدعوة للتحلي بها؛ حتى يكونوا أعلام هدى ومصابيح دجى. ولو تحلى بها العامة لزالت منهم الضغائن والأحقاد، وحلت بينهم الألفة والمودة؛ إذ أكثر أسباب الخلاف والشقاق بين الناس بسبب الدنيا والتنافس عليها، وما ضعف الدين في القلوب إلا من مزاحمة الدنيا له، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: " والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم؛ كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم ".

    ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع". قال النووي رحمه الله عن قوله: "ومن نفس لا تشبع": "استعاذة من الحرص والطمع والشَّرَه، وتعلق النفس بالآمال البعيدة".

    جعل الله تعالى غنانا في قوبنا ، ووقانا جميعا الطمع والبطر ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-11-2015, 03:29 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من أتى إليكم معروفا فكافئوه
    إنه لمن القبيح أن ينتظر المحسن من الناس جزاء أو شكورا ، وأقبح منه اللئيم الكنود الذي لا يستشعر فضل المحسن إليه ولا يقابله بالحسنى ، وأشد قبحا مَن قابل الإحسان بالإساءة والإكرام بالجحود.

    شكر المحسن من محاسن الأخلاق

    وإن مكافأة المحسن خلق فطري ينشأ من خلق الوفاء ؛ إذ أن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها . والمؤمن المستقيم لا يكون شاكرا لله حتى يكون معترفا بالفضل لأهل الفضل ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يشكر الله من لا يشكر الناس ". ( صحيح سنن أبي داود ).وفي رواية المسند : " إن أشكر الناس لله عز وجل أشكرهم للناس ".

    وبهذا نرى أن أخلاق المؤمن لا تكتمل بحسن علاقته بربه تعالى فحسب وإنما لابد أن يكون على نفس المستوى من الأخلاق في التعامل مع الناس.

    وليس المؤمن بالجشع الذي لا يهزه إلا فيض الإكرام والإنعام، بل إن نفحة من الإحسان كافية لأن تثير فيه دواعي الشكر والمكافأة. وقد وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله : " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ".(رواه أحمد ).

    من صور المكافأة والشكر

    والشكر اللساني أقل ما يقدمه المرء مكافأة لمن أحسن إليه ووفاء لمن وقف بجانبه ؛ لكيلا يتعلم أبناء الأمة الكفران والجحود ، ولئلا يتخلقوا بنكران الجميل ونسيان المعروف ، وحتى لا تموت المروءة في الناس. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ... ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ".(أحمد وأبو داود وصححه الألباني).

    ولكي تبقى دافعية الإحسان قائمة بين الناس فإن البشر يؤثر فيهم المكافأة على إحسانهم ، ومن صور المكافأة المقابلة بالمثل ، أو الدعاء لصاحب المعروف ، أو الثناء على فعله : " ومن لم يجد فليثن ؛ فإن من أثنى فقد شكر ومن كتم فقد كفر " ( أبو داود والترمذي وصححه الألباني).

    ومقابلة إحسان الناس ببرود ولا مبالاة يقتل فيهم المبادرة للإحسان ، ويضعف عندهم التفكير في الآخرين ، ويقتل المروءة والنجدة والنخوة ، ويفشي السلبية والأثرة ؛ لأن من طبيعة الإنسان أن تقوى اندفاعته بالشكر ، وإن كان الأصل فيه ألا يبتغي شكرا ولا جزاء.

    وحين ظن المهاجرون أن الأنصار قد ذهبوا بالأجر كله لما جادت به نفوسهم من الإنفاق على المهاجرين بيَّن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بابا من الخير يقربهم من أجر الأنصار ، فعن أنس رضي الله عنه أن المهاجرين قالوا : " يا رسول الله ذهبت الأنصار بالأجر كله ، قال : لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم " (صحيح سنن أبي داود).فعلمهم أن يكافئوا إحسان المحسن بالدعاء له ، أو بالثناء عليه ، وليس أمام الفقير من وسيلة لمكافأة المحسن غير هاتين.

    وقد كان من خلق الرسول صلى الله عليه وسم أنه يقبل الهدية ويثيب عليها ، وذلك ضمن الاستطاعة، فإذا غدا التهادي نوعا من التكلف والتقاليد الاجتماعية المرهقة ، أو أصبح المهدي يمن أو يعتب على من لا يقدر على مكافأته فقد خرجت هذه الأخلاق عن حد الحسن ، ودخلت في حيز المادية وعدم الإعذار وعدم خلوص العمل بانتظار الجزاء عليه. وهذا من ومفاسد التعاملات الاجتماعية حين تفقد الروح الشرعية وإخلاص القصد.

    وحين اقترض رسول الله من عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قلب حنين رد إليه القرض بعد الغزوة وقال له : " بارك الله لك في أهلك ومالك ، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد". ( رواه أحمد والنسائي وغيرهما). وكلمة شكر وعبارة حمد لا يخسر قائلها شيئا ولا تكلفه جهدا ، ولكنها تعود عليه بكسب ود المحسن ، وائتلاف قلبه ، وتحريضه على مزيد من الخير.

    وإن سيدنا موسى عليه السلام حين سقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل لم يلبث كثيرا حتى لقي جزاء إحسانه من والد المرأتين الذي أوتي الحكمة ويدرك ضرورة مكافأة المحسن ، فجاءت إحداهما تقول: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)(القصص: من الآية25)

    وإن عروة بن مسعود الثقفي – قبل أن يسلم- حين أغلظ له أبو بكر رضي الله عنه بكلمة قاسية في مفاوضات صلح الحديبية لم يزد في تعليقه على كلمة أبي بكر بأكثر من قوله : " أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ، ولكن هذه بها". واعتبر إساءة أبي بكر رضي الله عنه مغفورة بسابق إحسانه إليه. ولعل هذه الاعتبارات تشيع وتحيا في معاملات المسلمين اليوم.

    ولقد كانت المكافأة بالسوء مستنكرة حتى مع البهائم ؛ إذ حينما فرت امرأة مسلمة من العدو على ناقة مسلوبة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نذرت غن وصلت للمدينة ناجية أن تنحرها ، فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بئسما جزيتيها ".( رواه أحمد وحسنه الألباني في الصحيحة ).

    ومنعت من نحرها لهذا المعنى ولعدم جواز نذرها بما لا تملك.

    الله ناصرك طالما أحسنت

    وللمحسنين الذين يلقون الإساءة بدل الإحسان عزاء في أن الله ناصر لهم كما جاء في قصة الصحابي الذي شكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لي ذوي أرحام أصل ويقطعون ، وأعفو ويظلمون ، واحسن ويسيئون ، أفكافئهم - أي بمثل إساءتهم - ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ، إذا تتركون جميعا ، ولكن خذ بالفضل وصلهم ، فإنه لن يزال معك من الله ظهير ما كنت على ذلك " . ( رواه احمد ).

    والكريم لا ينسى الفضل لأهله ولا يجازي الإحسان بالإساءة ، بل هو يقابل الإساءة بالإحسان ، فحين استفسر أحد الصحابة قائلا: يا رسول الله ، الرجل أمر به فلا يقريني ولا يضيفني ، ثم يمر بي أفأجزيه؟ - أي بمثل بخله – قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا ، بل أقره" أي أعطه وضيفه . ( رواه الترمذي وصححه الأرناؤوط).وهكذا يكون أصحاب النفوس العالية ، يحيون المعروف بين الناس فلا يدعون محسنا إلا ويكافئونه ، ولا يمكن ان يكون المؤمن جحودا للمعروف ولا كفورا للعشير.
    محمود الخزندار-اسلام ويب
                  

09-11-2015, 03:35 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أسباب الوقاية من الشيطان
    مما لا شك فيه أن الشيطان هو أعدى أعداء الإنسان ، وهذه العداوة ليست جديدة إنما هي عداوة قديمة جدا منذ اليوم الذي أمره الله تعالى بالسجود لآدم فأبى.

    ولقد حذر الله عباده من هذا العدو اللعين في مواضع كثيرة من كتابه سبحانه ، ومنذ اليوم الأول لإهباط آدم عليه السلام إلى الأرض بين الله تعالى هذا الأمر فقال: (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)(البقرة: من الآية36).

    ونفس المعنى ورد في سورة الأعراف أيضا ، كما أمر الله تعالى بأكل الحلال الطيب ، ونهى عن اتباع خطوات الشيطان فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:168)

    وقال مبينا عداوة الشيطان للمؤمنين:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:208)

    وقال سبحانه وتعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يّـس:60)

    وقال : (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (الزخرف:62)

    ومما ينبغي أن يعلم أن هذا العدو لا قدرة للعبد على دفع شره إلا بالاستعانة بالله عز وجل ؛ فليس هو كبني آدم ممن يمكن اتقاء عداوتهم بشيء من المداراة والإحسان أو التغافل أو غيرها من الوسائل ، فهو عدو غير مرئي لا تصلح معه المداراة ولا الإحسان فلابد إذن من الاستعانة بالله لرد كيده والنجاة من مصايده ووساوسه؛ ولهذا يقول الله عز وجل: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأعراف:200)

    ويقول سبحانه: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36)

    فلا نجاة للعبد من مكائد الشيطان إلا بالله تعالى، وقد شرع الله تعالى لنا من الأسباب ما نتقي به شر هذا العدو اللعين ، ومن هذه الأسباب:

    أولا: الاستعاذة بالله:

    فهي من أقوى الأسباب لدفع شره كما مر من قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36)

    وقد استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة جلوس عنده ، وأحدهما يسب صاحبه ، مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إني لأعلم كلمة ، لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".( رواه البخاري) .

    ثانيا: قراءة آية الكرسي:

    وقد دل على ذلك الكثير من الأدلة ، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة ، قال : فخليت عنه ، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة " . قال : قلت : يا رسول الله ، شكا حاجة شديدة ، وعيالا فرحمته فخليت سبيله ، قال : " أما إنه قد كذبك ، وسيعود " . فعرفت أنه سيعود ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه سيعود ) . فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ، لا أعود ، فرحمته فخليت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أباهريرة ما فعل أسيرك " . قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته فخليت سبيله ، قال : " أما إنه كذبك ، وسيعود " . فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله ، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ، ثم تعود ، قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت ما هو ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) ، حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فعل أسيرك البارحة " . قلت : يا رسول الله ، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال :" ما هي؟ ". قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } . وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة " . قال : لا ، قال : " ذاك شيطان " ،(رواه البخاري).

    وأخبر أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان لهم جرين فيه تمر وكان مما يتعاهد فيجده ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة كهيئة الغلام المحتلم قال: فسلم فرد عليه السلام فقلت: ما أنت جن أم أنس؟ قال: جن. فقلت: ناولني يدك، فإذا يد كلب وشعر كلب فقلت: هذا خلق الجن؟ فقال: لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني، فقلت: ما يحملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك تحب الصدقة فأحببت أن أصيب من طعامك، فقلت ما الذي يحرزنا منكم( أي يقينا ويحفظنا)؟ قال: هذه الآية آية الكرسي قال: فتركته ، وغدا أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال: " صدق الخبيث".( المنذري في الترغيب والترهيب بإسناد حسن).

    ثالثا : قراءة المعوذات:

    فقد روى النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ، وعين الإنس ، فلما نزلت المعوذتان ، أخذ بهما ، وترك ما سوى ذلك". ( صححه الألباني).

    وروى مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط ؟ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس".

    وعنه رضي الله عنه قال: بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ ب

    (أعوذ برب الفلق ) و ( أعوذ برب الناس ) ويقول :"يا عقبة تعوذ بهما ؛ فما تعوذ متعوذ بمثلهما" قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة.(رواه أبو داود ، وصححه الألباني).
    نكمل الحديث حول أسباب أخرى ومنها:

    أولا:المحافظة على الأذكار:

    فمما لا شك فيه أن ذكر الله عز وجل من أعظم أسباب الوقاية من الشياطين ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس.

    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: قال بعض السلف:إذا تمكن الذكر من القلب فإن دنا منه الشيطان صرعه كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان ، فيجتمع عليه الشياطين فيقولون:ما لهذا؟فيقال: قد مسَّه الإنسي!.

    وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة خطيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ".

    وهكذا بقية الأذكار فإذا خرج المسلم من بيته فذكر الله بما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال إذا خرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له حينئذ: كفيت ووقيت وهديت، فتنحى له الشيطان، فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي" .(رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن).وهكذا الذكر عند دخول البيت وعند الطعام فإن العبد إذا فعل ذلك قال الشيطان لأصحابه: "لا مبيت لكم ولا عشاء".

    ثانيا: قراءة سورة البقرة:

    وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا: " إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة". ( رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم: "...اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة".( رواه مسلم ).

    وفي سورة البقرة الآيتان الأخيرتان اللتان قال عنهما النبي صلى الله عليه وسلم: " الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه".(رواه البخاري ومسلم ).

    ثالثا: تعويذ الصبيان ، وجمعهم قبل الغروب:

    فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما بهذا الذكر:" أعوذ بكلمات التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.ثم يقول : إن أباكم إبراهيم كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق".( البخاري).

    كما كان يوصي بجمع الأولاد عند الغروب ؛ لأنه وقت انتشار الشياطين، فعن جابر رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء. فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء". ( رواه مسلم).( الفواشي كل منتشر من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها ، وفحمة العشاء ظلمتها وسوادها ).

    رابعا:الإخلاص والتوكل على الله:

    من أعظم أسباب حفظ الله للعبد من الشياطين توكل العباد على ربهم وإخلاصهم له سبحانه وتعالى،أما التوكل عليه عز وجل فإنه يعني صدق اعتماد القلب على الرب في جلب المنافع ودفع المضار،وقد قال الله تبارك وتعالى مبينا أثر التوكل في الحفظ من الشيطان: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (النحل:99).

    وأما الإخلاص لله تعالى فإنه يعني أن يقصد العبد بعمله وجه الله تعالى وثوابه والدار الآخرة ، ولا يرجو بعمله رياء ولا أن يسمع الناس به ولا أن يتحدثوا عنه وعن فضائله ، وهو بهذا المعنى مفتاح كل خير وبالإضافة إلى هذا فإنه من أعظم أسباب النجاة من مكائد الشيطان ، كما قال الله تعالى مخبرا عن قول إبليس لعنه الله : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) . (صّ:82-83).

    نسأل الله الكريم بمنه أن يوفقنا وإياكم والمسلمين لكل خير ، وأن يجنبنا كل مكروه وسوء وفتنة ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-11-2015, 03:38 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    مجالس الصالحين
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين ، وبعد:

    فإن الإنسان كما يقولون مدني بطبعه ، ولابد له من مخالطة الناس ، فإذا كان الأمر كذلك وكانت مخالطة الناس أمرا لابد منه فالأجدر بالعبد أن يختار الصحبة الطيبة التي يقضي معها وقته في مجالسه ورحلاته وسفراته ، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطورة هؤلاء الذين نصاحبهم ونجالسهم حين قال: " مثل الجليس الصالح والسوء ، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك : إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير : إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحا خبيثة ". ( رواه البخاري ).

    وإن نظرة واحدة على مجالسنا اليوم تبعث في النفس الأسى لما آل إليه حالنا حيث تنتشر الغيبة واللغو والباطل وغير ذلك من المظاهر الفارغة ويزداد الأسى حين تقارن هذه المجالس بمجالس الصالحين والتي سنعرض لنماذج منها في مقالنا هذا.

    الصحابة أكابر الصالحين

    لقد اختار الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأصحاب،فهم أفضل الأمة، وأبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، والجهاد في سبيله؛ لنشر الإسلام.

    هم فوقنا في كل علم وفقه ودين وهدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا، وإذا كان أحدهم يرى الرأي فينزل القرآن بموافقة رأيه، فإن رأيه صادر من قلب ممتلئ نوراً وإيماناً وحكمة وعلماً ومعرفة وفهماً.

    هؤلاء الصالحون أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت لهم مجالس، لكنها مجالس عامرة بالإيمان والخير، قال فضيل بن غزوان: كنا نجلس أنا ومغيرة نتذاكر الفقه، فربما لم نقم حتى نسمع النداء بصلاة الفجر. وكانوا يجتمعون فيأمرون أحدهم أن يقرأ عليهم القرآن، اجتمعوا فقال عمر -رضي الله عنه-: يا أبا موسى ذكّرنا ربنا، فقرأ وهم يستمعون.

    وكان الواحد منهم يقول للآخر ولمن معه: اجلسوا بنا نؤمن ساعة، وصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه التطوع في جماعة مرات، وخرج على الصحابة من أهل الصفة وفيهم قارئ يقرأ، فجلس معهم يستمع.

    فعن جابر -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نقرأ القرآن، وفينا العربي والأعجمي، فقال: "اقرءوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلون".( رواه أبو داود،وصححه الألباني ).

    وكان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جلسوا يتذاكرون، فإنهم يذكرون ما بعد الموت، والآخرة، فعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، ثم ذكر لهم علاماتها" (رواه مسلم).

    هكذا كانت مجالسهم يتذاكرون الخير وأحكام الآخرة، وأمور الدين والإيمان، وكانوا يستعدون بما يتذاكرون للفتن، فعن أبي سعيد قال: "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قلنا: بلى، فقال: الشرك الخفي: أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل". ( رواه ابن ماجه،وحسنه الألباني ).

    كان جلوسهم للفقه في الأعمال، ومعرفة ما هو الأقرب إلى الله، فعن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه" حديث صحيح( المستدرك:2384).

    وهكذا كانوا يجلسون فيتذاكرون: مَن هؤلاء أهل الجنة؟ ما هي صفاتهم؟.

    روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى، قال:آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم استحلفكم تهمة لكم وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثا مني ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومَنَّ علينا بك. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: أما إني لم استحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فاخبرني ان الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة".

    هكذا كانت مجالسهم ، ولا يمنع أن يكون في بعض مجالسهم شيء من الشعر، وأيام العرب، وأمور الجاهلية، والذكريات القديمة، لكنه ليس حديثاً محرماً ولا مُسفّاً، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متحزقين (أي: منقبضين) ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم، (فليسوا أصحاب كآبة، وإنما كانت فيهم حيوية، وكان فيهم نشاط)، قال: وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحد منهم على شيء من أمر الله (أي معصية) دارت حماليق عينيه كأنه مجنون".(حسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد).

    فلا يرضى الواحد منهم بالمنكر، ولا يمكن أن يشترك فيه، وإذا رأى أمامه منكرا، أو دُعي إلى منكر فهكذا يكون حاله.

    أمام البيوت

    إن كثيرا من الصحابة ما كانت لهم داخل بيوتهم أماكن للجلوس، فكانوا يجلسون في أفنيتها وعلى حافة الطريق.

    قال أبو طلحة: كنا قعوداً بالأفنية نتحدث، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام علينا، فقال: "ما لكم ولمجالس الصعدات؟ (أي: الطرقات)، اجتنبوا مجالس الصعدات (وذلك لأن الجلوس فيها قد يضيق الطريق، ويكون فيه من إطلاق البصر ما فيه، إلى غير ذلك من الآفات)، فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر ونتحدث، (أي: في أمر القرآن والوحي، وأمر الفقه والأحكام، وأمر الآخرة وتذكر ما فيها)، قال: "إما لا، فأدوا حقها، (أما إذا أبيتم إلا هذا ولم يكن عندكم غيره فأدوا حق الطريق)، قال: غض البصر ورد السلام وحسن الكلام". رواه مسلم.

    فكانوا يضطرون للجلوس فيها، لكن لأي شيء؟ لأجل أن يتذاكروا؛ ولأجل أن يتفقهوا ويتدارسوا، وهكذا كانوا.

    وإذا حصل منهم في مجلس شيء من الخوض في قضية لا يصلح الخوض فيها، أو لا بد لها من ضوابط، كان التذكير النبوي يأتي.

    فعن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتنازع في القدر، (أي: نتباحث في شأنه)، فغضب حتى احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجهه الرمان، (من شدة الغضب)، فقال:" أبهذا أمرتم، أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه". رواه الترمذي، و حسنه الألباني.

    فالدخول في القدر إذا كان بعلم وفقه فلا بأس به، وإذا كان جدالاً ونقاشاً بلا حجة، ولا بيان، فيُنهى الإنسان عنه، وكذلك فإن بعض مجالس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كان فيها شيء من شكوى الحال بين بعضهم البعض، قال أبو الدرداء : خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، وفي رواية كنا نتذاكر الدنيا وهمومها ونخشى الفقر، فقال -صلى الله عليه وسلم- لهم: "ألفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتُصَبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ قلبَ أحدكم إزاغةً إلا هي ،وايم الله لقد تركتم على مثل البيضاء ليلة ونهارها سواء". (رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني ) وفي هذا بشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة بأن الله سيغنيها من فقرها، ولكنه حذرهم من فتنة الغنى؛ لأن حب الدنيا يزيغ القلوب بعد استقامتها، ويضلها بعد هداها، وتكون الفتنة، ولذلك لم يكن يخشى عليهم الفقر وإنما كان يخشى عليهم فتنة الغنى، هذا بعض ما كان في مجالس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

    فكيف هي مجالس اليوم؟

    هذه حال مجالس أصحاب محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، فما هي حال مجالسنا نحن اليوم؟ كم فيها من الدين، وكم فيها من الدنيا؟، كم في مجالسنا من الطاعة، وكم فيها من العصيان؟، كم يطغى عليها من أخبار الدنيا، وتجارة الدنيا، وأمور البيع والشراء، والبضائع والأسعار، والمحلات، والخدمات؟، وهكذا يدور أصحاب كل همٍ إذا اجتمعوا في همهم الدنيوي، فمجالس الموظفين، ومجالس الطلاب، ومجالس التجار، ومجالس الأطباء، ومجالس النساء، إذا ارتقت تكلموا فيما يعملونه بالنهار، وأما مجالس نسائنا فكثيرا ما تكون مشغولة بالأزياء، والموضات، والأكلات، والحفلات، وحال الأسواق والمحلات، هل مجالسنا عامرة بذكر الله؟ هل تُطرح فيها قضايا العلم والفقه؟ هل يحصل فيها التذاكر لأمور الآخرة؟ هل يكون فيها شيء من معاني القرآن والسنة؟ أم أن فيها أمور من الغيبة، والنميمة، ونهش الأعراض، والتفكه بلحوم الخلق، مهاترات، مماراة، جدال، مجاملات، ومداهنات باطلة، بل قد لا تسلم من شيء من الانتقاص، أو الاستهزاء ببعض أمور الدين، وذلك أمرٌ خطيرُ جداً، اعتداء على الخلق، وانتقاص، وازدراء، واحتقار، واستهزاء، أين تلك المجالس التي كان يجلس فيها أولئك الصحابة، فيعمرونها بالعلم والإيمان؟ "ما اجتمع قوم في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله -عز وجل-، ويصلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلا كان مجلسهم ترةً عليهم يوم القيامة" (أي: حسرة) (رواه أحمد بسند صحيح)، "وما اجتمع قومٌُ على ذكر فتفرقوا إلا قيل لهم: قوموا مغفور لكم"مسند أحمد(12453)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/98)، وقال: صحيح لغيره.

    فالقرآن ذكرٌ، والسنة ذكرٌ، والفقه ذكرٌ، وأمور الآخرة ذكرٌ، وهكذا، أمور الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمور تقويم المجتمع والمحافظة على الأسرة إسلامية، أمور تربية النفس وتربية الأولاد ، أمور التفقه في الحلال والحرام، أمور القيام بتبليغ الإسلام، وهكذا يُذَكّر الناس بأبواب الصدقات، وأيضاً يُجالس المسلم قوماً يلتقطون له طيب الكلام كما يُلتقط طيب الثمر، فإذا كان أصحابك من الأخيار كان مجلسك كذلك.

    المجالس الإلكترونية

    يا مسلمون: هذه مجالسنا الالكترونية اليوم التي طغت على المجالس الوجاهية الحضورية الاجتماعية، فصار الناس يجالس بعضهم بعضاً عبر الشاشات: محادثات، مجموعات، منتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، فماذا يحدث فيها؟ ما هي موضوعات المجالس الإلكترونية؟ يقولون: دردشات، ثم تنظر فيها، فإذا فيها من أمور الجنس ما لا يمكن أن يتحمله من عنده حياء، ثم فيها أمور من إشاعة الفاحشة، وربما تذكر بعض أذكار الخلاء إذا اطلعت على بعض ما فيها، وهذه المجالسة للطرف الآخر، سواء كان أمامك مباشرة، أو خلف شاشته، فإنها تؤثر في النفس بل هي مجلس ولو كان على البعد.

    هذه المجالس الإلكترونية لها اليوم آثار كبيرة، وخطيرة، كان السلف يلتمسون مجالس العلم، مجالس الحديث، وللمجالس آداب، فهاهنا التماس مجلس الرجل الصالح وصاحب العلم، عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قلت: اللهم يسر لي جليساً صالحا، فأتيت قوماً فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: مَن هذا؟ قالوا: أبو الدرداء قال علقمة ـ وهو تابعي ـ فقلت: إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحا، فيسرك لي. وقال حريث بن قبيصة: "قدمت المدينة فقلت: اللهم يسر لي جليس صالحاً، قال: فجلست إلى أبي هريرة".

    إذاً: كان هناك دعاء يلتمس فيه هذا من ربه أن ييسر له جليسا صالحاً: صاحب علم، صاحب دين، يُذكّر، ينصح، وهكذا مجالس الصالحين والأخيار، يوقَّر فيها الكبير ، ويُرحم الصغير، ويُغض من الصوت، ويقال فيه الكلمة الطيبة، والمجالس بالأمانة، فلا تفشى فيها الأسرار، ولا يتناجى اثنان فيها دون الثالث، وفيها تلك الكفارة العظيمة إذا قاموا من مجلسهم: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".

    فيها التفسح للداخل، والتزكية، والتهذيب، والتربية وغيرها من فوائد مجالس الصالحين ، نسأل الله أن يجعل مجالسنا عامرة بذكره ، وأن تكون في موازين حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

    اللهم اجعل مجالسنا عامرة بذكرك، اللهم ارزقنا مجالسة الأخيار، وباعد بيننا وبين الأشرار.
    إسلام ويب
                  

09-11-2015, 04:18 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أتبع السيئة الحسنة تمحها
    تكلمنا في مقال سابق عن سعة رحمة رب العالمين ومحبته جل وعلا للعفو والمغفرة، وأن من أسمائه سبحانه الغفور والغفار والغافر ، وذكرنا أن أولى الناس بهذا العفو والمغفرة من تعرض لأسبابها ونبدأ الحديث عن بعض أسباب المغفرة، ومن أهم هذه الأسباب:

    فعل الحسنة بعد السيئة

    إن الخطأ والوقوع في بعض المعاصي لا يكاد يسلم منه أحد ، وإن كان الناس يتفاوتون بين مقل ومستكثر.وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم".

    وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره أنه قد أصاب من امرأة قبلة، فأنزل الله قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ){هود:114} ، إنها منة عظيمة من الله على هذه الأمة أن جعل حسنات بنيها تكفر سيئاتهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران: 135ـ 136 )

    ، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى حين قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: " وأتبع الحسنة السيئة تمحها".

    إن الذنوب يا أيها الأحبة الكرام توبق العبد وتهلكه ، والنجاة منها التعرض لأسباب المغفرة...ومنها فعل الحسنة بعد السيئة ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى وجلاه ووضحه حين قال: " إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة، قد خنقته، ثم عمل حسنة فانفكت حَلْقة، ثم عمل أخرى فانفكت حلقة أخرى، حتى يخرج إلى الأرض".

    وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه عليّ، ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم، فحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال ـ أي الرجل ـ : يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيّ كتاب الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أليس قد صليت معنا؟" قال: بلى. قال: " فإن الله قد غفر ذنبك".

    كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "إن رجلا أذنب ذنبا , فقال : يا رب , إني أذنبت ذنبا فاغفره . فقال الله : عبدي عمل ذنبا , فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي , ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره . فقال تبارك وتعالى : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي . ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره لي . فقال عز وجل : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي , ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره . فقال عز وجل : عبدي علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , أشهدكم أني قد غفرت لعبدي , فليعمل ما شاء".

    لكن انتبه فهناك فرق كبير بين هذا الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وبين المُصر، فهذا الرجل يجاهد نفسه على ترك المعاصي فإذا غلبته نفسه ووقع في المعصية ندم واستغفر وهكذا فهو دائم المجاهدة لنفسه وهواه ،والآخر المصر لا تبدو منه مجاهدة ولا يستغفر ولا يندم ، فالأول موعود بالمغفرة طالما كان على هذا الحال من المجاهدة والتوبة والاستغفار والندم.

    لا تيأس من رحمة الله

    فبعض الناس يقول: إنني أسوا من أن يغفر الله لي ، فيترك التوبة والندم ويستمر على المعاصي والفجور بزعم أنه لا يغفر له ،وهذا اليأس والقنوط من رحمة رب العالمين هو الذي يود الشيطان لو ظفر به من بني آدم.

    أتدري أيها الحبيب أن الشيطان قد بكى حين نزل قوله تعالى:

    ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ){آل عمران:135}

    ألا تعلم أن اليأس في ديننا منهي عنه : (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ){يوسف:87} أتعلم أن الله غفر لبغي من بغايا بني إسرائيل لما سقت كلبا قد اشتد عطشه؟.
    أتدري أيها الحبيب أن الشيطان يشتد حزنه حين يراك تائبا نادما؟.

    أتعلم أن الله من محبته للمغفرة لم يعدك فقط مغفرة ذنوبك، إنما وعدك أن يبدلها حسنات..

    ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) {الفرقان:68ـ 70}

    نصح علي بن أبي طالب من سأله عمن و قع في ذنب فقال: يستغفر الله ويتوب. قال: فإن عاد؟ قال: يتوب...قال حتى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور.

    وهذا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لي ولك وللأمة كلها:

    " إذا أسأت فأحسن".

    "إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها".

    نسأل الله مغفرة ذنوبنا والتجاوز عن سيئاتنا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-11-2015, 04:30 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    ربكم يحب المغفرة
    من أسماء الله تعالى: الغفور ـ الغفار ـ الغافر.

    وأصل الغَفْر التغطية والستر، وهو في حق الله عز وجل أن يستر على عبده فلا يفضحه بذنبه، ويكثر ويزيد عفوه على مؤاخذته، وقد أنزل الله في كتابه آيات تتلى تبين للعباد أنه سبحانه يحب المغفرة:

    [نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الحجر:49} ، [وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ] {الكهف:58} ، [غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ] {غافر:3}، وقال نوح عليه السلام لقومه: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا] {نوح:10} ، إنه الله الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا، وكل أحد فقير إلى عفوه ومغفرته، كما أن كل أحد فقير إلى رحمته سبحانه وكرمه.

    ومع كمال غناه وفقر عباده إليه، فإنه ينادي عليهم صباح مساء:(... يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الزُّمر:53} ،

    إنه الله الذي لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين، ومع ذلك يعفو ويغفر يستر ويرحم،بل رحمته ومغفرته واسعة.

    [إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ] {النَّجم:32}، [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ] {الأعراف:156}، بل من حبه لرحمة العباد كتب كتاب الرحمة بيده،كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: " كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق، رحمتي سبقت غضبي" صحيح.

    وكما قال: " لما قضى الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي". فلا ينبغي أن ييأس أحد من مغفرة الله تعالى لذنوبه وإن عظمت ، فإن الله يحب المغفرة ؛ قال عليه الصلاة والسلام : " إن الشيطان قال وعزتك يا رب لا أبرح أغوى عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الرب : وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.

    إن مغفرة ذنب واحد خير من الدنيا وما فيها:

    وقد بين الله تعالى هذا المعنى في قوله تعالى: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) {آل عمران:157}.

    إنها مغفرة العزيز الغني:

    إن مما لا شك فيه أن مغفرة الله تعالى لعباده ليست ناتجة عن عجز أو فقر أو حاجة تعالى الله عن ذلك كله بل الله تعالى هو الغني العزيز ذو القوة والجبروت ، ولهذا ورد في القرآن اقتران اسميه سبحانه العزيز والغفور ، كما ورد اقتران العزيز والغفار في بعض الآيات من نحو قوله تعالى:

    [إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ] {فاطر:28}، [أَلَا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ] {الزُّمر:5}، [رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا العَزِيزُ الغَفَّارُ] {ص:66}، فليست مغفرته تعالى لعباده لعلة، ولا لحاجة، ولا لاستحقاق، إنما محض فضل وجود وإنعام.

    سؤال الله المغفرة هي دعوة الأنبياء:

    فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل ربه المغفرة في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة ، ولما سألته أمنا عائشة رضي الله عنها إن أدركتها ليلة القدر ما تقول فيها ، قال : قولي : "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".

    دعانا للتعرض لأسباب المغفرة:

    إن ربنا تبارك وتعالى يغفر لمن يشاء من عباده الذين لا يشركون به ول بغير أسباب كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) {النساء:48}، لكنه مع ذلك دعا عباده للتعرض لأسباب المغفرة ، وبين لهم أن أولى الناس بمغفرة ربه هم أولئك الفطناء الذين أخذوا بأسباب المغفرة ، وفي بيان ذلك يقول ربي تبارك وتعالى:

    [وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى] {طه:82}

    ففي الآية بيان لبعض أسباب المغفرة ووعد من الله تعالى لمن تعرض لهذه الأسباب أن يغفر الله له.

    كما بين ذلك أيضا في مواضع أخرى من كتابه فقال: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) {الفرقان: 68ـ 70}

    وقال الله عز وجل: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) {النمل:11}

    إن التعرض لأسباب المغفرة لهو من أقصر السبل لنيل الجنة:

    كما بين الله تعالى ذلك في كتابه الكريم فقال:(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) {آل عمران:133}.

    فهيا بنا أيها الأحبة نتعرض لأسباب المغفرة ـ التي سنتحدث في مقالات قادمة عن بعضها ـ ولتهتف قلوبنا قبل ألسنتنا مع هذا الذي استشعر سعة رحمة ربه تعالى:

    لي في نـــوالك يـا مــولاي آمــــال من حيث لا ينفع الأهلون والمـال

    ولم يضق بي منك العفـو إن ختمت لي بالشــهـادة أقـــــوال وأفعــــال

    كن لي إذا أغمضوا عيني وانصرفوا باكين أسـمـع منهــم كل مـا قالـوا

    وامنن بــــروح وريحـــان عليَّ إذا ضاق الخناق فهول الموت أهوال

    واسـتـخرج النفسَ أمــلاكٌ مطهرة لهـا إلى لـطفك المأمـــول تـرحال

    أصبحت بين يديك اليوم منطرحـا ولي بنفسي عـن الأغيـار أشغـال

    فأولني يا غفـــور العفوَ مـنك فـلا يبقـى عـلـيَّ مـن الأوزار مـثـقال
    اسلام ويب
                  

09-11-2015, 04:32 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أنتم الفقراء إلى الله
    إن الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى من العبادات القلبية العظيمة التي لا بد أن يستحضرها المؤمن امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى لعباده، حيث قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15)

    فالعبد ينبغي أن يكون مفتقرا إلى الله تعالى، لا إلى أحد من الناس، ولا إلى شيء من الدنيا، فهو قد نفض يديه من الدنيا، فلا يطمع ولا ينافس فيها، ولا يتعلق قلبه بها، لأنه مفتقر على الله وحده لا شريك له، وأكثر الناس قد افتقروا إلى الدنيا، إلى شهواتها ولذاتها، لا يفترون عنها، منهم من افتقر إلى المال، ومنهم من افتقر إلى الجاه، وعامة الناس، يفتقرون إلى الأهلين والأصحاب، ويضحون من أجلهم بدينهم في كثير من الأحيان.
    كما قال إبراهيم عليه السلام، قال الله تعالى عنه: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (العنكبوت:25)

    ،فهم كما قال الله تعالى: (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) (هود:109).

    فكثير من الناس يبيع ما فطره الله عليه من التوحيد لأجل ألا يفقد الروابط الاجتماعية، فهو مفتقر إلى هذه الروابط أشد من افتقاره إلى الله تعالى، ولذا كان الفقر إلى الله يستلزم نفض اليدين من الدنيا بأنواع الشهوات التي فيها: النساء والمال والجاه والعلاقات الاجتماعية والمساكن و التجارة التي يخشى كسادها وغير ذلك من متاع الدنيا، ونفض اليدين يكون بالتخلص من البخل ومن الحرص، فلا يبخل بها إذا وجدت، ولا يحرص عليها إذا فقدت، أما إن كان يتطلع إليها ويريد أخذ المزيد منها، فهو لم يتخلص منها، وأكثر الناس فقراء لكونهم متطلعين ، فقد يجمعون بين الفقر من جهة فقد الدنيا من أيديهم، وبين الفقر من جهة طلب الدنيا، فهم فقراء من الدنيا وإلى الدنيا، فقد ضاع منهم الأمران فلم يتمتعوا بشهواتها؛ لأنها مفقودة، وهذا الفقد أمر طبيعي أصلي؛ لأن الشهوات لا تتسع لينالها كل أحد، فالمُلْك مثلا لا يناله إلا آحاد الناس، فلا يمكن أن يكون هناك مَلك في كل بقعة، أو أن يكون كل إنسان مَلكا، وكذلك الغِنى، فالمال لا يكون في يد أكثر الناس، فالفقر أكثر من الغنى، والجاه مثله، فهذه أمور لا يستمتع أكثر الناس بشهواتهم فيها، ولكن المصيبة أنهم يحرمون تخلُّصَ قلوبهم منها، فيظلون متعلقين بها، يجرون وراءها وهم محرومون، ومن وُجدت في يده ولم ينفُضْ قلبَه منها، فهو يتطلع إلى المزيد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب"، وفي الرواية الأخرى: " لو أن لابن آدم واديا من مال؛ لابتغى إليه ثانيا، ولو كان له ثان؛ لابتغى إليه ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".

    صفة المفتقر إلى الله:

    لكي يكون الإنسان مفتقرا إلى الله وحده لا شريك له ، لا بد أن يكون غافلا بقلبه عن قدر الدنيا، غير ملتفت إليها، فإنما قيمتها عنده كما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم : " كجَدْيٍ أَسَكّ"، أي: مقطوع الأذنين " ميت " ولذلك هو يسلم منها طلبا وتركا، يسلم من أن يطلبها، فهو سالم منها؛ لأنه يراها لا تساوي، ولا تستحق المنافسة، وإذا تركها لم يشعر أنه ضحى بشيء ذي قيمة ، فهذه رؤية مطلوبة لازمة للإنسان؛ لأن الله تعالى قال: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20)

    فالمؤمن سلم منها طلبا، فلا ينافس في عزّها، ولا يجزع من ذلها، ولا يأسى على ما فاته منها، ولا يفرح بما آتاه الله منها فرح العجب والغرور ونسبة الكمال للنفس ونسبة تحصيل الدنيا بنفسه، كمن قال : " إنما أوتيته على علم عندي"، وكمن قال : " هذا لي"، وكمن قال: " أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا".

    فهذه الألفاظ صدرت عن أناس وصلوا إلى الكفر بسبب هذا الفرح بالدنيا والعجب بها، أما المؤمن فإنه يفرح برحمة الله، يفرح بالله تعالى ويستغني به عز وجل، وهو عين الافتقار إليه، فهذه عبادات قلبية ضرورية ، الافتقار إلى الله والغنى به عن الخلق سبحانه وتعالى والفرح به تعالى ، فيجب أن تفرح بفضل الله وبرحمته وتفرح بنعمة الإسلام، وهو في الحقيقة سبب الاستغناء عن الخلق، و الافتقار إلى الله تعالى.
    فالغرض المقصود أن يسلم الإنسان من الدنيا طلبا وتركا فلا ينافس فيها، فهو لم يبخل ولم يتطلع ولم ينافس، وعندما تركها لم يعظم تركها، لم يقل: أنا تركت شيئا غاليا، فهو يسلم منها حين يتركها.

    الفقر إلى الإلهية:

    ومن الافتقار إلى الله عز وجل أيضا الافتقار إليه في إلهيته سبحانه وتعالى أي: في التوفيق إلى الأعمال الصالحة، وهو الافتقار إليه في أمر الهداية وعدم حصول العُجب، كما عند أهل الدنيا، فأهل الدنيا يحصل لهم عجب وكبر وغرور بسبب حصول الدنيا، وأما أهل الدين فيدخل الشطيان إليهم مدخلا آخر؛ فهم يتمدحون بالجهاد، وبالكرم، وبالدعوة، وبالقراءة، وبأنواع المدائح الشرعية، فالعبد المؤمن مفتقر إلى الله تعالى، في عبادته ويعرف أن منازله التي يحصلها والعبادات التي يوفق لها هي محض توفيقه عز وجل ومنة منه تعالى، فيفتقر إلى الله في الهداية، لذلك يقول: " اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم".

    فهو يشهد نعمة الله عليه وعلى غيره، ويسأله الهداية ليل نهار، ويعلم أن التوفيق من عند الله تعالى وأنه لا يثبت على الخير بنفسه، بل يثبته الله عز وجل مقلب القلوب ومصرف القلوب سبحانه وتعالى، فهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا في أمر الدين، كما لم يملكه في أمر الدنيا، فيزول من قلبه إعجاب النفس بالأحوال والمقامات، ونسبة هذه الأعمال إلى نفسه والتمدح بها، فهذه الأمور في حقيقتها من الدنيا لكنها مغلفة بستار الدين، فطلب المدح بها أو طلب التعالي بها موجود عند أهل الطاعات كما هو موجود عند أهل الدنيا بالدنيا.

    فالمؤمن يشهد فقره إلى الله تعالى إلها معبودا، وأن الله عز وجل هو الذي سبق فضله إليه كل شيء.

    فما كان به من خير فمن الله، فهو لم يتغير حاله إلى الطاعة وإلى الإيمان وإلى الحب وإلى الخوف وإلى الرجاء وإلى التوكل وإلى الافتقار وإلى الصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة بنفسه، ولم يوفق إلى ذلك بنفسه إلا أن هداه الله، كأهل الجنة الذين يقولون:( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). وهذا يحصل بأن يراجع ويطالع سبق فضل الله سبحانه وتعالى عليه بكل سبب ومنّة، وأنه كان عدما محضا، فهيأ الله له في ذلك العدم أسباب الطاعات، ورقاه إلى أهل المنازل العالية والمناصب السامية، فلم يتعال على الناس بعلمه ولا بعمله ولا بزهده، فمن فقد هذا الفقر إلى الإلهية مَرِض أمراضا أخطر من أمراض أهل الغنى بالدنيا، فمن يرى نفسه في منزلة فوق الناس بعلمه أو عمله أو جهاده، ويطلب مدحهم على ذلك، فهو من أول من تسعر بهم النار.

    وتنبع هذه الأمراض من رؤية الإنسان لنفسه في هذه الأعمال، فلو تخلص منها، وافتقر إلى الله فيها، وشهد أن هذا ليس من نفسه بل بتوفيق الله تعالى؛ فلن يطالع نفسه في مقام فوق الناس، ولن يرى لنفسه فضلا على الخلق، ولن يرى لنفسه تفضلا على أحد، فلا يمن عليهم بعلمه أو بعمله.

    ومن الافتقار إلى ربه سبحانه وتعالى إلها أن يشهد نفسه بغير قدرة على الطاعات ولا قوة إلا بالله سبحانه وتعالى، وأنه مفتقر إلى أن يكون قريبا من الله سبحانه وتعالى في كل عباداته وأعماله، فبهذا يصل إلى شهود أن الأسباب مجرد أسباب يسرها الله عز وجل بما فيها الأعمال الصالحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يُدخِلُ أحداً منكم عملُه الجنة" قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:" ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل"، فهذا مقام الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى في كل شيء، حيث يرى الأسباب كلها ويرى نفسه ضعيفة، لا تؤثر شيئا إلا أن يجعلها الله كذلك، فيحقق حقيقة: " لا حول ولا قوة إلا بالله"، ويحقق حقيقة:" اهدنا الصراط المستقيم صراط الله الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".

    فإذا اكتمل له ذلك حقق كمال الافتقار إلى الله تعالى، فاستغنى به سبحانه وتعالى، فالغِنى عن الخلق هو عين الافتقار إلى الله تعالى، وهو غنى النفس وغنى القلب بالله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ليس الغِنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس"، وقال: " إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب"، فالفقر إلى الدنيا يجعل العبد مستغنيا عن الله سبحانه وتعالى، فقيرا إلى غيره.

    وهذا حال أكثر أهل الدنيا بمن يظهرون الدين، ويعملون الأعمال الصالحة لأجل الدنيا لا لأجل الدين، فأما من افتقر إلى الله سبحانه وتعالى فقد اقترب منه ، ومن اقترب أغناه الله تعالى، فهو يستغني بالله: بحبه عن حب من سواه، وبالخوف منه عن خوف من سواه، وبالرغبة فيما عنده عن الرغبة فيمن سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، فيستغني بالله سبحانه وتعالى عن كل من دونه، ويغنيه الله تعالى بركعة أو بسجدة، أو بدعاء، أو بآية من آيات الله يتلوها، وكل ما يقربه إلى الله سبحانه وتعالى، فيستحضر معية الله تعالى في كل وقت، ويستحضر تدبير الله تعالى للكون في كل وقت، وذلك من شدة قربه من الله، أما من أخلد إلى الأرض فإنه يرى الدنيا كبيرة جدا، ويرى أسبابها عظيمة، فلا يرى إلا القوى الأرضية، وأما من علت نفسه واقترب من الله تعالى، فإنه لا يرى حركة لذرة في الكون إلا بأمر من الله: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). (يّـس:82)

    ولا يشهد ملكا إلا ملك الله تعالى، ولا يشهد غنى إلا غنى ربه سبحانه وتعالى، فيشهد كل شيء فقيرا لا يملك ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، ( مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(هود: من الآية56).
    وهذا يدفعه دائما إلى أن يرجو لقاء الله: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (العنكبوت:5).
    هذا الذين يدفع من أطاع الله تعالى أن يطيعه، ومن جاهد في سبيله أن يجاهد؛ لأنه يستحضر نفسه في تلك الحال، يرجو لقاء الله سبحانه وتعالى، ويشتاق إلى الله عز وجل، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه سبحانه وتعالى: " وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك".

    فالافتقار والشوق إلى لقاء الله تعالى، لذة هي أعظم لذات الدنيا وهو رجاء لقاء الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يدفع المؤمن ويحدوه إلى السير في الطريق مهما كانت العقبات.
    د ياسر برهامي
                  

09-13-2015, 01:05 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    التسويف والتباطؤ
    أخي: أتذكر كم مرة عزمت على فعل خير ثم أجَّلت؟

    كم مرة فكرت في قيام الليل ثم أرجأت؟

    كم مرة داعبت أفكارَك التوبة ثم سوَّفت؟

    كم مرة قالت لك نفسك: تصَدَّق، فقلت: غدا سوف أتصدق. وجاء الغد وتبعه آخر ولم تفعل؟

    أتدري ـ أيها الحبيب ـ أن التسويف والتباطؤ من أعدى أعدائك حيث يكون أكثر ندم أهل النار من : سوف؟.

    لأنهم كانوا يفكرون في فعل الخير، أو ترك المعاصي والمنكرات فأجلوا وسوفوا حتى نزل بهم الموت فندموا حيث لا ينفع الندم:( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) (سـبأ:54)

    ولقد ذم الله التباطؤ والتسويف فقال:

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً . وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً . وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) (النساء: 71-73)

    كما نبه الله المؤمنين إلى ضرورة وأهمية المبادرة بالأعمال الصالحة قبل حلول الأجل وهجوم سكرات الموت على العبد فقال:

    (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون:10-11).



    وقال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). (المؤمنون: 99-100)

    ونفس المعنى أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:

    " بادروا بالأعمال الصالحة".

    وقال:" اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".

    من أسباب التباطؤ والتسويف:

    1ـ ضعف الهمة والإرادة:

    فبينما تجد صاحب الهمة العالية في شغل دائم ، مهموما بإصلاح نفسه ، ساعيا في اللحاق بركب المتقين، تجد ضعيف الهمة كسولا متراخيا، مؤجلا عمل اليوم إلى الغد.

    ولعلك تعرف سر استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل إذ كان يردد كثيرا: " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل"

    2ـ صحبة البطّالين:

    فالإنسان يتأثر بالبيئة المحيطة به، ويكون التأثير الأكبر لأصحابه المقربين، فإذا كانت هذه الصحبة بطالة تميل إلى الدعة والراحة تهمل أداء الواجبات، وتميل إلى الجرأة على المنكرات، فإن من يخالط هذه الصحبة سيتأثر بها ولا شك، ولعل هذا هو السر في توجيه النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي".

    3ـ طول الأمل:

    فإن طول الأمل ينسي العبد التفكر في أمر الآخرة والاستعداد لها وكما قيل: لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلا.

    ولهذا كان الصالحون يستعيذون بالله من طول الأمل؛ لأنه يمنع صالح العمل.

    ويقول ابن الجوزي رحمه الله:

    يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدا، ولا يغتر بالشباب، والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت الشباب، ولهذا يندر من يكبر، وقد أنشدوا:

    يعمر واحد فيغر قوما وينسى من يموت من الشباب.

    4ـ ضعف جانب الخوف وتغليب جانب الرجاء:

    فالإنسان حين يأمن العقوبة قد يسيء الأدب، وحين يأمن الإنسان مكر الله وعقابه، ويمني نفسه بعفو الله ومغفرته فإن ذلك يوقعه في التسويف والتأجيل طالما أنه استقر في نفسه أن الله عفو غفور رحيم ، لكنه نسي أن الله تعالى شديد العقاب وأن بطشه شديد وأن عذابه أليم وأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

    وإذا كانت هذه الآفة من أشد الأمراض التي تفتك بالأفراد والمجتمعات والأمم، فإننا سنتعرض في مقال قادم إن شاء الله لبيان آثارها على الأفراد والمجتمعات، وأهم طرق العلاج....

    وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:07 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    ذم كثرة السؤال
    حين ينشغل العبد بطلب العلم النافع من حفظ للقرآن، وتعلم مسائل الدين، حين يكون له ورد من العبادة والطاعة و الذكر فإنه لن يكون مشغولا بكثرة السؤال، إنما ينشغل العبد بكثرة الأسئلة حين يكون قليل العمل، فتراه يكثر السؤال والتفريعات والمجادلة، بل تراه يسأل عما لا يعنيه، وهذه الظاهرة هي بلا شك مضادة تماما لسلوك السلف الصالح رضي الله عنهم، وهي قبل ذلك مما يبغضه ربنا جل وعلا، فإن الله لا يحب كثرة السؤال والجدل والمراء والتنطع، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (المائدة:101)

    فجدير بالعبد إن أتاه الأمر الشرعي، أن يمتثله ولا يكثر من الأسئلة، فقد يأتيه الجواب بما لا يسره أو بما يثقل عليه كما حصل مع بني إسرائيل حين أمروا أن يذبحوا بقرة، فلو عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها لأجزأتهم، لكنهم تنطعوا وتشدقوا وأكثروا الأسئلة حتى شُدِّد عليهم.

    وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين أكثروا سؤاله جدا، فقد روى البخاري في كتاب الفتن عن قتادة أن أنساً حدثهم قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة – أي أضجروه وأحرجوه بكثرة المساءلة – فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم المنبر فقال: "لا تسألوني عن شيءٍ إلا بينت لكم". فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي. يعني خوفا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أنس: ....ثم أنشأ عمر يقول: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، نعوذ بالله من سؤ الفتن.

    فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الآية.

    ولما نزل قول الله تعالى:( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال رجل : أكل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، فقال: أكل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، فقال في الثالثة: أكل عام يا رسول الله؟ قال: "لا . ولو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم".

    لا تسأل مستهزءا أو مناظرا:

    إن الأصل أن يسأل الإنسان ليتعلم ويعمل لا ليجادل ويفحم ويناظر، فهناك فرق كبير بن الاستفتاء والمناظرة، فالمناظرة لها مجلسها وشروطها، أما الاستفتاء فهو سؤال للاسترشاد وطلب العلم أو حل إشكال..

    وأقبح من هذا أن يسأل طالب العلم الشيخ ليمتحنه ولا شك أن هذا النوع من الأسئلة هو من البدع المحدثة التي لم يعرفها أسلافنا رضي الله عنهم، ومثل هذه الأسئلة قد تتسبب في توريط العلماء، وهل كانت محنة الإمام البخاري رحمه الله وخروجه من بلده إلا من مثل هذا؟!!

    ثم إن كثرة الأسئلة بما لا يترتب عليه عمل إنما هو استكثار من حجج الله على العبد، لما سأل أحدهم عالما فأكثر عليه قال له العالم: كل ما تسأل عنه تعمل به؟ قال: لا . قال: فما تصنع بازدياد حجة الله عليك؟.

    ذم كثرة السؤال:

    ولأن هذه الآفة من أشد الآفات ضررا على الفرد والمجتمع فقد ذمها الشرع ونهى عنها وبين قبحها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".

    وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تقربوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها".

    إن ما تركه الله ليس عن نسيان كما قال تعالى:( وما كان ربك نسيا). وعن سلمان رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء فقال: " الحلال ما أحل الله في كتابه، و الحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما قد عفا عنه، فلا تتكلفوا ".وقد فقه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة فكانوا يتهيبون من سؤاله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: "كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، وكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع".

    مواضع عشرة يكره السؤال فيها

    هناك مواضع ذكرها الشاطبي رحمه الله يكره السؤال فيها ونذكرها هنا باختصار وهي:

    أولا السؤال عما لا ينفع في الدين

    كسؤال عبد الله بن حذافة من أبي؟ فهذا لن يعود عليه بأي فائدة، بجانب أنه لو افترض أن أمه قد قارفت ذنباً في الجاهلية، وأنه كان ثمرة هذا الذنب فأي أذية وأي عقوق يكون قد صدر منه في حق أمه وهي إنما كانت في الجاهلية؟! لكن -والحمد الله- الرسول عليه الصلاة والسلام برأها من ذلك. وروي أيضاً أن بعض الناس سألوا: ما بال الهلال يبدو رقيقاً كالخيط، ثم لا يزال ينمو حتى يصير بدراً، ثم ينقص إلى أن يصير كما كان. فأنزل الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )[البقرة:189]، فأعرض القرآن الكريم عن إجابة السؤال، وأجاب بما يفيد السائل في دينه؛ لأنه سؤال ليس وراءه فائدة. وفي قوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) إبطال لما كانوا عليه في الجاهلية، حيث كانوا يعتقدون أنه يحرم على من عاد من الحج وأراد أن يدخل البيت أن يدخله من الباب، ولكن يدخله من الخلف من النافذة، فيمنعون المحرم من الدخول من باب البيت، وبعض العلماء يقول: إن المقصود هنا الإشارة إلى انتقاد هذا الذي سأل عن الأهلة بأن الهلال يبدوا دقيقاً ثم يصير بدراً ثم ينقص ثانية. فقوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) يعني أن المشتغل بهذه المسائل كالذي يأتي البيوت من ظهورها، لكن عليك أن تأتي البيوت من أبوابها بأن تسأل عما يفيدك في دينك لا عما لا يعنيك

    ثانيا السؤال بعد بلوغ الحاجة

    فالنص الشرعي قد يكون واضحاً وظاهراً، ثم بعدما يبلغه العلم يبدأ يشق على نفسه، ويسأل بعدما بلغ من العلم حاجته، كالرجل الذي سأل عن الحج: أفي كل عام يا رسول الله؟ مع أن ظاهر قوله تبارك وتعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )[آل عمران:97] يكفي في امتثاله أن يوقعه الإنسان مرة واحدة في عمره، فظاهره أنه ليس إلى الأبد لإطلاقه. ومن هذا سؤال بني إسرائيل عن البقرة بعد ما قال لهم موسى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً )[البقرة:67] أيَّ بقرة، و لو ذبحوا أي بقرة لانتهى الأمر ولأدوا ما وجب عليهم، لكنه التنطع والتشدد، وكان يكفيهم النص الشرعي بذبح بقرة.

    ثالثا السؤال في غير وقت الحاجة
    يعني: أن يسأل وهو غير محتاج إلى جوابه في ذلك الوقت.

    رابعا السؤال عن صعاب المسائل وشرارها
    أما السؤال عن صعاب المسائل وشرارها فكما جاء النهي عن الأغلوطات في حديث معاوية عند أبي داود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات) والأغلوطات هي المسائل التي يغالط بها العلماء ليزلوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة.

    خامسا السؤال عن علة الحكم
    يعني هنا الحكم الشرعي من الأمور التعبدية التي لا يعقل معناها، وهي لها معنى وحكمة وإن لم يطلع على ذلك، كتقبيل الحجر الأسود، وبعض مناسك الحج، أو أي أمر تعبدي كما هو معروف، فيكون الأمر من قبيل التعبد، ثم هو يتنطع ويسأل عن علة هذا الحكم مع أنه من الأمور التعبدية، كالسؤال عن علة قضاء الصوم دون الصلاة في حق الحائض والنفساء. فعن معاذة رضي الله عنها قالت: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: (أحرورية أنت؟!). أي: أأنت من الخوارج؟! والخوارج يرون أن الحائض تقضي الصلاة كما تقضي الصوم، فلم تقف هذه المرأة عند ما ورد وحُدَّ لها في الشرع، ولذلك جاء جواب عائشة رضي الله عنها أولاً بأن وبختها وقالت: (أحرورية أنت؟!) أي: أأنت تذهبين مذهب الخوارج؟! ثم قالت: (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة).

    سادسا بلوغ السؤال حد التكلف والتعمق

    ويدل على ذلك قوله تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ )[ص:86]، والتكلف هو التنطع في الأسئلة والتعمق، ولما سأل عمر: يا صاحب الحوض! هل ترد حوضك السباع؟ قال صلى الله عليه وسلم: "يا صاحب الحوض! لا تخبرنا؛ فإنا نرد على السباع وترد علينا".

    سابعا ظهور معارضة الكتاب والسنة بالرأي من السؤال
    هذا من المواضع المذمومة، أن يكون واضحاً من صيغة السؤال أنه يريد أن يعارض القرآن والسنة بعقله وبرأيه وبهواه . ولما قيل لمالك بن أنس رضي الله تعالى عنه: الرجل يكون عالماً بالسنة، أيجادل عنها؟ قال: (لا. ولكن يخبر بالسنة فإن قبلت منه وإلا سكت) فمع أن معه الحق لكنه لا يماري ولا يجادل، فالمراء والجدال من الأخلاق المذمومة.

    ثامنا السؤال عن المتشابهات
    وعلى ذلك يدل قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ )[آل عمران:7]، وفي الحديث: "متى رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم"، يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله تعالى:(هؤلاء هم الذين حذرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم منهم، الذين يتتبعون المتشابهات، ولعلنا نجد صورة واضحة جداً في العلمانيين ، والملاحدة من الكفار، هؤلاء الناس هذه مهنتهم وهذه حرفتهم، فهم يتقنون صناعة الشبهات والخوض في الأمور المشتبهة، وعدم رد المتشابه إلى المحكم، فالتمسك بالمتشابه والإعراض عن المحكم مما ينبئ عن وجود هذا المرض والزيغ في القلب، والعياذ بالله عز وجل).

    تاسعا السؤال عما شجر بين السلف الصالح
    أي الخلاف الذي كان بين الصحابة رضي الله عنهم. فمن المكروه والمذموم أن يخوض الإنسان فيما كان بينهم من الخلاف، وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين فقال: (تلك دماء عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا). وقد سئل آخر عن ذلك في مناسبة أخرى مماثلة فقال: قال تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[البقرة:134]). فالمقصود عدم الخوض حتى لو كان بعض الصحابة مخطئين في ذلك؛ لأن شأننا نحن مع هؤلاء السادة الأطهار الأبرار هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الحشر:)وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ([الحشر:10]. فنحن نستغفر لهم فيما اجتهدوا فيه وأخطأوا، ونعتقد أن ما حصل من الصحابة من القتال في موقعة الجمل وصفين إنما هو عن اجتهاد خالص لله عز وجل، يريدون به إحقاق الحق، ولكن هذا أمر قدره الله وقضاه ووقع، وليس لنا أن نخوض في هذا الأمر بالوقوع في أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن سأل سؤالاً من هذا الباب فقد وقع فيما نُهينا عنه من كثرة السؤال كما بينا.

    عاشرا سؤال التعنت وقصد غلبة الخصم
    وفي القرآن في ذم نحو هذا قوله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ )[البقرة:204]، (ألد الخصام) أي: مجادل. ومنه قوله تبارك وتعالى: (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )[الزخرف:58] وهو الجدل، كما في قوله تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )[الأنعام:121]. ومناسبة هذا أنهم قالوا: هل ما قتله الله حرام وما قتلتموه أنتم أو ما ذبحتموه أنتم يكون حلالاً؟ انظر إلى التلبيس وإيقاع الشبهات في قلوب المؤمنين! فنزلت الآية السابقة. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" (الألد الخصم) الشخص الشديد الجدل والشديد الخصومة والتعنت، فهذه جملة من المواضع التي يكره السؤال فيها، ويقاس عليها ما سواها. رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ووفقنا لكل خير ،وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:09 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    ربك يحبك
    حين يتأمل العبد شعائر الإسلام العظيمة وتشريعاته الربانية يخرج بالعديد من الدروس والعبر ، ومن أهم الدروس التي يقف عندها كثيرا يقينه بأن الله تعالى يحبه ويريد به الخير واليسر والهداية ، يريد بعبده أن يتشبه بالملائكة الذين هم : ( عِبَادٌ مُكْرَمُونَ )(الأنبياء: من الآية26).وهم أيضا : ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(التحريم: من الآية6).

    إنك حين تتأمل تصل إلى هذه النتيجة ولابد ، فالصلاة التي هي آكد أركان الإسلام العملية قال الله تعالى عنها: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )(العنكبوت: من الآية45).

    وقال عنها النبي في تطهيرها لصاحبها من آثار الذنوب والمعاصي: " تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم الصبح غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم الظهر غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم العصر غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم المغرب غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم العشاء غسلتها ، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا".

    وقال عنها أيضا : " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم ، يغتسل فيه كل يوم خمسا ، ما تقول : ذلك يبقي من درنه . قالوا : لا يبقى من درنه شيئا ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بها الخطايا".

    أما الصيام فقد قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183). وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

    وأما الحج فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".كما بين صلى الله عليه وسلم أن "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

    إن جميع ما ذكرناه سابقا ليؤكد نفس المعنى وهو أن الله تعالى يحب عبده ، يحب أن يرحمه ، يحب له أن يكون كالملائكة مبرأ من كل نقص وآفة ، ولعلمه سبحانه وتعالى بأن العبد خطاء فقد شرع له ما يطهره من آثار هذه الذنوب والمعاصي ةالأوزار لأنه سبحانه وهو الغني يحب عبده ويحب رحمته ، هذا مع كمال غنى الرب جل وعلا وكمال فقر العبد إليه سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15).

    وقد بين الله تعالى كمال غناه عن عباده وطاعاتهم وأنه أيضا لا تضره معاصيهم كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: " يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا . يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته . فاستهدوني أهدكم . يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته . فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته . فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا . فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني . ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم . كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم . ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . كانوا على أفجر قلب رجل واحد . ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . قاموا في صعيد واحد فسألوني . فأعطيت كل إنسان مسألته . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ".

    ومع ذلك فإنه يحب أن يرحم عباده فشرع لهم هذه الشرائع لتقربهم منه سبحانه ولينالوا بها رحمته ومحبته.

    وقد ذكر بعض أهل العلم في حكم الطواف بالبيت الحرام أن الله تعالى قد اتخذ بيتا في السماء هو البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ولأنه يحب عباده المؤمنين ويريد لهم أن يكونوا كالملائكة فقد اتخذ بيتا في الأرض وأوجب على الناس حجه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(آل عمران: من الآية97).

    ثم هو سبحانه يباهي بأهل عرفات أهل السماء كما في الحديث: " إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء ، يقول : انظروا إلى عبادي ، أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق ، أشهدكم أني قد غفرت لهم ".وأهل السماء عباد مطهرون والله تعالى لا يباهي المطهر إلا بمطهر مثله فكأنه تعالى قد وضع عنهم الأوزار وتجاوز لهم عن الخطيئات.

    وقد ثبت ذلك من خلال إخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حين قال لبلال رضي الله عنه يوم عرفة : "يا بلال أنصت ـ أو أسكت ـ الناس ثم قال لهم : إن الله تعالى قد تطول عليكم في يومكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل". ولأجل هذا المعنى كان الشيطان في هذا اليوم أصغر وأدحر وأغيظ ما يكون لما يرى من تنزل الرحمات وتجاوز الرب جل وعلا عن الذنوب العظام.

    فحري بنا أن نستشعر هذا المعنى أن الله تعالى يحبنا ويحب لنا أن نتشبه بالملائكة فنقبل على طاعته والإكثار من ذكره وإن بدرت منا معصية أو إساءة سارعنا إلى التوبة والندم على ما بدر منا ، يا أيها الأحبة الله تعالى يحب عبده المؤمن ويحب أن يتقرب عبده منه فلماذا الإعراض والغفلة والصد؟!.

    وفقنا الله وإياكم لطاعته ، وأعاننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:11 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من معالم الحج المبرور
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، أما بعد:

    فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ". ولا شك أن هذا الجزاء العظيم الذي يتمثل في جنة عرضها السموات والأرض لمن أدى حجا مبرورا يستحق من العبد المؤمن أن يسابق إلى هذه الحجة وأن يتعرف على معالم الحج المبرور حتى يأتي بها فبفوز بهذا الجزاء العظيم.

    وإننا في هذا المقال سنتعرض باختصار لأهم معالم الحج المبرور ، نسأل الله تعالى التوفيق والإعانة ، ونجمل هذه المعالم فيما يلي:

    أولا: بذل المعروف وكف الأذى

    إن من أهم معالم الحج المبرور أن يكف صاحبه عن الناس أذاه وأن يبذل لهم من معروفه وبره وإحسانه ، وأن يحسن خلقه مع رفقته خاصة ومع الحجيج عامة ؛ فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر فقال: " البر حسن الخلق".

    وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : إن البر شيء هين : وجه طليق وكلام لين.

    ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بر الحج قال: " بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام".

    فيحتاج الحاج إلى أن يتحلى بمحاسن الأخلاق وسعة الصدر والبشاشة والاحتمال ، وهكذا كان السلف رضي الله عنهم، يقول مجاهد رحمه الله تعالى : صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني.

    وكان عبد الله بن المبارك رحمه الله يطعم أصحابه الطعام وهو صائم، وكان يحسن إلى رفقته غاية الإحسان من حين سفرهم إلى حين عودتهم.

    ثانيا : الاستكثار من الطاعات

    فرحلة الحج فرصة عظيمة ليستكثر العبد من الطاعات ونوافل العبادات ، وقد عرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على قيام الليل في أسفاره كلها ، وكان يصلي على راحلته.

    وتأسى به من بعده من الصحابة والتابعين فكانوا يحرصون على التزود من الطاعات ، والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات ، فكانوا يحرصون على نوافل العبادات ، وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن مسروق رحمه الله تعالى حج فما نام إلا ساجدا ، من شدة اجتهاده رحمه الله ، وكان آخر يقوم الليل ويتلو القرآن ويأمر حاديه أن يرفع صوته حتى لا ينتبه لعبادته أحد ، لكن أبى الله إلا أن ينشر ذكرهم الحسن بين الخلق.

    فاستثمر وقتك لتعود بأكبر أجر فالحسنة هناك بمائة ألف حسنة ، وأكثر من تلاوة القرآن وذكر الرحمن ؛فإن الذكر غراس الجنة ،وقد أمر الله تعالى بكثرة ذكره في مناسك الحج فقال:

    (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ) (البقرة:198)

    وقال: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً )(البقرة: من الآية200).

    وقال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)(البقرة: من الآية203).

    وهكذا بقية الطاعات من صدقة وصيام وأمر بمعروف ونهي عن منكر وغيرها.ومن أعجب ما ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يختمون القرآن في الحج في كل يوم مرة.

    ثالثا :الإخلاص لله تعالى والتأسي بالنبي في حجته

    ولينو بذلك كله ـ بحجه وعبادته واجتهاده ـ رضا الله تعالى ولا يقصد رياء ولا سمعة ولا مباهاة ؛ فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه،وقد قال الله تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110) ولما أهل النبي صلى اله عليه وسلم قال : "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".

    ثم ليحرص على أن يأتي بأعمال الحج وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يحتاج من الحاج أن يتفقه في مناسك الحج.

    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يبرز للناس في المناسك ويعلمهم أحكام الحج وكان يقول لهم : " لتأخذوا عني مناسككم".

    نسأل الله أن يوفقنا والمسلمين لحج مبرور وعمل صالح مقبول، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:14 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    رحلة العمر
    الحمد لله الذي افترض حج بيته الحرام على عباده ، فشدوا إليه رحالا ، ودعاهم لقربه فما استبعدوا في حبه بعيدا ولا استهولوا أهوالا ، وفارقوا في حبه ورضاه أهلا ومالا ، ورفرفت قلوبهم تنشر أشواقا وتطوي رمالا:

    روح دعاها للوصال حبيبُها فسعت إليه تطيعه وتجيبهُ

    يا مُدَّعي صدقَ المحبة هكذا فعلُ الحبيب إذا دعاه حبيبهُ

    والصلاة والسلام على نبي الرحمة ، وسيد ولد آدم محمد عبد الله ورسوله.

    أما بعد:

    فإن الحج من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر ، وختام الأمر ، وتمام الإسلام ، وكمال الدين ، فيه نزل قول الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(المائدة: من الآية3).

    إنه الحج رحلة العمر ، وكيف لا تكون كذلك وهي رحلة إلى خير البقاع وأحبها إلى الله تعالى ؛ فحين أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة التفت إليها مخاطبا: " والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله " .

    إنها أرض الحجاز مهبط الوحي ومهوى أفئدة الموحدين:

    أرضَ الحجاز إليك ألف تحية خير البقاع وأبهج الروضات

    يا قبلتي عصف الحنين بمهجتي كيف السبيل وِريحُ شوقيَ عاتي

    فعسى إله العرش يكشف كربتي وإليه أرفع خالص الدعوات

    رَبَّاه ذا الإنعام أنت المُرتَجَى فامنن بحج البيت قبل مماتِ

    إنهارحلة إلى الله في دار الدنيا تريك آثار الجنة ، ومواطىء أقدام الخليلين ، وإنا لأيام تري المسلم أصله العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيه إبراهيم الخليل عليه السلام:

    هنا أُمرِّغُ خدي صَبوةً وجَوىً فتهتف الحُور بُشرى خدِّك التَّرِبِ

    فإن رأيت دموعي أنبتت حجرا فتلك مني دموعُ الفرحةِ العجب

    هنا بمكة آيُ الله قد نزلت هنا تربى رسولُ الله خير نبي

    هنا الصحابة عاشوا يصنعون لنا مجدًا فريدًا على الأيام لم يَشِبِ

    إنها رحلة العمر التي يشتاق إلها كل مؤمن ، كيف لا وهناك الكعبة بيت الله الذي هو أول بيت وضع للناس : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96).

    كيف لا وهناك الحجر الأسود حجر من الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؟

    هناك الركن اليماني ومقام إبراهيم ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب وقد ثبت بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    هناك زمزم طعام الطعم وشفاء السقم التي يتضلع منها المؤمنون ولا يطيق التضلع منها المنافقون:

    خذوني خذوني إلى المسجد خذوني إلى الحجر الأسود

    خذوني إلى زمزم علَّها تبرد من جوفيَ الموقد

    خذوني لأستار بيت الإله أشد به في ابتهال يدي

    دعوني أحط على بابه ثقال الدموع وأستنفد

    فإني أحيا على لطفه وإن يأتني الموت أستشهد

    إنها رحلة العمر التي يقود فيها الحاج الكون إلى خالقه ومالكه وباريه ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من شجر أو حجر أو مدر ، حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا". وأشار صلى الله عليه وسلم عن يمينه وشماله.

    إنها رحلة العمر لأن العبد يرجع منها وقد غفرت ذنوبه وحطت عنه خطاياه، قال صلى الله عليه وسلم: " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

    وقال:" تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة".

    وحين جاءه عمرو بن العاص رضي الله عنه مسلما مبايعا فقال: أشترط أن يغفر لي ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وأن الحج يهدم ما كان قبله " .

    إنها رحلة العمر لأن العبد إن أحسن فيها وكان حجه مبرورا كتب من أهل الجنة ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : " والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

    فلله ما أحلاها رحلة تؤدي بك إلى السبق لقرع أبواب الجنة!!.

    فلماذا لا يبادر العبد قبل الشواغل والعوارض؟ألا يعلم انه منذ يخرج في هذه الرحلة المباركة إلى أن يعود أنه في حفظ الله ورعايته ؟لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاث في ضمان الله : رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله ، ورجل خرج غازيا في سبيل الله ، ورجل خرج حاجا".

    إن من يخرج في هذه الرحلة المباركة إنما ينزل ضيفا على الله الكريم سبحانه وتعالى ، وهناك تجاب دعوته وتغفر زلته وتكفر خطيئته :" الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله ، دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم".

    إنه حين يحرم فيلبي ويكبر ويهلل فإنه يُبشر بجنة عرضها السموات والأرض ، وقد جاءت هذه البشارة على لسان الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: " ما أهل مُهلٌ قط ، ولا كبّر مكبر قط إلا بُشر بالجنة".

    فهيا أيها الحبيب إلى جهاد لا شوكة فيه هيا إلى رحلة العمر لعل الله تعالى يقبلنا في الصالحين.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:16 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    دروس من قصة نملة
    إن وقفة اليوم مع دروس عظيمة في الإدارة من نملة, ربما تكون مستغربةً من الكثيرين أو البعض؛ فكيف يمكن للإنسان بكل ما وهبه الله من علم وعقل وحضارة أن يتعلم دروسا من نملة, وأي دروس؟ إنها توصف بأنها دروس عظيمة, وفي الإدارة...!!

    تلك الحشرة التي قد لا ينظر إليها الإنسان إلا من كونها مصدرًا للإزعاج والقلق والأذى.. نتعلم منها ما لا نتعلمه من البشر؟!

    ألا يكفينا الهدهد؟ فهو على الأقل طائر حسن الهيئة، ومعقول الحجم، وطيب السمعة، وجميل المنظر.. ولكن نملة؟!

    نعم.. إنها نملة، ولكنها قد نطقت وتصرفت من منطلق الحكمة.

    يكفي يا أخي أن تعلم أنه قد سمَّيت سورة كاملة من سور القرآن آياتها (93 آية) بسورة النمل, رغم أن ذكر النمل هنا لم يرد إلا في جزء من آية من كل هذه الآيات..!!

    فهل يحتاج الأمر منا وقفةً ولو قصيرة أمام هذه الكلمات التي وردت في القرآن؛ لنتعلم منها ونأخذ الدروس والعبر في الإدارة.

    أنا شخصيًّا أعتقد أن الأمر يستحق.. وهيا بنا نعيش مع نملة؛ ولكنها عظيمة, تعلمنا دروسًا عظيمة في الإدارة.

    قالت نملة

    بداية، وقبل سرد الدروس العظيمة، علينا أن نرجع إلى السياق العام الذي ورد فيه الموضوع في القرآن كما هو, قال تعالى: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يأيها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ(النمل).17- 19).

    الدرس الأول: إتقان الأداء:

    لا شك أن جودة الأداء وإتقان العمل من أهم ما يشغل الإدارة الآن، حتى إننا لا نكاد نجد أمرًا من أمور الإدارة الآن إلا وقد اقترن بتلك الموجة الجديدة، والتي أطلق عليها الجودة الشاملة واختصارها TQM)) والتي يمكن تلخيصها بالإتقان في العمل، بأن يؤدي كل فرد في أي مكان بالمنظمة التي يعمل بها, وفي أي وقت, وفي كل مرة, ومن أول مرة, عمله بأعلى درجة من الإتقان دون خطأ أو تقصير, وذلك من خلال منظومة تعاقدية- وإن كانت غير مكتوبة- تربط بين جميع أفراد ووحدات وأقسام وأجزاء المنظمة بعضها ببعض في إطار منظومة متكاملة، يؤدي الخلل في أي جزء منها إلى التأثير السلبي على باقي الأجزاء، مصداقًا لوصف الرسول صلى الله عليه وسلم لتلك العلاقة التي تربط بين المؤمنين "بالجسد الواحد" في التعاطف والتراحم, "وبالبنيان يشد بعضه بعضًا" في القوة والتماسك.

    وخلاصة الإتقان العام في أية منظمة من أي فرد في أي مكان هو الامتثال لأمر الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) المائدة: من الآية(1).

    وهذا هو ما نستشفه من موقف النملة التي أمامنا؛ فإنها تؤدي الدور المنوط بها على خير وجه ممكن, أقل ما يمكن أن نصفه به أنه أعلى درجات الإتقان،ذلك الإتقان الذي يصل إلى تحقيق الهدف بكفاءة وفعالية, فلقد أنذرت قومها في الوقت المناسب، وأنقذتهم من كارثة محققة لولا ما قامت به بإخلاص وإتقان, والذي سوف يبرزه بشكل أكبر وأوضح باقي الدروس.

    الدرس الثاني: اليقظة والانتباه والالتزام:

    وهو من أهم متطلبات نجاح القيام بمثل ذلك الدور الذي أدته النملة في الموقف الذي أمامنا, فبدون هذه المواصفات لا يمكن تصور أداء كامل للدور, بل إن غفوة أو غفلة واحدة قد يترتب عليها هلاك كامل ودمار ماحق لكافة أفراد المنظمة, ومن ثم فإن من دواعي الإتقان والإحسان أن يكون كل فرد في قيامه بالدور المنوط به على أعلى درجة من درجات اليقظة والانتباه وبشكل كامل ومستمر, فهو إنما يقف على ثغر من الثغور التنظيمية, ولا يجوز أن تؤتي المنظمة من قبله: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( الأنفال:25).

    فالخلل من قِبل فرد أو بضعة أفراد في المنظمة؛ لا يعود بالضرر عليهم وحدهم فقط، وإنما يعود بالضرر والخسران على الكافة, ولقد كان في موقف بعض الرماة يوم أحد أعظم دليل على هذا الدرس في اليقظة والانتباه والالتزام التام.

    الدرس الثالث: الهمة والإرادة العالية:

    نفهم أن كل أمر عظيم يحتاج إلى همة وإرادة عالية لإتمامه، وأعدى أعداء النفس ضعف الهمة والإرادة؛ لذا يقول الشاعر:

    على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم

    وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم

    ويقول تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ) ( التوبة : 66).

    من هنا نعلم أن وراء تصرف النملة وإخلاصها وإصرارها والتزامها همة عالية, وإلا لكان التسليم والقعود والكسل لأي سبب مهما كان تافهًا.

    الدرس الرابع: العزيمة الماضية:

    إذا كانت الهمة إعداد العدة، ووضع الخطة، والأخذ بكافة أسباب النجاح لأداء مهمة معينة؛ فإن العزيمة يقصد بها شدة المضاء، وعدم التردد عند التنفيذ لأي سبب من الأسباب المقعدة عن العمل (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين) (آل عمران : 159)

    وقديمًا قال المتنبي:

    إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

    ويتضح من موقف النملة، أنها ليست فقط ذات همة عالية في الأخذ بالأسباب؛ وإنما هي تنهي ما بدأت، وتواصل الجهد لتنفيذ مهمتها لآخر مدى، ولا يوقفها شيء عن تحقيق تلك المهمة ولو كان فيه نهاية لحياتها, وهذا من عزائم الأمور التي قد لا نراها تتوافر لدى الكثير من المديرين أو الأفراد العاديين، فلو أن النملة ترددت ولو برهة، أو تباطأت لما استطاعت أداء مهمتها في إنقاذ قومها من هذا الخطر المحدق. وسوف يوضح هذا المعنى الدرس التالي والمتعلق بالتضحية.

    الدرس الخامس: التضحية وإنكار الذات:

    لا عمل بلا إتقان وجهاد, ولا جهاد بلا تضحية، وكل غاية أو هدف نبيل لا شك يحتاج إلى جهاد وتضحية في سبيله, والتضحية تكون بالوقت أو المال أو بالنفس وهو أعلاها, وكلما زاد إخلاص الفرد لعمله وإيمانه برسالته وقويت همته وعلت عزيمته، فإن استعداده للتضحية في سبيل هذه الغاية يكون في أوجه.

    ولعل ذلك يحتاج درجة عالية من الانتماء، بل من الالتقاء بين كل من أهداف الفرد والمنظمة لدرجة الانصهار وهو أقصى ما تتمناه أي إدارة من الفرد في علاقته بالمنظمة, بل قل أقصى ما تحلم به.

    والنملة باعتبارها أحد أفراد جنسها المكلفين فيما يبدو بأداء مهمة معينة، أقرب ما تكون إلى الاستطلاع أو الإنذار المبكر، وقد أبدت أعلى درجات التضحية في سبيل قومها؛ حينما سارعت بكل ما تملك من قوة ضعيفة أمام سليمان وجنوده لتنذر قومها قبل أن يدهمهم, منادية عليهم ومرسلة بإشارات ورسائل لهم, وسليمان- لحسن حظها يسمعها- وكان بوسعها أن تنتحي جانبًا، ولا تفكر إلا في إنقاذ نفسها، مبررة ذلك بأنها إذا سارت لإخبار قومها في نفس خط سير الجيش؛ فإما أن يدهمها، وإما أن يصل قبلها ولا تتمكن من الإبلاغ في الوقت المناسب على أية حال, واختارت هي المخاطرة في الاستمرار لإبلاغ قومها بالسير في نفس خط سير واتجاه الجيش؛ ما يدل على التضحية العالية وإنكار الذات, وأي درس عظيم هذا, ولحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى أظهر لنا هذا المنطق بفهم سليمان عليه السلام لغة ومنطق الحيوان، وليس مجرد كلامه ولكن منطقه وحكمته التي أجراها الله له.

    الدرس السادس: النظام وتقسيم العمل:

    كلنا يعرف إلى أي درجة يتميز النمل بالنظام والترتيب وحسن التدبير, بل والتخطيط للمستقبل, وفي هذا الموقف نستنتج كم هناك من نظام وتقسيم للعمل والمهام والمسئوليات, فكأن هذه النملة منوط بها أمر معين؛ وهو مهمة الحراسة والاستطلاع من بعد للإنذار والتنبيه ضد أي مخاطر قبل وقوعها بوقت كافٍ, فهذه النملة كما ذكر في القرآن نملة, مجرد نملة عادية ليست زعيمة النمل ولا رئيسة "قالت نملة"، وإنما هي تؤدي مهمة كغيرها, الذي يقوم كل منهم بمهمة ينشغل بأدائها ويتعاون مع الآخرين في تنفيذها إذا تطلب الأمر ذلك, في شكل منظومة متناغمة متكاملة ومتناسقة، يتوافر لها عنصرا التنظيم وجوهره الذي يتضمن كلاًّ من التقسيم والتنسيق بأعلى درجة من الكفاءة والفعالية؛ فهذه النملة لا تعمل اعتباطًا ولا عشوائيًّا ولا بهواه، وإنما في ظل منظومة متكاملة بشكل رائع.

    الدرس السابع: إدارة الأزمات:

    هذا الدرس من الدروس المهمة جدًّا في إدارة الأزمات والكوارث؛ حيث يعتبر أهم مبدأ في إدارة أي أزمة هو تجنب حدوثها من الأصل، ولا يمكن ذلك إلا من خلال سيناريو متوقع للاحتمال الأسوأ, بإثارة سؤال ماذا لو حدث الأسوأ؟ والأسوأ هنا،هو قدوم مجموعة كبيرة من البشر تسير في اتجاه مملكة النمل دون قصد في هدمها، وتحطم كل ما فيها ومن فيها, وهذا يمثل كارثة بكل المقاييس بالنسبة لهم, ومن ثم كان لا بد من العمل على تقليل احتمال وقوع مثل هذا الأمر, وتقليل الخسائر المترتبة عليه إن وقع قدر الإمكان, والأفضل في هذه الحالة، هو أن يتم العمل على محور الاحتمال، وذلك بإنشاء محطات للإنذار المبكر وقراءة نذر الأزمة قبل وقوعها بوقت كافٍ والاستعداد لها.

    ونفهم مما قامت به النملة في هذا الموقف أنها قد قامت بأعظم إنذار مبكر لتنبيه قومها باحتمال خطر مؤكد قادم، حتى وإن كلَّفها ذلك حياتها, كما سبق أن ذكرنا, كما أن هناك احتمال أن يكون سليمان وجنوده في سيرهم في الاتجاه الذي رأته النملة أقرب إلى تدمير مملكة النمل، وكذلك من المحتمل أن ينحرفوا عنها أو يبتعدوا لأي سبب من الأسباب.. كل ذلك وارد, ولكن النملة لم تدع الاحتمالات الأخرى تسيطر عليها، وتقول مثلاً: ستمر الأمور بخير بإذن الله وربنا يسلمها... فقط, وإنما اتخذت سبيل الإنذار المبكر من خطر محدق حتى تتجنب الأسوأ في حالة حدوثه.

    الدرس الثامن: المبادرة:

    وروح المبادرة هنا تظهر بشكل واضح في السعي لأداء المهمة، دون انتظار أو تواكل على غيرها، أو انتظار لسواها كي يقوم هو بالمهمة, قائلة مثلاً: لماذا أنا, ولكنها تجردت لقيام المهمة متمثلة قول طرفة بن العبد في معلقته:

    إذا القوم قالوا: مَنْ فتى؟ خِلْتُ أنَّني عُنيتُ فلم أَجْبُن ولم أتبلَّدِ

    الدرس التاسع: الإنجاز:

    فإذا كانت المبادرة هي قمة الإقدام بفكرة أو الاستعداد لأداء مهمة، فإن الإنجاز هو الوصول بها إلى دائرة التنفيذ والتمام وكلاهما "المبادرة والإنجاز" روح الإدارة،وهو ما فعلته النملة تمامًا, فبادرت وأنجزت.

    الدرس العاشر: الشعور بالمسئولية:

    فما كان لكل ما سبق أن يحدث دون وجود درجة عالية من الإحساس بالمسئولية التي تستشعرها نملة، ربما في أسفل الهرم التنظيمي من عموم النمل, وكأنها المسئول الأول عن قومها, ومثل هذا الشعور والإحساس العام بالمسئولية في كافة أرجاء أي تنظيم من أعلاه إلى أدناه، هو أقصى ما تطمح وتحلم أي إدارة بتحقيقه في أية منظمة تديرها، لكننا وجدناه هنا واقعًا ملموسًا، وهذا درس من الدروس العظيمة ..ولعل هناك المزيد من الدروس والعبر فهل نتعلم؟ وهل نعمل لكي نكون مثل النمل؟! وهل أدركت الآن.. لماذا توجد سورة في القرآن باسم النمل؟.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    أستاذ إدارة الاستراتيجية كلية التجارة- جامعة القاهرة
                  

09-13-2015, 01:18 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    هل لك من أثر؟
    إن أعمار بني الإسلام قصيرة بالنسبة إلى أعمار غيرهم من الأمم الأخرى ، فلو نظرت إلى أعمار الأمم السابقة لوجدتها أكبر ، فنبي الله نوح عليه السلام دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، فكم كان عمره؟وكم كان متوسط أعمار أمته؟.

    أما هذه الأمة فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أعمار بنيها بقوله: " أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك".

    والعبد إذا مات أغلق باب العمل فإذا لم يكن قد ترك أثرا صالحا فكأنه لم يمر بهذه الدنيا

    وما المرء إلا كالهلال وضوئه يوافي تمام الشهر ثم يغيب

    ولكن من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن فتح لها من أبواب الخير والأجر ما تعوض به قصر العمر، فمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، بل هي بنص القرآن: (خير من ألف شهر).

    ومن صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم،والأدلة على هذا كثيرة جدا.

    ومن جملة ما أكرم الله به هذه الأمة أن أجرى على بنيها بعد مماتهم ثواب الأعمال الصالحة التي تركوها وانتفع بها الناس. ومن جملة هذه الأعمال ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية . أو علم ينتفع به . أو ولد صالح يدعو له ".

    ومنها ما ورد في الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه،أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته".

    وإذا كان الله تعالى قد قال في كتابه العزيز : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ).(يـس:12).

    فإن من رحمة الله بالعبد أنه إذا مات ماتت معه سيئاته ،وإلا فإن بعض الناس يموتون ويقبرون ولكن تكتب في صحائف سيئاتهم بعد مماتهم سيئات كالجبال نتيجة تركهم أعمالا لم يتوبوا منها ويُعصى بها الله تعالى، وإن شئت أمثلة على ذلك فانظر في كتابات بعض الكتاب العلمانيين المحادين لله ورسوله، وانظر إلى كثير من الأفلام الماجنة الفاجرة ، والأغنيات ...إلخ.

    وعلى الجانب الآخر فهناك الموفقون الذين تقربوا إلى الله تعالى بأعمال صالحات بقي أثرها في الناس يُجري الله عليهم ثوابها بعد موتهم، وانظر إلى العلماء الذين تركوا علما ينتفع به من خلال مؤلفاتهم ومحاضراتهم وتلامذتهم،فمن منا يستغني عن فقه الأئمة الأربعة؟ ومن منا يستغني عن صحيح البخاري ؟ومن منا لا يعرف ابن تيمية وابن كثير وغيرهم من جبال العلم وبحوره الذين خلفوا لنا تركة عظيمة تنتفع بها الأمة جيلا بعد جيل؟ومن منا لا يعرف صلاح الدين الأيوبي الذي حرر بيت المقدس وطهره من دنس الصليبيين؟نسأل الله أن يقيض له من يحرره اليوم من دنس اليهود.

    وقد سطرت لنا كتب السير والتاريخ أعمالا كبيرة لرجال عظماء لا يزال يجري عليهم ثوابها وقد ماتوا منذ مئات السنين.

    فالصحابة الكرام الذين فتحوا بلاد الكفر ونشروا فيها أنوار التوحيد لا يزال يكتب في صحفهم ثواب ما يفعله أهل هذه البلاد من طاعات وقربات من غير أن ينقص من أجور أصحابها شيء.فأهل الشام مثلا يأتون في صحائف حسناتهم وصحائف الصديق أبي بكر والفاروق عمر وذي النورين عثمان وأبي عبيدة وخالد بن الوليد ومعاوية وغيرهم ممن كانوا معهم من القادة والجند،وأهل مصر تكتب حسناتهم في موازينهم وموازين عمر وعثمان وعمرو بن العاص وغيرهم من الأكابر.

    وأهل القرآن الذين علموا أبناء المسلمين كيف يقرأون القرآن ويرتلونه وانتقل ها العلم بين المسلمين جيلا بعد جيل يكتب ثواب هذه القراءة في صحف أبناء هذه السلسلة المباركة.ولك أن تتخيل كم يكتب في موازينهم يوميا خصوصا إذا علمت أن حروف القرآن تزيد على ثلاثمائة ألف حرف والحرف بعشر حسنات،نسأل الله الكريم من فضله.

    وأريد أن أعرض عليك أيها القارىء الكريم نموذجا لعمل صالح بقي أثره في الناس مئات السنين قامت به امرأة صالحة هي أمة العزيز زوج هارون الرشيد التي عرفت في التاريخ بزبيدة، تلك المرأة التي حجت بصحبة زوجها هارون الرشيد رحمه الله تعالى ولم يكن بمكة غير ماء زمزم ، فلما رأت شدة حاجة الناس هناك إلى الماء والمشقة التي تلحقهم إذا احتاجوا إلى جلبه أمرت خازن مالها أن يأخذ ما يحتاج من المال وأن يستعين بأفضل المهندسين وأن يذهب إلى مكة ليفجر بها عين ماء حلوة ثجاجة لا تغيض وأن ينقل ماءها إلى منطقة المشاعر ليرتوي منها الحجيج ويأخذوا من الماء ما يحتاجون ،فنفذ الأمر وقام بالمهمة خير قيام فأجرى المهندسون المسلمون عين ماء من جبال الطائف إلى مكة وأمدوها بالآبار والعيون وأقاموا الاستراحات وسميت في التاريخ بعيون زبيدة ، ولا تزال آثارها باقية إلى اليوم،ومن الجدير بالذكر أن هناك محولات لإحيائها والإفادة منها ولعل هذا من آثار نيتها الصالحة رحمها الله تعالى.

    فيا أيها الحبيب ما هو مشروعك الكبير الذي تتركه مؤملا أن يكتب في صحيفتك بعد مماتك؟

    هل تركت للأمة ولدا صالحا؟أو أقرأت أبناء المسلمين القرآن؟أو تركت وقفا؟ أو حفرت بئرا؟أو بنيت مسجدا؟.

    هل لك من أثر؟.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:21 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    الاحترام
    أولى الناس بالاحترام والتوقير من كان حظه من الشرع أوفر، ونصيبه من العمل الصالح أكبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين" وذلكم هو ميزان التقديم والتكريم.

    وصاحب خلق ( الاحترام) يُجِلُّ العلم وأهله، ومن احترامك للعالم أن تستشعر مهابته. روى البخاري أن حذيفة حدّث حديثا عن الفتن، فأراد التابعون أن يسألوه، قالوا:" فهبنا حذيفة أن نسأله...".

    وقد كان هذا شأن الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي مرة أرادوا أن يسألوه عمن قضى نحبه، من المقصود به في قوله تعالى: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه..."، قالوا لأعرابي: سله عمن قضى نحبه من هو؟ يقول الراوي: وكانوا لا يجترئون على مسألته، يوقرونه ويهابونه..." وفي حديث سجود السهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بدل أربع، فظن بعض الصحابة أن الصلاة قصرت، يقول أبو هريرة:" وفي القوم أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه..." وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استحثهم على السؤال فقال: " سلوني ـ فهابوه أن يسألوه" فأرسل الله جبريل على صورة آدمي ليسأله، ولكي يتعلموا دينهم.
    ومن احترام العلماء عدم الخوض معهم في نوادر المسائل، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات، قال الأوزاعي: " الأغلوطات شداد المسائل وصعابها"، وقد ورد في الحديث الصحيح:" لا تعلّموا العلم لتُبَاهوا به العلماء، أو تماروا به السفهاء، ولا لتجترئوا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار"، فليحذر الذين يسألون ليجادلوا، أو ليختبروا، لا ليتعلموا. فإن شأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم التوقير والإجلال للعلم وأهله، و " ليس منا من لم يُجِلَّ كبيرنا، ويرحمْ صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه".

    وكما وجب الاحترام للعالم، فإن للمتعلم حقه من التوقير والإكرام، يروي أحمد في حديث وفد عبد القيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم ضيوفا على الأنصار: "...فلما أن أصبحوا، قالوا: كيف رأيتم كرمة إخوانكم لكم، وضيافتهم إياكم؟. قالوا: خير إخوان: ألانوا فرشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلمّوننا كتاب ربنا تبارك وتعالى، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم". وأوضح من ذلك ما جاء في الحديث الحسن: " سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحبا بوصية رسول الله. وأفتوهم" فليستوص العلماء بطلابهم خيرا، فإن ذلك يزيد المتعلمين توقيرا وتقديرا لمربيهم ومعلميهم.

    وإن من أحوج ما ينبغي التذكير به احترام ذوي سابقة الخير، فقد كان من وصية عمر رضي الله عنه ـ قبل وفاته ـ " أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيرا، أن يعرف لهم حقهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا ـ الذين تبؤوا الدار والإيمان ـ أن يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم". فتجاوز عن زلة من سبقوك في ميدان الدعوة والجهاد، واحفظ لهم قدرهم ولا تنس لهم فضلهم.

    يروي أنس أن جريرا بن عبد الله كان يخدمه ـ مع أنه أكبر منه سناًـ. لأن جريرا هذا لم ينس إكرام الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا أجد أحدا من الأنصار إلا أكرمته". ويروي أحمد أن رسول الله صلى عليه وسلم قال في خطبة:"...وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم". وحين يتربى أبناء الأمة على إكرام ذوي السبق في الخيرات، والأقدمية في خدمة الإسلام، عندئذ يعم الوفاء بين الأجيال.

    ومن صور الاحترام المحمودة إكرام الصغير لمن هو أكبر منه سنا، أو أكثر منه فضلا، فإن بن عمر لما عرف جواب سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشجرة التي تشبه المسلم لم يُجب، يقول: " فأردت أن أقول هي النخلة، فنظرت فإذا أنا أصغر القوم، فسكتُّ..." وفي حديث صحيح: " البركة مع أكابركم". والكبير في قومه لا يليق أن يقابل بغير الإكرام جاء في الحديث الحسن: " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه".

    ومن كرم المؤمن احترامه لمن سبق أن أحسن إليه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينس لبعض المشركين ما كان لهم من دور في الذب عنه وعن دعوته. حتى العرب في جاهليتهم كان من الأخلاق المحمودة لديهم: الوفاء والاحترام لمن أحسن إليهم، فقد روي أن رجلا من المشركين مِثْلَ عروة بن مسعود لما أغلظ له أبو بكر القول في مفاوضات صلح الحديبية، لم يجبه بشيء؛ لما لأبي بكر عليه من جميل سابق لم يكافئه عليه بعد، فلذلك قال: " أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك" وفي حديث صحيح: " من صنع إليكم معروفا فكافئوه". وأدنى ما تكافئ به المحسن إليك أن توقره وتحترمه.

    وكل مؤمن حري بالاحترام فلا يُقام من مجلسه ليجلس غيره. وتجب ضيافته. وتشرع مشاورته. ويُشكر على المعروف، وتُؤَدَّى إليه حقوقه غير متعتع، ونقابله بطلاقة الوجه، وندخل السرور إلى قلبه..

    والإنسان بطبعه يحب أن يقابل بالاحترام والإكرام، ويطلب من ربه أن يكرمه. جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا و لا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا..."، ألا خابت أمة لا تتبادل خلق الاحترام والتوقير و"حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".

    إن من كان في نفسه حقيرا قد لا يقابل الآخرين بالاحترام، والإكرام، والذي يحترم نفسه يُتوقع من مثله أن يحترم الآخرين المستحقين للاحترام. وفي موقف أبي سفيان في جاهليته درس لأصحاب الجاهليات، ولكثير من المسلمين في احترام النفس. إذ أبت عليه نفسه أن يشهد أمام هرقل وأمام الوفد المرافق له من قومه شهادة كاذبة في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية بن اسحاق يعلل ذلك فيقول: " فوالله لو قد كذبت ما ردوا عليّ. ولكني كنت امرءا سيدا أتكرم عن الكذب، وعلمت أن أيسر ما في ذلك ـ إن أنا كذبته ـ أن يحفظوا ذلك عني ثم يتحدثوا به. فلم أكذبه".

    وأحيانا يكون الاحترام الشكلي حتى مع من لا يستحق الاحترام لمصلحة شرعية كما كان من مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهرقل بـ(عظيم الروم)، يقول ابن حجر: " لم يُخله من إكرام لمصلحة التألّف" وكثيرا ما يحتاج المسلمون للتعامل بالاحترام والتوقير لمصلحة وحدة الصف وتوفير الجهود، وتأليف القلوب، وإزالة الدخن، وإغاظة العدو...وبقدر ما يحترم بعضنا بعضا نكون في نظر الناس محترمين.
    محمود الخزندار
                  

09-13-2015, 01:23 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    لا تنشغل بعيوب الناس
    لو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس ؛ لأن المرء مطالب بإصلاح نفسه أولا وسيسأل عنها قبل غيرها، وقد قال الله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر:38).وقال: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء:15). ). وقال سبحانه : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(الأنعام: من الآية164).

    قال الشاعر:

    المرء إن كان عاقلا ورعا أشغله عن عيوب غيره ورعه

    كما العليل السقيم أشغله عن وجع الناس كلهم وجعه

    وإذا كان العبد بهذه الصفة ـ مشغولا بنفسه عن غيره ـ ارتاحت له النفوس ، وكان محبوبا من الناس ، وجزاه الله تعالى بجنس عمله ، فيستره ويكف ألسنة الناس عنه ، أما من كان متتبعا عيوب الناس متحدثا بها مشنعا عليهم فإنه لن يسلم من بغضهم وأذاهم ، ويكون جزاؤه من جنس عمله أيضا ؛ فإن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته.

    يقول الشاعر:

    لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا فيهتك الله ستراً عن مساويكا

    واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعب أحداً منهم بما فيكا

    وقد يكون انشغال العبد بعيوب الناس والتحدث بها بمثابة ورقة التوت التي يحاول أن يغطي بها عيوبه وسوءاته ، فقد سمع أعرابي رجلا يقع في الناس، فقال: " قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ لأن الطالب لها يطلبها بقدر ما فيه منها".

    يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله تعالى: [والشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جداً تجده دائماً يضخم عيوب الآخرين، ولذا تبرز شخصية الإنسان من خلال نصيبه من هذه القضية، فإذا عُرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين والطعن في الناس، فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة نفسه وبحقارتها وأن حجم نفسه صغير؛ لأنه يعتقد أنه لن ينفتح إلا على أنقاض الآخرين، فدائماً يحاول أن يحطم الآخرين، ولذا يكثر نقد الناس وذكر عيوبهم، وهذه مرآة تعكس أن إحساسه وثقته بنفسه ضعيفة، وأنه في داخل نفسه يحس أنه صغير وحقير، فلذلك يشتغل بعيوب الآخرين. يقول عون بن عبد الله رحمه الله: لا أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إلا من غفلة قد غفلها عن نفسه. وعن محمد بن سيرين رحمه الله تعالى قال: كنا نحدث أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس.وكان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول: كفى بالمرء إثماً ألا يكون صالحاً، ثم يجلس في المجالس ويقع في عرض الصالحين. وقال ابو عاصم النبيل: لا يذكر الناس فيما يكرهون إلا سفلة لا دين لهم].

    وقال بكر بن عبد الله: " إذا رأيتم الرجل موكّلا بعيوب الناس، ناسيا لعيوبه ـ فاعلموا أنه قد مُكِرَ به".

    والإنسان ـ لنقصه ـ يتوصل إلى عيب أخيه مع خفائه، وينسى عيب نفسه مع ظهوره ظهورا مستحكما لا خفاء به.

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجِذْعَ في عينه".

    قبيح من الإنسان أن ينسى عيوبه ويذكر عيبا في أخيه قد اختفى

    ولو كان ذا عقل لما عاب غيره وفيه عيوب لو رآها قد اكتفى

    إن الانشغال بعيوب الناس يجر العبد إلى الغيبة ولابد، وقد عرفنا ما في الغيبة من إثم ومساوىء يتنزه عنها المسلم الصادق النبيل.

    كما أن الانشغال بعيوب الناس يؤدي إلى شيوع العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع ، فحين يتكلم المرء في الناس فإنهم سيتكلمون فيه ، وربما تكلموا فيه بالباطل

    إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا عليك، وأبدوا منك ما كان يُسترُ

    وإذا رجعت إلى السلف الصالح رضي الله عنهم لوجدت منهم في هذا الباب عجبا؛ إذ كانوا مشغولين بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم ، بل ينظرون إلى أنفسهم نظرة كلها تواضع مع رفعتهم وعلو شأنهم رضي الله عنهم ، بل كانوا يخافون إن تكلموا في الناس بما فيهم أن يبتلوا بما ابتلي به الناس من هذه العيوب كما قال الأعمش: سمعت إبراهيم يقول: " إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلّم فيه إلا مخافة أن أُبتلى بمثله".

    وبالإضافة إلى هذا كانوا يوقنون ويعملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

    وقد لقي زاهد زاهداً فقال له: يا أخي! إني لأحبك في الله، فقال الآخر: لو علمتَ مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال له الأول: لو علمتُ منك ما تعلم من نفسك لكان لي فيما أعلم من نفسي شغل عن بغضك.

    فيا أيها الحبيب لك في نفسك شغل عن عيوب غيرك ؛ ففيك أضعاف أضعاف ما تراه في الآخرين ، فلا تفتح على نفسك باب الغيبة وسوء الظن وهتك أستار الناس بالانشغال بعيوبهم ، ولا تفتح على نفسك باب شر لا يسد بالكلام عن الناس فيتكلموا عنك:

    متى تلتمس للناس عيبا تجد لهم عيوبا ولكن الذي فيك أكثر

    فسالمهم بالكف عنهم فإنهم بعيبك من عينيك أهدى وأبصر

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:25 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    اجتنبوا الفتن
    إن للفتنة معاني كثيرة ، وإن كانت في الأصل تدل على الاختبار والامتحان والابتلاء ، كما قد تطلق الفتنة على إعجابك بالشيء ، وهي أيضا تعني ما يكون بين الناس من الاختلاف والاقتتال في طلب الدنيا أو الملك.

    وقد وردت في القرآن بهذه المعاني وبغيرها لكننا هنا نعني بالفتنة ما يصيب الفرد أو الجماعة من هلاك أو تراجع في المستوى الإيماني، أو زعزعة في الصف الإسلامي.

    أنواع الفتن وعلاجها

    قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

    الفتنة نوعان: فتنة الشبهات ، وهي أعظم الفتنتين ، وفتنة الشهوات.وقد يجتمعان للعبد ، وقد ينفرد بإحداهما.

    ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة ، وقلة العلم ، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد ، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى،والمصيبة الكبرى،فقل ما شئت في ضلال سيء القصد ، الحاكم عليه الهوى لا الهدى ، مع ضعف بصيرته ، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله ، فهو من الذين قال الله فيهم:(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ)(النجم: من الآية23).

    هذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق ، وهي فتنة المنافقين ، وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم. فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل ، والهدى بالضلال...ولا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول وتحكيمه في دق الدين وجله ، ظاهره وباطنه ، عقائده وأعماله ، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام.

    أما النوع الثاني من الفتنة ففتنة الشهوات.وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ)(التوبة: من الآية69) أي استمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها ، والخلاق هو النصيب المقدر ، ثم قال : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)(التوبة: من الآية69).فهذا الخوض بالباطل وهو الشبهات. فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق والخوض بالباطل؛لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح. فالأول هو البدع وما والاها، والثاني : فسق العمل.

    ثم قال : ففتنة الشبهات تدفع باليقين ، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين ، فقال : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24).فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. وبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة ، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة والله المستعان.

    من أسباب الوقوع في الفتن

    من أول أسباب الوقوع في الفتنة استعداد القلب لقبولها كما في الحديث: " تعرض الفتن على القلوب...وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء"، وكذلك قبول السعي فيها، ففي الصحيح: "...الماشي فيها خير من الساعي ، من تشّرف لها تستشرفه". أي من تطلع لها صرعته فيها.

    وأشد ما يؤجج الفتن الخوص بالألسنة، يقول القرطبي في تعليل أسباب كثير من الفتن أنها تبدأ: " بالكذب عند أئمة الجور، ونقل الأخبار إليهم، فربما ينشأ من ذلك الغضب والقتل، أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها".

    وكم تكبر الفتنة حينما يبني المرء موقفه على وهم!! وذلك مثلما حصل مع الصحابيْين الكريميْن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حينما أشار أبو بكر بتأمير رجل على وفد بني تميم وأشار عمر بتأمير غيره، فقال أبو بكر: " إنما أردتَ خلافي"، وعمر يقول له: " ما أردتُ خلافك"، وعلت أصواتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن راوي الحديث قال: " كاد الخيّران أن يهلكا".

    وأخطر ما يقود إلى الفتن تقديم الرأي على حكم الشرع، فقد جاء في صحيح البخاري أن سهل بن حنيف قال: " أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم...".

    وقد تفرّ من الفتنة فيلاحقك أهلها وأنت كاره للخوض فيها كما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه: " إن ناقدت ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك....".

    وقد يكون استلامك لإمارة لا تقدر عليها سبب فتنة لك ولمن معك، ولذلك جزع عمرو بن العاص رضي الله عنه جزعا شديدا لما حضرته الوفاة، وتذكر حياته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: " فلو مت حينئذ قال الناس: هنيئا لعمرو أسلم وكان على خير فمات فرُجيَ له الجنة، ثم تلبست بعد ذلك بالسلطان وأشياء، فلا أدري عليّ أم لي....".

    وإن كنت في موضع القدوة أو الإمرة فلا تحمّل الناس ما لا يطيقون، فتفتنهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم أن معاذا رضي الله عنه يطيل الصلاة بالناس قال له ثلاثا: " يا معاذ! أفتّان أنت؟!"، وفي خطبة لعمر رضي الله عنه قوله" ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمّروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتُكفِروهم".

    وإن الانشغال بالقول عن العمل كثيرا ما يفضي إلى كثير من الفتن والمشكلات، يقول ابن تيمية رحمه الله: " فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة، حتى تقع بينهم الفتنة ـ كما هو الواقع ـ " ، وفي المثل: " العسكر الذي تسوده البطالة يجيد المشاغبات".

    إن من آثار الفتنة أنها تُنسي الواقعين فيها حقائق يعرفونها وحدودا كانوا يلتزمونها، وإن الواقع في الفتنة تخف تقواه، ويرق دينه، ولذلك حين يُبعَد أناس عن الحوض كان يظنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمته يُجاب : " لا تدري مشوا على القهقرى" قال راوي الحديث ـ ابن أبي مليكة ـ : " اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن".

    وفي الحديث الذي يسأل فيه حذيفة عن الشر: " ....يا رسول الله الهدنة على الدّخن ما هي"؟ قال: "لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه"، يقول شارح الحديث: " أي لا تكون قلوبهم صافية عن الحقد والبغض كما كانت صافية قبل ذلك".

    ترى الرجل العاقل ولا تدري أين ذهب عقله في حال وقوع الفتنة، ينقل ابن حجر حديثا لابن أبي شيبة في الفتن: " ...ثم فتنة تموج كموج البحر وهي التي يصبح الناس فيها كالبهائم" أي لا عقول لهم، ويؤيده حديث أبي موسى: " تذهب عقول أكثر ذلك الزمان".

    وحين بيّن ابن حجر استحباب الاستعاذة من الفتن، حتى في حق من علم أنه على الحق، علّل ذلك بقوله: " لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى وقوعه".

    ومن أخطر آثار الوقوع في الفتن انعدام التأثر بالموعظة، روى أحمد: أن أخاًَ لأبي موسى كان يتسرع في الفتنة فجعل ينهاه ولا ينتهي فقال: " إن كنتُ أرى أنه سيكفيك مني اليسير ـ أو قال من الموعظة ـ دون ما أرى..."، بل ويستصغر الناس المعاصي. يقول عبد الله بن عمر: " في الفتنة لا ترون القتل شيئا".

    فما سبيل النجاة من الفتن؟.

    من المنجيات من الفتن: أن تتنازل عن حقك في الدنيا، وإن كان الصبر على ذلك شاقاً على النفس، كما جاء في سنن أبي داود: " إن السعيد لمن جنّب الفتن ـ ثلاثاً ـ ولمن ابتُلي فصبر فواهاً"، ومن كانت الفتنة تحيط به ولا منجى له منها فليفرّ بدينه من الفتن أو ليكثر من العبادة كما في الحديث : " العبادة في الفتنة كالهجرة إليّ"، والتزود بالأعمال الصالحة مطلوب للوقاية من الفتنة قبل وقوعها، قال صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال فتناً".

    يقول النووي في شرح الحديث: " معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال قبل تعذرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتراكمة المتكاثرة".

    ومن كان يملك أسباب الفتنة فليتخلص منها كما جاء في الحديث:" كسّروا فيها قِسيّكم" حتى إن كعب بن مالك رضي الله عنه يذكر في قصة الثلاثة الذين خُلفوا؛ كيف جاءه كتاب من ملك غسان وفيه"....قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فَالْحَقْ بنا نواسك" يقول كعب: " فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء فتيمّمت التنّور فسجرته بها".

    وحاولْ في الفتنة ألاّ تكون أميرا فإن أسامة رضي الله عنه كان يقول: " ما أنا بالذي أقول لرجل ـ بعد أن يكون أميرا على رجلين ـ: أنت خير" يقول ابن حجر : " فكان أسامة يرى أنه لا يتأمّر على أحد، وإلى ذلك أشار بقوله: لا أقول للأمير : إنه خير الناس".

    والدعاء بالحماية من شرور الفتن سبب من أسباب النجاة ففي مسند أحمد: " وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون" وفي دعاء عمر رضي الله عنه : " نعوذ بالله من شر الفتن" وقال أنس رضي الله عنه: " عائذاً بالله من شر الفتن".

    وينجيك عند الله أن تنكر الفتنة، ولا ترضى بها، ولا تعين عليها، قال صلى الله عليه وسلم: "...وأي قلب أنكرها نكتت فيه نُكتة بيضاء حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض".

    ومن أهم المنجيات أن يفقه المرء دينه، وأن يميز حدود الشرع ـ دون التباس ـ فقد نقل ابن حجر عن ابن أبي شيبة حديثاً عن حذيفة يقول فيه: " لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل".

    ورغم كل هذه الأسباب المنجية وغيرها، لا بد للقلب من أن يبقى معلقاً بالله، وحقاً: "إن السعيد لمن جُنّب الفتن" فاجتناب الفتن حفظ رباني، أكثر من كونه كسباً بشرياً، فخذ بالأسباب واستعن بالله.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:28 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أسباب زياد ة الإيمان: التفكر
    إن من أعظم أسباب زيادة الإيمان التفكر في مخلوقات الله تعالى وآياته الباهرات التي تدل على عظمته ووحدانيته سبحانه وتعالى ، فقد سماها الله آيات, يعني: علامات ودلالات تدل على عظمة الخالق, وعلى كمال قدرته, وذلك في مثل قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)(فصلت: من الآية37) يعني: من الآيات التي نصبها دليلا على عظمته. وقوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل:12). وقوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ. وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). (الروم:21ـ24).

    وقد دعا الله عز وجل عباده للتفكر في هذه الآيات التي أودعها كونه الواسع:(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) (الروم:8) .

    (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:185).

    ونحو ذلك من الآيات القرآنية التي تحث العباد على التفكر في آيات الله تعالى ومخلوقاته. وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه, لو تفكر فيها لرأى فيها الآيات والعجائب, كما قال الله تعالى:(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات:21)

    فمن توهم أن الله خلق السماوات مع عظمها وارتفاعها وخلق الأرض لعبا بدون أن يكون لذلك حكمة, فإنه بذلك قد ظن السوء ، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).(صّ:27).

    قال الغزالي رحمه الله تعالى : "كثر الحث في كتاب الله تعالى على التدبر والاعتبار والنظر والافتكار ، ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار ، وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم ، وأكثر الناس قد عرفوا فضله ورتبته ولكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره".

    وصدق سفيان بن عيينة رحمه الله إذ قال:

    إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة

    التفكر أصل الخير

    قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

    " أصل الخير والشر من قبل التفكر ؛ فإن مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض ، وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتلابها وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها...ورأس (هذا) القسم الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وما والاهما ، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة ، فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها ، وفي الدنيا وخستها وفنائها أثمر له ذلك الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا ، وكلما فكر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت.وهذه تعلي همته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والناس في واد. وبإزاء هذه الأفكار الأفكار الرديئة التي تجول في قلوب اكثر الخلق.كالفكر فيما لم يكلف الفكر فيه،ولا أعطي الإحاطة به من فضول العلم الذي لا ينفع، كالفكر في كيفية ذات الرب مما لا سبيل للعقول إلى إدراكه".

    الرسول يطيل التفكر

    لما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أعجب شيء رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: " يا عائشة ذريني أتعبد لربي " قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك. قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل لحيته ، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ،فلما رآه يبكي قال: ي رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: " أفلا أكون عبدا شكورا ، لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (آل عمران:190).

    وهذه أقوال الصالحين وأفعالهم

    قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى : الفكرة في نعم الله عز وجل من أعظم العبادة.

    وقد بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال : فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها،ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر.

    وعن عامر بن قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر.

    وقال الحسن رحمه الله تعالى : تفكر ساعة خير من قيام ليلة.

    وعن عبد الله بن عتبة قال : سألت أم الدرداء : ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار.

    ذكر الغزالي رحمه الله في الإحياء أن لقمان كان يطيل الجلوس وحده ، فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان ، إنك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع الناس كان آنس لك فيقول لقمان : إن طول الوحدة أفهم للفكر،وطول الفكر دليل على طريق الجنة.

    وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب.

    وكتب الحسن رحمه الله تعالى إلى عمر بن عبد العزيز يقول : اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به ، والندم على الشر يدعو إلى تركه ، وليس ما فني وإن كان كثيرا يعدل ما بقي وإن كان طلبه عزيزا، واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية.

    وقال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرىء قط إلا علم ، وما علم امروء قط إلا عمل.

    وقال الشافعي رحمه الله تعالى: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر.وقال: صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم، والرؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة ، ومشاورة الحكماء ثبات في النفس، وقوة في البصيرة، ففكر قبل أن تعزم ، وتدبر قبل أن تهجم ، وشاور قبل أن تقدم.

    وورد عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال: الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.

    وقال أبو سليمان رحمه الله :عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر.

    ونختم حديثنا عن التفكر كسبب من أسباب زيادة الإيمان بقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: أنفع الدواء أن تشغل قلبك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك ، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن أنفع الاشياء له بما لا منفعة له فيه ، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك ؛فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي لا تبتعد ولا تقترب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك إلا بها ، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك.

    نسأل الله الكريم من فضله ، والحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:30 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أسباب زيادة الإيمان: تدبر القرآن
    ذكرنا في مقال سابق أن الإيمان يزيد وينقص ، وأن الزيادة في إيمان العبد لها أسبابها التي إن أخذ بها العبد ازداد إيمانا.

    ومن أهم أسباب زيادة الإيمان تلاوة القرآن الكريم بتفكر وتدبر؛ فهذا القرآن هو كتاب هداية ،آياته البينات هي النور الذي يستضيء به العبد فيهتدي للتي هي أقوم: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )(الإسراء: من الآية9).

    فبه يخرج العبد من الظلمات إلى النور: ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15ـ 16).

    إنه الشفاء لأمراض الصدور من الشبهات والشهوات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس:57) .وقال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الإسراء: من الآية82).

    وقال سبحانه: ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ)(فصلت: من الآية44)

    إنه الروح الذي تحيا به القلوب والأرواح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52).

    إنه الكتاب الذي أحيا الله به قلوبا كانت ميتا وجعلها به في مصاف المؤمنين الصادقين :(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122).

    إن تدبر القرآن يزيد العبد إيمانا ونورا وبصيرة ؛ فهذا لتدبر يعينه على الفهم والعمل بما علم ، وهذا الذي كان عليه الأسلاف رضي الله عنهم وأرضاهم ، كما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : إن من قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.

    وكان يعتب على من جعل همه مجرد القراءة ، وإن كان القارىء يؤجر بمجرد قراءته ، لكن الذي لا شك فيه أن القراءة النافعة للقلب المؤثرة في زيادة الإيمان هي القراءة المتدبرة الخاشعة ، ولهذا يقول الحسن رحمه الله:يا ابن آدم :كيف يرق قلبك وإنما همك في آخر سورتك؟! .

    إن الله تعالى دعانا إلى تدبر آيات كتابه العزيز ، وبين سبحانه أن التدبر من أعظم المقاصد فقال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29).وقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) .

    ويقول الله عز وجل: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24).

    وقد استجاب العلماء والصالحون لهذا التوجيه الرباني الكريم فرأينا منهم عجبا.

    هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى وكانت عيناه تذرفان حين قرأ عليه ابن مسعود من سورة النساء قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41] فهل تتوقع أن يكون ذلك من غير تدبر؟

    وكان يدعو الأمة إلى التدبر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190، 191]. قال صلى الله عليه وسلم: "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها".

    أما أصحابه فكان الواحد منهم ربما قام الليلة بآية واحدة يرددها ويتدبرها فلا يتجاوزها ،؛ لما فيها من العجائب أو الوعد والوعيد،يقول محمد بن كعب القُرَظِي قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) و(القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)".

    وإذا قرأ العبد القرآن لتدبر ازداد إيمانا وفاز بالعديد من الثمرات التي ذكر الإما ابن القيم رحمه الله شيئا منها حين قال: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما. وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتَتُلُّ في يده(تضع) مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة. وتثبت قواعد الإيمان في قلبه. وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم. وتبصره مواقع العبر. وتشهده عدل الله وفضله. وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها. وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه.

    وبالجملة تعرِّفُهُ الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.

    وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه".

    نسأل الله تعالى أن يرزقنا تدبر كتابه ، وأن يزيدنا إيمانا.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:32 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    أسباب زيادة الإيمان:طلب العلم
    مما لا شك فيه أن طلب العلم وحضور مجالسه مما يزيد القلب رقة وإيمانا ، كيف لا وبالعلم تعرف صفات الرب جل وعلا ، وبالعلم يعرف الحلال من الحرام، وبه تعلو الدرجات، (يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(المجادلة: من الآية11).

    بالعلم يزداد الإيمان فتقع خشية الله عز وجل في القلوب ، كما أخبر الله في كتابه الكريم: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(فاطر: من الآية28).

    وكما قال سبحانه: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الحج:54) .

    وكيف لا يزداد الإيمان بطلب العلم ومجالس العلم هي مجالس ذكر تتلي فيها آيات الله ويتعلم فيها كيف يعظم الرب ويمجد وكيف يعبد ، وتدرس فيها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه المجالس تحضرها الملائكة كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " إن لله ملائكة سياحين في الأرض ـ فضلا عن كتاب الناس ـ فإذا وجدوا أقواما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون فيحفون بهم إلى السماء الدنيا، فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟ فيقولون: تركناهم يحمدونك، ويمجدونك، ويذكرونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا، قال: فيقول :كيف لو رأوني؟ قال: فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تحميدا وأشد تمجيدا وأشد لك ذكرا، قال: فيقول: وأي شيء يطلبون؟ قال: فيقولون: يطلبون الجنة، قال: فيقول: فهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا، قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد لها طلبا وأشد عليها حرصا، قال: فيقول: فمن أي شيء يتعوذون؟ قالوا؟ يتعوذون من النار، قال: فيقول: فهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد منها هربا وأشد منها خوفا وأشد منها تعوذا، قال: فيقول: فإني أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقولون: إن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم، إنما جاءهم لحاجة، فيقول: هم القوم لا يشقى لهم جليس ".

    كيف لا يزداد إيمان العلماء وطلاب العلم ، وهم حين اجتمعوا لمدارسة العلم قد " نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ".

    وكيف لا يزداد إيمان من هو في كل مرة يزداد فيها علما إنما يزداد نورا وبصيرة؟

    وقد جعل الله العمى الحقيقي الجهل الذي هو في مقابلة العلم ،فالعلم نور للبصائر والجهل ظلمة وعمى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الرعد:19). وقال الله تعالى مبينا سبيل نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)

    وكيف لا يزداد إيمان من أراد الله تعالى به خيرا بسلوكه سبيل العلم والفقه في الدين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "

    وكيف لا يزداد إيمان ورثة الأنبياء والمرسلين ، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ".

    أم كيف لا يزداد إيمان من علم الناس الخير حتى " إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".

    ومن كرم أهل العلم على الله تعالى أن جعلهم شهداء على أعظم مشهود عليه ، كما قال تعالى: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18) .

    وكيف لا يزداد إيمان من دعا لهم النبي صلى الله عليه وسل حين قال: " نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، رب حامل فقه إلى ‌من هو أفقه ".

    إن أهل العلم يسلكون سبيل النبي صلى الله عليه وسلم ، وسبيله هو النور الذي به يبصر العبد أمر دينه ودنياه وآخرته ، وبه يعيش حياة السعداء الموفقين المؤمنين ، وقد وصف الله نبيه بذلك فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15-16).

    ومن أجل كل هذه الفضائل وغيرها ، ولأن العلم من أعظم أسباب زيادة الإيمان فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه تعالى منه المزيد: ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: من الآية114).

    فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يعلمه العلم النافع : " اللهم إني أسألك علما نافعا.."

    فاللهم زدنا إيمانا وعلما ، واجعل ما علمتنا حجة لنا لا علينا ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-13-2015, 01:34 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    هل تجد قلبك؟
    إن القلب هو محل نظر الرب سبحانه وتعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

    وما سمي القلب قلبا إلا من تقلبه، فتارة يجد العبد قلبه ممتلئا إيمانا وخشية ، مما يورثه سعادة وأنسا وانشراحا،وتارة يضيق عليه صدره ويضعف الإيمان في قلبه ،وهذا حال ابن آدم.

    وقد نبه الشرع المطهر إلى هذه الحقيقة ـ أن القلب يتقلب ـ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما القلب من تقلبه ، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن".

    وقال صلى الله عليه وسلم: " لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا".

    ولهذا كان كثيرا ما يسأل ربه ثبات القلب على الإيمان والهداية والتقوى ، فيقول: " اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة رضي الله عنه أن القلب لا يستقر على حال ، فحين لقي حنظلة أبا بكر رضي الله عنه فسأله أبو بكر: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: نافق حنظلة ، قال أبو بكر : وما ذاك؟ قال حنظلة : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ( يعني أسباب المعاش ) فنسينا كثيرا ، قال أبو بكر رضي الله عنه : إنا لنلقى مثل هذا ، فانطلقا حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال: " والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة".

    نعم فالإيمان يزيد وينقص ، وهذه عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص ، وقد دل على ذلك الكثير من الأدلة ، ومنها قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (الفتح:4) .

    وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال:2) .

    وقوله تعالى (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22).

    وحين يزداد الإيمان ينعم الإنسان بهذا الإيمان حتى قال بعضهم: إنه لتمر بالقلوب ساعات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي خير عظيم.

    وقالوا حين استشعروا حلاوة الإيمان ولذته : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه ( يعني من السعادة) لجالدونا عليه بالسيوف.

    كما قد يضعف الإيمان في القلب حتى لا يكاد يكون له أثر ولا يكاد يحجز صاحبه عن شيء من المعاصي ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".

    وليس معنى ذلك أن الزاني والسارق وشارب الخمر قد كفر بذلك ، كما بين ذلك النووي رحمه الله فقال في شرح هذا الحديث: فالقول الصحيح الذي قاله المحققون إن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله... كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة.

    وإنما تأولناه على هذا المعنى لحديث أبي ذر وغيره من قال: "لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق"...

    فالمقصود بيان أن الإيمان قد يضعف جدا في القلب ، وإذا ضعف الإيمان في القلب وجد العبد وحشة وضيقا حتى إن الدنيا كلها لتضيق عليه كما قال الله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً )(طـه: من الآية124).

    لهذا كان لزاما على العبد أن يتفقد قلبه ويأخذ بأسباب صلاحه وزيادة الإيمان لأنه:

    لا يفلح ولا ينجو يوم القيامة إلا أصحاب القلوب الحية الطيبة السليمة المؤمنة: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:88ـ89) .

    وقد كان السلف يوقنون بهذا فيتواصون بأسباب زيادة الإيمان كما ثبت ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول لجلسائه: تعالوا نزدد إيمانا.

    وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لأخيه المسلم إذا لقيه: اجلس بنا نؤمن ساعة.

    كما كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: هيا بنا نؤمن ساعة ، وأُثر من دعائه: اللهم زدني إيمانا ويقينا وهدى وصلاحا.

    فما هي أهم أسباب زيادة الإيمان؟

    هذا ما نجيب عنه في مقالات قادمة إن شاء الله ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
    منقول
                  

09-13-2015, 01:36 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من لوازم الحكم على الآخرين : سلامة القلب والتجرد من الهوى
    إن محاولة تقويم أي رجل من الرجال أو مؤلَّف من المؤلَّفات بمقررات سابقة وخلفيات مبيتة تجعل الإنسان يميل عن الحق ميلاً واضحًا، فهو لا ينظر إلى المرء بمجموع أعماله, بل يتغاضى عن المحاسن, ولا يقع بين عينيه إلا الهفوات، بل قد يعطيها أكثر مما تستحق من النقد والتجريح.
    لذا كان التجرد في التقويم من الأسباب المهمة التي تجعل الحكم صوابًا أو قريبًا من الصواب. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}.
    وكما يجب التجرد من هوى العداوة والبغضاء في النقد فإنه يجب التجرد من هوى الحب في المدح, وكما لا يجوز التحامل فإنه لا تجوز المحاباة. قال شعبة: "لو حابيت أحدًا لحابيت هشام بن حسان، كان ختني ولم يكن يحفظ".
    وسئل علي بن المديني عن أبيه فقال: "سلوا غيري". فأعادوا فأطرق، ثم رفع رأسه فقال: "هو الدين".
    وكان أبو داود السجتساني يكذّب ابنه. وقال عبيد الله بن عمرو: قال لي زيد بن أبي أُنيسة: "لا تكتب عن أخي؛ فإنه كذاب".
    وتدبروا أيها الإخوة وصية الله لنبيه داود عليه السلام: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.
    فلا ينبغي أن تكون المحبة لشخص أو البغضاء له دافعًا إلى إهمال العدل: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}. والقلب إن لم يسلم من التأثر بهذه العواطف القلبية فلابد من الخطأ في التقويم.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن المعلوم أن مجرد نفور النافرين، أو محبة الموافقين، لا يدل على صحة قول ولا فساده, إلا إذا كان ذلك بهدى من الله, بل الاستدلال بذلك استدلال باتباع الهوى بغير هدى من الله؛ فإن اتّباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل الذي يحبه، وردّ القول والفعل الذي يبغضه بلا هدى من الله".
    وقال أيضًا رحمه الله: "وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك, ولا يطلبه, ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله, بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه, ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين: أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة، وأنه الحق، وهو الدين".

    اقصد وجه الله والنصح للمسلمين
    وبهذا يتبين أن التجرد في القول والعمل وسلامة المقصد أصل مهم في تقويم الرجال وأعمالهم، حتى لو كان رأي الإنسان صحيحًا, لكنه لم يقصد به وجه الله تعالى ثم النصح للمسلمين؛ فإن عمله مردود غير مقبول, وهو مأزور غير مأجور إذا لم يتجاوز عنه ربه؛ قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم, إن لم يقصد منه بيان الحق وهدى الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم لم يكن عمله صالحًا، وإذا غلظ في ذم بدعة ومعصية كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد كما في نصوص الوعيد وغيرها. وقد يهجر الرجل عقوبةً وتعزيزًا والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام, كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الثلاثة الذين خلّفوا في غزوة تبوك".
    فعلى الإنسان المسلم أن يفتش في قلبه ويطهّره من جميع آثار الهوى قبل أن يبدأ في تقويم شخص من الأشخاص أو كتاب من الكتب؛ لكي يكون متين الرأي منصفًا, بعيدًا عن الجور والظلم المذموم شرعًا، وذلك أن صاحب هذا القلب الطاهر السليم مطمئن البال, هادئ النفس, يحب الخير للناس, ويبذل النصح لهم, وهذه هي صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين مدحهم الله عز وجل بقوله: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}.
    ومثل هذا يُلقى له القبول بين الناس حتى وهو يرد على الأخطاء والانحرافات؛ فإنه يصاحبه في ذلك شعور بالشفقة وحب الهداية للغير لا مجرد الرد والخصومة والجدال كما هو الحال في كثير ممن يتصدى للمخالفين له أو لشيخه؛ حيث إن الأمر يصل به إلى الاعتداء في كلامه لمن يخالفه في الفروع التي يسعها الخلاف, فضلاً عن الأصول, لا لشيء إلا لأنه خالفه أو خالف شيخه وكفى.

    لا تشغل قلبك بما ينالك من الأذى
    فبسلامة القلب ـ إخوة الإسلام ـ يتم العدل في جميع الأمور, وصاحب القلب السليم لا يؤذي المسلمين ولو آذوه، ولا ينتقم لنفسه.
    وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين أحد عشر مشهدًا فيما يصيب المسلم من أذى الخلق وجنايتهم عليه, نكتفي بمشهد واحد؛ حيث يقول رحمه الله: "المشهد السادس: مشهد السلامة وبرد القلب، وهذا مشهد شريف جدًا لمن عرفه وذاق حلاوته، وهو أن لا يشغل قلبه وسِره بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درك ثأره وشفاء نفسه، بل يفرّغ قلبه من ذلك، ويرى أن سلامته وبرده وخلوّه منه أنفع له وألذ وأطيب، وأعون على مصالحه؛ فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما هو أهم عنده وخير له منه، فيكون بذلك مغبونًا، والرشيد لا يرضى بذلك ويرى أنه من تصرفات السفيه، فأين سلامة القلب من امتلائه بالغلّ والوساوس وإعمال الفكر في إدراك الانتقام.
    ولابن تيمية رحمه الله رسالة كتبها إلى تلامذته بدمشق تبرز فيها هذه الصفة ـ سلامة القلب ـ بجلاء, نذكر مقاطع منها:
    يقول رحمه الله في رسالته لتلامذته: "وتعلمون من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب, واجتماع الكلمة, وصلاح ذات البين؛ فإن الله تعالى يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}, ويقول: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}, وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف, وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة".
    إلى أن قال في الرسالة نفسها: "وأول ما أبدأ به من هذا الأصل ما يتعلق بي, فتعلمون ـ رضي الله عنكم ـ أني لا أحب أن يؤذى أحد من عموم المسلمين ـ فضلاً عن أصحابنا ـ بشيء أصلاً, لا باطنًا ولا ظاهرًا، ولا عندي عتب على أحد منهم ولا لوم أصلاً, بل لهم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كان كلٌّ يحسبه, ولا يخلو الرجل إما أن يكون مجتهدًا مصيبًا أو مخطئًا أو مذنبًا، فالأول مشكور، والثاني مع أجره على الاجتهاد فمعفو عنه مغفور له، والثالث فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين، فنطوي بساط الكلام المخالف لهذا الأصل كقول القائل: فلان قصّر، فلان ما عمل، فلان أوذي الشيخ بسببه، فلان كان سبب هذه القضية، فإني لا أسامح من آذاهم من هذا الباب ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل مثل هذا يعود على قائله بالملام إلا أن يكون له من حسنة، وممن يغفر الله له إن شاء الله, وقد عفا الله عما سلف".
    إلى أن قال رحمه الله في الرسالة نفسها: "فلا أحب أن يُنتصر من أحد بسبب كَذِبِه عليّ، أو ظُلمِه وعدوانه؛ فإني أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي, والذين كذبوا وظلموا في حلّ من جهتي".
    انتهى كلامه رحمه الله، وهو كلام عظيم يستشعر قارئه فيه الصدق وقمة التجرد من الهوى، وقلّ من يكون كذلك.. وقد قال الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي: "هيهات هيهات! إن في مجال الكلام في الرجال عقبات، مرتقيها على خطر، ومرتقيها هوىً لا منجى له من الإثم ولا وزر، فلو حاسب نفسَه الرامي أخاه ما السبب الذي أهاج ذلك؟ لتحقق أنه الهوى الذي صاحبه هالك.

    كلام الأقران بعضهم في بعض يطوى ولا يروى
    ونظرًا لأهمية هذه القاعدة ـ سلامة القلب والتجرد من الهوى ـ في تقويم الأشخاص والكتب كان من منهج أئمة الحديث في تقويم الرجال أن كلام الأقران بعضهم في بعض يطوى ولا يروى، والأقران هم النظراء في المكانة والعلم أو المتنافسون في مجال ما، فهؤلاء الأقران كثيرًا ما يقع بينهم شيء من الاختلاف لأي سبب من الأسباب؛ فيؤدي ذلك إلى وقوع بعضهم ببعض دون عدل أو تأنٍّ، حتى إن الواحد منهم قد يصف صاحبه بأوصاف يعلم يقينًا أنه بريء منها، ولكنّ حبّ الذات والانتصار للنفس يزكي فيه روح الغيرة والاعتداء. ومن أجل هذا كان النقاد الجهابذة من المحدثين يهملون هذا الجرح لأنه في الغالب لا يسلم من التجرد من الهوى ولا يصدر عن سلامة في القلب.
    قال الإمام الذهبي: "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به, لاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد... وما ينجو منه إلا من عصمه الله، وما علمت أن عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين, ولو شئت لسردت من ذلك كراريس".
    فإذا كان هذا كلام الذهبي في زمانه السالف وما قبله فكيف بحالنا اليوم؟!
    وقال السبكي: "الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكّوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه مِن تعصب مذهبي أو غيره، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة، ولو فتحنا هذا الباب وأخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة؛ إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون.

    فتأمل أخي المسلم كيف كان منهج سلفنا في تقويم الأشخاص, وكيف أصبحنا اليوم نقع في الأشخاص وننقدهم النقد اللاذع, ليس لأننا رأينا أخطاءهم بالعمل, ولكن اعتمادًا على كلام أقرانهم وقدح منافسيهم فيهم, مع أن ذلك لا يصلح الاعتماد عليه في النقد والتقويم, بل يطوى ولا يروى كما قال الأئمة.
    ومن المهم أن ندرك أن صورة ذلك الاختلاف بين الأقران لا تقف عند المحدثين فحسب، بل تتعداه في عصرنا إلى العلماء والدعاة وشتى العاملين في حقل الدعوة الإسلامية. ولذا كان المنهج القسط أن ينظر إلى الخلفيات التي تكمن وراء الجرح والنقد، ومن ثم يوزن الجرح أو النقد بما يقتضيه الحال مع التحري والإنصاف, حتى لا يُتَّهم أحد بما ليس فيه، فليس كل جرح مؤثرًا، وليس كل اتهام مقبولاً.
    قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يتبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه".
    فتأمل كيف ابتعد الناس اليوم عن معنى هذا الكلام المستقيم؛ حيث أصبحوا يفقدون الثقة بعضهم ببعض اعتمادًا على شائعة أو اتباعًا لكلام حاسد.
    ومن التجرد من الهوى الفرح بإصابة الغير للحق والحزن على مجانبتهم له، ولعل هذا الأمر من أصعب الأمور؛ لأنه يمثل قمة العدل والتقوى والورع، ومما يؤسف ويحزن أننا نرى الكثيرين من دعاة المسلمين اليوم ـ فضلاً عن عامتهم ـ إذا رأوا غيرهم قد أخطأ فإنهم يفرحون بذلك, حتى يحسبونه غلبة, بل إنك ترى الكثيرين منهم يتتبع الكتابات والمقالات التي قالها غيرهم, وهمهم الوحيد هو تتبع العثرات والفرح باصطيادها, في الوقت الذي لو وجدوا خلاف ذلك ـ من إصابة غيرهم للحق ـ فإنهم يحزنون لهذه الإصابة، وهذا ـ والعياذ بالله ـ هو الظلم والحقد والحسد والذي لا يلتقي مع الإخلاص والعدل وحب الخير للناس، وما أحسن الحكاية التي ذكرها ابن رجب رحمه الله حول هذا الأمر؛ حيث قال: "وقد استحسن الإمام أحمد ما حكي عن حاتم الأصم أنه قيل له: (أنت رجل أعجمي لا تفصح، وما ناظرك أحد إلا قطعته, فبأي شيء تغلب خصمك؟ فقال: بثلاث؛ أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ لساني عنه أن أقول له ما يسوؤه. ـ أو معنى هذا ـ فقال أحمد: ما أعقله من رجل).
    و الله تعالى أعلم ، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المصريون
                  

09-14-2015, 00:40 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    عواقب وآثار التسويف
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:

    فقد تكلمنا في مقال سابق عن التسويف معناه وأسبابه ، وفي مقالنا هذا نتكلم عن آثار التسويف على صاحبه وعلى دعوته وعمله.

    أما آثار التسويف على العاملين فكثيرة، نذكر منها:

    1 - الحسرة والندم في وقت لا تنفع فيه الحسرة والندم:

    ذلك أن المسوف يقضي دهره متعديا على حدود الله، مفرطاً في جنبه حتى إذا جاءه الموت، وكشف عنه الغطاء، وعاين الأمور على حقيقتها يتحسر ويندم، ويتمنى التأخير، أو الرجعة إلى الدنيا ليتدارك أمره، وأنى له ذلك، وقد ضاعت منه الفرصة وفات الأوان، يقول تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} ( المؤمنون: 99-100)، {وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق وأكن من الصالحين.ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعلمون} ( المنافقون: 10-11)، {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}( الأنعام: 27).

    2 - الحرمان من الأجر والثواب:

    وهو كذلك بتعديه على حدود الله، وتفريطه في جنبه سبحانه حرم نفسه من كثير من الأجر والثواب، وما قيمة الإنسان غدا إذا لقي ربه بغير أجر ولا مثوبة، إن قيمته إذن أن يكون من أصحاب الجحيم، وتلك هي الخسارة الحقيقية، وصدق الله الذي يقول: {إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} (الزمر: 15)، {إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} (الشورى: 45).

    3 - تراكم الذنوب، وصعوبة التوبة :

    والتسويف يؤدي إلى تراكم الذنوب، وإذا تراكمت الذنوب ثقلت على المرء، وحار حيرة شديدة، بأيها يبدأ، وبأيها ينتهي، الأمر الذي يؤول به إلى استثقال التوبة وصعوبتها وواقع العصاة والمذنبين في كل عصر ومصر خير شاهد على ذلك .

    4 - تراكم ا لأعمال، وصعوبة الأداء :

    وقد يؤدي التسويف إلى تراكم الأعمال، وتزاحم الأعباء، فلا يدري المرء أيها يقدم، وأيها يؤخر، ومن ثم يتشتت فكره ويضيع سعيه، ويصبح أمره فرطا، ولا يمكن أن ينجز واجباً من الواجبات .

    5 - ضياع الهيبة، وعدم القدرة على التأثير في الناس:

    وهو بتعديه على حدود الله، وتفريطه في جنبه سبحانه وعدم قيامه بواجبه نحو ربه، ونحو نفسه، وذويه، ونحو أمته، تضيع هيبته من صدور الناس، ولا يتمكن من إتقان أي عمل من الأعمال، الأمر الذي يفقده القدرة على التأثير في الناس، وإذا ضاعت هيبة المسلم من صدور الناس فقد القدرة على التأثير فيهم، واستوى معهم، وكيف يستوي معهم، والمفروض أنه إمامهم، ورائدهم كما قال سبحانه: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيـدا} ( البقرة :143)، {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس} ( الحج : 78).

    أما آثاره على العمل الإسلامي ، فمنها:

    1 - تطويق العمل الإسلامي :

    الأمر الذي يؤدي إلى طول الطريق وكثرة التكاليف، ذلك أن التسويف ينتهي بأصحابه إلى ضياع الهيبة، وفقدان عنصر التأثير في الناس كما قدمنا، الأمر الذي يطمع العدو، ويقلل من الأنصار، وبذلك يسهل تطويق هذا العمل، وتكثر التكاليف ويطول الطريق .

    2 - الحرمان من العون والمدد الإلهي :

    وذلك أن من سنته سبحانه في خلقه أنه لا يمنحهم عونه ولا مدده وهم مسوفون، متعدون على حدود الله، مفرطون في جنبه سبحانه، وإذا حرم العمل الإسلامي عونه ومدده سبحانه، فعلى هذا العمل السلام، ولن يصل إلى مبتغاه.

    علاج التسويف:

    وما دمنا قد وقفنا على ماهية ومظاهر وأسباب وآثار التسويف، فإنه يسهل علينا الآن أن نسعى نحو العلاج، والوقاية، بل أن نصف هذا العلاج وهذه الوقاية، وذلك على النحو التالي:

    1 - أخذ النفس بالحزم، وقوة العزيمة، ولأن تتعب النفس اليوم لتستريح غدا، خير لها من أن تستريح اليوم، وتتعب غدا، وأيضا لأن مكر الله غير مأمون، والموت يأتي بغتة، وإذا لم يأت بغتة فإنه يسبقه المرض، ثم يكون الموت، وهو سبحانه يقول: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون.واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون.أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين.أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين.أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين.بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكـافرين} (الزمر: 54-59).

    2 - تذكير النفس دوماً بأن التسويف عجز وضعف، وخور، وليس من سمات المسلم العجز، والضعف، والخور، بل إن الإنسان إذا كان معتزا بإنسانيته فإنه يأبى عليها هذه الأوصاف، وإن مثل هذا التذكير إن كان صادقا، وانفعلت به النفس، فإنه سيقودها حتما إلى التشمير، والمسارعة بترك المحظور والمكروه، وفعل المأمور والمحبوب، ورضي الله عن سيدنا عمر حين قال : " من القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد ".

    3 - دوام الدعاء والضراعة إلى الله - عز وجل - بالتحرر من العجز والكسل ؛ فإن الدعاء هو العبادة، وهو سبحانه يقول: {ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} ( غافر: 60)، {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة: 186).

    4 - أن تأخذ البيوت نفسها بالحزم والعزم حتى لا تفسد الناشئة من الأولاد، وعلى الأولاد من جانب آخر أن يشبوا على تعلم وتعاليم الكتاب والسنة، وأن يزنوا كل تصرف بهما، فما وافقهما فهو الحق، وعليهم اتباعه، وما خالفهما فهو الباطل، وعليهم اجتنابه.

    5 - الانسلاخ من صحبة الكسالى، والمسوفين، والارتماء بين يدي ذوي الحزم، والعزم، والقوة، فإن ذلك من شأنه أن يحمل على مجاهدة النفس وأخذها بالحزم، والعزم، والقوة.

    6- الاحتراز من المعاصي والسيئات بألا يقع فيها المسلم أصلا، وإن وقع بادر بالتوبة، فإن أكثر التسويف مبعثه الانغماس في المعاصي والسيئات على النحو الذي ذكرنا في الأسباب، بل ويشفع ذلك بمزيد من الطاعات: فرائض، ونوافل حتى تلين الجلود، والجوارح، وترق القلوب بذكر الله، فتنشط النفس من عقالها، وتتخلص من التسويف.

    7 - تذكر الموت والدار الآخرة على الدوام، فان مثل هذا التذكر مما يقلل عمر الدنيا في نظر المسلم، ويهون من شأن زخرفها، وزهرتها، وزينتها، ويحمله على المبادرة بالتوبة، وأداء الحقوق لذويها، وإن ثقل الحمل، وعظمت التكاليف .

    8 - معايشة السلف في نظرتهم إلى التسويف، ونفورهم منه نفورا شديدا قولا، وفعلا، فكرا، وسلوكا، وسبق قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : (من القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد) .

    وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقد فرغ من دفن سليمان بن عبد الملك الخليفة الذي كان قبله، وانتهى من الخطبة التي افتتح بها حكمه بعد أن بايعه الناس، ينزل عن المنبر ويتجه إلى بيته، ويأوي إلى حجرته يبتغي أن يصيب ساعة من الراحة بعد هذا الجهد، وذلك العناء اللذين كان فيهما منذ وفاة الخليفة سليمان بن عبد الملك.

    وما يكاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى يقبل عليه ولده عبد الملك - وكان يومئذ يتجه نحو السابعة عشرة من عمره - ويقول له: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا بني، أريد أن أغفو قليلا، فلم تبق في جسدي طاقة، فقال: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: أي بني، إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس، ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله، فقال: ومن لك يا أمير المؤمنين بان تعيش إلى الظهر؟ فألهبت هذه الكلمة عزيمة عمر، وأطارت النوم من عينيه وبعثت القوة والعزم في جسده المتعب، وقال: ادن مني أي بني، فدنا منه، فضمه إليه، وقبل ما بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي، من يعينني على ديني، ثم قام، وأمر أن ينادي في الناس: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها .

    وقال لقمان لابنه: يا بني، لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة، ومن ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف، كان بين خطرين عظيمين، أحدهما : أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي، حتى يصير رينا وطبعا فلا يقبل المحو، الثاني: أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو .

    وعن أبي إسحاق قال : قيل لرجل من عبد القيس في مرضه: أوصنا قال: أنذرتكم سوف .

    وأوصى ثمامة بن بجاد السلمي قومه، فقال: أي قوم، أنذرتكم سوف أعمل، سوف أصلي، سوف أصوم .

    ويقول الحسن البصري رحمه الله : إياك والتسويف، فانك بيومك، ولست بغدك، قال: فإن يكن غد لك، فَكِسْ فيه - أي اعمل عملا تكون به كيسا- كما كست في اليوم، وإلا يكن الغد لك، لم تندم على ما فرطت في اليوم .

    وكان مالك بن دينار يقول لنفسه: ويحك، بادري قبل أن يأتيك الأمر، ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر. حتى كرر ذلك ستين مرة .

    واجتهد سيدنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قبل موته، اجتهادا شديدا، فقيل له: لو أمسكت، أو رفقت بنفسك بعض الرفق، فقال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك، قال: فلم يزل حتى مات .

    10 - أن تقوم الأمة كلها على المستوى القيادي، وغير القيادي، في متابعة ومحاسبة المسوفين، فإن هذه المتابعة، وتلك المحاسبة، تقطع الطريق على النفس، وتحول بينها وبين التسويف، وهذا من حق الأمة على بعضها البعض وصدق الله العظيم: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله}( التوبة:71).

    11 - عدم الاستهانة بأي أمر من الأمور، وإن كان هذا الأمر بسيطا، واليقين بأن الأمر كله لله، والفرصة التي في يدك الآن قد تضيع منك غدا .

    12 - التذكير الدائب بالعواقب والآثار المترتبة على التسويف، فان هذا التذكير من شأنه أن يشحذ الهمم، والعزائم، وأن يقضي على التسويف عند من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
    اسلام ويب
                  

09-14-2015, 00:50 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    التقوى خير زاد
    إن خير ما يتزود به العباد في هذه الدار الدنيا ليوم معادهم هو تقوى الله عز وجل ، كما قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).(البقرة: من الآية197).إنه الزاد الذي لا غنى للعبد عنه ليقدم على ربه آمنا وإلا ندم يوم لا ينفع الندم:

    إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت يوم الحشر من قد تزودا

    ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا

    إنها خير ما يتزين به العبد وخير لباس يرتديه: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:26).

    ومما يدل على أهمية التقوى وعناية الله عز وجل بتحقيق العباد لها أن الله تعالى قد وصى بها الأولين والآخرين وبيَّن ذلك في كتابه الكريم فقال: ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).(النساء: من الآية131).

    ومما يدل على أهمية التقوى من الدين أن أنبياء الله من نبي الله نوح عليه السلام إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قد أمروا بها أقوامهم وطالبوهم بتحقيقها ، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ). (الشعراء:106)

    (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:124)

    (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:142)

    (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:161)

    (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:177).

    أما نبينا صلى الله عليه وسلم فوصى بها أمته في العديد من الأحاديث ويكفينا هنا وصيته للأمة في شخص معاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال له: " اتق الله حيثما كنت..." الحديث.

    معنى التقوى

    إذا كان للتقوى هذه المنزلة من دين الله تعالى فينبغي معرفة معناها ، وقد ورد عن السلف رضي الله عنهم العديد من العبارات في بيان معناها ولعلها تدور حول معنى واحد ، وهو أن يقوم العبد بأداء ما افترض الله تعالى عليه وترك ما حرم ليكون ذلك وقاية من وقوع العبد في عذاب الله.

    وقد ورد عن علي رضي الله عنه أنه فسرها بأنها :

    (الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل).

    أما عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فقال:

    (ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله).

    من فضائل التقوى

    إن القارىء لكتاب الله عز وجل ليجد أن القرآن قد وعد المتقين بالعديد من المنح الربانية وجعلها ثمرة تقواهم لربهم تبارك وتعالى ومن ذلك أنه وعدهم بتفريج كرباتهم وإخراجهم من كل ضيق وكربة وكفايتهم أرزاقهم : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً.وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق من الآيتين:3،2).

    كما وعدهم بتيسير أمورهم: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)(الطلاق: من الآية4).

    ولو أن العباد حققوا تقوى الله حقا لفتحت عليهم البركات وأبواب الخيرات : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96).

    إن العبد ليعمل الكثير من الأعمال يرجو بها رضا الله تعالى والفوز بمحبته، وقد وعد الله المتقين بهذا الفضل العظيم أنه الفوز بمحبته ومعيته : (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76) .

    (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: من الآية4)

    (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: من الآية36).

    هذا شيء يسير مما ورد من بشارات للمتقين في هذه الدنيا ، أما في الآخرة فإن لهم من الأجر والكرامة ما لا يعلمه إلا الله تعالى ومن ذلك:

    وعدهم بالنجاة من عذابه: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) (مريم:72).

    (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر:61) .

    ومن كرامته على الله أنه يحشرهم يوم القيامة مكرمين آمنين: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً) (مريم:85)

    ثم هم يوم القيامة في جنات يتنعمون ، يجدون فيها الجزاء الطيب على تقواهم لربهم في هذه الدار الدنيا:

    (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ).(النحل:30 ،31).

    وقال تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).(الحجر:45).

    (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ.كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ.لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ.فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (الدخان:51-57).

    ولو أردنا أن نتتبع كل ما ورد في القرآن من فضائل التقوى لطال بنا المقام لكننا أردنا أن ننبه فقط إلى شيء من فضائلها ، والحر تكفيه الإشارة ، فنسأل الله أن يعمر قلوبنا بتقواه وأن يرزقنا ثواب المتقين ، والحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-15-2015, 01:31 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    كيف تكتسب حسن السمت
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ،وبعد:

    فقد تكلمنا في مقال سابق عن حسن السمت وفضائله وفي مقالنا هذا نسلط الضوء على أهم الأسباب المعينة على اكتساب حسن السمت والتحلي به ، ومنها:

    أولا: تعمير الباطن بالإخلاص لله وتنقية الباطن مما يبغضه الله تعالى

    فهذا أصل التحلي بحسن السمت في الظاهر ، إذ ما يُسِرُّه العبد يظهر عليه علانية شاء أم أبى كما قيل: ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. ومن هنا لا سبيل إلى التماس السمت الحسن بدون إصلاح القلب،ولعل هذا هو ما عناه بعضهم بقوله: أظهر السمت في الليل فإنه أشرف من إظهاره بالنهار؛ لأن إظهارالسمت بالنهار للمخلوقين وإظهار السمت بالليل لرب العالمين.إن من أجمل ما يتزين به العبد ويكتسب به السمت الحسن تحقيقه لتقوى الله عز وجل ،وهي في أساسها عمل قلبي ينعكس على الجوارح ، وقد نبه الله عباده على هذا المعنى الجليل حين قال: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:26)

    ثانيا:التزام العمل الصالح وحفظ الجوارح

    وهذا من أحسن ما يتزين به المؤمنون فتراهم يقيمون فرائض الله ويتبعونها بالنوافل ، ويراقبون جوارحهم فيحفظونها من المعاصي ومخالفة أمر الله تعالى ، بل يمنعونها الفضول ، وهي الأمور الزائدة عن الحاجة. ومن أهم الجوارح التي ينبغي الاعتناء بها وحفظها اللسان ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت". وقد كان الصالحون يرون أن كثرة الكلام تذهب الوقار. وكان يحي بن أبي كثير رحمه الله يقول:خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أن ما وراءهما خيرٌ منهما:إذا كان حابساً لسانه محافظاً على صلاته.

    وذكر بعضهم أبياتا نسبها لابن المبارك رحمه الله يقول فيها:
    الصـمت زيــنٌ للفتى من منطقٍ في غير حينه
    والصدق أجمل للفتى في العـقـد عـنـد يـمـيــنـه
    وعلى الفتى بوقـاره سمتٌ يلــوح على جبينه

    كما يحفظ بصره من إطلاقه إلى ما حرم الله تعالى ، وفي الجملة يتنزه عن ارتكاب المحظورات بجوارحه ويعلم أنها ستشهد عليه وستنطق بما فعلت بين يدي الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية.كما لا يكثر من الالتفات والعبث بثوبه أو لحيته عند مجالسة القوم.

    ثالثا: تعمير الظاهر باتباع السنة

    فخير الهدي هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن الاقتداء به اتباع سنته في الهدي الظاهر بإعفاء اللحية وحف الشارب ولبس الثياب البيض ، والعناية بنظافتها من غير تكلف ولا كبر ولا خيلاء ، استمع في هذا المقام إلى وصية العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله إذ يقول في حلية طالب العلم:
    [ لا تسترسل في التنعم والرفاهية، فإن "البذاذة من الإيمان"، وخذ بوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه المشهور، وفيه:
    "وإياكم والتنعم وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا ".وعليه، فازور عن زيف الحضارة، فإنه يؤنث الطباع، ويرخي الأعصاب، ويقيدك بخيط الأوهام، ويصل المُجِدُّون لغاياتهم وأنت لم تبرح مكانك، مشغول بالتأنق في ملبسك، وإن كان منها شيات ليست محرمة ولا مكروهة، لكن ليست سمتاً صالحاً، والحلية في الظاهر كاللباس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديد له، وهل اللباس إلا وسيلة التعبير عن الذات؟!
    فكن حذراً في لباسك، لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك، في الانتماء، والتكوين، والذوق، ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن، والناس يصنفونك من لباسك، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من:
    الرصانة والتعقل.
    أو التمشيخ والرهبنة.
    أو التصابي وحب الظهور.
    فخذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالا لقائل، ولا لمزا للامز، وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لبسك بما يلتقي مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي، كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك، بل بحسن نيتك يكون قُربة، إنه وسيلة إلى هداية الخلق للحق.
    وفي المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :"أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب".أي: ليعظم في نفوس الناس، فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق.
    والناس - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - كأسراب القطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض فإياك ثم إياك من لباس التصابي، أما اللباس الإفرنجي، فغير خاف عليك حكمه، وليس معنى هذا أن تأتى بلباس مشوه، لكنه الاقتصاد في اللباس برسم الشرع، تحفُّه بالسمت الصالح والهدي الحسن].

    فإياك ثم إياك والتشبه بالكافرين في زيهم وشاراتهم فإن هذا ليس من سمت الصالحين ولا من هدي المسلمين وفي الحديث: " ومن تشبه بقوم فهو منهم".

    رابعا:صحبة ذوي السمت الحسن

    من العلماء والصالحين فإن مصاحبتهم والخلطة بهم تؤدي إلى الاستفادة منهم في هديهم وسمتهم وأخلاقهم ، وقد كان الصحابة يجالسون النبي صلى الله عليه وسلم ويستفيدون من لحظه ولفظه ويتشبهون به في هديه وسمته ، كما كان من بعدهم يسأل عن أشبه الناس هديا وسمتا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليأخذوا عنه كما ورد في ذلك أن عبد الرحمن بن زيد – رحمه الله – قال : "سألتُ حذيفةَ عن رجل قريب السَّمْتِ والهَدي والدَّلِّ من رسولِ الله –صلى الله عليه وسلم- حتى نأخذَ عنه ؟ فقال : ما نعلم أحدا أقربَ سَمْتا وهَدْيا ودَلاّ بالنبيِّ –صلى الله عليه وسلم- من ابنِ أمِّ عبد ، حتى يتوارى بجدار بيته ، ولقد عَلِمَ المحفُوظُون من أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- : أن ابن أم عبد أقربُهم إلى الله وسيلة".ولعل علقمة رحمه الله تعالى قد حرص على صحبة ابن مسعود رحمه الله تعالى لأجل هذا المعنى فقد أورد الذهبي في السير أنه لازم ابن مسعود حتى رأس في العلم والعمل، وتفقه به العلماء، وبَعُد صيته.
    وكان يشبه بابن مسعود في هديه ودله وسمته.

    نسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا حسن السمت وأن يزيننا بزينة الإيمان ، وأن يجعل سرنا خيرا من علانيتنا وأن يسترنا بستره الجميل الطيب في الدنيا والآخرة ، والحمد لله رب العالمين.
    اسلام ويب
                  

09-15-2015, 01:33 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    في كتاب ربنا جل وعلا آيات كريمات كثيرة تتضمن فوائد عظيمة في تربية أنفسنا وتزكيتها وفي علاج مشكلاتنا، فوائد تعيننا على إدراك أدب الإسلام، والتحلي به في الأمور كلها.. ونذكر هاهنا بعض أمثلة من تلك الآيات التي قد نقرؤها ولا نلتفت إلى ما فيها من معانٍ وفوائد تربوية.. لكن مع التأمل ندرك منها ما كان خافيًا وما كنا عنه في غفلة، فمن ذلك مثلاً:

    1ـ قوله تعالى في أول سورة الأنفال: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].

    كثيرًا ما نتنازع في بعض الأمور، وربما كانت أمورًا دينية، ويتطور النزاع وتسوء فيه أخلاقنا، وننسى أن التنازع وسوء الخلق أكبر عند الله من تلك الأمور التي نتنازع فيها، ثم قد يتدخل أناس لحل النزاع فيكون هَمُّ كل منهم الانتصار لهذا الرأي أو ذاك، ولا نكاد نجد رجلاً رشيدًا يقول للقوم: إن ضياع الألفة والإخاء وفساد ذات البين أعظم مما تتنازعون فيه، لا تكاد تجد رجلاً ينقلهم من قضية التنازع الفرعية إلى الأهم وإلى الأصل الضائع، ولكن القرآن الكريم يعلمنا أن نكون كلنا ذلك الرجل الرشيد الذي يعرف المدخل الصحيح للتوجيه، فإن في الإسلام أصولاً لا يعوضها غيرها مما يتنازع فيه الناس، وتقوى الله والألفة وصلاح ذات البين من هذه الأصول العظيمة، وأهم من قضية تقسيم الغنائم بهذه الطريقة أو تلك {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم}..

    إذًا فالقرآن يعلمنا كيف يكون التوجيه والتربية والمدخل لمعالجة كثير من مشكلاتنا من خلال معالجة القرآن لاختلاف المسلمين بعد غزوة بدر في تقسيم الغنائم، ولم يكن اختلافهم بسبب الطمع في الدنيا، ولكن لارتباط الأنفال بذلك الوقت بحسن البلاء في المعركة، وكانت بذلك شهادة على حسن البلاء، وكان الناس ـ يومئذ ـ حريصين على هذه الشهادة من الله تعالى ومن رسوله الله صلى الله عليه وسلم في أول وقعة يشفي الله فيها صدورهم من المشركين.. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قد شجعهم على حسن البلاء، وأخبرهم أن العطاء سيكون على قدر البلاء الحسن كما في السنن عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال صلى الله عليه وسلم: ((من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا))، فكان حرصهم على أعطيتهم من الغنائم لا لدنيا وإنما لأن ما يُعطونه معبر عن أنه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وتقديره لهم؛ فكلهم حرص على هذا، ولكن القرآن يعلمهم ولو كان الأمر كذلك، إلا أنه لا ينبغي بحال أن يهدر بسببه الإخاء والأدب بينهم..

    فقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبي أمامه رضي الله عنه قال: سألت عبادة عن الأنفال فقال: (فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء، يقول: عن سواء).

    وروى الإمام أحمد أيضًا عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب؛ وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق به منا، نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم، وقال الذين حدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [لأنفال:1] اهـ. دعوكم من قسمة هذه الأنفال ودعوا ذلك لله وللرسول، وأقبلوا على ما هو أهم من كل ذلك {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}..

    ولذلك أخي الداعية إذا ما قدّر لك يومًا أن تكون بين متنازعين فلا يكن كل همك الخوض معهم في النزاع للانتهاء إلى هذا الرأي أو ذاك.. وربما كان في القضية ما هو أعظم مما تنازعوا فيه من سوء خلق أو فرقة وشقاق أو نحو ذلك.. فلا تتحرج أن تبدأ بإصلاح ما انخرم من الأصول قبل الفروع.. قد يتناقش اثنان ويخاطب كل منهما الآخر بأسلوب خارج عن أدب الإسلام، فإياك أن تتعدى هنا الخطأ، ولا تنكره وتسارع إلى محتوى النقاش، بل هذبهم أولاً وعلمهم كيف يتناقشون.. ويحفظون أدب الإسلام وأخوّته.. قبل أن تبين لهم ما اختلفوا فيه، بل كن مهتديًا بهدي القرآن.. وما أعظم تربيته للنفوس ومعالجته للمشاكل {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].

    2ـ قوله تعالى في سورة التوبة: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43].
    هذه الآية في شأن أناس قالوا: استأذِنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا ـ أي عن الخروج للغزو والجهاد ـ ولهذا قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} أي في إبداء الأعذار {وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}. يقول ابن كثير رحمه الله: هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم في القعود لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنهم قد كانوا مصرِّين على القعود عن الغزو وإن لم تأذن لهم فيه. (تفسير ابن كثير 2/345).

    فهذه الآية الكريمة نستفيد منها فائدتين تربويتين:

    الأولى: ضرورة تمحيص الأتباع بالمواقف العملية، واختبار الصدق والطاعة وعدم الاغترار أو الاعتماد على مجرد الكلام الجميل أو الحماس الذي لم يترجم في الواقع بعد. وفي هذا فائدة للمربي والقائد كي يكون على بصيرة ويعرف من معه واقعًا وعملاً، ومن معه بالكلام والدعاوى.

    وكما أن فيه فائدة للأتباع وهي إحراجهم أمام نفوسهم حتى يراجعوا أنفسهم، فلعلهم يتوبون ويصدقون.. أو على الأقل يقطع الطريق عليهم حتى لا يستمروا في التمثيل والدعاوى الباطلة ومخادعة العاملين المخلصين بالأقوال المعسولة.. فإذا جد الجد ظهر الخذلان ووقعت الصدمة، وقال الحسن رحمه الله: اعتبروا الناس بأعمالهم، ودعوا أقوالهم، فإن الله لم يدع قولاً إلا جعل عليه دليلاً من عمل يصدقه، فإذا سمعت قولاً حسنًا فرويدًا بصاحبه، فإن وافق قوله عمله فنعم ونعمة عين.

    وفي هذا المعنى أيضًا، ذلك التوجيه الرباني في قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [النور:53]، ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء:81].

    والفائدة التربوية الثانية في الآية: تكمن في تعليمنا أسلوبًا من أساليب عتاب الأحبة المخلصين إذا أخطأوا، وذلك بتقديم العفو قبل المعاتبة كما في قوله تعالى لرسوله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}.. عن عون رضي الله عنه قال: هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا؟ نداء بالعفو قبل المعاتبة، فقال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}.

    فهذا نتعلم منه أدبًا في عتابنا للأحبة المخلصين؛ حيث لا نجعله عتابًا جافًا، بل نبدؤه بما يؤكد الحب والمودة، بل لا بأس بشيء من الثناء بالحق على جوانب الخير في المعاتب، فهذا كله من حسن المعاتبة.

    قال ابن حزم رحمه الله: حالان يحسن فيهما ما يقبح في غيرهما، وهما: المعاتبة والاعتذار، فإنه يحسن فيهما ذكر الأيادي وذكر الإحسان، وذلك غاية القبح فيما عدا هاتين الحالتين؛ لأنه يصير من قصد مدح النفس.

    3ـ قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]..

    فهذه الآية الكريمة تربي فينا المنطق الحسن الجميل وعفة اللسان والاحتشام في الكلام، وذلك حين نجد في هذه الآية أن الله عز وجل يعبر عن قضاء الحاجة في الغائط وهو المكان المطمئن من الأرض، فكنّى الله عز وجل بهذا عن التغوط أو التبرز، فلم يقل: إذا عملتم كذا وكذا.. بل يكتفي بالعودة من هذا المكان كناية عما تم فيه، ومع هذا لا يسند الفعل إلى المخاطبين، فلا يقول: أو جئتم من الغائط، بل يقول: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} زيادة في أدب الخطاب ولطف الكناية، ليكون هذا الأدب نموذجًا للبشر حين يتخاطبون.

    كما نجد أدبًا رفيعًا فريدًا احتفى به القرآن دون غيره من سائر الكلام، وذلك حين يعبر عما يكون بين الرجل وامرأته بقوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، ومن المعلوم أن لفظ الجماع لم يرد ولا مرة واحدة في القرآن، والتعبير بالملامسة أرق وأحشم وأرقى، والملامسة قد تكون مقدمة للفعل أو تعبيرًا عنه، وعلى أية حال فهو أدب يضربه الله للناس في الحديث عن مثل هذه الشئون عندما لا يكون هناك مقتضٍ للتعبير المكشوف .
    هذا طرف يسير وقليل من كثير من الآداب والفوائد التربوية في كتاب الله الكريم.. ندعو الله أن ينفعنا بها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    د/هشام عبد القادر" المصريون"
                  


[رد على الموضوع] صفحة 9 „‰ 12:   <<  1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de